شركاء التحرير

 الخميس 25 أيار 2023

رغم مرور 23 عاماً على تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، حكايات كثيرة من الألم والتصدي والنصر لم تُروَ بعد. 25 أيار ليس عيداً لتحرير الجنوب عام 2000 فقط، بل عيد آلاف المقاومين والأهالي ممن صمدوا وتصدّوا وقهروا العصابات الصهيونية ثم جيش العدو الإسرائيلي، من العرقوب وعيناثا وحولا، ثم من بيروت والجبل والبقاع إلى صيدا والجنوب، حتى دحره إلى خلف الحدود مع فلسطين المحتلة. عظمة هذا التاريخ صنعها أبناء الأرض وأبناء المخيمات الفلسطينية. لكنها أيضاً صنيعة مئات الفدائيين العرب والأجانب، شركاء التحرير والنصر الذين جاؤوا من أصقاع العالم ليساهموا بدمائهم وأشلائهم وبعضهم بشبابه في الأسر، في استعادة الحق لأصحابه

أبو السعيد» الايراني: حاضر أبداً للالتحاق بجبهات الصراع

آمال خليل

في أحد أزقة مخيم مار الياس في بيروت، تجلس أمينة القاضي تحت ظل راية فلسطينية نُشرت فوق مسار المارة في المخيم الصغير. اعتادت الجلوس أمام منزلها في كل الأوقات، قبالة رايات حركة فتح وصور الرئيس ياسر عرفات والشهداء. اكتسبت البيروتية عادات أهل المخيم مذْ تزوجت الفدائي محمود الغربي بداية الثمانينيات وأقامت معه هنا. بعد استشهاده خلال حصار بيروت عام 1982، رفضت ابنة العشرين عاماً ترك المخيم والعودة إلى منزل أهلها مع طفليها الرضيعين. بين المخيم ومثواه، في جبانة شهداء فلسطين في شاتيلا، نذرت القاضي ما تبقّى من حياتها للقضية. ليست حالة فريدة في ذلك الزمن الذي توحّدت فيه المقاومتان الفلسطينية واللبنانية بوجه العدو الإسرائيلي. إلا أنها عايشت تجارب كانت غريبة للبعض. فدائيون من أميركا اللاتينية واليابان وأوروبا والمغرب العربي… تركوا التزاماتهم وأحباءهم ونجاحاتهم في مساقط رؤوسهم، وجاؤوا ليساهموا في تحرير لبنان وفلسطين. في الزقاق الموازي، حيث مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يسكن «أبو السعيد». إيراني الأصل، قاده الاجتياح الإسرائيلي الكبير عام 1982 من ألمانيا، وقرّر أن يمضي ما تبقّى من عمره هنا، موصياً بأن يدفن في مثوى شهداء فلسطين.

لم يمرّ الزمن على «الرفيق أبو السعيد». لا يزال عالقاً في «نوستالجيا» الفدائي الجاهز للالتحاق بجبهات الصراع ضد الإمبريالية والصهيونية أينما كان في العالم. وضعية الاستنفار والجهوزية المستمرة لديه منذ السبعينيات، منعته من الزواج وتأسيس عائلة. لا يزال يعرّف عن نفسه حتى الآن بأنه «مقاتل ميداني في المقاومة الفلسطينية – الجبهة الشعبية».

ينحدر «أبو السعيد» من جنوب غرب إيران. في سن المراهقة، شارك في تظاهرات أحزاب اليسار ضد نظام الشاه. لوحق واعتقل وهُدد، ما دفعه للمغادرة عام 1977 إلى ألمانيا لمتابعة دراسته. هناك، شارك بكثافة في أنشطة اتحاد الطلبة الإيرانيين ضد نظام الشاه والدول التي تدعمه وضد الإمبريالية الأميركية ودعماً للقضية الفلسطينية «لأن الطلاب الفلسطينيين كانوا ممنوعين من إقامة الأنشطة، ولا سيما الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». تحفظ ذاكرته تحركات ضد اتفاقية كامب ديفيد وزيارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر لفرانكفورت وضد المصالح اليهودية والإيرانية والقنصلية الأميركية… أدّى «أبو السعيد» واجبه ضد الإمبريالية والصهيونية في ألمانيا بما تيسّر له. لكنّ غليله الثوري لم يُشف إلا بعدما سمع نداء منظمة التحرير الفلسطينية عبر إذاعة الوفاء، عقب اجتياح بيروت عام 1982، يقول: «يا أحرار العالم قوموا فدافعوا عن ثورتكم». من دون تفكير، لبّى النداء مع ثلاثة رفاق إيرانيين. التحق بالجبهة الشعبية في سوريا، ومنها انتقل إلى لبنان. لم يسأله قادة العسكر الذين استقبلوه عن اسمه وجنسيته لأن «هذه التفاصيل غير مهمة أمام الالتزام الأممي بقضايا الشعوب المضطهدة». اختار لقب «أبو السعيد» لأسباب لا يزال يتكتم عنها.

سريعاً، انخرط في عمليات كبرى في بيروت والجبل والجنوب، هو الذي حمل خبرة عسكرية متطورة من خدمته الإلزامية في سلاح المدرعات في الجيش الإيراني. أولى مشاركاته كانت في التصدي لتقدم الجيش الإسرائيلي من بيروت نحو الجبل. يبدو كرادار خلال استعراضه للمواقع التي تنقّل بينها. لا يزال يحفظ جبال كفرسلوان وترشيش وبراري العبادية وعاريا وقرنايل وقرصون… يروي بدقة كيف قصف بصواريخ «غراد» مواقع للاحتلال في بعبدا، وكيف رصد مقر الاستخبارات في الكحالة. يتوقف عند أولى عملياته الميدانية في تشرين الأول عام 1982: «جهّزت نفسي لعملية استشهادية بموكب إسرائيلي كان سيمر من الكحالة في اتجاه عاليه بعد رصد سابق لأيام وتحديد الهدف عند مفترق شويت. سرت من أحراج رأس المتن باتجاه العبادية. مرّت آلية فيها جنديان، فانقضضت عليهما وأفرغت رشاشي فيهما». العملية الثانية البارزة، كانت في عام 1983 ضد حافلة تقلّ جنوداً إسرائيليين، اعترف إعلام العدو بسقوط قتيلين و11 جريحاً فيها.

جئت إلى لبنان استشهادياً ونجوت مرات من الموت فكيف أعود منه حياً بإرادتي؟


لم تكتمل فرحة «أبو السعيد» بتحرير الجبل من الاحتلال الإسرائيلي. في اليوم التالي، في آب 1983، بدأت حرب الجبل. انتقل إلى جبهة أخرى. من دوحة عرمون، دكّ قاعدة الجيش الأميركي في مطار بيروت. «في إحدى المرات، ردّت بارجة نيوجرسي من شاطئ السعديات على مصادر النيران، فاستشهد رفيق يمني». عام 1988، شارك في تفجير عبوة بسيارة تقلّ عناصر استخبارات اسرائيلية في وادي بسري. وفي 27 تشرين الأول 1990، قاد عملية مراح البيرة في سفح جبل الشيخ. لأيام طويلة، تقدم مجموعته سيراً من البقاع الغربي باتجاه راشيا حتى العرقوب: «كنا استشهاديين هدفنا التسلل إلى عمق فلسطين المحتلة. وقعنا في كمين عند محور شويا – شبعا. اشتبكنا مع العدو، فسقط الشهيد طلال عطية من كفرشوبا. كان معنا التونسي محمد مقداد خليفة الذي كان مجهّزاً بثلاثة كيلوغرامات تي أن تي. تقدّم باتجاه الجنود وفجّر نفسه فيهم. اعترف العدو يومها بسقوط ستة قتلى في عملية نفّذتها مجموعة كوماندوس تابعة للجبهة الشعبية»، فيما تمكّن «أبو السعيد» ومن تبقّى من رفاقه من الانسحاب.
عام 1996، شهد آخر عمليات «أبو السعيد». كان مسؤول وحدة حاولت تنفيذ عملية عند محور برعشيت ولم تفلح. توقف الأنشطة العسكرية للجبهة الشعبية لم يحبطه أو يعيده إلى بلده على غرار كثيرين من رفاقه: «جئت لأقاتل من أجل فلسطين ولبنان بوجه العدو الإسرائيلي. لذا لن أترك ساحة القتال ما دام الاستعمار والاستبداد قائميْن. في الأساس، جئت إلى لبنان استشهادياً، ونجوت مرات عدة من الموت المحتوم. فكيف أعود منه حياً بإرادتي؟».

إضافة إلى مَهماته الداخلية في «الجبهة الشعبية» كعضو لجنة مركزية، يعيش «أبو السعيد» بين صور الشهداء وملصقات العمليات وجبّانة الشهداء في شاتيلا. في مكتبه، صورة الشهيد «مظفر». لا يعرف عنه أكثر من أنه إيراني جاء من ألمانيا والتحق بالعمل الخارجي للجبهة بقيادة وديع حداد. تسلّل من الجنوب إلى فلسطين المحتلة واستشهد في عملية «سينما حين» في تل أبيب عام 1973. هناك أيضاً الإيراني شمس الدين كاظمي الذي استشهد عام 1974 في العمل الخارجي. تبادل الأسرى بين العدو وحزب الله في تموز 2008، أعاد نكء جراحه. يومها استُرجع رفات 35 شهيداً للجبهة منهم رفاق عمليات له، بينهم عطية وخليفة شهيدا عملية مراح البيرة والمغربي مصطفى قزبير. قبلهما، ودّع شهداء إيرانيين سقطوا في حرب الجبل وحرب المخيمات، منهم أحمد حسين نجاد الذي دُفن في سوريا، إضافة إلى شهداء سوريين وعراقيين ونيجيريين.

أيوب التونسي… آن أوان الرحيل

آمال خليل

في الشارع التحتاني في عين الحلوة، يقيم أيوب صادق منذ عام 1986، باسم حركي اختاره عند التحاقه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رمزاً للصبر والصدق. يعرفه جيرانه بـ«أيوب التونسي» نسبة إلى جنسيته. في اليوم الثالث لاجتياح 1978، وصل إلى لبنان، وشارك في الجبهات في كفرتبنيت وأرنون وحرب الجسور وحرب الجبل وشرق صيدا وحصار عين الحلوة، قبل أن يقع في الأسر في معتقلَي عتليت وأنصار. خلال الاعتقال، ترجم كتاب «مجزرة صبرا وشاتيلا» للمؤرخ الصهيوني أمنون كابليوك بعدما حصل عليه من الصليب الأحمر الدولي، ووزّع الترجمة على معسكرات المعتقلين. أشرف على أول نشرة إخبارية يومية مكتوبة وزّعها على الزنازين، استقى أخبارها من «راديو ترانزستور» كان صلته بالعالم. بعد تحرير صيدا وشرقها، استقر أيوب في عين الحلوة. تزوّج من إحدى بنات المخيم وأنجب ثلاثة أولاد. ومنذ عام 2003، افتتح متجراً لبيع التذكارات التراثية الفلسطينية.

لا يجد معظم عارفي أيوب سبباً لبقائه في المخيم الذي يعيش ظروفاً صعبة من الاشتباكات الأمنية المتكررة إلى ضيق العيش. أما بالنسبة إليه، فإن الأسباب التي دفعته للمجيء إلى لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 ومشاركته في صد العدوان على المخيم خلال حصاره عام 1982 ثم نضاله السياسي والاجتماعي فيه، لم تنتف طوال عقود… قبل أن تنتفي عام 2020 عندما قُتل بيرم، النجل البكر لأيوب، على يد أحد شبان المخيم. في الرواية الأمنية، فإن الشاب الذي درس الهندسة في بيروت وأقام وعمل في شرقها، قُتل بسبب خلافات شخصية. لكن أيوب يرجّح بأن ابنه «ربما دفع ثمن تجربة والده النضالية والعسكرية». مقتل بيرم أصاب أيوب بمقتل دفعه للتحضير للعودة إلى تونس نهائياً. في لحظة ضعف، حدّث نفسه: «هل هكذا تكافئني القضية؟ هل هكذا يكافئني المخيم الذي نذرت عمري وعائلتي لأجله؟». لكنه استدرك قائلاً: «القاتل هو الفاقد لهويته وانتمائه إلى القضية الشريفة».

يحكي أيوب عن مصير رفاقه «التوانسة» والمغاربة الذين قاتلوا على جبهات لبنان. منهم من انتحر ومنهم من أكمل نضاله في بلده بأشكال مختلفة. أما في الشأن الخاص، فقليلون هم من استطاعوا الانخراط اقتصادياً ومهنياً واجتماعياً في محيطهم. بعضهم تعرّض لانتقاد شديد بعد عودته من لبنان، لأنه «تغرّب كل تلك السنين وعاد إيد ورا وإيد قدام. كأنّ القضية بتطعمي خبز».

«الأخت فرانسواز» من نيس إلى البص

آمال خليل

في الشارع الفوقاني في عين الحلوة، يقيم محمد غندور منذ عام 1988. ابن مخيم برج البراجنة نزح قسراً إلى عين الحلوة بسبب حرب المخيمات. يقر ابن حركة «فتح» بأنه يعيش عمراً إضافياً منذ 24 أيلول 1984 بعد مشاركته في الهجوم على موقع الاحتلال في الأولي في صيدا. الموت نال من رفاق العملية، الفرنسية فرنسواز كستيمان والسوري سمير المصري وابن مخيم الرشيدية خليل ظاهر. قلة تعرف تجربة «أبو علي». يتحاشى الاستعراض خجلاً ممن استشهد وأُسر، ويخاف من غدر الدموع التي تخنقه كلما استذكر «الأخت فرانسواز».

في مستوصف البص، تعرّف غندور إلى الممرضة المتطوعة في الهلال الأحمر الفلسطيني. علم منها أنها تركت طفلين لها في نيس، أحدهما مقعد. بعد معايشتها لضحايا الاعتداءات الإسرائيلية، طلبت من فتح تدريبها على السلاح لتنخرط في العمل الفدائي. تُوجت مهاراتها بإطلاق الصواريخ باختيار من قبل الزعيم ياسر عرفات لها لتنفيذ عملية في عمق فلسطين المحتلة. شكّلت فتح المجموعة من غندور وظاهر والمصري وطارق مصطفى، لتنفيذ عملية بواسطة زورق زودياك يصل إلى الساحل المحتل ويخطف مستوطنين بهدف مبادلتهم بالأسرى. الحصار المعادي منع الزورق من الوصول، فاستبدل الهدف بمعسكر الأولي. بحسب غندور، نزلوا من الزورق واشتبكوا مع الجنود حتى استشهد المصري وظاهر وفرنسواز، وأُسر غندور ومصطفى قبل أن يُطلقا بعملية تبادل للأسرى عام 1985.

جثامين الشهداء الأسيرة نُقلت إلى البراد الذي استحدثته قوات الاحتلال بجوار عين الحلوة. حاولت مجموعة تنفيذ عملية لتحرير الجثامين. استشهد شابان. إلى أن تدخّلت السفارة الفرنسية في بيروت لتحرير جثمان فرانسواز حصراً. وبناءً على طلب والدتها التي حضرت إلى لبنان، أقيمت الجنازة الشعبية في بيروت ودُفنت في مقبرة الشهداء في شاتيلا. أما جثمانا المصري وظاهر فعادا في صفقة تبادل الأسرى عام 2008.

«مثوى شهداء فلسطين» الأممي: فرانكو فونتانا… عائد إلى القبر

آمال خليل

عند مدخل «مثوى شهداء فلسطين» في شاتيلا، يقيم محمد مع عائلته منذ عشر سنوات. يرعى المدافن ويحفظ شواهد أصحابها «لأنها تختصر العالم». هنا قبر الإيطالي فرانكو فونتانا، وهناك قبر الفرنسية فرانسواز كسيتمان، وبينهما قبرا اليابانيين ياسوكي ياسودا وأوكاديرا تويوشي اللذين استشهدا في عملية مطار اللد في فلسطين المحتلة عام 1972 مع رفيقهما وساموما روكا الذي توفي عام 2011 متأثراً بالتعذيب خلال الاعتقال وباكاو هيموري الذي أحرق نفسه في طوكيو عام 2002 احتجاجاً على الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية. قريباً من هذه القبور، دُفن عبد حسيني من العمارة في العراق والشاعر السوري كمال خير بك سوريا… لا يزال محمد، الذي نشأ في مخيمات بيروت، يعبّر عن دهشته «ممن تركوا بلادهم وهم في مقتبل الشباب ليقاتلوا من أجلنا، فيما كثير من الفلسطينيين يستميتون للهجرة إلى البلاد التي جاء منها هؤلاء. يدرك بأن الزمن تغيّر. أبرز حكايات أهل القبور، برأي محمد، هي فونتانا – أو «جوزيف إبراهيم» اسمه العسكري – الذي عاد إلى إيطاليا بعد اجتياح بيروت عام 1982. لكنه بعد تقاعده من عمله، عاد عام 2015 إلى بيروت حيث أقام ثلاثة أسابيع قبل أن يموت بسكتة قلبية ويُدفن هنا بناءً على وصيته.

في 15 أيار 2015، وصل فونتانا إلى مخيم مار الياس، قاصداً مكتب الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. بالصدفة، كان الناشط سامر مناع حاضراً. لبّى طلبه بالمبيت في المخيم رغم أنه لم يفصح عن تاريخه الفدائي في صفوف الجبهة منذ عام 1977. قال إنه متضامن أوروبي سيمضي شيخوخته في المخيمات خدمة للقضية الفلسطينية. بعد أيام قليلة، تعرّف إليه مسؤول مجموعته في محاور الجنوب «أبو السعد». لم يحظَ رفاقه القدامى وعارفوه الجدد بوقت كافٍ للقائه والتزود من تجربته. في 2 حزيران، أصيب بجلطة دماغية أدخلته في غيبوبة حتى فارق الحياة. «حاولنا التعويض في مماته. حظي بجنازة شعبية شارك فيها الآلاف من مخيمَي صبرا وشاتيلا، رافقوا جثمانه حتى مدافن الشهداء». واللافت أن قبره كان بانتظاره برغم أزمة ضيق المساحة. «قبل أيام من وفاته، حضرت عائلة شهيد تونسي كان قد سقط في صفوف المقاومة الفلسطينية في لبنان واستعيد رفاته في صفقة تبادل الأسرى عام 2008. استخرجت العائلة الرفات لنقله إلى مسقط رأسه في تونس، فشغر القبر قبل أن يشغله فرانكو».

إلى فلسطين… من البيرو وجنوب أفريقيا واليابان

آمال خليل

رغم التجربة الغنية للمقاتلين العرب والأجانب الذين قاتلوا العدو الإسرائيلي في لبنان، لم تقم القوى الفلسطينية واللبنانية التي قاتلوا في صفوفها بتوثيقها بشكل كامل. الأمين العام للحزب الديموقراطي الشعبي محمد حشيشو يحتفظ في وثائقه وذاكرته بجانب من التجربة التي عايشها ميدانياً في محاور الجنوب وبيروت والجبل. قبل عام 1982، ازدهرت المساهمة الأممية على الجبهات. سُجّل حضور لكل من الألوية الحمراء الإيطالية وجماعة الجيش الأحمر الألماني (بادر ماينهوف) ومجموعة العمل المباشر الفرنسية والجيش الأحمر الياباني ومنظمة الدرب المضيء من البيرو والخلايا الشيوعية المقاتلة في بلجيكا والجيش الجمهوري الإيرلندي والجبهة الشعبية في تركيا والذراع العسكرية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (نيلسون مانديلا) ومنظمة إيتا من إقليم الباسك الإسباني وحزب وطد التونسي وحزب العمال الكردستاني… ولفت حشيشو إلى أن عناصر من مجموعات أخرى كانوا ينخرطون في صفوف قوى لبنانية وفلسطينية، يعملون تحت اسمها، ولا سيما مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يرجّح حشيشو بأن عوامل الجذب للمقاتلين الأجانب بشكل خاص ارتبطت بـ«التصاق اليسار العالمي بالقضية الفلسطينية، إذ وجد فيها جزءاً من الصهيونية والإمبريالية، فضلاً عن شعور التضامن العالمي بعدالة القضية». ومن العوامل أيضاً «الميدان اللبناني الذي شكّل معسكر تدريب للتزود بالخبرات وتطوير المهارات القتالية لدى تلك المجموعات في بلادها». وإلى الخبرات العسكرية التي تبادلوها مع المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين، «برز دور المقاتلين الأجانب في رفع الوعي السياسي والثقافي والمجتمعي ولا سيما حول قضايا المرأة».

مقالات متعلقة

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: