رغم الوجع العميق الذي ولّدته فاجعة بيروت الكبرى ورغم تطاير شظاياها تجاه الجميع وظاهر كونها خلطت الحابل بالنابل…
ورغم موجات الاستثمار المتسارعة للأعداء الظاهرين والمضمَرين وهلع الصغار من عملاء الداخل لتحقيق أي منجز مهما كان صغيراً حتى لو بثوا موجات من اليأس او الفوضى ولو لليلة عبثية واحدة بحماية السفارات والقناصل او لساعات فقط…
يظلّ لبنان هو القوي، لا ماكرون ولا غير ماكرون ولا كل زعماء الأرض من كبيرهم الذي علمهم السحر الى صغيرهم أزعر الحارة المختبئ خلف بعض أقزام السياسة هنا او هناك…
نعم ثمّة مبادرة فرنسية طرحها ماكرون على عجل بخصوص حكومة وحدة وطنية او تشاركية
وقد أراد لها الأمين على لبنان أن يتعامل معها بتقدير حسن أولاً لأنها بالأساس هي من جنس تفكير ونهج المقاومة.
وثانياً ليتم امتصاص محاولات توظيفها السيئ والتخريبي من جانب الذين تعودوا التبعية للخارج من احزاب السفارات…
ومع ذلك يجب أن لا تغرّنكم استعراضات مانويل ماكرون ولا بهلوانياته الكلامية…
اطمأنوا انه لم يكن ليزور بيروت أصلاً حتى مع هذا الحدث الجلل لولا صمودكم أنتم يا جمهور وبيئة المقاومة ووقوفكم بعزم وحزم خلف قيادتكم الحكيمة والرشيدة والمسددة..
ولم يكن ليتجرأ اصلاً على التمايز ولو ظاهرياً مع الأميركي ويلتقي وبخصوصية ظاهرة للعيان مع من اسمه على لوائح الإرهاب لولا شعوره بان ما تبقى له من أتباع في لبنان باتوا شحاذين على الطرقات…
لقد جاء ليستعيد بعض ما خسره على شواطئ المتوسط والهلال الخصيب، وتحديداً بعدما يئس من سورية والعراق وليبيا…
ومع ذلك نقول لكل من راهن او يراهن على الخارج بان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، كما ان الزمن ليس زمن القرن التاسع عشر ولا زمن إمارة لبنان الصغير ولا الكبير.
إنه زمن المقاومة والشموخ والعز وزمن السيد الأمين…
موازين القوى على الأرض تغيرت كثيراً جداً…
وحكومة دياب هي حكومة مخلصة تبلورت من تضاريس أوجاع الناس وآلامها وهي أشرف من كل تاريخ الفاسدين والمفسدين الذين تربوا في أحضان الدول الكبرى والقناصل والسفارات..
وهي ستعمل حتى الساعة الأخيرة من زمن الصمود والتصدي قبل أن يقرر أصحاب القرار الحقيقيون اللبنانيون من استبدالها بحكومة أخرى، فزمن الوصاية قد ولى
ولبنان بات أكبر من ان يتطاول عليه احد.
واما ماذا يعد الغرب السلطوي الهيمني وتحديداً الأميركي للبنان فإليكم تقديرنا:
فخلافاً لما كان يعتقده البعض بأن الأميركيين كانوا يريدون التهدئة خلال المرحلة المتبقية لهم الى حين استحقاق الرئاسة الأميركية، فقد كان الاعتقاد الأقرب ان الاميركي سيستمر في تنفيذ برنامجه، وقد أعد للموجة الثانية من الضغط على المقاومة واصدقائها في لبنان، بالتزامن مع إعلان الأحكام النهائية للمحكمة الدولية في السابع من آب، الا ان الانفجار «المفاجئ «الذي حصل في مرفأ بيروت من خارج أجندة ترامب في الظاهر أربك اجندته واستعجل حلفاء أميركا في استثمار هذه المأساة الانسانية لقلب الأوضاع وتحميل حزب الله والحكومة الحالية المسؤولية والعودة الى مقولة إخراج كل الرؤساء من الحياة السياسية اللبنانية عبر دفعهم للاستقالة، بتفكير ساذج تقوده القوات والكتائب وحراس المدينة والاشتراكي والحريرية الباطنية بدفع أميركي، معترضين على النهج السياسي الذي ستسلكه الدول الغربية وعلى رأسهم فرنسا – التي يبدو أنها خذلتهم – وبعض الدول التي تحركت لاستيعاب محور قوي على وشك السيطرة على غرب آسيا ومحاصرة «اسرائيل» المحور المتجه شرقاً بقوة، مما يعني خروجهم النهائي من المنطقة، لذا فإن هذه الاندفاعة للاستقالات من البرلمان والاحتجاجات بالشارع هي محاولة اليائس من إحداث تغيير لصالحه في لبنان وبسرعة.
وما تفعله وسائل الاعلام المعروفة ونزولها الى الدرك الاسفل من المهنية والمناقبية والأخلاقية، والتزامها امام مشغلها الاميركي بقيادة الجماهير الغاضبة وتأطيرها لصالح التحشيد ضد ايران والحزب تمهيداً لطرح الشعار المنتظر كما في العراق إيران بره بره…
وحزب…. بره بره…
لهذا الغرب ولأتباعه الصغار نقول بان أميركا الشيطان الأكبر واولئك المتمسكين بذيلها لقد فقدتم المصداقية وباتت جوقتكم تصرخ في واد سحيق لا قرار له ولا صدى، بسبب وعي الجمهور اللبناني المتنامي، وانكشاف كذبكم وتضليلكم وغشكم، ولن تنفع كل محاولات التضليل لهز إيمان الجمهور المستهدف بجرّه لحرب أهلية بقضيته ووطنه ومعرفة عدوه الحقيقي.
نقولها وبكل يقين المرحلة القادمة ليست لكم وسيخيب ظنكم وأملكم حتى ولو بعد صدور قرار المحكمة الدولية، لأن المشروع والبرنامج الأميركي بات واضحاً جدا ولا احد يمكنه الدفاع عنه لأنه بات بدون مصداقية ومكشوف جداً.
المعركة مستمرة وهي في لبنان تتعقد في ذروة اشتباك أمني اقتصادي سياسي واجتماعي استراتيجي، يحتاج للكثير من الصبر والبصيرة والتروي والحكمة للانتصار على هؤلاء الشياطين المتمرسين في الشيطنة.
أخيراً وليس آخرا يبقى الأمر لنا بيقين الاوفياء والمخلصين والعاضين على الجراح.
وعصابات الهاغانا «اللبنانية» من أزلام السفارات التي نزلت للشارع لإكمال فاجعة هيروشيما بيروت وإخفاء او إتلاف وثائق الإدانة بحرقها للوزارات…
لن تتمكن من تحقيق مآرب أسيادها…
واما الهجوم الديبلوماسي الاستعراضي الغربي لإغاثة لبنان
فإن الهدف منه قطع الطريق على طريق الحرير الصيني في محطة لبنان…
جرّب الأميركيّون ومعهم كل الغرب توظيف غضب الشعب اللبناني على فساد مؤسسات الدولة وسوء السياسات المالية لمن تولّوا الحكم وإدارة الاقتصاد لثلاثة عقود، برعاية أميركيّة غربيّة خليجيّة، لتحويله إلى قوة ضغط من أجل تحقيق أجنداتهم، وهي تتصل أصلاً بالسياسة اتصالاً وثيقاً، ومحورها تغيير موقع لبنان القوي في مواجهة كيان الاحتلال وجيشه إلى خاصرة رخوة. وكان معيار النجاح بذلك هو تحقيق شرطين، الأول القدرة على نقل المناخ الشعبي الجامع والواسع من الغضب على السلطة إلى غضب على المقاومة، سواء وفق نظرية تحميل انخراطها الإقليمي مسؤولية منع المساعدات أو اتهامها بأنها تحمي النظام أو أنها تتولى تخريب الاقتصاد بالتهريب والسيطرة على عائدات الدولة. والشرط الثاني إقفال الطرق الأخرى والخيارات الرديفة التي يمكن أن تطرح لمواجهة الاختناق المعيشيّ الناتج عن الحصار الذي يفرضه الأميركيون وما يرتّبه من جفاف في موارد العملات الأجنبيّة وغلاء وشح في الموارد.
–
خلال تسعة شهور تلخّصت نتائج الرهان الأميركي والغربي الذي ينضوي تحت لوائه صرف نفوذ حكام الخليج، بظهور ترابط سببي واضح بين كل محاولة لرفع منسوب السياسة في خطاب مجموعات مرتبطة بهم أسندوا إليها قيادة الانتفاضة ومكّنوها من السيطرة عليها بواسطة وسائل الإعلام المدعومة، وبيّن تراجع زخم الحضور الشعبي في الفعاليات التي تنظمها وتدعو إليها هذه المجموعات، من جهة، ومن جهة موازية بيّن ظهور انقسامات حادة داخل الجسم الشبابي للحراك الذي يضم مجموعات ترفض تسييس الغضب الشعبي، ومجموعات ترفض خصيصاً تحويل زخمه بوجه المقاومة، التي تشكل بنظرها آخر مَن يجب لومه على الأزمة الاقتصادية، أو التي تشكل عندهم خطاً أحمر في السياسة يجب الحذر من الاقتراب منه بلغة الاتهام والاستهداف لأنهم يدركون أن هناك من يريد تدبير هذا الانحراف في مسار الحركة الشعبية.
–
خلال تسعة شهور تلخّصت نتائج الرهان الأميركي والغربي ومَن معه، بأن حقق خيار التوجه شرقاً والعرض الإيراني لتأمين المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية والدعوة للنهوض الإنتاجي، اختراقات كبيرة عملياً بتقدّمه كخيار واقعيّ بديل عن انتظار التسوّل على أبواب الأميركيين والغرب وحكام الخليج، وسياسياً لجهة تحوّله إلى فرضية مقبولة لدى الأوساط الحكومية والسياسية التي كانت تضع رهانها على الموقف الغربي والعربي عموماً والأميركي خصوصاً، بعدما سئمت الانتظار بلا جدوى، فتحركت الاتصالات الحكومية الجدية وبدعم رئاسي وسياسي من مكوّنات الحكومة النيابية، وبتفهم شعبي، وفي ظل صمت الخصوم السياسيين وعجزهم عن الاعتراض والمواجهة، وبدا أن هذا الخيار سيتحوّل إلى وجهة جديدة يسلكها لبنان.
–
أمام فشل الرهان على تحقيق الخطة التي رسمت لركوب الانتفاضة الشعبية والسطو عليها، وتوظيفها في مشروع حصار المقاومة، وسقوط فرص تحقيق الشرطين المطلوبين، انقلب الأميركي والغرب ومن معهم على معادلة الانتفاضة وسقفها القائم على الابتعاد عن السياسة والاكتفاء بالقضايا الاقتصادية والمالية عنواناً لها، وكان اختبار السادس من حزيران والتحرك المناهض للمقاومة وسلاحها تحت عباءة الانتماء للانتفاضة آخر الفرص التي منحت للجماعات التي يشغلها الحلف الأميركي الغربي الخليجي، وباءت بالسقوط المدوّي، وتبلور القرار البديل، العودة إلى ساحة الحضور المباشر بعروض دعم مالي مشروطة سياسياً علناً، وإعادة الحياة على اساسها إلى استقطاب 8 و14 آذار، الذي تم تجميد نصفه بقرار اصطفاف قوى 14 آذار تحت عباءة الانتفاضة وشعاراتها والتخلي عن السياسة ما أمكن لحساب ذلك، انطلاقاً من استقالة الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري.
–
من حسنات دعوة الحياد أنها أنهت مرحلة من التلاعب السياسي كان عنوانها تمويه القضايا الخلافية بخدعة تريد القول إن اللبنانيين مجمعون على أن مصدر أزمتهم هو وجود المقاومة، وأنها مثلت اعترافاً بالانقسام السياسي حول العناوين الكبرى، وكشف حقيقة أن الأزمة الاقتصادية والمالية مجرد عتبة مرسوم لها فرض تحوّلات في موقع لبنان من الصراع الإقليمي وعنوانه الرئيسي أمن كيان الاحتلال والتهديد الذي تمثله المقاومة لهذا الأمن. وهذا هو جوهر الوظيفة التي يُراد لدعوة الحياد تحقيقها، فمرحباً بالوضوح ولو أدى إلى الانقسام، وليكن التباري الواضح باللغة الراقية ليظهر كل فريق ما عنده ويطرح مشروعه في التداول، ولتتنافس المواقف والخيارات أمام عقول اللبنانيين، دون تمويه وخداع، بعدما أعلن الأميركي والغرب وحكام الخليج دفن الانتفاضة، والعودة إلى اصطفاف أيام قرنة شهوان، وهم يحاولون الانتقال إلى أيام لقاء البريستول.
مبادرة الحياد التي دعا إليها الكاردينال بشارة الراعي، تجد صعوبة في تسويق شروطها على المستوى اللبناني، كآلية تنقذ لبنان من الحصار الأميركي – الغربي عليها. فتذهب في اتجاه محاولة إلغاء الانتصارات التي حققها الشعب اللبناني ممثلاً بحزب الله منذ العام 1982 وحتى 2019.
هذا واحد من جوانبها، لأنّ الثاني يستلهم الجانب الأول معتبراً أنّ تحالف التيار الوطني وحزب الله وحركة أمل والأحزاب الوطنية، لم ينجح في بناء منطق سياسي محايد، ما يتوجّب عليه الانسحاب من الحكم، بما يؤدّي إلى عودة سعد الحريري والقوات والكتائب والسيد علي الأمين وجنبلاط إلى إدارة الحكومة ومعهم بعض الشيعة المتساقطة من رحلة المسير نحو… الكرامة.
أما الجانب الثالث فيرتبط بتصحيح العلاقات الخارجية للدولة، على نحو يؤسس لانصياع كامل وفق ما تريده مبادرة الكاردينال الحيادية.
هذا يتطلب الإجابة عن السؤال الأساسي «لماذا المبادرة الآن؟».
وسرعان ما يجيب المنطق ببراءة حمل وديع أن إطلاقها متزامن مع تراجع أميركي في الشرق الأوسط ومحاولات أميركية لابتكار آليات جديدة لعرقلة القوى الصاعدة في الشرق الأوسط.هذه القوى تبحث في لبنان عن تحالفات اقتصادية مع محاور صينية وعراقية وإيرانية بديلاً عن الاقتصاد العربي المتلكئ
حالياً في دعم لبنان إلى درجة تركيب حصار خانق حوله.بالنسبة للبنان تحديداً، رأت مبادرة الكاردينال أن انتصارات حزب الله وصعود المحور الروسي – الإيراني، وإمكانية توجّه الاقتصاد اللبناني نحو الخط السوري – العراقي على الأقل أو الإيراني والصيني عند الضرورة القصوى، رأت خطراً على التبعية اللبنانيّة من 75 عاماً للنظام الغربي – الفرنسي – الأميركي.واعتبرت صعود حزب الله في الدولة اللبنانية مؤشراً على تراجع الوصاية الغربية على لبنان، وانكفاء القوى الداخلية المرتبطة بالحلف الأميركي – السعودي.
ولأن الكاردينال يعرف مدى الصعوبة التي تعترض طريق مبادرته للحياة، فاتجه لتغليفها بـ»عدائية لغوية» لـ»إسرائيل»، وهذا من اليقظة السياسية، لأن الفريق المحيط بنيافته يعرف أن تجميد أي علاقة مع محاور صينية – إيرانية – عراقية أو سورية، لا يعني إلا تأكيد النفوذ الأميركي – الفرنسي بمفرده.وهذا النفوذ يحاصر لبنان حالياً مصراً على واحد من أمرين:
إما خنق حزب الله، أو خنق لبنان.
فتشكل مبادرة الراعي الآلية الأميركية المطلوبة لتحقيق البديل من تراجعاتها الإقليمية.
إن خطورة هذه «الحياديّة» تظهر عند دفعها لكتلة 14 آذار لتسلّم الحكم أو لنصب حالة احتراب شعبي بين فريقين لبنانيين، ما يعطل الطابع السلمي للعلاقات بين اللبنانيين ودفع الخارج الأميركي – الإسرائيلي لشن حروب على حزب الله، فتبدو مبادرة الكاردينال «آلية أميركية جديدة» لتغيير نتائج الحروب المظفرة لحزب الله في جنوب لبنان وشرقه، والمعنويات الضخمة التي يحوز عليها من مجابهاته للإرهاب في ميادين سورية.لذلك تذهب المبادرة إلى أكبر كمية ممكنة من تحشيد داخلي ذي طابع طائفي.
إما أن تعود 14 آذار إلى الحكم، وإما أن تعود أيضاً إليها بواسطة تدخل عسكري إسرائيلي – أميركي، وإلا فإن الكاردينال يجهز سلاحاً خارقاً ثالثاً وهو عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية أو بالأكثريات الطائفية، كوسيلة للعودة إلى العلاقات الفدرالية بين الطوائف، وهذا طرح لا يكتفي بالفدرالية الدستورية بل يذهب مهرولاً مع كونفيدراليات في بلد تحتاج إلى مكبّر ضخم لتراه، بما يعطل الأدوار الإقليمية الداخلية للحزب، مؤسساً لعلاقات واسعة لبعض الكانتونات المحلية مع إسرائيل وبشكل حربي.
وهذا ما يجعل من مبادرة الحياد للكاردينال الراعي محلية في لبنان وسورية أيضاً، وبذلك يتأكد من اندراجها في إطار الآليات التي يريد الأميركيون أن تمنع تراجعهم في الشرق وتعرقل في آن معاً الصعود الإيراني – السوري – العراقي واللبناني المتعلق بحزب الله.
فمن كان يتصوّر أن نيافة الكاردينال يعلق بأنه لا يلتزم بأي أكثريات نيابية أو شعبية، ما يدفع إلى التساؤل التالي عن ضرورة هذه الانتخابات وبناء الأكثريات الشعبية طالما أن بكركي لا تعترف بها، وتكمل مسيرة العلاقات الحاسمة بين طوائف وعلى مستوى مراكزها الدينية الأساسية.
مبادرة الراعي إلى أين؟
تحمي هذه المبادرة بشكل إضافي الطبقة السياسية اللبنانية ومجمل النظام الطائفي.
أولاً تحاول إبعاد الصراع الداخلي عن الطبقة السياسية باختراع مادة خلافيّة جديدة لا تفعل إلا إنقاذ مئات السياسيين الذين أفلسوا لبنان ورهنوا بمئات مليارات الدولارات.
فاليوم يبدو القسم الأكبر من المتورطين بالفساد زاحفين إلى مقر الكاردينال الصيفي في الديمان لإعلان ولائهم له ولمبادرته في مرحلة كان يعتقد المحللون أنها مرحلة استعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة النظام السياسي لإنتاج نظام جديد غير طائفي ويبتعد عن الزبائنيّة.
لكن مبادرة الكاردينال تلعب دوراً كبيراً في حماية النظام السياسي من جهة والعلاقات السياسية التي يجب أن تستند إلى الطائفيّة حصراً.
هل تنجح مبادرة الراعي؟
موازنات القوى الفعلية لا يمكن شطبها بتحريض ديني مستهلك ولا بإشعال تحالفات سقطت في العقدين الماضيين بالانتخابات من جهة والانتصارات على الإرهاب من جهة أخرى، وتماماً كما تراجع النفوذ الأميركي في معظم دول الشرق فإن وضعه في لبنان أسوأ من حالته في العراق وسورية، ففي بلاد الأرز تمكن التيار الوطني الحر بالتحالف مع حزب الله وحركة أمل والأحزاب الوطنية من رعاية سياسة معتدلة تمنع وضع البلاد في خدمة الغرب الفرنسي والأميركي، بما يؤكد أن إنهاء مبادرة الكاردينال لا تتطلب الكثير من الجهد، كما أن الانفتاح على الصين وروسيا والعراق وإيران وسورية، ليست سياسة شرقيّة بل استدارة نحو مصادر بوسعها مساعدة لبنان على الخروج من عملية الخنق الأميركية التي تتم بوسائل مصرفية ومبادرة الراعي في آن معاً.
أسوأ المقارنات هي تلك التي تُجرى بين بطرس الرسول باني الكنيسة وبين يهوذا الذي باع المسيح بثلاثين من فضة. وأسوأ ما يحصل مع ذكرى البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، أن غلاة مهاجميه من موارنة ومن مناصري التيار الوطني الحر، لم يهينوه، ومعه راعي قرنة شهوان المطران يوسف بشارة، الذي لم يجف بعد التراب على قبره، بقدر ما تفعل اليوم قوى 14 آذار وجمهورها. صحيح أن لغة مهاجمي صفير وصلت إلى ما هو مشين ولا يُغتفر، لكن مجرد المقارنة بين البطريرك الراحل والبطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي، إهانة في حد ذاتها للسلف، الذي كان الخلف يتغنّى في مجالسه، محاطاً بأساقفة اختارهم من غلاة المتحمّسين لـ8 آذار والتيار الوطني الحر، أنه وأدَ خطه السياسي. فهل يريد لنا من كانوا يُسمون فريق 14 آذار أن نصدق فعلاً أن الراعي هو البطريرك السيادي الجديد، لمجرد أنه لم يثبت على موقف منذ أن أتى بطريركاً، وطرح فكرة لا يعرف بنفسه أن يشرح حيثياتها، وأن نسكت عن تطبيلهم وتزميرهم له وإلّا نكنْ من الخوارج؟
في 4 أيار عام 2016 وفي مأتم النائبة الراحلة نهاد سعيد، أمّت قرطبا جموع من مناصري 14 آذار ومعهم شخصيات سياسية من الاتجاه نفسه. مفارقة تلك اليوم أن «الأخبار» نشرت خبراً عن لقاء الراعي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وسط الكلام عن مآثر سعيد، كانت شخصيات الفريق السيادي متجهّمة لمجرد حصول اللقاء ومستاءة من الاتجاه السياسي للراعي وكيف قصد بطريرك الموارنة نصرالله. الشخصيات نفسها، وبالموقع نفسه، هي التي تقود اليوم حركة إقناع الموارنة والمسيحيين الذين ينتمون إلى هذا الخط وغيره، أن الروح القدس حلّ على بطريرك الموارنة، وتحول فجأة من مقاوم شرس إلى جانب سوريا والعماد ميشال عون قبل وبعد أن أصبح رئيساً للجمهورية وفريق 8 آذار، إلى مقاوم مع فريق 14 آذار ولبنان الحياد، في توقيت يحار كثر في تفسيره. الجواب معروف ببساطة، لكن مشكلة الكتابة عن السبب أنه مخز بقدر ما هو مخز انحياز بكركي إلى المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير. لم تعد غريبة التقلبات التي تشهدها مواقف الراعي كما تقلبات سعر صرف الليرة. والمخجل راهناً تأييد هذا الحشد السياسي والإعلامي الذي هو نفسه يدافع عن المصارف، وبعض أفراده يستغل موقف البطريرك لغاية في نفس يعقوب، وبعضه للتفتيش عن دور أو مظلة لمشروع. والهدف إقناع الرأي العام بحمل الراعي على الأكتاف، لأنه بات ضد العهد وضد حزب الله، وبأن الساعة حانت لتكون بكركي «رافعة تحرير لبنان»، وبأن واشنطن تؤيد الراعي، وأن الفاتيكان سيساعده رغم كمّ التقارير المرفوعة لدى الكرسي الرسولي ضد البطريرك وبعض المطارنة لأدائهم الذي فاق في جوانب محددة كل تصور، ورغم معرفة كلّ الدوائر الدبلوماسية في بيروت والخارج بموقع الراعي الحقيقي والمحيطين به.
من تبقّى من عقّال في الطائفة المارونية يكتبون ويحللون عدم صوابية فكرة الحياد في مفهومها وقانونيتها ودستوريتها وعبثيتها، وأيضاً في توقيتها الذي يثير ردات فعل غير محسوبة. وكما يحق لرافضي الفكرة نقاشها، كذلك فإن رفضها لمجرد أن مَن طرحها هو بطريرك الموارنة يوازي في سوئه طرح الفكرة. لا توصل هذه الخطوة إلا إلى حائط مسدود نتيجة اعتبارات ومفاهيم سياسية محلية وإقليمية ودولية، عدا أن الكنيسة مع رؤية القديس يوحنا (الفصل الثالث، الآية 15) «ليتك كنت بارداً أو حاراً، هكذا لأنك فاتر، ولست بارداً أو حاراً، فأنا مزمع أن أتقيّأك من فمي». لكن تحول الفكرة التي سكِر الراعي بنشوة تأييدها، إلى شعار يرفعه كل خصوم حزب الله، باعتبار أنها السبيل الأوحد لإنهاء الحزب، هو أمر في غاية السذاجة السياسية، ويصيب الكنيسة في عمقها، لأن ما «بُني على باطل فهو باطل». قبل الاحتكام إلى حياد لبنان الإقليمي والدولي، وقبل إعادة تجميع القوى السياسية نفسها ضد حزب الله والاصطفاف إلى جانب السعودية التي زارها الراعي واستقبل أخيراً سفيرها وليد البخاري ، مهما كان «موقفها الإيجابي من لبنان والموارنة فيه»، في صورة تناقض مبدأ الحياد، لينزل الراعي قليلاً إلى أرض الواقع ومعه الشخصيات المؤيدة له وليجيبوا على بضعة أسئلة بسيطة تتعلق بالواقع الداخلي:
أي حياد يريد الراعي أخذ المسيحيين إليه، والكنيسة في مجمعها الماروني لا تعرف سبيلاً للحياد في الداخل والخارج؟ وهل يدار أي مشروع سياسي بهذه الخفة من بعض الباحثين عن أدوار، ما يؤدي إلى اللعب بمصير بكركي كموقع على أيدي هواة؟ وأي بكركي ستقود هذا الحياد، تلك التي رفعت لواء الطائف، أم بكركي فريق 8 آذار بمجموع أساقفته الذين أعلى الراعي شأنهم ويعقدون اجتماعات حزبية في مطرانياتهم، أم بكركي البطريرك الذي يتلوّن كل يوم بلون جديد؟ وهل هذا الحياد سيعيد إلى جمهوره المسيحي أمواله من المصارف «المسيحية»، فيما السؤال المفروض أن نسأله ماذا فعل الراعي للمودعين في عز أزمتهم المالية والاقتصادية، وهل طالب البطريرك رياض سلامة وسليم صفير بأموال المودعين المسيحيين والمغتربين منهم الذين وثقوا بمؤسساتهم المصرفية فأودعوا أموالهم فيها فسُرقت على أيديهما؟ واستطراداً، هل أموال الحاشية وبعض أهل الصرح محجوزة في لبنان كما أموال سائر اللبنانيين، أم أصبحت في الخارج مع المحظيين؟ هل يعرف الراعي – والأكيد أنه يعرف – أن معركة بقاء غالبية أبنائه المسيحيين اليوم تتعلق بالمساعدات الغذائية التي تؤمنها شخصيات اجتماعية في الداخل وفي الخارج، فيما بعض أساقفته يخزّنون المساعدات في أقبية وقد انتهت صلاحياتها من دون أن يوزعوها بعد على المحتاجين؟ هل يعرف جمهور 14 آذار الذي يدافع اليوم عن الراعي، أن الأخير وبعض الأساقفة يرفضون تكراراً مشاريع إنتاجية، لأنهم يريدون مساعدات نقدية تصبّ في مصلحة بكركي والأبرشيات؟ هل يعرف جمهور 14 آذار اليوم أن الراعي هو الذي دفع إلى تعيين أساقفة ينتمون إلى خط 8 آذار قلباً وقالباً؟
أي حياد للبنان يريد بطريرك الموارنة أن يشغل الرأي العام المحلي به والمدراس الكاثوليكية إمّا تقفل وإمّا تعمد إلى صرف موظفين وأساتذة بصمت وبـ«المفرّق»، فلا تتحول همروجة كما حصل مع الجامعة الأميركية. بدل الذهاب إلى المنابر الدولية للكلام عن حياد لبنان، ليقل الراعي أولاً ماذا فعل مع المستشفيات الخاصة وغالبيتها تابعة لمؤسسات كنسية، وقد أصابها الترهّل والتوقف عن العمل نتيجة سوء إدارات وفساد مستشرٍ فيها؟ وببساطة أكثر، هل مفهوم الحياد، أن تطبخ السياسة في مكان، فيما يلتقي الراعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس حزب القوات اللبنانية ورئيس التيار الوطني الحر ورئيس تيار المردة، والسفيرة الأميركية والسفير الإيراني في ساعات قليلة، فتتوزع الصور وتنتهي حفلة الحياد بتصفيق جمهورَين مارونيَّين عبر الراعي على أكتُفهما، من المتحمّسين للمقاومة أولاً ولسوريا ثانياً وللحياد والاستقلال ثالثاً… هكذا رعية لا تستأهل إلا مثل هذا الراعي، والرعاة لها.
الأكيد أن لا بدائل راهنة عند أحد في الداخل والخارج لحكومة الرئيس حسان دياب، لكن الأكيد هو أن خصومها يريدون لها أن تترنح لتكون جاهزة للسقوط عندما يصبحون جاهزين لوراثتها، سواء عبر انتصار سياسيّ إقليميّ على حلفاء الحكومة أو نضوج فرص التسوية معهم، والأكيد بالمقابل أن حلفاء الحكومة منقسمون في أولوياتهم، والحكومة بجدول أعمالها زادت الانقسامات فأضعفت الحلف الواقف خلفها وضعفت معه، ورغم ما يحق للحكومة أن تتباهى به لجهة وقف الانهيار السريع عبر توقفها عن دفع مستحقات سندات اليوروبوند، ورغم ما أنجزته في مواجهة كورونا بنجاح، ورغم أحقية الكلام عن عراقيل وضغوط خارجية وداخلية لأي محاولة للإنقاذ، إلا أن ذلك لا يشكّل إلا وصفة لتبرير الفشل، وليس لتحقيق النجاح، فيمكن التحدّث ليلاً نهاراً عن التركة الثقيلة وعن مصرف لبنان والمصارف وعن شبكة المصالح والمحاصصة، وعن التعقيدات الدولية والإقليمية، لكن لتقديم خلاصة مفادها، أن الحكومة تصرّف الأعمال ولا تملك خطة بل وربما لم تعُد تملك قضية، والأهم ليس أن تقتنع الحكومة بما تفعله، بل أن تستطيع إقناع اللبنانيين أنه المطلوب، وليس مهماً أن تتفاءل الحكومة بأن الغد أفضل من الأمس واليوم، بل أن تبقي نوافذ الأمل مفتوحة أمام اللبنانيين بوقائع عيشهم اليومية، لأن هذه هي مهمة السياسة.
–
الأسباب التي تُساق في تفسير الشلل الحكومي بمواجهة تفاقم الأزمة، والتي يتحدّث عنها الوزراء كلما سئل أحدهم عما يفعلون، معلومة قبل تشكيل الحكومة، ومن لا يملك وصفة واقعية وممكنة للتعامل معها وفي ظلها، كان الأفضل ألا يتحمّل المسؤولية، لا أن يتحدث اليوم عن مشكلات تبرر العجز يعرف اللبنانيون أنها كانت موجودة غداة تشكيل الحكومة، فلو كانت الجهات الدولية المقرّرة في توفير الأموال بوارد التراجع عن شروطها السياسية لما استقال الرئيس سعد الحريري، الذي يربط جهوزيته للبحث بالعودة بتغيّر هذه الظروف لأنه لا يريد أن يتحمل تبعات الانهيار الذي يتحمل مسؤولية رئيسية مع حلفائه وشركائه في الحكم في إنتاجه، وعدم دعم الحلفاء لمشاريع جذريّة كتغيير في مصرف لبنان أو تمسكهم بأسلوب المحاصصة، أو عدم تحول الشارع الغاضب إلى قوة دعم للحكومة لتحقيق توازن جديد مع الحلفاء والخصوم، وعدم وجود تيار نخبويّ فاعل إعلامياً وثقافياً وسياسياً يستثمر على فكرة حكومة مستقلين، كلها نتائج لم تكن بحاجة لاختبار ستة شهور لاكتشافها. وكان على الحكومة عدم الوقوع بأوهام أنها تملك قوة دفع تتيح لها تحقيقها، أو الرهان على نجاح مأزق الآخرين بفتح النوافذ لسقوف عالية في مطالبها وصولاً لتعديل التوازنات، بخوض الاشتباكات على كل الجبهات دفعة واحدة. هكذا وقعت الحكومة في تجريبية سياسية واقتصادية ومالية أفقدتها بالتدريج وهج الاندفاعة، وحوّلتها إلى قوة الاستمرار بفعل الجاذبية ورفض الطبيعة للفراغ.
–
لا صندوق النقد الدولي يقف وراء الباب، ولا سعر الصرف قابل للتحكم، ولا خطة إصلاح جذرية قابلة لتحقيق نتائج فورية، ولا إجراءات جراحيّة في مواجهة الفساد يمكن أن تحدث صدمة إيجابية، والناس غير مهتمة بما يمكن أن تقوله الحكومة عن إنجازات بمعايير دفترية، فالإنجاز الوحيد المطلوب، والخطة الوحيدة المطلوبة، والجواب الوحيد المطلوب، كيفية توفير فرص الصمود أمام اللبنانيين وحفظ الاستقرار الأمني، وتخفيض التوتر السياسي، ريثما يحدث أحد ثلاثة أمور، مناخ سياسي إقليمي جديد يتيح تغييراً في العلاقات الخارجية لصالح الانفراج، تقدير دولي لخطر الانهيار اللبناني يدفع لتمويل حاجات خطط النهوض من دون شروط سياسية قاتلة، تبلور تفاهمات سياسية داخلية بين الحلفاء أو بينهم وبين الخصوم تتيح فصل ما هو وطنيّ عما هو سياسي، على قاعدة التفاهم على معالم خطة إصلاحية واقعية تقتنع الحكومة بأنها أفضل من مئة خطة جميلة لا تعرف طريق التطبيق، ويعرف الآخرون أنها استحقاق لم يعد يقبل التأجيل.
–
بانتظار ذلك، خطة الصمود هي ببساطة وضع ترتيبات تتيح بما لدى مصرف لبنان من احتياطات بالعملات الصعبة، وما يأتي من تحويلات، وما قد يأتي من تنشيط حركة السفر إلى لبنان، توفير ما يكفي لحاجات لبنان لخمس سنوات بأسعار تضمن للمواطن اللبناني الحصول على أساسيات العيش بكلفة لا تزيد بأكثر من 50% عن كلفة تأمينها قبل عام من الآن. وهذا عملياً يعني العودة باللبنانيين إلى ما قبل سلسلة الرتب والرواتب من حيث مستوى معيشتهم، وهو أمر يمكن التأقلم معه ريثما تتوافر الفرص لخطط نهوض جدية، أو لانفراجات واقعية، وهذا ممكن وليس شديد الصعوبة تحقيقه، ويستدعي قراراً حاسماً بفصل الكتلة الأساسيّة من حاجات اللبنانيّين عن أسعار سوق الصرف، الخبز والمحروقات والكهرباء والهاتف والدواء واللحوم والألبان والأجبان والبيض وسائر المواد الغذائيّة الرئيسية، وإيجارات المنازل وأقساط المدارس والجامعات، وبدلات النقل، وتجميد الديون وفوائدها واستحقاقاتها على اللبنانيين أسوة بتجميد ودائعهم، وهذا بالطبع يستدعي فتح الباب لصناعات وزراعات كانت موجودة ودمّرها النظام الريعيّ، كما يستدعي الانفتاح على أسواق رخيصة، واعتماد التبادل بالسلع أو بالعملات الوطنية مع الخارج كأولوية، والتكامل في خطة الصمود مع الجوار الذي يبدأ بسورية بواقعية مصلحية، بمعزل عن السياسة.
–
على الحكومة أن تسارع بمصارحة اللبنانيين، بما لا تستطيع فعله ولا تعِد بفعله، وبما تستطيع وتعِد به وستفعله، وبخطتها تحت عنوان الصمود وليس الحلول السحريّة، وعن منع الأسوأ وليس تحقيق إنجازات، وعن فعل الممكن وليس الانتظار.
من النادر أن نعثر سابقاً على قيام سفارة الصين الشعبية في لبنان بالردّ على مواقف لمسؤولين أميركيين متعلقة بلبنان.. فالصين طالما كانت تنأى بنفسها عن الدخول في سجال سياسي له علاقة بلبنان.. وكانت تُركّز دائماً ولا زالت على بناء علاقات اقتصاديّة وتجاريّة وثقافيّة بين الصين ولبنان وهي حرصت على تنظيم سلسلة زيارات لأحزاب وقوى سياسيّة من فريقي ٨ و١٤ آذار إلى الصين، وكذلك فاعليات اقتصاديّة وثقافيّة وأكاديميّة..
لقد جاء بيان السفارة الصينيّة، الذي صدر قبل أيام، رداً على تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، ليعكس توجّهاً جديداً في السياسة الصينيّة يقضي بعدم السماح لأميركا بتضليل الرأي العام اللبناني عبر محاولة تشويه سياسة الصين والتأثير سياسياً على الواقع اللبناني.. بشأن ما يجري من احتدام للصراع في لبنان حول الخيارات الاقتصادية والمالية التي عليه أن يأخذها لحل أزماته.. حيث عمد شينكر إلى ممارسة التحّريض الخبيث ضد بكين عبر اتهامها بصفات لا تمت بصلة إلى طبيعة سياساتها الخارجيّة في لبنان وعموم المنطقة والعالم.. والقول بأنها تسعى من خلال تقديم المساعدات الماليّة إلى نصب فخاخ للدول.. وذلك في سياق السعي إلى تحّريض اللبنانيّين على رفض الدعوات المتزّايدة للتوجّه شرقاً صوّب الصين وعدم قبول عروض المساعدات والمشاريع الاقتصاديّة التي أبدت الاستعداد لتنفيذها في لبنان..
فالصين، كما برهنت التجّربة، تعتمد سياسات خارجيّة معاكسة تماماً للسياسات الأميركيّة الغربيّة:
أولاً، تقيم الصين علاقاتها الخارجية على قاعدة تعزيز السلم والاستقرار في العالم، والحرص على تطبيق المواثيق والقوانين الدوليّة، القاضية باحترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة.. في حين تقيم الولايات المتحدة علاقاتها الخارجيّة بتعارض صارخ مع القوانين والمواثيق الدوليّة، حيث تعمل على فرض قوانينها وقراراتها على الدول للهيّمنة عليها، وتقوم بفرض الحصار الاقتصادي والمالي على الدول التي ترفض هذه الهيّمنة، وتطالب باحترام القانون الدولي..
ثانياً، تبنّي الصين علاقاتها الاقتصاديّة والتجاريّة مع دول العالم كافة على أساس تبادل الخبرات والمنافع من دون أيّ شروط سياسيّة.. وهذا النموذج من العلاقات لاقى نجاحاً في أفريقيا وآسيا، لأنّ الشركات الصينيّة التي استثمرت في هذه الدول، نفَّذت مشاريع حققت التنمية وحسّنت الخدمات العامة.. على عكس النموّذج الأميركي الغربي الذي اعتّمدتُ شركاته ويقوم على استغلال ثروات الدول من دون المساهمة بأيّ أنّشطة تنمويّة تُخرج البلاد من حالة التخلف والفقر..
ثالثاً، تمتنع الصين عن التدخل في شؤون وقرارات وسياسات الدول التي تستثمر فيها، وتعتبر ذلك شأناً داخلياً لا علاقة لها به.. في حين تعمد الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب إلى التدخل في الشؤون الداخليّة للدول.. وتقوم بحياكة المؤامرات وتنفيذ انقلابات تطيح بالأنظمة والحكام الذين ينتهجون سياسات مستقلة غير تابعة للغرب..
انطلاقاً من ذلك فإنّ واشنطن شعرت بقلق شديد من اتجاه لبنان نحو قبول العروض الصينية لتنفيذ مشاريع اقتصادية وخدمية، لأنّ ذلك إذا حصل سوف يؤدّي ويكشف:
1
ـ إنّ هناك فرقاً شاسعاً بين طبيعة العلاقات مع الصين، التي تفيد البلدين وتنتشل لبنان من أزماته من دون أن ترتب عليه أيّ شروط سياسيّة، وبين طبيعة العلاقات القائمة بين لبنان وأميركا وبقية الدول الغربية والتي تقوم على فرض الوصاية على لبنان والتدخل في شؤونه وعدم حصول لبنان على أي منافع منها.. والدليل على ذلك أن أميركا تفرض حصاراً اقتصادياً مالياً على لبنان وتشترط رفعه خضوع لبنان للإملاءات الأميركيًة الإسرائيليًة.. وهي تمتنع أصلاً عن تقديم أيّ قروض غير مشروطة، ولا تقدم أيّ مشاريع لحل مشكلات لبنان المزمنة، بل تسارع إلى وضع العراقيل أمام لجوء لبنان لأي دولة تعرض عليه المساعدة لإقامة مثل هذه المشاريع لحل أزماته…
2
ـ انّ لبنان قد أضاع عقوداً من الزمن للنهوض باقتصاده وإعادة تأهيل بنيته الخدميّة بأقلّ التكاليف، فيما لو سلك خيار تنويع علاقاته الاقتصاديّة مع دول العالم كافة.. لكنّ الطبقة السياسيّة التي حكمت لبنان بعد الطائف ربطت لبنان بالتبعيّة الاقتصاديّة للغرب وانتهجتّ سياسات ريعيّة نيو ليبرالية تناسب الغرب، أشاعت الفساد، فأباحت المال العام للنهب من خلال عقد الصفقات بالتّراضي، وكانت النتّيجة تنفيذ مشاريع بأسعار مكّلفة، وتبيّن في ما بعد أنها غير صالحة، مثل معامل الكهرباء… فيما رتبت هذا السياسة على لبنان ديوناً كبيرة تحت عنوان إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهليّة.. فلا أُقيمت شبكة سكك حديد، ولا تمّ شق نفق بيروت شتوره، ولا أُنشئّت معامل انتاح الكهرباء وفرز النفايات، ولا أُقِيمت السّدود للنهوض بالزراعة.. وكل هذه المشاريع أساسيّة للنهوض بالزراعة والصّناعة والسّياحة.. وهي القطاعات المنّتجة التي تحقق القِيمة المضافة وتؤمن فرص العمل.
3
ـ إنّ لبنان سيخرج من أزماته ويتخلّص من الارتهان للولايات المتحدة وابتزازها، ويلّمس لأول مرة الفوائد الاقتصاديّة الكبيرة من تنويع خياراته، ويُحققُ حرية قراره الاقتصادي ويُدرك مدى أهمية ذلك في اتخاذ القرارات التي تنسجم مع مصلحتهِ، ورفض كل ما يتعارض مع هذه المصلحة.. الأمر الذي يمكّنهُ من استغلال ثرواته النفطيّة والغازيّة كاملة، ورفض التّنازل عن أيّ جزء منها، والتمسك بكامل حقوقه في مياهه الإقليميّة الخالصة، وعدم القبول بأيّ مساومة عليها.
4
ـ إنّ لبنان سيزداد قوّةً ومنعةً.. فمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» سوف تتّعزز أيضاً بخروج لبنان من الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة وتحرره من وصاية الولايات المتحدة التي تعمل على استغلال الأزمة الماليّة والاقتصاديّة لتحقيق مآربها السياسيّة..
لهذا كله فإنّ واشنطن باتت قلقة جداً من اتجاه لبنان نحو الشرق لحلّ أزماته لأنها ستؤدّي إلى فقدان أميركا أخر ورقة تمسّك بها للضغط على لبنان بهدف فرض شروطها عليه، وهي كلها شروط «إسرائيليّة»…
هذه هي المشكلة التاريخية للبنان، بما لديه من سياسيين كانوا دائماً أصغر منه ولا يفعلون إلا محاولة التشبث بالسلطة عبر الولاء الأعمى والكامل للخارج الإقليمي والدولي من دون الاعتماد على قوى شعبية في الداخل.
فلماذا يبذلون جهوداً للإقناع السياسي، طالما أنهم يمتلكون وسيلة التحريض الطائفية – المذهبية التي تجمع الناس حين يريدون وتفرقهم عند انتفاء الحاجة اليهم، هذا هو السحر على الطريقة اللبنانية الذي اصاب حتى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي خرج متسللاً من البيت الابيض ليزور كنيسة قريبة ويعود حاملاً انجيلاً مقدساً يلوح به لكسب عواطف الفقراء من الأعراق البيضاء. مهدداً في الوقت نفسه السود الأميركيين بغالبيتهم الاسلامية.
ما الفارق إذاً بين نديم وسامي وترانب وسمير ورؤساء الإفتاء الاسلامي والبطاركة والمطارنة وقادة أحزاب تدعى الاشتراكية والتقدمية والعروبة ايضاً على قياس الأحياء والزواريب والزعامات المنفوخة.
هناك بالطبع استثناءات تجمع بين القوة الداخلية والتحالف الخارجي على اساس المشروع وليس الاستزلام.
وهذا ينطبق على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر، إنما يصل الأمر الى حدود سامي الجميل وابن عمه البلبل نديم ووريثهما سمير جعجع وصولاً الى الحريرية الجديدة. فهذا بالفعل مثير للقهقهة، لان من الواضح ان هذه القوى تؤدي دور منصات داخلية للتبشير بفضائل المشاريع الخارجية وتعول على انتصار الاميركيين في سورية والعراق لتتمكن من الامساك مجدداً بلبنان.
اليست هذه هي الطريقة التقليدية للإمساك بالدولة في لبنان لكن مقاومة الاسرائيليين وطردهم ودحر الارهاب من سورية وجبال لبنان الشرقية لا تنتمي الى هذه الفئة الوصولية.
هؤلاء السماسرة لا يبدلون اساليبهم منذ 1948 وتتلخص بالاعتماد على الخارج على حساب مصالح بلادهم. فكيف يمكن لقوى سياسية أفقرت لبنان منذ عقود متواصلة ووضعته في دائرة انهيار اقتصادي داهم ان تحرض مؤسسات النقد والمال الدولية لتمتنع عن اقراض لبنان مبالغ تجعله قادراً على المراوحة الا بعد التزامه بأربعة شروط اميركية واولها قانون قيصر الاميركي الذي يريد خنق سورية بقطع كل علاقاتها المالية والنقدية والاقتصادية مع الجوار وبشكل كامل.
اما ثاني الشروط فهي موافقة لبنان على السماح لقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل بتفتيش القرى اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة.
فلا يتبقى إلا موافقة لبنان على نشر قوات دولية عند حدوده مع سورية ايضاً.
فيتبقى شرط رابع «بريء» جداً يتعلق بتجريد حزب الله من سلاحه مروجين ان اسبابه تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية على اراضيها ومتطلبات السلم الاهلي.
ألم يكن أولى بهؤلاء السماسرة ان يشاركوا بتحرير لبنان بدلاً من تغطية العدوان الاسرائيلي عليه في 1982 ودعمهم لهذا الاحتلال حتى 2006، حتى ان كبار القيادات استقبلوا في قصورهم الجبلية وفيلاتهم البيروتية قائد جيش العدو الاسرائيلي في حينه شارون؟ أهؤلاء هم أهل السيادة الذين ذهبوا الى عرسال حاملين طعاماً و»بقلاوة» قدموها للتنظيمات الإرهابية، وذلك لانهم اعتبروا داعش والقاعدة منظمات تقاتل السوريين وحزب الله، فإذا انتصر الارهاب فقد يمنحهم «ولاية لبنان» ليحكموها، او يثبتهم الاميركيون على «لبنان الديموقراطي» العميق الجذور مقصياً الارهابيين عنهم، فهكذا يحلم السماسرة دائماً، وهم دائماً على خطأ وذلك لأسباب عدة: اولاً شكل التقاء حزب الله وحركة امل مع التيار الوطني الحر استقراراً سياسياً واجتماعياً طيلة الخمس عشرة سنة الماضية، ولم يمسك هذا التقارب بكامل السلطة في لبنان محترماً تنوعاتها السياسية والمذهبية والعرقية.
حتى انه اخترع معادلة «الوحدة الوطنية» الطائفية لتبرير وجود قوى سياسية معادية له، لها ميزة الحضور السياسي في طوائفها، وكان بإمكانه ابعادها.
وبقي هذا التحالف متمسكاً برئيس الحكومة السابق سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء حرصاً على التوازنات الداخلية والإقليمية، ولم يتخل عنه الا بعد فراره من القطار الحكومي لكي لا يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي الكارثي.
اين هي المشكلة؟ تتجسد في مجموعة 14 آذار الذي فروا اولاً من مجابهة الانهيار الاقتصادي عائدين على متن مطالب اميركية وربما أكثر، تريد تصفية حزب الله بقوة الابتزاز، فإما تطبق إقفال الحدود مع سورية وحق اليونيفل بتفتيش القرى في الجنوب وإلا فلا قروض ممكنة للبنان من صندوق النقد الدولي.
لذلك تعاود الحريرية والجعجعية وتنوّعات آل الجميل تحريض الخارج على الداخل وتنظيم تحركات شعبية معادية لسلاح حزب الله، اما الوزير جنبلاط فيمارس كعادته سياسة باطنية يتشاور فيها حالياً مع أصدقائه القدامى الروس كي يبني على الشيء مقتضاه.
فإذا تلقى نصائح من الروس بالابتعاد عن المشهد الجعجعي – الأميركي لان مشروعهم الجديد لن يربح، وهذا ما أكد عليه السفير الروسي في لبنان منذ يومين فقط.
لذلك فقد نجد أبا تيمور متموضعاً في مكانين مختلفين: الاول سراً مع القوات والحريري والكتائب من خلال تحركات خجولة في خلدة والناعمة، والثاني يلتزم فيها بصبر استراتيجي ليتبين الموقف من صديقه الرئيس نبيه بري الذي لا يبخل عليه عادة بوصفات سحرية.
ما هو المطلوب الآن؟
اولاً ان تصدر الانتفاضة الفعلية بياناً تعلن فيه ان لا علاقة لها بتحركات تنظمها القوات والكتائب والحريريون وقوى أخرى شديدة الالتباس يوم السبت المقبل، وبذلك فقط تنظف الانتفاضة مسيرتها من المندسّين بها من سماسرة الخارج.
اما ما تبقى فهو رهن بنتائج التنسيق بين بري – حزب الله الذاهب نحو الدفاع عن الدولة من سياسييها الذين يواصلون سرقتها منذ أكثر من أربعة عقود.
لدى الحريري وجنبلاط شعرة لا يُريدان قطعها مع حزب الله وبرّي (هيثم الموسوي)
وليد جُنبلاط في وادٍ، وسعد الحريري في وادٍ وسمير جعجع في وادٍ آخر. لا بوصلة تجمَعهُم، وإن كانَ الهدَف واحِداً، فالمسار مُختلِف والاعتبارات مُختلفة. المُحصلة: زمَن ١٤ آذار ولّى… لا جبهة مُعارضة ولا مَن يحزَنون
في أيلول 2018، جمَع النائِب نعمة طعمة في منزلِه وليد جنبلاط وسمير جعجع. كانَت مُناسبة طرَحَ فيها رئيس القوات اللبنانية على الطاوِلة فكرة إنشاء جبهة مُعارضة ضد عهد الرئيس ميشال عون. مضَت أعوام كثيرة على تحالُف ثورة «الأرز» لم يتنبّه جعجع خلالها إلى أن جنبلاط ما عادَ مُغامراً ولا مُبادراً، قبلَ أن يحسِمها «البيك» بأنه «لا يُريد الدخول في سياسة المحاوِر».
منذُ أيام لا تتوّقف التحليلات عن جبهة مُعارضة سينضمّ إليها رئيس الحكومة السابِق سعد الحريري، إذ تزامَنت عودته من باريس مع تصريحات هجومية للقوات والاشتراكي تنال مِن العهد وحكومة الرئيس حسان دياب، ومع حركة تقوم بها السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا على القيادات «الصديقة» لبلادها في بيروت. حينَ يُنظَر إلى هذا التزامُن من زاوية التكهّنات، يصير الحديث عن مشروع كهذا «ببلاش». لكن كِلا الأمرين لا يلغيان واقِع أن لا زمان يسمَح لأن اللحظة السياسية التي وُلدت في ٢٠٠٥ انطوَت، ولا مكان يجمَع، فهذا فندُق «البريستول» حيث أسرار وخفايا ما عُرف يوماً بـ«فريق 14 آذار» ودّع ماضيه منُذ أيام… كُل المؤشرات تُفيد بأن البلاد مُقبلة على اضطرابات سياسية وشعبية شرسة. وحتى ذلِك الحين، يتناوب الثلاثي جنبلاط – الحريري – جعجع على المعارضة وفقَ مشتركات أساسية، أبرزها تصفية حساب مع العهد والحكومة، والحفاظ على ودائعهم داخِل النظام السياسي والمالي، ولا سيما أن المسار الذي تتبعه الحكومة بالتناغم مع سياسة رئيس الجمهورية، يجعلهم يشعرون بالخطر، على صعيد الإجراءات التي يلوّح بها فريق رئاسة الحكومة، كما لجهة التعيينات المالية حيث الطاقم القديم يشكل العمود الفقري للسطوة الأميركية على الساحة الداخلية. كذلك يرى الثلاثي نفسه معنياً بالدفاع عن كبار المودعين (بعضهم من هؤلاء «الكبار»)، وعن رياض سلامة الذي لطالما مدّ مصرف الحريري بالدعم، على شكل هندسات مالية أو غيرها. يُضاف إلى ما سبق أن التعيينات المالية، وخاصة في مصرف لبنان، تمثل أهمية قصوى للحريري وجنبلاط، لأسباب لها صلة بالمحاصصة، كما لإراحة سلامة، فضلاً عن «الامتثال» للأمر الأميركي بإعادة تعيين محمد البعاصيري في منصبه السابق، نائباً ثالثاً لحاكم مصرف لبنان. ولدى جنبلاط مطلب خاص يجعله يخوض حروباً كلامية يُلبسها لبوساً «عالمياً» أحياناً: الأخذ برأيه لتعيين قائد للشرطة القضائية. ما سبق يجعل الثلاثي يلتقي على المواقِف نفسها، من دون أن يعني ذلِك إحياء منطِق ١٤ آذار، إذ تنعدِم المقدرة على صوغ مثل هذا التحالف نتيجة اعتبارات عديدة: أولاً، لدى الحريري وجنبلاط شعرة لا يُريدان قطعها مع حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري. الاثنان يعلمان بأن تحالُفاً من هذا النوع يستفزّ الثنائي ويجعلهما أكثر تشدداً، خصوصاً أن جعجع بالنسبة اليهما هو بمثابة «شبهة». لذا يلعَب كل من الحريري وجنبلاط منفردين، وحدود لعبتهما انتقاد العهد والحكومة والتحريض عليهما، والإعداد لركوب موجة أي انتفاضة مُقبلة. ثانياً، لا يزال الحريري يُراهِن على العودة إلى الرئاسة الثالثة. وهذا الرهان ينتظِر انتهاء أزمة كورونا، ويعوِّل على إسقاط حكومة دياب في الشارع. ولأن الحريري يعلَم بأن لا حظوظ له من دون غطاء حزب الله، فلن يُغامِر في ارتكاب خطوة تستفزّه. ثالثاً، ليس جنبلاط في وارِد الخروج عن السكة التي رسمها لنفسه منذ ٢٠٠٨. يمشي «جالس» مُحاذراً التوتر مع الحزب، ومحافظاً على العلاقة التي تربطه ببري. لذا فإن الابتعاد عن «سياسة المحاور» لا يزال الخيار المُفضّل لديه. وإن تقاطعت تغريداته مع مواقف «المُستقبل» و«القوات» ضدّ طرف سياسي محدّد، العهد أو حسان دياب، لكنها لا تعني أن «خصم خصمي حليفي».
ليسَ جنبلاط في وارِد الخروج عن السّكة التي رسمَها لنفسه منذ 2008
رابعاً، الاعتبار الأهم الذي يحول دون إنشاء هذه الجبهة، هو العلاقة السيئة بين الحريري وجعجع. فباعتراف مصادِر الطرفين «الأمور تحتاج إلى الكثير من المعالجة». القوات تشعر بأنها المخدوعة، ولم تتخطَّ العلاقة العميقة التي جمعت الحريري بالوزير السابِق جبران باسيل. أضِف إلى ذلك أن الحريري لم يتعافَ من الضربة التي وجّهتها القوات له بإخراجه من الحكومة، ثم رفضها تسميته لتأليف حكومة جديدة بعدَ استقالته، فضلاً عن جرح «الريتز» الذي لم يندمل بعد.
صيدا أعادت الحريري دفعت عودة الحريري إلى الافتراض بأنها تتعلّق بتفعيل عمله السياسي، وإطلاق جبهة معارضة للحكومة. لكن هذه العودة ترتبط بشكل أساسي بما حصلَ في صيدا أخيراً، والحديث عن تواصل بينَ الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة ودياب ودعوته إلى صيدا، ومن ثم تدخل النائبة بهية الحريري الذي أدى إلى تجميد زيارة رئيس الحكومة ووزير الصحة حسن حمد إلى صيدا. ليسَ تفصيلاً بالنسبة إلى الحريري خسارة أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين يستنِجد بهم كلما دعت الحاجة، فضلاً عن البلبلة التي أصابت جمهوره، في ظل أزمة كورونا والشح المالي. وقد وصلت إلى مسامِع الحريري في باريس (قبلَ عودته) أن الناس في المرحلة المُقبلة ستركض إلى الشارع منتفضة ضد سياسة التجويع، وأن خطاب العصب الطائفي لم يعُد ينفع، لأن الناس لا تريد أن تقاتِل بل تريد أن تأكل. أما بالنسبة إلى الحركة التي تقوم بها السفيرة الأميركية، فلا ارتباط بينها وبين عودة الحريري، كما أنها لا تأتي في إطار لمّ الشمل أو توحيد البوصلة عند الفريق الأميركي السياسي في لبنان، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تُدرك أن أحصنتها القديمة في لبنان لن تجتمع لجرّ عربة مواجهة حزب الله. حركة السفيرة لا تزال في إطار التعارف وجس النبض، في انتظار أمر عمليات لم يصدر بعد، على ما يقول قريبون من الثلاثي ومن السفارة في عوكر.
بات من المسلّم به انّ حكومة حسان دياب القائمة في لبنان منذ نيّف و3 أشهر تقريباً هي حكومة تختلف في كثير من الوجوه والمفاصل عن الحكومات التي شهدتها جمهورية الطائف التي انطلقت بعد العام 1989. ولأنّ هذه الحكومة تختلف عن سابقاتها فقد سجل أمران هامان يتصلان بأدائها وبردة الفعل على هذا الأداء:
ـ الأول جرأة الحكومة ونجاحها في اتخاذ القرارات الكبرى مثل قرار تعليق إيفاء اليوروبوند او خطة مواجهة كورونا او خطة إعادة المغتربين إلخ…
ـ الثاني ردة فعل الطبقة السياسية التي شاركت في حكومات لبنان منذ ثلاثة عقود، خاصة أولئك الذين أخرجوا أنفسهم من الحكومة الحالية واختاروا المعارضة بذريعة انّ صوتهم كان مهمّشاً داخل مجلس الوزراء في ظلّ عهد العماد عون الحالي واعتقادهم بأنهم لا يُستغنى عنهم، وبالتالي سيعودون إلى الحكم على حصان أبيض بعد فشل سريع للحكومة الحالية، كما يرتقبون.
في الموضوع الأول، لمس اللبناني ولأول مرة منذ العام 2005 انّ لديه مسؤولاً يهتمّ بشأنه ويحرص على أمنه وسلامته، وسلّم الجميع بأنهم أمام أداء حكومي فاعل ومنتج لا بل انّ الحكومة تعقد اجتماعات تحت عناوين شتى وبشكل مستمرّ وتكاملي وتعطي كلّ مكوّن وهيئة دورها وتترك لها ممارسة اختصاصها بشكل منسّق مع الآخرين بدءاً من الاجتماعات الوزارية المحدودة إلى اجتماعات اللجان الوزارية مروراً باجتماعات الهيئات المختصة الفرعية والعامة وصولاً إلى المجلس الأعلى للدفاع وانتهاء بالهيئة الأعلى التي تمارس السلطة التنفيذية أيّ مجلس الوزراء.
اجتماعات تتمّ بشكل منهجي وقانوني مدروس ومنتج وقد سمعنا الكثير من الناس من رسميين وغير رسميين يشكرون الله على أنّ الجائحة كورونا عصفت بلبنان في ظلّ هذه الحكومة لأنها لو حصلت في ظلّ الحكومة السابقة لكان مصير لبنان الصحّي أسوأ حالاً من مصير المالية العامة التي تلامس الإفلاس، ويتردّد انّ حكومة دياب عقدت في ثلاثة أشهر من الاجتماعات واتخذت من القرارات الخطيرة أكثر مما عقدت حكومتا سعد الحريري من اجتماعات في ثلاث سنوات. وفي خلاصة الأمر نقول انّ نجاح حكومة دياب في الشهرين الأولين لممارستها السلطة هو نجاح فرض نفسه ولا ينكره إلا موتور او جاهل او أعمى.
أما في الثاني أيّ ردات فعل الطبقة السياسية على أداء الحكومة ونجاحها وهي الطبقة التي كما ذكرنا أخرجت نفسها كيدياً او تبعياً او تآمرياً من الحكم لأول مرة منذ 1992 لبعضها، ومنذ 2005 لبعضها الآخر، فإنها ردات غاية في السلبية وتتسم بالهستيريا إذ هالها ان تنجح الحكومة حيث فشلت هي وهالها أن تكشف الحكومة جرائمها وتهدّد أموالاً سرقتها وتتحضّر لاستعادته. ومن أجل الدفاع عن مصالحها ومسروقاتها لجأت إلى الحرب الاستباقية على الحكومة متوسّلة الزور والبهتان والكذب وتحريف الحقائق للتنصل من أعمالها الإجرامية عندما مارست الحكم خلال عقود ثلاثة سبقت، وهي تتصرّف الآن وبكلّ وقاحة وفجور وكأنّ الناس بلا ذاكرة او كأن الناس معدومو العقول والأفئدة، وأنهم سيسيرون خلف الزعيم الناهب للأموال المصادر للكرامات من دون ان يكون هناك مَن يجرؤ على قول الحقيقة ويواجه افتراءهم وكذبهم وتنصّلهم من المسؤولية وإلقاء عبئها على حكومة “ليس لها في القصر قبل أمس العصر”.
نعم لقد هال أركان الطبقة السياسية أن تنجح الحكومة حيث فشلوا بعد ان نهبوا وأفسدوا، وهالهم ان تكشف الحكومة عيوبهم وعوراتهم التي ظهر نموذج منها عندما قرّرت الحكومة تقديم مساعدات نقدية للعائلات الأشدّ فقراً وحاجة، إذ انّ الحكومة ومن أجل كسب الوقت اعتمدت البيانات الممسوكة في وزارة الشؤون الاجتماعية التي دأب على الإمساك بحقيبتها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية ونظمت تلك اللوائح بالعائلات الأشدّ فقراً وحاجة. لقد اعتمدت الحكومة ومن أجل كسب الوقت المعطيات الجاهزة في وزارة الشؤون الاجتماعية مع بعض الإضافات الجاهزة، وأوكلت إلى الجيش بما يتمتع به من صدقية ودقة تنظيم وأمانة ان يتولى عملية التوزيع بعد التحقق والتدقيق، وهنا ظهرت الفضيحة الفظيعة حيث تبيّن انّ اللوائح تعطي غير المستحق وتحرم المستحق فتوقف التوزيع حتى يكتمل التدقيق.
ومن جهة أخرى هال الطبقة السياسية التي نهبت البلاد وأفلستها أن تتصدّى الحكومة لعملية إصلاح تنجّي لبنان من الغرق، وأدركت انّ الإصلاح يمرّ بممرّ إجباري هو الإصلاح المالي مالاً وأشخاصاً قائمين عليه. هنا بدأت عملية تحسّس الرقاب وانفجار الجنون والهستيريا وأطلقوا مقولة “رفض الـ هيركاتhair cut ويعنون بها رفض الاقتطاع من الودائع المصرفية. ناسبين زوراً إلى الحكومة سعيها إلى ذلك رغم انّ أحداً لم يطرح هذا التدبير الذي يعتبر برأينا في الصيغة المتداولة إعلامياً نوعاً من السطو غير المسموح به على أموال الغير.
لكن قولهم في مكان والحقيقة في مكان آخر. فمسودة الورقة الاقتصادية الإنقاذية التي قيل إنها تتضمّن هذا الأمر هي خلوّ منه، وإنّ هناك أفكاراً تبحث عن طريقة قانونية يُستعاد بموجبها المال المنهوب خاصة في السنوات الأخيرة، ولقد هال طبقة الفساد السياسي في لبنان ان تفكر الحكومة باستعادة تلك الأموال التي نهبوها تحت عناوين متعدّدة، فشنوا عليها الحرب الاستباقية وانهالوا عليها بالتشنيع والتقريع رافضين ما لم تطرحه الحكومة أصلاً في مسودّة ورقتها.
ووضعاً للأمور في نصابها نقول إننا من حيث المبدأ نرفض أيّ مسّ بمال المودعين خاصة أنّ هؤلاء وثقوا بالنظام المصرفي اللبناني وأودعوا جنى العمر في مصارف لبنان سواء في ذلك من اغترب وعمل في الخارج او من عمل في الداخل، إنه رفض مبدئي لا يمكن المساومة عليه، ولكن هذا لا يعني توفير حماية لمن استفاد من خطط وهندسات وسلوكيات مصرفية تمّت في لبنان وحققت له المال بشبهة وانعدام مشروعية وأدّت إلى ما أدّت اليه من عجز في مالية الدولة بما شكل إفلاساً واقعياً لها. تُضاف إلى ذلك أموال هدرتها الحكومات السابقة ليستفيد منها بغير وجه حق سياسيون من أرباب الفساد أيضاً، وأخيراً هناك الأموال التي تشكلت نتيجة الرشى والسرقة واستغلال الوظيفة العامة لمدّ اليد على المال العام. أيّ في الخلاصة هناك مال من الكسب غير المشروع، ومال منهوب ومال مهدور، وجلّ هذه الأموال هرّبت إلى الخارج بالتعاون الحثيث والتسهيل من قبل حاكم مصرف لبنان والمصارف المعنية.
انّ جنون وهستيريا الطبقة السياسة مرتكبة النهب والكسب غير المشروع سببه خوفها من تجريدها من أموال سرقتها ومن مواقع سياسية أزيحت عنها وخاب ظنها بالعودة السريعة اليها، ومن فضائح متعدّدة كشفتها الحكومة القائمة، لذلك تقوم هذه الطبقة بشنّ الحرب الظالمة على الحكومة من أجل منعها من متابعة العمل الذي قدّمت نموذجاً فذاً عنه في مواجهتها للوباء الجرثومي الذي يجتاح العالم فنجحت نجاحاً باهراً حيث سقطت قوى عظمى ولهذا نرى أنّ خير عمل تقوم به الحكومة في مواجهة عدوان الفاسدين يلخص بما يلي:
1
ـ عدم السكوت على مواقف التجنّي والافتراء والتنصل من المسؤولية. فإلى جانب العمل الحكومي الرسمي الحثيث الذي يجعل الأعمال تتكلم يجب وضع الأمور في نصابها من خلال عمل إعلامي مقارن يظهر الحقائق للرأي العام ويظهر ما كان قائماً وما ترغب الحكومة به ويجب أن يكون باب القضاء مشرعاً للمحاسبة.
2
ـ عرض الواقع المالي الحقيقي كما تسلمته، ووضع خطة واضحة لاستعادة المال المنهوب والمهدور والمهرّب ووقف الهدر والرشوة والتفريق في ذلك بين استعادة الدولة أموالها من اللصوص والسارقين، وهو حق قانوني لها، وبين اقتطاع مال المودعين الذين جنوا مالهم بالطرق المشروعة وهو اقتطاع مرفوض.
3
ـ استبدال كافة الأشخاص الذين تولوا مهام إدارة المال العام خلال السنوات الثلاثين السابقة.
4
ـ السير قدماً بالقرارات الاستراتيجية الجريئة مثل قرار تجميد دفع الديون. من دون تهيّب الضغط الداخلي او الخارجي. وهنا يجب تذكير الجميع في الحكومة وخارجها انّ هذه الحكومة تقوم بمهمة وطنية مقدّسة فإما ان تنجح وينجو لبنان وإما ان تفشل ويذهب لبنان إلى المجهول.
لن يكون الردّ عليك بأسلوبك الفتنويّ لأننا ندافع عن حق ينحني العالم كله أمامه…
أنا كلبنانية فتحت عيونها على تلك الحرب اللعينة أودّ التذكير بالحقائق التالية:
أولاً: إنّ مجزرة البوسطة في عين الرمانة لم يرتكبها الفلسطينيون بل هم كانوا ضحيتها، ومعهم لبنانيون بينهم أصدقاء لي ورفاق في منظمة كفاح الطلبة كالشهيد غالب عكر ووالده.
ثانياً: أنّ الفلسطينيين كانوا ضحايا مجازر عدة في العديد من مخيماتهم ولم يرتكبوا مجازر… وكلنا يذكر مجزرة صبرا وشاتيلا التي هزّت ضمير العالم.
ثالثاً: أنّ الحروب في لبنان لم تبدأ في 13 نيسان 1975، ولا مع الوجود الفلسطيني في لبنان، بل بدأت قبل ذلك بمدة طويلة بدءاً من حروب 1840 و 1860 إلى أحداث 1958، وذلك على خلفيات طائفية، والطائفية هي الفايروس الحقيقيّ الذي فتك ويفتك بلبنان حتى اليوم…
رابعاً: أنّ الحروب في لبنان لم تتوقف رغم خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982، بل إنّ أقساها حصل بعد ذلك التاريخ سواء في حرب الجبل أو في حرب الإلغاء أو في مجزرة إهدن والصفرا وضحايا تلك الحروب كانوا لبنانيين، بل ومسيحيين أحياناً.
خامساً: انّ تشبيه الفدائي الفلسطيني الذي يقدّم حياته كلّ يوم من أجل تحرير بلاده وعودة شعبه إلى أرضه مسقطاً كلّ مؤامرات التوطين والوطن البديل ويكافح ضدّ فايروس خبيث يتهدّد البشرية، ليس إساءة لشعب بات محط إعجاب البشرية جمعاء، ونضاله ومقاومته فقط، بل هي إساءة للبنان أولاً الذي يعتز برسالته الإنسانية ودوره التحرري، وقيمه النهضوية وبما قدّمه، وما زال لقضية فلسطين ولمعاداة الصهيونية منذ عقود وعقود، إسهاماً شارك فيه مفكرون ومبدعون، قادة ومناضلون، علماء وأحبار، فانتزع لبنان برسالته النهضوية مكانته بين إخوانه العرب وفي العالم.
سادساً: لقد طوينا جميعاً تلك الصفحات المؤلمة في حياتنا على قاعدة «أنّ الماضي مدرسة نتعلّم منها وليس سجناً نبقى أسراه فنكرّر فتنه ومآسيه»، والله وليّ التوفيق…
*المديرة العامة للمركز العربيّ الدوليّ للتواصل والتضامن.
كنا نأمل أن تمر الذكرى الخامسة والأربعون لاندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة على خير. أن تكون مناسبة للوئام والتعاضد والتلاحم الوطني، في هذه الأيّام الصعبة التي يحاصرنا فيها الطاعون، وتنهمر علينا من كل حدب وصوب لعنات نتحمّل نحن، لا السماء، مسؤوليتها. كنا نأمل، والوباء ماض في حصاد الأرواح، والجوع يتهدد أكثر من نصف الشعب اللبناني، أن ننجوَ من ترسبات تلك الحرب التي لا تنتهي من الانتهاء، وخطاباتها المضمّخة بدمائنا، وأمراضها الفتاكة، وحقدها العقيم، فنتفرّغ لموتنا الراهن… عسانا بواحدة من تلك «الأعاجيب» الوطنية التي يعرفها التاريخ، ننهض من كبوتنا ونستعيد – ولو عبر تضحيات عظمى – رهاننا على مستقبل مختلف لنا ولدولتنا ونظامنا. لكن لا، عبثاً، فنارُ الانحطاط رابضة تحت الرماد، وخطاب الكراهية بضاعة سهلة الرواج لها مستثمروها وصنّاعها ومروّجوها. لكن لا، ما زالت الحياة السياسية في لبنان، ما زالت الذاكرة الوطنيّة المثخنة، تحت رحمة حفنة من تجار الخوف وسعاة الفتنة.
صحيح! جرح الحرب الأهليّة لم يندمل، لأن الطبقة السياسية لا تريد له أن يندمل، بل تركت القيح يعشش فيه، فهو ضمانة استمرار النظام القائم على التعصب والطائفيّة، والولاء الأعمى للزعيم، والعداء لمواطن لبناني آخر «مشتبه به» كخطر رابض. هذا الجرح نفسه يتسلل منه أيضاً المستعمر وخدمه الاقليميون ليستلبوا مصلحتنا وحقوقنا وقرارنا.
جرح الحرب الأهليّة لم يلتئم لأن أحداً لم يشتغل على ذلك، لم تتبلور قوّة سياسية قادرة على مواجهة المقاولين والسماسرة الذين صنعوا خرابنا بالشراكة مع أمراء الحرب. وهذا الخطاب الانعزالي بامتياز، يعود إلينا في كل مناسبة، تارة في مناسبة فيلم سينمائي يعيد الاعتبار إلى الرواية الانعزالية للحرب (فيلم زياد دويري وأنطون صحناوي في مديح بشير الجميل وأبلسة الفلسطينيين ثم «مسامحتهم» النبيلة على طريقة مقدمة أخبار الـ otv أوّل من أمس)، وطوراً مع ذكرى تفرضها الروزنامة (من بشير الجميل إلى «لبنان الكبير»)… فكيف لذكرى 13 نيسان/ ابريل و«بوسطة عين الرمانة» ألاّ تكون فرصة ذهبية لخروج هذه العفاريت الكامنة في اللاوعي الجماعي؟
هكذا جاء رسم كاريكاتوري في منتهى القبح والبلادة فنيّاً، وقلّة الأخلاق والعنصريّة والخطورة، لينكأ هذا الجرح أوّل من أمس، ويعيدنا الى أحطّ دركات الزمن الأسود. يقول الرسم، وتقول الجريدة التي نشرته: «الفلسطيني» في 13 نيسان 1975، و«كورونا» في 13 نيسان 2020.
في البلد الذي فرش حكامه الفاسدون للعميل عامر فاخوري بساطاً من الورد من المستشفى العسكري إلى عوكر، تقارن «الجمهوريّة» بين وباء لعلّه الأخطر على البشريّة منذ قرن، مع شعب كامل، مع بشر «يصدف» أنّهم أهلنا الذين يواجهون حملة إبادة منهجيّة منذ 72 عاماً. ولم تكن «المحطّة االبنانية» إلا أحد فصول تلك الإبادة. وقد وعد بشير الجميل عرّابه شارون بتصفية القضية الفلسطينية، عبر ذبح اللاجئين في لبنان وتهجيرهم وتحويل مخيماتهم إلى حدائق حيوان، مقابل انتخابه رئيساً (راجع الوثائق التي تضمنها كتاب المؤرخ الأميركي سيث أنزيسكا، «منع فلسطين: تاريخ سياسي من كامب ديفيد إلى أوسلو»).
«الجمهوريّة» – التي طالبها المطران عطالله حنا أمس من القدس بالاعتذار عن «هذا الكاريكاتور الذي يتناقض مع كل قيمة انسانية»، مضيفاً: «الله يهديكم» – ارتكبت خطأ أخلاقياً بقدر ما هو سياسيّ، وهي حتى إثبات العكس متواطئة مع القتلة، وشاهدة زور على المجزرة المتواصلة ضد هذا الشعب. مجزرة ازدادت بشاعة في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع وتيرة العنف لدى جيش الاحتلال وحصار غزّة وهدم البيوت ومصادرة الارزاق وذبح المواطنين العزّل وبناء المستوطنات، مرواً بمحاولة اغتصاب القدس بمساعدة ترامب وقانون يهودية الدولة، وصولاً إلى صفقة القرن. وما صفقة القرن هذه الا محاولة جديدة لإحياء مشروع تصفية المقاومة الفلسطينية، بقرار من «الأخ أكبر» نفسه الذي عمل على اغراقها في الرمال المتحرّكة للحرب الأهليّة في لبنان قبل 45 عاماً.
في اللحظة التي نرى وطننا يتهاوى، وحكامه شركاء «نادي الواحد بالمئة» يتفننون في بيعه قطع غيار، بأبخس الأثمان، لتغطية فسادهم وسوء ادارتهم وهدرهم ونهبهم المنهجي، ويصرّون على تقاسم كعكة الدولة وتوزيعها في ما بينهم باسم «حقوق الطوائف»… كان لا بدّ من «بعبع»، من فزّاعة تشغل الناس التي تساق إلى الذبح على يد ملوك الطوائف. والفلسطيني كبش فداء نموذجي بالنسبة إلى الخطاب الانعزالي المذعور الذي انتج العملاء وغوييم الشبات منذ الاستقلال وربّما قبله.
هناك من يريد اليوم إحياء الرواية الانعزالية للحرب الأهليّة اللبنانيّة الرابضة في لاوعي مذعور ومقهور، عبر استعادة السردية البلهاء والساذجة التي تصدّق أن الحرب اللبنانيّة اندلعت لأن «الفلسطينيين أرادوا أن يحتلوا لبنان ويطردوا المسيحيين بالبواخر إلى كندا». أيّاً كانت أخطاء الحرب الاهلية، وهي كثيرة ومؤسفة ويتحمّل مسؤوليتها كل أطراف تلك الحرب بنسب متفاوتة، فإن كل الأحداث والمعارك والمذابح والمواجهات تشير إلى حقيقة الصراع الأساسي والوجودي الذي تخوضه شعوبنا من أجل استعادة حقوقها الوطنية والقومية في مواجهة المشروع الاستعماري نفسه الذي يعمل على سرقة الأرض والحقوق والثروات وتصفية القضية الفلسطينية.
ليس المطلوب تجاهل «التروما» التي ورثها اللبنانيون من الحرب، لكن وحده وطن متماسك منخرط في الدفاع عن الهويّة العربيّة، في دولة قويّة عادلة، يؤدي إلى الشفاء منها. الجرح العميق الذي تعيشه هذه الفئة أو تلك (ويتغيّر حسب وجهة نظر الضحية) ليس لعنة أبدية. كم شعبِ عرف حرباً أهلية، ثم شيّد نصب الوئام والمصالحة الوطنية، وبنى دولة قانون، واتفق على رواية موحدة للتاريخ ومستقبل مشترك. لكنّ الخطاب الانعزالي عندنا ما زال يستغل الجرح ويتاجر بالخوف والحقد والعنصرية ويزوّر التاريخ. كاريكاتور «الجمهوريّة» يختصر الانعزالية اللبنانية في أبلغ تجلياتها.
مقارنة وباء كورونا بأهلنا الفلسطينيين، وإحياء الرواية الانعزالية للحرب الأهلية؟
يا جرذان الفاشية! الوباء الحقيقي هو العنصرية والانعزالية واليمين المتطرف. والحرب نفسها مستمرة منذ 1975 ضد المشروع الأميركي الإسرائيلي إيّاه، وأنتم أسخف أدواته!
دان مطران سبسطيا والقدس للروم الأرثوذكس عطالله حنا، من القدس، وفي مناسبة أسبوع القيامة المجيدة ما اقترفته جريدة الجمهورية الصادرة في بيروت بوسم صفحتها الأخيرة بكاركاتير يشبه الفلسطيني العابس الملثم بالكوفية التاريخية بفيروس كورونا الساخر. وجاء في التسجيل الصوتي للإدانة حرفياً:
“من المؤسف أن تقوم جريدة الجمهورية اللبنانية اليوم بنشر هذا الكاريكاتير والذي أعتقد أنه يتناقض مع كافة القيم الإنسانية والأخلاقية. أن تتم مقارنة الفلسطيني بوباء الكورونا، هذه جريمة بحق الانسانية، وجريمة بحق القيم الإنسانية والأخلاقية والحضارية النبيلة. ونحن كفلسطينيين ومن قلب مدينة القدس، وفي هذا الأسبوع العظيم المبارك، وقبل وصولنا الى أحد الفصح العظيم وعيد القيامة المجيد، نعرب كفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، عن رفضنا واستنكارنا وشجبنا لهذا الكاريكاتير الذي يسيء ليس فقط للشعب الفلسطيني بل يسيء أيضاً لكل إنسان لديه قيم وأخلاق ومبادئ سامية”. وقال مطران سبسطيا والقدس: “نطالب جريدة الجمهورية بالاعتذار عن هذه الإساءة للشعب الفلسطيني، ونتمنى أن لا تتكرر مثل هذه الأخطاء. الفلسطيني ليس وباء، الفلسطينيون هم بركة في كل مكان يتواجدون فيه، وباء كورونا هو وباء وحّد العالم بأسره، كل العالم يعاني من وباء الكورونا، وكما توحّدنا في معاناتنا من الكورونا، وكما توحّدنا في مواجهتها يجب أن نتوحّد في دفاعنا عن حقوق الإنسان وقيم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية وفي مقدمتها قضية شعبنا الفلسطيني”. من المؤسف وفي هذه الأيام المقدسة المباركة حيث احتفل اخوتنا في الكنائس الكاثوليكية بعيد القيامة ونحن في اسبوع الآلام نستعد للاحتفال بالقيامة يوم الأحد القادم من المؤسف أن نرى هذا الكاريكاتير الذي يتناقض مع كل قيمة انسانية أو روحية أو اخلاقية” . وختم المطران حنا: “أقول لمن قام بهذا العمل (الله يهديك) لا ندعو على أحد بالسوء بل ندعو من أجل هداية الضالين،ومن قام بهذا العمل هو شخص ضال وغير مسؤول وتخلى عن كل قيمة انسانية أو أخلاقية نبيلة”.
تنتصر المعارضة في أي بلد عندما تكون متسلحة بمعيار علمي في مقاربة أي ملف وتحاسب الحكومة على أساسه، لأنها تراكم وعياً في عقول الناس ينمو تدريجاً لينضم إلى الدعوة للمحاسبة ولا تستطيع أي حكومة فاسدة أو فاشلة مواجهة معارضة منهجيّة لا ترتكب أخطاء قاتلة كالكيدية واتّباع الحقد في تحديد مواقفها. والمثال تقدمه تجربة حكومة الرئيس حسان دياب خلال الفترة البسيطة التي أعقبت نيلها الثقة النيابية مع المعارضة المكوّنة من أحزاب كبرى وعريقة، بينما الحكومة التي نالت دعم وثقة غالبية نيابية من أحزاب كبرى لا تملك دفاعاً عنها بحجم ما تتلقى من هجمات. وهذا بالمناسبة لصالحها، لأنه يحرر الحكم الشعبي عليها من ثنائية المواجهة المزمنة بين فريقي 8 و14 آذار، وضعفها في المواجهة لا يضعفها أمام الناس ولو كانت بلا حجة تقابل حجج خصومها لإدانتها، بل ربما يتيح محاكمة أحادية لحجج الخصوم، وإصدار الحكم عليها.
–
ملفان رئيسيان تعاطت معهما حكومة الرئيس حسان دياب خلال هذا الشهر الأول من عملها الدستوري، الأول هو ملف سندات اليوروبوند، حيث اصطف المعتدلون من خصومها تحت دعوات السداد والتوجه نحو المؤسسات المالية الدولية لطلب عونها في تأمين قدرة على السداد، واتباع شروط تضعها هذه المؤسسات وفي طليعتها صندوق النقد الدولي. ووقف الصقور يربطون القرار بالضغط على حزب الله لتغيير مواقفه بما يحقق الرضا الخليجي والأميركي كشرط لما أسموه استعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي؛ لكن الحمائم والصقور أجمعوا على أن الامتناع عن السداد سوف يحول لبنان إلى كوريا شمالية ثانية، محاصَراً ومقاطعاً، وقالوا إن الامتناع سوف يرتّب فوراً حجزاً على أملاك لبنان وموجوداته في الخارج وفي طليعتها الذهب، وإن القرار إعلان إفلاس سوف يعقبه انهيار في سعر العملة، وإعلان استحقاق كامل سندات الدين اللبناني دفعة واحدة. وها نحن بعد مضي الأسبوع الأول على القرار الحكومي، والإعلان من الجهات الدائنة عن عزمها على قبول القرار الحكومي والدخول بالتفاوض الودّي على أساسه لهيكلة الدين، ومع إعلان جهة بوزن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بوصف كلام رئيس الحكومة بالجريء والواضح والذي يشخّص الأزمة ويفتح طريق حلها، لا نحتاج اعتذار المعارضة التي بنت مواقفها على الحقد والكيديّة. فيكفي أن اللبنانيين الذين كانوا يراقبون ويتابعون ويسمعون، عرفوا من يحتكم للعلم والمصلحة الوطنية ويرى أمامه بوضوح، ومن لا مشكلة لديه بخوض حرب تيئيس اللبنانيين والتشجيع على إعلان إفلاس بلده، فقط لأنه ملتزم بمشروع سياسي داخلي وخارجي يُملي عليه ذلك.
–
الملف الثاني هو ملف فيروس كورونا المستجدّ، الذي نالت الحكومة ووزارة الصحة فيه ما يكفي من التجريح والتهجم، مرة بداعي أن الحكومة والوزير وضعا العلاقة بإيران فوق المصلحة الوطنية، وقد مرّت التجربة لتقول العكس دون حاجة لشرح تفاصيل يتداولها اللبنانيون. ومرة بداعي أن الحكومة والوزير يخفيان الحقائق، وأخرى بداعي أن المواجهة ليست بالمستوى المطلوب، لكن دون حجة أو رقم، حتى تدخل وزير صحة سابق من صفوف معارضي الحكومة ليستعمل الرقم فاخترع معادلة لا وجود لها اسمها سرعة الانتشار ليقول إن لبنان في مرتبة أسوأ الدول في مواجهة الفيروس والنمو فيه يزيد عن 29%، حيث زيادة عدد المصابين في دولة من مصاب إلى إثنين تعني سرعة نمو 100%، فهل هذا يضع هذه الدولة وفقاً لمعياره في مرتبة أدنى من دولة يزيد مصابوها من 2000 إلى 3000 في يوم واحد فقط لأن نسبة الزيادة هنا هي 50%؟ إنها الهرطقة بعينها! وفي هذا الملف مقياس واحد له قيمة، هو نسبة المصابين من عدد السكان، وترتيب هذه النسبة بين دول العالم وتحرّك هذا الترتيب صعوداً ونزولاً، فقبل عشرة أيام كان لبنان في المرتبة 17 من حيث نسبة المصابين لعدد السكان ثم صار بالمرتبة 19 ومن ثم بالمرتبة 23 وهو اليوم في المرتبة 31 أي أن نسبة المصابين لعدد السكان ترتفع بسرعة أكثر في دول أخرى لتتخطّى لبنان، رغم أن نسبة المصابين لعدد السكان في لبنان زادت من 9،6 إلى 11،3 و12،2 و13،6 وصولاً إلى 14،5 لكنها بقيت دائماً تحت المعدل الوسطي لهذه النسبة عالمياً، والتي تزداد هي الأخرى طبعاً وهي اليوم 21،5، وهذا معيار موضوعي للحكم بالمقارنة مع دول العالم على مقياس هو درجة ومرتبة تعامل الحكومة ووزارة الصحة مع مواجهة الفيروس. وبالمناسبة عندما تكون النسبة في لبنان 14،5 من كل مليون وفي إيطاليا 409 بالمليون وفي سويسرا 256 وفي النروج 227 وفي كوريا الجنوبية وإيران 156 وفي الصين 56 وتتقدّم لبنان في النسبة ثلاثون دولة أغلبها من العالم المتقدم، فهذا لا يدعو لليأس، ولا يتيح القول إن الحكومة فاشلة، من دون أن يعني هذا الدعوة للاسترخاء. فلبنان يقع في عدد الإصابات بين ثلاث فئات، فئة فوق المئة تضمّ 47 دولة تسبق لبنان بدخول دائرة الخطر بعدما كان لبنان في المرتبة 19 من حيث عدد الإصابات، و47 أخرى بين 10 و100 إصابة يطمح لبنان للبقاء ضمنها أو مغادرتها للبقاء في أسفل سلم الدول التي تزيد إصاباتها عن الـ100، وفئة من 70 دولة لا تزال دون الـ 10 إصابات هي الأكثر أماناً، يبدو أن لظروف المناخ الأفريقيّ وجغرافية دول آسيا الوسطى دوراً في تخفيف انتشار الفيروس فيها، حيث ربما يكون التواصل البشريّ المحدود في هذه الدول نعمة بعدما كان يبدو أنه نقمة.
كلّ الأبصار شاخصة نحو الصناديق سواء العدو أو الصديق، جبهة أفرغت الأموال من الصناديق وحكومة تبحث عن خارطة طريق، جبهة تسوق للحلّ من خلال صناديق الدعم الدولي المشروط أو من خلال صندوق النقد الدولي الملغوم، وحكومة مضغوطة بقرار سيادي من حزب الله برفض اللجوء الى صناديق مفخخة تفجر أزمة داخلية لبنانية لا قبل لأحد باحتوائها.
جبهة عينها على الصناديق الانتخابية، ولهذا فهي تشنّ حرباً استباقية على الحكومة وداعميها، وتسعى بكلّ قوّتها التحريضية الى إفشالها للانقضاض على جثتها ولو كان هذا الأمر فيه موت الوطن والمواطن.
وحكومة تنكر ذاتها وعينها على هموم الوطن وإنقاذ المواطن.
وهذا يدفعنا للقول بأنّ النوايا الطيبة والعمل المخلص والكلام الشاعري لن يشكلوا أدوات النجاح للحكومة، لأنّ الأهداف متضاربة ومتناقضة، والمعركة معركة حياة او موت بالنسبة للآخرين، ونجاح حكومة دياب مهما كانت نسبته ضئيلة ستعني موتاً سياسياً للفريق الأخر، ومضبطة اتهام مؤيَّدة بأدلة حسية غير قابلة للطعن المذهبي والحزبي ومن الممكن ان تؤدّي ليس الى الإقصاء فحسب بل الى المحاسبة والمحاكمة، وهو ما بات يخشاه الفريق الآخر ويأخذه على محمل الجدّ، وهو حتى اللحظة يستخدم أسلوب المراوغة في المواجهة وعلى وتيرة منخفضة ولم يستخدم حتى اللحظة الأسلحة المحرمة وطنياً والتي لطالما حسم بها معاركه السابقة مستغلاً ضعف المناعة الوطنية لدى الشارع اللبناني الذي يتطوّع للإصابة بـ «كورونا» اذا كان يضمن نقله العدوى الى الشارع الآخر.
هذا أمر لمسناه جلياً في مواجهة هذا الخطر الذي بدلاً من ان يوحّد اللبنانيين لمواجهته استخدمه كسلاح خسيس للتصويب السياسي.
إذن نحن أمام مرحلة تحضير لساحة المعركة وكلّ ما أقدمت عليه الحكومة حتى الساعة يُعتبر من قبيل التقسيمة بين فريق واحد يسجل أهدافاً استعراضية، وذلك قبل أن ينزل فريق المعارضة الى الملعب لخوض مباراة حقيقية ومعه جمهوره العريض وطاقم تحكيم دولي متحيّز لمصلحته سوف يمنحه ضربات جزاء وهمية ويشهر الكرت الأحمر بوجه لاعبي فريق الحكومة خاصة أنّ لباسهم الرياضي ذا اللون الأصفر الفاقع يشكل استفزازاً إضافياً لطاقم التحكيم ومن التحكيم الى المحكمة التي ستصدر حكمها المعروف سلفاً في منتصف شهر أيار والتي تعتبر سيفاً مسلطاً بيد فريق المعارضة، وقد أن الأوان لغرزه في صدر المقاومة بعد فقدان الأمل بالمساومة على هذه الورقة، وحان وقت نزع صاعق انفجارها بأصبع أميركي، هذا الأميركي الذي فاجأنا بالأمس عبر ديفيد شنكر بتصريح أشبه بمرافعة دفاع عن حزب الله نافياً مسؤوليته عما وصلت اليه الأمور في لبنان محمّلاً عملاء أميركا في الداخل هذه المسؤولية، وإذا ما أردنا قراءة رسالة شنكر بشكل واضح سنجد أنها عبارة عن توبيخ للأدوات وتحفيز لهم على رفع وتيرة الهجوم وابتداع أساليب جديدة لشيطنة حزب الله، وقد وصلت هذه الرسالة سريعاً الى جعجع والسنيورة فترجماها هجوماً مركزاً على حزب الله من بوابة السلاح وحروبه الخارجية.
إذن نحن أمام معركة أكبر من حكومة دياب ونواياها الحسنة وأبعد من موضوع يوروبوندز وهيكلة ديون، اننا أمام معركة هوية لبنان السياسية، وما إذا كان سيتفلّت من القبضة الأميركية ويُيمّم وجهه شطر المعسكر الشرقي ويخرج من العباءة الخليجية ويصبح جزءاً من دول محور المقاومة، أم سينجح المتأمركون مجدداً في إبقاء لبنان في الفلك الأميركي الخليجي؟ ويحققون من خلال صندوق النهب الدولي ما عجزوا عن تحقيقه بالاغتيالات وبالتآمر على المقاومة في عدوان تموز، ومن ثم بالرهان على التكفيريين، وبالتالي محاصرة حزب الله دولياً من خلال الحكم المعلّب وشعبياً من خلال تحميله مسؤولية الضائقة الاقتصادية بسبب رفضه شروط صندوق النقد الدولي.
ولكن مهلاً أيها السادة… إنه حزب الله الذي نجح في قلب كلّ المعادلات الإقليمية والدولية مستخدماً لكلّ معركة أسلحتها المناسبة، فكيف تظنّون بأنه لا يملك أسلحة سرية للانتصار في معركته الداخلية، وللعلم فإنّ صمت سماحة السيد في هذه الفترة الحساسة هو من أخطر أسلحة المقاومة في هذه المعركة وهو الهدوء الذي يسبق العاصفة التي ستقتلع كلّ الحواجز التي ستقف في وجه قطار الحكومة المنطلق نحو محطة إعادة بناء الدولة…
فحذار حذار من اللعب بالنار واستخدام أسلحتكم المخصّبة مذهبياً، لأنّ استخدامها قد يؤدّي الى اضطرار حزب الله لاستخدام أسلحته النوعية الذكية والدقيقة والتي أبقاها سرية لمدة طويلة لاعتبارات وطنية، والتي من شأنها ان تنسف كلّ صناديقكم قديمها وجديدها، هذا السلاح هو الصندوق الأسود الذي يدّخره لليوم الأسود فإنْ اضطر لكشف محتوياته ستصبح فضائح «ويكيليكس» نكتة سمجة وستغطي أخبار فضائحكم على أخبار فيروس «كورونا»، وستكون أسماؤكم «تراند» على مواقع التواصل الاجتماعي لمدة طويلة، وستعقد لكم محاكمة اجتماعية يكون الحكم فيها للجمهور، وبحيث لن يستطيع حتى الشيطان نفسه ان يتولى مهمة الدفاع عنكم لأنّ جرائمكم موثقة بالصوت والصورة وهي قبل ان تكون جريمة بحق حزب الله فهي جرائم موصوفة بحق الوطن تستحقون عليها عقوبة الإعدام رجماً بأحذية عوائل الشهداء الذين ارتقوا بسبب عمالتكم، والأبشع أنكم وقفتم في الصفوف الأولى تتقبّلون العزاء.
تآمرتم كثيراً، تألّمنا كثيراً، ضحكتم كثيراً، ضحّينا كثيراً، حكمتم طويلاً، حوكمنا طويلاً… وقد حان اليوم موعد الحساب، فهل يدخل حسّان دياب التاريخ من أوسع الأبواب؟ فلننتظر لنرى…
فوجئ الأميركيون بصلابة الموقف الفلسطيني من صفقة القرن، كما فوجئوا بضعف الموقف الخليجيّ والعربي المساند، وفقاً لما كانت عليه الوعود. وكانت التقديرات مبنيّة على تردّد فلسطيني يواكبه ضغط خليجي ماليّ وسياسيّ وصولاً لمواقف علنية مؤيدة للصفقة تنتج صفوفاً عربية وبالتالي إسلامية ودولية منقسمة حول التعامل مع الصفقة، لكن التفاعلات التي ظهرت بعد الإعلان عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما رافقها فلسطينياً وتلاها عربياً وإسلامياً ودولياً، جعل الرهان على اختراق فلسطيني أقرب للاستحالة. فبموازاة الوضع المالي السيئ للسلطة الفلسطينية ولحال الحصار التي يعيش الفلسطينيون تحت وطأتها، يعيش الإسرائيليّون هاجس الأمن في مواجهة انتفاضة قيد التشكل من جديد، ومقاومة قيد التصاعد، ما يجعل الحذر الإسرائيلي من الذهاب بعيداً في إجراءات الضم والتهويد والتهجير، تواكبهم نصائح أميركية بالتروّي.
–
المشروع الأميركي يواجه خطر الاحتضار ما لم يجد نقطة اختراق من خارج فلسطين، لا تبدو سورية ساحة مناسبة لتحقيقه في ظل عاملين واضحين، الأول هو القرار السوري بالمضي قدماً في استعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الاحتلالين التركي والأميركي بدعم روسي إيراني، والثاني قرار إيراني حازم بالردّ على أي عدوان إسرائيلي على الوجود الإيراني في سورية، ما يجعل لبنان تحت المجهر، والمدخل اللبناني المناسب هو الوضع المالي الصعب الناتج عن رعاية واشنطن عبر حلفائها الذين رسموا السياسات المالية خلال ثلاثة عقود لإيصال لبنان إلى حافة الإفلاس واسترهانه للديون الأجنبية، بعدما تفشى الفساد في الدولة ومؤسساتها كرشى للطبقة السياسية لتمرير هذه السياسات. والرهان اليوم هو على توظيف هذا الوضع المالي لوضع اليد على ملفات لبنانيّة حساسة كترسيم الحدود البحرية وثروات النفط والغاز ضمنها، ومصير النازحين السوريين ومشروع دمجهم في لبنان تخفيفاً لمصطلح التوطين، والضغط لمنح اللاجئين الفلسطينيين وضعاً قانونياً جديداً بين اللجوء والتوطين، بمسمّيات غير استفزازية، تضمن المرور الآمن لكنها تندرج في خانة تصفية حق العودة.
–
المعلومات التي يملكها الأميركيون وبدأت تصير في التداول السياسي، تقول إن قوى الرابع عشر من آذار عمّمت بقرارات من رؤساء أحزابها الثلاثة على نوابها والمتحدّثين بلسانها، الاكتفاء بالكلام الذي قيل في الأيام الأولى لإعلان خطة ترامب، وعدم الانخراط في أي دعوة لمناهضة الخطة، وتفادي أي إثارة لملف التوطين، بل التخفيف من لهجة الرفض عبر الاستهزاء بما يستطيعه لبنان، والتحدّث عن أن الأمر انتهى وما باليد حيلة. والتشخيص الذي قدمته هذه القوى للأميركيين وبدأ العمل لتطبيقه، يقوم على تلاقي جهودها مع الجمعيات المموّلة من الدول الغربية تقود الحراك، وتعتاش على ملف النازحين السوريين، لفتح الملف الإنساني للنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، من جهة، والتركيز على الدعوة لبلورة برنامج مرحلي مناسب يجمع ما يُسمّى بـ “قوى الثورة” و”قوى السيادة”. وهذا البرنامج يقوم على ثلاثية هي الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، وحصر السلاح بيد الشرعية. بقي الركن الثالث موضع نقاش بين الأميركيين وكل من فريقي الرابع عشر من آذار وجمعيات قيادة الحراك، حيث تدعو قيادات الرابع عشر من آذار إلى جبهة وطنية شبيهة بالجبهة الوطنية الاشتراكية التي قادها الراحلان كمال جنبلاط وكميل شمعون وأجبرت الرئيس الراحل بشارة الخوري على الاستقالة من ولايته الثانية عام 1952، بتشكيل جبهة مماثلة لإنهاء عهد الرئيس ميشال عون، كمدخل لفرض الأجندة المشتركة بين الداخل والخارج، بينما تدعو جمعيات الحراك لاعتبار استقالة نواب الرابع عشر من آذار كمقدمة لانتخابات مبكرة، يصير من صلاحيات المجلس المنتخب بعدها البحث بتقصير ولاية رئيس الجمهورية.
–
التكامل بين فريق قيادة الحراك وقيادة قوى الرابع عشر من آذار سيُتخذ عنوان المواجهة مع رئيس الجمهورية باعتباره الغطاء الدستوري لسلاح المقاومة من جهة، والعقبة الأهم أمام التوطين من جهة مقابلة، إذا لم يتم السؤال ماذا عن موقف ثنائي حزب الله وحركة أمل، وهو موقف صارم من المشروع الأميركي بكل مندرجاته، وقد كان موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مؤتمر البرلمانات العربية رسالة للداخل اللبناني بمثل ما كان رسالة للخارج، وموقف حزب الله الواضح من وصفات صندوق النقد الدولي ليس مالياً واجتماعياً فقط بل هو امتداد للمواجهة مع المشروع الأميركي الهادف لابتزاز لبنان من يده المالية التي تؤلمه، ولذلك تبدو المواجهة بين الغالبية النيابية ومعها الحكومة الجديدة من جهة، وتحالف قيد التشكل العلني بعد شهور من التعاون تحت الطاولة، بين قيادة الحراك وقوى الرابع عشر من آذار ضمن برنامج تشترط واشنطن وتلزم الرياض بشروطها، لربط أي دعم سياسي ومالي بتبلوره
تملك جميع الأطراف خطاباً سياسياً تجاه الموقف من الحكومة، لا ترد فيه مفردة العلاقة بسورية، كمكوّن مؤثر في صياغة موقفها. فالكل بداعي ترفّع كاذب عما يسمّيه العوامل الإقليمية والنأي بالنفس عنها، يربط موقفه المعلن بخطاب يتحدّث عن الفساد ومحاور الفشل الحكومي، مدّعياً مرة أخرى ترفعاً كاذباً عن دوره فيه. والكل يتحدّث عن المحاصصة وبترفع كاذب يُنكر تاريخه فيها. والكل يتحدث عن المشاكل المالية والتقتصادية من خواء الخزينة والتصرف بأموال المودعين، إلى شكل التخاطب مع الخارج الذي يعد بالتمويل وشروطه بتأييدها أو معارضتها، والنقص المريع في الخدمات وخصوصاً الكهرباء، والبطالة وضعف الطبقات الفقيرة، ويتجاهل هذا الكل، خصوصاً مَن أمضى سنوات يرسم السياسات ويقر الموازنات ويقرّر التوجهات، ويشارك بقوة في التعيينات والصفقات، أن مسؤولية الحكومة الجديدة تنحصر في مدى قدرتها على لملمة شظايا كارثة صنعها الآخرون، خصوصاً عندما يتعلق الأمر برئيس الحكومة، وأن هؤلاء الآخرين، خصوصاً من كان منهم رئيساً للحكومة، آخر من يحق له المحاضرة في العفة، والحديث عن الترفع تجاه المال العام أو التصرف بروح المسؤولية تجاه كل ما يتصل بالشأن العام.
–
هذا الذي يصحّ في القوى المنتمية لفريق الرابع عشر من آذار لجهة تغييب العامل الحاسم في موقفها السلبي من الحكومة، يصحّ أيضاً في أغلب القوى المشاركة في الحكومة، لجهة أنها لم تقم بمراجعة حقيقية للسلوك الذي أفضى بلبنان إلى الكارثة، والذي شاركت بتحمل مسؤوليته خصوصاً بمشاركة قسم فاعل منها في السعي لتشكيل شريك المناصفة في لعبة المحاصصة، والاستعداد للتغاضي عن السياسات المالية البائسة المسؤولة عن الخراب المالي والاقتصادي إذا نال ما يريد من حصة في التعيينات والمكاسب التي يحققها الوجود في مؤسسات الدولة، باعتبار الدولة ومؤسساتها وخدماتها آلة صناعة الزعامة وترسيخها في نظام المحاصصة، وها هي تركيبة الحكومة الجديدة والشروط التي فرضت على كيفية ولادتها تحمل بصمة جينية تنتمي للمنهج ذاته الذي تمّت عبره صياغة المشاركة في حكومات سابقة، فتغيّر الشكل ولم يتغيّر الجوهر.
–
الذين يعارضون الحكومة ويخوضون من اليوم معركة إفشالها وهم يدركون أن هذا سعي لإفشال البلد، ينكرون أنهم يعلمون أن هناك مشروعاً لإيصال البلد إلى حافة الهاوية لابتزازه في قضاياه غير الاقتصادية والمالية بعنوانها السيادي، من ترسيم حدود النفط والغاز إلى إسقاط بعض من عناصر قوة المقاومة التي تشكل شريكاً مؤسساً في محور يخوض صراعاً ضارياً مع السياسة الأميركية في المنطقة، وأن معارضتهم للحكومة وشراستهم في مواجهتها، لا يعبّران عن حقائق لبنانيّة، بل هما صدى لقرار دوليّ إقليميّ بمواجهة الغالبية النيابية الواقفة وراء الحكومة، وفي قلبها المقاومة، وأن الخط الفاصل في الربح والخسارة بنظر الخارج المقرر معايير ومواقيت وشروط المواجهة، هو المسافة التي يجب النجاح في فرضها على علاقة الحكومة بسورية، كتعبير عن إلحاق الهزيمة بالمقاومة ومحورها وخيارها، تحت عنوان الضغط لجعل الرضا الخارجي على الحكومة معياراً لقدرتها على جلب الأموال.
–
الذين يقفون وراء الحكومة ويؤيدونها، لم يبذلوا مجهوداً جدياً لمراجعة تتيح فتح الباب أمام الحكومة وتتيح لرئيسها التأسيس لخيار جديد واضح، سواء في الانتقال من نظام المحاصصة إلى صيغة تضمن الانتقال نحو دولة المواطنة، والتعبير عن مفهوم الوحدة الوطنية بشكل الحكومة المترفعة عن حسابات الاستئثار الطائفي والتجسير بين القوى المؤمنة بوحدة لبنان لتشكل الحكومة جبهة سياسية وشعبية متماسكة حول برنامج انتقالي محوره قانون انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي، وفق النظام النسبي ولبنان دائرة واحدة، وقاعدته الخروج من العقلية الطائفية إلى روح التفكير الوطني الجامع، وكذلك لم تظهر الوقائع المرافقة لصياغة البيان الوزاري روحاً جديدة في مناقشة الوضع الاقتصادي والمالي لجهة وضع برنامج إنقاذي واضح وحقيقي، قائم على مغادرة السياسات المالية الفاشلة نحو سياسات تبتعد عن الشروط الدولية التي تخدم مشاريع الاسترهان والإفقار، يظهر البيان الوزاري تأرجح الحكومة وتوازناتها بين خياري الأخذ بها ورفضها، وصولاً لضبابيّة الجواب على السؤال الأهم، ماذا لو بقي الحظر على تأمين السيولة المالية التي تطمح الحكومة للحصول عليها ويسعى خصومها لحرمانها منها. وهنا يكمن المفصل الحقيقي، حيث العلاقة مع سورية ليست انحيازاً لمحور إقليمي تشكل ركناً أساسياً فيه، بل التهرّب من موجبات هذه العلاقة هو التعبير عن الانتماء لمحور، حيث مراضاة هذا المحور تتمّ على حساب المصالح اللبنانية الحيوية التي تعبر عنها هذه العلاقة. وهذا هو السبب الخفيّ للتردّد من جهة بعض الحكومة، ولضغوط خصومها لمنع هذه العلاقة.
–
يعرف مؤيّدو الحكومة وخصومها أن سورية جسر عبور لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية، سواء عبر التبادل الحر بين البلدين بالعملات الوطنية، أو عبر التكامل بين البلدين في التخطيط الكهربائي والنفطي بالتشارك مع العراق، حيث الأنبوب الواصل من كركوك إلى طرابلس استثمار مشترك، والأهم عبر تجارة الترانزيت التي يحتاجها العراق عبر مرافئ لبنان، ويحتاجها لبنان، وتنعش سورية، وينقصها التنسيق السياسي والاقتصادي، ويعرف مؤيدو الحكومة وخصومها، أن تجرؤ الحكومة على خوض غمار هذا الخيار بشجاعة سيشكل خطوة هامة لحل قضية النازحين السوريين في لبنان، وسيمنح لبنان وسورية والعراق فرصة تشكيل سوق واحدة تتكامل مكوّناتها وتتبادل منتجاتها وخدماتها، فتنتعش مصارف لبنان بأموال العراقيين، ومثلها جامعات ومستشفيات لبنان، وفنادقه ومطاعمه، وتنهض قطاعات اقتصادية في العراق وسورية بمشاركة خبرات ورساميل لبنانية، ويتحقق الكثير الكثير للمثلث الذهبي في المنطقة الممنوع من التكامل بقوة القرار الأجنبي ويجري توظيف الخلافات السياسية الداخلية في لبنان لمنعه، وهو ما غاب عن البيان الوزاري لحكومة تعرف أن هذا الغياب لن يكسبها رضى المعترضين.
–
الحراك الذي بات بيئة تسيطر عليها الجماعات المنظمة وتغيب عنها الحشود، موزّع بين جماعات غاضبة من الوضع القائم تمثل أقلية في الحراك، وجماعات يسارية تشكل أقلية ثانية، وجماعات تمولها مشاريع دولية تنطلق من قضية النازحين السوريين، وترتبط هذه الجماعات بعنوان النزوح السوري ودمجه في المجتمع اللبناني قبل ارتباطها بالهموم اللبنانيّة كمحرك لصياغة مواقفها ومصدر لتمويلها. هذا الحراك يجمعه العداء العبثي للحكومة وبرنامجها، وفقاً لشعارات غامضة ورؤى لا تحمل البدائل الواقعية، ولا تبشر سوى بالفراغ والفوضى، لكنها عملياً تتحوّل كلها إلى كتل ضاغطة لفرض برنامج عمل على الحكومة له بند واحد، هو عدم الانخراط جدياً بعلاقة إيجابية مع سورية، يمكن أن يترتّب عليه حل لقضية النازحين، بقوة الموقع الحاسم للجماعات المموّلة دولياً في رسم مسار الحراك، وانضمام جماعات تنتمي للمعارضة السورية بتأمين العديد اللازم لملء ساحات الاعتصام والتظاهر.
–
في لحظة مفصليّة تتصادم فوق الأرض السورية معارك عديدة، تختصر بمشروعين، واحد هو مشروع نهوض الدولة السورية وآخر هو مشروع تقاسمها وتقسيمها، تتجسّد مصلحة لبنان الطامح للحفاظ على دولته ووحدته بالوقوف مع مشروع قيام الدولة ونهوضها في سورية، والتكامل معها، لكن الفوبيا السياسية التي نجح الطغيان الإعلامي المموّل من أصحاب مشروع تفتيت سورية وإسقاط فكرة الدولة فيها في تعميمه لبنانياً، بحيث صار الابتزاز الإعلامي والسياسي حاكماً لدرجة فرض التبرؤ الساذج من نيات السير بهذا التكامل مع سورية، تحت شعار تفادي الرصاص الطائش.
–
القوميون الذين سيحضرون جلسة اليوم ثم يقاطعون جلسة التصويت ويحجبون الثقة عن الحكومة، ليسوا دعاة فراغ ولا فوضى ولا عبثيّة سياسيّة، فهم مع وجود حكومة بكل تأكيد، ويسعون لتكون حكومة الرئيس حسان دياب قادرة على تخطّي نقاط الضعف التي رافقت ولادتها، وسيؤيدونها كلما أصابت السير في هذا الاتجاه، لكنهم معنيون بتوجيه رسالة لمؤيدي الحكومة ومعارضيها، مضمونها أن البلد يحتاج عقلية جديدة تغادر الخراب الذي ينعاه معارضو الحكومة، والذي لا يجرؤ على مغادرته أغلب مؤيديها، رسالة مضمونها أن ما يُسمّى بالتغيير الجذري لم يعد خياراً، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، بل صار ضرورة وجودية وحياتية للوطن والكيان والدولة، وما جرى مع القوميين في مرحلة تشكيل الحكومة ليس شأناً يخصهم وحدهم ينطلقون منه في موقف حزبي انتقامي كما قد يظنّ البعض، بل هو تعبير عن طبيعة الذهنية التي يعتبر القوميون أنها ما يحتاج لإعادة نظر جذرية، وقد تسببت بالكثير من عناصر الخراب سابقاً وستبقى كذلك لاحقاً، ومحور التعبير في البيان الوزاري عن نتاج هذه العقلية، تلك اللغة المرتبكة والحذرة والغامضة في الحديث عن العلاقة بسورية، التي قام اتفاق الطائف والدستور من بعده، على اعتبار العلاقة المميّزة معها ركناً من أركان بناء الدولة الجديدة.
يحاول بعض قادة الحراك الشعبي الحديث عن هدنة تمتدّ لما بعد تشكيل الحكومة، ليبنى على شكل الحكومة وبرنامجها الموقف الجديد، بينما يغيب بعضهم الآخر عن السمع وعن الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي، بينما تحوّل قسم ثالث إلى الاصطفاف وراء حملة قوى الرابع عشر من آذار ضد الرئيس المكلف حسان دياب، غير آبهين بالشعار الطائفي الذي تتخذه هذه الحملة، ولا بكون الشركاء فيها هم أركان السلطة التي يُفترض أن الشعب قام بثورته بوجهها. ووسط هذا التشتت يستمرّ بعض النشطاء بحملات احتجاج صادقة على الفساد والسياسات المالية، حيث يحضر العشرات أمام مؤسسات معنية ويطلقون الشعارات ويوصلون رسالتهم، لكن لهذا كله معنى واحد، وهو أن المشهد الذي شكل تحوّلاً تاريخياً في حياة لبنان أيام 17 و18 و19 تشرين الأول الماضي قد أصبح شيئاً من الماضي، ويبقى الأمل بتكراره بظروف تتيح قيادة أشد إخلاصاً وصدقاً وخبرة.
–
يرفض الذين جروا الحراك إلى متاهة التشكيلات الحكومية الاعتراف بأنهم لو استمعوا للنصائح التي دعتهم للابتعاد عن فتح أبواب ينتظرها الكثيرون في الداخل والخارج للتلاعب بمصير الحركة الشعبية الفتية، وتسييسها وتحزيبها وتطييفها ومذهبتها، وعندها لما رفعوا دعوتهم لاستقالة الحكومة وما منحوا الذريعة لفتح البازار على إعادة صياغة توازنات جديدة داخلية وخارجية، فلنتخيّل الوضع لو أن شعارات الحراك كانت مضبوطة تحت سقوف مطلبية، من نوع تخفيض الفوائد المصرفية، وإطلاق القروض السكنية، وفرض التسعير بالليرة اللبنانية، واستصدار تشريعات تفتح طريق المحاسبة والمساءلة في ملفات الفساد، من رفع السرية المصرفية إلى إلغاء الحصانات، وصولاً لتكريس السلطة القضائية المستقلة، واستصدار قانون جديد للانتخابات يعيد تشكيل السلطة خارج القيد الطائفي وفقاً للبنان دائرة واحدة والتمثيل النسبي، وماذا لو حدّد لكل من هذه المطالب أسبوعاً يحمل اسمه تخرج خلاله الناس إلى الساحات، في كل المناطق تحت راية العلم اللبناني، وبلا شتائم وقطع طرقات، ألم تكن الأسابيع العشرة التي مضت على انطلاق الحراك كافية لانتزاع عشرة مطالب كبرى؟
–
الذين ورّطوا الحراك في ثنائية الشتائم وقطع الطرقات، وخرجوا على الشاشات يصنعون الاجتهادات ويفبركون النظريّات عن مسمّى جديد للشتائم هو العنف الكلامي، وتوصيف قانوني جديد لقطع الطرقات، يُدرجه ضمن أشكال التعبير السلمي، وهو عنف موصوف وجريمة ضد الحرية، التي تتوازى فيها حرية التعبير وحرية التنقل، يغيبون اليوم ويهربون بفعلتهم ويتجاهلون جريمتهم، التي دمّرت وحدة الشعب الذي خرج إلى الساحات، فخسر الحراك نصف الناس بسبب الشتائم التي سمّيت من بعض العباقرة المتفذلكين عنفاً كلامياً مشروعاً، وخسر الحراك النصف الثاني بسبب قطع الطرقات التي لولاها لما سمعنا بردات فعل من الطبيعة ذاتها. وما رافق الفعل ورد الفعل من تطييف وتمذهب وعودة لعصبيات، كان يحتاجها البعض لخوض معاركه الحكومية. وها هي الصورة ماثلة أمامنا اليوم، في هوية مَن يقوم بقطع الطرقات، بعدما غيّر الشعار وبقي في الأماكن ذاتها، واستبدل العلم اللبناني بعلم تيار المستقبل.
–
هذه النتيجة المحزنة لواحدة من أنبل ظواهر الغضب الشعبي، ليست نتاج زوال أسباب هذا الغضب. فالناس غاضبة لكنها في بيوتها، بعدما فقدت ثقتها بمن تولّوا قيادة غضبها، ولم تجد فيهم ما وعدوها به، فظهروا نموذجاً لا يقل سوءاً عن الذين انتفضوا ضدّهم، يخوّنون كل صاحب رأي مخالف، يعملون تحت الطاولة ولا يظهرون وجوههم، لأن لديهم ما يخشونه في تاريخهم وحاضرهم وأهدافهم ووسائلهم، لا يجرؤون على المكاشفة المالية، ولا على تظهير هيكلية أخذ القرار، ويضعون الأولوية لعنادهم وذواتهم، وليس لخدمة ما فوّضتهم الناس به. ومن باب الصدفة فقط، يأتي الحصاد لحساب مَن يدفع الناس ثمن توليهم للملف المالي خلال ثلاثين سنة، في الداخل والخارج، محض صدفة! – الهدنة مع تسمية الرئيس المكلف فرضها الشعب، وليست خياراً لمن يُسمَّون بقادة الحراك. وهي فرصة للرئيس المكلف ليظهر حكومة تليق بالناس وتحاكي طلباتهم، لتعيد الناس صياغة شكل تعاملها مع الحكومة الجديدة، وتمنع حصول من قاد الوجبةالأولى من الحراك بتسلق القيادة لوجبة ثانية،ربما تكون نتائجها مدمّرة.
فيديوات متعلقة
متابعة التحركات الشعبية مع حسان صقر – عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي
متابعة التحركات الشعبية مع د.خليل حمادة – عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر
تغطية خاصة | 2019-12-28 | آخر تطورات تأليف الحكومة اللبنانية
The West’s reductive understanding of the West Asia, as well as its mainstream narrative, is rarely surprising. When it comes to Iran, Hezbollah and the resistance axis in the region, theorists, pundits and journalists tend to have a positivist approach to the topic. Western propaganda and media misinformation adds to this and furthers their fundamental misconception of the nature of the region and these major players. Hezbollah, as portrayed by Western powers, governments, and media, is a ‘proxy’ of Iran; with subordination and control defining the essence of this relationship.
This faulty interpretation is rejected by a British-Lebanese professor at the Lebanese University, Amal Saad; a writer and political analyst who explains the raison d’être of Hezbollah and it being a regional power rather than a “lackey” or “instrument” to the Islamic Republic of Iran.
In a recent scholarly article titled Challenging the sponsor-proxy model: the Iran–Hezbollah relationship, Saad attempts to demystify the Iran-Hezbollah relationship and challenges the prevalent western conceptualization of a sponsor-proxy relationship, pointing out that dubbing the relationship as such is highly simplistic. She points out that Hezbollah is far better explained by the ecological concept of symbiosis for instance, than any sponsor-proxy model. She adopts Bertil Dunér’s (1981) proxy theory, which offers the most coherent set of criteria for the proxy concept, and applies his concept of power, which he treats as a necessary and sufficient condition for sponsor-proxy relations.
Saad underscores that the relationship between the Lebanese resistance movement and Iran is complex and multidimensional. A set of elements, according to the writer, contributes to shaping the nature of the relationship such as historic and cultural ties, shared ideology and strategic culture. Using Dunér’s proxy theory vis-à-vis Realist criteria, and referring to extensive interviews with Hezbollah officials and experts she had conducted over the years, the analyst explains Hezbollah’s autonomy while demonstrating that the relationship between the two is better understood as an interdependent symbiosis between close allies.
Saad points out that the sponsor-proxy model is problematic since it is reductive and conceptually inadequate for examining a multidimensional partnership like that of Hezbollah and Iran. The first shortcoming is the simplistic and reductive nature of the model that cuts ideational factors such as identity, norms, values, and discourses to crude material considerations like military and economic power and interests. Another shortcoming of the model, in the words of Saad, is “that it serves far less as a value-free academic term than a politically charged cudgel used to delegitimize and criminalize one’s enemies, in much the same way the terrorism label is used.”
The general double standards in Western narratives depict Iran’s allies such as Hezbollah as proxies, while they refrain from doing so when describing the Pro-American March 14 “movement” in Lebanon, which has strong political backing from the US and is heavily financed by Saudi Arabia. The western corporate and state-owned media, as well as US government’s liberal use of the term proxy, is also absent when describing the US-Saudi relationship, or even the Israeli regime which is highly dependent on the US military and non-military aid.
Using rhetorical strategies, the establishment of media manufactures unfounded accusations. According to the professor, they strengthen the interchangeability between the terms “sponsoring terrorism and sponsoring proxies”, both used to refer to Iran’s relationship with its regional allies.
Also, focusing on historical and cultural ties, shared ideology and the resultant symbiotic or organic nature of such alliances, Saad interrogates the close relationship between Iran and Hezbollah and assesses their relationship against Realist criteria of proxy relations.
Saad offers an alternative theoretical model for understanding asymmetrical relationships between state and non-state actors which goes beyond the prevailing proxy orthodoxy.
History and Ties
The writer examines the history of cultural, religious and political ties between Iran and the Shia of Lebanon so as to highlight the organic and symbiotic nature of the relationship between Iran and Hezbollah. She offers a perspective on how deep-seated historical, cultural, social and familial ties have bound the Shia of Iran to the Shia of Lebanon throughout history in a bidirectional movement, pointing out that transnational links can be traced back to the early 16th century when Shi’ite scholars from Jabal Amil in Lebanon went to Iran.
One of the most famous scholars was Nur-al-Din Karaki Ameli, a Lebanese Shia scholar who played a pivotal role at the Safavid court in opening a new path in the relationship between secular rulers and Shi’ite clerics.
In her article, Saad mentions only one of the most recent such scholars, the Iran-born Lebanese scholar Musa Sadr, who played a pivotal role in the proximity between Muslims and Christians in Lebanon and established the AMAL movement for the deprived people. After his disappearance and during the Israeli regime’s occupation of much of Lebanon Hezbollah departed from this organization.
Saad underscores the redefinition of the Shia thought by the founder of the Islamic Revolution Imam Khomeini. It “was not merely an ascribed cultural identity but a political one shaped by a historical sense of injustice and rejection of oppression and humiliation, as epitomized by Imam Hussein whose martyrdom served as a revolutionary paradigm for Shi’ite believers.”
In this context, the concept of power was synonymous with resistance to oppression and subordination, and the restitution of justice, freedom, dignity, and honor – principles which were deeply internalized by the leadership cadres who today constitute Hezbollah.
The writer notes that the pattern of influence remained reciprocal and relations between the two were far more collaborative than dictative, with also prominent Iranian figures such as Mustafa Chamran coming to Lebanon to aid Sadr in his work.
Although Iran played a crucial role in the creation of Hezbollah, the movement is by no means its brainchild, as is often claimed by proponents of its ‘proxy’ status. A far more accurate representation of the Iranian role in the resistance movement’s formation, in Saad’s words, is that the Islamic Republic served as a source of revolutionary inspiration and support for it, rather than a source of life.
A Shared ideology
Saad points out that shared ideology changes the nature of a relationship from one characterized by dependency and subjection, to one bound by solidarity and comradeship. She notes that the religious dimension of the religio-political ideology revolves around Shia Islamic creed as well as the theory of the Wilayat-al-Faqih advanced by Imam Khomeini, while the political principles underpinning it relates to anti-Zionism, anti-imperialism, and resistance to both.
Although resisting Israel was Hezbollah’s raison d’être, Saad quotes Hezbollah Deputy Secretary General Sheikh Naim Qassem as saying the Wilayat al-Faqih was ‘the reason for Hezbollah’s establishment’. She explains that Hezbollah’s commitment to the Faqih does not represent a political commitment to a national head of state but an intellectual commitment to a sacred Islamic figure and his successors, whose commands are considered ‘fixed truths’. Imam Khomeini’s unique interpretation of Islam was conceived as ‘the religion of militant individuals who are committed to truth and justice. It is the religion of those who desire freedom and independence. It is the school of those who struggle against imperialism. It is this revolutionary interpretation of Islam which resonated among the Shia in Lebanon who found in it a valuable vehicle for political mobilization against the Israeli project in Lebanon and Palestine. This also means converging around an anti-Zionist, anti-imperialist identity, which seeks to resist US, Israeli and Saudi Arabian machinations in the region, while reclaiming sovereignty over their lands and expelling foreign occupation.
The revolution was therefore at one and the same time a revolt against the monarchy and a war of liberation against US imperialism Israeli penetration, and indigenous values, as embodied by its key catchphrase: ‘Independence, freedom, Islamic Republic’ (Esteqlāl, āzādī, jomhūrī-ye eslāmī).
Hence, Hezbollah’s resistance to Israeli occupation after its 1982 invasion, its defensive warfare in the July War of 2006, and its intervention against extremists in Syria and Iraq post-2012 are also the product of shared strategic and ideological objectives with its Iranian ally.
Saad concludes that Hezbollah’s relationship with Iran is therefore governed by ideational and ideological norms and identities that operate on an entirely different level of analysis than that of a controlling benefactor and its compliant surrogate.
Iran and Hezbollah do not merely share common interests but more importantly, a common strategic culture, and could even be considered as one strategic community, says Saad. Such a strategic culture is ‘the sum of ideas, conditioned emotional responses, and patterns of habitual behavior that members of a national strategic community share’, according to Jack Snyder.
Iran’s security interests are identical to Hezbollah’s. All these points together constitute the basis of Iran’s and Hezbollah’s national security doctrine which treats so-called Takfiri-Jihadis and Israel as existential threats.
Power
According to Dunér’s schema, receiving material support may or may not be conducive to a proxy relationship, depending on whether or not there is ‘pressure to intervene’. Hence, an actor who receives material support but is not pressured to intervene is not classified as a proxy but as a ‘partner’. According to Saad, the absence of an ‘exercise of power’ on the part of Iran, vis-à-vis Hezbollah, renders the latter a partner and not a proxy. She notes that Hezbollah’s autonomy is also confirmed by outside observers who are hardly sympathetic to the organization, like Abbas Samii who contends that: ‘it is not accurate to describe Hezbollah as an Iranian or Syrian proxy. Indeed, it would be more useful to consider Hezbollah as an autonomous actor in the Lebanese context.’
Hezbollah as a regional power
The author says that Hezbollah’s expanding regional role and advanced military capabilities make it an invaluable strategic ally for Iran and has created a sense of mutual dependency whereby Iran has increasingly come to depend on Hezbollah’s regional clout and power. By that, it could be said that interdependence rather than subordination and control, defines the essence of this relationship.
Hezbollah’s ability to take on a transnational, conventional military role, coupled with the expansion of its domestic military activities to include conventional roles such as homeland security and counter-insurgency has transformed Hezbollah’s irregular Resistance forces into a hybridized Resistance army, rendering it a post-resistance movement, Saad says.
According to her, Hezbollah’s deployment of both ‘hard’ military power and ‘soft’ normative power throughout the region represents a new paradigm in international relations; it is a non-state actor which performs some of the central functions of the state, effectively making it a state within the Lebanese context, while also fulfilling some of the strategic imperatives of a regional power.
The 2006 July war, according to Saad was a ‘large and serious failure’ for Israel, and a ‘semi-military organization of a few thousand men resisted, for a few weeks, the strongest army in the Middle East’, by that Hezbollah shattered the myth of Israel’s military invincibility.
Hezbollah has honed its offensive capabilities and improved its fighting skills across a range of military terrains during the conflicts in Syria and Iraq while fighting Takfiri terrorism. Also, defending the region from extra-regional threats is another criterion for considering Hezbollah as a regional power.
The author concludes that despite Hezbollah’s transformation from a regional player into a regional power in its own right, it continues to be mislabeled as a proxy of Iran’s, even when, ironically, the very same observers of this relationship recognize Hezbollah’s regional standing and power.
الاستشارات النيابية الملزمة تنتهي باستدعاء الرئاسة اللبنانية لـ حسان دياب من أجل تكليفه تأليف حكومة جديدة، بعد حصوله على أغلبية 69 صوتاً من النواب.
انتهاء الاستشارات النيابية الملزمة بحصول حسّان دياب على أغلبية أصوات الكتل
انتهت الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، اليوم الخميس، لتسمية رئيس يكلف تأليف حكومة جديدة، باستدعاء حسان دياب لتكليفه تشكيل الحكومة بعد حصوله على أغلبية أصوات الكتل النيابية.
ونتيجة للاستشارات الملزمة حصل حسّان دياب على 69 صوتاً، ونواف سلام على 13 صوتاً، فيما حصلت حليمة قعقور على صوتٍ واحدٍ، وامتنع 39 نائباً عن تسمية أي من الشخصيات، كما غاب 6 نواب عن حضور الاستشارات.
وجرت الاستشارات على فترتين، قبل ظهر اليوم وبعده،وبدأت بعد وصول رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ولقائه الرئيس عون.
الرئيس الحريري الذي امتنع عن تسمية أي مرشح لتأليف الحكومة خلال لقائه الرئيس عون، قال بعد انتهاء اجتماع كتلة المستقبل: “مبروك صار في تسمية وأنا مرتاح”.
مراسل الميادين قال إن الرئيسين السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام لم يسميا أحداً، في حين سمّى نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي حسان دياب لتكليفه رئاسة الحكومة اللبنانية.
وفيما أعلنت كتلة “اللقاء التشاوري” تسميتها الوزير السابق حسان دياب، قال النائب أسامة سعد بعد لقائه رئيس الجمهورية إنه “لم يسمِّ أحداً”.
كذلك أعلنت كتلة “القوات اللبنانية” على لسان النائب جورج عدوان أنها “لم تسمِّ أحداً”. وبدورها سمّت كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية حسان دياب لرئاسة الحكومة اللبنانية.
والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري على رأس وفد كتلة “التنمية والتحرير”، حيث أعلن النائب ابراهيم عازار “أن الكتلة سمت الدكتور حسان دياب لرئاسة الحكومة”.
واستقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “تكتل لبنان القوي” برئاسة الوزير جبران باسيل، الذي قال: “سمينا الدكتور حسان دياب”.
وكانت مصادر سياسية لبنانية كشفت للميادين أن الأكثرية النيابية حسمت خيارها لترشيح الوزير السابق حسان دياب لرئاسة الحكومة.
المصادر كانت قد أوضحت أن التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله والحزب القومي والمردة واللقاء التشاوري مع حسان دياب.
ودياب هو وزير تربية سابق وسياسي معتدل وآكاديمي مثقف وذو خبرة.
وفي السياق، قالت المصادر المذكورة للميادين إنه بعد إعلان سعد الحريري عدم الترشّح قررت الأكثرية البرلمانية اختيار اسم بديل، مؤكدةً أن جميع حلفاء المقاومة في البرلمان يعتبرون نواف سلام “مرشح مواجهة وتصعيد من قبل واشنطن”.
المصادر ختمت للميادين أن “المقاومة وحلفاؤها اختاروا خيار الإصلاح والاستقرار الأمني بينما سلام يمثل الخيارات المعاكسة”.
بعد يوم واحد من اتفاقه مع الرئيس نبيه بري على خريطة طريق تكليفه لرئاسة الحكومة، تراجع سعد الحريري عن الاتفاق، في خطوة إضافية من الخطوات الأميركية الرامية إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية، والتي بدأت باستقالة وزراء القوات من الحكومة. كان متوقّعاً أن يُسمى الحريري لترؤّس الحكومة بعد الاستشارات اليوم، إلا أن تراجعه دفع بتحالف 8 آذار – التيار الوطني الحر إلى ترشيح الوزير السابق حسان ديابلم يعد السيناريو الأميركي سرّاً. فقد خرجت به الولايات المتحدة يوم أمس إلى العلن. فالانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية، الذي بدأ باستقالة وزراء حزب القوات اللبنانية، وهم الأداة الأسهل والأكثر التزاماً بالأوامر الأميركية – السعودية، وتلته استقالة مفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري لشلّ البلد ومؤسساته؛ استكمل بحرق الحريري عبر تجريده من الصوت القواتي وإجباره على عدم الترشح مجدداً إلى رئاسة الحكومة. والمصادفة هنا أن رئيس الحكومة المستقيل كان قد تفرّغ خلال الشهر الماضي لحرق كل مرشح غيره بمساعدة دار الإفتاء، ولما أتمّ مهمته لدى الأميركيين، أحرقوا حظوظه هو الآخر. لم يعد سرّاً أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية، بسلوكها الحالي، تدفع نحو المواجهة الداخلية والفوضى، وتجهد لتغيير المشهد السياسي اللبناني والانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية التي حدّدت القوى السياسية وأحجامها وتشكلت الحكومة بناءً عليها.
رفعت القوى الأمنية أمس جداراً يفصل ساحة رياض الصلح عن منطقة الخندق الغميق! (مروان طحطح)
خط التوتر الأكثر خطورة في البلاد هو خط التوتر السني – الشيعي، لذلك، سعى حزب الله وحركة امل، بحسب مسؤولين في 8 آذار، منذ لحظة استقالة الحريري للتمسك بالتفاهم مع الأخير، «لا لسبب سوى لأنه الأكثر تمثيلاً للطائفة السنية ولا تندرج المحاولات الحثيثة للتفاهم معه أو مع من يسميه إلا لحماية البلد من فتنة طائفية يخطط لها أعداء لبنان»، إذ يندرج «إحراق» اسم الحريري يوم أمس ودفعه إلى التنحي في خانة الأهداف الأميركية لمنع أي تنسيق بين الطرفين الأكثر تمثيلا ًللطائفتين السنية والشيعية. القرار الأميركي ليس جديداً بل أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عبر الطلب من الشعب اللبناني رفض وجود حزب الله. اتضحت معالمه أكثر يوم أمس. ففي اليوم السابق، زار الحريري عين التينة، حيث أكّد لرئيس مجلس النواب نبيه بري أنه «ماشي» بخيار رئاسة الحكومة. لاقاه بري «في منتصف الطريق» عبر اقتراح حكومة من 18 وزيراً، 14 من التكنوقراط و4 من الأحزاب السياسية، بحسب مصادر مطلعة على الزيارة. واقتضى الاتفاق أن يبذل الحريري جهداً باتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقوات اللبنانية، لمحاولة الحصول على أصواتهم للتسمية، في موازاة سعي بري لتأمين نحو 60 صوتاً للحريري، عبر إقناع حزبي الطاشناق والسوري القومي الاجتماعي والنائب إيلي الفرزلي وغيرهم بالتصويت لمصلحته… كان الرئيسان متوافقين، إلا أن رئيس الحكومة المستقيل «أبلغ وزير المال علي حسن خليل والحاج حسين الخليل، أمس، بقراره عدم الترشح لرئاسة الحكومة، قبيل نحو نصف ساعة من إصدار بيانه». وعندما طُلِب من الحريري تسمية مرشّح من قبله، رد بالقول: «القصة عندكم. انتم حلّوا المشكلة». لدى قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر معلومات بأن الأميركيين يدفعون باتجاه تسمية السفير السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة. القوات اللبنانية التي انتقلت من تأييد الحريري إلى رفض تسمية أحد، سعت لإقناع الحريري نفسه بالتصويت لسلام الذي يستحيل أن يقبل به تحالف 8 آذار – التيار الوطني الحر. أمام هذه الوقائع، قرر التحالف المذكور المضي في الخيارات البديلة. كان اسم الوزير السابق حسان دياب أحد تلك الخيارات. استقبله رئيس الجمهورية أول من أمس. وبعد التشاور بين الحلفاء أمس، عاد واستقبله مرة ثانية، ليؤكد دياب استعداده للقبول بالتكليف، «في حال كان ذلك سيؤدي إلى خفض التوتر في البلد». وإذا لم تحصل مفاجآت صباحية، فإن دياب سيُكلَّف تأليف الحكومة بأكثرية ربما ستصل إلى نحو 70 نائباً. هل هذا الخيار هو حصراً لإحباط تسمية نواف سلام، ومنح الحريري فرصة إضافية للتفلّت من الضغوط الأميركية والقبول بـ«حكومة شراكة»؟ تنفي مصادر 8 آذار ذلك، مؤكدة أن خيار دياب جدّي، وهدفه «لمّ الأمور بالبلد». وتعوّل المصادر على عدم رفض دياب من قبَل الحريري، الذي رجّحت مصادره ألا يسمّي أحداً في الاستشارات اليوم.
ترفض مصادر 8 آذار وضع ترشيح دياب في خانة منح الحريري فرصة للعودة إلى الشراكة
وكان الحريري قد أعلن في بيان «سعيه منذ استقالته لتلبية مطلب الشعب بتأليف حكومة اختصاصيين»، لكن «المواقف التي ظهرت في الأيام الماضية من مسألة تسميتي غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن بأنني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة». وأعلن دعوته كتلة المستقبل للاجتماع صباح اليوم لتحديد موقفها من مسألة التسمية، وتوجهه «للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت». الجملة الأخيرة أثارت غضب رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، فردّ مستشار الرئيس سليم جريصاتي بتغريدة متوجهاً إلى الحريري بالقول: «لا يعود لك أن تصر على إجراء الاستشارات وعلى عدم تأجيلها مهما كانت الذريعة، ذلك أن هذا الاختصاص، بحسب الدستور، هو حصراً لرئيس الجمهورية، وأنت تشكو دوماً من تجاوز مزعوم لصلاحيات رئيس الحكومة». بدوره، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بياناً انتقد فيه «استنسابية» الحريري في التعامل مع الاستشارات النيابية كما حصل سابقاً عبر طلبه تأجيلها أو فرض إجرائها كما يريد «فيما هي صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية يستعملها بحسب ائتمانه على المصلحة العامة والدستور». من جهة أخرى أشاد باسيل «بالموقف المسؤول الذي اتخذه سعد الحريري وأنه ذاهب إلى الاستشارات النيابية الملزمة». ورأى فيه «خطوة إيجابية نتمنى أن يستكملها بأن يقترح من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة وقادرة ليعمل على التوافق عليها والتفاهم معها حول تشكيل حكومة، تحظى بثقة الناس وتأييد الكتل البرلمانية الوازنة فضلاً عن ثقة المجتمعين العربي والدولي». على خطّ آخر، أثار بيان ستريدا جعجع حفيظة تيار المستقبل. فبعد أن نوّهت نائبة بشرّي بـ«موقف الحريري الوطني بعد ما سمعنا منه رفضه تولي رئاسة حكومة من غير الاختصاصيين»، معلقة على من يرددون أن القوات «لم تكن وفية»، بالقول: «اتصلت بدولة الرئيس ليل الأحد – الاثنين لأخبره أن كتلة الجمهورية القوية لن تسميه». وتابعت جعجع أن قرار القوات أدى «إلى تأجيل الاستشارات وانسحاب الحريري في ما بعد من قبول التكليف، وهذا ما أدى أيضاً وأخيراً إلى صيانة الخط السياسي الوطني الذي يقوده». كلام الأخيرة، استدعى رداً من الوزير غطاس خوري اعتبر فيه أن جعجع «لم تحسن قراءة بيان الحريري وبخاصة قوله إن قراره نتج عن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميته، رغم أنه كان أثبت التزامه القاطع بحكومة اختصاصيين». وعلّق مقربون من الحريري على كلام جعجع بالقول: «اللهم اكفني شرّ أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم».
Monday, 25 November 2019 1:26 PM [ Last Update: Monday, 25 November 2019 1:33 PM ]
Lebanese President Michel Aoun (C), Speaker of the Parliament Nabih Berri (L) and Prime Minister Saad Hariri attend a ceremony marking the 74th anniversary of the founding of Lebanese Armed Forces at the military academy in Beirut, Lebanon, on 1 August 2019. (Via Presidency of Lebanon)
(Ramin Mazaheri is the chief correspondent in Paris for Press TV and has lived in France since 2009. He has been a daily newspaper reporter in the US, and has reported from Iran, Cuba, Egypt, Tunisia, South Korea and elsewhere. He is the author of the books ‘I’ll Ruin Everything You Are: Ending Western Propaganda on Red China’ and the upcoming ‘Socialism’s Ignored Success: Iranian Islamic Socialism’.)
In a recent column I debunked the West’s primary propaganda lines regarding Lebanon’s ongoing protests: that Iran has somehow silently usurped a century of French colonial dominance, and that Lebanese Shia – represented by Hezbollah and Amal – should be held responsible for the nation’s corruption woes despite having always been the biggest victims of the French-penned system of anti-democratic sectarianism.
In another column I stated what all Lebanese know but which the West never admits: the Maronite Christian community has been given preferential treatment for a century – regarding the army, the central bank, and Western media tolerance for their militias – and this has been the primary catalyst for neo-colonial corruption, inequality and inefficiency.
This article will continue to insist that Lebanon’s problem is not Christian nor Muslim but a question of classic right-versus-left political ideologies. This reality is illustrated in the very unequal fates of three Lebanese Maronite Christians: Michel Aoun, Samir Geagea and Georges Ibrahim Abdullah.
Michel Aoun – the real, but bygone, patriotism of ‘petit de Gaulle’
To many people Michel Aoun is likely the only recognizable name among the three. However, many would still be at pains to explain why the right-wing Christian has had a political alliance with Hezbollah since 2006.
Despite all his faults, we cannot say that Aoun is not a Lebanese patriot. He chose exile rather than acceptance of the US-backed peace plan in 1991, which saw Syria occupy and finally pacify Lebanon.
Was Aoun also wanted for war crimes and corruption charges? Yes. Was he also defeated militarily by Syria? Yes.
However, we should acknowledge that Aoun’s mutiny against Washington was exceptional. Aoun exiled himself to France because he would not accept a violation of Lebanon’s sovereignty. This decision helps explain his enduring popularity: “petit de Gaulle” is more appropriate than “Napol-Aoun”, though the latter is more popular recently.
Aoun has openly declared Hezbollah to be part of Lebanon, and it’s easy to see why he appreciates them: Hezbollah has defended Lebanese sovereignty from arch-reactionary and hyper-belligerent Israel. The alliance between Aoun and Hezbollah is understandable – both are patriotic.
It’s facile to say that the Aoun-Hezbollah March 8 Alliance is “pure politics”, because the reality is that neither group would degrade themselves morally and ideologically in a “pure politics” alliance with the divisive extreme-right Christian parties, as the Hariris have done with their March 14 Alliance.
It is only if we believe the sectarian-promoting, identity politics-obsessed Western press that we could imagine that total enmity between Hezbollah and Aounists must exist simply because they are of different religions. Both Aoun and Hezbollah oppose the corrupt Hariri clan, who are adored by Western neoliberals and Saudi reactionaries alike.
However, when viewing the anti-corruption protests of 2019 it is important to remember the political reality that many young Lebanese believe Aoun is beyond redemption – they will not look past Aoun’s Phalangist past, war crimes, corruption, and ardent neoliberalism. Such a view is very understandable: patriotism is not the ultimate virtue, contrary to the assertions of the conservative Aounists.
Aounism’s determined, yet flawed, form of patriotism is dying also because many young Lebanese have been hypnotized by the West’s “globalization” mindset. In this view “jingoism”, “nationalism” and “patriotism” are interchangeable, even though the latter is the admirable, unique and even necessary love and respect one has for their national community. Such a worldview is personified by French leader Emmanuel Macron, who repeatedly states that, “Nationalism is war.” For many young Lebanese Aoun’s patriotic virtues are totally lost on them.
Aoun is now reportedly asleep 12 hours a day and incapable of playing a direct role anymore – his worldview is equally tired, and will not endure because the Great Recession has accentuated classism and not his “semi-sectarian patriotism”.
However, I have related why Aoun does deserve some appreciation. His patriotic bonafides are strengthened by the fact that the most divisive and bloody battles were between Aoun and the rabid sectarian Samir Geagea.
Samir Geagea – freed, despite his crimes, because he has the wrong friends
I expected online commenters to object to my treatment of Aoun in my previous two articles. I did not expect anyone to publicly stand up for Samir Geagea – no one did. His supporters are the types who leave anonymous, racist, ill-informed comments.
Bombing churches, assassinations of Christian leaders, fighting alongside Israeli Defense Forces – his crimes were the most atrocious of his era, and he was the only warlord to serve jail time for that reason.
And yet he was released. (This is obviously in contrast to the ‘Arab Nelson Mandela’.)
Geagea may have been released to avoid national disunity, but his return to political prominence was no doubt aided by the fact that he worked for the “right” (far-right, in fact) people – the Israelis, French and Americans. From Ukrainian neo-Nazis to Al-Nusra to Bolivian Christian fascists and beyond the West is happy to work with religious fanatics who seek to subvert national unity and morality.
Geagea’s primary ally is Lebanon’s top central banker, Riad Salameh, who for three decades has allowed Lebanese inequality to explode, its corruption to proliferate and who also unjustly serves Washington’s blockade on Hezbollah.
Crucially, Geagea’s divisive politics totally contradict any idea that he is reformed or repentant. That his party was the first to pull out of the government when protests started only fuelled speculation that any foreign-dominated “color revolution” will surely utilize Geagea.
You can find Western mainstream media releases which try to whitewash his crimes, but the West generally prefers to keep quiet about him. To many Lebanese Geagea is just a thug, the “biggest crook of them all”, and not worth my time, but he is critical to understanding Western influence and modern Western ideology in today’s Lebanon.
The West’s treatment, leniency and open support of the Maronite Geagea is far different from how they view another Maronite, Georges Ibrahim Abdallah.
Georges Ibrahim Abdallah – the man beyond reproach, and thus the most feared by the US and Israel
Abdallah is Europe’s longest-serving political prisoner, at 35 years and counting, and is known as the “Arab World’s Nelson Mandela”.
Every October there are protests in front of his prison in southwestern France, and PressTV is usually the only media covering the anniversary. That is a sad commentary on my French journalist colleagues, indeed.
In 1982, with Israel invading Lebanon yet again, Abdallah’s group took responsibility for the death of a US and an Israeli agent in Paris.
It is incredible that Geagea, whose militia killed thousands, goes free yet Abdallah remains in jail over the deaths of two.
Geagea has remained the head of the Lebanese Forces, obviously ready to re-warlord immediately. After 35 years Abdallah wants to go back to his job as a schoolteacher.
Why is the Maronite Abadallah seemingly going to serve a life sentence while the Maronite Geagea, the undoubted epitome of 1980s Lebanese carnage, got released? Clearly, the sectarian/identity analysis pushed so strongly by Israel, the US and France does not truly trump all.
The problem is that Abdallah had the “wrong” enemies – the US and Israel. Abdallah’s pro-Palestinian stance, as well as his socialist demand that the lower classes are more important than the 1% and central bankers, are why France’s leaders willingly collude to condemn Abdallah to death in prison.
Contrarily, Geagea obviously had the “right” enemies: anyone opposed to imperialism, ruthless capitalism, racist sectarianism and the idea that Palestinians deserve to be treated like humans. Who upholds these ideologies more than Israel and the US?
Georges Ibrahim Abdallah is indeed the Arab World’s Nelson Mandela because both were leftists who used violence in defense (not in attack) and because Abdallah has been imprisoned so long and so very unjustly. Without any doubt Abdallah, who has always refused to renounce his actions, has stood up for justice longer than any person in Europe today.
Geagea’s release and public rehabilitation show how Lebanon has granted amnesty to all their wartime leaders – only Abdallah does not walk free. French judges granted Abdallah parole long ago and he was ordered to be released multiple times, but France’s executive branch will seemingly always work on behalf of Washington and Tel Aviv.
The sad reality which must be changed is that the prominent parties in Lebanon are not pushing for Abdallah’s release.
Hezbollah and Amal simply do not have any leverage to put pressure on Paris, but they should immediately do all they could to draw more attention to Abdallah – they obviously support Abdallah’s fight against imperialism and injustice, and they are present at pro-Abdallah demonstrations in Lebanon. Making Abdallah a more prominent symbol would also help demonstrate to their shameless accusers that their ideology is not sectarian, but universal and moral.
The Maronite Church fought extremely hard to get Geagea released but have done nothing for Abdallah because of his pro-Palestine and pro-socialist stances – Hezbollah’s members need to fill their regrettable, shameful void.
Clearly, all of protest-wracked Lebanon needs Abdallah more than ever.
Lebanon’s protests are extremely Westernized in the sense that they have no class component – they rightly reject Aounist “semi-sectarian patriotism” as inadequate, but how could a movement based on patriotism galvanize a Lebanon that is no longer under occupation? Answers to what many young Lebanese are blindly groping against – an end to Salemeh-led inequality, French-led sectarianism and US-Israeli accommodation with imperialism – can be found personified by Georges Ibrahim Abdallah.
Abdallah is the man of this moment in Lebanon, yet he cannot be there to help.
But is this not the case for the anti-imperialist left in so many countries? Their leaders have been jailed or killed by Western nations. Don’t young Lebanese realize that they are no different?
Many believe that the only way to keep Abdallah from unjustly dying in prison is via a hostage exchange. Abdallah is undoubtedly a hostage held by France’s leaders, but I don’t know who could be exchanged for him in 2019?
Abdallah is also Europe’s oldest political prisoner and the hero of this article’s trio. His case disproves Western lies about “sectarian-religious conflict” in Lebanon, but also in Syria, Palestine, Iraq, Libya, Mali, the Central African Republic, Ukraine, Bolivia, Western China, etc.
When viewing Lebanon, actions and ideology are the only proper lenses, not religion. French neocolonialism, Israeli Zionism and Western anti-classism all reject this modern view.
The man who was the least “warlord” in Lebanon is still imprisoned precisely because he was the most patriotic, the least sectarian and the most enlightened politically. Does not his case represent the depth of “Lebanese corruption” in every sense?
Lebanon’s protesters need to realize that an incorruptible Lebanese has remained in prison on their nation’s behalf for 35 years.
The time is now – nothing could represent a renewed, united, moral Lebanon better than the return, finally, of Georges Ibrahim Abdallah.
(The views expressed in this article do not necessarily reflect those of Press TV.)