سمير الفزاع
في لغة العلوم العسكرية وميادين المعارك ، عندما تواجه إنسداداً وإستعصاءاً في جبهة ما ، أو بوادر إنهيار لقواتك فيها ، تقوم بفتح جبهة أخرى للتشويش على إنتباه العدو ، وبعثرت قواته ، والتأثير على معنوياتها سلباً وعلى معنويات قواتك إيجاباً ، والحصول على المزيد من الوقت لتعزيز خطوطك في الجبهة المستعصية وزيادة الإمدادات بالعدة والعديد ، ومراكمة المعلومات الإستخبارية التي قد يساعد بعضها على فتح ثغرة فيها … وأفترض بأن الأمر ذاته يفسر مستجدات المشهدين ، الميداني والسياسي لمنطقتنا تماماً .
* الفرضية :
هناك وشائج عميقة ومتجذرة تربط بين أقطار هذه الأمة شئنا أم أبينا ؛ لذلك سنجد بأن أحداث منطقتنا على مختلف مستوياتها ، سياسية ، أمنية ، عسكرية ، إجتماعية … تؤكد لنا هذه العلاقة العضوية من حيث التأثر والتأثير العميقين . وللأسف ، فإن أعداء أمتنا يتعاملون مع هذا الإقليم – عند التخطيط لمستقبله ، وشكله ، والقوى المسيطرة فيه … – ككتلة واحدة ، ولكن عند مخاطبة حكامه ونخبه وشعبه … يخاطبونهم “بالمفرق” وكلّ على حده ، لتعميق الفرقة وترسيخ التجزئة … ؛ فقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي تمتد مسؤوليته لتشمل كامل منطقتنا العربية إلى جانب بعض المناطق الأخرى .
* الحبل السريّ بين نينوى وسورية :
منذ معركة القصير في تموز 2013 ، والميزان العسكري والسياسي والشعبي … يميل لصالح الدولة السورية ؛ حيث تمّ تطهير بلدات عديدة في ريف دمشق القريب وفي القلمون والحصن وقلعتها وحمص القديمة وكسب وسجن حلب المركزي … وصولاً إلى محاصرة الأحياء الموبوءة بالإرهاب في بعض أحياء حلب ، وتطويق المدينة بالكامل . أي أن سوريا إستوعبت صدمة الهجوم المباغت والمركب والخبيث … بداية العام 2011 ، وشرعت في الهجوم المعاكس منتصف العام 2013 ، ونجحت في هزيمة العدوان ومحاصرة نقاط تمدده إلى حدّ كبر جداً … وبدا بأن مشروع العدوان يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وأنتظرت الناس نهاية الحرب على سوريا – مع أو قبل – نهاية العام الحالي . لكنّ إسقاط هذا “المشروع” وإنتصار سوريا وحلف المقاومة عليه ، سيكون له تداعيات كبرى على شكل ومستقبل المنطقة ، والذي لن يكون لصالح أصحاب هذا المشروع من أمريكيين وصهاينة وحكام عرب وقادة اتراك وغربيين . مثلاً ، مستقبل الكيان الصهيوني ، ومصير حكام دول البترو- دولار ، وحال 40% من طاقة العالم تقريباً … . لذلك – وهنا خلاصة الفرضية – يجب فتح جبهة جديدة في ميدان المعركة يصعب معها – أو يستحيل – على الجيش العربي السوري تغطية جغرافيتها ، أو التحكم والسيطرة بتداعياتها ، وأن يفضي فتح هذه الجبهة لإيجاد قاعدة خلفية صريحة للجماعات الإرهابية في سوريا ، والتي باتت في وضع صعب جداً جداً ، ولكن بعيداً عن الكيان الصهيوني والأردن خوفا من تدرج المناوشات وتدحرجها إلى حرب إقليمية مدمرة لن تكون الغلبة فيها لا لأمريكا ولا لحلفائها ، ولنتذكر هنا الأحاديث عن المعسكرات في الاردن ، والمنطقة العازلة – الجدار الطيب – في الجولان ، وفتح الجبهة الجنوبية عبر الأردن … . ويكون – في الوقت نفسه – من الصعب – أو المستحيل – على حلفاء سورية الميدانيين ، مساندتها في هذا الواقع الميداني المُستجد . وأقصد هنا حزب الله تحديداً ، فإن فائض القوة الذي يمتلكه ، لا يسمح له بأي حال من الأحوال بأن يكون له وجود عسكري فاعل وناشط . ويجب أن تكون هذه الجبهة الجديدة ، “رخوة” ؛ بحيث يمكن تحقيق إختراق “سهل” فيها يحقق الأهداف المرجوة . فكان الإختيار الخبيث للعراق ولمحافظة نينوى وعاصمتها ، الموصل تحديداً ، خصوصاً وأن أي تدخل ميداني إيراني في العراق سيكون بمثابة الشرارة ، لإشعال حرب سنية – شيعية ، بحث عنها أعدائنا وتمنوها ، وخططوا لها كي تكون حرب المئة عام !.
* فتح الجبهه :
أُعد للهجوم كي يكون صاعقاً سياسيّاً ، ومدوياً إعلاميّاً ، وناجحاً تماماً ميدانيّاً ، سقطت محافظة نينوى خلال ساعات ، وكان المأمول أن يترنح العراق كلّه ، وتسيطر داعش على عاصمته بغداد ، و”يتوج” “الأسير” عزة الدوري زعيماً على “بعض” من العراق ، وكان البيان رقم (1) جاهز كي يذاع من بغداد ، وإن فشل التنفيذ للمخطط ككل ، فيكفي ما نجحت داعش في تحقيقه . تمّ تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة تحدثت عنها في سابقاً ، مثل خلق جيب يشطر العراق نصفين ، ويسمح بإنشاء كانتون كردي في الشمال ، وقطع طرق إمداد حلف المقاومة … إلا أن الهدف الأخطر والأخبث تمثل في خلق قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا ، تكون بعيدة عن ضغط الجيش العربي السوري وحليفه في الميدان ، حزب الله . حيث كان من المفترض أن يتفكك العراق وينهار الجيش ، وتترسخ فتنة الأقاليم الطائفية والقومية عقب صدمة سيطرة داعش وتمددها السريع في المحافظات السنيّة . فتصبح داعش قادرة على توفير الحشد العددي الهائل في المحافظات التي سيطرت ، بفعل التحريض المذهبي والطائفي والتخويف والإغراءات المادية … وخلال فترة بسيطة سيكون لديها جيش من مئة ألف مقاتل على الأقل سيعملون على قلب موازين القوى في الميدان السوري .
* رد فعل محور المقاومة وأصدقاءه :
أدركت سوريا خطورة الموقف والأهداف الخبيثة خلف تحرك داعش في العراق فتحركت على عدة صعد ، وأهمها المجال العسكري والميداني ؛ حيث تولى سلاح الجو في الجيش العربي السوري توفير الغطاء الجوي الذي يفتقر إليه الجيش العراقي ، فضرب تجمعات وخطوط إمداد الجماعات الإرهابية … وأجرت سوريا إتصالات مع القيادة الروسية تمحورت حول دعم الحكومة والجيش العراقيين ، فكان التحرك الروسي العاجل بتزويد العراق بخمسة وعشرين قاذفة من نوع سوخوي -25 مع كامل فرقها الفنية لتكون جاهزة للعمل خلال أيام . وأما الجهد الأكبر فكان مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، وخصوصاً بعد تأكدها بأن الخطوة القادمة لحلف العدوان بعد تدهور الوضع في سورية – في حال نجح المخطط – سيكون فلسطين ، وغزة تحديداً . فبادرة فصائل المقاومة الفلسطينية في موقف تاريخي ، إلى تسخين خطوط التماس ، لخلط الأوراق ، وإعادة تصويب بوصلة الإهتمام والعمل الشعبي والمقاوم نحو فلسطين بعيداً عن الفتن المفتعلة ، سواءاً كانت طائفية أو مذهبية أوعرقية ، وفتح جبهة جديدة في غزة مقابل الجبهة التي فتحت في العراق . إكتشفت أمريكا وحلفائها عمق المأزق الذي وقعوا فيه ، وأدركت أن التصعيد في غزة لا يشبه ما حصل في العام 2012 ، وأن لا مجال للوساطات التقليديّة – المصرية ، القطرية ، التركية … – التي كانت تقوم في مثل هذه الحالات ، لذلك أوفدت وزير الخارجية الألماني إلى المنطقة ، وكلنا يعرف التجربة الألمانية وخبرتها الطويلة في التعامل مع سوريا وحزب الله وايران تحديداً ، وطبيعة مستوى الإلتزامات القادرة على تقديمها للمقاومة الفلسطينية ، وفي نفس الوقت يقوم كيري بتمديد لقاءاته مع الجانب الإيراني في فينا ، ما يؤكد أن من يدير دفة الحرب في كفة الأعداء واشنطن بذاتها .
* الخلاصة :
1 – أن الصواريخ السورية والإيرانية وما تمكنت المقاومة الفلسطينية من تطويرة من مقذوفات صاروخية أصبحت تمثل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني ، وأن معادلة “الضاحية” في شمال فلسطين ، تم صياغة مرادف لها في جنوبها .
2 – لا سوريا ولا إيران توقفت عن دعم المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها حتى في عزّ الحرب على سوريا ، ففي تاريخ 2014-03-05 تمكنت قوة مؤلفة من مجموعة قطع بحرية ، وفي طليعتها مقاتلون تابعون لوحدة الكوماندوس البحري “شييطت 13″، من السيطرة على سفينة كانت تحمل شحنة سلاح في عرض البحر الأحمر قادمة من إيران ومتوجهة إلى قطاع غزة . والحمولة التي ضُبطت ، بحسب المصادر الصهيونية ، هي عبارة عن ثلاثين صاروخ أرض أرض متوسط المدى من طراز M302 التي تقصف مثيلاتها اليوم المدن والأهداف الصهيونية ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الذخائر والمقذوفات الصاروخية .
3- كل المؤشرات تدل على أن ما أطلق حتى الآن هو النزر اليسير مما تمتلكه المقاومة الفلسطينية من مخزون الصواريخ ، ورأس جبل الجليد من المفاجآت التقنية والميدانية والإستخبارية ، فهذه الحرب أعد لها لتكون حرب وجود وخلق وقائع جديدة كليّاً ، لا لتثبيت ظروف وبنود إتفاق 2012 كما يعتقد أو يحاول أن يفعل الجانب المصري .
4- إنتقال محور المقاومة من حالة الدفاع المتحرك إلى مرحلة الهجوم . فإذا كان هدف محور العدوان تفتيت الأمة بإقتتال مذهبي وطائفي وعرقي لا يبقي ولا يذر ، فلنذهب إلى قلب الصراع ، ومحور المعادلات ، فلسطين . حيث يتم تصويب البوصلة إلى الصراع الحقيقي ، والعدو الأساسي ، والخطر الفعلي . وهنا سيبدأ المأزق الحقيقي لأنظمة الإعتلال العربي ، والإختبار الحقيقي للأنظمة المنبثقة عن “الربيع العربي” وداعميها ومموليها ، وخصوصاً مصر .
6- فتح جبهة جديدة في ميدان المعركة عقد المشهد ، ورفع من الأثمان التي سيدفعها حلف العدوان المهزوم ، ومن كان ينتظر على الطرف الآخر مكالمة هاتفية من الرئيس بشار حافظ الأسد ليعلن له إستسلامه وقبوله بشروط حلف العدوان ، سيكون مضطراً اليوم لينتظر المكالمة الهاتفية التي تخبره بشروط حلف المقاومة في “يالطا” الجديدة للمنطقة والعالم .
من خفايا المشهد من نينوى إلى دمشق وغزة
Related Videos
Related
- Netanyahu Sacks Deputy Defense Minister, Threatens to Broaden Gaza Campaign
- بهدوء | بشائر سقوط ثنائية فتح ـ حماس وولادة جديدة للحركة الوطنية
- «حماس»… وجدليّة الرأس المزدوج!
- من تموز 2006 إلى تموز 2014 .. تألق المقاومة وتعرية العدوان
- تموز وغزة يسقطان «الشرق الأوسط الجديد»
- من يعطي إسرائيل سلّم النزول؟
- المبادرة المصرية جاءت لانقاذ ماء وجه نتنياهو .. هذه هي الأسباب
- المقاومة الفلسطينية نحو إعلان الانتصار وسوريا إلى التحرير
- أنماط القتال في غزّة
- بصمات «عماد مغنية».. عند شاطئ الفرات
- الجيش السوري يعزل المليحة من 3 محاور ويستعد لعمليات واسعة بريف حماة
- حلب…هكذا إنتهت معركة الريف الشمالي !
- معركة مورك.. هل سيحسم الجيش السوري المعركة الاهم في ريف حماة الشمالي
- البغدادي لورانس الإسلام…والمايسترو أميركي
- Even Extremist Clerics Reject ISIL ‘Caliphate’: Abu Qatada Says Declaration Void
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of the Blog!
Filed under: Al Qaeda, Egypt, Nazi Israel, Palestine, Qatar, The Islamic Republic of Iran, War on Gaza, War on Syria | Tagged: Al-Qassam Brigades, American "Muslim" Brotherhood, Hamas Resistance movement, Nahid Hattar, Palestinian Islamic Jihad Movement (PIJ), Palestinian Resistance factions |