سوريا: معركة طرد الاحتلال بدأت

السبت 10 حزيران 2023

تضع دمشق، ومعها حلفاؤها في طهران وموسكو، منذ سنوات، نصب أعينهم حتمية استرجاع الجيش السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية، وخصوصاً منطقة الشرق، حيث تتواجد قوات الاحتلال الأميركي منذ تشرين الأول 2015، في إطار ما يعرف بـ«التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش»، والذي عقد اجتماعه الدوري قبل يومين في الرياض. وإذ لا يمكن فصل الاحتلال الأميركي للشرق السوري، عن القوى الكردية التي فتحت الباب واسعاً لدخول وتمدّد هذا الاحتلال بـ«معيّتها»، طوال السنوات الماضية، فإن القيادة السورية لا تنظر إلى الأميركيين، كما تنظر إلى خصومها السوريين، وأبرزهم «قوات سوريا الديمقراطية».

سوريا وحلفاؤها يفتتحون المعركة: طرد الاحتلال الأميركي… الآن

السبت 10 حزيران 2023

يندرج الوجود الأميركي في الشرق، ضمن خطة ممارسة الضغوط الاقتصادية على الحكومة والشعب في سوريا (أ ف ب)

 سوريا  

حسين الأمين

تضع دمشق، ومعها حلفاؤها في طهران وموسكو، منذ سنوات، نصب أعينهم حتمية استرجاع الجيش السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية، وخصوصاً منطقة الشرق، حيث تتواجد قوات الاحتلال الأميركي منذ تشرين الأول 2015، في إطار ما يعرف بـ«التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش»، والذي عقد اجتماعه الدوري قبل يومين في الرياض. وإذ لا يمكن فصل الاحتلال الأميركي للشرق السوري، عن القوى الكردية التي فتحت الباب واسعاً لدخول وتمدّد هذا الاحتلال بـ«معيّتها»، طوال السنوات الماضية، فإن القيادة السورية لا تنظر إلى الأميركيين، كما تنظر إلى خصومها السوريين، وأبرزهم «قوات سوريا الديمقراطية». فعلى الرغم من تورّط هذه الأخيرة في التماهي مع واشنطن ومشروعها الاحتلالي إلى حدّ بعيد، إلّا أن دمشق لا تدرج الخيار العسكري ضمن أدوات التعامل مع «قسد»، بل تستنفد منذ سنوات كلّ الأدوات السياسية للوصول إلى تسويات جزئية معها، منها ما كُتب له النجاح، ومنها ما أحبطه الأميركيون بضغوط مباشرة على قيادة «الإدارة الذاتية». في المقابل، ترى الحكومة السورية في الخيار العسكري في مواجهة الاحتلال الأميركي، حقاً سيادياً، وواجباً وطنياً، مع إدراك حدود القدرة العسكرية والعملياتية، والظروف السياسية، وأولويات المعركة التي كانت محتدمة ضدّ الجماعات المسلحة في باقي الجغرافيا السورية. كما تنظر مراكز القرار في «محور المقاومة» إلى الوجود الأميركي في هذه المنطقة بالتحديد، على أنه يندرج بشكل أساسي ضمن خطّة ممارسة الضغوط الاقتصادية على الحكومة والشعب السوريَّيْن، من خلال حرمانهم الاستفادة من آبار النفط والغاز المنتشرة في المنطقة، والتي كانت تغطّي معظم حاجة البلاد قبل الحرب، فضلاً عن حقول لم يجرِ الاستثمار فيها بعد.

انطلاقاً من ذلك، لا يبدو خافياً على أحد، وخصوصاً على الأميركيين أنفسهم، أن دمشق تدعم مجموعات «المقاومة الشعبية» ضدّ الاحتلال الأميركي في الشرق السوري، من دون تبيّن حجم هذا «الدعم» ونوعه، مع الإشارة هنا إلى أن أفراد هذه المقاومة هم من أبناء الجزيرة السورية، ويملكون الدافعية الكاملة لمواجهة الاحتلال بأيّ شكل. وإلى جانب حكومة دمشق، فإن حلفاء سوريا في «محور المقاومة»، ليسوا بعيدين أيضاً عن المسار المُشار إليه، حيث يلعب المستشارون العسكريون الإيرانيون، بالتعاون مع الجيش السوري، دوراً بارزاً في دعم «المقاومة الشعبية» على مختلف الصعد. أيضاً، دشّن حلفاء دمشق، منذ مدّة، مساراً يصبّ في الخانة نفسها، عنوانه أن الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، يكون باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في الشرق السوري، وفي التنف أيضاً. وتمثّل آخر تجلّيات هذه المعادلة في استهداف القوات الأميركية، أواخر شباط الفائت، في عدة قواعد في رميلان وخراب الجير والعمر وكونوكو، ما أدى إلى مصرع متعاقد أميركي، وإصابة آخرين. يومها، ردّ الأميركيون بقصف مواقع تشغلها قوات حليفة لدمشق، وأعقبت الردّ جولة من التراشق الصاروخي وبالطائرات المسيّرة، في مشهد بدا تصعيدياً ولافتاً، وأشعل الضوء الأحمر لدى واشنطن وتل أبيب بشكل خاص، ولدى دوائر الاستخبارات المختلفة، وأنذَر بما يمكن أن تكون عليه المرحلة المقبلة.

انطلق مسار عمليات المقاومة ولا عودة عنه وهو ما تلمسه واشنطن وتعدّ العدة لمواجهته


قبل نحو 10 أيام، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً مطوّلاً تحدّث عن معلومات استخباراتية ووثائق رسمية، حصلت عليها الصحيفة، تفيد بأن إيران تخطّط لتصعيد الهجمات ضدّ القوات الأميركية في سوريا. وذكر التقرير أن «إيران وحلفاءها يعملون على تدريب قوات على استخدام عبوات خارقة للدروع أكثر تدميراً، تهدف تحديداً إلى استهداف المركبات العسكرية الأميركية، وقتل جنود الجيش الأميركي». وبحسب وثيقة سرّية أميركية، فإن «مسؤولين في فيلق القدس الإيراني وجّهوا وأشرفوا على اختبار بعض المتفجّرات أواخر كانون الثاني الماضي»، في سوريا. كما تشير الوثيقة إلى أنه «جرى إحباط محاولة تفجير عبوة مشابهة، على ما يبدو، في أواخر شباط الماضي»، عندما اكتشف عناصر من «قسد» 3 عبوات في شمال شرقي سوريا.

في الصورة الأعمّ، فإن إيران وحلفاءها يخوضون منذ احتلال العراق وقبله أفغانستان – وأحياناً قبل ذلك بكثير – معركة كبرى وواسعة ضدّ القوات الأميركية في المنطقة، وخصوصاً في الساحات التي يكون لـ«المحور» تواجد فيها. وامتداداً لهذا المسار، فإنهم اليوم أيضاً يخوضون المعركة ضدّ الاحتلال الأميركي في سوريا، خصوصاً بعد تحقّق استقرار كبير في الجبهات السورية المختلفة، بفعل تفاهمات ترعاها روسيا وإيران مع تركيا، ما فتح المجال أمام القيادة السورية وحلفائها للتحرّك في اتجاه الضغط على القوات الأميركية. وإذ تتفاوت وتيرة عمليات المقاومة من حين إلى آخر، فإن الأكيد أن هذا المسار انطلق ولا عودة عنه، وهو ما تلمسه واشنطن وتعدّ العدة لمواجهته، عبر الاستعانة بمجموعات مختلفة من المقاتلين الموالين لها داخل سوريا، ليكونوا هم في المواجهة، بشكل يشبه ما كان عليه «جيش لحد»، أو جيش عملاء إسرائيل، في جنوب لبنان قبل التحرير عام 2000، حيث كان عناصره متاريس تتلقّى ضربات المقاومة، بينما يهرب جنود العدو الإسرائيلي، ويحتمون لتقليل الخسائر، ولا يبعد أن يكون مصير أمثال الأوّلين في سوريا مشابهاً لمصيرهم. في المقابل، تحاول القيادة الكردية في شرق سوريا تحييد نفسها عن أداء مهمة في مواجهة «المقاومة الشعبية» أو الجيش السوري وحلفائه، كونها تدرك حجم وتبعات الانتقال إلى ذلك المستوى من خدمة الأميركيين، ولأنها تريد حفظ «خط الرجعة» مع دمشق، في ظلّ متغيّرات سريعة في الظروف السياسية الإقليمية والدولية، قد تجد معها «قسد» نفسها،

واشنطن تحصّن قواعدها: جيش ميليشيات استعداداً للمواجهة

 السبت 10 حزيران 2023

مجلة «فوربس» الأميركية: نظام هيمارس موجّه ضدّ المجموعات المدعومة من إيران التي استهدفت القوات الأميركية أخيراً (أ ف ب)

سوريا  

أيهم مرعي  

الحسكة | لم يكن استهداف «المقاومة الشعبية» السورية، المدعومة من إيران، لعدد من قواعد «التحالف الدولي» (رميلان، خراب الجير، العمر، كونوكو)، في نهاية شباط الفائت، حدثاً عادياً لدى الولايات المتحدة. ذلك أن المقاومة استطاعت اختراق أنظمة دفاع جوّي أميركية متطوّرة، وقتلت جندياً وأصابت 6 آخرين، كما وصلت إلى مهبط المروحيات في حقل العمر. ومن هنا، أدركت واشنطن أن هذه النجاحات الميدانية ستدفع المقاومة حتماً إلى تطوير أساليب هجماتها، وربّما زيادة عديد قوّاتها أيضاً، خاصة أن المعلومات التي توافرت حينها أفادت بأن القصف في اتجاه «العمر» تمّ من محيط القاعدة في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لسيطرة «قسد»، وهو ما يعني تمكّن المقاومة من الوصول إلى بُعد كيلومترات قليلة عن معاقل الأميركيين. كذلك، جاء قرار «جامعة الدول العربية» إعادة سوريا إلى عضويّتها، ليزيد في استفزاز الولايات المتحدة التي تخطّط حالياً لمضاعفة العقوبات على الحكومة السورية، من خلال السعي إلى إدخال «قانون الكبتاغون» حيّز التنفيذ، وتشديد الإجراءات ضدّ أيّ دولة عربية أو أجنبية تفكّر في التطبيع مع الدولة السورية.  

وعلى خلفيّة تلك التطوّرات، بدأ الأميركيون استقدام أنظمة دفاع متطوّرة إلى قواعدهم، مستعينين أيضاً بمنظومة «هيمارس» القادرة على ضرب أهداف بعيدة المدى، إذا ما تَقرّر الردّ على أيّ محاولات هجومية جديدة، بهدف ردع نظائرها مستقبلاً، ومنع تكرار ما حصل نهاية شباط. وبالفعل، نقلت واشنطن صواريخ «هيمارس» إلى قاعدتَي العمر ورميلان، وهو ما أكّدته مجلّة «فوربس» الأميركية، لافتةً إلى أن «الولايات المتحدة بحاجة إلى قوة حماية تردّ بسرعة على التهديدات في سوريا، وهذا ما يوفّره نظام هيمارس بشكل فعّال»، موضحةً أن هذا الأخير «موجّه ضدّ المجموعات المدعومة من إيران، والتي استهدفت القوات الأميركية أخيراً». وأضافت المجلة أن «واشنطن تريد إرسال رسالة إلى موسكو وطهران ودمشق بأن أساليب التحرّش ضدّها لن تدفعها إلى سحب قواتها، وأن نشر هيمارس سيجعلهم في وضع غير متساوٍ». ولأن فعل المقاومة لم يَعُد مقتصراً فقط على إطلاق المسيّرات والصواريخ من مسافات بعيدة، إنما تَجاوزه إلى استهداف القواعد من مسافات لا تتجاوز الكيلومترين، فإن الأميركيين بدؤوا، منذ مدّة، بالتفكير في تشكيل قوّات محلّية تحرس محيط قواعدهم، وترصد أيّ حركة مشبوهة ضدّ قوّاتهم. ولذا، فقد أحيت الولايات المتحدة، أخيراً، فكرة ربط قاعدة التنف على مثلّث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، بقواعدها الموجودة في شرق الفرات.

بدأ الأميركيون منذ مدّة بالتفكير في تشكيل قوّات محلّية تحرس محيط قواعده


وعلى رغم استحالة تطبيق ذلك في ظلّ الواقع الميداني الجديد في المنطقة، بعد مرور نحو ستّة أعوام على سيطرة الجيش السوري على طريق دمشق – بغداد، فالظاهر أن واشنطن تريد تصعيد الضغوط على دمشق وطهران، والتلويح بدعم تشكيل جماعات مسلّحة وتسليحها من أجل مهاجمة نقاط الجيش السوري، في حال استمرّ الحليفان في تحريك ودعم الهجمات ضدّ القواعد الأميركية. وفي هذا الإطار، تحدّثت وكالة «الأناضول» التركية عن أن «الجيش الأميركي يعمل على تنسيق التحرّك بين فصيل الصناديد وقسد وجيش سوريا الحرة، على مثلّث الحدود السوري – الأردني – العراقي ضدّ ميليشيات مدعومة من إيران»، مضيفةً أن «وفداً رفيعاً من الجيش الأميركي التقى ببندر حميدي الدهام الجربا، قائد قوات الصناديد في منطقة اليعربية في محافظة الحسكة شرقي سوريا، واستمرّ اللقاء لنحو ساعة ونصف ساعة»، متابعةً أن «القادة العسكريين الأميركيين طلبوا من قوات الصناديد أن تتحرّك بالتنسيق مع جيش سوريا الحرة في منطقة التنف، في إطار التدابير المتَّخذة ضدّ جماعات أجنبية مدعومة من إيران وضمان أمن الحدود».

من جهتها، توضح مصادر «الأخبار» أن «التحرّكات الأميركية لا تزال أوّلية وإعلامية، وغايتها الأساسية الضغط على المقاومة الشعبية، والتهديد بإشغال الجيش السوري والمجموعات الرديفة في معارك جانبية مع قوّات لا تملك أيّ ثقل ميداني على الأرض، وعلى رأسها ميليشيات جيش سوريا الحرة وجيش مغاوير الثورة، والتي تعاني أصلاً انقسامات داخلية، وعديدها غير كافٍ لخوض معركة ولو صغيرة ضدّ الجيش السوري، مهما ارتفع مستوى الدعم الأميركي المقدَّم لها». وإذ تلفت إلى أن وجود هذه الميليشيات في منطقة التنف غرضه «تأمين غطاء لاحتفاظ قوات الاحتلال الأميركي بقاعدة لها في المنطقة، وعرقلة استعادة الدولة السورية لكامل أراضيها، بما فيها معبر التنف المهم»، فهي تستبعد «تورّط الصناديد في أيّ نشاط ضدّ الجيش السوري، خاصة أن شيوخ قبيلة شمر يملكون علاقات متّزنة مع دمشق وموسكو وحتى طهران»، مبيّنةً أن «المعروف عن الصناديد أنها قوى تشكّلت لحماية قرى قبيلة شمر على الحدود، ومن المستبعد انخراطها في أيّ أنشطة مشبوهة تمسّ وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتهدّد الدولة السورية». وتتابع المصادر أن «الصناديد حاربوا داعش بشكل فاعل، لأنه عدو لكلّ الشعب السوري، ولن يكونوا شركاء في أيّ اصطفاف سياسي أو عسكري بعيداً من هدفهم الرئيس المتمثّل في محاربة داعش».

مقالات ذات صلة