واقعية ترامب ترمي “الثورة السورية” من الطائرة بلا مظلات .. عن سانشو الثورة وحماره

بقلم نارام سرجون

لاشك انكم سمعتم بطواحين الهواء ودون كيشوت .. ولكنكم تظنون أن المعركة بين دون كيشوت وطواحين الهواء هي مجرد مشهد شهير في رواية شهيرة .. الا أن “المعارضة السورية” تكتب اليوم أجمل فصول رواية الدون كيشوت ..

انه مشهد لايهاجم الفارس فيه طواحين الهواء بل على العكس فان طواحين الهواء هي التي تهاجم الهواء معتقدة أنه هو الفارس ..
ويتجلى ذلك في تصريحات نصر الحريري رئيس وفد المجموعات المسلحة التي تفاوض في جنيف .. وهو الذي يستحق بجدارة أن يكون من الخريجين الأوائل في مدرسة وزير الحارجية السعودي عادل الجبير .. فكلاهما يكرران نفس العبارات دون ادراك لما يتغير في العالم .. السياسة في العالم تتحرك وتسير بسرعة الضوء فيما عادل الجبير لايزال يركب بعيرا ويعبر الصحراء وهو يغني أغنيته المفضلة (لن نقبل ببشار الأسد وسيرحل اما بالقوة العسكرية أو بالسياسة) .. وقد كرر ذلك النشيد في كل مناسبة وهو يغير على كثبان الرمل على أنها النظام السوري .. فيما يتبعه نصر الحريري اليوم على حماره في جنيف كما كان سانشو تابع دون كيشوت يتبع سيده .. فقد سار سانشو المعارضة السورية (نصر الحريري) على نفس التقليد وبدا متأثرا بصولات عادل الجبير على بعيره في محاربة الهواء .. وجعل يكرر نفس العبارة عن أن أي حل سياسي لن يكون بوجود الرئيس الأسد .. وأن المعارضة تتفاوض على هذا الأساس الذي يعني غيابه عن المشهد السياسي كما تريد المعارضة .. وكرر نصر الحريري منذ أن بدأ مهمته لازمة (أن لاوجود للأسد في مستقبل الشعب السوري ولامكان له لأن المعارضة تبحث عن هيئة حكم انتقالي موسع كما قال بيان جنيف الأول عام 2012 )..

يكرر التلميذ التابع نصر الحريري على حماره مقولة أستاذه عادل الجبير الذي يسير أمامه على بعيره .. ولاندري أيهما افضل حالا في الأزمة السورية .. انهما غريق يستجير بغريق .. أحدهما طاحونة والآخر هواء .. أو أن كلاهما طاحونتان تلوكان الهواء وتصارعان الهواء على أنهما تطحنان الرئيس بشار الأسد .. فلا شك أن هناك خللا بنيويا وزمنيا لايدركانه حيث صارت العبارات الهوائية لاتتناسب معه ..

وهذه التصريحات التي تعبت وهي تدخل كل يوم في الميروفونات وتخرج لاهثة من المكبرات الصوتية وقد ملت هذه الرحلة اليومية منذ سنوات .. وهي لاتزال تحقن في عروق البيانات وسطور اللقاءات حتى باتت السطور تتقيأ من مذاقها .. هذه التصريحات تذكرني بمشهد ظريف من مشاهد مسلسل (مرايا) للفنان السوري الكبير ياسر العظمة عندما علقت الأسطوانة التي تعلم الزوجة التي ستعد الكاتوه لزوجها كيفية صنع الكاتوه وجعلت الاسطوانة تكرر نفس العبارة (اكسري بيضة .. اكسري بيضة .. ) وقامت الزوجة بكسر كل البيض الذي في البيت .. ووصل زوجها ليجد نفسه في المطبخ أمام أكوام البيض المكسور فيما هي تستعجله أن يذهب لشراء المزيد من البيض لأن الكميات الموجودة في البيت قاربت على النفاذ والاسطوانة لاتتوقف عن طلب كسر البيض .. وهي لاتدرك ان الاسطوانة علقت في ذلك المقطع وجعلت تكرر (اكسري بيضة ) الى مالانهاية .. ولو لم يصل الزوج في وقت مناسب لقامت بشراء كل البيض في السوق استجابة لتعليمات الأسطوانة ..

كسارو البيض وطحانو الهواء وطباخوه مثل نصر الحريري وعادل الجبير وكل الفضائيات والاعلام الخليجي الذين لايزالون يعدون قالب الكاتوه السوري منذ ست سنوات ويكسرون البيض ويخلطونه بالهواء على اسطوانة (الأيام المعدودة) التي أصدرها أوباما دخل اليوم عليهم فجأة دونالد ترامب وقال بكل صراحة: ان الواقعية تقتضي اليوم التخلي نهائيا عن محاولة تغيير الحكم والرئيس السوري لأن ذلك “من شأن الشعب السوري” وليس من شأن الشعب الأمريكي ولا الشعب التركي .. وهذه العبارات كسرت الاسطوانة المشروخة العالقة بهيئة الحكم الانتقالية ولكن الهواء لايزال يقاتل الطواحين والطواحين تلوك الهواء ..

هذه العبارة التي أفرج عنها ترامب في أولى بيانات تكشف سياسته تعني الكثير .. فقد بدأت ملامح اتفاق أصدر ترامب أولى ملامحها وحروفها باعلانه لأول مرة ان شأن الحكم في سورية ليس شأنا أميريكيا بل “شأن يخص الشعب السوري ويجب التسليم بالواقع” .. وهو أول عملية اسقاط للمعارضين السوريين من الجو من دون مظلات .. فهؤلاء صعدوا الطائرة الاميريكية مع أوباما الى كل الارتفاعات التي حلقت اليها مثل رحيل الاسد الحتمي والتخطيط لاجتياح سورية .. ولكن فجأة حدث تغيير في خط الرحلة التي هبطت في انتخابات أميريكا وتغير كابتن الطائرة وصار دونالد ترامب بدل أوباما الذي رحل .. تارمب أقلع بالطائرة وعندما صار في الجو قرر أنه سينزل المعارضين السوريين لتخفيف حمولة الطائرة .. المعارضون اكتشفوا انهم لايحملون مظلات للهبوط الحر أو الاضطراري .. ويشاهدون بعيون مذهولة أبواب الطائرة تفتح بعبارة (ليس اسقاط الأسد شأننا) .. وهذا معناه (المعارضة السورية ليست شأننا بعد اليوم) .. وهذا معناه (الرجاء مغادرة الطائرة بالطريقة التي تناسبكم .. ونأسف أنكم لاتحملون مظلات) .. فالقانون لايحمي المغفلين ..

ولكي يتعلم نصر الحريري وغيره السياسة وفنونها فعليه أن يراجع درس الهيئة الانتقالية .. وعليه أن يعلم ان اعلان (هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات واسعة) كانت بنظر الدبلوماسيين مناورة روسية بارعة حيث أن روسيا قبلت بها ولكنها فخختها واشترطت محاربة الارهاب فيها كأحد البنود الأساسية التي لم يكن أحد قادرا على رفض هذا البند البديهي الا اذا كان ارهابيا .. ولكن اذا لم ينفذ شرط مكافحة الارهاب فان شرط الهيئة الانتقالية يسقط تلقائيا .. ويشبه البعض هذا الفخ بسقطة شايلوك الذي أراد رطل اللحم في العقد مع أنطونيو كما طلب في مسرحية تاجر البندقية .. فكان له ماأراد ولكن عند طلب التنفيذ وجد أن عليه تنفيذ قطع اللحم دون أن تنزف قطرة دم .. و ماطلبته المعارضة كان رطلا من لحم السلطة سمته (هيئة حكم انتقالي) كي تموت السلطة الحلية عندما يقطع من جسدها رطل اللحم .. فوافق الروس بشرط ذكر بند محاربة الارهاب المفخخ .. وعندما بدأ التفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي طولب الجميع بتنفيذ البند الالزامي حول محاربة الارهاب وشرح كيفية تطبيقه .. فلم يستطع شايلوك المعارضة تنفيذ قطع الرطل (الهيئة الانتقالية) .. ثم دار كل الحوار مع الناتو حول أولوية احد طرفي الاتفاق ( أهو الهيئة الانتقالية أولا أم محاربة الارهاب؟) وقامت الديبلوماسية الروسية والسورية بعد ذلك بترك المعارضين يلوكون عبارة هيئة الحكم الانتقالي مع عادل الجبير واردوغان ولكنهما على الطرف الآخر كانتا تديران معركة اعلامية ذكية حيث أن نشوة النصر ورائحة (الهيئة الانتقالية القادمة) للمعارضة المسلحة جعلتهم يكشفون حجم النشاط الاسلامي في الحراك وحجم الطموحات السلفية والقاعدية في عملية التنافس بين القوى الممولة على الأرض .. لأن القناعة بأن الروس سلموا بهيئة الحكم الانتقالي جعلت القوى المتنافسة على الأرض تحاول اظهار سطوتها ونفوذها على الأرض وامكاناتها لتحصل على نصيب أكبر في هيئة الحكم الانتقالي .. فكان من الطبيعي أن يطفو على السطح الجبل الجليدي الاسلامي الذي كان غائصا تحت ماء (الثورة السلمية) .. وتحول مزاج العالم بسرعة الى الخشية من هيئة الحكم الانتقالي بالذات التي ستحمل معها الجبل السلفي الوهابي القاعدي والاسلامي .. وبدت اللعبة غير مأمونة الجوانب على الاطلاق .. وبذلك تم افراغ مبدا هيئة الحكم الانتقالي من مضمونها ولم يبق منها الا بند محاربة الارهاب الذي صار مطلب العالم اليوم .. انه درس بليغ في السياسة لايدركه سانشو الحريري ..

آمل ان يستيقظ كسارو البيض الذين اعتقدوا أنهم يعزفون في السياسة لحن كسارة البندق .. واذا بسمفونيتهم تستحق أن تسمى كسارة البيض .. وآمل أن يستيقظ الهواء في فم الطواحين .. وأن تستيقظ الطواحين التي تلوك الهواء .. فالعالم تغير كثيرا .. حتى دون كيشوت السعودية بدأ ينظر حواليه كأنه لايصدق أن أم معارك الوهابية في العالم تسقط على حدود دمشق .. فيما سانشو الحريري لايزال على حماره الثوري يعتقد أن معلمه عادل كيشوت انتصر .. وهو لايزال يكسر البيض لاعداد كاتوه النصر .. ويظن أن رطل اللحم الذي سيقطعه سيكون بين يديه كما طلب وتمنى .. وعندما يفتح عينيه سيجد انه يطير في الجو بعد أن أسقطته طائرة ترامب .. وسيتذكر سانشو الحريري أنه في الجو .. يسقط سقوطا حرا ولكنه لايملك مظلة .. لاهو ولا حمار الثورة الذي يمتطيه .. منذ سبع سنوات ..

 

 

   ( الأحد 2017/04/02 SyriaNow)