المرسوم 6433 / 2011 جريمة بحق لبنان والتمسّك به جريمة أكبر

العميد د. أمين محمد حطيط

من غير إطالة والعودة الى مسار إجراءات تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، نكتفي بالتذكير بأنّ لبنان في تداوله لهذا الملف ارتكب جملة أخطاء عرّضت حقوقه للخطر والضياع، وكان الخطأ الأوّل في العام 2007 عندما أرسل وفداً ناقص الأهلية والمؤهّلات القانونية والمهنية الى قبرص للتفاوض على الحدود الغربية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية تلك. وكان خطأ يومها في وضع النقطة (1)، ولكن لبنان وبسبب أو آخر لم يوقع الاتفاق النهائي مع قبرص ما جعل الحقّ قابلاً للتصحيح بالتراجع عن الخطأ، فلبنان لم يبرم الاتفاق هذا، ولم يجعل لاتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية وضعاً قانونياً ملزماً له خاصة أنّ رئيس الجمهورية لم يوقع ومجلس الوزراء لم يقرّ، ومجلس النواب لم يأخذ علماً ولم يصدّق وبقيت المسألة في إطار مشروع اتفاق لم يسلك مساره القانوني.

وبعد جمود سنتين، حرك الملف ووضع بعهدة قيادة الجيش بقرار من رئيس الجمهورية، وهنا رُسم خط جديد لحدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبي يعدّل الخط السابق وينقل نقطة الزاوية الجنوبية الغربية للمستطيل من النقطة 1 الى النقطة 23 ويعطي لبنان مساحة 863 كلم 2 زيادة عما كانت الاتفاقية مع قبرص تعطيه. وهنا ظنّ لبنان أنه صحّح الخطأ المرتكب من قبل وفد فؤاد السنيورة الى قبرص واستعاد مساحة مهمة للبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة، وحتى يثبت العمل دولياً سارع الى توقيع مرسوم أرسله الى الأمانة العامة للأمم المتحدة يعلمها بها بحدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية التي رسمها وفقاً لاتفاقية قانون البحار للعام 1982 التي انضمّ إليها لبنان في العام 1994.

وهنا وللوهلة الأولى ظنّ المتابعون للقضية أنّ في فعل الحكومة اللبنانية وإيداعها المرسوم 6433/2011 الأمم المتحدة صيانة لحقوق لبنان ودفاعاً عن ثرواته وحدوده وتصحيحاً لخطأ عرضها للخطر، ولكن في الحقيقة انطوى هذا المرسوم أو واجه أمرين خطيرين: الأول إقليمي دولي والثاني حقوقي داخلي.

ففي الأول امتنعت «إسرائيل» عن الإقرار بالحقوق اللبنانية المحددة بالمرسوم المودع لدى الأمم المتحدة واعتبرت انّ لبنان بتوقيعه مشروع الاتفاقية مع قبرص يكون قد أقرّ عملياً بمدى الحق الذي يدّعيه، وهي لا تتقبّل فكرة أي تعديل وتتمسك بالنقطة 1 الظاهرة في الخريطة المرفقة بمشروع اتفاقية لبنان/ قبرص.

اما في الثاني وهنا الوضع أشدّ وأدهى فيتعلق بالمرسوم ذاته والخريطة المرفقة به، حيث إنّ دراسة الملف تؤدّي الى تسجيل الملاحظات الخطيرة التالية:

أولاً: رسم لبنان خط حدود منطقته الجنوبيّة من النقطة 18 قرب الشاطئ الى النقطة 23 واختار النقطة 18 بعيدة عن الشاطئ لمسافة تتعدى عشرات الأمتار (28 م) من غير أيّ سند او مرجع او مرتكز قانوني ما يجعل قانون الخط (18-23) خطاً واهناً لا يرتكز على حجة قانونية تمكن من الدفاع عنه.

ثانياً: أرفق بالمرسوم خريطة يظهر عليها اسم «إسرائيل» بدل فلسطين في اعتراف واضح وبوثيقة رسمية لبنانية موقعة من رئيس الدولة بكيان العدو خلافاً للموقف الرسمي اللبناني.

ثالثاً: لم تظهر الخريطة المرفقة بالمرسوم 6433 /2011 حدود لبنان الدولية مع فلسطين المحتلة، وفي ذلك مماشاة للعدو الإسرائيلي الذي يريد التنصل من اتفاقية بوليه نيوكمب.

أما من حي الشكل فقد غاب عن المرسوم توقيع الوزراء/ الوزير المختص واكتُفي بتوقيع وزير الأشغال بينما وفقاً للقانون اللبناني فإنه يجب الحصول على تواقيع وزراء المال والدفاع والخارجية، وبغياب هذه التواقيع يكون في المرسوم عيب جوهري يقتضي التصحيح إما بالأبطال او بالإبدال.

وعلى ضوء ذلك بات ملحاً إلغاء المرسوم 6433 واعتباره كأنه لم يكن لأنّ التمسك به يعني ببساطة اعترافاً بـ «إسرائيل» وتنازلاً عن حدود لبنان الدولية مع فلسطين وإطاحة باتفاقية «بوليه نيوكمب» وباتفاقية الهدنة. وهذا ما فعله وللأسف اتفاق الإطار الذي يبقى من غير قيمة قانونية ملزمة وفقاً للنظام القانوني اللبناني حيث لم تصدّقه أيّة جهة رسمية مخوّلة او ذات صلاحية دستورية، ثم انّ موقف العماد عون صحّح او سدّ ما جاء فيه من ثغرات.

ومن جهة أخرى فإننا نذكر بأنّ لبنان وقبل إعداد المرسوم أعلاه، كان قد طلب من مكتب بريطاني مختص رأياً فنياً تقنياً قانونياً حول حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبية الخالصة، واستجاب المكتب للطلب اللبناني وأودع نتيجة دراسته الاستشارية العلمية والقانونية والفنية الحكومة اللبنانية في آب 2011، وتظهر الدراسة انّ للبنان حق بمساحة 2290 كلم 2 زيادة على المساحة التي حدّدت له بمشروع اتفاقية مع قبرص، ولكن الغريب بالأمر انّ الدراسة البريطانية أخفيت في الأدراج، وتمسّك المسؤول اللبناني بما كان أعدّه من مرفقات ومضمون في المرسوم 6433 /2011 وأرسله إلى الأمم المتحدة بعد شهرين من تلقي الدراسة البريطانية، باعتباره وثيقة رسمية لبنانية تحدّد حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية.

مع هذا التباين في الموقفين اللبناني و»الإسرائيلي» تدخل أو أدخل الأميركيون لفضّ النزاع، على أساس انّ سقف الطلب اللبناني هو ما حدّد في المرسوم 6433 (أيّ المطالبة بـ 860 كلم 2) وسقف الطلب الإسرائيلي هو الخط B1-1 وانّ الخلاف واقع على 860 كلم2، وبعد طويل تفاوض غير مباشر توصل فريدريك هوف الى رسم خط اقترحه لفصل النزاع بحيث يعطي لبنان 55% من المنطقة المتنازع عليها ولم يستطع هوف أن يفرض اقتراحه على الطرفين فتجمّدت المفاوضات وأوقف هوف حركته المكوكيّة بين الطرفين.

في هذه الأثناء عاد لبنان وتحديداً قيادة الجيش لمراجعة الملف من أساسه واستعانت القيادة بأعرق وأهمّ الخبراء ومكاتب الدراسات الأوروبية وتوصّلت الى نتائج صادمة، حيث إنها وقفت على حقيقة خطر الأخذ بمشروع الاتفاق مع قبرص/ ووهن وخطورة الأخذ بما جاء في المرسوم 6433 /2011 الذي لا يمكن الدفاع عنه لأنه لا يستند الى أيّ حقيقة او مرجعية قانونية وتوصلت بنتيجة الدراسة الى رسم الخط النهائي العلمي والقانوني لحدود المنطقة الاقتصادية بشكل يأخذ بالاعتبار اتفاقية «بولية نيوكمب» واتفاقية الهدنة التي منهما تؤخذ نقطة البرّ التي تنطلق منها الحدود البرية شرقاً والحدود البحرية غرباً، كما وقانون البحار للعام 1982 الذي يحدّد قواعد وأسس رسم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية، ورسمت بنتيجة ذلك خطاً جديداً هو ما يجب أن يكون حدود المنطقة اللبنانية جنوباً. وللمفارقة تبيّن أنّ هذا الخط هو متطابق بنسبة 99% مع الخط الموصى به من قبل المكتب الاستشاري البريطاني ذاك الخط الغارق في الأدراج الرسمية اللبنانية منذ آب 2011.

وعلى ضوء هذه الحقائق القانونية والوقائع الميدانية العملية بات على لبنان أن يسارع الى إصدار مرسوم يصحّح به خطأ الماضي ويصون مصالحه وثرواته، عليه أن يسارع بالفعل وعلى مرحلتين الأولى إلغاء المرسوم 6433 /2011 وإبلاغ الأمم المتحدة بالإلغاء وسحبه منها بتوقيع من سبق ووقع، والمرحلة الثانية إصدار مرسوم نهائيّ يتضمّن الحق اللبناني كاملا ويحمل تواقيع الوزراء المختصين.

أما القول بأننا لسنا بحاجة الى هذا الأمر فيعني ببساطة التمسك بالمرسوم 6433 الواهن والخطر وغير القابل للدفاع عنه ما سيؤدي الى التفريط الأكيد بالحقوق اللبنانية، فحجة لبنان بالمطالبة بحقه بـ 2290 كلم 2 ضعيفة بوجود المرسوم 6433 لأنّ الأخير يفسّر بأنه إقرار لبنان بمدى الحق اللبناني والإقرار سيّد الأحكام، فإذا لم يصحّح العيب هنا ضاع الحق اللبناني وانّ كلّ من يؤخر او يعارض او يعرقل سحب المرسوم 6433 من الأمم المتحدة وإرسال البديل الصحيح يكون عن قصد أو غير قصد يضعف الموقف اللبناني التفاوضي ويفرط بالحق اللبناني بثرواته البحرية إقراراً بالاعتراف بـ «إسرائيل» وتنازلاً عن اتفاقية «بوليه نيوكمب» والحدود الدولية التي ترسمها كما تظهر الخريطة المرفقة به.

*أستاذ جامعي – باحث استراتيجي.

مأزق ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة هل يجد حلاً…؟

العميد د. أمين محمد حطيط

بعد أن فوجئت أميركا و»إسرائيل» بالطرح اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود في الناقورة، كان القرار الأميركي على هدي الموقف «الإسرائيلي» واضحاً وصارماً بوقف المفاوضات والانصراف إلى معالجة الموقف «المفاجئ» بما يعيد الوضع الى نقطة تجد فيها «إسرائيل» مصلحة لها للانطلاق منها في عملية التفاوض.

أما سبب المفاجأة «الإسرائيلية» – الأميركية فقد تمثل في أمرين… الأول متصل بالوثائق المرجعية للمفاوضات والثاني متصل بالمساحة المتنازع عليها بين لبنان والكيان الصهيوني الذي يمارس احتلاله لفلسطين.

ففي الموضوع الأول، أيّ الوثائق المرجعية، أظهرت «إسرائيل» أنها قبلت بالدخول بالعملية التفاوضية وفقاً لشروط تضمّنها ما أسمي اتفاق الإطار لتحديد إجراءات التفاوض، وانّ هذا الاتفاق لم ينصّ على اتفاقية ترسيم الحدود البرية للبنان مع فلسطين أيّ اتفاقية «بوليه نيوكمب»، ولم يأخذ باتفاقية الهدنة التي ألغتها «إسرائيل» في 29 حزيران 1967 ومن جانب واحد وكذلك لم يذكر اتفاقية قانون البحار للعام 1982 الذي امتنعت «إسرائيل» عن الانضمام اليها. واكتفى اتفاق الإطار بالأخذ فقط بتفاهم نيسان 1996 والقرار 1701/ 2006. كوثائق مرجعية حصرية للمفاوضات. وهو موقف «إسرائيلي» يطيح بحقوق لبنانية ثابتة في الحدود التي وللأسف أطاحت بها أميركا ولم يعلق لبنان على السلوك الأميركي يومها، حيث سكت لبنان عندما أكد ديفيد هيل بعد الإعلان عن اتفاق الإطار هذا، بأن ليس للبنان حدود برية مع «إسرائيل» متنكراً بذلك أو مسقطاً كلياً اتفاقية «بوليه نيوكمب» واتفاقية الهدنة التي تؤكد عليها، وهذا الإسقاط والتنكر الأميركي «الإسرائيلي» للحدود البرية اللبنانية يستنتج أيضاً من خريطة ترامب التي أرفقها برؤيته للسلام، حيث أنه رسم عليها الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة بخط متقطع ما يعني بالمصطلح الخرائطي للخطوط انه خط مؤقت بحاجة الى موقف او قرار لجعله نهائياً.

وفي المقابل أظهر الوفد اللبناني وبإشراف مباشر من رئيس الجمهورية تمسكاً بالوثائق الثلاث التي تعتبر أسلحته القانونية الفاعلة للحصول على حقوقه والتي يعتبر أيّ تنازل عن أيّ منها يشكل مقدّمة وتمهيداً للتفريط والتنازل عن حقوقه في الأرض والبحر والثروة.

اما في الموضوع الثاني أيّ ما يتعلق بالمساحة المتنازع عليها والتي ستكون موضوع التفاوض لحسم ملكيتها، هنا نجد ان «إسرائيل» تتمسك بمشروع الاتفاق بين لبنان وقبرص والذي ارتكب فيه خطأ باعتماد النقطة رقم واحد (وهذا الخطأ هو أصل الخلاف) كما أنها تنطلق أيضاً في الحدّ الأقصى «لتنازلها من المرسوم 6433 الذي أرسله لبنان في العام 2011 الى الأمم المتحدة وحدّد بموجبه يومها خط حدود المنطقة الاقتصادية اللبنانية الجنوبي وحصره بين النقطتين 23 في البحر ورأس الناقورة المنصوص عليه في اتفاقية «بوليه نيوكمب» في البر. لكن لبنان حمل وفده الى الناقورة خريطة أعدّت وفقاً لتفسير حديث ومتقدّم لقانون البحار معطوفاً على اتفاقية «بوليه نيوكمب» وواقع حال خط الساحل اللبناني والجزر المقابلة له.

وفي الخلاصة تكون المساحات المطروحة للتفاوض وفقاً لمواقف الأطراف في وضعية من اثنين، الموقف «الإسرائيلي» يتمسك بالتفاوض حول مساحة الـ 860 كلم2 الناشئة عن خلاف حصريّ حول ايّ من النقطتين يؤخذ بها 1 او 23، ويرى انّ التفاوض هدفه الوصول الى نقطة ثالثة بينهما؟ في حين انّ الموقف اللبناني ينطلق من تصوّره لحق لبنان بمساحة 2290 كلم2 كما تبيّن خريطته الأخيرة التي تتعارض مع الخريطة المرفقة بالمرسوم 6433 ومع ما جاء في اتفاق الإطار؟

ويبقى أن نشير الى الموقف الأميركي الذي يتمسك باتفاق الإطار ما يعني عدم الأخذ بالوثائق المرجعية اللبنانية، ويتمسك بالمرسوم 6433 وخريطته ما يعني حصر التفاوض على 860 كلم2، وهو بذلك يتماهى مع الموقف الإسرائيلي المعلن.

في ظلّ هذا المأزق الذي يبدو مزدوجاً وليس كما يحصره البعض في المساحة المتنازع عليها، نرى انّ السير بالتفاوض وفقا لما تريد «إسرائيل» وتضغط أميركا وتدّعيان انه اعمال او التزام باتفاق الإطار اّن ذلك من شأنه أن يهدر حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية. والأخطر من ذلك وهنا بيت القصيد يكرّس تنازلاّ لبنانياً خطيراً عن حق لبنان الثابت بحدوده الدولية البرية كما يؤدي الى الإقرار اللبناني بسقوط اتفاقية الهدنة 1949 فضلاً عن انه يقود الى حرمان لبنان مما توليه له اتفاقية قانون البحار 1982 من حقوق ومكتسبات، وكلّ ذلك يعتبر تنازلاً او تفريطاً بحقوق وطنية لبنانية لا يملك أيّ شخص مهما كان موقعه في الدولة صلاحيّة التصرف بها.

ولهذا نرى انّ الخروج من المأزق القائم ينبغي ان يكون بالعودة الى الأصول وتصحيح الأخطاء السابقة من دون أن يكون في التصحيح أخطاء تستدعي التصحيح أيضاً ومن دون ان يتسبّب التصحيح بمأزق يعقد الأمور ويصعّب الخروج منه. ولهذا نرى انّ على لبنان أن يلجأ الى الخطوات التالية:

الخطوة الأولى: توجيه كتاب الى الوسيط الأميركي والى الأمم المتحدة يتضمّن الموقف اللبناني من الوثائق المرجعية الثلاث ويرفض رفضاً قاطعاً أيّ خروج منها او عنها أو تجاوزها وهي بالتحديد: اتفاقية بوليه نيوكمب 1923، اتفاقية الهدنة 1949 قانون البحار 1982، وهو كتاب ضروري ملحّ الآن حتى لا يفسّر الموقف اللبناني بأنه تنازل عنها ويشكل تنازله سابقة يبنى عليها مستقبلاً. وهنا لا بدّ من التذكير بمواقفنا السابقة الرافضة لعبارة «ترسيم الحدود البرية» لأننا كنا ولا زلنا نعتبر انّ مثل هذا القول أو الطلب فيه تفريط حتى الخيانة للحقوق الوطنية، وقد أظهر الموقف الأميركي – الإسرائيلي المشترك انّ هناك قراراً بإسقاط هذه الحدود والعودة الى ترسيم جديد ينتهك حقوق لبنان في أرضه.

الخطوة الثانية: إقرار مرسوم تصحيحي مع الأسباب التفسيرية الموجبة يعدل المرسوم 6433 /2011 الذي هو بذاته احتفظ بحق لبنان بالتعديل في حال ظهور معطيات جديدة، ويودع المرسوم الجديد الأمم المتحدة بعد ان يوقع بالإضافة الى رئيسي الجمهورية والحكومة من وزراء الدفاع والمال والأشغال، ويمكن إصداره كما بات عرفاً مستقراً عبر الموافقات الاستثنائية او عبر الدعوة الى مجلس وزراء استثنائي للحكومة المستقيلة، كما يمكن تعليق المفاوضات وتأخير صدور المرسوم حتى تشكيل حكومة جديدة تتولى هي عبر مجلس وزراء قانوني إقرار المرسوم ذاك.

وقلنا بتوقيع الوزراء الثلاثة عملاً بالنظام القانوني اللبناني القائم والمعمول به، حيث يطلب توقيع وزير الدفاع لأنّ الذي سيُرسم وسيعدّ الخرائط هو الجيش، وقلنا بتوقيع وزير المال لأنّ أملاك الدولة تدار من قبل وزارة المال، وقلنا بتوقيع وزير الأشغال لأنّ المرسوم السابق وُقّع من قبله. ولا ضرر من إضافة توقيع وزير الخارجية إذا اقتضى الأمر لكونه هو الذي سيخاطب من ذكرنا أعلاه.

الخطوة الثالثة: العودة الى التفاوض غير المباشر بعد إنجاز الخطوتين أعلاه، فاذا امتنعت أميركا و»إسرائيل» يُصار الى العمل بالخرائط اللبنانية فإن تعرّضت «إسرائيل» لعمليات التنقيب اللبناني يُصار الى المعاملة بالمثل على قاعدة توازن الردع المتبادل.

ومع هذه الإجراءات القانونية والإدارية هناك ما هو أهمّ برأينا، وهو وحدة الموقف اللبناني والتمسك بالحقوق الوطنيّة ودعم الموقف الرسمي ومنع حصول أيّ تصدّع فيه، وتجنّب التعنّت والتمسك بالخطأ او الانشغال بتحميل المسؤوليات عن الأخطاء. فالمسألة ليست من يخطئ ومن يصيب الآن بل المسألة هي قضية حقوق وثروات وطنية يجب ان تُصان وتُحفظ.

*أستاذ جامعي – باحث استراتيجي.

مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة جنوباً توقفت؟ هل تُستأنف؟ وكيف…؟

العميد د. أمين محمد حطيط

في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم أيّ قبل شهر من الآن، وبعد أن اطلعت على ما قيل إنه مواجهة بين لبنان والعدو «الإسرائيلي» حول طرح المطالب اللبنانية في الحدود البحرية التي انعقدت مفاوضات الناقورة غير المباشرة بين لبنان و»إسرائيل» لترسيمها، بعد هذا كتبت مقالاً تحت عنوان «صُدمت إسرائيل! فهل تنسف مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة؟”. كتبت هذا انطلاقاً من معرفتي بالطبيعة “الإسرائيلية” وتحليل أدائهم وسلوكياتهم في التفاوض، وبالفعل وصلنا اليوم الى وضع يشير إلى أنّ مصير المفاوضات بات تحت علامة استفهام كبيرة، ويكاد الموضوعيّ من المراقبين يقول بأن “إسرائيل نسفت المفاوضات أو تكاد”، فلماذا وصلنا الى هنا وهل تحقق ما كنا توقعناه؟

في البدء لا بدّ من التذكير بنظرة “إسرائيل” للتفاوض مع الغير، فـ “إسرائيل” تستثمر التفاوض أولاً من أجل كسب الوقت لإعداد شيء ما تفاجئ به خصمَها في سياق سياسة الأمر الواقع، أو تذهب الى التفاوض من أجل الاستحصال على تسليم أو إذعان الخصم بما تريد، فإذا اضطرت مرحلياً للتوقيع على شيء يستفيد الخصم منه فإنها تلحس توقيعها قبل أن تخرج من غرفة التفاوض والتوقيع، أيّ أنّ “إسرائيل” تريد التفاوض إما لكسب الوقت والتسويف وتنتهي المفاوضات إلى فشل، أو لانتزاع توقيع الخصم على إملاءاتها، أو توقع وتعطي شكلاً وتتنصل فعلاً من التنفيذ.

هذه الصورة ليست كلّ شيء في تعاطي “إسرائيل” مع الآخر والتفاوض معه لفصل النزاع على مطلب أو ادّعاء في مواجهة ما، فـ “إسرائيل” أيضاً تحب دوماً لعب دور الضحية في الوقت الذي تكون فيه تمارس دور الجلاد اللئيم، كما أنها تخشى على ما في يدها من مكاسب وتتجنّب الدخول في ميدان يؤلمها فإذا كان لدى الخصم من القوة ما يمكنه من إنزال ألم بها… هنا وهنا فقط وخشية هذا الألم تضطر “إسرائيل” للتفاوض المجدي، وللتنفيذ الفعلي على ما تمّ الاتفاق عليه، وبمعنى آخر إنّ “إسرائيل” التي لا تنظر إلا إلى مصالحها والتي لا تخشى إلا من القوة التي تؤلمها وتهدّد هذه المصالح، انّ “إسرائيل” هذه تحسب للخصم حساباً من خلال ما يملك من قوة وليس من خلال ما له من حق أو يكسبه القانون حق.

على ضوء ذلك ولأنّ لبنان يملك قوة مركّبة تحمي حقوقه في المنطقة الاقتصادية البحريّة جنوباً، دخلت “إسرائيل” معه عبر وسيط أميركي في تفاوض غير مباشر خلال السنوات السبع الماضية وعبر حركة مكوكية بين لبنان وفلسطين المحتلة، أفضت إلى ما أسمي “اتفاق إطار” التفاوض غير المباشر، الذي قيل فيه إنه وضع إجراءات التفاوض غير المباشر دون ان يتصل مضمونه الى الحق وأسسه.

لكن “إسرائيل” كما يبدو من تصرّفاتها بدءاً من الجولة الأولى الافتتاحيّة للمفاوضات غير المباشرة التي انعقدت في الناقورة في 14/11/2020 تصرّفت وكأنّ هناك اتفاقاً ما أبرم في المضمون تحت الطاولة، وأنّ وظيفة جلسات الناقورة إسباغ الشكل القانوني عليه، بمعنى أنها انطلقت مطمئنة الى أمور أساسية خمسة:

ـ الأول تخطّي المرجعيات القانونية التي تكرّس حقّ لبنان في الحدود البحرية وإخلاء أرضه براً من الاحتلال الإسرائيلي (اتفاقية بوليه نيوكمب – اتفاقية الهدنة – اتفاقية قانون البحار – القرار 425).

ـ الثاني حصر التفاوض بمساحة 862 كلم 2 هي المساحة الناشئة من خطي (1) و(23) ورأس الناقورة.

ـ الثالث التفاوض شبه المباشر وصفاً والمباشر فعلاً مع تحييد دور للأمم المتحدة من الرعاية وحصره في المسائل اللوجستية فقط.

ـ الرابع، القناعة بأنّ التفاوض لن يمسّ بأي مصلحة “إسرائيلية” تمّ تكريسها بالأمر الواقع مهما كانت طبيعة هذه المصلحة وتأثيرها على الحقوق اللبنانية.

ـ وأخيراً كانت “إسرائيل” مطمئنة الى انّ وجود الأميركي شاهراً سيف الضغط والعقوبات على رقاب المسؤولين اللبنانيين كافٍ وحده لإجبارهم على الإقرار والإذعان لما يُفرض عليهم “إسرائيلياً”.

بهذه الظنون أو الوعود أو التطمينات، ذهبت “إسرائيل” إلى الناقورة مطمئنة الى النتائج، لكنها صُدمت عندما شاهدت وسمعت وعاينت أداء الوفد اللبناني الذي كذّب ظنونها وتصوّراتها في كلّ ما كانت ذهبت إليه، حيث إنّ الوفد تمسك منذ اللحظة الأولى بالاتفاقيات المرجعية الأساسية التي أسقطها “تفاهم الإطار”، وتعامل مع الأمر على أساس أنّ كلّ ما كان قائماً قبل التفاوض يبقى خارج خيمة التفاوض وأن لبنان جاء ليثبت حقه وفقاً للقانون الدولي، وليس هو هنا ليبني على أخطاء ارتكبت أو وعود قطعت أياً كان المرتكب او الذي قطع الوعود طالما انّ الوضع بقي من دون اتفاق ملزم بين لبنان وبين “إسرائيل”، فأخطاؤه التي لا تكون “إسرائيل” طرفاً فيها لا تنال منها حقاً مكتسباً ولا تقيّده تجاهها.

وبهذا تجاوز الوفد مساحة الـ 862 كلم2 التي قيل إنها صلب النزاع، أما بين المباشر وغير المباشر فقد حرم الوفد اللبناني “إسرائيل” فرصة التقاط صورة ولو يتيمة معه او توجيه خطاب مباشر له، وأخيراً فإنّ لبنان وتحديداً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتولى أمر التفاوض والإشراف المباشر عليه بمقتضى الدستور، وهو حق حصري له، انّ لبنان بشخص رئيسه لم ترعبه أميركا وعقوباتها، رغم أنها أنزلتها بالوزير جبران باسيل صهر الرئيس ورئيس التيار الوطني الحر، وبقي متمسكاً بحقوقه لا يعترف لأحد بمصالح تمسّها رغم الترهيب والتخويف والضغط التي تمارسه أميركا عليه.

وهكذا يكون لبنان قد خيّب العدو “الإسرائيلي” وأجهض آماله من المفاوضات، وطالت الخيبة أميركا التي تصوّرت أنها في المئة يوم الأخيرة من ولاية ترامب ستهدي “إسرائيل” من لبنان حدوداً بحرية تستجيب لمطالبها ولمصالحها، وصورة ثنائية يعتدّ بها لتكون خطوة على طريق التطبيع الذي أطلقت “إسرائيل” مع حكام الخليج قطاره.

إنها خيبة مزدوجة للأميركي و”الإسرائيلي” على حدّ سواء، ولأننا نفهم الطبيعة “الإسرائيلية” فإننا توقعنا أو تصوّرنا انّ “إسرائيل” ستسعى الى نسف المفاوضات التي أتت بالنسبة لها عقيمة طالما أنها لن تستجيب لطموحاتها، وهذا كان بالفعل المطلب “الإسرائيلي” بوقف التفاوض الآن وتأجيله الى أجل غير مسمّى تنتظر فيه “إسرائيل” معالجة الوضع والقرار في لبنان بواحد من أربعة حلول:

ـ الأول خضوع العماد ميشال عون تحت وطأة الضغوط الأميركية القاسية جداً، والتي جاء بها الأميركي بالأمس شاهراً سيفه عليه وعلى دائرته الشخصية وعلى لبنان تجويعاً وانهياراً وفراغاً سياسياً، خضوعه والعودة الى ما تقول به “إسرائيل” اتفاقات تحت الطاولة والاكتفاء بـ 500 كلم2 “منحها” فريدريك هوف للبنان يوم كان يقود الوساطة مع “إسرائيل” في العام 2014.

ـ الثاني انتظار انتهاء ولاية العماد ميشال عون في حال تمسكه بالحقوق اللبنانية، والتعويل على رئيس جمهورية جديد يأتي خلفاً له ويكون سريع التنازل كما هو حال الحكام العرب الآخرين، وهنا يكون على الجميع انتظار سنتين تقريباً من الآن لانطلاق التفاوض، هذا إذا رأت اميركا حاجة إليه ولم تقدم على توقيع اتفاق تعدّه هي في واشنطن وتأتي به الى لبنان لأخذ توقيعه.

ـ الثالث انتظار وقوع مواجهة عسكرية بين لبنان و”إسرائيل” تنتصر فيها الأخيرة التي تعدّ نفسها دائماً لحرب على المقاومة، وعند ذلك لا تكون “إسرائيل” بحاجة الى توقيع اتفاق او تفاوض عليه، بل ستكون سياسة الفرض بالأمر الواقع كما هو حالها مع الاستيطان او احتلال مزارع شبعا. او أصل احتلالها لفلسطين.

ـ إدراك “إسرائيل” بأنّ أيّاً من الأوضاع الثلاثة لن يتحقق، واضطرارها لبتّ النزاع والانطلاق في التنقيب الآمن بعيداً عن صواريخ المقاومة، هنا ستضطر للعودة والمناورة ما استطاعت وهو احتمال غير قويّ.

أما لبنان فإنه بقي متمسكاً بالحلّ المنطقي والحقوقي والعقلاني الذي يقوم الآن – بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وارتضى بالتفاوض غير المباشر بالصيغة القائمة – موقف يقوم على الاستمرار بتفاوض غير مباشر وحمل “إسرائيل” على الإقرار بحقوق لبنان وفقاً لأحكام القانون الدولي العام، كما قدّمها وفده في الناقورة وهي حقوق تحميها القوة اللبنانية الثلاثية الأبعاد… قوة الحق قانوناً، وقوة الموقف رسمياً متجسّداً بالرئيس عون والوفد العسكري – التقني المفاوض، والقوة العسكرية ميدانياً من جيش ومقاومة، حقوق على أساسها يمكن استئناف التفاوض، وحتى حينه سيجد لبنان نفسه معنياً باستعمال القوة من أيّ نوع متاح لمنع “إسرائيل” من الاستثمار النفطي في المنطقة المتنازع عليها والتي تبلغ مساحتها 2290 كلم2 حسب الخرائط التي قدّمها الوفد اللبناني الى الناقورة.

*أستاذ جامعي – باحث استراتيجي

خطة «إسرائيليّة» خبيثة لحرف مفاوضات الناقورة عن مسارها…

العميد د. أمين محمد حطيط

ظهر تصرّف الوفد «الإسرائيلي» الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة، تصرّف المطمئنّ للمواضيع التي ستناقش وللنتيجة التي سيخرج بها والتي كما يبدو في نظره انّ أقلها الحصول على بضعة مئات من الكيلومترات من مساحة الـ 862 كلم2 التي يرى انّ النزاع محصور بها مع تجاوز للعدوان «الإسرائيلي» على الحدود البريّة بعد أن أطاح باتفاقية «بوليه نيوكمب» وألغى اتفاقية الهدنة وأنكر قانون البحار واعتمد ما فرضته «إسرائيل» من أمر واقع ونقل بعض العلامات الحدودية في الجنوب، ما مكّنها من اقتطاع أرض لبنانية ظناً منها انّ ما فعلت بات نهائياً على الأرض ولم يعد بحاجة إلا لإقرار لبناني وتوقيع على الأوراق، ولأجل ذلك كان إصرار منها ومن الوسيط الأميركي على إغفال «اتفاق الإطار» لاتفاقية «بوليه نيوكمب» ولاتفاقية الهدنة وقانون البحار والذهاب الى إسناد التفاوض على مرجعيات واهية لا تقدّم ولا تؤخّر في إثبات الحقوق اللبنانية في الحدود براً أو بحراً كتفاهم نيسان 1996.

لكن الوفد اللبناني فاجأ العدو «الإسرائيلي» في الناقورة بموقف علمي وقانوني صلب مبنيّ على عناصر ثلاثة أوّلها التأكيد على المرجعية الأساسية لاتفاقية الحدود 1923 والهدنة 1949 وقانون البحار 1982، والثاني انّ الوفد حدّد حقّ لبنان في حدوده والمنطقة الاقتصادية بالاستناد الى القانون وانه ليس وفد مساومة ربطاً بالضغوط، والثالث انّ شيئاً لا يقيّد الوفد اللبناني من الإجراءات والتصرفات السابقة لوضع يد السلطة الدستورية الوحيدة التي يخوّلها الدستور اللبناني التفاوض مع الخارج، وبالتالي كلّ ما حصل أو ما تمّ تداوله قبل أن يصل الملف الى يد رئيس الجمهورية وقبل أن يوافق عليه مجلس الوزراء ويصادق عليه مجلس النواب يبقى مشاريع او طروحات أولية تمهيدية وغير نهائية وتتيح إعادة النظر بها كلما ظهرت معطيات جديدة.

لقد صدم الموقف اللبناني هذا بما اتسم به من علم وقانون وتقنية والتزام وطني ووضوح، بالإضافة الى «الإسرائيليين» الوسيط الأميركي «النزيه» الذي أبدى استياءه ما جعله يشمّر عن ساعديه مجدّداً ليمارس موجة ضغوط جديدة متوازية مع حرب إعلامية ونفسية «إسرائيلية» قادها وزير الطاقة «الإسرائيلي» الذي ادّعى بأنّ لبنان غيّر موقفه سبع مرات، مشيراً الى المشاريع التمهيدية التي تمّ تداولها منذ العام 2007 من قبل جهات غير ذات صلاحيّة أو غير ذات اختصاص او بعمل مجتزأ لا يحيط بكامل جوانب القضية.

بيد أننا لا ننكر بأنّ هناك تداولاً إعلامياً لخطوط محدّدة قبل هذه المفاوضات بدءاً من خط (بي 1-1) ثم خط (بي1-23) ثم خط (رأس الناقورة – تخيلِت) ولكن كلّ هذه الخطوط لم تكن خطوطاً رسمية لبنانية، حيث انّ الخط الذي وقع مشروعه وفد السنيورة الى قبرص رفض من قبل الجيش وامتنع رئيس الجمهورية وتالياً مجلس الوزراء عن القبول به واعتماده واعتمد بدلاً منه وبموجب المرسوم 6433\2011 الخط المعروف بخط الـ 23 الذي صحّح الخطأ في مكان النقطة (1) وأبدلها بالنقطة 23 واحتفظ المسؤول اللبناني لنفسه بمراجعة هذا الخط إذا ظهرت معطيات جديدة.

وبالفعل عندما ظهرت معطيات جديدة متمثلة بصخرة تسمّى «جزيرة تخيلِت»، وبالعودة الى التفسير الدقيق لمواد قانون البحار وبالاستعانة بخبراء القانون الدولي وتفسير الاتفاقية بشكل دقيق توصّل لبنان الى رسم خطه النهائي الذي طرحه في المفاوضات في الناقورة، وهذا ما أبدى «الإسرائيلي» رفضاً له ودفعه للخروج من قاعة المفاوضات لافتتاح نوع آخر من التفاوض عبر الإعلام يقوده وزير الطاقة الإسرائيلي بمواقف يتوجه بها إلى رئيس الجمهورية مباشرة وفي ذلك خبث واحتيال ظاهر يريد منه العدو تحقيق مكاسب لم تتحقق له في انطلاق مفاوضات الناقورة. فهو يريد مفاوضات سياسية مباشرة تبدأ من الحدود وتصل الى الاستسلام والتطبيع. وهذا ما أعلنه صراحة وزير الطاقة الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ حيث قال موجهاً كلامه لرئيس الجمهورية «لو استطعنا الالتقاء وجهاً إلى وجه في إحدى الدول الأوروبيّة من أجل إجراء مفاوضاتٍ علنيّة ٍأو سريّةٍ لكانت لنا فرصة جيّدة لحلّ الخلاف حول الحدود البحرية مرة واحدة وللأبد»، وهو ينصب بهذا فخاً محكماً للبنان لا نرى أن الرد عليه سيكون إلا بالتمسك والتأكيد على الثوابت التالية:

1

ـ انّ المفاوضات في الناقورة هي مفاوضات عسكرية تقنية لا تمّت بصلة الى أيّ علاقة او نقاش او حوار ذي طبيعة سياسية، وبالتالي على وزير الطاقة الإسرائيلي التوقف عن مناورته الاحتيالية التي يغيّر عبرها طبيعة المفاوضات وينقلها من تفاوض عسكري تقني غير مباشر في الناقورة الى تفاوض سياسيين في موضوع الحدود والمصالح وبشكل مباشر عبر الإعلام ومباشر في أوروبا في لقاءات وجهاً لوجه.

2

ـ انّ المكان الوحيد لطرح الأفكار ومناقشتها وفي موضوع وحيد وحصري هو ترسيم الحدود البحرية وما يتصل بها، إن المكان الوحيد هو خيمة الناقورة، وانّ الجهة المكلفة بعرض الموقف اللبناني هي الوفد العسكري – التقني الذي لا يخاطب «الإسرائيلي» مباشرة ولا يجادله بل يعلمه بالمواقف ويردّ على مواقفه عبر وسيط هو الأميركي وتحت رعاية أممية تستضيف المفاوضات.

3

ـ انّ ما يدّعيه الإسرائيلي من تعدّد الخطوط وتقلب المواقف التي يظهرها لبنان لا قيمة له، حيث إنّ الموقف الرسمي الوحيد السابق لمفاوضات الناقورة هو الكتاب الذي وجّه للأمم المتحدة في العام 2011 واعتمد خط الـ 23 محتفظاً لبنان لنفسه بحق مراجعته مع ظهور معطيات جديدة، والآن أجريت المراجعة بعد ظهور المعطيات وطرح الخط النهائي في الناقورة.

4

ـ إنّ لبنان في الناقورة يخوض مفاوضات تقنية قانونية ليست لها طبيعة سياسية، وبالتالي انّ قواعد العلم والقانون هي التي تفرض الموقف وتفرض خط الحدود ما يعني انّ أخطاء الأشخاص غير ذوي الصلاحية ليست من شأنها أن تكبّل لبنان وتطيح بحقوقه المكرّسة له وفقاً لأحكام القانون الدولي العام غير القابل للتجاوز، وليس من شأنها أن تعطي «إسرائيل» حقوقاً مكتسبة من أعمال قانونية غير مكتملة لا بل باطلة، لأنها تمّت من قبل جهات غير ذات صلاحية دستورية فضلاً عن انّ «إسرائيل» لم تكن طرفاً فيها وانّ لبنان او الأطراف الأخرى لم يعملوا بقواعد التعاقد لمصلحة الغير خدمة لـ «إسرائيل».

5

ـ إنّ خط الحدود البحرية الوحيد الذي يناقش مع «إسرائيل» هو الخط الذي طرحه الوفد اللبناني في الناقورة وهو خط بُني على أساس اتفاقية «بوليه نيوكمب» التي تحدّد بدقة نقطة البدء في الحدود البرية التي هي نقطة الأساس في الحدود البحرية والتي هي نقطة صخرة رأس الناقورة، وعلى اتفاقية الهدنة واتفاقية قانون البحار، وان تجاوز اتفاق الإطار لهذه الوثائق وعدم نصه عليها ليس من شأنه أن يسقطها ويحرم لبنان من القوة القانونية والتقنية التي توليها الوثائق لموقفه.

6

ـ على «إسرائيل» ان تناقش بالعلم والقانون والطبوغرافيا وان تعترف بالحق اللبناني، أما تحوير التفاوض والذهاب به الى دهاليز السياسة والتاريخ والتصرفات السابقة مع الاتكال على العقوبات الأميركية فإنه لن يكون مقبولاً ولن يجدي نفعاً لأنّ لبنان يعمل بمنطق «الثبات الصلب على الحقوق دون تنازل«.

على ضوء هذه الثوابت سيحدّد مصير المفاوضات في الناقورة، فإنْ أصرّت «إسرائيل» على إخراج المفاوضات غير المباشرة عن مسارها والبحث عن إطار جديد، كما أعلن وزير الطاقة فإنها تكون قد اغتالت مفاوضات الناقورة وأنهتها، وإنْ أرادت أن تتكل على أخطاء وحكايات تاريخية فإنها تكون قد وضعت المفاوضات أمام حائط مسدود يؤدّي بها الى الفشل او التوقف والتأجيل، إما إذا أرادت نجاح المفاوضات فإنّ عليها العمل بالمنطق القانوني والإقلاع عن المحاولة الاحتيالية الخبيثة التي يقودها وزير الطاقة «الإسرائيلي» بدعوته الى التفاوض السياسي الذي بدأه الآن عبر الإعلام مع رئيس الجمهورية مباشرة متجاوزاً الوفد المخوّل بالتفاوض. ويريد أن يطوّره الى لقاء مباشر ثنائي في أوروبا يمهّد للتطبيع الذي تطمح إليه «إسرائيل» مع لبنان!

مقالات مرتبطة