البرغي

 السبت 13 تشرين الثاني 2021

البرغي - أنواع وقياسات مختلفة من البراغي
إبراهيم الأمين كما عرفته..وأعرفه! – الحوار نيوز

سياسة  ابراهيم الأمين 

لم أكن يوماً مضلَّلاً، أو تعرضت للغش ولم أكن أعرفك. بل كنتُ أرى فيك صحافياً ناجحاً، وأقبلُك كما أنت. صحافياً نمت علاقاته المهنية والشخصية كغيره في ظل هذا النظام الذي تقول اليوم إنك ضده.

لكنني أعرف، ولا ينتقص ذلك منك شيئاً، أنك لم تكن يوماً رأس حربة، لا ضد الوصاية السورية، ولا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما لم تكن يوماً رأس حربة في مواجهة الظلم والتعسّف والدولة الأمنية اللبنانية والعربية والدولية التي حكمت لبنان باسم التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري. ولا في مواجهة الفساد الذي أطل برأسه قبل وأثناء وبعد رحيل رفيق الحريري.

ولم أكن، كغيري، لأطالبك بما لا تريده أو لا قدرة لك عليه. لم يسألك أحد، في «الأخبار»، لا قبل 17 تشرين ولا بعده، عن علاقاتك الوطيدة بكل أركان النظام، من رؤساء جمهورية وحكومات ورئيس مستمر لمجلس النواب وحاكم دائم لمصرف لبنان، ولا عن علاقاتك الوثيقة بكل نادي الوزراء والنواب وقادة الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية وأركان «الاقتصاد الحر»، وبكل زعماء القبائل اللبنانية، والقيادات الحزبية على اختلافها. كما لم يسألك أحد عن نفوذك القوي في قلب الدولة العميقة التي أدارت البلاد ولا تزال، والتي قرّرت أنت، في لحظة ما، الثورة ضدها.

حتى في سياق عملك المهني مع بيار الضاهر، الرجل الذي حار ودار ولم يتوقف عن القيام بكل ما يقنع أو لا يقنع، لحماية المؤسسة، كنت أنا ممن يحترمون حقّك في الحفاظ على مسافة تقيك شرّ الظلم المهني، وتمنحك عدلاً حتى في العقد المالي المجحف مع هذه المؤسسة، وما كان أحد يلومك على كل أنواع التسويات التي أبرمتها باعتبارها حقاً لك.

وعندما كتبتُ دفاعاً عنك في «الأخبار»، قبل تسع سنوات، في وجه من أراد النيل من حريتك، لم أفعل ذلك محاباة أو مراضاة، وأظنّك تعرفني جيداً، وتعرف أنني ما كنت لأقف صامتاً عندما يصيب الظلم أياً كان. أنت شخصياً، تعرف، عن قرب، موقف سعد الحريري مني شخصياً ومن الجريدة. مع ذلك، وحْدنا في «الأخبار» دافعنا عنه يوم اعتقله الدبّ الداشر، بطل العروبة الأغرّ كما تصورونه في قناتكم اليوم. فعلنا ذلك عن قناعة، بينما ران الصمت على كل المنصات، بما فيها حيث كنت تعمل، وحيث تعمل اليوم.

لكن، ثمة ما تغير فيك يا عزيزي، ومنذ ما قبل مغادرتك المؤسسة اللبنانية للإرسال. ما تغير لم يكن (فقط) تعبيراً عن طموح مهني محقّ في تطور تطمح إلى تقديمه، بل هو أنك قررت في لحظة سياسية ومهنية ومالية – وهذا خيارك الحر أيضاً – أن تنتقل إلى ضفة لها وجهها الأكثر وضوحاً في الإعلام، وفي السياسة والاقتصاد والاجتماع أيضاً. قرّرت أن تطلّ، هذه المرة، من بوابة مفتاحها في يد شاب تعرف، وأعرف، ما الذي جرّب فعله في العديد من المحطات، حتى إبان اعتقال صديقك الحريري الذي لم تنتفض يومها من أجل حريته الشخصية أو دفاعاً عن كرامة بلدك. مع ذلك، لن ألومك على عدم الإقدام على فعل لست مقتنعاً به، أو لا قدرة لك عليه.

«صار الوقت»: هدية مصرفية إلى «الديمقراطية» اللبنانية

ما حدث، يا عزيزي، أنك انضممت إلى ماكينة تعرف مسبقاً إلى أين تقود. وصدمتي أنك قبلت بأن ينتهي بك الأمر مجرد «برغي» في ماكينة صدئة لا تملك فكرة أو قولاً أو عملاً أصيلاً، وقبلت الانضواء في برنامج قاده أنطون الصحناوي الذي رتّب كل عملية انتقالك إلى محطة الـ«مر تي في». وأنت تعرف، أيضاً، أن آل المر لا يفعلون سوى بيع الهواء. ويسرقون الأفكار مما هو رائج في الغرب، كما سرقوا الإنترنت والاتصالات أيضاً بحسب التحقيقات والأحكام القضائية. وهم اليوم يعرضون منصتهم لمن يدفع أكثر. ولا مانع لدى ابن المر في أن يختار الشاري الآلية التي تناسبه للتمويل، مباشرة أو عبر رعاية إعلانية أو غيرها. فالمهم، بالنسبة إليه، هو أن يحتل الموقع الأول في عالم «التتفيه» لا «الترفيه»، على ما كان يقول الراحل رمزي نجار. لكن الرجل لم يعد يكتفي بذلك. ولو أنك قرأت تفاصيل مفاوضاته مع السعوديين لبيعهم حصصاً في قناته، لكنت عرفت، وأعتقد أنك تعرف جيداً، مع من تعمل. فالرجل اليوم مصاب بعارض أصاب كثيرين في لبنان. من المخلّص سمير جعجع الذي أرسله الله لتطهيرنا من خطيئتنا الأصلية والمستمرة فينا، مروراً بالمحقق العدلي الذي نزل عليه وحي إلهي بإنقاذ لبنان من الفاسدين والزعران، وصولاً إلى «الثائر» ميشال المر الذي لن يقبل بأقل من كتلة نيابية يقودها من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني، بعدما قاد عملية تحرير لبنان من الاحتلال السوري… ألم يقل هو ذلك؟

لم أكن يوماً مضلّلاً حيالك. تعلم جيداً أنني أعرفك، وأعرف من أي بيت خرجت، لذلك أحزن على ما آلت إليه أمورك، وعلى أنك صرت واحداً ممن يرى فيهم الناس بومة تحرض على الفتنة. كما أحزن كيف تعطينا درساً في أصول العمل الصحافي، من دون أن تكلّف نفسك التدقيق قليلاً قبل استقبال «شاهد» مسكين أنقذه تقرير طبي من ورطة كان برنامجك مدخلاً لها.

مارسيل غانم إعلامي جريء ينتظره اللبنانيون كل خميس | صلاح تقي الدين | صحيفة  العرب

وحْدنا في «الأخبار» دافعنا بقناعة عن سعد الحريري يوم اعتقله الدبّ الداشر، بطل العروبة الأغرّ كما تصورونه في قناتكم اليوم، بينما ران الصمت على كل المنصات


ثم، هل أنت مقتنع حقاً بأن السعودية وسفارتها في بيروت ومخابراتها المتخلفة لا تقرّر كل كبيرة وصغيرة ليس في قناتك فحسب، بل في كل النادي السياسي الذي انضممت إليه من دون مقدّمات؟

ألا تعرف أنت، وتفصيلياً، عن دور السفارة الأميركية في عوكر، ومسؤولين في واشنطن من أصدقاء الصحناوي، في رعاية «إعلام التغيير»، ومنه القناة التي تعمل فيها، وتوفير التمويل، رغم أن بين الأميركيين، في بيروت وفي واشنطن، من لا يستهضم ابن المر نفسه. ومع ذلك، يساهمون في تمويل ودعم «التدريب على الديموقراطية» في الإعلام اللبناني، وفي برنامجك بالتحديد. وهل تعتقد أن الوثائق التي تكشف عمليات التمويل والتجنيد، ولو صُنّفت على أنها فائقة السرية، عصية على أن تصبح متاحة بفعل قوانين وقواعد وأعراف… وفوق ذلك بقدرة وإصرار من يريد أن يعرف أيضاً…

ألم تسأل نفسك يوماً، أو هل حاولت أن تعرف، عن مصير الداتا التي تخص كل من يريد المشاركة في البرنامج حضوراً أو مساهمة في صفوف الجماهير – عفواً الجمهور. لن أسألك عن كيفية الاختيار بينهم، لكنني أسألك إن كنت تعلم بمصير الداتا – وما هو أكثر – التي تحوي الأسماء وأرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم، والتفاصيل الخاصة بميولهم السياسية وطوائفهم ومذاهبهم وتعليمهم وأين يعيشون وماذا يعملون؟

هل فكرت من يستعمل هذه الداتا، وكيف صُرف جزء منها في حراك تشرين وما بعده في المجموعات التي نبتت كالفطر، و«صودف» أن الثائر الأممي ديفيد شينكر، ومن سبقه وخلفه، ظلوا يعملون على الاستثمار فيها؟

ألا تعرف أن كل البرنامج الأميركي عندما تقرر تفعيله في لبنان وتمت ترجمته إعلامياً عبر أشكال مختلفة في مقدمها رعاية «قنوات الفتنة»، كانت المهمة وحيدة، وعنوانها أوضح من الشمس: شيطنوا حزب الله وما يسمى المقاومة وأنصارها، واضربوا التيار الوطني الحر من ميشال عون وجبران باسيل إلى آخر نصير لهم، واصرخوا عالياً، ولو شمل سبابكم غالبية الشعب اللبناني.

لماذا يهتاجون لتحقيق هذا الهدف، وهل من مشكلة عندهم مع المقاومة غير أنها تهزم إسرائيل وتقاوم بقية الهيمنة الأميركية في بلادنا، وتتصدى لشياطينهم؟

وهل أنت مقتنع فعلاً بأن برنامجك لم يتحول منصة لشعارات وأحقاد تعيدنا إلى أيام المحافظين الجدد الذين أرادوا تغيير وجه الكون بعد 11 أيلول؟ ولا بأس لو سُمح لك، نعم لو سُمح لك، بتلوين المشهد بأصوات «الرأي الآخر»، على طريقة ما فعلته القنوات التي فتحت باب التطبيع مع العدو. أم أنك تصدق الرواية عن تدريب الشباب اللبناني على الحوار والديموقراطية، وصرت تعتقد فعلاً أنك صاحب دور استثنائي لا يقتصر دوره على صداقة الطبقة السياسية، بل على صناعة بديلها أيضاً.

اقرأ الفقرة التالية وابحث عن مصدرها – وأعتقد أنه ليس مستحيلاً عليك العثور عليه، أما بقيتها فجرّب حظك – وفيها يرد الآتي: «يأمل مارسيل غانم والـ mtv بأن نشر ثقافة المناظرة في لبنان وإثبات قدرة التلامذة على النقاش سيفسحا المجال لاستضافة أولى المناظرات في لبنان بين القيادات السياسية الوطنية قبيل الانتخابات النيابية القادمة التي يفترض أن تقام في عام 2022».

أسفي عليك كبير لأنك قبلت أن تكون «برغياً» في ماكينة صدِئة، لن تنفع أموال الدنيا في إعادتها إلى العمل. وإذا كنت لا تجيد القراءة، وهذا أمر غريب عليك، فتذكّر بأن ما أشرتُ إليه في مقالتي عن دور وليد البخاري لا صلة له بالفيديو الذي وُزّع بعد الحلقة. وأنت تعرف أنني لست بالخفة التي تجعلني أصدق كل ما يشاع من هنا أو هناك، ولديّ مثلك، أو أقل منك، خبرة في كيفية إدارة الحلقات عن قرب أو عن بعد. ويمكنك أن تسأل العزيز جورج، الذي حدثته عن الحلقة وعن الفيديو نفسه، وكررتُ على مسامعه ما قلتُه له مرات ومرات من ملاحظات كنت أشعر دوماً أنني ملزم بها من باب الحرص. وأقرّ هنا، علناً، بأنني أهملت من تسريبات «أقبية السوء» في ممالك القهر والإذلال، ما كتبه سفراؤهم أو نسبوه إلى غيرهم، قولاً وتوصيفاً وتقديرات… أهملتُ عن وعي كل ما قد يشكّل إساءة لك، وخاصة أنني أحفظ للراحلة والدتك، ولو عن بُعد، مكانتها الخاصة، كما حفظت الودّ لجورج ودوللي، ولك أيضاً.

أما وأنك تلبّستَ دور البطل القادر على هزم جيوش وتحرير البلاد وقيادة العباد إلى الصالح، وقررتَ دخول معركة تستخدم فيها ما تعتقد أنه حق لك، واستلّيت من الكلام سيوفاً أثقل من قدرتك على حملها، وشتمت وحقّرت واستخدمت ما وجدته مناسباً في القول والنبرة والاتهام… فلا مانع من المنازلة.

لكن، نصيحتي لك، احصر معركتك معي ومع «الأخبار»، ولا تقحم حزب الله في الأمر. وأنت، كما جورج، والبقية، تعرفون جيداً على أي أرض أقف أنا ورفاقي. كل ما أنصحك به هو التالي: واجهني مباشرة، وها أنا أبلغك مسبقاً بأن ليس في مقدورك اختيار المسرح والتوقيت والطريقة. وبما أننا نعمل في منصات تمثل كل أسلحتنا، فدعوتي لك بأن تكون في المرات المقبلة أقل توتراً وأكثر استعداداً!

مقالات متعلقة

صبية السفارة….صيدا تصوّب البوصلة

See the source image

ابراهيم الأمين 

الخميس 17 كانون الأول 2020

«اللي بجَنبو مسلّة بتنعَروا»!

التسريبات عن دور الحكومات الغربية في رعاية «الأنشطة المدنية التغييرية» ليست جديدة. والمعلومات المتداولة كثيرة حول أدوار تفصيلية تقوم بها هذه الجهة أو تلك. وفي كل مرة، يلجأ المشار اليهم بعنوان «المتعاونين» مع هذه الجهات الدولية الى الاحتجاج، بعد إشهار ما يخص «تعاونهم»، سواء على شكل محاضر اجتماعات جرت معهم (وثائق الخارجية الاميركية)، أم على شكل خلاصات وتوصيات تشير الى أدوارهم (وثائق السعودية والامارات). مع ذلك، يمارس هؤلاء دفاعاً فيه حياء من يشعر بأنه بات من دون غطاء، إلى درجة تستحق الشفقة، كما هي حال معارضين سوريين (تحولوا إلى أدوات في معركة تدمير الدولة والمجتمع في سوريا) امتنعت «الأخبار» – عن سابق تصميم – عن نشر ما يتعلق بـ«تعاونهم» أيضاً، رغم أن تفاصيل ذلك باتت مباحة على موقع «ويكيليكس»!

لكنَّ ثمة أمراً غريباً يحصل منذ أيام في بيروت. لم تنشر «الأخبار» سوى الاطار العام للوثائق المسرّبة من جهات بريطانية حول برامج الدعم التي قدمتها حكومة صاحبة الجلالة الى «المتمردين» في لبنان. ما نُشر لا يُقارن بما نُشر سابقاً حول البرامج نفسها في سوريا، ولا يمثّل سوى رأس جبل الجليد في ملفات موثّقة، بصورة رسمية وغير رسمية، حول تفاصيل العمل البريطاني المستمر في لبنان منذ عقدين على الاقل، مع حرارة أعلى منذ نحو عقد. مع ذلك، ثارت ثائرة «صبية السفارة» ممن استشعروا «خطر» الكشف عن صلاتهم العميقة بهذا المشروع، وبادروا الى حملة ردود لها عنوان واحد: إذا كنا متّهمين بالعمالة للغرب، فأنتم عملاء لإيران… ما يعني عودة من جديد الى لعبة الأشقياء المحبّبة والتي لها عنوان واحد: «بيّي أقوى من بيّك»!

حقيقة الأمر تكمن في أن هذه المجموعات وعدت مشغّليها بكثير من الانجازات. أساساً، لم تتحمّل رؤوس هؤلاء أورام 17 تشرين عندما تخيّلوا أنفسهم أمام قصر الشتاء في لينينغراد، وهم الذين لم يتقدموا مرة واحدة صفوف الشباب المحتج. بل كانوا يتكلون، طوال الوقت، على «أطفال اليسار» أو «فقراء الضواحي وطرابلس». وإلا، هل في ذاكرة أحد خبر عن اعتقال أحد هؤلاء أو توقيفه أو ضربه من قبل جلاوزة السلطة؟ لم يحصل ذلك… ولن يحصل، لأن هؤلاء الصبية تعلّموا وتدرّبوا ليتولّوا إدارة البلاد، ولكي يُطلّوا منظّرين على الشاشات، خصوصاً «شاشات الثورة» التي اهتمت بها مشاريع صاحبة الجلالة ايضاً، تماماً كما تهتم بها اليوم مشيخة الامارات العربية المتحدة أو برنامج الدعاية الاميركية؛ إذ لم يعد سراً ما تدفعه دولة الامارات والولايات المتحدة لقنوات «الجديد» و«مر تي في» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» مقابل خدمات التحريض ضد حزب الله، حيث أمكن، وضد حلفاء الحزب، حيث يجب. ولن تكون مقدمة نشرة أخبار «الجديد» المليئة بالقبح والحقد والسفالة تجاه الرئيس ميشال عون، قبل يومين، آخر الأنشطة الثورية لهذه الموبقات الموجودة على شكل هياكل خراسانية أو بشرية!

المهم أن هؤلاء «الصبية» انزعجوا من فتح الملف فقط. وهم في حال قلق من المستور الذي لم يكشف بعد. وربما يدرسون، الآن، كيفية إعادة النظر في حساباتهم، لأنه عندما تُنشر أرقام الاموال التي حصلوا عليها، ستطرح الاسئلة في دوائرهم الضيقة، وعندما تُنشر البرامج سيسأل القريبون منهم عن حقيقة ما أنجز. إلا أن هذا القلق لم يجعل توترهم يقتصر على الهجوم الأعمى دفاعاً عن أنفسهم، بل دفعهم الى قطع «شرش الحياء»، لأنهم وجدوا أنه لم يعد هناك من داع للتبرؤ من الانتماء الطوعي الى مشروع له هدف واحد أحد: ضرب المقاومة في لبنان، سواء كان ذلك عبر تدمير الدولة بحجة مكافحة الفساد، أم تدمير المؤسسات بحجة أنها خاضعة لسيطرة حزب الله، وشن حملة إعلامية بأدوات مختلفة تحت عنوان الدفاع عن الحريات، من «تمكين المرأة» و«حقوق المثليين» الى «إدارة النفايات الصلبة» وتقليص حجم القطاع العام بحجة تطهيره من حشو أزلام السلطة.

ما نُشر حول تفاصيل العمل البريطاني في لبنان لا يمثّل سوى رأس جبل الجليد في ملفات موثّقة


هؤلاء الصبية لا يهتمون لبقاء شيء في لبنان، ويظهرون استعدادا لتدمير صروح من داخلها. ترى، مثلاً، كيف يتصرف «العلمانيون» الذي حصدوا الحكومة الطلابية في الجامعة الاميركية مع خطط فضلو خوري وبرامجه لتدمير الجامعة وتفريغها من أصحاب الرأي الآخر وإبعاد الخبرات الجدية ودفع كثيرين الى الهجرة، بحجة تقليص النفقات، وهو الذي لم يقل لنا ما هو حجم التبرعات التي حصلت عليها الجامعة لترميم ما دمره انفجار المرفأ من زجاج فيها. هل لأحد أن يسأل عن الرقم؟ ما يقوم به خوري في هذه المؤسسة بات يرقى الى مصاف التآمر على تدمير صرح كبير، لأنه صار واحداً من مجموعة تعتبر أن بيروت لا تستحق مؤسسة لها سمعة أكاديمية مقبولة، إلا في حال صمتنا عن سوء سمعتها الأخلاقية والسياسية، وامتنعنا عن التدقيق في طريقة إدارتها اليومية لشؤون العاملين فيها، علماً بأنه في الوقت نفسه الذي قرر فيه رفع الاقساط بنسبة 160 في المئة، وهو يعرف أن النتيجة تعني إبعاد ثلث الطلاب من ذوي الاصول الاجتماعية المتوسطة، أطلق معركة في وجه العاملين بعقود مع الجامعة (غير المتفرغين)، أي ممن لا يتقاضون راتباً شهرياً مع بدلاته وضرائبه. فوضع ميزانية لهم تجعل عملهم أقرب الى السخرة، صارفاً لهم زيادات لا تتجاوز قيمتها ثلاثين دولاراً، فيما يوقّع عقوداً خاصة لمن يعملون على العلاقات العامة بآلاف الدولارات الطازجة شهرياً. أكثر من ذلك، فقد قرر تعديل آلية احتساب مداخيل العاملين لديه من حملة الجنسية الأميركية، بقصد رفع نسبة الضريبة على دخلهم، والنتيجة، أنه يحتسب الدخل على أدنى سعر للصرف، بينما يدفع للحكومة الأميركية ضرائب أكبر… لكن بالدولار الطازج نفسه.

«صبية السفارة» هؤلاء «يصادف» أنهم تلامذة وأساتذة ومتعاونون ومتعاملون وخبراء في «دكانة فضلو خوري وشركاه». وهؤلاء يريدون اليوم نقل المواجهة الى مستوى جديد، لكنهم لا يزالون يخشون إشهار علاقتهم بالغرب الاستعماري، ويرفضون الإقرار بأنهم يعملون عنده وفي خدمة أهدافه. ولو كان بينهم من يملك شجاعة القول لخرج علينا ليقول: نحن أحرار في اختيار الدولة التي نتأثر بأفكارها، وفي اختيار الجهات والحكومات التي نعمل وفق برامجها، وفي تلقّي الأموال من دون الحاجة الى شروحات أو توضيحات أو تبريرات.

لكن مهلاً. هل تعتقدون أنكم إذا رفعتم صوت صراخكم فستوقفون عملية فضحكم، أو أن ذبابكم الإلكتروني قادر على غسلكم من عار التآمر على أبناء بلدكم والمشاركة في ارتكاب أفظع الجرائم في حقهم، والتورط في أكبر عملية إعداد لأكبر عدوان وحشي يعدّ له الغرب على لبنان، أو أن كل برامجكم عن محاربة الفساد والدفاع عن الحريات ستؤهلكم لقيادة البلد… اللهم إلا إذا كان ارتفاع معنوياتكم سببه رأفة «أهل الأمر» بكم، أو لأنكم تشعرون بـ«وهم القوة» لأن مموّليكم في عواصم القبح قد أشهروا علاقتهم مع العدو؟

مشكلتكم أنكم مجرد صبية. لكن لم يتح لكم اللعب في أحياء طبيعية. لذا لا تجيدون الركل ولا حتى السباب. كل ما تعرفون القيام به، هو تقمّص شخصية الرجل الأبيض الذي حبذا لو تجيدون سماعه في تقييم أحوالكم كمجرد فقراء العقل وحقيري الأنفس!

البناء
صيدا تصوّب البوصلة

في خطوة غير عاديّة رغم كونها تعبيراً هو الأقرب لتاريخ هذه المدينة العريقة في نضالها الوطني والقومي، فصيدا هي ذات موقع وبصمة في كل تاريخ النضال لأجل فلسطين وهي عرين المناضل الوطني والقومي الشهيد معروف سعد ومن بعده نجله الشهيد مصطفى سعد، لكن السياق السياسي الراهن يجعل الموقف الاحتجاجيّ الفاعل الذي عطل زيارة السفيرة الأميركية الى بلدية صيدا ذا قيمة مختلفة، والإعلان عن إلغاء الزيارة من السفارة الأميركية لا تعوّضه صورة للسفيرة من القلعة البحريّة في ظل العواصف لمجرد القول إنها قبلت التحدّي وهي تعلم أن التحدّي كان ينتظرها وهربت.

قيمة الحدث بزاويتين جديدتين، الأولى أنه في زمن العقوبات الأميركية وانقسام الوسط السياسيّ بأغلبيته بين نصفين، نصف يتأقلم مع السياسات الأميركية ونصف يتفادى الظهور في الصفوف الأمامية للمواجهة، هذا بمعزل عن الذين يمثلون فرق التطبيل والتزمير للسياسات الأميركية، والاعتقاد السائد بأن الذين يقفون خارج كل ألوان هذا السياق جذرياً هم حكر على لون طائفي وعقائدي يتوسطه حزب الله، فتأتي المدينة الجنوبية التي كانت دائماً تمنح المقاومة بعدها الوطني والقومي بانتمائها الطائفي المختلف لتؤكد موقعها كعاصمة للمقاومة وتُعيد الكرة وتقول إن ليس للمواجهة مع السياسات الأميركية لوناً طائفياً.

الزاوية الثانية هي أن الذين قادوا الحراك بوجه السفيرة الأميركية لا ينتمون الى الخط العقائديّ الذي يمثله حزب الله، أي الخط الإسلامي، بل إنهم لا ينتمون الى أي من المجموعات الحزبية الكبرى التي تتصدّر المشهد الصيداوي، فالمجموعة التي نظمت التحرك هي مجموعة يساريّة قوميّة من الحزب الديمقراطي الشعبي الذي يمتلك في صيدا قاعدة نضالية متجذّرة وله حضور مميز في الحراك الصيداوي الذي مثل حضور صيدا في انتفاضة 17 تشرين ومن حوله مجموعات يسارية بعضها ينتمي للحزب الشيوعيّ وبعضها للتنظيم الشعبيّ الناصريّ.

نموذج حراك صيدا كما ظهر أمس يصوّب البوصلة الوطنية، في الرسالة التي يحملها للأميركيين، الذين ربما توهّموا أنهم نجحوا بترويض النخب اللبنانية والشباب اللبناني وهم يستقبلون عشرات نشطاء جماعات المنظمات «المدنية» طالبة التمويل، ومثلهم من الساسة التقليديين، وكذلك يصوّب الحراك الصيداويّ البوصلة في شأن الحراك نفسه فيقدّم نموذجاً لقيادة شعبيّة ميدانيّة فاعلة في الحراك تدرك حجم الترابط بين النضال لأجل التغيير وبين التمسك بخيار المقاومة.

مقالات ذات صلة