سدّ النهضة: من تهديد إلى فرصة؟

Visual search query image
*باحث وكاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
 زياد حافظ 

الملاحظة الأولى هي أنّ ما وصلت اليه الأمور هو نتيجة تراكم الإهمال المصريّ خلال العقود التي تلت رحيل القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر. فمصر خلال الخمسينيات والستينيات كانت منصة حركات التحرّر الأفريقية تجسيداً وتطبيقاً للرؤية الجيوستراتيجية التي بلورها القائد جمال عبد الناصر في “فلسفة الثورة” حيث الأمن القومي المصري يكمن في دوائر ثلاث: الدائرة العربية والدائرة الإسلامية والدائرة الأفريقية. كم كانت رؤيته الجيوستراتيجية ثاقبة آنذاك وكما هي صحيحة اليوم وفي الغد! لكن بعد رحيله أتيحت الفرصة للكيان الصهيوني التوغل في أفريقيا وبناء علاقات لم تكن ممكنة في وجوده وسياسته. الانكفاء المصري يعود إلى خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني ما سمح للحضور الصهيوني بقوة في القارة الأفريقية.

ونلاحظ أيضاً أن بعد رحيل جمال عبد الناصر تحوّلت منصة حركات التحرّر من القاهرة إلى الجزائر مع الرئيس هواري بومدين. لكن رحيل الرئيس الجزائري سنة 1978 في ظروف تثير الريبة والشكوك تلت زيارة السادات للقدس في تشرين 1977 ومن بعد ذلك دخول الجزائر في العشرية الدامية فقدت الحركة التحررية الأفريقية منصة مؤثرة في نموها. حاولت ليبيا في ما بعد حمل العباءة الأفريقية، لكن مع خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني غاب الدور العربي في أفريقيا وحيّدت محاولات القذافي للإمساك بالورقة الأفريقية. هذه الملاحظات تأتي للتأكيد على أنّ التوغّل الصهيوني في القارة الأفريقية لما كان لولا الغياب القسري العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص. فمن الواضح أنّ أعداء الأمة العربية في الغرب وفي الكيان وفي بعض الدوائر العربية يمنعون أيّ دور عربيّ في أفريقيا يساهم في تنمية القارة من جهة ويمكّن استقلال وسيادة الدول المكوّنة من جهة أخرى وأخيراً لحماية الأمن القومي العربي وفقاً لرؤية جمال عبد الناصر. كما أنّ تقسيم السودان وبناء سدّ النهضة استهدف السودان في مرحلة أولى تمهيداً لاستهداف مصر. فالمطامع الصهيونية في مياه النيل معروفة والحذر من قبل بعض الدول العربية من مصر تقاطعت لفرض الضغوط على مصر وترويضها.

على صعيد خاص، كنا شاهدين على نتائج الغياب العربي في أفريقيا وذلك من خلال عملنا في التسعينيات في إحدى مؤسسات البنك الدولي حيث كنا نغطّي أفريقيا الغربية. لاحظنا امتعاض نخب أفريقيّة من التوغل الصهيوني فيما بينما كانت تذكر لنا فضائل مصر في دعم حركات التحرّر في البلدان المعنية. ما نريد أن نقوله إنّ الرأس المال المعنوي الذي كوّنته مصر كان محفوراً في ذاكرة الدول الأفريقية سواء في دعم حركة التحرر وفي ما بعد في دعم الاقتصاد والتعليم. هذا الرأس المال بدّدته سياسات اللامبالاة بعد كامب دافيد المدمّرة التي تحصد نتائجها مصر اليوم وكأن مستلزمات كامب دافيد قضت بالتخلّي عن الدور الأفريقي لمصر كما تخلّت عن دورها في الصراع العربي الصهيوني.

الملاحظة الثانية هي أن المواجهة الحقيقية في موضوع السد ليست مع الشعب الإثيوبي الشقيق ولا حتى مع حكومته. أحد المتكلّمين في الندوة الدكتور محمد حسب الرسول وهو نائب أمين عام المؤتمر القومي العربي أعطى إضاءات هامة حول المشتركات والروابط المصرية والسودانية مع الشعب الإثيوبي. فهناك حوالي 70 بالمئة من سكان اثيوبيا من المسلمين وأن الكنيسة الإثيوبية من أعرق الكنائس ولها ارتباطات مع الكنيسة المصرية، وحيث كادت اللغة العربية تكون لغة رسمية تجعلها مرشحة للانضمام إلى الدول العربية. ما نريد أن نقوله هو أن المواجهة ليست مع الإثيوبيين شعباً وحكومة بل مع رأس الأفعى الحقيقي وهو الكيان الصهيوني الذي ساهم على أكثر من صعيد في بناء ذلك السد. وإذا كان سد النهضة يشكّل تهديداً واضحاً للأمن القومي المصري والسوداني وبالتالي العربي فإن المواجهة هي مع العدو الصهيوني المحتلّ أولاً وأخيراً.

التخلّي عن الدور الريادي المصري في الشأن الأفريقي مبني على نظرية تمّ ترويجها أن 99 بالمئة من أوراق اللعبة تملكها الولايات المتحدة وأن البوّابة للولايات المتحدة هي الكيان الصهيوني المحتل. بغض النظر عن صحة ذلك التقدير آنذاك، أي في السبعينيات من القرن الماضي، فإن موازين القوّة الدولية والإقليمية الحالية والمرتقبة تدحض تلك النظرية وبالتالي الخيارات والسياسة المبنية عليها يجب أن تخضع لمراجعة. فمصر مهدّدة شرقاً وشمالاً من الكيان الصهيوني والخلايا الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وغرباً من أيضاً من جماعات التعصّب والغلو والتوحّش، واليوم من الجنوب عبر خطر التعطيش، وجميع هذه المخاطر مرتبطة بالكيان الصهيوني المحتلّ وداعمه الأساسي الولايات المتحدة. ألم يحن الأوان لمراجعة تلك السياسات لمواجهة التهديدات؟ بل نقول أكثر من ذلك ونعتبر أنه بإمكان تحويل التهديد إلى فرصة انطلاقة جديدة عبر قلب الطاولة على الكيان وجعل من سد النهضة منفعة مشتركة لكلّ من مصر والسودان وبطبيعة الحال إثيوبيا عبر تشبيك إقليمي بين دول وادي النيل والقرن الأفريقي لا مكان للكيان الصهيوني فيه.

الملاحظة الثالثة هي أنّ التشبيك الاقتصادي بين بلاد وادي النيل والقرن الأفريقي يتكامل مع التشبيك المرتقب بين بلاد الرافدين وبلاد الشام من جهة، ومع مشروع التشبيك في دول المغرب الكبير من جهة أخرى. والتكامل بين هذه المكوّنات الأربعة يساهم في وجود كتلة عربية وإقليمية تتكامل مع مشروع الطريق والحزام الواحد الصيني والمشروع الأوراسي الروسي. المستقبل هو في الشرق وليس في الغرب والأفول الغربي هو أفول استراتيجي لا يستطيع أحد إيقافه أو حتى إبطاءه. والمشروع العربي النهضوي الذي نناضل من أجله هو في صميم المواجهة مع الكيان الصهيوني حيث بوجود الكيان لا شيء غير التجزئة والضعف والتخلّف والانقراض. أما المواجهة فهي تأتي بالوحدة وبالوحدة تأتي القوّة وبالقوة تأتي النهضة.

EGYPTIAN PARLIAMENT AUTHORIZES POSSIBLE DEPLOYMENT OF TROOPS TO LIBYA

Source

21.07.2020

Egyptian Parliament Authorizes Possible Deployment Of Troops To Libya

Egypt’s parliament on Monday unanimously approved the deployment of armed forces abroad if necessary to defend Egypt’s national security following the rapid expansion of Libya’s Turkey-backed Government of National Accord (GNA), which appears to be preparing for a major assault to capture the key coastal city of Sirte.

The stage is set for a dramatic escalation of the conflict in Libya, which appears to be certain to occur if the armed forces of the Government of National Accord and its major ally Turkey attempt to capture Sirte. They appear determined to do so, notwithstanding repeated warnings by Egypt’s president that Egypt will join the battle in force if this occurs.

Under Egypt’s constitution, the president, who is the supreme commander of the Armed Forces, shall not declare war or deploy troops outside the country without first seeking the opinion of the National Defence Council and the approval of a two-thirds majority of MPs.

Libya’s Tobruk-based parliament, the House of Representatives, has already granted permission for Egypt to deploy its armed forces in Libya if deemed necessary. Now, the Egyptian Parliament has cleared the way for any future deployment by President Abdel Fattah El-Sisi.

In an official statement following a closed-door session, the parliament said it “unanimously approved sending elements of the Egyptian armed forces in combat missions outside the borders of the Egyptian state to defend the Egyptian national security in the western strategic front against the acts of criminal militias and foreign terrorist elements until the forces’ mission ends.”

“The Egyptian nation, throughout history, has advocated for peace, but it does not accept trespasses nor does it renounce its rights. Egypt is extremely able to defend itself, its interests, its brothers and neighbours from any peril or threat.”

“The armed forces and its leadership have the constitutional and legal licence to determine when and where to respond to these dangers and threats.” LINK

The decision was announced several days after Egyptian President Abdel Fattah El-Sisi said Egypt “will not stand idle” in the face of any attack on Sirte, which he earlier described as a “red line” for Egypt’s national security and warned it would prompt military intervention by Cairo.

President El-Sisi also met with Libyan tribal leaders on 16 July in Cairo, where they called on the Egyptian Armed Forces “to intervene to protect the national security of Libya and Egypt.” El-Sisi said that Egypt “will quickly and decisively change the military situation” in Libya if it intervenes, adding that the Egyptian Army is one of the strongest in the region and Africa.

Earlier in July, the Egyptian Armed Forces conducted an exercise near Libya’s border. The drills, codenamed Resolve 2020, took place in the north-western district of Qabr Gabis, about 37 miles from the Libyan border.

The parliament also reviewed the outcomes of a meeting on Sunday of the country’s National Defence Council (NDC) headed by El-Sisi. The closed-door session was also attended by Minister of Parliamentary Affairs Alaa Fouad and Major General Mamdouh Shaheen, assistant minister of defence.

The statement of the NDC after Sunday’s meeting declared that Egypt seeks to stabilise the current situation in the field and not to cross declared lines — referring to the Libyan cities of Sirte and Al-Jafra — with the aim of bringing about peace between all Libyan parties.

“Egypt will spare no efforts to support the sister Libya and help its people to bring their country to safety and overcome the current critical crisis, grounded in the fact that Libya is one of the highest priorities for Egypt’s foreign policy, taking into account that Libyan security is inseparable from Egyptian and Arab national security.”

The NDC affirmed commitment to a political solution to put an end to the Libyan crisis, in a manner that maintains its sovereignty and national and regional unity, eliminates terrorism, and prevents the chaos of criminal groups and extremist armed militias. It also asserted the importance of limiting illegal foreign interference that contributes to aggravating the security situation and threatens neighbouring countries and international peace and security.

The meeting of the National Defence Council also discussed ongoing trilateral negotiations with Sudan and Ethiopia concerning the latter’s Renaissance Dam Project.  LINK

MORE ON THE TOPIC:

Conflict Looms for Egypt and Ethiopia Over Nile Dam

Source

Conflict Looms for Egypt and Ethiopia Over Nile Dam - TheAltWorld
This image has an empty alt attribute; its file name is cunningham_1-175x230.jpg

Finian Cunningham Former editor and writer for major news media organizations. He has written extensively on international affairs, with articles published in several languages

July 17, 2020

Ethiopia appears to be going ahead with its vow to begin filling a crucial hydroelectric dam on the Nile River after protracted negotiations with Egypt broke down earlier this week. There are grave concerns the two nations may go to war as both water-stressed countries consider their share of the world’s longest river a matter of existential imperative.

Cairo is urging Addis Ababa for clarification after European satellite images showed water filling the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD). Ethiopia has stated that the higher water levels are a natural consequence of the current heavy rainy season. However, this month was designated by Addis Ababa as a deadline to begin filling the $4.6 billion dam.

Egypt has repeatedly challenged the project saying that it would deprive it of vital freshwater supplies. Egypt relies on the Nile for 90 per cent of its total supply for 100 million population. Last month foreign minister Sameh Shoukry warned the UN security council that Egypt was facing an existential threat over the dam and indicated his country was prepared to go to war to secure its vital interests.

Ethiopia also maintains that the dam – the largest in Africa when it is due to be completed in the next year – is an “existential necessity”. Large swathes of its 110 million population subsist on daily rationed supply of water. The hydroelectric facility will also generate 6,000 megawatts of power which can be used to boost the existing erratic national grid.

Ominously, on both sides the issue is fraught with national pride. Egyptians accuse Ethiopia of a high-handed approach in asserting its declared right to build the dam without due consideration of the impact on Egypt.

On the other hand, the Ethiopians view the project which began in 2011 as a matter of sovereign right to utilize a natural resource for lifting their nation out of poverty. The Blue Nile which originates in Ethiopia is the main tributary to the Nile. Ethiopians would argue that Egypt does not give away control to foreign interests over its natural resources of gas and oil.

Ethiopians also point out that Egypt’s “claims” to Nile water are rooted in colonial-era treaties negotiated with Britain which Ethiopia had no say in.

What makes the present tensions sharper is the domestic political pressures in both countries. Egypt’s President Abdel Fattah al-Sisi is struggling to maintain legitimacy among his own population over long-running economic problems. For a self-styled strong leader, a conflict over the dam could boost his standing among Egyptians as they rally around the flag.

Likewise, Ethiopia’s Prime Minister Abiy Ahmed is beset by internal political conflicts and violent protests against his nearly two years in office. His postponement of parliamentary elections due to the coronavirus has sparked criticism of a would-be autocrat. The recent murder of a popular singer-activist which resulted in mass protests and over 100 killings by security forces has marred Abiy’s image.

In forging ahead with the dam, premier Abiy can deflect from internal turmoil and unite Ethiopians around an issue of national pride. Previously, as a new prime minister, he showed disdain towards the project, saying it would take 10 years to complete. There are indicators that Abiy may have been involved in a sinister geopolitical move along with Egypt to derail the dam’s completion. Therefore, his apparent sudden support for the project suggests a cynical move to shore up his own national standing.

Then there is the geopolitical factor of the Trump administration. Earlier this year, President Donald Trump weighed in to the Nile dispute in a way that was seen as bolstering Egypt’s claims. Much to the ire of Ethiopia, Washington warned Addis Ababa not to proceed with the dam until a legally binding accord was found with Egypt.

Thus if Egypt’s al-Sisi feels he has Trump’s backing, he may be tempted to go to war over the Nile. On paper, Egypt has a much stronger military than Ethiopia. It receives $1.4 billion a year from Washington in military aid. Al-Sisi may see Ethiopia as a softer “war option” than Libya where his forces are also being dragged into in a proxy war with Turkey.

Ethiopia, too, is an ally of Washington, but in the grand scheme of geopolitical interests, Cairo would be the preferred client for the United States. Up to now, the Trump administration has endorsed Egypt’s position over the Nile dispute. That may be enough to embolden al-Sisi to go for a showdown with Ethiopia. For Trump, being on the side of Egypt may be calculated to give his flailing Middle East policies some badly needed enthusiasm among Arab nations. Egypt has the backing of the Arab League, including Saudi Arabia and the United Arab Emirates.

Egypt has previously threatened to sabotage Ethiopia’s dam. How it would do this presents logistical problems. Egypt is separated from Ethiopia to its south by the vast territory of Sudan. Cairo has a strong air force of U.S.-supplied F-16s while Ethiopia has minimal air defenses, relying instead on a formidable infantry army.

Another foreboding sign is the uptick in visits to Cairo by Eritrean autocratic leader Isaias Afwerki. He has held two meetings with al-Sisi at the presidential palace in the Egyptian capital in as many months, the most recent being on July 6 when the two leaders again discussed “regional security” and Ethiopia’s dam. Eritrea provides a Red Sea corridor into landlocked Ethiopia which would be more advantageous to Cairo than long flights across Sudan.

Nominally, Eritrea and Ethiopia signed a peace deal in July 2018 to end nearly two decades of Cold War, for which Ethiopia’s Abiy was awarded the Nobel Peace Prize. However, the Eritrean leader may be tempted to dip back into bad blood if it boosted his coffers from Arab money flowing in return for aiding Egypt.

There will be plenty of platitudinous calls for diplomacy and negotiated settlement from Washington, the African Union and the Arab League. But there is an underlying current for war that may prove unstoppable driven by two populous and thirsty nations whose leaders are badly in need of shoring up their political authority amid internal discontent.

في مواجهة «صفقة القرن» ومخرجاتها

معن بشور

نعقد على مواقع التواصل الالكتروني على مدى يومي السبت والأحد في 11 و 12 تموز/ يوليو الحالي «الملتقى العربي: متحدون ضدّ صفقة القرن وخطة الضم» بدعوة من ستة هيئات عربية (المؤتمر القومي العربي، المؤتمر القومي/ الاسلامي، المؤتمر العام للأحزاب العربية، اللقاء اليساري العربي، الجبهة العربية التقدمية، مؤسسة القدس الدولية) ويشارك في الملتقى أعضاء الأمانات العامة لهذه الهيئات وقادة فصائل المقاومة والاتحادات المهنية العربية وشخصيات محدودة من فلسطين والأردن بما يجعل الملتقى جامعاً لممثلين عن معظم مكونات العمل الشعبي العربي، ومن غالبية تياراته الفكرية والسياسية في تحدّ واضح ليس لـ «جائحة الكورونا» ومتطلبات مواجهتها فحسب، بل في تحدّ للمشروع الصهيو/ أميركي الذي يسعى الى تجزئة الأمة، وتقسيم كياناتها الوطنية، وتشظي مجتمعاتها وقواها الشعبية، ليتمكن من تنفيذ كلّ مخططاته الرامية الى نهب موارد أمتنا وتعطيل مشروعها النهضوي وضرب مقوماتها الروحية والمادية…

واذا كانت المبادرة بعقد هذا الملتقى قد جاءت من المغرب، من خلال شخصية بارزة لها باع طويل في النضال من أجل فلسطين وقضايا الأمة، وهو المناضل خالد السفياني المنسّق العام للمؤتمر القومي الإسلامي وأمين عام مؤسسة المفكر الكبير الراحل الدكتور محمد عابد الجابري، فإنّ التجاوب السريع معها قد جاء من أقطار الوطن العربي كافة، كما من تيارات الأمة المتنوعة، والتي باتت تدرك انّ المدخل السليم لمواجهة التحديات الضاغطة على حاضر الأمة ومستقبلها إنما يكمن بتلاقي تياراتها النهضوية كافة وتجاوز كلّ الجراح الأليمة التي أصابت العلاقات بينها في ظلّ مراجعة نقدية جريئة وصادقة ومنزهة لا مكان فيها لتبرير أخطاء وخطايا وقعنا بها، او للتشهير ببعضنا البعض وتحويل ماضي العلاقات بيننا الى سجن نبقى في أسره بدلاً من أن يكون مدرسة نتعلم منها…

وإذا كان التحرك المباشر للدعوة الى هذا الملتقى، كما الى الملتقى المماثل السابق في بيروت في 7/7/2019، هو التصدي لـ «صفقة القرن» بالأمس ولخطة الضمّ الصهيونية اليوم التي لا ينبغي اعتبار تأجيل الإعلان عنها – رغم انّ التأجيل هزيمة لنتنياهو وداعميه في واشنطن – إسقاطاً لها، فإنّ المشاركين في هذا الملتقى، يدركون، رغم تباين المواقف الفكرية والسياسية بينهم، انّ لـ «صفقة القرن» مخرجات عدة تمتدّ من المحيط الى الخليج، وأبرزها دون شكّ هو استمرار الحروب على أقطار والاحتراب داخل أقطار أخرى، حيث أثبتت الأحداث الأليمة التي نمرّ بها جميعاً أنّ أحداً من أبناء الأمة قد ربح من هذه الحروب أو الاحتراب، وأنّ الرابح الأكبر هو المشروع الصهيو – استعماري الذي بدأ بالتجزئة ليستمرّ بالتفتيت.

ولعله من بديهيات القول إنّ البداية الحقيقية لـ «صفقة القرن»، إنما بدأت باحتلال العراق، بعد حصار جائر استمر 13 عاماً. وهم يسعون اليوم الى تطبيقه في فلسطين وسورية ولبنان واليمن وصولاً الى الجمهورية الإسلامية في إيران.

ولم يكن من قبيل الصدف أن يعلن جورج بوش الابن بعد إتمام مهمته في الحرب على العراق عام 2003، ان مشروع الشرق الأوسط الجديد قد بدأ تنفيذه، والذي هو في نهاية الأمر نسخة مبكرة عن «صفقة القرن»… فلكلّ حاكم في الولايات المتحدة او دول الغرب الاستعمارية مشروعه لـ «صفقة القرن» باسم حلف من هنا، او مشروع من هناك، او قانون من هنا او مخطط من جهة ثانية.

من أول مخرجات الصفقة والضمّ التي باتت واضحة للأردنيّين عموماً، ملكاً وحكومة وشعباً، هو أن يدفع الأردنيون، مع الفلسطينيين، الثمن المباشر للضفقة المشؤومة ولخطة الضمّ، وهو ما يتطلب تنسيقاً قوياً ومتواصلاً بين الأردن وفلسطين. وتماسكاً شعبياً داخلياً يمنح القيادة الأردنية قدرة أكبر على المواجهة.

يتقدّم هذه المخرجات أيضاً، هو ما يشهده لبنان من ضغوطات وحروب وحصار تستهدف تجريده من مصادر قوته والمتمثلة بوحدة شعبه وبمقاومته الباسلة التي حققت في سنوات انتصارات، ما عجزت عنه حكومات ودول وجيوش…

كما يتقدّم هذه المخرجات أيضاً ما تشهده سورية من حرب عليها وفيها، واعتداءات صهيونية وأميركية متواصلة، وصولاً الى «قانون قيصر» الذي يدّعي «حماية المدنيين في سورية» فيما المتضرّر الأكبر منه هو الشعب العربي في سورية الذي يدفع أغلى الأثمان بسبب هذه الحرب الظالمة المفروضة عليه منذ عشر سنوات. بسبب مواقفه القومية التحررية التاريخية تجاه قضايا الأمة كلها، وفي طليعتها قضية فلسطين التي شكلت سورية على الدوام العقبة الكأداء في وجه محاولات تصفيتها كما شكلت والسند المباشر لكلّ حركة مقاومة في وجهها.

من مخرجات هذه الصفقة أيضاً هو ما تشهده مصر من استهداف مباشر لأمنها المائي من خلال سدّ النهضة، وأمنها الوطني من خلال الإرهاب في سيناء، وأمنها القومي من خلال ما يجري في ليبيا… وهذا الاستهداف لا يمكن مواجهته إلا بتعزيز الالتفاف العربي والإسلامي حول مصر، وبذل كلّ جهد ممكن لتعزيز الجبهة الداخلية في القطر العربي الأكبر.

والحرب في اليمن أيضاً، سواء من خلال ما يتعرّض له شماله من عدوان وقصف وتدمير وحصار، او ما يتعرّض له جنوبه من احتراب بين حلفاء، تستخدم ايضاً في إطار خدمة «صفقة القرن» ومعاقبة شعب عظيم، كان وسيبقى، متمسكاً بفلسطين وكل قضايا أمته.

أما تحويل الساحة الليبية الى ساحة حروب إقليمية ودولية، فليس هدفها فقط تدمير بلد عربي، كان شعبه ولا يزال، حريصاً على عروبته وإسلامه وحريته وكرامته، وهي حرب بدأت مع الغزوة الأطلسية قبل تسع سنوات لتستمر اقتتالاً لا يهدّد الأمن الوطني لليبيا، بل هدفها أيضاً استهداف الأمن القومي لشمال أفريقيا، وغربها، لا سيما مصر ودول المغرب العربي التي تسعى المخططات الاستعمارية الى إشعال كلّ أنواع الفتن في ربوعها…

أما دول الخليج والجزيرة العربية، فهي ليست بعيدة عن دائرة الاستهداف، بل انّ المشروع الصهيو – استعماري يدفع الى إغراق بعضها في سياسات محلية وعربية وإقليمية لن تؤدي إلا الى تبديد ما تبقى من مواردها، وابتزاز أكبر قدر ممكن من أموالها، وإشعال الاضطرابات في داخلها، ودفعها لأن تكون القاطرة الأولى في قافلة التطبيع الذي هو في رأس أهداف «صفقة القرن» المشؤومة …

ولعلّ ما يشهده السودان اليوم من استغلال مطالب مشروعة في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، من أجل إيقاع السودان في مهاوي الصراع الداخلي، والتفكك الوطني، والتطبيع مع العدو، ليس بعيداً عن مخرجات «صفقة القرن» وأهدافها الخبيثة…

وبالتأكيد تبقى تصفية قضية فلسطين هي الهدف، والغاية من هذه الصفقة، والمدخل من اجل ترسيخ التجزئة وتعزيز مشاريع التفتيت في المنطقة، وهو ما يتطلب تعزيز التوجه المبارك لتجاوز الانقسام المدمّر للمشروع الوطني الفلسطيني، وتوحيد الطاقات والجهود الفلسطينية لإطلاق انتفاضة كبرى لن تؤدي الى سقوط «صفقة القرن» ومخرجاتها فقط، بل تؤدي الى دحر الاحتلال عن الأرض الفلسطينية المحتلة وعاصمتها القدس.

وإذا كانت مواجهة «صفقة القرن» ومخرجاتها مهمّة الأمة بكلّ أقطارها فإنّ الردّ الشامل عليها يكمن في تبني لمعادلة الخلاص التي أعلناها بعد احتلال العراق وتقوم على مهمات أربع، 1- مقاومة احتلال الأرض، 2- مراجعة للتجارب والعلاقات بين أبناء الأمة وقواها وتياراتها لنطوّر الإيجابي منها، ونتخلص مما علق بها من شوائب، 3- مصالحة تبني للمستقبل وتخرجنا من سلبيات الماضي، 4- فمشاركة تسمح لكلّ أبناء الوطن المساهمة في تقرير مصيرهم…

«صفقة القرن» إذن ليست المشروع الصهيو – استعماري الوحيد الذي واجهته الأمة، وما تزال، ولن يتوقف الأعداء على إخراج مشاريع مماثلة من أجل سحق أمتنا والقضاء على مستقبلها وآمالها، وتحويلها من أمة قائدة في الإنسانية الى أمة تابعة وذيل للدول الاستعمارية ومقاومة هذه الصفقة اليوم، بكلّ مخرجاتها وفي مقدمها خطة الضمّ الصهيوني تكون بالاستمرار في مقاومة المشروع الصهيو/ استعماري الممتدّة منذ عشرات السسنوات، وفي وحدة الأمة بكلّ أقطارها وتياراتها، فحيث كانت هذه الوحدة تتوفر، كانت المقاومة تنتصر، وحيث كانت تتعثر كانت المقاومة تتراجع.

من هنا، يكتسب ملتقى «متحدون» كخطوة على طريق توحيد الرؤى والجهود أهمية استثنائية في ظروف استثنائية.

الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

هل مصر ‏‎ ‎جاهزة للحرب؟

د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن دقّ طبول الحرب التي بدأت تتعالى أصواتها في محيطنا المصري، فمنذ بداية أحداث الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011 وكل ما يحدث سواء بالداخل المصري أو في محيطنا العربي ينبئ بأن هناك حرباً مقبلة لا محالة، وبما أن العدو الأميركي قد خطط أن تكون مصر هي الجائزة الكبرى في مشروعه المزعوم الذي يطلق عليه الشرق الأوسط الكبير أو الجديد فقد بدأت الحرب مبكراً عندما ساند جماعة الإخوان الإرهابيّة لتصدّر المشهد والقفز لسدة الحكم، وكان تحالفه مع هذا التنظيم الإرهابي مبنياً على أساس إيمان هذه الجماعة بأن “الوطن لا يعني الحدود الجغرافية ولا التخوم الأرضيّة إنما الاشتراك في العقيدة” على حد تعبير مؤسس الجماعة في كتابه “رسائل الإمام الشهيد حسن البنا” (صفحة 26).

ومن هنا وجد العدو الأميركي ضالته في تقسيم مصر وتفتيتها بواسطة جماعة إرهابيّة لا تؤمن بفكرة التراب الوطنيّ ولديها استعداد كامل للتفريط في الأرض وهي عقيدة منحرفة مخالفة للعقيدة الوطنية السليمة والتي دفعتنا لدخول حروب كثيرة للدفاع عن التراب الوطني. وبالطبع هذه العقيدة متجذرة وثابتة وراسخة لدى جموع الشعب المصري بشكل عام ولدى جيشنا البطل بشكل خاص. ومن هنا بدأت طبول الحرب تدق في الداخل المصري على شكل حرب أهلية، لكن الجيش المصري العظيم حسم الأمر برمّته في 30 يونيو و3 يوليو 2013 عندما خرجت جموع الشعب مطالبة بإسقاط الجماعة الإرهابية من سدة الحكم، فأعلن انحيازه للوطن ودخل في معركة مباشرة مع الجماعة الإرهابيّة التي حشدت أعضاءها في الداخل، واستدعت أعوانها بالخارج للانتشار على كامل جغرافية سيناء، وتمكن الجيش من حسم معركة الداخل في رابعة والنهضة وكرداسة، وتوجّه إلى سيناء وخاض معارك شرسة استمرت لسبع سنوات تمكّن خلالها من تجفيف منابع الإرهاب على أرض سيناء.

ومع حسم هذه الحرب مع الإرهاب بدأت طبول الحرب تدق من جديد عبر البوابة الغربية لمصر حيث ليبيا العربية التي وقعت فريسة للعدوان الغربي حيث تمّ اجتياحها بواسطة قوات الناتو في العام 2011 وأصبحت ساحة للصراع وهو ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وفي الوقت نفسه بدأت طبول الحرب تدق عبر البوابة الجنوبية لمصر، حيث أعلنت أثيوبيا عن مشروع بناء سد النهضة والذي يشكل تهديداً مباشراً لشريان حياة المصريين وهو نهر النيل.

وبعد أن أطاح الجيش المصري بالجماعة الإرهابية بدأت مصر في إدارة ملف الأمن القوميّ المشتعل عبر حدودها الغربية والجنوبية وهى تدرك أن الأعداء يتربّصون بها وبكل خطوة تخطوها نحو تأمين حدودها المشتعلة، فالجميع ينتظر موقف مصر من ليبيا وأثيوبيا وهي الملفات التي يمكن أن تتورط مصر في حرب بسببها وهي غير جاهزة بسبب حربها مع الإرهاب بالداخل.

وهنا قرّرت مصر إدارة الملفين بوعي وهدوء فهي تعلم أن ليبيا قد تحوّلت لساحة صراع دولي ولا توجد قوى واحدة مسيطرة بعد اغتيال الشهيد معمر القذافي، لذلك كان على مصر أن تختار الوقوف بجانب إحدى القوى الموجودة على الأرض، وبالفعل وقفت داعمة للمشير خليفة حفتر الذى يسعى للسيطرة من أجل القضاء على الجماعات الإرهابيّة والحفاظ على ليبيا موحّدة على الرغم من شراسة المعركة، وكان خيار مصر بدعم حفتر من منطلق سيطرته على المنطقة الشرقية الليبية المتاخمة للحدود الغربية المصرية، وعندما تدخلت تركيا لدعم السراج وجماعاته الإرهابيّة، تحركت مصر سريعاً وأعلنت عن مبادرة للحل السياسي وقدّمتها للمجتمع الدولي، وأعلنت أن دخول القوات التركية إلى سرت والجفرة خط أحمر وهو ما يجعل تدخلنا مشروعاً للحفاظ على أمننا القوميّ.

أما ملف سد النهضة والذي يتقاطع مع السودان وإثيوبيا فقد تعاملت مصر معه بوعي وهدوء شديد، فحاولت دائماً إطفاء النيران المشتعلة بالداخل السوداني واستنفدت كل مراحل التفاوض مع إثيوبيا وعندما قرّرت إثيوبيا ملء السد بشكل منفرد من دون التوقيع على اتفاق دولي ملزم وتعالت الأصوات بضرورة ضرب السد وهو ما يعني قيام الحرب قررت مصر الذهاب بالقضية إلى مجلس الأمن ليوقف هذا العدوان على الأمن القومي المصري وإلا سيكون أي تدخل عسكري مصري مشروعاً ولا يمكن أن يواجه بإدانة دولية.

والسؤال المطروح الآن هو هل مصر وهي تدير ملفات الأمن القومي دبلوماسياً وبهدوء وحكمة كبيرة مستعدّة وجاهزة للحرب إذا استنفدت كل الوسائل السلمية ولم يعد أمامها خيار غير الحرب؟

والإجابة القاطعة تقول إن مصر جاهزة لكل الحلول، ففي أعقاب 30 يونيو 2013 بدأ الجيش المصري عملية بناء جديدة حيث تنوعت مصادر السلاح، وحصلت مصر على أسلحة متطورة للغاية، جعلت الجيش المصري يتقدّم للمرتبة التاسعة عالمياً.

ولتأمين حدود مصر الغربية والاستعداد لمواجهة أي خطر مقبل من البوابة الليبية قام الجيش المصري بتشييد قاعدة محمد نجيب العسكرية على مساحة 18 ألف فدان في مدينة الحمام في مرسى مطروح والتي وصفت بأنها أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط والتي استغرق تشييدها عامين وافتتحت في 22 يوليو 2017 لحماية حدود مصر الغربية.

ثم قام الجيش المصري بتشييد قاعدة برنيس العسكرية على مساحة 150 ألف فدان في جنوب شرقي البحر الأحمر لتصبح أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط على الإطلاق وقد تم تشييدها خلال عام واحد فقط وتم افتتاحها في 15 يناير 2020 لحماية حدود مصر الجنوبية.

ومن هنا يتضح كيف تتعامل مصر مع أمنها القومي بوعي وهدوء وتقديم الحلول السياسية والسلمية على الحلول العسكرية، لكن مع الاحتفاظ بحقها في استخدام القوة المشروعة في أي وقت للدفاع عن أمنها القومي. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مصر فى دائرة الخطر

د. محمد السعيد إدريس
‏24 يونيو 2020

د. محمد السعيد إدريس يكتب: إيران تنتظر القول الفصل من هلسنكي ...

على الرغم من كل تلك التسريبات التى كان يتم تسريبها عن عمد من جانب دوائر معادية لمصر، تسريبات تشارك فيها أطراف متعدد تكشف مدى التربص بمصر وبالدور المصرى، إلا أن ما يحدث الآن من تهديد متعدد الأطراف وفى تزامن غير مسبوق تجاوز كل مضامين تلك التسريبات التى كانت تؤكد أن “مصر ستبقى مصدراً للتهديد يجب التحسب له”.

من أبرز تلك التسريبات كانت مقولة أن مصر هى “التفاحة الكبرى” أو “الهدية الكبرى” التى جرى إطلاقها فى غمرة تساقط العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى، كانت تلك المقولة تحمل إشارات أن “موعد مصر لم يأت بعد”، وأن هذا الموعد “سيأتى حتماً”. الملفت أن معظم هذه التسريبات كانت أمريكية وإسرائيلية، ما يعنى أن توقيع مصر لاتفاق السلام مع إسرائيل، لم يكن كافياً لإرضاء غرور الإسرائيليين، ولم يتوقفوا لحظة عن التعامل معها باعتبارها “العدو التاريخى”، وإن كان الصراع معها يبدو “صراعاً مؤجلاً” لحين الانتهاء من حسم مصائر الملفات الأخرى مثار التهديد. لم تتوقف أنظارهم لحظة عن متابعة تطور القدرات العسكرية المصرية بقلق شديد، سواء من ناحية كفاءة التسليح وتنوع مصادره بعيداً عن “أحادية التحكم الأمريكية” فى مصادر التسليح المصرى، أو من منظور تطور الكفاءة القتالية المصرية. ولم تغب سيناء لحظة عن أطماعهم انتظاراً لمجئ الوقت والحوافز التى تفرض عليهم العودة إليها مجدداً كى يتحول شعار “إسرائيل الكبرى” من “حلم” أو “أوهام” إلى أمر واقع.

لم تكن إسرائيل وحدها هى من يناصب مصر العداء ولكن كانت تركيا وبالذات مع سقوط أحلام رئيسها فى إحياء عهد “الخلافة العثمانية” بالتأسيس لـ “عثمانية جديدة”، مع سقوط مشروع حكم الإخوان فى مصر، وكانت إثيوبيا، ولكن على استحياء، وربما بخبث ودهاء يفوق الدهاء الإسرائيلى ويتجاوز الرعونة التركية، لكن ما يحدث الآن من تناغم فى التخطيط ضد مصر، سواء بتنسيق أو عدم تنسيق، بين إسرائيل وإثيوبيا وتركيا، يكشف، وربما للمرة الأولى أن مصر باتت “فى عمق دائرة الخطر”. فهل من الصدفة أن يتزامن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتأكيده أن يوليو المقبل هو موعد البدء الإسرائيلى الفعلى فى فرض السيادة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية الإسرائيلية ووادى عربة فى الضفة الغربية المحتلة، مع إعلان آبى أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية تحديد يوليو المقبل موعداً لبدء ملء خزان “سد النهضة الإثيوبى” بالمياه، دون انتظار، أو بالأحرى دون اعتبار، لتوافق مع كل من مصر والسودان حول القضايا الخلافية المثارة معهما؟

فرض السيادة الإسرائيلية، بإرادة إسرائيلية مستقلة وبدعم أمريكى على الجزء الأكبر من الضفة الغربية للشروع الفعلى فى تصفية القضية الفلسطينية وفرض مشروع “إسرائيل الكبرى” كدولة يهودية على كل أرض فلسطين، وفرض السيادة الإثيوبية على نهر النيل وتصفية كل الحقوق التاريخية لمصر والسودان فى نهر النيل، التزاماً بقول آبى أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية أن سد النهضة “أصبح قضية شرف وطنى ولن نتخلى عنه” وتأكيدات وزير خارجيته بأن “الأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والمال الذى يبنى به سد النهضة مالنا، ولا قوة يمكنها معنا من بنائه”. هل هذا كله يمكن أن يكون محض صدفة وأن يكون شهر يوليو المقبل، أى بعد ما يقرب من أسبوع من الآن هو موعد خوض “معركة السيادة” الإسرائيلية والإثيوبية ضد مصر، باعتبار أن مصر أول المعنيين بمصير القضية الفلسطينية من منظور الأمن الوطنى المصرى البحت باعتبار أن فلسطين مكون أساسى فى نظرية الأمن الوطنى المصرى ناهيك عن كونها قضية أمن قومى عربى بالدرجة الأولى، ومصر هى على رأس المعنيين بواقع ومستقبل هذا الأمن القومى العربى.

من الصعب أن نتعامل ببراءة، ولا أقول بسذاجة مع المدلول الفعلى للتزامن فى شروع تل أبيب وأديس أبابا خوض ما يسمونه بـ “معركة فرض السيادة”، فى ظل قوة العلاقات الإسرائيلية- الإثيوبية، ووجود مكون شعبى إثيوبى مهم ضمن مكونات “الشعب الإسرائيلى” (يهود الفلاشا الإثيوبيين) ومجمل الإتفاقيات التى جرى التوقيع عليها بين إسرائيل وإثيوبيا خلال زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية لإسرائيل، وفى ظل تأكيدات بأن “إسرائيل طرف قوى فى ملف سد النهضة” و”أطماع إسرائيل فى مياه النيل” وكونها طرفاً مباشراً فى إدارة ملف سد النهضة وتداعياته، سواء من الجانب الأمنى فى ظل تسريبات تؤكد بأن شبكة صواريخ إسرائيلية متطورة باتت مسئولة عن حماية سد النهضة، أو من الجانب التقنى حسب ما أفصحت عنه نائبة المدير العام للشئون الأفريقية فى وزارة الخارجية الإسرائيلية أيثان شيلين فى لقائها مع هيروت زامين وزيرة الدولة الإثيوبية للشئون الخارجية، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، حيث أعلنت إسرائيل على لسان إيثان شيلين “استعدادها لتبادل الخبرات مع إثيوبيا فى مجال إدارة المياه”، ووصفت العلاقات الإسرائيلية مع إثيوبيا بأنها “تاريخية وتدعمها علاقات قوية بين الشعبين”.

هل ما يحدث هو توافق أم تحالف إسرائيلى- إثيوبى لإحكام الضغط على مصر؟

السؤال تزداد أهميته، بل وخطورته بدخول تركيا كطرف مباشر فى ما يمكن تسميته بـ “معركة كسر إرادات مع مصر” وهذه المرة فى العمق الإستراتيجى لمصر بالأراضى الليبية. تركيا التى تقاتل بعنف فى شمال سوريا لفرض منطقة نفوذ تركية شمال سوريا معتمدة على تحالفها مع المنظمات الإرهابية المتطرفة، وتسعى لإسقاط النظام فى سوريا، سواء بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق نفس الهدف تحت غطاء خوض معركة إخراج إيران من سوريا، اختارت هذه المرة فى عدائها المباشر مع مصر أن تتجاوز احتضان كل القوى المتآمرة ضد مصر على الأراضى التركية، وأن تنقل تهديدها إلى الحدود المصرية المباشرة فى إعلان تهديد مباشر للأمن المصرى من خلال دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، دعماً عسكرياً بالأسلحة المتطورة وبالميليشيات الإرهابية لفرض السيطرة الكاملة على ليبيا. وفى إعلان تهديد مباشر للمصالح الاقتصادية المصرية من خلال السعى لفرض سيطرتها على حقول غاز المتوسط بالشكل الذى تريده إسقواءً بالسيطرة على القرار الليبى بهذا الخصوص.

تركيا تخوض الآن معركة خليج سرت، ويؤكد رئيسها رجب طيب أردوغان أنه “لن تكون تكون هناك أى مفاوضات سياسية، أو وقف لإطلاق النار فى ليبيا إلا بعد سيطرة قوات حلفائه على مدينة سرت” لذلك رفض إعلان القاهرة كمبادرة مصرية لحل الأزمة الليبية سياسياً، ويسعى للسيطرة على مدينة سرت باعتبارها “بوابة الشرق الليبى” حيث آبار النفط والغاز واحتياطياته الرئيسية، وإذا نجح فى هذه المعركة فإنه يعتقد أنه سيكون بمقدوره تكريس النفوذ التركى فى ليبيا سياسياً وعسكرياً.

يحدث هذا كله على حدود مصر الغربية بتزامن مع ما يحدث من تهديد إثيوبى لموارد مصر الحياتية من مياه النيل، ومع المخطط الإسرائيلى للتوسع والتهويد وفرض السيادة على معظم أنحاء الضفة الغربية فى وقت بدأت فيه الإدارة الأمريكية بفرض أقسى وأقصى عقوبات ضد سوريا ببدء تنفيذ أسوأ قانون عقوبات أمريكى على سوريا يحمل اسم “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” لعلها تستطيع أن تحقق بالعقوبات الاقتصادية ما عجزت هى وحلفاءها عن تحقيقه طيلة السنوات الماضية، بالعمل العسكرى الذى تحول فعلاً إلى “حرب على سوريا” ابتداء من عام 2014، هدفه ليس فقط إسقاط الحكم السورى وإنهاء تحالفه مع إيران بل كان الهدف هو إسقاط سوريا كما أسقط العراق.
ما يحدث هو “هندسة للأزمات” المحيطة بمصر تضعها فى عمق “دائرة الخطر” الذى يجمع للمرة الأولى إسرائيل وإثيوبيا وتركيا فى تهديد مصر وأمنها ومصالحها الوطنية، تطور يفرض على مصر حسابات ومراجعات كثيرة للأهداف والمصالح والقدرات لمواجهة الخطر.

فيديو متعلق

مقالات متعلقة