المجمع الانتخابيّ الأميركيّ يشكل حكومة لبنان الجديدة؟

د. وفيق إبراهيم

ليس في هذا الاستنتاج ما يضعه في خانة العناوين التي تتعمّد جذب القارئ بمفهوم الغرابة او الاستغراب.

فهناك نظام رئاسي أميركي حالي يقوده الرئيس الحالي ترامب الذي خسر الانتخابات مؤخراً، يطبّق حالياً سياسات انتقام وشلل وتحريض في معظم زوايا الأرض معمماً العقوبات المؤذية بشكل غير مسبوق من سورية ولبنان الى الصين وروسيا وأوروبا، ومؤسساً لآليات داخلية وعالمية لديها مهمة واحدة وهي عرقلة سياسات سلفه الذي فاز في هذه الانتخابات جو بايدن.

لبنان واحد من هذه البلدان المتضررة من سياسات ترامب، الذي يحاول التعويض عن خسارة مشاريعه في السنين الأربع الماضية هي مدة ولايته الرئاسية بأسبوعين فقط من مرحلة نهاية هذه الولاية.

هذا يعني أنه يريد إعادة تعويم الصراع الأميركي مع حزب الله في ميادين سورية وجنوب لبنان التي فشلت، وذلك بابتزاز لبنان في مرحلة تحاول أطرافه الداخلية إعادة تشكيل حكومة تمنع الانهيار الكامل، فتمنع سياسات ترامب هذا التشكيل بأساليب مختلفة او بالإصرار على سلسلة محظورات تؤدي بالطبع الى منع تشكيل حكومة.

لقد وصلت الرغبات الاميركية عبر سياسي من حزب المستقبل قال جهراً على محطات التلفزة إن الأميركيين لا يريدون مشاركة كل القوى الداخلية التي تعرّضت لعقوبات اميركية. هذا يعني انها تشمل الى حزب الله التيار الوطني الحر وتيار المردة الذي يترأسه الوزير فرنجية.

فحاول السعد المراوغة بتشكيل حكومة من اختصاصيين الى أن أتاه رد أميركي حاسم عبر قنوات دبلوماسية، بأنه قد يتعرّض بدوره لعقوبات ان تجاوز المطلوب أميركياً وما هو مفروض عليه يستطيع تنسيقه مع قوى كهنوتية تعلن صراحة أن لبنان ليس جزءاً من الصراع مع «إسرائيل» وانه محايد في الصراع حتى بين الكيان المحتل وسورية، بما يؤدي الى ضرورة انهاء دور سلاح حزب الله ووضعه في خدمة الدولة.

ماذا اذاً عن موضوع تقديم سعد الحريري لتشكيلة كاملة الى الرئيس ميشال عون؟

تحمل تعمّداً واضحاً بنزوع الحريري الى عدم التشكيل إنما من طريق اختيار 18 وزيراً معظمهم من الموالين له على حساب إلغاء قوى سياسية كثيرة، فبذلك يرمي الكرة في ملعب عون ويتهمه بالامتناع عن التشكيل.

فكيف يمكن لعون أن يقبل بتشكيلة ليس لديه فيها من حزبه التيار الوطني الحر إلا خمسة وزراء مع إبعاد حزب الله وتيار المرده وطلال أرسلان عن الحكومة.

إن الاستمرار في ألعاب التشكيل وموانعه متواصل لأنه يعكس عجز القوى السياسية اللبنانية عن تلبية أوامر أميركية بإلغاء حزب الله وتسهيل مفاوضات الحدود مع الكيان المحتل.

اما الجزء الآخر من المشهد فيتعلق بحزب الله الذي يواصل تقديم تسهيلات للإسراع في التشكيل، لكنه يعرف عمق المحظورات المتعلقة بحركة سلاحه، ما يعني صعوبة هذا التشكيل في الوقت الراهن.

هذا الوضع يؤسس لمعادلة ترى أن الاستمرار في الانسداد السياسي مع الإسراع في الانهيار الاقتصادي وسط امتناع عن تلبية حاجات لبنان من الصناديق والمصارف الدولية وبلدان الخليج.

فما هي البدائل؟ هي الصين وروسيا والعراق لأن الغرب يقفل صناديقه لأسباب سياسية، لكن هذا الخيار يفرض على لبنان الاتجاه شرقاً، لكن هذا الشرق لا يبدو متلهفاً كحال الإصرار الفرنسي الذي يريد العودة الى المنطقة، فيما تبدو إيران عاجزة عن تأمين حاجات لبنان للحصار الأميركي المنصوب عليها.

ما هو مهم هنا، أن صيغة 1943 المعدلة باتفاقي الدوحة والطائف أصبحتا جثثاً غير قابلة للإنعاش.

وهذا يتطلب إعادة إنتاج معادلة حكم جديدة، تعكس التطورات التي انبثقت في الداخل، وتؤسس لعلاقات مع الخارج السياسي تنقذه من مرحلة التبعية العمياء للغرب. فالمطلوب هنا مصلحة اللبنانيين الاقتصادية المتكئة على استقرار داخلي وتعاون مع الإقليم يرفع مرتبة لبنان الى مصاف الدول الكاملة السيادة.

هل هذا ممكن في هذا الوقت بالذات من الانهيار الاقتصادي؟

إن العودة الى مشروع لبنان الدائرة الانتخابية الواحدة على اساس المناصفة الطائفية وحصص المذاهب الى جانب مجلس شيوخ طوائفي هو الحل الوحيد القادر على إعادة إنتاج للبنان مهدد فعلياً بالتفجير واسبابه ليست فقط اقتصادية على الرغم من وقعها التدميرين، بل السياسة ايضاً التي تحكم على هذا البلد تقديم الولاءات الخارجية الغربية – الخليجية على حساب مصالح أبنائه.

إن ما يمنع تطبيق هذا الحل لا يتعلق بتوازنات داخلية. فالداخل اللبناني اليوم يجنح لتأييد هذه المعادلة، لكنه يصطدم بالقوى السياسية الداخلية نفسها التي تستعمل قوة الخارج الاميركي – الخليجي بإضافة الإسرائيلي اليهما، لحماية نموذج لبنان الكبير الغربي دائماً وصولاً الى الإسرائيلي حالياً بحركة تماهٍ مع التطبيع الخليجي.

يتضح أخيراً ان حكومة لبنان ليست هي الحل الفعلي لأزمة لبنان كما أن تشكيلها لن يؤسس لحل فعلي للانهيار الاقتصادي، بما يؤكد على ضرورة اجتماع القوى اللبنانية الأساسية لإنتاج معادلة حكم جديدة، يخاف البعض ان يطلقوا عليها لقب المؤتمر التأسيسي. لكن هذا المؤتمر هو السبيل الوحيد لإعادة إنتاج لبنان نموذج القرن الحادي والعشرين بإطار المساواة الفعلية بين مواطنيه مع استبعاد حكم الطوائف ومذاهبها وطبقاتها الفاسدة.

الحريري وموازين الربح والخسارة في لقاء بعبدا

ناصر قنديل

فيما يجنح النائب السابق وليد جنبلاط نحو ترميم البيت السياسي الداخلي لطائفته، ويضمن إغلاق النوافذ أمام الاختراقات، أو أمام الاستثمار على الخلافات لجعلها مدخلاً لتصفية حسابات في ظل سعي موازٍ بتنظيم العلاقة برئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، على قاعدة عنوانها الفصل بين الوطني والسياسي، فيسلّم الراية لرئيس مجلس النواب نبيه بري لهندسة الخطوتين، فإن جنبلاط يضع أمامه خطورة المرحلة وما يرد من معلومات عن وجود مخططات للعبث الأمني، بالتزامن مع قراءة لاتجاه الوضع الاقتصادي والاجتماعي نحو المزيد من التأزم، مستنيراً بصورة ثنائي حزب الله وحركة أمل، أملاً بتحقيق بعض التعاون والتبريد والتهدئة للعصبيات الحزبية في الجبل، رغم صعوبة وجود أرضية سياسية تجمعه بالنائب طلال أرسلان كالتي تجمع الثنائي، تتيح بلوغ مراتب التنسيق لضبط الشارع والجغرافيا في أداء الثنائي.

المسعى الذي ترجمه الرئيس بري في جمعه لجنبلاط وارسلان، يشكل مشروعاً كاملاً لديه، لمحاولة وضع الخلافات السياسيّة في إطار يحمي الساحة من الاختراقات، ولا يرمي لإنهائها أو لجعل أحد الفريقين رابحاً والثاني خاسراً. فالوضع خطير ويزداد خطورة، وما سيجعل الانهيار كارثياً هو أن يتلاقى الضغط الاقتصادي مع توترات سياسية تتحول طائفية ومذهبية وحزبية، ثم يفاجأ الجميع بلاعب أو بلاعبين جدد يدخلون الساحة من بوابة الخلافات والفوضى وفقدان السيطرة، ولذلك سعى بري لإقناع من يستطيع إيصال صوته إليهم بأهمية المشاركة في لقاء بعبدا، الذي لا يجوز النظر إليه كسياق لإلغاء المعارضة، بل لمشاركتها في خطة تحصين تتيح للصراع السياسي أخذ مساحة التأثير اللازمة، في مناخ صحي غير قابل للتفلت، ويبقى تحت السيطرة.

الرئيس سعد الحريري يشكل الحلقة الأهم في مسعى بري، لكن الحريري يعتقد، كما بعض أوساطه، أن مشاركته خسارة كاملة له وربح كامل لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، اللذين يعتبرهما الحريري الخصمين الراهنين، فيختلط في الحساب مصطلح الخصومة بمصطلح القطيعة، ويمكن النظر لهذه الرؤية كتعبير عن استجابة لاواعية لمناخ شعبوي عنوانه إسقاط العهد والحكومة، وكأن الأمر وارد وراهن وممكن وفي الطريق، ويأتي اللقاء في بعبدا فيجهض كل شيء؛ بينما يعلم الحريري ومستشاروه، أن الأمر الوارد حدوثه قبل بلوغ لحظة فاصلة نحو إسقاط الحكومة وبعدها العهد، هو إسقاط زعامة الحريري نفسه، لأن المشروع الذي يملك مقدرات وأجهزة مخابرات وأموالاً، تحت عنوان إسقاط الحكومة والعهد يدرك استحالة تحقيق المهمة، فيكتفي منها ببلوغ مرتبة متقدّمة من الفوضى، ويكتفي من الفوضى بالسيطرة على شمال لبنان، ومن السيطرة على شمال لبنان تكفيه نهاية الزعامة الحريريّة، والحريري يدرك بالتفاصيل مضمون هذا الكلام.

التهدئة السياسية، وسحب المناخات المتوترة تجهض المشروع الواقف وراء الباب، وتمنح اللاعبين المدعوين إلى بعبدا فرصة الربح المتبادل، بقطع الطريق على مشاريع مموّلة من الخارج لإنتاج زعامات بديلة، او تعويم زعامات سابقة أصابها الضعف، أو التهميش، ولهذا يفكر الجميع بإقفال الأبواب أمام هذه الفرص، ومعها يسعى بري لإقفال الأبواب أمام الفتن. والفتن ليست فقط مذهبية، بل داخل المذهب الواحد، وليست محصورة بمنطقة وطائفة، بل هي تستهدف كل المناطق والطوائف، لكن ما بات منها قيد التشغيل هو ما يعدّ للعائلة الحريرية، وما يقطع الطريق عليه شيء واحد، اسمه الحصانة الوطنية، التي لا يوفرها لقاء رؤساء الحكومات السابقين، حيث واحد منهم لا حول ولا قوة، وآخر ينتظر ساعة سقوط الحريريّة ويفتح القنوات مع بدائلها الشمالية ورعاتهم لاستثنائه من الاستهداف، وثالث يمهّد للحريري طريق السقوط أملاً بالوراثة.

حلّوا خلافاتكم بتطبيق الدستور وإعمال المؤسسات الدستورية

حلّوا خلافاتكم بتطبيق الدستور وإعمال المؤسسات الدستورية

يوليو 30, 2019

العميد د. أمين محمد حطيط

ملفان أدخلا لبنان في حالة من الشلل في الحكم والاضطراب، وأخلّا بالاستقرار في العلاقات السياسية، وأثرا على الانتظام العام في عمل الدولة، وجعلا هذا الطرف يصرخ وذاك يحتجب وغيرهما يحجم عن ممارسة صلاحياته، والنتيجة كانت شلل في الدولة وتعطل لمصالح الناس، ولو احتكم المسؤولون اللبنانيون الى الدستور والقانون والمؤسسات المعتمدة بموجبهما لكان أمر الحلول لكلّ ما يتوالد من مشاكل سهلاً وسريعاً، وحتى لكانت معظم المشاكل بمنأى عن الظهور أصلاً.

ولكن للأسف نجد أنّ معظم المسؤولين يرون أنفسهم فوق الدستور وفوق القانون وفوق المؤسسة، لا بل الأسوأ من هذا يرون في الدستور والقانون والمؤسسة مطية لنزواتهم وقيوداً يستعملونها لتقييد سواهم، أما هم فلهم الحصانة المطلقة التي على أعتابها تتوقف الدساتير وتتعطل القوانين وتشلّ المؤسسات، انها حصانتهم الطائفية التي هي فوق كلّ الحصانات وغرائزهم التي هي فوق كلّ الحقوق، فوق حقوق المواطن وفوق حقوق الإنسان بكلّ أنواعها السياسية والمدنية والوجودية معها.

فإذا عدنا الى الملفين اللذين يعطلان اليوم الدولة ويجمّدان مؤسساتها وينذران بأبشع العواقب لوجدنا انّ التفلت من الدستور والقانون هو ما أنتج المشكلة وهو ما يمنع الحلّ ويضع لبنان في حال القلق والاضطراب.

ولنبدأ بالملف الأول والمعروف باسم «الناجحين في مجلس الخدمة المدنية» بوظيفة من فئة ثالثة أو رابعة من الفئات الإدارية في الدولة، فنجد انّ السلطة السياسية امتنعت بحجة عدم التوازن الطائفي عن اعتماد ما صدر عن مجلس الخدمة المدنية الذي طبّق القانون الذي أناط به أن يتلقى حاجات الوزارات الى الموظفين وشروط الوظيفة ويعلن عنها وينظم مباريات مناسبة لاختيار من يملأ به الشواغر ثم يرفع النتائج الى المعنيين لتنظم مراسيم التعيين بالأخذ حرفياً بما أفرزته المباريات من نتائج دون التوقف عند أيّ معيار آخر، لأنّ المادة 95 من الدستور تحصر مراعاة التوازن الطائفي بوظائف الفئة الأولى حيث انّ نصها الحرفي يقول «… في المرحلة الانتقالية… تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين…» المرحلة هي التي تبدأ من تاريخ اعتماد الدستور وتنتهي بتاريخ إلغاء الطائفية السياسية .

هذه المادة واضحة في عناصرها الرئيسية لجهة عدم مراعاة الانتماء الطائفي في التوظيف إلا ضمن شرطين اثنين: شرط المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في وظائف الفئة الأولى دون تخصيص أيّ وظيفة لأيّ طائفة، والشرط الثاني مراعاة «مقتضيات الوفاق الوطني» في باقي الوظائف بما يعني عدم استبعاد أيّ طائفة أو أيّ مذهب من سلة التعيينات بشكل عام، دون ان يصل الأمر الى تطبيق نص المناصفة في كلّ شيء. وقد نكون بحاجة الى تحديد جزئيات وتفاصيل تطبيق هذا الأمر.

وفي هذا النطاق نستبعد مطلقاً فكرة القول بالمناصفة خارج الفئة الأولى كما نرفض فكرة الإقصاء الكلي لأيّ طائفة عن أيّ وظيفة، ويبقى ان نحدّد النسبة المقبولة في التعيين التي تدور بين الصفر والـ 50 وهنا يمكن اختيار أحد معياريين: إما معيار النسبة المئوية للطائفة الى مجموع السكان اللبنانيين او معيار الحدّ الأدنى المعقول كالقول مثلاً بنسبة 10 او 15 ، بما يعني انّ الدولة وعبر مؤسساتها الدستورية بحاجة الى تعيين هذا المعيار المقبول للمحافظة على مقتضيات الوفاق الوطني في التوظيف وبهذا ننهي الإشكال القائم ونمنع قيام إشكال جديد ونتجنّب خرق الدستور من هذا وذاك.

أما الموضوع الثاني فهو موضوع الملاحقة الجزائية للمسؤولين عن «جريمة البساتين» أو ما اصطلح على تسميته «حادثة قبرشمون«، وهي التي نجمت عن إقدام مسلحين على إطلاق نار أدّى الى مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب وجرح آخرين، وطالب حزب الوزير بإحالة الموضوع على المجلس العدلي ورفض «المشتبه به الظاهر» هذا الطلب، وجرى اصطفاف سياسي بينهما ما عطل اجتماعات مجلس الوزراء حيث يمتنع رئيس الحكومة عن الدعوة إليه، فهل من حق أحد ان يعطل مجلس الوزراء او يشترط عليه؟ وكيف تلاحق الجرائم أمام القضاء.

قبل الغوص في الموضوع نذكر بانّ الملاحقة الجزائية في لبنان تتمّ أمام قضاء من ثلاثة: القضاء العادي وهو قضاء ذو ولاية وصلاحية شاملة تقوم في إطار المنظومة القضائية المرتبطة بوزارة العدل، وقضاء استثنائي يتجسّد في القضاء العسكري والمتمثل بالمحكمة العسكرية المرتبطة بوزارة الدفاع، وأخيراً القضاء الخاص المتمثل بالمجلس العدلي الذي يشكل ويضع يده على قضية محدّدة بقرار من مجلس الوزراء الذي يتخذ قراره إذا كان من شأن الجريمة ووفقاً لاستنسابه أو ردة الفعل الأولية عليها أن تشكل مساساً بهيبة الدولة وبالأمن العام.

وانطلاقاً من هذا يكون منطقياً ان تبدأ الملاحقة الجزائية فور وقوع الجريمة بتحرك النيابة العامة التمييزية التي لها ان تبقي القضية في إطار القضاء العادي الشامل او تحيلها الى القضاء العسكري انْ وجدت في الجرم عناصر نص قانون القضاء العسكري على اعتبارها من صلاحية هذا القضاء.

اما الإحالة الى المجلس العدلي فهي حصرياً كما تقدّم من صلاحية مجلس الوزراء، وهنا نعود الى نظام هذا المجلس وصلاحية الدعوة الى انعقاده وصلاحية تنظيم جدول أعماله فنجد انّ الدستور أعطى هذه الصلاحية حصرياً لرئيس الوزراء يمارسها بالتنسيق مع رئيس الجمهورية والوزراء النص الدستوري: «يطلع رئيس الجمهورية والوزراء مسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها جدول أعماله وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث» ، كما لحظ الدستور لرئيس الجمهورية صلاحية خاصة بترؤس الجلسة وطرح مواضيع من خارج جدول الأعمال إذا رأى انّ المصلحة الوطنية تفرض ذلك.

أما رئيس الحكومة ورغم انه المحدّد حصراً في الدستور بالدعوة الى مجلس الوزراء ووضع جدول أعماله، فإنه ليس مطلق الصلاحية بالتحكم بهذا المسار، فرئيس الحكومة ليس هو السلطة التنفيذية بل يمارس دور المدير وليس دور القائد، بمعنى انّ عليه ان يأخذ بالاعتبار ما يرد اليه من طلبات من الوزراء ويدرجها في الجدول او يؤخرها لكن ليس له ان يسقطها ويهملها كلياً، ولنقل بوضوح أكبر انّ روح الدستور تفرض ان يجد كلّ طلب من وزير طريقه الى جلسة مجلس الوزراء ولا يكون لرئيس الحكومة ان يمتنع عن الدعوة الى مجلس وزراء بحجة الطلبات التي ترده او طبيعتها، كما ليس لرئيس الحكومة ان يسقط طلبات الوزراء لأنه ليس رئيسهم بل هو رئيس مجلس الوزراء الذي له ان يناقش كلّ الطلبات ويقرّر بشأنها. وعليه نرى التالي ان:

1 ـ من حق أيّ وزير أن يطلب إدراج أيّ موضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء، دون أن يكون له اشتراط إدراج طلبه في جدول إعمال هذه الجلسة او تلك.

2 ـ من حق رئيس الحكومة ان يدرج طلب الوزير في هذه الجلسة او تلك ولكن ليس من حقه ان يسقط الطلب كلياً او يمنع طرحه على مجلس الوزراء نهائياً او يؤخر طرحه دون مبرّر تعسفاً او تسويفاً.

3 ـ من حق رئيس الجمهورية ان يرأس أيّ جلسة لمجلس الوزراء وان يطرح أيّ موضوع من خارج جدول الأعمال دون ان يكون من حق أحد بما في ذلك رئيس الحكومة ان بمنع الرئيس او يحول دونه ودون ممارسته صلاحيته تلك.

4 ـ من حق مجلس الوزراء مجتمعاً وحصرياً أن يتخذ القرار بشأن أيّ موضوع ورد في جدول الأعمال او يطرح من خارجه، ويقرّر مجلس الوزراء إما بالتوافق أو بالتصويت وليس هناك سبيل آخر.

فإذا طبّقنا هذه القواعد على حادثة قبرشمون نجد الحلّ، ويكون على رئيس الحكومة أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، وعليه أن يسمع لطلبات الوزراء دون فرض او إملاء، وله أن يضع جدول أعمال المجلس دون أن يفرض عليه هذا الموضوع أو ذاك، ويكون لرئيس الجمهورية أن يحضر الجلسة إذا اكتمل نصابها وأن يطرح من خارج جدول أعمالها ما يشاء، ويكون للمجلس أن يقرّر في كلّ شأن يعرض عليه، قراراً يعتمد بالتوافق او بالتصويت… هذا ما ينص عليه الدستور ببساطة فهل يطبّق؟

أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

Related Videos

ضمّ الشويفات إلى قبرشمون نحو المجلس العدلي

يوليو 26, 2019

ناصر قنديل

– طرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما وصفه بالمبادرة الجديدة عبر الموافقة على إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي شرط ضم حادثة الشويفات إليها. ومن الزاوية المجردة يبدو العرض منطقياً، فدعاة المجلس العدلي يأخذون عليه رفضه كقرينة على وجود ما يخشاه، وهو يقول إن رفضتم فلديكم إذن ما تخشونه، وإن قالوا إن الرفض عائد لعدم تماثل الحادثتين، قال لهم إذن هناك دماء أغلى من دماء فيسقطهم في حفرة الشويفات الشعبيّة والاستهانة بدم ابنها الذي سقط في الحادثة، بينما الذي يريده جنبلاط هو أبعد من ذلك وهو فعلاً لم يطرح عرضه الجديد لاستخدام رفضه من الغير في الترسمل السياسي، بل ليستخدم الموافقة إن تمّت، في القول إن حادثة قبرشمون هي مجرد حادثة، أو اشتباك مسلح كما هي حادثة الشويفات، وليست اعتداءً على أمن الدولة ولا تعريضاً للسلم الأهلي بالخطر، كما هو القصد الأصلي من طلب الإحالة إلى المجلس العدلي، ويكفي الربط في الإحالة المزدوجة لإسقاط هذا المقصد.

– يعلم جنبلاط أنه لو كان صحيحاً ما يقوله عن أن المجلس العدلي مؤامرة تستهدفه لوجب القبول بعرضه الجديد، مثلما وجب السؤال لماذا يضع المجلس العدلي حلاً في مبادرته الجديدة، وأين أصبح مشروع سورية وحزب الله باستهدافه عبر المجلس العدلي، كما قال بجعل قبرشمون سيدة نجاة جديدة. والمقصود الحادثة التي انتهت بحل حزب القوات ودخول رئيس الحزب إلى السجن، أليس الطبيعي لو كانت هناك مؤامرة ألا تعطله إحالة حادثة الشويفات التي سيتمّ عندها تعيين محقق عدلي خاص لها، مختلف عن المحقق العدلي الخاص بقبرشمون، وبعد الإحالة ستسلك كل منهما طريقاً مختلفاً، فكيف تبددت المخاوف الجنبلاطية من المؤامرة فجأة وصار الحل بالإحالة، بدلاً من أن تكون الإحالة كما قال أصلاً، هي المشكلة؟

– طلب الإحالة المزدوجة يكشف أمرين، الأول أن الحديث عن مؤامرة وراء المطالبة بالإحالة مفتعل بهدف الضغط السياسي وتعطيل المسار القضائي بعد حادثة كادت تذهب بالبلد إلى كارثة، والربط بينها وبين حادثة تسلك مساراً سياسياً وقضائياً يعرف جنبلاط أنه في طريق النهاية وخواتيمه الأخيرة، يجب أن يشكل مصدر راحة للمعنيين بها طالما أنهم جزء من مؤامرة فيجعلونها مزدوجة بالإحالتين، حيث يمكن البدء بالتحقيق في حادثة الشويفات من الصفر بمجرد الإحالة الجديدة أسوة بقبرشمون، ويمكن عندها للمؤامرة بلوغ نتيجة مزدوجة بالاستهداف، طالما هي مؤامرة، ولو كانت كذلك لما وافق أن يذهب إليها بقدمين بعدما كان اتهامه للغير أنهم يأخدونه إليها بقدم واحدة، أما الأمر الثاني فهو أن جنبلاط بالربط ينسف كل الرواية الاشتراكية السابقة عما جرى في قبرشمون بتوصيفه ردّ فعل على كلام الوزير جبران باسيل، ليقول بالربط ضمناً أنه ردّ على الشويفات، فينقل ما جرى من دائرة الوقوع العفوي رداً على ما حدث قبل ساعات عبر كلام باسيل، إلى دائرة التخطيط رداً على ما حدث قبل سنة ونصف تقريباً في الشويفات، وينقله من دائرة الاستهداف بالصدفة للوزير صالح الغريب إلى الاستهداف العمد.

– كل هذا يعني أن تهرب مجلس الوزراء من مناقشة قضية ما جرى في الشويفات كحدث وقع في قلب زمن ولاية الحكومة، قبل أسابيع، والتذرّع بالحاجة للتوافق المسبق على الحل لمناقشة الحادثة، هو الذي يعطل الحكومة، لأن التوافق يعني منح طرفي القضية حق الفيتو ودعوتهما لتسوية النزاع بينهما سياسياً من باب التوافق على الحل، وهذا يعني شيئاً واحداً، هو جعل المسار القضائي مجرد ستارة لتظهير التفاهمات السياسية بأحكام قضائية، ويبدو أن هذا هدف يستحق أن يبقى لأجله مجلس الوزراء معطلاً، لأن الإحالة إلى المجلس العدلي بدون الاتفاق سلفاً على الأحكام وأسماء المتهمين سابقة تفسد السلم الأهلي أكثر من حادثة قبرشمون. فالسلم الأهلي قائم على كونفدرالية طوائف وليس على دولة القانون، وحادثة قبرشمون تعزز هذه الكونفدرالية، بينما الاحتكام إلى القضاء يضعفها، ويعزّز دولة القانون، وأهل الحل والربط متفقون على حماية الكونفدرالية.