بلبلة في باريس: خصوم فرنجية ينشطون

الأربعاء 10 أيار 2023

ابراهيم الأمين  

(الأخبار)

خصوم المرشح سليمان فرنجية في لبنان كثر. لكنّ لديه خصوماً في الخارج أيضاً. تنوّعُ الأسباب واختلافها بين الداخل والخارج، لا يعالج أصل المشكلة التي تواجه الرجل. بمعنى أن من يريده رئيساً، يفعل ذلك من ضمن سياق يتصل بعلاقة لبنان بالإقليم، وبالإقرار الضمني بصعوبة أو استحالة التغيير في تركيبة النظام. ولأنّ معظم ردود الفعل المؤيدة أو المعارضة تنطلق من هذين الاعتبارين، فإن الانقسام حوله لا يبقى ثابتاً، بل هو عرضة لتغيير دائم.

وفق هذا المنطق، بدأت معركة ترشيح فرنجية الذي لا يدّعي امتلاكه عناصر قوة خاصة به وحده، بل يتصرف بواقعية وبكثير من الصراحة إزاء عناصر القوة الأساسية التي يستند إليها. فخارجياً، يتصرّف على أنه يمثل امتداداً لمحور يحقّق انتصارات في المنطقة، وأن هذا السند القوي يجعله أقل قلقاً. أما داخلياً، فينطلق من أنه لا يمثل انقلاباً على الصيغة الحاكمة منذ اتفاق الطائف، وأنه المسيحي الذي يقرّ بالتغييرات الكبيرة التي طرأت على لبنان في العقود الخمسة الأخيرة، ويقدّم نفسه كاستمرار لسياسات الفترة السابقة. وربما يتاح له الاستدلال بتجربة عهد الرئيس ميشال عون من زاوية أن الطموحات الكبيرة للتغيير التي حملها الأخير تشظّت على أعتاب النظام الطائفي.
بهذا المعنى، يظهر فرنجية مرشحاً قليل النشاط والتفاعل مع العناصر الداخلية المعنية. فهو، عملياً، لم يعتبر ترشيحه بداية لعملية سياسية تتطلب منه أن «يهجم» باتجاه الخصوم أو المترددين. وحتى عندما زار البطريرك الماروني بشارة الراعي، فإنه فعل ذلك لأن لبكركي رمزية يستعين بها أي مسيحي يريد شرعية من مرجعية الطائفة التي يمثل، وليس ليطلب منه مقترحات أو خريطة طريق. فقد اعتذر، مثلاً، عن عدم تلبية طلب الراعي عقد اجتماعات مع أقطاب القوى المسيحية البارزة للبحث في الملف الرئاسي، منطلقاً من أن لقاءً كهذا سيحضره ممثلون عن قوى لديها تمثيلها الشعبي الأكبر من تمثيله بحسب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. كما أنه يرفض الدخول في لعبة التصويت التي ستشطب اسمه فوراً من لائحة المرشحين. إذ يكفي أن يقول سمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميل إن الظروف لا تساعدهم على الترشح، حتى يخلصوا إلى أن على فرنجية عدم الترشح ليفتح الباب أمام تسوية تنتهي باختيار اسم آخر.

في هذه النقطة، يبدو فرنجية أكثر اتكالاً على الماكينة الحليفة له في المعركة الداخلية. فلا يجد نفسه معنياً بجولات حوارية أو عروضات أو نقاش مفصّل مع القوى الناخبة في المجلس النيابي. لا بل يعتقد بأنه لن يتمكن من نيل أصوات القوات اللبنانية وحزب الكتائب، ويترك الباب مفتوحاً علّ حليفه الأساسي، حزب الله، يتمكّن من الوصول الى اتفاق مع باسيل. وحتى في ما يتعلق ببقية النواب المسيحيين المستقلين، يرى فرنجية أن أيّ جهد يبذله لن يكون حاسماً في قرارهم، لأن هؤلاء ينتظرون إشارات من الخارج أو من مرجعيات كبيرة في الداخل. هذا كله يدفعه الى عدم القيام بحركة مطلوبة منه كمرشح، ما يمثل نقطة ضعف كبيرة في معركته، تضاف الى النقطة السلبية التي نجمت عن طريقة الإعلان عن ترشيحه، سواء من خلال المبادرة المستقلة التي قام بها الرئيس نبيه بري، أو حتى عبر التأييد الإلزامي الذي اضطرّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى إعلانه. ففرنجية، في الحالتين، تحوّل الى مرشح لفريق يقوده طرف يواجه خصوماً في لبنان والخارج.

خارجياً، يدرك رئيس المردة أن التوافق العربي – الدولي حول رئاسة الجمهورية لم يعد يقوم على «سيبة» ثلاثية كانت تضم سوريا والسعودية وأميركا بعد حدوث تغييرات كثيرة، أبرزها أن الأميركيين غير قادرين على فرض رأي على اللبنانيين، ولا على إلزام السعودية بتوجّه معين، ولا تربطهم بسوريا أي علاقات جدية. كما أن الرياض نفسها باتت تتعامل مع لبنان بطريقة مختلفة، وأن الأوان آن لكي يدرك معظم اللبنانيين حجم المتغيّر في السياسة السعودية التي يفرضها محمد بن سلمان، والتي لا تنظر الى لبنان كقيمة إضافية. وهو لم يكن ليغضب من هذا أو يراعي ذاك، لولا أن لديه مشكلة كبيرة في لبنان اسمها حزب الله الذي تتّهمه الرياض بأنه منع سقوط بشار الأسد في سوريا وساعد أنصار الله في اليمن على الصمود.

عثرات واجهت ترشيح زعيم المردة، بعضها سببه بعض الحلفاء وبعضها الآخر امتناعه هو عن المبادرة


لذلك، وجد فرنجية ضالّته في فرنسا. ورغم أنه ينتمي اجتماعياً إلى مكوّن تربطه بفرنسا، تاريخياً، علاقات قوية، إلا أنه يحرص على التفاهم الشامل مع الفرنسيين، لاتكاله على باريس كلاعب أساسي في معركة تليين مواقف خصومه. فهو، من جهة، يرى أن فرنسا حصلت بشكل أو بآخر على تفويض أميركي – أوروبي للقيام بهذه المهمة، وأن لها ثقلاً يتيح لها التفاوض مع السعودية وأطراف عربية أخرى حول الرئاسة في لبنان. ويستند في موقفه هذا الى أن لباريس مصالح تحتاج الى تسويات كبيرة في المنطقة، وهي مضطرّة إلى عقد اتفاق مع قوى في محور المقاومة وليس مع قوى في المحور الآخر. بهذا المعنى، لمس فرنجية «واقعية» فرنسية تمثلت بالقبول بعرض التسوية التي تسمح بوصوله الى الرئاسة الأولى، مقابل وصول نواف سلام (المرشح الأقرب الى الولايات المتحدة والسعودية) الى الرئاسة الثالثة.

لكن يبدو أن العثرات التي رافقت ترشيح فرنجية في بيروت، لديها ما يوازيها في الخارج أيضاً. إذ تفيد المعطيات الواردة من باريس بوجود حملة ضغط قوية ضد الخيار الذي اعتمده الرئيس إيمانويل ماكرون، ويبدو أن هناك فريقاً يأخذ على المستشار الرئاسي باتريك دوريل أنه يتصرف بعشوائية ويحاول فرض رأيه داخل خلية الإليزيه، وعلى القوى اللبنانية، وأنه كان فظاً في التحاور مع السعوديين أيضا. ويرى الفريق المعارض لدوريل أن الأخير يتسبب بمشكلات بعيدة المدى لفرنسا مع قوى لبنانية بارزة، ومع قوى ودول نافذة في المنطقة، من السعودية الى قطر وغيرهما ممن لديها حسابات مختلفة في لبنان. ويبدو أن هذا المناخ بات أكثر انتشاراً في الآونة الأخيرة، ووصل إلى مسامع ساكن الإليزية، حيث بدأت الأصوات ترتفع داعية ماكرون الى مراجعة موقفه، ونفض يده من ترشيح «حليف نصر الله وبشار الأسد»، بإبلاغ حلفاء فرنجية أن فرنسا بذلت قصارى جهدها ولم تنجح في الحصول على تأييد بقية القوى لانتخابه.

دوريل عرضة لانتقادات حول طريقة إدارته الملف، وانتفاضة لخصوم حزب الله وسوريا في الإدارة الفرنسية


لكن مشكلة خصوم فرنجية، في باريس والخارج، تكمن أساساً في عدم قدرتهم على تقديم بديل، وهذه ليست مشكلة بسيطة، بسبب فشل خصوم الرجل في الداخل في الاتفاق على مرشح يحرجون به ثنائي أمل وحزب الله. وهذا عنصر يستند إليه فريق ماكرون ليبقى متمسكا بموقفه، ساعياً الى خطف الورقة الرئاسية في لحظة إقليمية مناسبة.
لكن، هذه اللحظة تحتاج الى تبدّل حقيقي في الموقف السعودي خصوصاً، لأن «الحياد» السعودي الذي يُروّج له ليس سوى حيلة لم تنطلِ على أحد. فلا الفريق المعارض لفرنجية أصابه الفزع ليهرول إلى التسوية، ولا حلفاء فرنجية تلقّوا جرعة دعم تتيح لهم الانتقال من مرحلة جمع الأصوات الـ 65 الى مرحلة تأمين النصاب لجلسة الانتخاب.

كل ذلك يقود الى استنتاج بأن حسم الأمر ليس وشيكاً. إلا أن مشاورات ولقاءات متوقعة عشية القمة العربية في 19 أيار وبعدها قد تقلب الصورة، بما يتيح للبنان إجراء انتخابات رئاسية تفتح الباب أمام حل حقيقي… أو النزول أكثر الى قعر جهنّم!

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

US’ Barbara Leaf Deliberately Avoided to Meet Lebanese Christian Powers: Report

 March 30, 2023

Assistant Secretary of State for Near Eastern Affairs Barbara Leaf

“There will be American-Europe-Arab sanctions imposed on those who are obstructing the election of a new president.” The US Assistant Secretary of State for Near Eastern Affairs Barbara Leaf issues a new warning, as reported by Lebanese daily, Al-Akhbar.

Leaf has met several Lebanese officials in her visit to Beirut last week, the paper reported on Tuesday as it revealed some details on the meetings.

Except for the sanctions threat, the American official gave neither a clear position on the presidential settlement, nor nominations of presidential candidates, as she focused on “the alarming reality Lebanon is experiencing in light of indications of that the great collapse is looming,” according to Al-Akhbar.

She also expressed her dissatisfaction with the “state of denial” practiced by the political class in dealing with the crises, whether the presidential vacuum or the economic turmoil, especially regarding the reforms required.

The daily quoted sources familiar with the meetings as saying that the US official “attended the five-way meetings held in Paris on behalf of her country, but she did not get into details related to the nominations.”

However, she said that her country would deal with any elected president, and disclosed that there were some disagreements with other four countries – in approaching the crisis in Lebanon – specifically with Saudi Arabia.”

In addition to the message that Leaf conveyed regarding the sanctions, there was another “implicit” message, Al-Akhbar added, noting: “Her visit schedule did not include any meeting with Christian powers in Lebanon.”

Political circles regarded Leaf’s deliberate move not to meet Christian officials – including Maronite Patriarch Bechara Boutros Al-Rahi – as a great insult and exclusion of the Christian component. In this context, the circles interpreted Leaf’s decision in this regard as a way to hold the Christian powers responsible for the presidential vacuum, according to the paper.

“The Christian powers appear as if they are the only side which is hindering the election of a new president,” Al-Akhbar cited the circles who wondered whether the sanctions that Leaf hinted at “would only affect Christian figures.”

The circles also found it weird that Leaf’s move didn’t provoke any of the Christian powers “who were busy with the spat of the daylight savings time.”

Last Friday, Leaf met MPs Waddah Sadek, Ibrahim Mneimneh, Abdul Rahman Bizri, Bilal Al-Hashimi, and Fouad Makhzoumi, at the US Embassy in Awkar.

Attendees said that the meeting “reflects Leaf’s acknowledgment of the Sunni diversity and that Washington doesn’t consider Prime Minister Najib Mikati as their representative, especially since the meeting included deputies with different approaches,” Al-Akhbar added.

Source: Al-Akhbar Newspaper (Translated and edited by Al-Manar English Website Staff)

الراعي يدعو لـ«تدويل القضية اللبنانية»… وقبلان يرد

 الأحد 11 كانون الأول 2022  17:25

(هيثم الموسوي)

الأخبار

دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم، إلى تدويل القضية اللبنانية، فيما أسِف لانعقاد جلسة مجلس الوزراء الإثنين الفائت، مناشداً الحكومة التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية.


وشدد الراعي، في عظة الأحد من بكركي، على «ضرورة التوجه إلى الأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان. لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل كل الحلول الداخلية».

ورأى الراعي أن «اللافت أن الذين يُفشلون الحلول الداخلية هم أولئك الذين يرفضون التدويل. وحين يتم تعطيل الحل الداخلي ويرفض التدويل يعني أن هؤلاء الأطراف لا يريدون أي حل للوضع اللبناني. إما يكون لبنان كما يريدون أو لا يكون».

وحول انعقاد مجلس الوزراء، أسف الراعي لأن «الحكومة عقدت جلستها بمن حضر وكان ما كان من معارضة»، مناشداً الحكومة «التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية ومنعاً لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية. وأفضل ما يمكن أن تقوم به الحكومة، لاسيما رئيسها، هو العمل على الصعيد العربي والدولي لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية».

وأعلن الراعي أن البطريركية المارونية «لا تتورط بالصراعات بين السياسيين والأحزاب. مواقفها تبقى فوق النزاعات والتنافس السياسي»، داعياً الأحزاب إلى «التعالي عن صراعاتها، لكي تخلق الظرف المناسب للقاءات ناجحة، وإلّا لا قيمة لتكرار اجتماعات تذهب في مهبّ الريح كما هو حاصل منذ ثلاثة أشهر».

قبلان يرد
في وقت لاحق، توجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان من بلدة ميس الجبل للبنانيين عامة والقوى السياسية والروحية خاصة، بالقول: «أي تدويل للمسألة اللبنانية هو تضييع للبنان، والأمم المتحدة لا شغل لها إلا نسف بنية لبنان السكانية عبر مفوضية اللاجئين والجمعيات الملونة، ونيويورك مركز تقاسم الصفقات، ولا نؤمن بعدالة المشارط الدولية، وتدويل القضية اللبنانية نسف صريح للسيادة اللبنانية، ولن نقبل بتقديم رأس لبنان إلى أي جزار دولي أو إقليمي».

ورأى قبلان أن «الحل بتلبية دعوة الرئيس نبيه بري التي تأخذ البلد من القطيعة إلى الحوار لإنقاذ لبنان من أم الكوارث، والمطلوب شجاعة وطنية للإنقاذ الداخلي، والتهديد بالويل والثبور كلام غير مسؤول، وتكرار نسخة لا نستطيع تخل صريح عن المسؤولية الوطنية الكبرى، وخلط الطائفي بالوطني دراما مكشوفة، ولا حلف فوق حلف إنقاذ لبنان والعين على قطار المجلس النيابي للحوار».

فيدوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

“Foreign Intel. Circulating Fabrications on Iran, Lebanon Lacks Decision in Accepting Fuel Offer”

December 9, 2022

Mujtaba Amani, Iranian Ambassador to Lebanon, in an interview with Al-Manar (Thursday, December 9, 2022)
The mission and challenges in Lebanon.. and the approach to the recent events in Iran / with Mojtaba Amani, the Iranian ambassador to Lebanon

Iranian Ambassador to Lebanon Mujtaba Amani stressed that foreign intelligence systems have been misleading public opinion on Iran protests.

In an interview with Al-Manar’s Panorama Today on Thursday, Amani said described Lebanon’s inability to accept the Iranian fuel offer as lack in Beirut’s decision in face of US pressures.

The issue of fuel offer took long time, and according to Tehran it’s over as Lebanon is incapable to accept this grant, Amani said.

As he regretted Lebanon’s lack of decision in this context, the Iranian ambassador noted that the Islamic Republic is always ready to renew such offers.

Iran Supports ‘Strong’ Lebanon

The envoy said that Iran’s official stance is to support ‘strong’ Lebanon, noting that electing new Lebanese president is an internal affair which Tehran never interferes in.

“We hope that Lebanon will triumph and be strong on levels of security, stability and economy,” the Iranian envoy said, stressing Tehran’s support to all Lebanese sides.

“Iran definitely supports the resistance, which enabled Lebanon to utilize from its wealth, and this has positive effects on the entire country,” Amani said, noting that he has been holding talks with all sides on Lebanon.

Meanwhile, he noted that meetings with Maronite Patriarch Cardinal Bechara Boutros Al-Rahi and Progressive Socialist Party Chief Walid Jumblatt come in this context.

The Iranian ambassador also congratulated the Moroccan national football team on its win over Spain in the FIFA World Cup in Qatar.

Anti-Iran Misleading Campaign

Commenting on the latest protests in Iran, Amani said that peaceful demonstrations frequently take place across the Islamic Republic, noting that this is a normal movement staged by the Iranian citizens.

However, he noted that some of the latest protests turned into violence and chaos, pointing to the role of foreign intelligence bodies in this issue.

Several foreign intelligence bodies have been staging misleading campaign against the Islamic Republic and circulating fabrications over the chaos taking place recently, Amani told Panorama Today.

Source: Al-Manar English Website

لقاء بين الكتائب وحزب الله في الضاحية بطلب من الصيفي

  الإثنين 28 تشرين الثاني 2022

الأخبار

فيما يُنتظر أن تلتحق جلسة الانتخاب الرئاسية الثامنة الخميس المقبل بسابقاتها، شكلاً ومضموناً، بدا أن كل الأطراف باتت تسلّم بأن سدّ الفراغ الرئاسي لن يكون قريباً، وأن لا جدوى من محاولات فرض رئيس مواجهة أو التعامي عن حقيقة عدم إمكان وصول رئيس معادٍ للمقاومة إلى قصر بعبدا وفق المعادلة التي وضعها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه في 11 الجاري.

ولعلّ مصداق هذا التسليم يكمن في «الهجمة الحوارية» التي يتعرّض لها حزب الله، بعيداً من سيمفونية «خطف الدولة» و«التسلّط» عليها. وفي هذا السياق، فإن خطوط الاتصال بين الحزب وبكركي مفتوحة، على هامش الملف الرئاسي. فبعد زيارة قام بها مستشار البطريرك وليد غياض لرئيس المجلس السياسي في الحزب السيد إبراهيم أمين السيد قبل نحو شهر لجس نبض الحزب من بعض الأسماء المرشحة للرئاسة، عُقد اجتماع آخر بين غياض ومسؤولين في الحزب قبل نحو أسبوعين في منزل النائب فريد هيكل الخازن. وبحسب المعلومات، فإن الحزب أكد أن لا مرشح معلناً له بعد، لكنه عرض موقفه و«كيف يفكر» في ما يتعلق بهذا الملف.

وفيما يتصدّر حزب الكتائب «جبهة» التصدي لحزب الله و«سيطرته على لبنان بقوة السلاح والعنف والتهديد والانفراد بالقرارات نيابةً عن الجميع»، وصولاً إلى تلويح رئيسه النائب سامي الجميل، أخيراً، بـ«الطلاق»، علمت «الأخبار» أن لقاء بين الكتائب وحزب الله عُقد أخيراً في الضاحية الجنوبية، بطلب من الصيفي. وقد ضم اللقاء عضو المكتب السياسي في حزب الله الحاج محمد الخنساء (أبو سعيد) ونائباً من كتلة «الوفاء للمقاومة» والأمين العام لحزب الكتائب سيرج داغر. وفيما نفت مصادر كتائبية الأمر، مؤكدة أنه «عندما نجري أي حوار مع أي طرف في البلد سنعلن عنه»، أكدت مصادر أخرى أن اللقاء «حصل فعلاً، وهو ليس حواراً ثنائياً ولا سرياً، بل تواصل للبحث في شؤون البلد خصوصاً في ما يتعلق بالملف الرئاسي». وأكدت أن اللقاء مع الكتائب يأتي في سياق سياسة الانفتاح التي يعتمدها حزب الله على كل الأطراف من أجل تخفيف التوتر، وهو شكل من أشكال التواصل الذي يشدد الحزب على ضرورته في هذه المرحلة الحساسة، كما هي الحال، مثلاً، مع بكركي ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

في غضون ذلك، فتحت زيارة النائب جبران باسيل لقطر باب التأويلات خصوصاً أن وجوده في الدوحة يتزامن مع وجود عدد كبير من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب. وفيما ترددت أنباء غير مؤكدة عن لقاء يمكن أن يجمعه بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال مطلعون على مشاورات متصلة بالملف الرئاسي إن قطر ليست بعيدة من لعب دور ضمني في الملف الرئاسي، مشيرة إلى أن «مسؤولين قطريين فاتحوا باسيل باسم قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية بالتزامن مع معطيات تؤكد أن فرنسا مدعومة من واشنطن والرياض باتت أقرب إلى الإعلان عن دعم ترشيحه».

في غضون ذلك، لفت موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال ترؤسه قداساً احتفالياً في كنيسة مار مارون في المعهد الحبري الماروني في روما أمس، إذ اعتبر أنّه «بقطع النظر عن العرف القائل بوجوب نصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، يجب ألا ننسى المبدأ القانوني القائل لا عرف مضاداً للدستور». وأشار الراعي إلى أن «الدستور بمادته الـ 49 ينص على انتخاب الرئيس بثلثي الأصوات في الدورة الأولى، وفي الدورة التالية وما يليها بالغالبية المطلقة (نصف زائداً واحداً). فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافاً للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟».

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

التقى بري سراً في بيروت… ودوكان في باريس: هل أحرق باسيل كل الجسور مع فرنجية؟

 الجمعة 18 تشرين الثاني 2022

الأخبار

لم يكن موقف النائب جبران باسيل من رفض ترشيح سليمان فرنجية جديداً، لكنّ خطابه المسرّب من باريس أثناء الاجتماع مع مناصريه، أدى إلى اشتعال الجبهة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ إن باسيل أطلق مواقف تنتقِد بري، وقال إن «انتخاب فرنجية سيُعيدنا إلى عام 1990، فننتقِل من ثلاثية بري – الحريري – الهراوي إلى ثلاثية بري – ميقاتي – فرنجية». وأكد باسيل «أننا لن نسجّل على أنفسنا أننا انتخبنا حدا متل فرنجية، وما في رئيس جمهورية طالما نحنا (أي التيار) ما قبلنا ولو اتفق الكل عليه». 

على إثر هذا التسريب عمّم التيار على محازبيه «أننا في مرحلة مدّ جسور وتواصل والمطلوب عدم مهاجمة أحد في اللقاءات الداخلية وعلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي»، وأطلق توضيحاً أن «رئيس التيار لم يتهجّم على أحد، بل أوضح أمام الجالية في باريس أسباب عدم تأييده فرنجية بأنه لا يريد بالعودة داخلياً إلى تلكَ المرحلة». وسريعاً ردّ بري على كلام باسيل ببيان مختصر قال فيه: «في جميع الحالات ما كانَ الأمر عليه في عام 1990 نعتقد أنه أفضل مما قدّم لنا في السنوات الست الماضية والذي يتلخص بـ: عون- باسيل- جريصاتي».

لقاء الساعتين السري
هذه الجولة من الصراع بين الطرفين لم تكُن لتشكّل مفاجأة لولا المجريات التي سبقتها وبقيت «سرية»، إذ تبين أن باسيل زار قبل بضعة أيام عين التينة والتقى الرئيس بري بعيداً عن الإعلام. ووفقَ معلومات «الأخبار» فقد تواصل باسيل مع القائم بأعمال السفارة اللبنانية في قطر السفيرة فرح بري خلال زيارة له للدوحة وقال إنه يريد ترتيب لقاء مع رئيس مجلس النواب لتهدئة الأجواء، وهكذا كان. عادَ باسيل والتقى بري بداية الأسبوع وعبّر عن نيته فتح صفحة جديدة من أجل البلد، معتبراً «أننا كلنا لدينا أخطاء والآن لا بد من حوار بين الجميع للخروج من الأزمة»، وكانَ جواب بري مُرحباً خاصة أنه هو من دعا إلى حوار بشأن الرئاسة، ولن يمانع بفتح صفحة جديدة مع «حليف الحليف».
تسريب باسيل استتبعته مقابلة مع «فرانس 24» جدّد خلالها تأكيده على «عدم دعم ترشيح فرنجية» وقال: «لا نتفق معه على البرنامج السياسي الإصلاحي ببناء الدولة. ومع تفهمنا لمواقف أطراف أخرى مثل حزب الله بحماية البلد والمقاومة وغيره، نرى أن الأولوية اليوم لبناء الدولة». 
أما في ما يتعلق بزيارته لفرنسا، فقالت مصادر مطلعة إن «باسيل اجتمع حتى أمس مع المنسق الخاص للمساعدات الدولية للبنان السفير بيار دوكان نحو ساعتين ونصف ساعة، وكان لقاء إيجابياً». موضحة أن التنسيق بين باسيل والفرنسيين والقطريين قائم حول ثلاثة ملفات:

– الترتيبات في ما خص بدء شركة «توتال» عملها في النصف الثاني من كانون الثاني، كون باسيل مطلعاً على تفاصيله».
– تولي فرنسا دوراً بدعم اسم يتوافق عليه باسيل مع البطريرك بشارة الراعي دون الإعلان عنه، لكن ضمن سلة تضمن خروجاً سياسياً اقتصادياً من الأزمة، مع معالجة ثغر الطائف، وضغط فرنسي أكبر على السعودية.
– دور صندوق النقد بمعزل عن مجلس النواب، وهو يحاول الإيحاء بأنه هو وحده من كان يؤيد إقرار الـ«كابيتال كونترول».

حرق الجسور
ما حصلَ أمس، اعتُبِر بمثابة قطع الطريق أمام أي محاولات يقوم بها الأقربون قبل الأبعدين، وشكّل إحراجاً لحزب الله الذي دخل على خط الوساطة بين باسيل وفرنجية بشخص أمينه العام السيد حسن نصرالله. وقد اعتبرت مصادر معنية بالملف الرئاسي أن «باسيل يظهر كمن يتعمد علناً دفن أي مبادرة تؤدي إلى اتفاق بينه وبين فرنجية برعاية نصرالله». ويكون باسيل بهذا الكلام قد صعّب الموقف أكثر فأكثر خاصة أن حزب الله لا يزال، حتى اللحظة، يعتبر باسيل مدخلاً أساسياً لوصول أي مرشح إلى بعبدا».

ملفات باريس: «توتال» وصندوق النقد الدولي والرئيس التوافقي


ولم تقلّ مواقف باسيل الجديدة إثارة عن أجواء مجلس النواب صباحاً، حيث تحولت الجلسة السادسة التي دعا إليها بري لانتخاب رئيس للجمهورية إلى ساحة تجدّدت فيها الشجارات السياسية انعكاساً لتصاعد حدة الاحتقان والخلاف حول تفسير الدستور وعلى أي أساس يتم اعتماد الثلثين. أما في المضمون فسجّلت الجلسة تعديلات صغيرة حيث برز اسم سليمان فرنجية للمرة الأولى، كذلك اسم ميشال ضاهر، علماً أنه من الطائفة الكاثوليكية. وارتفع عدد الأصوات لزياد بارود إلى ثلاثة أحدها لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وصوت للنائب الياس جرادي. فيما التزم باقي نواب التكتل بمعظمهم بالورقة البيضاء، إلى جانب نواب حزب الله، حركة أمل والحلفاء وتيار المردة وبعض المستقلين السنّة المتحالفين مع الحزب كحسن مراد وجهاد الصمد.


الخارجيّة: ننسّق مع إيران ولا ضغوط أميركية
نفى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب تعرّضه لأيّ ضغوط بشأن موقف لبنان خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حيث كانت الولايات المتحدة تعمل على «طرد» إيران من عضوية اللجنة المعنية بالمرأة على خلفية الاحتجاجات القائمة في إيران.
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية إن لبنان نسّق موقفه مع الأطراف الصديقة، وإن تشاوراً واسعاً حصل في بيروت بمشاركة جميع المسؤولين في الدولة والقوى الأساسية. ونفى هؤلاء أن يكون هناك أي طلب أميركي من لبنان للتصويت لمصلحة القرار. وجاءت توضيحات وزارة الخارجية رداً على ما نشر في «الأخبار» أمس عن مقاربة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية للملف، ومسألة التجاوب مع الضغوط الأميركية.
وأمس، استقبل الوزير بوحبيب السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، ولم يفهم إذا كان النقاش قد تطرّق الى هذا الأمر، لكنه استقبل لاحقاً السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني وجرى البحث في التعاون الثنائي في المنظمات الدولية. وغرّد أماني بعد الاجتماع «إن التعاون الثنائي قائم لخدمة القضايا المحقّة، وإن الأمر تجلّى في مقاربة الوزير بوحبيب لهذا الموضوع».

مقالات ذات صلة

كلام بارد في ملف ساخن: قضيّة المطران الحاج

الإثنين 25 تموز 2022

 ناصر قنديل

– سعى البطريرك بشارة الراعي لتحويل قضية المطران موسى الحاج الى عنوان معركة سياسيّة وشعبيّة، أكبر من حجم العناوين التي تثيرها القضية بكثير. فالقضية تقوم على ثنائيّة يمكن للحوار بين الكنيسة والقضاء رسم قواعد تحول دون تكرارها دون ضجيج، وإذا استدعى الأمر الاستعانة برئيس الجمهورية كوسيط يلتزم «الحياد الإيجابيّ الناشط» يعرف البطريرك أنه وضع قضية الفارين الى فلسطين المحتلة، وبينهم العملاء، في صلب بنود التفاهم بينه وبين حزب الله عام 2006، وحصل من الحزب على مواقف أثارت نقاشاً صعباً داخل الحزب وبين حلفائه. والثنائيّة هي وضع آلية تحاول البطريركيّة فرضها بقوة الصراخ على القضاء، في كيفية التعامل مع سلك الكهنوت في المسائل القضائية، فرفع البطريرك السقف، مرة بقول أحد معاونيه أن المطارنة لا يحاكمون إلا أمام الفاتيكان. وهذه يعرف البطريرك انها إعلان فدرالية قضائية تصلح لزمن حكم المتصرفيّة أيام الاحتلال العثماني، لكن لا أحد يستطيع تخيل ان رجال الدين اللبنانيين لا يحاكمون على أي جرائم جزائيّة أمام محاكم بلدهم، بل يقوم الفاتيكان بمحاكمة بعضهم وكنيسة موسكو بمحاكمة بعض آخر والأزهر لبعض ثالث، والنجف وقم لبعض رابع. ولاحقاً عدل البطريرك معادلة الامتيازات التي يريدها للكهنة والرهبان في شروط التقاضي بالقول إنه لا يجوز التحقيق مع أي منهم او توقيفه الا بإذن من البطريرك، طالباً حصانة للكهنوت وليس لرتب منهم تشبه حصانات المدراء العامين، ما يفتح الباب لمطالب مشابهة، تجعل عشرات آلاف العاملين في الأسلاك الدينية خارج نطاق المساءلة القضائية دون إذن مرجعياتهم.
– القضية الثانية التفاوضية التي أراد البطريرك فتح ملفها، هي قضية فرض العلاقة الطبيعية بين الداخل اللبناني واللبنانيين الفارين في فلسطين المحتلة، واعتبار هذه العلاقة شبيهة لعلاقة لبنان واللبنانيين والكنيسة وسواها من المؤسسات اللبنانية بأي جالية لبنانية في المهجر، ونفي صفة الخصوصية التي يرسمها حول وضع وجودهم تحت سلطة كيان احتلال يجمع اللبنانيون على توصيفه بالعدو، رغم ما يحمله ذلك من مخاطرة تضع كيان الاحتلال ضمناً بمنزلة تشبه أي دولة عربية أو اجنبية تستضيف جالية لبنانية، حيث لا حاجة للرقابة، ولا سريان للمنع، ومفردة الحالة الإنسانية كافية لإسكات أية مساءلة قضائية أو تدقيق أمني، ولأن المطلب سقفه عال، فلا مانع عند البطريركية من حصر هذا التوصيف بالشق المسيحيّ منه.
– عملياً يدرك البطريرك استحالة الحصول على أي تكريس قانوني بالنصوص، في القضيتين، ويعلم أن أية تسوية يتمّ التوصل إليها ستبقى شفهية وظرفية، قابلة للنقض والتعديل مع تغيّر الظروف، ويعرف أن الممكن واقعياً هو الحصول عليه كان ممكناً التوصل إليه في جلسات مغلقة، مع مرجعيات قضائية يعرف أن ولاءها للبطريركية، أو مع رئاسة الجمهورية التي يعرف أنها سوف تسعى لتحقق له سقف الممكن في القضيتين، فلها مؤيّدوها في السلك الكنسيّ الذين لا تريد خسارتهم، ومظلة الحصانة تغريهم جميعاً، وقضية اللبنانيين في فلسطين المحتلة قضيته ولا يريد خسارتها ونقل مرجعيّتها الى جهات تخاصمه للمزايدة بها عليه وعلى تياره السياسي والحزبي على أبواب نهاية عهده، لذلك لا تكفي القضيتان لتفسير موقف البطريرك.
– قضيّتان أشدّ أهمية في السياسة تفسران الموقف، الأولى هي ما تناهى للبطريركية عن فقدان زمام المبادرة في المعركة التي أطلقها تحت عنوان الحياد والعداء مع السلاح بوجه حزب الله، في ظل تفاعل شعبي لبناني عام مع دور حزب الله في قضية ثروات النفط والغاز، وظهور حجم صحة الرهان على قيادته وسلاحه وتوظيف مقدراته ومعادلاته لخدمة مصلحة لبنانية لا مجال للخلاف حولها، ما يستدعي تجييش الشارع والإعلام والسياسة في قضية لا علاقة لحزب الله بها، لكنها قابلة للتوظيف ضده بالإيحاء والتلميح والتغميز، للقول تذكروا أن حزب الله عدوكم فلا تبالغوا بالتصفيق له، والثانية ما تدركه البطريركية من حاجتها لصناعة مركز تفاوضي قوي في الداخل وفي التعاطي مع الخارج على أبواب انتخابات رئاسة الجمهورية، وما يستدعي ذلك من محاولة حشر حلفاء حزب الله من المسيحيين، وخصوصا المرشحين الطبيعيين منهم في قضية تتم تعبئة الشارع خلالها تحت عنوان يستهدف حزب الله، والهدف إحراج هذه القيادات ومطالبتها بموقف الى جانب الكنيسة، تفادياً للتشهير بها علناً ومحاصرتها في الشارع.
– الحصيلة ظهرت في فشل محاولات تحشيد الأحد في الديمان، بصورة تستعيد حشوداً زادت أضعافاً في قضايا أخرى، رغم توجيه الدعوات للحشود من القوات اللبنانية والكتائب، وما تبقى من جماعة 14 آذار، ولأن حزب الله لا علاقة له أصلاً بكل هذه القضية، وقد تمّ الزجّ باسمه بصورة مفتعلة فيها، فلا هو تفاعل سلباً مع الاتهامات، ولا الناس تفاعلت معها ايجاباً، ولأن أولوية حزب الله لا تزال قضية ثروات النفط والغاز، فهو يتسامح مع كل الاتهامات المباشرة وغير المباشرة التي طالته، افتراء، بما فيها الهتافات المشينة التي صدرت في حشود الديمان، فهل تقتنع البطريركية بالعودة الى ما كان يجب عليها فعله قبل هذه المعركة الخاسرة، طالما أن قضية المطران قابلة للحل على طاولة صغيرة في غرفة مغلقة؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

ليس سواها ما يدعو للأمل

 الأربعاء 25 أيار 2022

 ناصر قنديل

كلما أصغينا أكثر للكلام السياسي في الشأن الداخلي، وكلما أمعنا النظر في أحوال الناس والبلاد، زاد الشعور بالعبث يسيطر على كل شيء، والأنا المتضخّمة تتغوّل على حساب المصلحة الوطنية، والابتعاد عن أولويات الناس لحساب استرضاء صناع الأضواء من قنوات تلفزيونيّة وسفارات، فيصير الأبيض أسود والأسود أبيض. فالتسابق على تسمية الكتلة المسيحية الأكبر ضرورة على طريق السباق الرئاسي، وبالوقت ذاته إدارة الظهر لإجماع نواب طائفة على ترشيح رئيس مجلس النواب، والسيادة شعار يرفع بوجه المقاومة وسلاحها، وتسقط جدرانها عندما يزف السفير السعودي بشرى النصر في الانتخابات معلناً أبوّته لما أسموه بنصر التغيير، ونواب التغيير الذين يتحدثون عن اللاطائفية بصفتها نصاً دستورياً ينسون أن يقرأوا المادة 95 من الدستور التي رسمت خريطة طريق للإلغاء. فتكريس التوزيع الطائفي قائم في النص الدستوريّ، بخلاف ما يقوله أحد منظري التغيير، وطريق الخروج منه واضح، هيئة وطنية لإلغاء الطائفية ومجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ، ثم إلغاء طائفية وظائف الفئة الأولى، قبل الوصول للرئاسات، التي تشكل المداورة فيها حلماً صعب التحقق. فكيف بإلغائها، فيصير النقاش بلا جدوى، حيث نواب لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يعرفون، وإن عرفوا لا يعترفون.

الدولار يقفز سريعاً، فيخرج البطريرك بشارة الراعي يقول إن المسؤول هو الخاسر في الانتخابات، والهدف هو الانقلاب على النتائج، والكلام على طريقة «الخسن والخسين بنات معاوية ولدتا في اسطمبول»، فمن يفترضه خاسراً لم يخسر، ومن يظنّه منتصراً لم ينتصر، ومن يقول إنه مسؤول ليس مسؤولاً، والمسؤول معلوم وسبق للبطريرك أن أعلنه خطاً أحمر. ومن قال إن الحل في الانتخابات، سواء كان رئيس القوات أو نواب التغيير، غير معنيّ اليوم بالتفسير، كيف يترجمون نظرية الانتخابات هي الحل، وقد وضعوا أهدافاً لما بعد الانتخابات لا مكان فيها لأولويات الناس، التي تتمثل بتسهيل استيلاد حكومة تكون خلال شهور ما قبل الاستحقاق الرئاسيّ، هيئة حوار لوضع كل القضايا الخلافية فوق الطاولة، وتضع ما يمكن اتخاذه من قرارات تنفيذيّة بسرعة لمعالجة ما يمكن معالجته بأسرع ما يمكن، وبدلاً من ذلك يتواصل خطاب التحدّي وهو حق لأصحابه، لكنه طريق للتعقيد فالتصعيد فقطع الطريق على أيّة تسويات، لا حكومة بدونها، ولا رئاسة بدونها، وبدونهما أيّ الحكومة والرئاسة، لا مؤسسات لدولة يفترض أن بناءها كان شعار التغيير. ونظرية إسقاط المنظومة طريقها هو الانتخابات، والانتخابات انتهت، ويُفترض أن ما بعدها عمل وأمل، لا صراخ وفخاخ وربما فراخ!

في مثل هذا اليوم قبل اثنين وعشرين عاماً خرج لبنان من العتمة إلى الضوء، وكل أصحاب الضجيج لم يكن لهم يدٌ في ذلك، وحدهم الذين يتلقون في صدورهم اليوم سهام التجريح والاتهام كانوا أصحاب الفضل، فتحقق النصر واندحر الاحتلال، ولولا هذه المقاومة ما كان أمن ولا كانت دولة، وتبع نصر التحرير نصر الردع وردّ العدوان في 2006، فتحقق للبنان استقرار ثابت وراسخ بخروجه من دائرة الاستهداف طوال ستة عشر عاماً، وبفضل هذه المقاومة فرض لبنان حضوره في البحر وثروات النفط والغاز، فاضطر الإسرائيليّ لانتظار التفاوض، واضطر الأميركي لإطلاق الوساطة. ولولا هذه المقاومة لبدأ الإسرائيلي استخراج ثرواتنا وتصرّف بها، وكل ما بين أيدينا وفقاً لوصفات المتربّصين بالمقاومة وسلاحها، الشكوى لمجلس الأمن، وقد خبرها اللبنانيون اثنين وعشرين سنة ما بين الاجتياح الإسرائيلي الثاني عام 1978 والتحرير عام 2000، فلم تسمن ولم تُغنِ عن جوع. وبفضل هذه المقاومة صار الخيار العسكريّ لفرض الهيمنة الخارجية والفتنة الداخلية معلقاً، حيث مَن يريد لا يقدر ومَن يقدر لا يريد، فتحصّن السلم الأهلي.

منسوب الكرامة الذي حققته انتصارات المقاومة كان فوق مستوى قدرة السياسة في لبنان على التحمّل، ولولا هذه المقاومة لما كان هناك ما يدعو للأمل.

مرة أخرى يبدو أن الحلول لن تأتي من نضج الداخل، بل من حاجة الخارج لتسويات يجبره على البحث عنها وجود المقاومة وقوتها، فنتحمل تخلف الداخل وتفاهة السياسة فيه وقصر نظر السياسيين وعبثهم، بقوة صبر وبصيرة هذه المقاومة.

مقالات متعلقة

مقالات متعلقة

أزمة أوكرانيا تثبت: حياد لبنان أمر غير قابل للتطبيق

الجمعة 4 آذار 2022

العميد د. أمين محمد حطيط

منذ فترة من الزمن يروّج في لبنان مع اندلاع العدوان على سورية بحرب كونية قادتها الولايات المتحدة، ابتدع لبنان شعار النأي بالنفس حتى يتنصّل من موجباته التي يفرضها العديد من المعاهدات المعقودة بينه وبين الدولة السورية ويؤمّن لأميركا ما تبتغيه من حصار.

 شعار رفعته آنذاك الحكومة التي كان يرأسها نجيب ميقاتي رئيس الحكومة الحالي الذي يجاهر اليوم بانّ «السعودية هي قبلته السياسية كما هي قبلته الدينية»، رغم انه يُصرّ أو يتظاهر بأنه ملتزم بسياسة النأي بالنفس وهو كلام تنفيه الوقائع.

بيد أنّ الشعار المرفوع الذي يوحي بأنّ لبنان لن يكون مع طرف دون آخر في الحرب على سورية، هذا الشعار لم يطبّق في الميدان من قبل أحد فلا الحكومة عملت به ولا مكونات السياسة اللبنانية احترمته، حيث انّ الحكومة انصاعت لأوامر الغرب بالقيادة الأميركية في أكثر من ملف يعني سورية، بخاصة في مسألة النازحين السوريين كما وفي مسائل مالية وسياسية أخرى ولم يسجل من النأي بالنفس سوى بعض المواقف اليتيمة التي اتخذها مندوب لبنان في الجامعة العربية وما عدا ذلك فقد كان انحياز لبنان الرسمي الى خصوم الحكومة السورية واضحاً من غير التباس.

أما اللبنانيون فقد كان انقسامهم واضحاً أيضاً حيال المسألة، ففي حين ذهب فريق منهم للقتال الى جانب الدولة السورية قتالاً رأى فيه انه من طبيعة العمل الاستباقي للدفاع المشروع عن النفس، فقد التزم أطراف آخرون يعملون بأوامر وإملاءات أميركية موقع العداء للحكومة السورية ونصرة من يقاتلها من مجموعات داخلية مسلحة او إرهابية استقدمت من الخارج او حتى تشكيلات عسكرية احتلت أرضاً سورية، كما هو حال القوات الأميركية والتركية. مواقف متناقضة أظهرت انّ الانقسام عمودي حادّ بين اللبنانيين دون أن يكون هناك بين الطرفين مساحة مشتركة للتفاهم.

في ظلّ هذا الوضع الخلافي أطلق البطريرك الماروني الدعوة الى حياد لبنان وأيّده في دعوته معظم الأطراف الذين جاهروا بالعداء للدولة السورية والعداء للمقاومة التي وقفت الى جانب سورية في حربها الدفاعية ضدّ الإرهاب والاحتلال الأجنبي لأراضيها، وكان بديهياً أن تنظر المقاومة الى الدعوة هذه بعين الريبة والحذر خاصة أنها ترى في سلوك من أطلقها ومن أيّده كامل الانحياز الى الغرب بقيادة أميركية وكامل الانصياع للإملاءات الأميركية وكامل الانبطاح أمام دول الخليج المنصاعة أصلاً لأميركا والتي تنفذ عدواناً تدميرياً على اليمن.

في ظلّ هذا المشهد انفجر الوضع في أوكرانيا وبدأت روسيا بتنفيذ عملية عسكرية خاصة عبر حدودها، عملية حددت أهدافها بأنها ذات طبيعة دفاعيّة من أجل ضمان حياد أوكرانيا وعدم تحوّلها الى منصة للحلف الأطلسي الذي يجاهر بالعداء لروسيا وبأنها لا تنوي احتلالاً للدولة تلك بل جلّ ما تريده ضمان أمنها القومي الذي ينتهك بالخطط الأطلسية بقيادة أميركية. أما الغرب فقد نظر الى العملية العسكرية الروسية بأنها عدوان موصوف، وأنه سيواجهه بشتى الوسائل السياسية والإعلامية والاقتصادية وتقديم المساعدات العسكرية لحكومة كييف من غير التورّط بإرسال تشكيلات من جيوش الغرب خشية الانزلاق الى حرب عالمية أطرافها دول نووية.

لقد ظهر الصراع في أوكرانيا وحولها انه صراع بين روسيا التي تبرّر أعمالها العسكرية بحق الدفاع عن النفس بأسلوب استباقي وبين الغرب بقيادة أميركا التي جهدت لاستدراج روسيا الى هذا الموقع من أجل الإجهاز عليها وتفكيكها بتكرار ما قامت به ضدّ الاتحاد السوفياتي بعد احتلال أفغانستان. ورغم هذا الوضوح في طبيعة الصراع فإنّ لبنان سارع وفي الساعات الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية، لإدانة روسيا والمطالبة بوقف عمليتها ثم صوّت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار أميركي أوروبي اعتمد ضدّ روسيا، مؤكداً في مواقفه بأنه ليس على الحياد ولا يتقيّد بما ورد في البيان الوزاري للحكومة من شعار النأي بالنفس، فهل أصاب لبنان أم أخطأ في مواقفه؟ وهل الحياد ممكن والنأي بالنفس مستطاع؟

من البديهي أن يكون لبنان وهو من الدول المؤسسة للأمم المتحدة صاحب سياسة تدعو الى الأمن والسلام وحلّ النزاعات بالطرق السلميّة بعيداً عن الاحتكام الى القوة والسلاح مع ما يستتبعه من قتل وتدمير وتشريد وهو الدولة التي عانت ولا تزال تعاني من العدوان والاحتلال «الإسرائيلي» وعلى أرضها وحقوقها وسيادتها. ولكن على لبنان قبل ان يتخذ موقفاً من صراع دولي أن يتحقق ويمحّص انعكاسات موقفه وتداعياته عليه وعلى سياسة الحياد التي يدّعيها. ولكن هل يستطيع لبنان أن يصمد أمام الضغوط الأجنبية عامة والأميركية ـ الأوروبية ـ الخليجية خاصة؟

لقد أثبتت التجربة في لبنان أنّ القول شيء والفعل والممارسة شيء آخر، والأمر رهن بمن يتولى زمام الأمور في البلاد، فإذا تذكرنا أيام تلت طرد «إسرائيل» من جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ وكم صمد لبنان أمام الضغط الأميركي الرامي لحمله على التنازل امام «إسرائيل» عن حقوقه في أرضه، لوصلنا الي نتيجة مفادها انّ لبنان المتمسك بحقه وبجيشه وبمقاومته قادر على مواجهة الضغوط الأميركية، فقد حاولت مادلين أولبريت وزيرة الخارجية الأميركية وعبر مكالمات هاتفية لمدة أربع ساعات ان تثني لبنان عن مواقفه ولم تستطع وانتزع لبنان حقه في أرضه كما رآه.

بيد انّ نتائج الضغط الأميركي على لبنان في المسألة الأوكرانية جاءت بنتيجة معاكسة، حيث إنّ هاتف او زيارة من سفيرة أميركا الى المسؤولين أنتجت بيان إدانة لروسيا بسرعة قياسية سبق لبنان فيها كلّ الدول العربية ومعظم الدول الأوروبية، ثم كانت زيارة أخرى حملت لبنان على دعم الموقف الأميركيّ في مجلس الأمن ضدّ روسيا.

وهنا قد يروق للبنانيين الذين اتخذوا هذه المواقف من غير العودة الى مجلس الوزراء الذي هو حسب الدستور السلطة التنفيذية التي ترسم وتنفذ سياسات الدولة، قد يروق لهم القول بأنّ موقف لبنان منسجم مع مبادئه الرافضة للعدوان والاحتكام للقوة في حلّ النزاعات. ولكن أيضاً من مبادئ لبنان دعم الحق المشروع بالدفاع عن النفس، وهنا يجب ان نأخذ بالاعتبار الهواجس المشروعة لكلّ من الطرفين، الامر الذي لم يعمل به لبنان بنتيجة الضغط الأميركي.

هذه الوقائع تفضي بنا الى نتيجة واحدة وهي انّ الحياد المطلوب هو أمر غير مضمون في بلد كلبنان في ظلّ ضعف الدولة ووهنها ووجود ساسة لديهم مصالح يخشون عليها، فالحياد موقف لا يمكن ان يتخذه إلا قوي لا يخشى تهديداً ولا يستجيب لإملاء، أما الضعيف الخائف على مصلحة مالية او سواها، فإنه ينظر الي مصلحته ويتخذ الموقف الذي يحفظها دون التوقف عند تأثير ذلك على الدولة والوطن الذي يتولى مسؤولية فيه، وأخيراً نذكر بشروط الحياد التي هي الى جانب القوة الذاتية، هناك القبول الخارجيّ فهل يقبل الخارج بحياد لبنان ويدعه وشأنه أم يريد لبنان منصة ومسرحاً وقاعدة لعملياته وسياسته؟ الواقع يثبت انّ من يطلب حياد لبنان هو كمن يبحث عن النجوم في رابعة النهار. فتحوّلوا الى امتلاك القوة والبحث عمن يتولى الشأن العام ويقدّمه على أموره الخاصة.

*أستاذ جامعيّ ـ باحث استراتيجيّ

كلام جعجع عن سعر الصرف وكلام شيا عن الغاز والكهرباء

الاربعاء 12 كانون أول 2022

 ناصر قنديل

اذا وافقنا على دعوة حزب القوات اللبنانية لقراءة كلام رئيسه عن ربط تحسّن سعر الصرف تلقائياً إذا فازت القوات بالانتخابات، بنيّة حسنة بصفته ربطاً يستند الى قراءة القوات لأزمة سعر الصرف، كما قال جعجع، بصفتها أزمة انعدام ثقة سببها وجود أغلبية نيابية وسياسية حليفة للمقاومة، وأن انقلاب هذه الأغلبية سيعيد هذه الثقة، وبالتالي سيعيد لسعر الصرف معادلته الاقتصادية، بدلاً من السياسية، والسعر الاقتصادي للدولار، كما قال جعجع، أقل بكثير من سعر السوق، فإن هذه القراءة بالنية الحسنة لن تكون لصالح القوات ورئيسها على الإطلاق، ولعلها تكون مدخلاً لاستنتاجات أشد قسوة بحق القوات ورئيسها من القراءة التي تتهمها القوات بشيطنة كلام رئيسها، وأخذه في سوق المزايدات الاتهاميّة.

سننطلق من كلام جعجع نفسه ودون أية إضافة، كما ورد أعلاه، ونثبت نقاط اتفاق معه، أولها أن السعر السائد والمرتفع والمتصاعد ارتفاعاً، هو سعر سياسي وليس مطابقاً للسعر الاقتصادي الأدنى حكماً من هذا السعر السياسي، وثانيها أن وراء هذا السعر السياسي هو هذا الصراع على وجهة لبنان السياسيّة بين وجهتين، واحدة تمثلها المقاومة وتحالفاتها، والثانية تمثلها جبهة داخليّة يقدّم جعجع وحزبه نفسيهما كطليعة لها، وتضم معهما مرجعيّات روحيّة وقوى وشخصيّات وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني، وكل منهم يجاهر بموقفه المعادي للمقاومة، ويتهم الوجهة السياسية التي تمثلها بالتسبب بعزل لبنان عربياً ودولياً وحرمانه من دعم قوى خارجية تملك قدرات مالية كبرى، ما تسبب بأزمته المالية ويتسبب بتفاقمهما؛ وتقف وراء هذه الجبهة الداخلية، جبهة خارجية تبدأ من واشنطن وتنتهي في الرياض، تقول إنها تخوض علناً معركة تحجيم واضعاف حزب الله وتحالفاته، وتعتبر الانتخابات النيابية فرصة لتحقيق هذا الهدف، وتربط علناً كما تقول بيانات وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الوزراء السعودي، أي مساعدة للبنان بوقوف اللبنانيين بوجه حزب الله ومقاومته، وتعاقب قوى سياسية بتهمة التحالف معه، وتعلن استعدادها لفك هذه العقوبات إذا فكت هذه القوى حلفها مع حزب الله.

هذا التفسير الذي يقدّمه الفريق الذي يتصدر جعجع وحزب القوات النطق بلسانه داخلياً، عبرت عنه السفيرة الأميركية دورتي شيا عندما أرادت الرد على سفن كسر الحصار التي جلب حزب الله عبرها المازوت الإيراني الى لبنان عبر سورية، فأعلنت بلسان إدارتها كسر العقوبات الأميركية المفروضة على لبنان لمنع استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، فالأمر الذي تحدّث عنه جعجع ليس مجرد تكهّن سيكولوجي، بل هو معرفة الشريك بالشريك وما يفعل، فالسلة العقابيّة التي يقع لبنان تحت وطأتها ثمن فكها أن يتخلى لبنان عن خيار سياسي وينتقل الى خيار معاكس. والسلة هي، أولاً فتح وإغلاق الأسواق الخليجية أمام الصادرات اللبنانية الزراعية والصناعية ورفع او إقامة الحظر عن السياحة والودائع الخليجية الى لبنان، وثانياً تصنيف لبنان الائتماني لدى الشركات الأميركية الممسكة بأسواق المصارف العالمية وما يترتب على التصنيف من تعامل مع الديون والخطوط الائتمانية واستطراداً تعامل الصناديق والبنوك الدولية مع طلبات لبنان للقروض، وثالثاً السماح بحرية التبادل التجاري بين لبنان وسورية والعراق وإتاحة قيام مشاريع جر النفط العراقي واقامة مصافي النفط اللبنانية، ورابعاً الإنجاز السريع لترسيم حدود ثروات النفط والغاز اللبنانية وفق ما يحقق مصلحة لبنان ويتيح له استثمار ثروات بالمليارات، ويحرر الشركات المعنية بالتنقيب من القيود التي منعت، ولا تزال، قيامها بالتزاماتها. وتكفي مراجعة الخطوات الأميركية والسعودية تجاه لبنان لعشر سنوات مضت ورؤية عكسها لمعرفة ما يبشرنا جعجع بأنه سيحدث إذا انقلب لبنان لصالح الرؤية الأميركية السعودية، التي يجاهر جعجع بتمثيلها، لكن السؤال هو هل سيحدث فعلاً؟

لا حاجة للقول إن وهم نيل الأغلبية كحل سحري لن يبدل وجهة لبنان التي بدأ العقاب الأميركي السعودي لتغييرها، يوم كانت الأغلبية النيابية مع حلفاء واشنطن والرياض قبل عام 2018، ولا حاجة للقول إن نقطة البداية التي يعد بها الأميركي والسعودي هي مجرد نقطة بداية، أولها خذوا الأغلبية، ثم القول هذا غير كاف فشكلوا حكومة لون واحد، ثم خذوا قرارات تشبه قرار حكومة السنيورة في 5 أيار 2008 بتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، وصولاً لوصفة الحرب الأهلية الكاملة، وعندها يتفرّجون على لبنان يحترق، وربما تشترك «إسرائيل» في المحرقة، وبعدها لا نفط ولا غاز ولا مَن يحزنون بل هيمنة «إسرائيلية أحادية على ثروات لبنان طالما أن القوة التي يحسب لها «الإسرائيليون» الحساب لم تعد قادرة على فرض معادلة الردع، ولا أسواق مفتوحة مع الجوار ولا من يسوّقون، بل تسوّل للمساعدات على طريقة الدول التي ترتضي دور الملحقات في المحور الأميركي السعودي، ووضع شرط مضمونه الإلتحاق بركب صفقة القرن بعنواني التطبيع وفتح الأسواق للمصارف الإسرائيلية والمرافئ الإسرائيلية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين وربما النازحين السوريين في لبنان، طالما ان الجهة التي عطلت على «إسرائيل» وشركائها مسار صفقة القرن والتطبيع والتوطين قد تم إضعافها.

وحدها وصفة الوفاق الوطني تنقل لبنان الى ضفة يحفظ فيها أسباب القوة التي تحمي ثرواته السيادية ومصالحه الوطنية العليا، وتبني دولة قادرة على وضع سياسات اقتصادية ومالية عنوانها القرار السيادي في النفط والغاز والانفتاح على دول الجوار، وتعزيز مكانة الاقتصاد المنتج، وهيكلة القطاع المصرفي الذي كان شريكاً ومعه مصرف لبنان في تدمير لبنان مالياً وتضييع ودائع اللبنانيين، ووضع آلية قضائيّة غير انتقائية لملاحقة الفساد، لكن ما يقوله سمير جعجع واضح، لبنان محاصَر ومعاقَب ومحروم من حقوقه بقرار أميركيّ سعوديّ، وأنا رجل الأميركي والسعودي وإذا انتخبتم القوات كمحور للأغلبية ولاحقاً سمير جعجع رئيساً للجمهورية عندي ضمانات برفع هذه العقوبات وهذا الحصار. فهل يشَرّف أحداً أن يكون شريكاً في حصار بلده وأهله وأن يحمل لهم شروط الذل التي يفرضها عليه من يحاصره ويعاقبه؟

أصحاب الحياد والفيدرالية يريدون الفوضى فقط

 ناصر قنديل

منذ سنتين وفي أعقاب أحداث 17 تشرين 2019 ، خرجت بقوة ووضعت في التداول نظريات سياسية وتبنتها مراجع كبيرة، ما أوحى بجدية هذه الطروحات من جهة، وأنشأ جدلاً واسعاً حولها بين مؤيد ورافض، ولدى تفحص هذه الطروحات ستظهر من بينها دعوة الحياد والدعوة للفدرالية في المقدمة، ويظهر فوراً أنهما كغير طروحات مشابهة تنطلقان من سياق تفكيري واحد، هو السياق الذي بنيت عليه الحملة الأميركية ضد المقاومة، وقوامها تحميل المقاومة مسؤولية الأزمات القائمة في البلد، بينما تبدو وظيفة الدعوات المرافقة تثبيت معادلتين في اللاوعي الجمعي لجماعات لبنانية، الأولى ربط مشكلات لبنان بالمقاومة، والثانية تأكيد استحالة العيش مع المقاومة وطروحاتها، أكثر مما هو السعي لتحقيق هذه الطروحات، التي يبدو لدى تفكيك منطقها، أن الحوار الوطني بين المقاومة ومخالفيها طريق أقصر للتفاهم من الدعوة المسبقة للطلاق المستحيل.

النظر في الدعوة للحياد بمعزل عن صحتها، من زاوية واقعيتها، أي قابلية تحقيقها، يبدأ من طرح سؤالين، الأول يتصل بشرط التقدم بها نحو الخارج المطلوب موافقته ودعمه وحماسته، والشرط هو وجود توافق وإجماع وحماسة في الداخل لحساب الدعوة للحياد، والتدقيق في هذا الشرط في البحث عن الحد الأدنى للحد الأدنى لأدنى إمكانيات التوافق  من دون طلب الحماسة، سيوصلنا إلى أن التلاعب بمفهوم الحياد لوضع استثناء رئيسي فيه هو العداء مع «إسرائيل»، يمكن أن يزيل بعض التحفظات الداخلية على الدعوة، ويمنع تحول الدعوة للحياد من دون مراعاة هذا الشرط التوافقي سيذهب بلبنان إلى حرب أهلية وحرب مع سورية، التي لا يمكن لطلب الحياد أن يحظى بالجدية من دون موافقتها وفقاً للقواعد القانونية لطلبات الحياد، وعندما ننطلق من إجماع داخلي مشروط بالعداء لإسرائيل نحو الخارج ونسأل ما هو الشرط الخارجي الذي يضمن الحد الأدنى من الحد الأدنى لأدنى مقومات القبول الغربي، خصوصاً الأميركي بحياد لبنان، سنجد أنه بوضوح لا لبس فيه أن يكون هدف الحياد هو الحياد عن الصراع مع «إسرائيل»، ويسهل علينا هنا معرفة أن دعوة الحياد مفخخة يتكفل شرطها الداخلي وشرطها الخارجي بتفجير فرصها من الطلقة الأولى.

الدعوة للفيدرالية تنطلق بلسان الدعاة إليها من شروحات نظرية وقانونية، كما هو الحياد، لمنح النظرية شرط الفخامة، فيشرحها متخصصون قانونيون درسوا النموذج السويسري، ويسرفون في شرح الكيفية التي تدار بها المقاطعات والكانتونات، ومقابلهم آخرون درسوا النموذج البلجيكي ويقفون يباهون بقدرته على إدارة التنوع، فيجيبون على سؤال غير السؤال المطروح، ويبقى السبب في مكان والنتيجة في مكان، فمنطلق البحث في الفيدرالية سياسياً هو القول إن سياسات المقاومة لا تلقى إجماع اللبنانيين، وأن جماعات لبنانية طائفية غير مستعدة لتحمل تبعات هذه السياسات، سواء لجهة ما ينتج من أزمات مع  الدول العربية والغربية أو ما يترتب على الاقتصاد واستطراداً وضع الليرة، ومن هنا تطرح الفدرالية كجواب خاطئ على سؤال خاطئ، أو بأحسن الأحوال جواب خاطئ على سؤال صحيح، أو جواب صحيح على سؤال خاطئ، لكنها قطعاً ليست الجواب الصحيح على السؤال الصحيح، فبعيداً من صحة وعدم صحة ربط الأزمات بخيارات المقاومة، لا تشكل الفيدرالية  ببساطة جواباً صالحاً، لأنها تقوم على وحدة السياسات الدفاعية والخارجية ووحدة العملة الوطنية، بينما تتيح الفيدرالية تطبيق مقاربات مختلفة لشؤون داخلية مثل قوانين الأحوال الشخصية، والضرائب، واللغات والديانات سواها من مظاهر التنوع، لحساب احتفاظ الدولة الفيدرالية الجامعة بسياسة دفاعية وسياسة خارجية وعملة موحدة، فمن يريد التخلص من عائد السياسات الخارجية والدفاعية والتحرر من تبعات ذلك على العملة لن تفيده الفيدرالية بشيء.

الطريق المسدود لهذه الدعوات لا يبدو خافياً عن أصحابها، لكنهم على رغم ذلك يقومون بتكرارها والتشبث بها، بحيث يبدو العائد الوحيد لطروحاتهم، هو تكريس الانقسام، وزرع فكرة اليأس من تحقيق التفاهم بين اللبنانيين، وزرع نظرية تحميل المقاومة مسؤولية الأزمات، وهذه كلها وصفات للفوضى وليس للاستقرار.

فيديوات متعلقة

اخبار متعلقة

لماذا يتمسّك الراعي بلبنان الغربي؟


الاربعاء 11 آب 2021

 د. وفيق إبراهيم

مفهوم الغرب والشرق انتهيا مع الصعود الصيني الصاروخي الذي اكتسح العالم منذ عقد تقريباً، واندثر أيضاً مع انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات.

وتوحد العالم في صيغة صراعات سياسية غير فكرية تقوم على الاقتصاد، وبذلك لم يعد هناك لا شرق ولا غرب بالمفهوم التاريخي للكلمة.

لكن فئة من اللبنانيين تعتقد بأنها غربية الاتجاه من دون ان تلمّ بهذه المفاهيم الجديدة.

اين تكمن المشكلة؟ انها في المفهوم اللبناني الخاص لكلمة «غرب» وهذا يعني بالنسبة لهذا اللبناني نشوء تحالفات مع أميركا وفرنسا وانسحاباتها في المشرق من السعودية الى «إسرائيل» والتواطؤ معها في لعبة تحفظ للبنان انسجاماته التاريخية، وتحفظ له كلمة غربي الاتجاه وهو ليس كذلك بقدر ما هو أميركي وفرنسي.

لذلك فإنّ ما يؤسف له أنّ الكاردينال الراعي راعي الكنيسة المارونية هو واحد من هؤلاء، فهو يعتقد انّ الولاء لفرنسا وأميركا يحفظ للبنان طابعه الغربي بما يعنيه من علاقات بالكنيسة الانتدابية مع فرنسا على مستويين ديني وسياسي.

فالكاردينال يربط بين استمرار المفهوم الغربي للبنان يعني مواصلة السيطرة عليه بأشكال دينية متعددة.

اليوم يعود الراعي الى التمسك بمفهوم أصبح بالياً رثاً ولا يؤمن بالأفكار الدينية للسيطرة على الدول.

يكفي ان يلقي الكاردينال الراعي نظرة الى الصراعات الدولية المشتعلة حتى يتبيّن له انّ الدين لم يعد عاملاً في جذب الدول للسيطرة على الاقتصادات، فها هي أوروبا ونصف العالم تجري وراء الصين وهي البلد الملحد وها هي أوروبا الشرقية الخارجة من أنظمة ملحدة لا تؤمن ولا تقبل بمفهوم كلمة غرب.

كان من الضروري إطلاق هذه التحليلات للكشف على انّ المفهوم الغربي اندثر مرة واحدة واصبحت الدول تتواصل بمفاهيم الحلف السياسي والاقتصادي وفقط وهذه بدورها تفتح الأبواب للصراعات العسكرية وكلّ أنواع القتال والتنافسات الاقتصادية، لذلك فإن ما ذهب اليه الكاردينال يتناقض مع التاريخ والاقتصاد، فكيف يمكن للبنان ان يرفض عقوداً لشراء نفط شبه مجاني من العراق وان يرفض أيضاً عقوداً مماثلة من إيران وسورية للغاز والنفط والمواد الغذائية.

وهذا يدلّ على انّ السياسة التي تتبنى المفهوم الغربي تطفى على المصالح الاقتصادية للدول ويكشف أيضاً انّ هناك من يتمسّك بالمفهوم الديني على حساب الوحدة الاجتماعية للشعوب؟

هنا تعتقد بعض النخب الدينية والسياسية أنها بسياسات كهذه إنما تحافظ على لبنان الانتداب الفرنسي غير عابئين بتطوّر الشعوب والدول وبانتهاء شبه كامل للهيمنة الفرنسية على العالم حتى انّ النفط في أيّ إمارة خليجية صغيرة أصبح أكثر أهمية من انجلترا على سبيل المثال.

صاحب التمسك بلبنان الغربي الكاردينال الراعي يعتقد انّ هذا الأمر يحفظ له لبنان عصر الانتداب ولا يعبأ بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية في الداخل.

لذلك فإنّ تمسك الكاردينال بالمفهوم الغربي له أبعاد دينية صرفة وهذا لم يعد معمولاً به في لبنان على نطاق كبير.

نعم فلبنان طائفي لكنه لا يرتكز فقط على هذا المفهوم، بل يتحالف مع أفكار قومية واقتصادية ولا يعبأ بتجديد المفهوم الديني كوسيلة للتعمق في التحالفات.

فهل هناك من يدفع نحو حروب داخلية تفرز لبنان بين شرق وغرب لم يعودوا موجودين منذ 1989.

يبدو انّ طروحات الكاردينال الراعي لا تدفع نحو حروب أهلية لكنها قد تؤدي اليها بشكل غير مباشر، فحزب الله الذي يستهدفه الكاردينال بين الفينة والأخرى لا يقاتل من أجل مشروع مذهبي بل يذهب نحو تحرير كامل للبنان من العدو «الإسرائيلي».

انّ الذي يحول دون الحرب الأهلية المنبثقة من خطابات الراعي هو حزب الله الذي تلقى أكبر كمية من انتقادات الراعي.

لأنّ حزب الله مُصرّ على أنه يدافع عن لبنان بكامل فئاته الدينية والاجتماعية والكيانية مقابل طروحات عن غرب أبدى أكثر من مرة استعداده لكلّ شيء مقابل مصالحه.

فهل تنجح طروحات الراعي؟ انها ذاهبة نحو التحلل والانهيار لأنّ اللبنانيين باتوا متأكدين من أنّ مصلحتهم هي في اندماجهم ضمن لبنان الوطن الوحيد والقادر على الازدهار.

لا أريد لكم أن تكونوا سبّابين شتّامين

الخميس 12 08 2021

 ناصر قنديل

  الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مخاطبته لجمهور المقاومة ونخبها وصناع الرأي فيها في سياق خطبته في مناسبة عاشوراء، متناولاً قواعد الحرب الإعلامية، وتوقفه أمام الحاجة إلى نبذ لغة الشتيمة والتجريح الشخصي، حتى في سياق الرد على الشتيمة والتجريح، مستعيداً قول الإمام علي لقادة جيشه أثناء حرب صفين، “لا أريد لكم أن تكونوا سبّابين شتّامين “، بعدما بلغه أنهم ردوا على شتيمة قادة جيش معاوية لعلي نفسه بمثلها، هام جداً وجدير بالتوقف أمام مشهد الخطاب السياسي والإعلامي الذي تحول إلى السباب والشتائم.

الدعوات التي أطلقت استنكاراً للتعرض لمقام البطريرك بشارة الراعي، عبرت عن جزء من المشكلة التي يعاني منها التخاطب السياسي في لبنان منذ سنوات، وهنا تجب المصارحة في جذور شيوع هذا المناخ، حيث يسجل لقادة قوى الرابع عشر من آذار سبق الفتح والمبادرة مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري لابتكار نظرية الشتم السياسي تحت شعار الغضب، وقد نال الرئيس السوري بشار الأسد النصيب الأكبر منها، وزاره بعد سنوات اعتذاراً عن إطلاق الاتهام السياسي لسورية بالاغتيال، قائدان بارزان من قادة الحركة كان لهما باع طويل في إطلاق الشتائم منذ لحظة الاغتيال حتى زيارة كل منهما لدمشق، ودليلاً على أنّ الشتيمة كانت منهجاً سياسياً واعياً وليست تعبيراً عن الغضب، عاد هذان الزعيمان وغيرهما إلى لغة الشتيمة بحق الرئيس السوري بعد أحداث سورية عام 2011 من دون وجود أي مقدمات لنزاع يخصهما أو يخص لبنان في تلك الأحداث، والدلالة الأهم على أنّ الشتيمة كانت منهجاً، ما جرى مع السيد نصرالله نفسه إثر حرب تموز وتوصيف سلاح المقاومة بسلاح الغدر والخيانة، وهذا كان قبل أحداث 7 أيار 2008، التي يمكن فهم الغضب والانفعال خلالها، وفي تصريح علني لأحد قادة هذه الحركة قال: لقد حققنا إنجازاً بإسقاط الهالة عن السيد نصرالله، وجعله في التداول يُشتَم ويُهان، وفي ذلك كسر لمعادلة المهابة.

لم يُخفِ الأميركيون و”الإسرائيليون” قناعتهم بنظرية إعلامية عنوانها كسر المهابة، رافقها تنظير لموقع مهابة القادة في معادلات موازين القوى، خصوصاً عند الحديث “الإسرائيلي” عن مكانة ومهابة السيد نصرالله في صناعة موازين الردع، وبعد تجربة قوى الرابع عشر من آذار جاءت تجربة 17 تشرين التي خرج من اعتبروا أنفسهم قادتها ونصّبوا أنفسهم ناطقين بلسانها، للتنظير للشتيمة بصفتها جزء من صناعة موازين القوى لإسقاط ما يسمّونه بالطبقة السياسية، فصار “الهيلا هيلا هو “ الذي استهدف والدة النائب جبران باسيل، بالتعرُّض لشرفها، مدعاة تفاخر بصفته إنجازاً فكرياً وثقافياً، صنعته إحدى كبريات شركات الإعلان، وقبضت لقاءه مبلغاً دسماً، وهذا يؤكد النظرية وصاحبها الأميركي، فقد سبق ذلك كلام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان عن أولوية النيل من باسيل كمهمّة راهنة في الحرب على حزب الله وكيفية استثمار الانتفاضة في ذلك.

في الحصيلة ثبت أنّ كلّ محاولات شيطنة الرئيس السوري والسيد نصرالله لم تغير في موازين الصراع، فانتصرت سورية في حربها ووقفت أغلبية الشعب السوري وراء رئيسها وزادتها الشتائم تمسكاً به وتماسكاً معه، وسجلت المقاومة بقيادة السيد نصرالله مزيداً من النمو الشعبي والعسكري وصناعة المعادلات الجديدة، ولم تفتّ الشتائم في عضدها ولم تفلح في إضعافها، وثبت بالفعل أنّ الشتيمة هي حجة الضعيف الفاقد للمنطق والحجة كما قال السيد نصرالله في دعوته جمهور المقاومة إلى الابتعاد عنها، لكن هذا لا يجب أن ينفي الحاجة إلى مراجعة فوارق حقيقية بين تورط بعض الغاضبين في جمهور المقاومة من كثافة الشتائم التي تلحق بهم وبرموزهم باللجوء إلى الرد على الشتيمة بمثلها، من دون أن يتورط قادة ورموز بمثل هذا الفعل، ومهم جداً أن يدعوهم السيد نصرالله إلى الامتناع عن ذلك، وبين كون التجريح بالمقاومة ورموزها لا يأتي في سياق ردّ فعل جمهور غاضب من الشتيمة والتجريح، بل هو متجذر وسابق لها عن سابق تصور وتصميم،  يأتي تعبيراً عن سياسة، ولمن يحتاج إلى دليل، نسأل ماذا يعني أن يغرد أحد قادة حركة الرابع عشر من آذار باسمه الصريح  فيقول “السيد نصرالله لا يستحي” ، وماذا يعني أن يغرد آخر علناً فيقول “السيد نصرالله يكذب”، وماذا يعني أن يخرج مقام محترم بالقول إن حزب الله كله ليس لبنانياً وهو مجرد امتداد إيراني في لبنان؟ ومعلوم أنّ هذا طعن يصيب في الكبد أسر آلاف الشهداء الذين سقطوا لتحرير لبنان من الاحتلال، وقد سبق للمقام المحترم نفسه أن قال إنه يقدّر لهم تضحياتهم، أليس هذا كله استفزاز لاستثارة الغضب؟ ورغم صحة دعوة السيد نصرالله إلى إجهاض الهدف بعدم الاستجابة للاستفزاز وكظم الغيظ والغضب والرد بالحجة والمنطق، يجب توجيه السؤال للذين استنكروا ما اسموه التعرض لمقام البطريرك، ألم يكن أفضل لهم وللبنان أن يلتزموا هم أولاً بوقف الشتائم، وأن يتبنوا بحصيلة التجربة المرة الدعوة إلى ميثاق شرف سياسي إعلامي يترفع عن التجريح والإهانات والشتائم، ومعيار ما هو مقبول وماهو غير مقبول يبدأ من عدم طعن أحد بلبنانية ووطنية أحد، وعدم تعرض أحد لأخلاق وقيمة أحد؟

نعم لا يجوز النيل من كرامة أحد، والشتيمة إساءة لصاحبها قبل أن تكون إساءة لمتلقيها، ومناقشة المقامات في قولها السياسي حقّ مشروع، لكن المطلوب أن يكف البعض عن وهم الاعتقاد بأنّ الشتيمة تعدل موازين القوى ويشجع على ممارستها ويرفضها انتقائياً ونفاقاً، لأنّ الطريق لنبذها، هو الإجماع على النبذ وفي كل اتجاه، ومهما كانت جهود السيد نصرالله وأمثاله عظيمة ومشكورة ومطلوبة، فيد واحدة لا تصفق لكنها تطلق النداء، فهل من مستجيب؟

محاولات التحوّل من حائر إلى قائد

 سعادة مصطفى أرشيد _

يحتاج نفتالي بينيت رئيس وزراء (إسرائيل) الهابط من عالم الإعمال والتجارة إلى عالم السياسة، أن يبدو بمظهر قوي، قادر على الاشتباك وتحقيق انتصارات عزيزة وبعيدة عن قدراته، وهو قد تسلّم الحكم من بن يامين نتياهو المتمرّس والذي استطاع حفر اسمه عميقاً في تاريخ دولته القصير، بما يملك من دهاء وقدرات استثنائية، وها هو مستمر في دوره كقائد للمعارضة، قادر على نصب الكمائن وإحاكة المؤامرات بهدف إسقاط خصومه الكثر، الذين لا يجدون ما يجمعهم سوى رغبتهم في إخراجه من عالم السياسة سواء كرئيس وزراء أو كزعيم معارضة، ومن جانب آخر، فإنّ الأغلبية البرلمانية الداعمة للحكومة هشة وهزيلة وقابلة للسقوط إنْ خرج عضو واحد من التحالف، لا بل انْ غاب عن جلسة برلمانية بدواعي المرض أو السفر أو حتى إنْ تأخر بسبب أزمة سير، والدعم الذي يتلقاه بينيت من الإدارة الأميركية على أهميته للبقاء، وكيديته المفرطة تجاه نتنياهو، إلا انه غير قادر على رسم صورة الزعيم القوي.

حاول بينيت الدفع باتجاه الاشتباك مع إيران متخذاً من حوادث السفن ذريعة لإقامة تحالف انجليزي – أميركي – (إسرائيلي) وبالطبع عربي، ولكن الإدارة الأميركية كان لها رأي آخر، فهي تريد الابتعاد عن المنطقة ومشاكلها والتركيز على الصين وبحرها وطريق حريرها السياسي والاقتصادي، وهي ترى أنّ عدم الوصول إلى اتفاق مع إيران، أمر يضرّ بخططها الإستراتيجية، فيما الوصول إلى كلمة سواء وصيغة مقبولة للتعامل مع إيران أمر بالغ الضرورة، خاصة لدرء مخاطر تحول إيران وانفتاحها بشكل واسع على الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فكان لا بدّ لنفتالي بينيت ان يبتلع أقواله واتهاماته، ومعه الانجليز الذين تخلوا عن حذرهم التقليدي وبالغوا في حماستهم للمواجهة مع إيران، ولكن ذلك أمر لم تدركه حتى الآن بعض فضائيات الخليج مثل «العربية» و»الحدث» ومثيلاتهما، التي لا تزال تنفخ في نار المواجهة .

 رأى بينيت أنّ لديه فرصة في لبنان، فالوضع الداخلي قد بلغ مرحلة حرجة من التدهور، تشكيل الحكومات يتعذر ويتعرقل بفعل داخلي وضغوط خارجية، وتحقيقات قاضي تحقيق تفجير المرفأ تثير من الغموض أكثر مما تكشف من حقائق، وفي مشاريع الفتنة والشقاق أخذت تصدر عن مرجعيات دينية – طائفية عليا، كان آخرها ما صدر عن بكركي، وسعر صرف الليرة ينهار برعاية حاكم مصرف لبنان ودولته المالية العميقة، وقد أوصل اللبنانيين إلى حدود العوز والفاقة، فيما نفذت الأدوية والمستلزمات الطبية من سوق الدواء بعد أن توقف استيرادها بسبب عدم توفر النقد الأجنبي، والإشكالات اليومية غير البريئة تؤذن في حال لم تتمّ محاصرتها من فورها بالتطور نحو اشتباك واسع قد يصل إلى الحرب الأهلية، كما حصل في الشمال وخلده وشويّا. مجموع هذه المعطيات جعلت من بينيت يفكر بتجريب حظه مع لبنان ومقاومته، ويفترض أنّ بإمكان جيشه الاشتباك مع إيران من هذه الخاصرة، وأنّ باستطاعته أيضاً العودة إلى مرحلة ما قبل حرب 2006، عندما كان «الإسرائيلي» يملك القدرة على توجيه ضرباته إلى لبنان عند كلّ حاجة أمنية أوسياسية، أو حتى عند أيّ شعبية انتخابيه مؤقتة، وذلك عندما يفرض قواعد اشتباك جديدة من موقع القوي، بدل قواعد الاشتباك المعمول بها منذ أكثر من عقد ونصف العقد.

اخذ بينيت قراره، وأخذت المقاومة إجراءها التحذيري، والنتيجة أنّ الاشتباكات بين المقاومة اللبنانية و(إسرائيل) بقيت محدودة والقصف المتبادل على جانبي الحدود طال مناطق غير مأهولة، وأرست المقاومة في نهاية الاشتباك بردودها الحاسمة قواعد الاشتباك المعمول بها، يضاف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية، وإن كان لا مانع لديها من تغيير قواعد الاشتباك لصالح (إسرائيل) وربما ترغب في ذلك، إلا أنّ لديها كما ورد آنفاً، ما يدعوها لان تكون راغبة عن هذا التوتر، ثم ترى أنها مطمئنة إلى تموضعها الجديد، وبما صنعت من عوامل اقتتال داخلي وما زرعت من صواعق تفجير في بلادنا، كفيلة بظنّ الاستراتيجية الأميركية على إبقاء المنطقة غارقة في صراعاتها التي تحول دون قيامها بأي فعل ايجابي لصالح قضاياها الكبرى وأمنها القومي .

 لما كان نفتالي بينيت قد فشل في استغلال حادث السفينة، وفشل في تغيير قواعد الاشتباك مع لبنان ومقاومته، فهل يجد ضالته في غزة؟ وهي التي خسرت جزئياً مع خسارة حركة النهضة موقعها في تونس، ولا تجد حماساً عالياً لدى الأتراك مؤخراً، ولا يعطيها حليفها القطري أكثر من حقيبته الشهرية، ولم تستطع أن تحوّل انتصارها في حرب «سيف القدس» إلى إنجازات على الأرض، فيرفع الحصار عنها، وتصلها الكهرباء ووقودها، ويُعاد إعمارها، وغير ذلك مما تعهّد به الوسيط المصري الذي لدغ غزة ومقاومتها لا مرتين فحسب.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة

أمين عام حزب المقاومة وأمين عام حزب الحياد

 ناصر قنديل

لا تعني الصفة الدينية التي يحملها كلّ من البطريرك بشارة الراعي والسيد حسن نصرالله، أن ما يقوله كل منهما يملك قدسية المكانة الدينية التي يمثلانها، أو ان ما يقولانه يمثل الطائفة التي ينتميان إليها ويجعل كل تباين بينهما أساسا لتصادم قدسيتين دينيتين أو طائفتين لبنانيتين، أو حربا دينية، ولا يعني أن الكلام الصادر عن كل منهما يملك قدسية الموقع او النص الديني، ما يجعل رأي كل منهما محميا بالحرم الديني ويحوّل كل نقاش لهذا الراي الى تجديف، فطالما أنهما يتناولان قضايا سياسية ووطنية، فهما مرجعيتان وازنتان محترمتان تطرحان آراء ومواقف في التداول أمام الرأي العام للتأثير على قناعاته واصطفافاته، وله بكل طوائفه وتياراته أن يتبنى وأن يرفض، أن يتفق وأن يختلف، وأن يناقش ويقارن ويبني الاستنتاجات.

عندما نجرد كل من الشخصيتين من الصفة الدينية والزي الديني، يبدوان كوريثين لتيارين تناوبا على قيادة الرأي العام في لبنان خلال مئة عام، تيار المقاومة وتيار الحياد، فيبدو السيد نصرالله كأمين عام لحزب المقاومة، كحزب فكري عابر للطوائف والمناطق بين اللبنانيين، خلال قرن مضى، يضمر وينمو، يتراجع ويتقدم، ويبدو البطريرك الراعي كأمين عام لحزب الحياد كحزب فكري عابر للطوائف والمناطق يقدم للبنانيين مشروعاً سياسياً لقضايا السيادة وبناء الدولة، هو الآخر يضمر وينمو، يربح ويخسر، يتقدم ويتراجع.

خلافاً للظاهر الذي يحمل خداعاً بصرياً، بحيث يظن البعض أن تيار الحياد يطرح اليوم حلاً لمشكلة اسمها نتائج وجود سلاح المقاومة، فإنّ الحقيقة هي أن تيار الحياد كان يقود لبنان ويحكمه طوال القرن الماضي، وأن فشله في حماية لبنان من العدوان “الإسرائيلي” ولاحقاً من الاحتلال، وفشله في فرض الإنسحاب الإسرائيلي كما كان يعد بنظرياته عن دور العلاقات الدولية التي يوفرها ضعف لبنان، ينأى بلبنان عن امتلاك أسباب القوة العسكرية سيكون بوليصة تأمين لسيادة لبنان، هو الذي شكل أساس مشروعية وشرعية نشوء المقاومة التي تشاركت فيها أحزاب وتيارات لبنانية عديدة، وورث تجربتها وطوّرها حزب الله وجعلها قوة عظمى، حتى نجحت بفرض الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، ووفرت أمناً واستقراراً على الحدود خلال خمسة عشر عاماً مضت بعد تظهير قدرة الردع لدى المقاومة في حرب تموز 2006، من دون أن يملك حزب الحياد أي تجربة عملية تمسح خيبات تجربته السابقة، وتثبت وجود شيء جديد يتيح لها أن تضاهي تجربة المقاومة في التحرير والدفاع والردع، وتثبت أهليته لضمان ذات النتائج دون سلاح المقاومة.

في خطاب أمين عام حزب المقاومة أول أمس وفي خطاب أمين عام حزب الحياد أمس، مناظرة ضمنية بين منطقين كاملين، جديرة بالتوقف من اللبنانيين، بعقل بارد، حيث الانحياز إلى أي من الخطابين هو انحياز لوقائع لا لعقائد، ولمعيار مصلحة وطنية لا لهوية طائفية أو قدسية دينية، والإختلاف مع الخطاب الآخر ورفضه هو رفض لمنطق خاطئ او لإشتباه في التشخيص المناسب للوقائع، وليس اصطفافا في خندق طائفي بوجه خندق آخر، ولا انتقاص من قيمة مرجعية دينية وتعظيم لمكانة مرجعية دينية أخرى، إنه خيار وفقا لتقابل الوقائع بين مشروعين يريد كل منهما أن يقول للبنانيين انه الأصلح لمواجهة شيء يخصهم هم، ويخصهم بذات القدر وبذات المستوى ومن ذات الوجهة بكل طوائفهم وعقائدهم، بصفتهم لبنانيين فقط، بحيث ان مواقفهم تجاه كل من المشروعين يجب أن تنبع من صفتهم المشتركة كلبنانيين يختارون الأصلح لهم، وفقا لصحة ودقة الوقائع التي تضمنتها سردية كل من الخطابين لهذه الوقائع حصرا.

يقول أمين عام حزب المقاومة، أنّ استقراراً استثنائياً غير مسبوق ساد الحدود الجنوبية توقفت معه الاعتداءات “الإسرائيلية”، التي لم تهدأ طوال عقود طويلة، وأن ذلك تمّ بفضل امتلاك المقاومة لسلاح يحقق توازن الردع، وهذه واقعة صحيحة، ويقول أمين عام حزب الحياد إن سلاح المقاومة الذي أطلق بعض صواريخه تحت شعار تثبيت معادلة الردع، لا يحمي لبنان بل يستدرجه الى الخطر والحرب وقد سئم اللبنانيون وتعبوا من الحروب، وتقول الوقائع التي تلت فعل المقاومة أن ما حذرنا من وقوعه أمين عام حزب الحياد لم يقع، وأن جيش الإحتلال ارتدع، وبالنظر للوقائع وليس لغيرها، تثبت صحة مقاربة أمين عام حزب المقاومة ويخسر أمين عام حزب الجياد الجولة.

يقول أمين عام حزب المقاومة إن صواريخ تثبيت معادلة الردع جاءت لأنّ الاحتلال حاول كسر هذه المعادلة باستقدام طائراته لتنفيذ غارات جوية للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً، والإحتلال كان قد رد على الصواريخ المجهولة قبل ساعات بقذائف مدفعية كما جرت العادة ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، وجاء استهداف مناطق مفتوحة بالغارات كما ورد في بيان جيش الاحتلال ليؤكد أن المقصود هو الغارات بذاتها وليس أهدافا لا يمكن استهدافها إلا بالطيران، وان هذا التغيير الخطير استدعى تذكير جيش الاحتلال بأن أي محاولة لتغيير قواعد الاشتباك ستعني استحضار معادلة الردع، وهذا معنى الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من مناطق مفتوحة وتقصّدت القول إنها استهدفت مناطق مفتوحة، بينما صوّر لنا أمين عام حزب الحياد، ان صواريخ المقاومة كانت تحرّشاً من دون مقدمات، متجاهلا واقعة دخول سلاح الطيران على الخط، والوقائع أمامنا تجعلنا نميل لمنطق أمين عام حزب المقاومة حكما.

يقول أمين عام حزب الحياد أنه لم يعد مقبولا أن يستولي طرف على قرار السلم والحرب، الذي يجب أن يكون حصرا بيد الدولة، لكن أمين عام حزب الحياد لم يقل لنا إن كان القرار بيد الشرعية قبل ظهور المقاومة وفي زمن كانت الدولة تحت امرة حزب الحياد، أم أنه كان بيد جيش الإحتلال وحده، وطالما أن لا مشروع على الطاولة للسلم، كما يؤكد أمين عام حزب الحياد ويؤكد أمين عام حزب المقاومة، فالقضية المطروحة هي قرار الحرب، وهو قرار لم يكن بيد الدولة يوماً، والذي كان أن جيش الإحتلال كان يملك وحده حصرا هذا القرار فيعلن الحرب ساعة يشاء ويقوم بالأعمال الحربية ساعة يشاء، والذي تغير في زمن المقاومة الذي ورث زمن فشل الحياد، هو شل قدرة جيش الإحتلال على شن حرب أو القيام بأعمال حربية، وليس امتلاك قرار الحرب، وأمين عام حزب المقاومة يقول أول أمس نحن لا نريد حرباً لكننا نثبت معادلة ردع العدو عن شن الحرب، فهل نلام إذا قلنا إن الوقائع تميل لصالح كفة منطقة، خصوصاً ان حرص أمين عام حزب الحياد على امتلاك الدولة عبر جيشها لقرار الحرب لم يترجم بدعوة الجيش للرد على الغارات الجوية بل بتجاهل حدوث الغارات، ودعوة الجيش لمنع اطلاق صواريخ المقاومة ردا على الغارات؟

يقول أمين عام حزب الجياد أن على الجيش اللبناني أن يمنع إطلاق الصواريخ، ومنعاً للالتباس يضيف من بين السكان، كي لا نفهم أن المقصود الصواريخ المجهولة التي أطلقت قبل يومين من مناطق مفتوحة، ولنفهم أن المقصود هو صواريخ المقاومة التي أرادت الرواية المتداولة من حزب الحياد تعميمها بعد حادثة شويا للقول أن المقاومة أطلقت صواريخها من بين السكان، وهذا القول خطير جدا، لأنّ أمين عام حزب الحياد لم يكتف بمناقشة طروحات ومواقف حزب المقاومة، ولم يختم أطروحته بالدعوة لحوار وطني للتفاهم على القضايا المختلف عليها، بل توّج سرديته بالدعوة لعمل حربي يؤدي الى حرب أهلية مدمّرة يتواجه خلالها أعظم ما لدى لبنان، جيشه ومقاومته، وفيما هو يبدي حرصه على تظهير تعب اللبنانيين من الحروب ليرفض رد المقاومة على الغارات العدوانية، متهماً هذا الردّ باستجلاب حرب لم تقع ولم تصدق نبوءته بوقوعها، بقدر ما صدق وعد أمين عام حزب المقاومة بقدرتها على تثبيت الردع، لا يرفّ جفن أمين عام حزب الحياد وهو يدعو لحرب ستقع حكماً إذا أخذ بدعوته بتصدي الجيش للمقاومة، متجاهلاً تعب اللبنانيين من الحروب، فهل تعب اللبنانيين محصور بالحرب مع الإحتلال، وهم سيقبلون بفرح على الحروب الداخلية، بينما في المقابل كان أمين عام حزب المقاومة يقدّم لنا صورة مسؤولة عالية النبض بالترفع والتحمّل والصبر وهو يتحدث عن أحداث خطيرة كانت بوابات أكيدة للحروب الداخلية، لولا حكمته النادرة وصبره العظيم، ويقول ان اخطر ما يمكن ان نشهده هو التورط في حرب داخلية، فهل سنتردد في القول اننا ننحاز الى أمين عام حزب المقاومة، ونرفض دعوة أمين عام جزب الحياد؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

The Big Bad Wolf Doesn’t Scare Anyone Anymore! “Israel” Fails to Deter Hezbollah, Turns to Lebanese Voices

9 August 2021

By Fatima Haydar

Last week, the Lebanese Resistance group Hezbollah fired its largest rocket salvo toward the “Israeli”-occupied Palestinian territories in 15 years.

The rocket fire on Friday morning surprised “Israeli” settlers and the “Israeli” Occupation Forces [IOF]’s Iron Dome missile system tried to intercept the rockets as they came raining down.

Hezbollah’s rocket fire came as a retaliation to the “Israeli” entity’s continuous breach of Lebanese sovereignty.

An eye for an eye… an open land in the occupied territories for an open land in Lebanon. A new deterrence equation which Hezbollah has set in the aftermath of the “Israeli” airstrikes on occupied Shebaa Farms.

A Hezbollah statement said the group fired dozens of 122 mm rockets at open ground in retaliation for two “Israeli” airstrikes on open ground in south Lebanon early Thursday.

“The Islamic Resistance rocketed open ground near positions of ‘Israeli’ occupation forces in the Shebaa Farms with tens of rockets,” it said.

Furthermore, in a speech on Saturday night, Hezbollah Secretary-General His Eminence Sayyed Hassan Nasrallah referred to the “Israeli” airstrikes saying, “What happened days ago was very dangerous and a development that did not happen for 15 years”.

“It was necessary for the response to the ‘Israeli’ airstrike to be quick or else it would have lost its value,” Sayyed Nasrallah continued, adding that the rocket barrage “was aimed at consolidating the equation of deterrence”.

IOF Spokesman Brig.-Gen. Ran Kochav confirmed the new equation imposed by the group telling reporters after the strikes that the rocket fire “shows Hezbollah’s deterrence as it fired at open areas”.

Now, the “Israelis” are aware that Hezbollah, as the “Israeli” regime, does not seek an all-out war no matter how significantly the group increased its capabilities 15 years since the 2006 July aggression.

“We are not seeking a war,” Sayyed Nasrallah said. “But we are ready for it, and we do not fear it.”

Based on “Israeli” estimates, Hezbollah has rebuilt its arsenal since 2006, and it is now believed to have between 130,000 and 150,000 rockets and missiles. Many of them can reach deep into the “Israeli”-occupied Palestinian territories, including ballistic missiles with a range of 700 kilometers.

It is believed that in the next war, Hezbollah will try to fire 1,500 to 3,000 rockets per day until the last day of the conflict.

But an “Israeli” military intelligence assessment released in February said more limited rounds of violence could be expected. But those limited rounds of violence always have the possibility of causing an all-out war.

During these limited rounds, similar to the most recent altercation with Hezbollah, “Israeli” settlers in settlements on the Northern border will hide in shelters.

“Israelis” across the entity are now aware that they need to be ready for that, because Hezbollah has made it clear it will continue to challenge the “Israeli” entity, despite the real risk of it deteriorating into a full-blown war.

This being said, the once feared “invincible” army, seems more like a barking dog than a biting one!

As military means failed to deter Hezbollah, the “Israeli” entity had one more trick up its sleeve. It took advantage of the already complex sectarian-divided Lebanon, encouraging figures and parties opposing Hezbollah, heading the list are various political and religious Lebanese persona of different affiliations.

“The country of Lebanon and the army of Lebanon have to take responsibility [for] what happens in its backyard,” the entity’s Prime Minister Naftali Bennett told his Cabinet on Saturday.

And on Sunday, Lebanon’s Maronite Patriarch Bechara Boutros al-Rahi called for the Lebanese army to take control of the southern part of the country, and strictly implement UN Security Council Resolution 1701.

“We call upon the Lebanese army, which is responsible with the international forces for the security of the south, to take control of the entire lands of the south, to strictly implement Resolution 1701, and to prevent the launching of missiles from Lebanese territory, not for the sake of ‘Israel’s’ safety, but rather for the safety of Lebanon,” said al-Rahi during Sunday Mass, according to Lebanon’s National News Agency [NNA].

“We want to end the military logic and war and adopt the logic of peace and the interest of Lebanon and all the Lebanese,” stated the patriarch.

This is not the first time the Maronite patriarch echoed “Israeli” views, in August of last year, after the Beirut port blast he incited the Lebanese against the Resistance and called for the state to take control over weapons in Lebanon and to confine decisions of war and peace to the state.

The head of Lebanon’s Kataeb Party and former MP, Sami Gemayel, expressed support for the patriarch on Monday, saying that the party is “convinced” that there are many Lebanese citizens who agree with the patriarch and Kataeb Party.

Not to mention, “Israeli” media, most notably the Jerusalem Post, welcomed the entity’s idea. The “Israeli” outlet on Monday, posted a report detailing the stance of a Lebanese religious figure to the recent confrontation between Hezbollah and the IOF.

ISRAEL-LEBANON-CHRISTIANITY-RELIGION-MARONITE : News Photo
Lebanese Maronite Patriarch Beshara Rai (C) holds his national flag as he blesses exiled members of Israels former South Lebanon Army (SLA) proxy militia and their families on May 28, 2014, outside Saint Peter’s church in the Israeli village of Capernaum on the shores of the Sea of Galilee. The Maronite patriarch celebrated mass with former members of the mainly Christian-led disbanded Lebanese militia as part of his controversial trip to the Jewish state. Those who attended, a fragment of the thousands who fled across the border with Israeli forces in 2000 when Israel ended its 22-year occupation of Lebanon, said Beshara Rai’s historic visit would do little to change their circumstances. AFP PHOTO/MENAHEM KAHANA (Photo credit should read MENAHEM KAHANA/AFP via Getty Images)

In 2014, Al-Rahi visited Occupied Palestine during a visit by Pope Francis – a step condemned by the Lebanese and seen by many as a sort of indirect normalization with the occupying entity.

However, the Lebanese who have gone through a bloody civil war that has lasted for 15 years, know better than to have history repeat itself over again.

Lebanese of all walks of life took to social media platforms to express outrage at the patriarch’s comments using the hashtags “Patron of bias” and “patron of surrender”.

As the “Israeli” entity tries whatever means possible to deter Hezbollah, but in vain; all it can do now is keep on huffing and puffing, hoping that, in an alternative world, the brick wall Hezbollah has built to defend Lebanon will come crumbling down.

Wakim to Al Mayadeen: Russia Prevented US from Dragging Lebanon Into Civil War

July 27, 2021

Source: Al Mayadeen

The President of the People’s Movement Najah Wakim accuses the US of encouraging rampant corruption and sponsoring its symbols in Lebanon.

Visual search query image

On Monday, the President of the People’s Movement Najah Wakim accused the US of “preventing reaching a firm conclusion on the investigation into the Beirut port explosion.”

In an interview for Al Mayadeen, Wakim stated that “The decision to blast Beirut port was American, and the executor might be Israel.” 

Wakim asked, “Who has an interest in disrupting transit, one of Lebanon’s most important resources?”

“Washington opens new lines of communication between Israel and certain Arab countries, yet it prevents Lebanon from opening its borders with Syria,” Wakim added.

In the same context, Wakim denounced the US for “encouraging rampant corruption and sponsoring its symbols in Lebanon,” adding that, “US instructions led Lebanon to bankruptcy.”

“The economic policies, which have been implemented in Lebanon since 1992, are American and were executed by Washington’s tools,” he added.

Wakim stated that “The Russian delegation that visited Lebanon was covered by the Russian state and the visit was not only limited to the economic aspect.”

“Lebanon is not on Washington’s map of the Middle East,” Wakim explained, “while there is a Russian-Chinese interest in Lebanon’s being.” 

“There is an interest for Russia not to fragment Lebanon,” he added.

Wakim also considered that the US was dragging Lebanon into civil war last year, stressing that “Russia prevented it from happening.”

Simultaneously, he noted that “Washington’s plan in Syria was to overthrow the state,” and, “What the US failed to apply in Syria, it tried to apply in Lebanon.” 

Wakim went on to say that “Maronite Patriarch Bechara Boutros al-Rahi is at the forefront of the confederalism project.”

On the designation of Najib Mikati, the President of the People’s Movement asked, “Who is the foreign party who gave guarantees to Mikati? What exactly are these guarantees?”

“There is no possibility for a solution in Lebanon in the presence of this political class,” Wakim added.

“Most likely, there will be no government in Lebanon,” he stressed.

“The local media propaganda pointed at the resistance conforms to the Israeli mindset,” Wakim concluded.

الكاردينال الراعي في مواجهة صراعات داخليّة خطيرة

See the source image
 د.وفيق إبراهيم

يتمرّد الكاردينال المارونيّ بطرس الراعي كالعادة على حيادية رجال الدين مصراً على الانخراط في مواقف تضع الكنيسة المارونية في قلب النزاعات الأساسية التي تجعله مؤيداً للسياسات الفرنسية الأميركيّة، وصنيعة سياسية داخلية فيه هيمنة مارونية شبيهة بمرحلة 1920.

كذلك فإنه لا ينسى قط عداءه للأحزاب القومية (السورية والعربية) ومثيلاتها، ورفضه أي تقارب مع سورية وإيران وحزب الله.

هذه مواقف يتمسك بها الراعي معتقداً ان الزمن السياسي في لبنان لم يتغيّر، وبذلك يمكن له الإمساك بحزب القوات اللبنانية التابع لسمير جعجع والكتائب ومرتكزاً على السياسات الفرنسيّة والأميركيّة.

See the source image

إلا أنّ أخطر ما زال يتمسك به هو إصراره على طرد النازحين السوريين من لبنان مقابل تقارب مع محاولات إسرائيلية لديها القدرة على التسلل الى الداخل اللبناني عبر أمثال القوات اللبنانية وأحزاب مشابهة لها، وكذلك عبر الصراع السنيّ الشيعيّ الذي يرتدي أشكال صراعات دينية بين دور إفتاء أو قتال سوري – إيراني من جهة وإسرائيلي من جهة ثانية تحمله الأدوار الأميركية العالمية الى مختلف الشرق الاوسط.

الكاردينال الراعي موجود اذاً في قلب النزاعات الفرنسية – الأميركية والدور الروسيّ، متقرّباً من بناءات سعودية – خليجية تحاول تأسيس حلف كبير يربط الخليج بالأردن و»إسرائيل» ومصر مقابل الحلف الناهض السوري الإيراني مع حزب الله وهو بناء قوي جداً له اساساته المتمكنة في محور بلاد الشام ومنتصباً في وجه «إسرائيل» وحلفائها.

فهل يستطيع الكاردينال دفع لبنانه الخاص نحو صيغة جديدة لـ 1920؟

يحاول الراعي إعادة ضبط الحزبية المسيحية وتوجيهها نحو صدام مع الأحزاب الوطنية.

أليس هذا ما فعله بمحاولة اختلاق صدام بين القوات وبين القوميين الاجتماعيين؟ وفعل مثله عبر تأييد الصدامات بين مواطنين مسيحيين مدنيين وحزبيين مع مواطنين سوريين كانوا ينتقلون في شوارع المناطق المسيحية لانتخاب رئيس لبلادهم عبر المناطق الجبلية. وكاد أن يتسبّب بصراعات مفتوحة بين القوات الجعجعية والمواطنين السوريين الى ان انتهى بكيل شتائم للسوريين المدنيين داعياً الى طردهم نحو سورية.

كما يحاول الكاردينال إعادة الدفع بصيغة سياسية تشبه صيغة 1920 وهو العليم بعمق أن هذا أصبح من المستحيلات.

لكنه يحاول وبعنف الاستعانة بالطرفين الأميركي – الفرنسي نحو إعادة إحياء الصيغ الفاشلة بالتعاون مع الطرف السعودي – الخليجي، وذلك عبر تشكيل تحالف جديد يستند الى البطريركية المارونيّة والسعوديّة وذلك بانتفاء زعامة سنية جديدة تقف الى جانب القوات وتلعب دور المتصدّي بعنف للأدوار السورية – الإيرانية.

See the source image

لذلك بدا الكاردينال شديد العنف في هجومه على الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي وجد فيه صاحب دور يجمع بين إمكانية أداء دور إقليمي وحركة داخلية نشطة، ما استفزه لأنّ هذا الحزب يجمع بين اللبنانية الشديدة الحركة والإطلالة على الدور السوري والفلسطيني وهذا ما يستفزّ الراعي ومعه القوات اللبنانية، ونفراً كبيراً من الأحزاب الطائفية التي ترفض ايّ تقارب مع الجوار السوري – الإيراني وتعاكس أيذ دور لحزب الله.

هذا ما يؤكد أن الكاردينال لا يزال معتقداً أنّ الزمن السياسي اللبناني لم يتغيّر، وذلك على الرغم من كلّ الانتصارات التي أنجزها حزب الله في لبنان وسورية بالتحالف مع الحزب القوميّ وبقية الأحزاب القوميّة ولم يعرف الراعي اليوم أنّ التركيبة السياسية اللبنانية لم تعُد صالحة لإدارة سياسة لبنان في زمن سقطت فيه صيغة 1920 وأصبحت أية صيغة جديدة تحتاج الى أدوار حزبية لقوى لبنانية تكاد تمسك بالأسس اللبنانية الأصلية.

لبنان الجديد اذاً يحتاج الى دور كبير للكنيسة المارونية تؤدي فيه مركز عصبية سياسية ليس لجعجع أي دور كبير فيها، بقدر ما تحتاج لدور كنسيّ بوسعه الاستعانة بالفاتيكان مع نظام تحالفات ماروني مع الطوائف اللبنانية الأخرى وذلك على اساس نظام تعادلي يدفع نحو لبنان جديد وقويّ بوسعه استدراج القوى الأوروبية وسورية وإيران وروسيا وأميركا نحو دعم اقتصاد لبناني قوي يقود لبنان نحو الازدهار والتطور.

الراعي وعودة يناصران تجّار الهيكل: حرب اقتصاديّة سعوديّة على لبنان

الراعي وعودة يناصران تجّار الهيكل: حرب اقتصاديّة سعوديّة على لبنان

الأخبار

 الإثنين 26 نيسان 2021

الحرب السعوديّة على لبنان صارت أكثر وضوحاً. إما أن يكون خاضعاً لها أو لا يكون. هذه المعادلة التي أرساها محمد بن سلمان بدأت تترجم بمزيد من الضغوط. منع دخول الصادرات الزراعية اللبنانية هو بهذا المعنى أحد تجلّيات هذا الضغط، بصرف النظر عن الحجّة. لهذا يبدو أن تسخير سعد الحريري كلّ طاقته وعلاقاته في سبيل الرضى السلماني لن يُصرف سعودياً. هناك، صار الجوع في لبنان واحدةً من وسائل الضغط السياسيةمهما غُلّفت الخطوة السعوديّة حظر الواردات الزراعية الآتية من لبنان بتبريرات، فإنّ السياسة هي الحاضر الأول، وربما الأخير، فيها. لو لم يكن ذلك صحيحاً، لكانت الرياض قد عمدت إلى الإجراء نفسه مع دول أخرى، تؤكد البيانات الجمركية السعودية ضبط عمليات تهريب كبتاغون منها تفوق تلك التي ضبطت مهرّبة من لبنان. لم تفعل لأنه ببساطة ليس بمنع الاستيراد تكافح أي دولة آفة المخدرات، بل بتضافر جهود الأجهزة لديها للقبض على المهربين والمروّجين، وبالتعاون الأمني والاستخباري مع الدول التي تقيم معها علاقات تجارية، لا بقطع هذه العلاقات.

باختصار، كل ما تقوم به الرياض منذ مدة يصب في خانة التضييق على لبنان وتشديد الحصار العربي والغربي عليه. ولذلك، فإن ربط الأمر بالسعي إلى حماية المجتمع السعودي لم يمّر على أيّ من المسؤولين اللبنانيين، حتى المقرّبين من السعودية. حماية المجتمع السعودي لا تكون بإلغاء الصادرات. فإذا لم يتمكن المهربون من استعمال وسيلة ما لإمداد سوق ما بالممنوعات، فمن المؤكد أنهم سيجدون طريقة أخرى. لتكون النتيجة: المزروعات اللبنانية لن تدخل إلى السعودية ومنها إلى دول الخليج، لكن الممنوعات لن تتوقف لأن المهرّبين قادرون على التأقلم مع أي وضع جديد، وخاصة أن لبنان ليس المصدر الوحيد للمخدرات التي تصل إلى السعودية.
الأغرب، مسارعة دول مجلس التعاون الخليجي، عُمان والإمارات والكويت والبحرين، إلى دعم القرار السعودي، الذي يمنع مرور البضائع اللبنانية إليها. المسارعة إلى إصدار بيانات التأييد توحي بأن هذه الدولة تبارك لشقيقتها تمكنها من تحقيق نصر عسكري باهر في اليمن أو في أي ساحة أخرى، علماً بأن هذه الدول نفسها لم يسبق أن قطعت علاقاتها مع أي دولة، حتى لو كانت تصنفها منطلقاً لعمليات التهريب.

غادة عون: منع مدّعٍ عام من التحقيق لم يخدش شعور أحد


الأكيد أن السعودية لم تربح في أي حرب، لكن إجراءها الأخير معطوفاً على سياق التعامل السعودي مع لبنان، يوحي بأن القيادة السعودية قررت إعلان الحرب على لبنان. هي تدرك جيداً أنه في ظل الانهيار المستمر منذ أكثر من عام، فإن الصادرات اللبنانية تشكل أحد متنفّسات الاقتصاد اللبناني، وهي بدلاً من أن تعمد إلى مساعدته، قررت منعه من التنفس. باختصار، القيادة السعودية لم تعد تتفرج على اللبنانيين يموتون من الجوع، من جراء سياسات الفساد التي كانت تباركها وتساهم بها في لبنان، بل تحوّلت إلى أحد مسببات هذا الجوع. بالنسبة إليها، لبنان خرج من يدها، ولم تعد تهتم لأمره، بدلالة رفض المسؤولين السعوديين مجرد مناقشة الأزمة اللبنانية مع زوارها الفرنسيين أو الروس، أضف إلى ذلك ما قاله وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لمسؤول عربي، عن رفض مساعدة لبنان، لأن اللبنانيين يرفضون مساعدة أنفسهم.
مصادر مسؤولة رأت أن الخطوة السعودية لم تكن مفاجئة، فالنفَس التصعيدي تجاه لبنان صار واضحاً للعيان، حيث بدأت السلطات التضييق على اللبنانيين بشكل غير معلن. ولذلك، تتوقع المصادر أن تستكمل السعودية إجراءاتها بمزيد من القرارات التي تصرّ فيها على تعميق جراح اللبنانيين، واضعة نصب عينيها مواجهة «حزب الله» وإحراج سعد الحريري لإخراجه.
في سياق متصل، كان البطريرك الماروني، بشارة الراعي، يسارع إلى الاصطفاف إلى جانب المستنكرين للجريمة التي تتعرّض لها السعودية، متناسياً أن لبنان نفسه يشرب من الكأس نفسها. والسلطات اللبنانية تقوم بشكل دائم بضبط شحنات مخدّرات مهرّبة إلى لبنان أو بالعكس. طمأن الراعي، في عظة الأحد، أمس، إلى أنه اتصل بالسفير السعودي وليد البخاري لإبلاغه استنكاره ما حصل. وقال إنه تمنّى أن «تأخذ المملكة في الاعتبار أوضاع لبنان والمزارعين الشرفاء». الراعي تبنّى الخطاب السعودي الذي يحمّل المسؤوليّة للسلطة اللبنانية «التي عليها أن تمنع وتحارب مثل هذه الإرساليات إلى المملكة».
الراعي، الحريص كل أحد على إجراء جولة أفق يتناول فيها كل الأحداث من موقعه المستجدّ، لم يفُته التعبير عن موقفه المؤيد لتجار الهيكل، في القطاع المصرفي تحديداً. وبعد رسمه خطاً أحمر يحول دون محاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قرر الراعي دعم صاحب شركة مكتّف للصيرفة ونقل الأموال، ميشال مكتّف، في مواجهة القضاء. وعبّر البطريرك عن ذهوله من مشاهدة «واقِعة قضائيّة لا تَمُتُّ بصلةٍ إلى الحضارةِ القضائيّة ولا إلى تقاليد القضاءِ اللبنانيّ منذ أن وُجِد»، معتبراً أنّ «ما جرى يشوّه وجه القاضي النزيه والحرّ من أيّ انتماء، ذي الهيبة التي تفرض احترامها واحترام العدالة وقوانينها».

السعودية تضع نصب عينيها مواجهة حزب الله وإحراج سعد الحريري لإخراجه


وعلى المنوال نفسه، غزل مطران بيروت للأرثوذكس إلياس عودة، فقال في أحد الشعانين، إنه «بعد تدمير سمعة لبنان المالية والسياسية والاجتماعية، ها نحن نشهد تدمير المؤسسات والقضاء عليها، وآخرها السلطة القضائية التي هي حصن لبنان الأخير والجيش الذي يدافع بنقاء ومحبة وتضحية».
وسأل عودة «هل يجوز أن يتمرّد قاض على القانون وهو مؤتمن على تطبيقه؟ هل يجوز أن يقتحم قاضٍ أملاكاً خاصة من دون مسوّغ قانونيّ؟ هل يجوز أن يخرج قاض عن القانون؟».
واستغرب عودة غياب مجلس النواب، سائلاً: «أين مجلس النواب من كل ما يجري؟ أليس من واجبه القيام بما يلجم هذه التجاوزات؟ وعلى القاضي أن يتحلّى بالحكمة والصبر، لا أن ينقاد بانفعاله ويتصرّف بشعبوية لا تقود إلا الى الفوضى وقسمة الشعب».
ومساءً، ردّت القاضية غادة عون على متّهميها بمخالفة القانون، وقالت، عبر «تويتر»: «للتذكير فقط، لمن لم يقرأ قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإنّ المادة ٢٤ تعطي الحقّ للنائب العام في الاستقصاء وجمع الأدلّة والتحقيق والمداهمة عند الاقتضاء لضبط الأدلّة التي يحاول المشتبه فيهم إخفاءها. هذا من صلب مهمّات النيابة العامة وإلا لا يمكن كشف أيّ جريمة».
وفي ما بدا رداً على الراعي وعودة، أشارت عون إلى أنّ «ما يثير الذهول بالفعل أنه، بدل أن يستهجن كل من ألصق بي اليوم تهم التمرد ومخالفة القوانين، لم يخدش شعورهم صورة بشعة تظهر مدى تمرّد البعض على القضاء نتيجة وقوف مدّعٍ عام أمام مكاتب شركة مشتبه في تهريبها أموال اللبنانيين ومنعه من الدخول»

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

الكاردينال وقائد الجيش للزوم إحياء مستحيل للبنان 1920

د.وفيق إبراهيم

تنحصر الحركة الشعبية اللبنانية حالياً في جمهور ينتمي بغالبيته الى مناطق ذات غالبية مارونية. وهذه الحركة تُصرّ يومياً على تأييد قائد الجيش بذريعة أنه يحمي لبنان كما تذهب ناحية التأييد المطلق والكبير للكاردينال الراعي لأنه يحمي لبنان، على حد قولهم.

هذان القياديان يحظيان حالياً بهذا التأييد الأعمى على الرغم من أنهما لم يشاركا في تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي المجمع على عداوته للبنان، لذلك يتسجّل هذا التأييد في خانة الصراعات الطوائفية في لبنان، كما يصل هذه المرة حاملاً معه إحساساً مارونياً بإمكانية خسارة الصيغة القديمة بكاملها التي قام عليها لبنان في العشرينيات بدعم فرنسي كامل.

لا بدّ أولاً من التأكيد على أن صيغة 1920 أصيبت بعطب شديد كاد أن يطيح بها كاملاً نتيجة لاتفاق الطائف.

هذا الاتفاق التهم الأحادية المارونية في السلطة وأدخل السنة الحريرية شريكاً عليها من دون منازع وكادت صيغة 1920 أن تسقط كاملة ولمصلحة ثلاثيّة مع الشيعة والدروز لولا تدخلات دوليّة وإقليميّة خليجيّة.

لكن هذا الأمر لم يظهر الى العلن، لكنه أصبح حقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها بسبب التفوق النوعي لحزب الله وحلفائه في الأحزاب الوطنية، ولولا هذه التدخلات الخارجية والخليجية لكانت الصيغة الحاكمة في لبنان مشكلة من هذه القوى الشديدة الفاعليّة في هذه المرحلة بالتحديد.

هذه التطورات أنتجت إقراراً مارونياً ضمنياً بالثلاثية السياسية للسلطة في لبنان، لكنها اصطدمت بمحاولات للمحافظة على صيغة 1920 من بعض القوى الداخلية عند الموارنة الذين يعتقدون بإمكانية استمرارها في السلطة.

هؤلاء اختاروا الشارع وسيلة لمحاولة التمسك بآخر ما تبقى من صيغة 1920 معطوفة على الطائف في إطار الاتفاق الإضافي غير المكتوب مع الشيعة بما يؤدي الى تشكيل ثلاثية تحفظ ثلث لبنان للموارنة لأمد طويل.

هذا ما يفعله الموارنة اليوم في الشارع حاملين فيه لواء الكاردينال وعصمة قيادة الجيش معتقدين أن هذين الحرمين يمنعان الضرر عن بقية الصيغة اللبنانية.

لذلك انتقل الصراع بين الأجنحة السياسية المارونية على قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية حيث تشهد الشوارع التحاقاً بقيادة الجيش وتصويره وكأنه منقذ لبنان، مع الالتصاق الشديد بالكاردينال الذي «أعطي له مجد لبنان»، كما تقول العامة.

تشهد شوارع لبنان إذاً محاولة مارونية لصون الجزء الثلاثيّ من السلطة الخاصة بالموارنة، لكنها تصطدم بصراعات مارونية داخلية تعمل على الوصول الى رئاسة الجمهورية او بالاستحواذ بالشارع الماروني.

فقسم كبير من المتحرّكين في الشارع هم من جماعة حزب القوات اللبنانية والكتائب مقابل التزام مؤيدي التيار الوطني الحر بمنازلهم تحضّراً لأيام جسام تبدو واضحة في الأفق.

جرى الانتقال اذاً من الصراع الماروني السني وصولاً إلى الصراع مع الشيعة في اتفاق الطائف وصولاً الى الصراع الماروني في الوقت الحاضر بين القوات والكتائب والتيار؟ إلا أن قوات جعجع حاولت أن تنفي مشاركتها في قطع الطرق فيما واصل سامي الجميل رعاية المتحركين باحثاً عن مكانة فقدها حزبه الكتائب منذ صعود الحريرية السياسية التي دعمت القوات وفضلتها على غيرها من القوى المسيحية لأسباب غربية صرفة وأخرى خليجية.

لذلك فإن ما يجري اليوم هو صراع بين قوى مسيحية تحاول الاستحواذ على تأييد الخليج والغرب، وقد يبحث بعضها عن تأييد ضمني إسرائيلي.

فهل ينجح جعجع وسامي الجميل في السيطرة على كتلة كبيرة في الشارع المسيحيّ؟

هناك تأكيد ان القوات والكتائب تتصلان بشكل شبه يومي بألمانيا ومصر والأردن في محاولة لكسب أدوار تمنحها عدداً معيناً من وزارة يشكلها قريباً سعد الحريري.

وألمانيا ومصر والأردن ذاهبون لعقد مؤتمر دولي لبحث أزمات الشرق الاوسط من فلسطين الى لبنان.

أما القوات فيكاد قائدها لا يعبر يوم واحد إلا ويختلي فيه بدبلوماسيين من هذه الدول. ماذا اذاً عن طلب المتظاهرين باستقالة رئيس الجمهورية؟ هذه تندرج في إطار الصراع الماروني الماروني وبما أنها على هذا النحو فلا قيمة فعلية لها، لأنه تمكّن فريقاً صغيراً من الموارنة من إقالة الرئيس اللبناني بفتح المجال واسعاً للبدء بتغيير أي صيغة تحكم لبنان. وهذا يؤدي بدوره إلى الجزم بأن الكاردينال الراعي لا يقبل بهذا الأمر حرصاً على مارونية الرئاسة، كما أن الجمهور اللبناني الكبير الموالي لعون ليس بهذا الوارد، ومستعدّ للمقاتلة، بالإضافة الى ان جمهور حزب الله والأحزاب الوطنية لا يسمح بهذه الترهات التي تعني إلغاء النظام التاريخي اللبناني.

يتبين بالاستنتاج استحالة إحياء صيغة 1920 وإمكانية إلغاء حتى اتفاق الطائف اذا ما انضبطت الطوائف في كهوفها وانطلقت لقرن جديد يبدأ من 2020 ويجب أن يستمر حتى القرن المقبل بلبنان الطائفيّ الهش.