محور المقاومة ينتقل جماعيّاً إلى التصعيد

الاثنين 12 كانون الأول 2023

ناصر قنديل

على إيقاع واحد تبدو جبهات المواجهة التي يخوض عبرها محور– المقاومة بقيادة واضحة للمقاومة في غزة، مواجهته المدروسة مع كيان الاحتلال ومن خلفه القرار الأميركيّ بالردع لمنع أي مؤازرة لغزة شعباً ومقاومة. وقد ظهر خلال يومين ماضيين، وبالتزامن مع وصول جيش الاحتلال إلى شوارع مدينة خان يونس، حيث يبدو أن فصائل المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً قوات القسام وسرايا القدس، قد أعدّت ما يلزم لمواجهة شاملة نوعيّة وكميّة، ظهرت ساعة الصفر معلنة للانتقال إلى المواجهة المفتوحة في كل مناطق الاشتباك في غزة، شمالاً وجنوباً، مدناً ومخيّمات، وكأن قوات احتياطيّة كانت موجودة تنتظر لحظة الدخول إلى خان يونس بصفتها كلمة السر للهجوم الشامل، على طريقة ما جرى في غلاف غزة. واجه جيش الاحتلال عواصف ناريّة من كل حدب وصوب، تطويق وإطباق، كمائن وقذائف هاون، مشاة يهاجمون الدبابات ببسالة نادرة وحرفيّة عالية، فتحترق عشرات الآليات ويُصاب مئات الجنود والضباط.

– التوقيت لغزة، لكن الإعلان لليمن، فلم تكَدْ غزة تفتح نيرانها في افتتاح المرحلة الجديدة، حتى خرج الناطق العسكريّ اليمنيّ يعلن أن مضيق باب المندب مقفل أمام عبور أي سفن متّجهة الى موانئ كيان الاحتلال، وفق معادلة طالما غزة تحت الحصار فإن الكيان سوف يوضع تحت الحصار. وبدأ اليمن تنفيذ القرار فوراً، عبر تسيير دوريات من الزوارق للتفتيش عن السفن التي يشكّ بها وفقاً للوائح المتداولة على مواقع التجارة الدوليّة لوجهة السفن التجارية وحمولتها. وتم أمس، إيقاف سفينتين وإعادتهما من المضيق إلى المحيط الهندي، والقرار اليمنيّ تحدٍّ واضح ومباشر للاستراتيجية الأميركية حول دور قواتها العسكرية في البحر الأحمر طوال خمسين عاماً. ولسان حال اليمنيين، استخدمت أميركا الفيتو في مجلس الأمن الدوليّ لمنع وقف النار على غزة، ونحن نستخدم الفيتو في البحر الأحمر لمنع إمداد كيان الاحتلال بالنفط والمواد الاستهلاكيّة ومنع التجارة معه، فماذا سيفعل الأميركي، هل يذهب الى الحرب فيشتعل البحر الأحمر كلياً، أم يرتضي قواعد الاشتباك التي فرضها أنصار الله؟

– بالتوازي كانت القواعد الأميركيّة في سورية والعراق تتلقى أكبر عدد من الهجمات وأكثرها قسوة، عبر الصواريخ الموجّهة والطائرات المسيرة الانتحارية، وواشنطن أيضاً بين خيارَيْ الردّ الذي يجسّد الردع، كما ورد في البيانات الأميركية أول أيام حرب غزة. وهذا سوف يستدرج الحرب إلى البحر الأبيض المتوسط حيث تربض المدمّرات والحاملات الأميركيّة، ويصبح البحر الأبيض المتوسط ساحة حرب لا تجارة وتحاصر أوروبا بين بحرين مشتعلين بلا موارد طاقة، ولا تجارة مع الخليج أو مع الهند والصين، والتراجع الأميركي يعني إضافة لسقوط الردع والمهابة، أن الزمن بات ينفد بسرعة من طريق الحرب الإسرائيلية الأميركية على غزة، وقادة الكيان يقولون إن لم تفعل أميركا ما يجب مع اليمن سوف نضطر نحن لفعل ذلك، فهل يفعلون ويشعلون البحر الأحمر؟

– تبقى الجبهة العقدة بالنسبة لأميركا و»إسرائيل»، هي جبهة لبنان التي ادّخرت مقدراتها، سواء بالقدرة النارية أو بالقدرة البشرية، للمرحلة الفاصلة، وقد ارتفعت وتيرتها إلى الحدّ الذي لم يعد قادة كيان الاحتلال من سياسيين وعسكريين يملكون جواباً يقولونه لمئة ألف مستوطن هجروا من مستوطناتهم، وقد تحوّل شمال فلسطين المحتلة الى جبهة حرب، وضربت التحصينات والمواقع وأُحرقت الدبابات وقُتل الجنود أو جُرحوا، والمساعي الدبلوماسية التي تحدّث عن انتظار نتائجها وزير حرب الكيان يوآف غالنت انتهت بلا جدوى، وقد سمع الموفدون جواباً واحداً، تتوقف الحرب على غزة ثم نصغي ونجيب، فماذا سيفعل الإسرائيلي، هو يختنق عسكرياً في غزة، ويختنق سياسياً في العالم، كما يقول الشارع الذاهب إلى الإضراب الشامل اليوم والضاغط على حكومات اضطرت أن تؤيّد دعوة وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، حتى وجدت واشنطن نفسها وحيدة تستخدم الفيتو وتتساءل إلى متى سوف تستطيع ذلك، وهي أيضاً تخسر في شارعها؟

– الوقت ينفد حتى داخل الكيان، ولم تعد للحرب خريطة طريق للنصر، وعائلات الأسرى تتحوّل شارعاً فاعلاً يستقطب المعارضين للحكومة والمعارضين للحرب على السواء، فهل يشكل توسيع الحرب نحو اليمن أو نحو لبنان، أو كليهما، طريقاً للخروج منها عبر توسيعها، بالنسبة لبنيامين نتنياهو؟

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

المقاومة وحقول الغاز: عقل بارد ويد لا تهدأ

 الخميس 7 تموز 2022

 ناصر قنديل

لم تُصَب المقاومة بالدهشة والذهول بالبيان الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية حول عملية إطلاق الطائرات المسيّرة فوق بحر عكا، ولم تشعر أن هناك حدثاً جللاً يستدعي التحرك الدراماتيكي منعاً لوقوع كارثة، كما يعتقد البعض من اللبنانيين الحريصين على سمعة بلدهم ومصالحه العليا وحقوقه الوطنية، من موقع شعوره بالخزي الوطني للموقف الحكومي، في لحظة مفصليّة من الصراع على الثروات البحرية، شكلت فيه عملية إطلاق الطائرات المسيرة مصدر قوة نوعية للبنان، بوجه الخداع الأميركي والتلاعب بالوقت والعبث بواسطة الوعود المتكررة عن الإيجابية وتحقيق التقدم، سواء في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية أو في ترسيم الحدود. فقالت العملية إن لبنان ليس ضعيفاً كي يُستفرد، وإن كيان الاحتلال ليس قوياً بما يتيح له الانفراد.

منشأ الغضب الوطني والسياسي عند الغيورين على المصالح اللبنانية، من الموقف الحكومي المجتزأ دستورياً، بصدور ما يستدعي قراراً من مجلس الوزراء ببيان عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية، هو الاستغراب، ومصدر الاستغراب هو الاعتقاد بأن رئيس الحكومة ووزير الخارجية المحسوبين كصديقين للمقاومة، الأول بعدما قام نواب كتلة الوفاء للمقاومة بتسميته رئيساً للحكومة ومنحوا حكومته الثقة ويستعدون لتكرار ذلك، والثاني المفترض انه مسمّى من فريق رئيس الجمهورية الحليف للمقاومة ومن التيار الوطني الحر الحليف أيضاً وبسبب تاريخ ممتد لثلاثة عقود تقريباً، في علاقته الطيبة بالمقاومة ومواقفه المؤيدة لها، ولو بحذر دبلوماسي وطائفي، من جهة، ومن جهة مقابلة بسبب الاعتقاد بأن إعلان المقاومة وقوفها وراء الدولة في ترسيم الخط المعتمد للحدود البحرية والتفاوض حوله، يمنح المتمسكين بالتفاوض والساعين للرضا الأميركي حصة كافية في السياسة لقيامهم بترجمة احترام المساحة العملياتية التي يفرضها للمقاومة، إعلانها عن التزام منع الاحتلال من استخراج الغاز من بحر عكا، الذي يبقى منطقة متنازعاً عليها حتى الاتفاق النهائي لترسيم الحدود، وفق ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتبنته الدولة عبر الرؤساء في لقاءاتهم مع الوسيط الأميركي التي تضمنت تقديم المقترح اللبناني لاتفاق الترسيم المفترض.

بالنسبة للمقاومة تتم المقاربة بصورة مختلفة، فالعقل البارد للمقاومة والذاكرة الحية التي يختزنها، يضع مساحة مفتوحة للمزيد من مراكمة أفعال التخاذل الرسميّ منذ انطلاق المقاومة، والصعود والهبوط في مواقف مسؤولي الدولة تبعاً لدرجة شعورهم بالمسؤولية الوطنية، لم يدفع بالمقاومة للبحث بصياغة معادلة تربط بين أدائها النابع من مسؤوليتها عن المواجهة مع الاحتلال، في كل أدبياتها التي بقيت حتى عندما تقدمت المقاومة برؤيتها للاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان على طاولة الحوار الوطني منذ نيسان عام 2006، أي قبل حرب تموز، عندما قدم السيد نصرالله شفهياً وكتابياً رؤية المقاومة بحضور كل قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية في الاجتماعات التي دعا اليه ورعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكررتها المقاومة في الاجتماعات اللاحقة في كل مناسبة أتيحت لذلك، وكانت أطروحة المقاومة ولا تزال، رفضاً قاطعاً لكل ربط مؤسسي للمقاومة بالدولة، بما يعني سياسياً وعملياً ترجمة لمقولة، وقوف المقاومة وراء الدولة، علماً أن الرؤية الاستراتيجية للمقاومة كما تضمنت كلمات عديدة للسيد نصرالله تلحظ تعزيزاً مستداماً لمقدرات الدولة وصولاً لتحقيق التوازن الرادع مع قدرات جيش الاحتلال، لكنها تبقى قائمة على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، باعتبارها معادلة يقوم كل ركن من أركانها بمسؤوليته عن زاوية من زوايا الردع الذي يجب ان يبقى موثوقاً، ومكتمل الأركان، ولا يحتمل أي نسبة من الخلل الافتراضي، وصولا للقول إن ضمانة حفاظ الدولة على جهوزيتها الرادعة عندما تتحقق، هو بقاء المقاومة على جهوزيتها المتفوقة على الاحتلال، الذي لن يتأخر عن مواصلة سباق بناء القدرات لبلوغ ولو سانحة تتيح له التفكير بالحرب.

الفرق بين معادلتي “وقوف المقاومة وراء الدولة”، الأولى هي معادلة تقبلها المقاومة في كل ما يخصّ الشأن الحدودي لجهة اعتماد خط حدود بري او بحري للدولة اللبنانية. وهي معادلة قديمة منذ انطلاقة المقاومة، نابعة من خلفية عقائدية للمقاومة ترفض الاعتراف بشرعيّة كيان الاحتلال والتسليم بحدود للكيان هي حدود فلسطين المحتلة، ومن واقعية سياسية تعلم أن موازين القوى لا تزال تفترض من المقاومة وضع سقوف عملها الميداني ضمن إطار الدفاع عن لبنان ضمن حدوده المعترف بها دولياً. وهذا ما يفسّر ارتضاء المقاومة عدم ضم القرى السبع اللبنانيّة ضمن مشروعها للتحرير، واعتمادها ضمّ مزارع شبعا المحتلة إليه، والثانية هي معادلة تتصل بالدعوة لربط خيارات المقاومة العملياتية النابعة من مسؤوليتها عن المواجهة مع الاحتلال بقرار المؤسسات الحكوميّة، وهي بنظر المقاومة معادلة سياسيّة مهزومة تريد تقييد المقاومة وتعليبها، وصولاً لإنهائها طلباً للرضا الأميركي تتخذ كل مرة لبوساً مختلفاً، مرة تصير بثوب الحديث عن قرار السلم والحرب، ومرة بالدعوة لخضوع المقاومة للحكومة، ودائماً بهدف تحويل المقاومة إلى جزء من الديكور الرسميّ، بدلاً من الفعالية الاستراتيجية التي يفترض أن تتميّز بها، والمقاومة تسأل دائماً، هل هذا حق لبناني، وعندما يكون الجواب بنعم، فليس لأحد أن يسائلها عن كيفية صياغة آلية تدخلها للدفاع عنه، وما دام منع الاستخراج من حقول عكا بصفتها منطقة متنازعة عليها، كما قال لبنان بموجب وثيقة مرسلة مطلع العام للأمم المتحدة، وكما قال الرؤساء للوسيط الأميركي مؤخراً، فللمقاومة وحدها أن تضع رؤيتها العملياتية لكيفية تحقيق هذا الهدف.

الدمج بين المعادلتين لا يقع سهواً بسبب التباس لفظي بينهما، بل هو نوع من التذاكي يلجأ إليه بعض المسؤولين الحكوميين ضمن لعبتهم الخاصة، بعيداً عن المصلحة العليا للدولة، وهي مصلحة تقرّرها النتائج بالمقارنة بين مقاربة هؤلاء المسؤولين لأحادية خيار التفاوض التي لم تنتج شيئاً في الماضي ولا هي فعلت في الحدود البحرية، وفي وجهها مقاربة عملية المقاومة التي تقول النتائج إنها تسببت بتسليم كيان الاحتلال بقياداته السياسية والعسكرية بعجزه عن توفير الحماية اللازمة لاستخراج الغاز من حقول بحر عكا بالاعتماد على الوسائل العسكريّة، كما سبق وتعهد للأوروبيين، بعدما ثبت أن الـ 12-15 دقيقة التي فصلت بين بلوغ أولى المسيرات إلى الحقول، وإسقاط آخرها، هي بإجماع “إسرائيلي – أميركي – أوروبي” يستدعي البحث في السياسة عن كيفية تفادي مزيد من الطائرات المسيّرة من جانب المقاومة، وهذا له طريق واحد، وهو العودة الى دق باب الدولة اللبنانية طلباً للتوصل الى حل تفاوضي، بعدما كان الموقف “الإسرائيلي – الأميركي – الأوروبي” يقوم على شراء الوقت بالضحك على المسؤولين اللبنانيين عبر الوعود الكاذبة لتمكين الاحتلال من مواصلة أعمال استخراج الغاز من الحقول، على قاعدة أن الوسائل العسكرية كفيلة بحماية العملية.

وفقاً لما يتوصل إليه العقل البارد للمقاومة من تقدير لثمار اليد التي تعمل، تسقط صفة الأهمية عن كلام الألسنة الطويلة التي تتناول المقاومة في الداخل، لحساب دعوة أصحابها لأخذ العبرة من النتائج ومراجعة مواقفهم، واكتشاف ما تغير في تعامل الخارج معهم، بين قبل عمليات المقاومة وبعدها، والاستثمار على هذا التغير لحساب المصلحة العليا للدولة، وفي ذاكرة المقاومة أن الرئيس رفيق الحريري عبر عن وطنية عالية في تلقفه لهذه المعادلة وتفاعله معها، بعدما كان على ضفة التشكيك بجدوى أعمال المقاومة، وقرر الانتقال إلى ضفة التشارك تحت الطاولة معها، فيكون سقف موقفه المختلف، أنه كرئيس حكومة لا يستطيع أن يطالب المقاومة بالتوقف عن عملياتها بينما حقوق لبنان مهدورة لا تجدي السياسة في صيانتها، وقد بلغ هذا التشارك ذروته عام 1996 في مواجهة عدوان عناقيد الغضب، وأثمر تفاهم نيسان الذي شرّع المقاومة.

طبعاً عند المقاومة عتب أخلاقي، مصدره أن ما كان يمكن فهمه من عدم ثقة بقدرة المقاومة أو حكمتها وشجاعتها، قبل التحرير عام 2000، أو انتصار عام 2006، لا يمكن فهمه بعد كل هذه التجارب التي لم تخرج المقاومة منها الا وهي ترفع شارة النصر، وهي لن تخرج من حرب صيانة الثروات البحرية إلا كذلك، وعلى المسؤولين الحكوميين الاهتمام بمسؤوليتهم التي تقف المقاومة وراءهم فيها، وهي حسن إدارتهم ملف الترسيم، تحديداً للخط الذي يمثل الحفاظ على الحقوق الوطنية، وحسن إدارتهم للتفاوض لتثبيته، أم مصادر القوة اللازمة لنجاحهم فعليهم أن يتركوها على عاتق المقاومة، بما في ذلك فرض وقف الاستخراج على الاحتلال حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائيّ مع لبنان، والمقاومة عازمة على ذلك وقد أعدّت نفسها لتفعل، حتى لو كانت البيئة السياسية اللبنانية كما كانت قبل عقود، عند توقيع اتفاق 17 أيار، وخروج مواقف حكومية ودبلوماسية لبنانية، تقول “إن عمليات المقاومة غير مقبولة وإنها تضر بالمسار التفاوضي الذي يديره وسيط أميركي يعول المسؤولون عليه”. وهذا بالمناسبة الكلام الصادر ذاته عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية بعد أربعين سنة.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

انتخابات الكيان المبكّرة وعلم الاحتمالات

June 20, 2022

ناصر قنديل

في ظاهر الأمور جاء قرار الائتلاف الحاكم في الكيان بحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة يرجّح أن تجري في شهر تشرين الأول المقبل، تعبيراً عن تطوّرات المشهد السياسي الداخلي في الكيان، مع وجود حكومة تمزقها تناقضات مركبة بين مكوّناتها الآتية من أصناف اليمين واليسار، والتي تشكلت بأغلبية هزيلة، بعدما دنا موعد انتقال الرئاسة بين شركائها من ضفة اليمين الى ضفة يسار الوسط، من نفتالي بينيت إلى يائير لبيد، وفي ظل هشاشة الدعم النيابي الذي تلقاه بعدما بدأت الأغلبية بالتداعي، ووجود التحدي الدائم الذي يلوح به الخصم القوي بنيامين نتنياهو والذي يعرض على التصويت يوم غد الأربعاء لإجراء انتخابات مبكرة ويمكن لن يحصد أغلبية الكنيست، إذا صحت التقديرات بانتقال أكثر من نائب من ضفة الائتلاف الى ضفة نتنياهو، لكن هل هذا يكفي لتفسير قرار بحجم إدخال الكيان في حالة فراغ على مستوى القرار السياسي الأول في لحظات تبدو شديدة الدقة في تاريخه، حيث المواجهة مع قطاع غزة في تنامٍ، والمشهد في الضفة الغربية يتصاعد، والتوتر جمر تحت الرماد مع لبنان في ظل أزمة النفط والغاز وترسيم الحدود والبدء باستثمار حقل بحر عكا، بعد اتفاق أوروبي إسرائيلي على صفقة دسمة، بينما التحدي بين الكيان وإيران في ذروته، وكلها تحديات دفعت بالأحزاب للتفكير بحكومة وحدة وطنية في ظروف مشابهة؟

يمنح تزامن قرار الائتلاف الحاكم في الكيان مع التحضيرات الجارية لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، بعداً خاصاً، حيث كشفت التقارير الصحافية الأميركية والإسرائيلية عن ضغوط أميركية على الائتلاف الحاكم والمعارضة معاً لاستبعاد اندلاع أزمة حكومية، والذهاب لحل الكنيست، بهدف تمرير زيارة بايدن بعد أقل من شهر، بوجود حكومة كاملة المواصفات في الكيان، يمكن أن تتم الزيارة بوجودها وتكون ذات جدوى، خصوصاً أن ما كشف عن مضمون الزيارة يقول إن التعاون الخليجي الإسرائيلي في بناء شبكات موحّدة للرادارات تحت قيادة أميركية، يشكل أحد أهداف الزيارة، بينما رفعت بعض الصحف الإسرائيلية سقوف توقعاتها للقول إن زيارة بايدن تهدف للحصول على موافقة سعودية على التطبيع مع «إسرائيل» كثمن للاعتراف الأميركي بشرعية تولي ولي العهد السعودي للعرش في بلاده، ويجري الترويج لزيارة الرئيس الأميركي بصفتها تعبيراً عن انسداد الخيار التفاوضي بين واشنطن وطهران، وترجيح كلفة خيار المواجهة بينهما.

ثمة مؤشرات معاكسة يأخذها بعض المحللين ضمن دائرة الاحتمالات والفرضيّات، فالكلام الأميركي عن قرب امتلاك إيران لما يكفي لامتلاك قنبلة نووية وإرفاقه بالإعلان عن الاستعداد للعودة الى الاتفاق النووي، رغم إلقاء اللوم على إيران لتعثر التفاوض، بقي غير مفهوم الوظيفة في ظل التصعيد الأميركي بوجه إيران، وساء بحجز ناقلة النفط في اليونان وطائرة الركاب في الأرجنتين، أو التصعيد في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومثله الجواب الإيراني بتأكيد الجهوزية للعودة الى الاتفاق، وإلقاء اللوم على واشنطن في التعثر، في مناخ عالي السقف في الحديث عن الجهوزية لمواجهة أية اعتداءات إسرائيلية، واللغة القاسية في الرد على الوكالة الدولية، ما فتح الباب للحديث عن فرضية تقول بأن واشنطن وطهران تتجهان للتوقيع على الاتفاق. وهذا معنى تصريحات المستشار الإعلامي للوفد الإيراني في فيينا عن عدم وجود بند رفع العقوبات عن الحرس الثوري في الطلبات الإيرانية التفاوضية من جهة، وعدم استعداد إيران لتقديم أي تعهد بعدم ملاحقة المسؤولين الأميركيين عن اغتيال القائد قاسم سليماني، ووفقاً لهذه الفرضية فإن زيارة بايدن تهدف لتقديم ضمانات لـ«إسرائيل» بأنها لن تكون وحدها في حال تعرّضها للاستهداف من إيران، وأن واشنطن ستكون مسؤولة عن منظومة رادارات وتعمل في الخليج وترتبط بشبكة الباتريوت من القبة الحديدية التي تقودها واشنطن أصلاً داخل الكيان، وان الرئيس الأميركي بعد إنهاء هذه المهمة سيعتبر أنه بات طليق اليدين في العودة للتفاوض وصولاً لتوقيع الاتفاق مع إيران.

إذا صحت هذه الفرضية تكون الإطاحة الذاتية بالحكومة الائتلافية في الكيان، استباقاً وقائياً من مثل هذا الخيار، واعتماد الفراغ الحكومي في الكيان لتحقيق الفراغ التفاوضيّ بين واشنطن وطهران.

هل تكون دماء الشهيدة شيرين أبو عاقلة نقطة تحول؟

 ناصر قنديل

شهادة شيرين أبو عاقلة ليست موضوع نقاش، فهي بصدق التزامها بقضية شعبها ورفع صوته تحوّلت على مدى ربع قرن الى أيقونة، وما عبر عنه الفلسطينيون ومقاومتهم من مواكب التشييع الى البيانات والمواقف وما حفلت به وسائل التواصل خير مصداق وشاهد، وحال الحزن والغضب التي عمّت الكثير من بيوت العرب بكبارهم وصغارهم ورجالهم ونسائهم خير تعبير عن أن صدقها أوصل الرسالة التي كانت تحرص على إيصالها بكل قوة في كل مناسبة، بأنها لم تغادر وباقية لتوصل صوت هذا الشعب الى كل العالم. وقد كان حملها للجنسية الأميركية والعروض التي تلقتها من مؤسسات إعلامية غربية يخوّلانها هجرة القدس وفلسطين مراراً، وما يرويه أهالي الأسرى وعائلات الشهداء عن صداقة ربطتهم بها ومودة زرعتها في قلوبهم تأكيد لذلك النبض الصادق الذي عبرت عنه، واستحقت معه مرتبة الشهادة، سواء كانت تعمل في قناة الجزيرة أو في قناة السي أن أن.

شهادة شيرين أبو عاقلة وموجة الغضب والحزن التي أطلقتها، قدّمت فرصة لتفحص الوهم الذي تروج له بعض الأوساط الفلسطينية والعربية، وهو إمكانية أن يؤدي شعور قادة كيان الاحتلال بضعفهم داخل الكيان وضعف كيانهم داخل معادلات المنطقة إلى التعقل وإقامة الحسابات، والتجربة قالت مراراً وهي تقول اليوم إن هذا الكيان كلما ضعفت قيادته فهي تضعف أمام المتطرفين والمستوطنين وتتماهى مع توحشهم، وإن هذا الكيان كلما ضعف أمام معادلات المنطقة، سواء صنعتها دول أو حركات مقاومة، يوسّع دائرة القتل أملا بتضييق دائرة الضوء على جرائمه وردع الشرائح الفلسطينية والعربية المتردّدة عن أي إعادة نظر في تموضعها إلى جانبه، ولا يجب أن يراود الشك أحد في أن ما حصل في جريمة إعدام شيرين ابو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة هو رسالة موقعة من قيادة الكيان، موجهة إلى دول التطبيع، وإلى السلطة الفلسطينية ومسؤوليتها عن التنسيق الأمني، والقائمة العربية المشاركة في الحكومة ودورها في الحفاظ على الحكومة، بأن القتل يشكل الجواب على أية محاولة للتأقلم مع المعادلات الجديدة وعدم احترام الخطوط الحمراء للكيان.

شهادة شيرين أبو عاقلة، سواء فهمتها حكومة قطر وقناة الجزيرة كرسالة مباشرة إليهما أو لم تفهماها كذلك، فهي كذلك، وقطر التي شاركت دون كل دول الخليج في اجتماع وزراء الدفاع للدول الحليفة لواشنطن من أجل تسليح الجيش الأوكراني، وقناة الجزيرة التي تولّت دون كل قنوات العالم الفضائية مهمة الإعلام الحربي للحكم الأوكراني في شيطنة روسيا وعملياتها العسكرية، وحكومة قطر وقناة الجزيرة قد تشاركتا في ريادة نهج التطبيع النفسي مع كيان الاحتلال من بوابة تصنيفه رأياً آخر، واعتبار الانفتاح عليه والتعامل معه يخففان من غلوّه وعدوانيّته، وصنعتا نظرية أولوية العداء للحكومات العربية المناوئة للكيان على العداء للكيان نفسه أملاً باسترضائه بخوض حروبه بالوكالة، كما تقول كل وقائع مواقف قطر والجزيرة من الحرب على سورية؛ هل تفهمان اليوم الرسالة، ومضمونها أن الاحتلال ليس رأياً آخر، وأن التعامل معه ليس وجهة نظر، وأن التحول الى موقع الحليف المميّز عند الأميركي ليس حصانة بوجهه، وأن العداء لكل من يعادي الكيان لا يحتسب لأصحابه عندما يستدعي جدول أعمال الكيان المزيد من التوحش، بل قد تكون أولى الرسائل الدموية موجهة لهم بدماء شهداء أنقياء من أمثال شيرين ابو عاقلة، رسالة مضمونها أن المنطقة عشية حرب ستكون غزة طرفاً مباشراً فيها فاختاروا موقعكم الإعلامي من الآن وإلا..!

أن تكون دماء شيرين ابو عاقلة نقطة تحول، يعني أحد أمرين أو كليهما، الأول أن يتوقف العالم الغربي بمؤسساته الحكومية والقانونية عن معاملة جرائم الاحتلال بمعيار الحماية، أو المواربة، والثاني أن تغسل دماء شيرين أبوعاقلة عار التطبيع عن الإعلام العربيّ، وفي المقدمة منه قناة الجزيرة، وأن يرد الاعتبار لمعيار العداء لكيان الاحتلال في رسم صورة المشهد العربي السياسي والإعلامي، ورغم الحزن والغضب والمرارة ليس ثمّة ما يقول أن شيئا من هذا سيحدث قريباً أو أنه على وشك الحدوث.

رحم الله شيرين شهيدة فلسطين وقد احتضنها القلوب ورفعتها الأكتاف، وبكتها العيون، وشيعها المقاومون، قبل أن يتسابق الانتهازيون إلى التقاط الصورة التذكارية!

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

النفط والغاز بين برّي ونصرالله: مهلة شهر

الثلاثاء 10 أيار 2022

ناصر قنديل

خرجت الحملات الانتخابيّة من قتامة البؤس والسواد، التي خيّمت على قلوب الناس بشحوب، فشلت جماعات التغيير بإزالته بعدما فقدت أيّ بريق للتميّز والتحقت كلياً بالمعسكر الداعي لأولوية مواجهة المقاومة وسلاحها، وصارت مجرد صوت في سرب المغردين تحت مظلة السفارات الملوّنة، وقد وضعت البلاد بين خيارين لما بعد الانتخابات، كل منهما أشد قتامة من الآخر: الأول استمرار المناوشات السياسيّة تحت عنوان السلاح، كما كان عليه الحال قبلها، وربما وصول المناوشات إلى ما هو أسوأ، من تهديد للاستقرار الأمني، بالفوضى إن لم يكن بخطر الفتن والحرب الأهليّة، والثاني هو هدوء جبهات المناوشات لصالح السير ببرنامج الحكومة الاقتصادي والمالي، وما يتضمنه من رفع للضرائب وحسومات على الودائع وانتظار عائدات التسول الدولي والإقليمي، واستمرار أزمات الكهرباء وتفاقم أزمات الاستشفاء وارتفاع أكلاف التعليم، ما يضع أغلب اللبنانيين أمام خيار الهجرة الحتميّة لمن يتيسر له ذلك، وبقاء الباقين للعيش في الجوع والذل.

هذا المشهد القاتم بدأ الانقشاع لصالح كوة ضوء مع كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عن معادلة الغاز والنفط بوليصة تأمين لبنان ضد الجوع والتسوّل والانهيار، وعن موقع قوة المقاومة المالي والاقتصادي في الاستعداد لضرب اليد على الطاولة بمقدرات تملكها المقاومة، وهي جاهزة لاستخدامها، لفرض تسريع التنقيب وصون الحقوق كاملة، شرط أن تخرج الحكومة من العبودية العمياء للمشيئة الأميركية، التي تقوم على مواصلة التفاوض المديد بلا جدوى، مع زيادة الضغوط على الدولة ورموزها لانتزاع تنازلات من حقوق لبنان في ثرواته البحرية، ربما تكون حاضرة في المساومات التي سيجريها الأميركيّون مع مرشحي رئاسة الجمهورية، وبالتوازي مواصلة الحملات على المقاومة لتحييد تأثيرها وقدرتها الرادعة عن ملف الغاز والنفط، لكن كلام السيد نصرالله بقي أملا صعب المنال، لأن صناعة القرار في الدولة تحكمها حسابات ومصالح تقع في أغلبها في خانة الخشية من الأميركي وما يهدّد به من عقوبات تطال أموال المسؤولين وعائلاتهم وحاشياتهم.

جاء كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري ليضع خريطة طريق لكلام السيد نصرالله، فيقول سنمنح التفاوض مهلة شهر، وإذا لم يتم التوصل الى نهاية مرضية تضمن الحقوق اللبنانية، التي يبدو أنه بات محسوماً التوافق على اعتبارها محددة بالخط الـ 23 وفقاً لكلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم أمس، فعندها يطلب من الشركات التي تم تلزيمها التنقيب في البلوكات الحدودية التي يفترض أنها تختزن ثروات طائلة، أن تبدأ التنقيب تحت طائلة تلزيم شركات أخرى إذا تخلفت عن ذلك، وقيمة كلام الرئيس بري أنه أولاً يصدر عن رئيس السلطة التشريعية الذي يعتبر عراب المفاوضات وراعيها، وثانياً لكونه وضع معادلة مهلة الشهر التي سيسمعها الأميركيون والإسرائيليون ويقيمون لها حساباً، يعلمون أنه سيصعب رفضها من سائر أركان الدولة بعد مضي سنوات على المسار التفاوضيّ، وأكثر من سنة ونصف على الاتفاق على الإطار التفاوضي، وثالثاً لأن الأميركيين والإسرائيليين يضعون في حسابهم إذا امتنعت الشركات التي رست عليها التلزيمات عن التنقيب أن يكون البديل إما شركة روسية تستفيد من لحظة التصادم الروسي الغربي الراهنة، أو شركة إيرانية وفقاً لما سبق وأعلنه السيد نصرالله حول جهوزيتها للمهمة، وفي الحالين لفرصة وضع المقاومة لمعادلة الردع قيد التنفيذ، تمنعونا نمنعكم، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في هذه الحالة.

خلال الصيف يبدو أننا سنكون على موعد مع تطورات متسارعة في ملف التنقيب عن الغاز والنفط، سواء عبر نهاية إيجابية أو سلبية للمسار التفاوضيّ. وهذا يفتح الباب لارتفاع منسوب الأمل لدى اللبنانيين بأن تشكل الانتخابات النيابية نقطة تحوّل نحو مرحلة جديدة يكون فيها للحلول الاقتصادية والمالية، التي تحفظ لهم البقاء في بلدهم، بكرامة العيش، بدلاً من خياري الهجرة أو التسول والذل.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

حروب حافة الهاوية: أوكرانيا وفلسطين

ناصر قنديل

خلال الشهور الثلاثة الماضية استهلكت الحرب المفتوحة والمعلنة في أوكرانيا، والحرب المفتوحة دون إعلان في فلسطين، كل الهوامش المتاحة للبقاء ضمن حدودهما، والبقاء على نار هادئة، فقد استهلك الأطراف المنخرطون في هاتين الحربين هوامش تفادي الدخول في المواجهة المباشرة، وهم في حرب أوكرانيا روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى، وفي حرب فلسطين كيان الاحتلال من جهة ومحور المقاومة من جهة مقابلة. وليس خافياً أن مشروع حلف الناتو كان يقوم على رهان استنزاف روسيا عسكرياً من خلال خطة تقوم على تعزيز قدرات الجيش الأوكراني وتزويده بالسلاح والمال والوقود والمرتزقة، وعلى دفع الاقتصاد الروسي نحو الإفلاس عبر السطو على مخزونات العملة الصعبة للدولة الروسية، ودفع سعر الروبل للانهيار، لتضييق هامش قدرة الدولة الروسية على مواصلة الحرب. وهذه الرهانات استنفدت قدرتها على التأثير. فالجيش الأوكراني يدخل أزمة استنفاد قدرة الصمود خصوصاً على صعيد البنية البشرية وخطوط الإمداد، وإمكانات التزود بالوقود، والاقتصاد الروسي تجاوز المحطات الصعبة ودخل في التأقلم الطويل المدى، بعدما نجح بتصدير الأزمة إلى أوروبا وفق معادلة الغاز مقابل الروبل.

في فلسطين، استهلك كيان الاحتلال فرص الرهان على المراحل الرمادية في الصراع المتصاعد مع قوى المقاومة، فلا الضوابط التي وضعها للسيطرة على معادلة التعامل مع القدس حققت المراد منها بتنظيم درجة المكاسب والخسائر لكل من المقدسيين والمستوطنين، وسقط هامش لعبة فتح باب ميادين الأقصى للمستوطنين ومنعهم من مسيرة الإعلام، فاشترت الحكومة غضب الطرفين. وبالتوازي فشلت محاولة احتواء العمليات البطولية الفردية الفدائية التي تحولت خطاً متصاعداً، هشّم صورة الأمن الإسرائيلي، وأظهر ضعف الحكومة وجيش الاحتلال، وسقوط التنسيق مع السلطة الفلسطينية كضمان للأمن، والتطبيع مع دول الخليج كضمانة لإحباط الفلسطينيين، وشيئاً فشيئاً يجد نفسه أمام خيارات الغضب المتصاعد من طرفي المنازلة، أمام لحظة صدام تقترب مع غزة، خصوصاً بعد معادلة القدس وجنين خط أحمر التي رسمتها المقاومة، وبعد إعلان رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار عن قرار فك الحصار وتبييض السجون، وانتقال المقاومة من الدفاع إلى الهجوم. وبالتوازي سقط هامش المعركة بين حربين الذي قام على الغارات الإسرائيلية على سورية، مع إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قرار إيران والمقاومة بالردّ الفوريّ على أي عدوان.

يدرك الأميركيون والأوروبيون مخاطر التورّط في حرب مباشرة مع روسيا، هدّد الرئيس الروسي باعتبارها تهديداً استراتيجياً يصبح معه خطر المواجهة النووية داهماً، سواء حدث هذا بنتيجة تدخل عسكري غربي لإسقاط طائرات او تدمير سفن حربية لروسيا، او من خلال القيام بإيصال المساعدات العسكرية الى داخل أوكرانيا بمعية الجيوش الغربية، او من خلال ما لوّحت به بولندا بدخول جيشها الى اراض أوكرانية تحت شعار وحدة الشعبين، ففي كل من هذه الحالات سرعان ما سيجد الغرب أنه وجهاً لوجه في حرب تتدحرج مع روسيا، ويدرك الإسرائيليون خطورة التورط في حرب مع غزة، وخطورة التورط في منازلة ردّ وردّ مضاد على عمليات تستهدف إيران والمقاومة في سورية، واحتمال نشوب حرب شاملة، سواء من خلال تصاعد حرب مع غزة قابلة للتحوّل الى حرب مع محور المقاومة، أو من خلال تصاعد الردود على الغارات التي كانت حتى الأمس هامش مناورة متاح، لم يعد مؤكداً أنه يحظى بصمت روسي هذه المرة، وفي كل من هذه الحالات ستكون الحرب الشاملة خياراً ممكن الحدوث بقوة.

المواجهة المباشرة مع روسيا، ليست خياراً يمكن مناقشة احتمالاته بالنسبة للغرب، فهي الكارثة بعينها، خصوصاً إذا اخذت مخاطر المواجهة النووية بعين الاعتبار مع التسليم بالتفوق الذي تحققه روسيا على هذا الصعيد، والحرب الشاملة مع محور المقاومة ليست خياراً قابلاً للنقاش بالنسبة لـ “إسرائيل”، خصوصاً إذا أخذ بالاعتبار حجم التفوق الشامل لمحور المقاومة في مجالي حرب الصواريخ والطائرات المسيّرة من جهة والحرب البريّة من جهة مقابلة، لكن الطريق الوحيد لتفادي هاتين المواجهتين هي مبادرات تتميّز بالقدرة على التسليم بحجم من التراجع يشكل تعبيراً عن موازين القوى الجديدة التي تحكم هاتين الحربين، ومن خلالهما ترسم صورة العالم والمنطقة، ولا يبدو هذا الاحتمال بحجم من الحظوظ التي تتناسب مع العقول التي تدير الحرب على الضفتين الغربية والإسرائيلية، حيث الإنكار والمكابرة والعنجهية أقوى من الحسابات!

فيدوات متعلقة

مقالات متعلقة

انقلاب المعادلة الروسيّة بين محور المقاومة و«إسرائيل»

الخميس 5 مايو 2022

 ناصر قنديل

 –

كثيرة هي الأسباب التي كانت تسمح بالقول إن هناك هامشاً روسياً استثمر عليه الإسرائيليون في بناء استراتيجيتهم المسمّاة، معركة بين حربين، والتي كانت الغارات الإسرائيلية على سورية تحت شعار منع وصول السلاح الإيراني الى حزب الله، ومنع تركيز بنى عسكرية لإيران وقوى المقاومة في سورية، وخلال سنوات عرفت هذه المعادلة الكثير من المنحنيات والمتغيرات رسمت ما عرف بقواعد الاشتباك، التي منحت “إسرائيل” زمام المبادرة العسكري مقابل ثنائية، تعامل شبكة الدفاع الجوي السورية مع الغارات والصواريخ الإسرائيلية من جهة، والاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين لمحور المقاومة من جهة ثانية، بعدما قيّدت جولات الاشتباك نطاق الغارات الإسرائيلية بضوابط متلاحقة، منها حرمة الدخول الى الأجواء السورية بعد إسقاط سورية للطائرة الحربية الإسرائيلية عام 2018، والاكتفاء بغارات من البحر والأجواء اللبنانية والقصف من الجولان السوري المحتل، ومنها الردّ الفوريّ أو دون تأخير، عندما يسقط شهداء أو يتم إلحاق أذى يستدعي التذكير بالخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، ومنها تجنب استهداف مواقع المقاومة في لبنان، ومنها الابتعاد عن حركة الطائرات الروسية والاحتماء بها أو بالطائرات المدنيّة خلال الغارات.

لم تكن روسيا تخفي عدم رغبتها بجعل وجودها في سورية مصدراً لتأزم علاقتها بـ”إسرائيل”، فهي جاءت بقواتها تحت عنوان دعم سورية وجيشها في الحرب التي استهدفتها منذ عام 2011، وكانت الجماعات الإرهابية هي الأداة المسلحة التي سيطرت على أجزاء من الأراضي السورية، رغم ادراك موسكو أن وراء هذه الحرب حلف دولي تشكل “اسرائيل” أحد اطرافه، ورغم إدراك موسكو أن واشنطن هي من يقود حلف الحرب على سورية، وأنه في أية مواجهة روسية أميركية فإن “إسرائيل” جزء عضويّ من جبهة حلفاء أميركا، لكن موسكو التي تعتبر أن الصراع بين سورية و”إسرائيل” سابق على تمركزها في سورية، وتعتبر أن الصراع بين محور المقاومة و”إسرائيل” أكثر جذرية من مضمون الحرب التي تخوضها في سورية، هكذا قامت معادلة التحالف بين سورية ومحور المقاومة مع روسيا في مواجهة الإرهاب وإنهاء الاحتلالين الأميركي والتركي، على قاعدة فصل المواجهة مع “إسرائيل” عن هذا التحالف، من جهة، وتوفير الشروط اللازمة على مستوى الظرف السياسي والمقدرات العسكرية للردّ من خارج سورية، لإعلان عندها عن سقوط هذه المرحلة وقواعد الاشتباك التي حكمتها، بينما سعت سورية لمنح الأولوية للمعارك التي يشكل الدور الروسي عاملاً حاسماً في كسبها شمال سورية، ومواصلة السعي لتطوير سلاح الدفاع الجوي السوري لتعزيز وتوسيع نطاق حرمة الأجواء السورية، نحو حرمة الأراضي السورية، والى حين ذلك الاكتفاء بالتصدّي للغارات بالدفاعات الجوية، وما قد يرافقها بين حين وآخر من صواريخ دفاع جوي تتم برمجتها للسقوط داخل وفي عمق الأراضي السورية والفلسطينية المحتلة.

جاء التحوّل الكبير في العلاقات الدولية والإقليمية الذي فرضته الحرب في أوكرانيا، وبدأت رياحه تضغط على مواقف الأطراف الإقليميّة، وكانت العين الأميركية على “إسرائيل” وسعيها للحياد تفادياً لتغيير قواعد التعامل الروسية مع الغارات الإسرائيلية على سورية، وبدأ بعد شدّ وجذب أن واشنطن لا تستطيع التسامح مع حياد “إسرائيلي” يهدّد بتفكيك جبهة الحلف بوجه روسيا، تحت شعارات للخصوصية مشابهة للخصوصية “الإسرائيلية”، من تركيا الى الخليج وما أظهرته فوارق التصويت بين قرار الجمعية العامة بإدانة الحرب وقرارها بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وبدأت تظهر علامات التموضع الإسرائيلي في الحرب الأوكرانية ضد روسيا، ولعله من المفيد التذكير هنا أن أوكرانيا معقل للحركة الصهيونية جعلها مرشحة من ضمن لائحة ضمّت فلسطين والأرجنتين لتكون أرض الميعاد الصهيونيّة، حيث كانت مملكة الخزر، إحدى الممالك اليهودية عبر التاريخ، ولم تكن كلمات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف التي استفزت “اسرائيل” عن دماء أدولف هتلر اليهوديّة، مجرد اقتباس تاريخيّ لمواجهة مزاعم فلاديمير زيلنسكي، وهو استفزاز عقائدي عميق لا يمكن أن يرد في حال انفعال ولا تعبيراً عن غضب، كما أظهرت ردود الكرملين ووزارة الخارجية الشديدة القسوة على الاحتجاج الإسرائيلي، وما رافق الرد الروسي من كشف عن مشاركة مرتزقة صهاينة في الحرب ضد روسيا، ومعدات إسرائيلية، وأدوار استخبارية إسرائيلية، في التنصت والأقمار الصناعية وتشغيل شبكات الدفاع الجوي.

تدرك روسيا أنها تخوض حرب تغيير قواعد العلاقات الدولية مع الغرب، وأن هذه الحرب ممنوع أن تنتهي دون تحقيق هذا الهدف، خصوصاً لجهة فرض التراجع على المكانة الأميركية المتحكمة بالهيمنة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على العالم. كما تدرك روسيا أن الحرب في أوكرانيا ليست كافية لتحقيق هذا الهدف، وأن أهمية هذه الحرب بأنها فتحت الباب لتغيير قواعد اللعبة الدولية، ومنها حرب الطاقة، وحرب العملات، لكن منها أيضاً حروب إقليمية لها حساباتها وقواها الذاتية التي تنتظر الفرصة المناسبة، كسعي الصين لاسترداد السيادة على تايوان، وسعي كوريا الشمالية لكسر الحصار المفروض عليها، وسعي محور المقاومة وعلى رأسه إيران لمكانة “إسرائيل” وحجم حضورها في المنطقة، والتي تشكل مجتمعة البيئة الدولية الجديدة، لفرض نظام عالميّ جديد، وربما تكون الحرب الإقليمية المقبلة تحت سقف فرض معادلات جديدة لفك الحصار عن غزة، وردع الغارات على سورية، وربما فتح الطريق لتحرير الجولان، بعض الحراك الدولي المطلوب روسياً، والذي تكفي فيه إشارات كالتي ظهرت بعدم الممانعة، حتى تلتقطها القوى المعنيّة وفي طليعتها محور المقاومة للانتقال من مرحلة إلى مرحلة، فلعل استهداف الأمن الإسرائيلي يشكل الخاصرة الرخوة في نظام السيطرة الأميركيّ على العالم، وقد آن أوان هزّه.

الانتخابات والأولويّات: خطر الحرب الأهليّة بين السطور

 May 6, 2022

 ناصر قنديل

السؤال الرئيسيّ الذي يجب أن تمتلك القوى السياسية التي تخوض الاستحقاق الانتخابيّ هو عن خطتها في اليوم الذي يلي الانتخابات في حال نيلها التصويت الذي طلبته من الناخبين. والمقصود هو التصور الواقعيّ لما سيحدث وكيف سيكون المسار الذي توضع عليه البلاد. وهنا يظهر لدى أي مراقب أن هناك ثلاثة أنواع من الخطاب السياسي، الأول هو خطاب قوى كبرى مناوئة للمقاومة، ربطت كل الأزمة بحضور المقاومة وسلاحها، واتهمتها بالهيمنة على قرار الدولة وتجييره لمشروع خارجي، واعتبرت ذلك هو السبب بالأزمة المالية والاقتصادية التي أوصلت لبنان للانهيار، واختصرت رؤيتها للانتخابات باعتبارها فرصة لاستعادة الدولة من هذه الهيمنة وتغيير مسارها، عبر نيل أغلبية نيابية تمثل تفويضاً لتشكيل حكومة تتولى مهمة المواجهة مع المقاومة وسلاحها، من موقع مؤسسات الدولة الدستورية والسياسية والأمنية والعسكرية والقضائية. والنوع الثاني من الخطاب هو للمقاومة وقوى كبرى حليفة لها، يقوم على طرح أفكار لحلول لبعض عناوين الأزمة لكنه يقول إن الأصل يبقى في التوافق السياسي سواء لتطبيق الحلول الاقتصادية، أو لمعالجة الخلاف حول المقاومة وسلاحها، وحول النظام السياسي وفرص إصلاحه، ولذلك يدعو هذا الخطاب الى حكومة وحدة وطنية تضمن أوسع تمثيل سياسي للقوى التي تفوز بالانتخابات.

الخطاب الثالث هو الذي يحاول التميّز على الضفتين، فبعضه يشترك مع مناوئي المقاومة في خطابهم الذي يحملها مسؤولية الانهيار ويضيف اليها تركيبة النظام والفساد والسياسات المالية، وبعضه يشترك مع القوى المؤيدة للمقاومة في رؤيته لها كحاجة وضرورة في حماية لبنان واستقراره، لكنه يضيف خصوصية في خطابه للملفات الداخلية الاقتصادية والإصلاحية، ويقدم تعهدات بملاحقتها سواء بما يتصل بمواجهة الفساد أو بعناوين مثل أموال المودعين وإصلاح النظام المصرفي، ومشكلة هذين الفريقين أنهما يعرفان ويعترفان باستحالة قدرتهما على نيل أغلبية مستقلة تمكن أياً منهما بوضع خطابه الخاص في موقع تسيير الدولة ومؤسساتها، فيصير الجواب عن سؤال ماذا في اليوم الذي يلي الانتخابات، مربوطاً بالجواب على سؤال في أي من الأغلبيتين سيقف كل منهما، حيث يبدو وبوضوح أنه مهما كان هامش مناورة البعض المناوئ لسلاح المقاومة بنكهة مجتمع مدنيّ، فسوف يجد الخطاب الذي يقول بتزكية حكومة أغلبية للفائزين من مناوئي سلاح المقاومة، ويقتصر تميزه على طلب مراعاته بترشيح نواف سلام بدلاً من فؤاد السنيورة، بينما على مستوى البعض الآخر المتميز بين حلفاء المقاومة، فسوف يجد نفسه أمام استحقاق تشكيل حكومة جديدة يكرر ما سبق وفعله، بالسعي للحصول على أفضل فرص التمثيل فيها، مع إدراك صعوبة بل استحالة تشكيل حكومة أغلبية من حلفاء المقاومة، وحتمية السير بحكومة أوسع تمثيل ممكن، كما جرى مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

في الخلاصة سيتم صرف فائض قوة التصويت في الانتخابات بوضع لبنان أمام أحد مسارين، الأول إذا فاز خصوم المقاومة، وواضح جداً أنه سيترجم بتسمية شخصية تتراوح بين فؤاد السنيورة ونواف سلام لتشكيل حكومة لون واحد تستند الى الأغلبية ولو كانت طفيفة، وستكون جمعيات المجتمع المدني فرحة بالانضمام، بما في ذلك تشكيلاتها التي تشعل الإشارة نحو اليسار، لكنها تعطف في النهاية الى اليمين، ولو سلمنا جدلاً بفرصة تحقيق هذه الفرضية فهي ستعني ان حكومة جديدة بلون واحد ستضع يدها على مقدرات الدولة وتحاول استخدام هذه المقدرات القانونية والقضائية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية لرفع أي غطاء شرعي عن المقاومة، وبدء حملة لمواجهتها، ستكون خلالها الحرب الأهلية وتفكيك مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية أقل المخاطر المتوقعة، لأن الوصفة التي تمثلها حكومة الأغلبية، هي نسخة ما بعد اتفاق الطائف، الذي نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء، كما جرى خلال حكم الرئيس أمين الجميل، حين كانت المقاومة أضعف، ولم يكن هناك سلاح فلسطيني، وقرّر تصفية هذه المقاومة بقوة الدولة وزج بعشرات الآلاف في السجون، واجتاح الجيش المناطق وقصفها، وكانت النتيجة تدمير الدولة والجيش والبلد.

المسار الثاني هو ما ستؤول إليه الأمور إذا فاز حلفاء المقاومة بالأغلبية، حيث سنكون أمام مشاورات لتسمية شخصية توافقية لرئاسة الحكومة، ربما تطول منعاً للوقوع في حكومة اللون الواحد، ومثلها سنكون بعد التسمية أمام مشاورات لضمان أوسع مشاركة في الحكومة، وربما تطول أيضاً، وربما نبلغ الانتخابات الرئاسية والحكومة الحالية في حال تصريف أعمال، وعندما تتشكل حكومة سيكون برنامجها الحوار للتوافق على حلول للأزمات ومنها الأزمة المالية، وهو مسار لا يعد بحلول جذرية ولا بحلول سريعة، لكنه يعد بحماية نعمتين كبيرتين حققهما اللبنانيون، تصح فيهما مقولة “الصحة والأمان نعمتان مفقودتان”، أي أننا لا ندرك مكانتهما حتى نفقدهما، والنعمة الأولى هي ردع الخطر الإسرائيلي والثانية هي عدم المخاطرة بالسلم الأهلي، وفق معادلة تقول إن أكبر الخسائر الناتجة عن طول الأزمة حتى تحقيق التوافق، هي أقل بكثير من الخسائر التي ستنتج عن التهاون ليوم واحد بتعريض السلم الأهلي للخطر بداعي فرض رؤية فريق بالقوة.

الذين سيذهبون للانتخابات مدعوون قبل النظر في الوعود الانتخابية والانفعالات والعواطف والشعارات، إلى السؤال، هل تصويتهم سيجعل خطر الحرب الأهلية أقرب أم أبعد؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

حرس الثورة عبر غزة في زمن المفاوضات

 ناصر قنديل

هي المرة الأولى التي يخرج فيها أحد قادة الجمهورية الإسلامية متحدثاً في يوم القدس العالمي، من فلسطين مباشرة في كلمة تنقل عبر الشاشة إلى مهرجان يحيي المناسبة، فكيف عندما يكون المتحدّث بموقعه وصفته، هو قائد حرس الثورة الذي يتولى مهمة دعم فصائل المقاومة الفلسطينية، والاختيار عندما يكون بهذا المستوى، أي مهرجان ليوم القدس وفي غزة، والمتحدّث قائد حرس الثورة، فهو اختيار شاركت فيه ووافقت عليه القيادة الإيرانية العليا، وعلى رأسها الإمام الخامنئي، في إيران في ذروة اللحظة الحرجة من المفاوضات حول الاتفاق النووي، التي تتجمّد عند نقطة تصنيف الحرس الثوري على لوائح الإرهاب الأميركية، من بوابة دعم الحرس لفصائل المقاومة، التي تشكل فلسطين محور شراكتها،.

اختيار قائد الحرس ليكون المتكلم بلسان إيران، كانت له بدائل عديدة دبلوماسياً، لو كان خيار إيران تفادي الإحراج، من خيار عدم مشاركة أي مسؤول إيراني، إلى خيار أن تكون المشاركة عبر شخصية ذات مكانة معنوية عالية، لكن من خارج مؤسسات الدولة، الى المشاركة عبر شخصية برلمانية غير حكومية، تمثل إرادة الشعب الإيراني ولا تلزم الحكومة، إلى أن تكون المشاركة حكومياً على مستوى وزارة الخارجية أو سواها، لكن قرار أن تتم المشاركة بشخص قائد الحرس وليس سواه، فهو قرار يعرف الأميركيون معناه جيداً، وهو أن هذا هو موقف إيران وهذه هي التزاماتها، ولو كانت النتيجة انهيار المفاوضات.

ما قاله القائد حسين سلامي مكتوب ومحسوب بدقة ليشكل جدول أعمال إيران تجاه القضية الفلسطينية وقوى المقاومة، لا تغيّر فيه التطورات السياسية الإقليمية والدولية، ويمثل عهداً إيرانياً لفلسطين، في ذروة التفاوض الذي تخوضه إيران، سواء على جبهة الاتفاق النووي، أو على جبهة التفاوض الإيراني السعودي، الذي دخل مرحلة من الجدية والإيجابية، كما تجمع التقارير الإعلامية والدبلوماسية، لذلك فإن كل كلمة قالها الجنرال سلامي ستقرأ بعناية ودقة بصفتها أدقّ ما يمكن أن يعبر عن موقف إيران مما يجري في فلسطين وحولها، ومن التزامات إيران تجاه فلسطين ومقاومتها.

قال القائد سلامي «الكيان الصهيونيّ يقترب من زواله واضمحلاله وقد أصبح اليوم جسداً هامداً وميتاً، وفلسطين اليوم أصبحت مقتدرة وقريبة إلى النصر وشمس الحرية بدأت تبزغ من مقاومة الشعب الفلسطيني، وعلى الكيان الصهيوني الرحيل من المنطقة فهو لا يملك أية دعامة له للبقاء، أما نحن فمستمرون في دعم الشعب الفلسطيني ونقول لقادة الفصائل المقاومة إن الجهاد هو سبيل التحرير، ونقول لقادة الدول الرجعية المطبعة مع العدو إن بيت العنكبوت هذا لا يمكن أن يوفر الأمن لكم، ودعمنا لفلسطين هو من مبادئنا الإسلامية وقائد الثورة يعلن دعمه العملي للانتفاضة والقضية الفلسطينية والفلسطينيون يعيشون في قلوبنا وضمائرنا وصور قادتكم ترتفع في شوارعنا ونفتخر بهذا الأمر، وسنبقى إلى جانبكم وعلى أمل النجاحات الكبرى في المستقبل القريب إن شاء الله».

مضمون هذه المواقف والالتزامات يشكل الخريطة الإقليمية التي تتعهّد إيران بالعمل عليها، شرق أوسط خالٍ من وجود كيان الاحتلال، وفي الطريق إليه دعم مفتوح لقوى المقاومة، وسعي علني لإسقاط مشاريع التفاوض والتطبيع، فهذه هي إيران التي تذهبون للاتفاق النووي معها، فإن لم يعجبكم ذلك فلا توقعوا العودة للاتفاق، وإن ارتضيتم ربط نزاع يمثله الاتفاق، تتحدد معه قضايا الخلاف، فمرحبا، ومثله خطاب لدول الخليج، هذا هو منظورنا للمنطقة فإن اعتبرتم مسار التطبيع خياراً استراتيجياً يحول دون السير في التفاهمات، فهذا شأنكم، وإن أدركتم أنه خيار فاشل يحتضر فذلك خير لكم، وإن فضلتم ربط النزاع حوله، فلتعلموا أننا نعمل على إسقاطه ولن نتوقف عن ذلك.

الحرس الثوريّ هو الجهة التي تقول أميركا وكيان الاحتلال وحكومات الخليج إنه يقود العلاقة الإيرانية بحركات المقاومة، التي يصنفها هؤلاء إرهاباً، كما يصنفون الحرس، وعلى رفعه من لوائح الإرهاب الأميركية يتوقف مصير الاتفاق النووي، وعندما يعلن الحرس من غزة عبر الشاشات، بلسان قائده، دعم إيران للمقاومة فهو يتحدّث عن دعم بالصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، وهكذا قررت إيران أن تحتفل بيوم القدس، بأن ترسم معادلة الإقليم المقبلة، مشروعنا زوال «إسرائيل»، فمن رغب بالحوار معنا أن يدرك هويتنا الواضحة سلفاً، ومن يرغب بالتفاهم معنا فليعلم مع مَن يقوم بالتفاهم، ومن يقدم على التفاوض فليضع في حسابه سلفاً ما ليس قابلاً للتفاوض عندنا!

فيديوات مرتبطة

مقالات مرتبطة

نقطة التحوّل الثالثة في يوم القدس

الخميس 28 نيسان 2022

 ناصر قنديل

 –

ربّما لم يكن أحد، غير الإمام الخميني، يدرك الدور الذي سيلعبه الإعلان عن اعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس، أبعد من مجرد إحياء مكانة القدس في الذاكرة الإسلاميّة، والذين تابعوا عن قرب حجم الاهتمام الذي أولاه الإمام لإنجاح إحياء هذا اليوم، وحجم المتابعة التي حظي بها الإحياء في أولوياته، كانوا يتساءلون عن سبب تشبث الإمام بهذه البصمة الشخصيّة التي وضعها على مسار المواجهة المفتوحة التي التزمتها الثورة الإسلامية في إيران تجاه فلسطين، وكيفية رؤيته لمكانتها الأبعد مدى بكثير من مجرد الإحياء التذكيريّ، أو الذكرى الإحيائيّة.

 –

بعد سنوات على الإعلان، والمتابعة الحثيثة من الإمام لضمان أوسع مشاركة على مستوى عدد الدول، وأعمق مشاركة على مستوى شرائح المجتمعات، بدا أن الرسالة التي أرادها الإمام وصلت للفلسطينيين، الذين ظهر لهم بوضوح أن قضيّتهم حية في وجدان أكثر من مليار مسلم على مساحة العالم، وأن نهوضهم بأعباء الحفاظ على القدس لن يذهب هدراً، ولم تكن محض صدفة أن تبدأ المواجهات الأشد حماوة مع قوات الاحتلال في التصاعد قبيل موعد يوم القدس، وتتصاعد إلى الذروة يوم الإحياء، كما تقول يوميات انتفاضة الحجارة، ولا كان صدفة أخرى أن يكون التزامن الموازي بين المواجهات الساخنة في انتفاضة الأقصى، والتي كانت القدس محورها، مع إحياءات يوم القدس، بعدما أعادت الانتفاضة الأولى القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية من بوابة المقاومة الشعبية، وشكلت الانتفاضة الثانية نقطة التحول نحو المقاومة المسلحة.

 –

استند الإمام إلى مشروعه بجعل المقاومة الهادفة لتحرير القدس مشروعاً يتغذّى من مكانة شهر رمضان لدى المسلمين، وما يرتبط بقيمه التي ترتكز على تشاطر الشعور بالحرمان، وعلى الاستعداد للتضحية من أجل مسح دمعة محروم، وعلى الاقتراب من مفهوم التوحيد القائم على رفض ألوهية قوى الدنيا، وعدم محاباتها، ورفض الخضوع لها، والخوف منها، أو السعي لمراضاتها، على قاعدة أن التوحيد يعني أن الله واحد، فهو إما أن يكون الله أو أميركا، وإذا كان الله يدعوك للقدس وتنهاك أميركا عنها فأيّهما ستختار؟ وإذا كانت أميركا تدعوك للتطبيع وينهاك الله عنه فأيّهما ستطيع؟ وسنة بعد سنة، كان اتساع الإحياء وتجذره، يجعل من اليوم العالمي للقدس نهراً شعبياً عالمياً جارفاً تتوسّع روافده وتزداد غزارة وتدفقاً وغضباً، وكان إيقاع هذا التعاظم يلقى صداه في فلسطين. وكان تنامي المقاومتين الشعبية والمسلحة في فلسطين يزيد هذا النهر الجارف إدراكاً لموقعه في مشروع التحرير والمقاومة.

 –

لا يمكن كتابة تاريخ تحوّل الداخل الفلسطيني نحو خيار المقاومة بعد هزيمة عام 1982 للمقاومة الفلسطينية في لبنان أمام جيش الاحتلال، دون الانتباه لمكانة ثنائيّة تصاعد المقاومة في لبنان بوجه الاحتلال وحضور اليوم العالمي للقدس، ولا يمكن كتابة تاريخ تحوّل الانتفاضة نحو المقاومة المسلحة وصولاً لتحرير قطاع غزة، منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، دون الانتباه لمكانة ثنائية انتصارات المقاومة في لبنان وتعاظم حجم حضور اليوم العالمي للقدس، وها نحن مع مرور أربعة عقود على إعلان اليوم العالميّ للقدس. وفلسطين في خط المواجهة الأول، تستنهض العالمين العربي والإسلامي لنصرتها وقضيتها، ندرك أن ما كان في معركة سيف القدس، وما سيكون في الأيام المقبلة لهذه السنة وللسنوات المقبلة، ونحن نترقب التحوّل الثالث بتزاوج الانتفاضة الشعبية والمقاومة المسلحة في مشروع التحرير، لن يكون بعيداً عن إيقاع الحضور المتنامي لإيران والجمهورية الإسلاميّة فيها على مستوى المنطقة والعالم، ودرجة إخلاصها لقضية فلسطين ومشروع المقاومة فيها، ولا هو ببعيد عن الموقع المحوري للمقاومة الإسلامية في لبنان ودرجة صدقها في اعتبار قضية فلسطين والمقاومة لأجل تحريرها، قضية وجود ومصير. وبالتأكيد في قلب هاتين المعادلتين سيظهر حجم الأثر الذي تركه الإحياء المتنامي لليوم العالمي للقدس، داخل فلسطين وخارجها.

 –

عندما قال الإمام الخميني مع وصوله الى مطار طهران، اليوم إيران وغداً فلسطين، لم يكن يطلق مجرد شعار مبدئيّ، بل يعلن بدء تنفيذ خطة كان يملكها، ستتكفل ببصمة حضوره وهو غائب أن تمتلك ديناميكيّة تحقيقها.

مقالات مرتبطة

بضع دقائق في رأس الرئيس بوتين


الخميس 21 نيسان 2022

ناصر قنديل

يقول أحد الجنرالات المخضرمين العارفين بقوانين الحرب والذين شاركوا في صناعة بعض من معاركها، إن ثلاثة قرارات اتخذها الجنرال فلاديمير بوتين تحتاج شجاعة استثنائيّة يصعب أن يمتلكها قائد عسكريّ أو سياسيّ، الأول هو قرار بدء الحرب في ظروف جيوسياسية شديدة التعقيد. فالرئيس بوتين كان يعلم أنه يدخل غمار حقل شوك مليء بالمفاجآت والاحتمالات ليس ما جرى إلا بعضاً منها. وقرار الحرب على أوكرانيا يعادل عام 1961 قراراً أميركياً بغزو كوبا، بينما الظروف ليست معكوسة، فلا روسيا هي أميركا الستينيات القوة التي يمكن لأحد مواجهتها، ولا أوكرانيا هي كوبا المحاصرة والضعيفة. والثاني هو قرار تفعيل الأسلحة النووية ورفع جاهزيتها الى مستوى التأهب، وهو قرار يعادل الاستعداد لدخول حرب نووية، لم يسبق أن فعله أحد آخر، حتى أميركا والاتحاد السوفياتي في مرحلة النزاع حول الصواريخ السوفياتية في كوبا وما عرف بأزمة الخنازير بقيا على مسافة من مثل هذا القرار. والقرار الثالث هو إعلان الانسحاب من المحور الرئيسي للهجوم الروسي الذي استهدف العاصمة كييف، وكان على مقربة من قلبها، واتخاذ القرار من طرف واحد بما فيه من مخاطرة بالاضطرار للعودة لاسترداد المناطق التي تم الانسحاب منها بكلفة أعلى، وما فيه من فرص للخصوم لتصويره هزيمة للجيش الروسي واعترافاً بالفشل، هو قرار يصعب على قادة عسكريين وسياسيين كثيرين اتخاذه.

التجول الافتراضي لبضع دقائق في عقل الرئيس بوتين يبدو رحلة مغرية، لمحاولة استكشاف ما يدور في عقل هذا الرجل الذي تدور على طاولته وبين يديه، خرائط العالم الجديد، وتتوقف على تواقيعه مصائر الكثير من السياسات والحسابات والحروب. وهذا التجول الافتراضي هو حصيلة حوار ممتع للتداول في الفرضيات التي وضعها الرئيس بوتين لدى رسم سياق حربه واتخاذ قراراته، جرى مع صديق خبير بطريقة تفكير الرئيس الروسي من جهة، ومتابع لتفاصيل السياسات الدولية والحروب المعاصرة، وصراعات الطاقة والجغرافيا السياسية المندلعة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، من جهة مقابلة، وتبدأ الرحلة من السؤال الأهم، ماذا يريد الرئيس بوتين، وماذا يخشى؟

تبدأ الخلاصة الأولى بالاكتشاف الخطير، وهو أن الرئيس بوتين لا يخشى الحرب النووية وهو واثق من كسبها إذا اندلعت، وهو يعتقد أن الخوف منها سيتسبب بالذعر السياسي ودفع أثمان بلا طائل تحت شعار تفاديها. وأن الحرب النووية اذا كانت ضمن خطة الطرف الغربي المقابل فسيكون دفع العبودية الكاملة ثمناً لتفاديها هو الطريقة الوحيدة لاستبعادها، واذا لم تكن ضمن مشروع الغرب، فإن الاستعداد لها وعدم خشيتها لن يدفعا بالغرب نحوها، بل سيجعلانه مستعداً للتفكير بجدية وعقلانية، باستحالة الجمع بين تفاديها وممارسة الهيمنة والعبودية على العالم دولاً وشعوباً، ورفض الأخذ بمعايير موحدة لمقاربة القضايا الدولية الشائكة والمتراكمة، والتي تشكل علاقة الشرق بالغرب أهمها، ومحورها الرئيسي، ولذلك فإن الرئيس بوتين حسم أمر عدم الخشية من الحرب النووية مبكراً واتخذ الاستعدادات العسكرية وغير العسكرية التي تتيح له الخروج منها منتصراً، معتبراً أن هذا هو أقصر الطرق لمنع وقوعها، وأنه التعبير الأسمى عن الحس الإنساني بالسعي لتفادي الخراب الذي ستحمله للعالم. وهذه القناعة هي التي كانت وراء إنفاق مئات مليارات الدولارات على تطوير الأسلحة الاستراتيجية التي لم يكشف الا عن القليل منها، لكن الغرب يعرف ويعترف بأن روسيا للمرة الأولى تسبقه على هذا الصعيد بعشر سنوات.

إذا كان الأمر الأول هو ما لا يخشاه الرئيس بوتين فما الذي يخشاه؟ الذي كان يخشاه الرئيس بوتين، هو أن ينجح الغرب بصياغة مواجهة ذكية تفكك العلاقة بين مستويات الحرب الثلاثة، المستوى الأوكراني – الأوكراني ومحوره التعامل المنصف قانونياً وإنسانياً وثقافياً ولغوياً مع الأصول الروسية، لأن هذا هو محور قضية دونباس، العنصرية المبنية على هوية غربية شوفينية تجاه كل ما يمت لروسيا بصلة بالدم او الدين او اللغة. والمستوى الثاني هو المستوى الإقليمي، ومحوره التوازن الأمني في أوروبا بين روسيا ودول الناتو، وكانت رسالة موسكو لطلب الضمانات الأمنية من واشنطن، تتضمن عرضاً وافياً لمضمون عناوينه، وقضية أوكرانيا وانضمامها للناتو كانت رأس جبل الجليد في هذا الملف. والمحور الثالث هو مستوى العلاقات الدولية وسعي روسيا لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب صرح المسؤولون الروس مراراً عن فهمهم له وسعيهم إليه. وهذا المحور هو الإطار الحاضن عملياً وسياسياً واستراتيجياً لكل تفاصيل وسياقات الحرب الأوكرانية من الزاوية الروسية. ويعتقد الرئيس بوتين أنه لو نجح الغرب بفك التشابك بين هذه المحاور، فبادر عبر الحكومة الأوكرانية بإعلان الانفتاح العملي على مقتضيات إنهاء الحقبة العنصرية بحق ذوي الأصول والمتعلقات الروسية، وشجع على التفاوض حول حياد أوكرانيا، كترجمة طبيعية للتسليم باستحالة ضمها إلى الناتو، لنجح بحرمان روسيا من المنصة التي وفرتها الحرب للهم الاستراتيجي الأول لروسيا وهو إعادة صياغة العلاقات الدولية، ولنجح الغرب بمحاصرتها كقوة إقليمية وحرمانها من فرصة لعب دور القوة الدولية العظمى، التي تستحيل هزيمتها، كما تقول وقائع ما بعد حزمات العقوبات الأشد قسوة، وأزمات الطاقة والغذاء التي تدق أبواب العالم من أوروبا أولاً.

الحصيلة الأولى للجولة أن الرئيس بوتين يعتبر أنه نجح بفرض تفادي الحرب النووية بوضعها خياراً حاضراً على الطاولة، وأن الغرب تصرّف بحماقة وغباوة سهلت عليه مهمة جعل النظام العالمي الجديد محور الصراع، بعدما زاد الربط بين محاور الصراع الثلاثة، فبدلاً من تفكيك السياسات العنصرية بحق ذوي الأصول والمتعلقات الروسية في أوكرانيا قام بعولمة العنصرية ضد الروس عبر ما حملته كل العقوبات الغربية، بصورة استنهضت الوطنية الروسية إلى درجة غير مسبوقة تحت الشعور بخطر التهديد، وجعلت حربهم الوجودية هي الحرب التي يخوضها بوتين، ولو كانت الأثمان اعلى كلفة عما هي الآن بالأرواح وظروف المعيشة، والروس دفعوا ملايين الأرواح وعمران مدنهم كلها تقريباً لاجتثاث عنصرية مشابهة مثلتها النازية التي ستحتفل روسيا بذكرى النصر عليها قريبا، وبدلاً من التشجيع على حياد أوكرانيا يتحدث الغرب عن ضم دولتي فنلندا والسويد المحايدتين إلى الناتو، وبدلاً من تحييد قطاعي الطاقة والعملات كنقاط ضعف غربية كان يجب عدم كشفها، ذهب الغرب الى الملعب الذي يرغب به الرئيس بوتين لمنازلة الغرب وهو ليس إلا في نقطة البداية بعد.

قرار بدء الحرب وقرار تفعيل السلاح النووي كانا ترجمة لهذا الفهم، وقد تحققت هذه الأهداف، وقرار الانسحاب من محيط كييف ترجمة للاطمئنان بأن المحور الثالث للحرب، أي مستقبل العلاقات الدولية، صار هو العامل الحاسم، فمن الخطأ المساهمة بمنح البعد الأوكراني من الحرب أبعد مما يستحق، والحرب لم تعد الا منصة مفتوحة لأسابيع أو شهور او سنوات، حتى يتحقق الهدف، وهو ولادة نظام عالمي جديد. ومدة الحرب يقررها مدى مواصلة اوروبا محاولة الجمع المستحيل بين مصالحها الجوهرية والتبعية لأميركا، وما تظنه واشنطن لعبة عض على الأصابع تنتظر من يصرخ أولاً، هي في الحقيقة لعبة لحس مبرد، فيها طرف يلاعب لسانه بالمبرد ويتلذذ بطعم دمه، كحال أوروبا، ومن يعض على الإصبع الأوروبي هو الأميركي وليس روسيا. وروسيا تعض على الإصبع الأميركي من بوابة قدرة أوروبا على التحمل، وقدرة أميركا على تخيل مستقبلها دون أوروبا، وموعد الصراخ الأوروبي قريب، ومثله موعد الصراخ الأميركي. في عقل الرئيس بوتين معادلة، مرتاح لمسار الأمور وفقاً للخطة والتوقيت المقررين، ومستعد لكل الاحتمالات، لكن يصعب على الكثيرين فهم معنى ذلك بسهولة، إلا عندما يراهم يجلسون الى طاولة التفاوض لمناقشة ما هو أبعد من أوكرانيا والأمن الأوروبي وأمن الطاقة، لرسم قواعد جديدة للعلاقات الدولية تثق موسكو ويثق الرئيس بوتين أن مكانة موسكو فيها ستكون حاسمة ومقررة.

نقطة تحوُّل على حافة الهاوية: «إسرائيل» بين الحرب الإقليميّة والحرب الأهليّة


الخميس 21 نيسان 2022

ناصر قنديل

معادلتان قاسيتان تعبران عن مأزق حكومة كيان الاحتلال، هذه الحكومة وأي حكومة لاحقة. المعادلة الأولى هي معادلة الردع التي فرضتها قوى المقاومة في المنطقة عموماً، والتي وضعت سقفاً لحدود القدرة العسكرية الإسرائيلية في فرض السياسات، بغياب قدرة أية حكومة إسرائيلية على كسر الجمود السياسي بمبادرات قادرة على إحياء المسار التفاوضي، ونجحت معركة سيف القدس بتسييل معادلة الردع العامة هذه الى معادلة خاصة، تضع مستقبل توحش وتغَوٌل المستوطنين والمتطرفين الدينيين اليهود في كفة تعادل نشوب حرب، تبدأ بين غزة وجيش الاحتلال، وتبقى فرضيّة تحوّلها الى حرب إقليمية مفتوحة. والمعادلة الثانية هي معادلة التبعية للتيارات المتطرفة بين المستوطنين والجماعات الدينية في الكيان، بصفتها الجماعات الوحيدة الباقية في السياسة، بعدما غادرت الأحزاب التاريخية المسرح وتلاشى بعضها، كنتاج لموت السياسة في الكيان، حيث الحرب والتفاوض في حالة موت سريريّ، وكما يبتز بنيامين نتنياهو حكومة نفتالي بينيت بالوقوف وراء المتطرفين أملا بالعودة الى المسرح، سيجد من يفعل معه المثل عندما يعود، وسيجد أنه يفعل ما فعله بينيت وهو في الحكم، وقد سبق لنتنياهو أن فعله مع معركة سيف القدس الأولى، قبل أن يطرده بينيت بقوة اللعبة ذاتها.

شيئاً فشيئاً يضيق هامش المناورة أمام أية حكومة في كيان الاحتلال، وتجد رأسها مضغوطاً بين فكي كماشة يقتربان من بعضهما تدريجياً، بحيث يصير على الحكومة، سواء كانت حكومة بينيت او نتنياهو وشارون، إذا عاد من قبره، أن تختار بين اثنتين، أولاهما، الذهاب بعيون مفتوحة نحو توفير الغطاء لتحركات المستوطنين والمتطرفين، المدفوعة بقوة عدم الثقة بالحكومات والسياسة، وبقوة القناعات العقائدية المتطرفة، التي تقوم على قتل العرب من مسلمين ومسيحيين، ووضع اليد على أملاكهم وتدمير مقدساتهم. وفي هذه الحالة تكون الحكومة مدركة بكامل وعيها أنها ستدفع ثمن تماسك المتطرفين والمستوطنين وراءها، بالمخاطرة بالذهاب إلى حرب جديدة مع المقاومة في غزة، ولاحقاً في المنطقة، وأن لا أمل يرتجى من الفوز بهذه الحرب عسكرياً، ولا قدرة على تحمل دفع الثمن اللازم سياسياً لوقفها، لأنه يبدأ بالأخذ على أيدي المستوطنين والمتطرفين، والتعهد بعدم انتهاك حقوق المقدسيين ومقدساتهم، وثانيتهما، التموضع بعيداً عن المستوطنين والمتطرفين تفادياً لخطر الحرب، وهذا سيعني لاحقاً الأخذ على أيديهم ومنعهم من التفلت من الضوابط التي تمنع نشوب الحرب، وهذا سيعني المخاطرة بالتصادم معهم، والانتقال تدريجيا الى مناخ انقسام أهلي يهودي، بين مفهوم سلطة تبحث عن الاستقرار الإقليمي في لحظة ضعف قاسية، ومفهوم مجتمع متطرف ومسلح ولا حدود لاستعداده لمواجهة مؤسسات السلطة عندما تعترض طريقه المرسوم بقوة العقيدة التي قامت على أساسها السلطة ذاتها, وبين خياري الحرب الإقليمية والحرب الأهلية، قد تطول الرحلة نسبيا، لكنها ستتقدم مهما حاولت حكومة الكيان، أية حكومة، التذاكي والسير بين النقاط تفادياً للبلل، لأن ما يبدو مجرد رذاذ اليوم سيكون غداً مطراً غزيراً.

كما ابتكرت حكومات الكيان نظرية المعركة بين حربين، لتفادي الاعتراف بالعجز عن خوض حرب، وهي تعلم أن صيغتها المبتكرة لا تغير في موازين القوى، ولا تشكل بديلاً عن خيار الحرب أو العودة للمسارات السياسية، وتعزّي نفسها بأنها تنجح بشراء الوقت أملاً بمجهول لا تعلمه ولا تملك أدنى إشارات على ماهيته وإمكانية قدومه، فيكفي شراء الوقت لترحيل اللحظة الحاسمة من حكومة إلى حكومة، ستبتكر هذه الحكومة وما يعقبها من حكومات نظرية ضربة على الحافر وضربة على السندان، فتبيع المستوطنين والمتطرّفين معركة يخوضونها وتقف وراءهم، كما فعلت في تبنيها زيارتهم الاستفزازية للمسجد الأقصى، ومن ثم تلجمهم كما فعلت في منع مسيرة الأعلام، من الوصول الى باب العامود، ولكن ذات مرة ستتحول واحدة من هاتين او كلتيهما الى مواجهة خطرة، وسيكون على حكومة الكيان، أية حكومة، أن تختار بين الحرب الإقليمية والحرب الأهلية، وما حدث بالأمس هو نقطة التحول على حافة الهاوية التي دخلتها حكومة بينيت وسترثها منها أية حكومة لاحقة.

من نتائج الحرب الأوكرانيّة: ترتيب قوة حزب الله عالميّاً

الأربعاء 20 نيسان 2022

 ناصر قنديل

تعتبر الحرب الأوكرانية أول مواجهة عسكرية كبرى على الصعيد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، تدور في ظروف متكافئة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بين أحد أقوى جيوش الغرب الذي يملك خلفية إمداد مالي ولوجستي مفتوحة، بصورة تتيح له التحوّل إلى طليعة مقاتلة لجيوش الغرب، تحظى بجسر برّي تتلقى عبره كل أنواع الأسلحة المفيدة، والمعلومات الاستخبارية، واستيعاب اللاجئين وتأمين الموارد البديلة للاقتصاد المدمر لمواصلة الحرب، والشراكة بالتضييق وفرض الحصار على الجهة المعادية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وبالمقابل أقوى جيوش الشرق المدجّج بسلاح نوويّ والمتطور تكنولوجياً، والمستند الى عمق جغرافي وسكاني هائل، وصناعة حربية متطورة، واقتصاد يصعب تجفيف موارده المالية لاستناده الى موارد الطاقة التي لا غنى عنها للاقتصادات المعادية. وتتشكل ساحة المناورة العسكرية للحرب من مساحة تزيد عن مليوني كلم مربع، هي مساحة أوكرانيا نفسها، والبحار المحيطة والدول المجاورة.

تتزامن هذه الحرب الممتدّة منذ شهرين مع دعوات بعض الأطراف اللبنانية، بتشجيع عربي وغربي، على خوض الانتخابات النيابية تحت شعار نزع سلاح حزب الله، الذي يوازي شعار الحرب التي أعلنتها روسيا بنزع سلاح الجيش الأوكراني، فيما تقدم الحرب الأوكرانية فرصة لتقدير موقف عسكري حول مدى إمكانية جعل شعار نزع حزب الله واقعياً، من خلال مقارنة العناصر التي يمكن لها أن تجيب على هذا السؤال من الزاوية العسكرية الصرفة، بعيداً عن الرغبات والتمنيات، سواء بحفظ السلاح أو نزعه، فربما لا ينتبه البعض من غير المعنيين بالشؤون العسكرية وخبرائها، أن حجم القوى المتقابلة في حرب أوكرانيا، والتي يقدّرها الخبراء بـ مئة الف جندي من كل طرف، تعادل الرقم الرسمي المعلن من قبل الأمين العام لحزب الله لحجم القوة المنظمة للحزب عسكرياً. ومن أهم نتائج معارك الشهرين الماضيين في حرب أوكرانيا إثبات عدم فعالية سلاح المدرعات والدبابات على طرفي الحرب، حيث صارت أهدافاً سهلة لطائرات روسيا المروحية المزوّدة بصواريخ مضادة للمدرعات، على الجانب الأوكراني، وأهدافاً سهلة لصواريخ غربية موازية مضادة للمدرعات، على الجانب الروسي، بينما يجمع الخبراء على محدودية فاعلية سلاح الجو الروسي رغم تفوّقه الكبير كماً ونوعاً، بعدما تحول خشية صواريخ دفاع جوي محمولة، الى مصدر إطلاق صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، مثله مثل الغواصات، ومثل منصات اطلاق الصواريخ من البرّ، فظهر التفوق الروسي بذلك في القدرة الصاروخية العالية الدقة، سواء في استهداف البنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني او خطوط الإمداد الآتية من الغرب، او خزانات الوقود والأهداف الحيوية المزدوجة الاستخدام في الحروب، بينما ظهر التفوّق الأوكراني في فعالية مشاة البر المدربين وخصوصاً الجماعات العقائدية منهم، كفرقة آزوف التي خاضت ولا تزال معركة ماريوبول، ما استدعى لمواجهتها استحضار قوة توازيها في فنون حروب المشاة والتعبئة العقائدية يمثلها الجيش الشيشاني.

وفقاً لمراكز الأبحاث العسكرية الغربية يصنف الجيش الأوكراني في المرتبة الحادية والعشرين عالمياً، بينما انخفض تصنيف الجيش الإسرائيلي من المرتبة الخامسة عشرة إلى المرتبة العشرين، تحت تأثير حروبه مع حزب الله ومع المقاومة في غزة، ووفقاً لمقارنة بسيطة فإن الجيش السعودي يصنف في المرتبة السابعة عشرة عالمياً، وما آلت إليه حرب اليمن، التي خاضها تحت شعار نزع سلاح أنصار الله، تقدّم الكثير للراغبين في امتلاك فهم علمي لموازين القوى ومسارات حسم الحروب ومعاييرها، وقد نجح أنصار الله بقوة اعتمادهم على ثلاثة عناصر، هي صواريخ محدودة العدد وعالية الدقة، وشبكة فعالة من الطائرات المسيّرة، ولكن أساساً على جبهة داخلية متينة تحمي قوة مشاة بر شديدة الاحتراف والتماسك والقدرة، وبالمقارنة مع حرب اليمن ومع حرب أوكرانيا على ضفتيها الروسية والأوكرانية، ومع فوارق القدرة على تحمل الخسائر البرية بين روسيا وجيوش الغرب الأميركية والأوروبية، يمكن القول إن الجيش الأوكراني هو الجيش الأول بين جيوش الغرب القادر على مواجهة الجيش الروسي وتحمل الخسائر البشريّة، وأن ما يستطيعه الجيش الروسي في مواجهة الجيش الأوكرانيّ على هذا الصعيد، وما استطاعه الجيش السعوديّ على هذا الصعيد أيضاً، أي تحمل الخسائر البشرية لا يستطيعه الجيش الأميركي والجيش الإسرائيلي معاً في مواجهة حزب الله.

ساحة مناورة أية حرب لنزع سلاح حزب الله ستتسع على مساحة تزيد عن عشرة ملايين كلم مربع تصل الى إيران والخليج والبحر الأحمر والبحر المتوسط، وسيكون حجم الصواريخ العالية الدقة المستخدمة فيها أضعافاً مضاعفة لتلك التي استخدمت في الحرب الأوكرانيّة، ومجموع القوة البرية المحترفة التي ستشارك فيها على مساحة الحرب جغرافياً، من لبنان الى فلسطين واليمن والعراق وسورية وإيران، ستزيد عن مليون مقاتل عقائديّ محترف، فهي عملياً عشرة حروب من حرب أوكرانيا، لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو أن حزب الله وحده يملك ميزات التفوق المجتمعة لدى الجيشين المتحاربين في أوكرانيا، الجيش الروسي والجيش الأوكراني، سلاح فعّال مضاد للمدرعات والأساطيل، 100 ألف من مشاة البر المحترفين والعقائديّين، وشبكة مكوّنة من آلاف الصواريخ العالية الدقة الشديدة الانفجار من نوعية متقدّمة، وشبكة موازية من الطائرات المسيّرة العصريّة، وشبكة استخبارات ومعلومات واستطلاع شديدة التميّز والفعالية. واذا كان الجيش الأوكراني بأقل منها استطاع مواصلة القتال بوجه الجيش الروسي لشهرين ولا يزال يقاتل، فهل نتحدّث عن سنة مثلاً لبلوغ المرحلة ذاتها إذا كان الجيش الأميركي والجيش الإسرائيليّ في موقع الهجوم وحزب الله هو الذي يواجه؟

بعض هواة السياسة المستجدّين والسذج يتحدثون عن الحاجة لقرار دولي، يضمنون معه نزع السلاح، وهؤلاء ربما فاتهم أن هذا القرار صدر وحمل الرقم 1559، وحظي يومها بموافقة روسيا والصين، وجاءت حرب تموز 2006 وفقاً لتصريحات غونداليسا رايس آلية تنفيذية للقرار، وفي ظروف نموذجيّة لن تتكرر لصالح فرض تنفيذه، لبنانياً وإقليمياً ودولياً، وكان الفشل نصيب أصحاب القرار وأصحاب الحرب، فعن أي مجتمع دولي نتحدّث اليوم والحرب تقسمه نصفين، وأي إقليم، وأي لبنان، وأي حزب الله وأية قوة عسكرية لديه، كلها تغيّرت لصالح جعل مجرد التفكير بفرض قرار دولي، وقدرة دولية، وفلسفة نزع السلاح، مجرد حماقة وغباء!

بقياس معايير تصنيف الجيوش العالمية بالتأكيد سيكون هناك خبراء متنوّرون، يعتمدون العلم كأداة قياس، وخبرات الحروب كمعايير، وسيكون بينهم من يصنف حزب الله كخامس أو سادس قوة عسكرية في العالم، وربما يتجرأ البعض للقول إن هناك معسكرين نوويين عالميين هما الغرب والشرق، ومقابلهما هناك قوة ثالثة هي محور المقاومة، وفي قلبه حزب الله يمثل القيمة المضافة والطليعة المقاتلة ورأس الحربة الفعال!

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

حرب عالميّة للفوز بالنقاط.. والضربة القاضية صينيّة

الثلاثاء 19 نيسان 2022

 ناصر قنديل

مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من نهاية شهرها الثاني، وتقاطع التقارير والمواقف والتقديرات عند كونها ستسمرّ طويلاً، وكونها لن تضع أوزارها خلال أسابيع، وظهور حركة الجيوش والأسلحة في مساحات الاشتباك بما لا يمكن تفسيره بمقتضيات الحرب الأوكرانيّة وحدها، بل بصفتها مناورات استراتيجيّة في سياق حرب الشرق والغرب، حيث تختبر الإرادات والأسلحة والأسلحة المضادة والحروب الإلكترونية والمالية، وشيئاً فشيئاً بدأ يتضح ان الجيش والحكم والسلاح وخطط القتال في أوكرانيا لا تتحرك بحسابات أوكرانية، بل بصفتها خط المواجهة الأول لنخبة الجيوش الغربية وأسلحتها وخططها، وتحت سقوفها السياسية، وان الحركة الروسية العسكرية ونوعية السلاح الروسي المستخدم والسقوف السياسية المتحركة، لا تنطلق من متطلبات المعركة في النطاق الجغرافي لأوكرانيا بقدر ما تمثل استجابة لمتطلبات مواجهة أشمل وأوسع، يقف فيها الغرب الأميركي والأوروبي فيها قبالة الحسابات الروسية حيث يتم التخاطب باستعراض أنواع الصواريخ والقدرات العسكرية لبلورة موازين قوى على أرض الواقع وليس على الورق، تنتج وحدها قواعد الاشتباك وحدود قدرات الردع، وفّرت لها شروط الاشتباك حول أوكرانيا الفرصة المثالية للطرفين المتقابلين لخوض الشكل الوحيد الممكن للحرب غير النووية.

أوكرانيا التي تقلّ عن مساحة دول المشرق العربي، سورية والعراق ولبنان والأردن وفلسطين، ويقلّ عدد سكانها عن مجموع سكان المشرق قليلاً، وتقع على الحدود الروسية بتاريخ وجغرافيا على درجة عالية من التشابك والتداخل، وتشكل الامتداد الأهم للغرب في قلب روسيا، ونافذة روسيا وأوروبا على البحر الأسود، وتمثل الجمع المشترك لتاريخ حروب البلقان والقرم معاً، التي كانت أساس حروب عالمية سابقة، هي اليوم مساحة الحرب العالميّة التي نعيش يومياتها، والتي يسعى الغرب من خلالها لإعادة تشكيل روسيا، وتسعى روسيا من خلالها لإعادة تشكيل أوروبا. والحرب تبدو مستمرة حتى يتحقق أحد الهدفين، او يتحقق الإنهاك والتسليم المتبادل بالحاجة لتنظيم قواعد الاشتباك وربط النزاع على قاعدة التوازن السلبي، ما يعني نصف انتصار لروسيا ونصف هزيمة للغرب. بينما نجاح الغرب بنقل الأزمة الى الداخل الروسي، من البوابة الاقتصادية أو العسكرية، وصولاً لبدء مسار التغيير في التوازنات السياسية الداخلية سيعني انتصاراً للغرب، فيما نجاح روسيا بالصمود ونقل التداعيات الناجمة عن العقوبات على الداخل الأوروبي إلى مرحلة الغليان، وبدء التحول الى عنصر فاعل في تشكيل مشهد أوروبي سياسي وشعبي جديد، سيعني انتصاراً روسياً في رسم معادلة دوليّة تكون لها فيها يد طولى.

  حتى الآن في المسرح العسكري نجحت روسيا بتفادي استدراجها لحرب استنزاف ونجح الغرب بتظهير قدرته على تمويل وتجهيز مسرح صالح لمثل هذه الحرب، وعنوانها كييف، ونجحت روسيا بدرجة كبيرة بجعل الحرب تدور تحت عنوان السيطرة على خطوط الإمداد براً وبحراً وجواً، ولذلك يسعى الغرب لتوسيع هوامش حركته نحو الداخل الأوكراني ملوحاً بتوسيع المدى الجغرافي نحو بولندا والسويد وفنلندا، أملاً بتراجع روسي أمام حركة الإمداد العسكري نحو الداخل الأوكراني. وبرز اختبار التدخل المباشر عن بُعد باستهداف الطراد موسكوفا بصواريخ أميركية، فجاء إغراق غامض للمدمرة الأميركية يو اس اس سوليفانز داخل بحيرة في ولاية أوهايو، ليظهر حرباً سريّة للأسلحة النوعية التي لم يتم اختبارها من قبل، ويرسم قواعد الردع والاشتباك في آن واحد.

يبدو المسرح الاقتصادي والمالي عنواناً للميدان الأشد حيوية وأهمية في الحرب العالمية، فهي حرب تدور بين سعي أميركي لتهميش روسيا كمورد عالمي لا غنى عنه في موارد الطاقة، خصوصاً بالنسبة لأوروبا، مقابل سعي روسي للتلويح بتهميش الدولار كعملة عالمية أولى حاكمة في الأسواق العالمية، وفيما يبدو أن السقفين صعبا المنال ودونهما متطلبات تفوق قدرة الفريقين الراهنة، نجحت موسكو حتى الآن باحتواء الصدمة القاتلة لحزمة العقوبات الغربية القاسية، وانتقلت الى تحويل التحدّي الى فرصة بجعل معركة توريد الطاقة الى أوروبا قضية سيادية أوروبية تتصل بمصير النمو والتضخم والرفاه، ووضع عنوان الدفع بالروبل كرأس جسر لسقف المعركة المتصل بموقع الدولار كعملة محورية حصرية عالمياً.

توقعات الربح بالضربة القاضية بمعنى النصر الحاسم لأي من الفريقين، يبدو بالنسبة للغرب مستحيلاً، وبالنسبة لروسيا متوقفاً على حدود الجاهزية الصينية للانتقال من الاصطفاف الدفاعي مع روسيا إلى المبادرة الهجومية، وفي حال بقاء الصين في التموضع الدفاعي في الحلف مع روسيا، ستكون فرص الربح بالنقاط لمحور روسيا الصين، أعلى من حظوظ الفوز بها من المحور الأوروبي الأميركي.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

عاجلاً أم آجلاً ستضطر الصين لدخول تايوان

الخميس 14 نيسان 2022

 ناصر قنديل

لا يمكن وضع الإعلان الأميركي عن صفقة سلاح بقيمة 750 مليون دولار لتايوان في لحظة توتر دولية بحجم ما يحيط بالحرب في أوكرانيا، إلا في دائرة الاستفزاز الأميركي للصين، وقد سبق ذلك نشر العديد من المقالات والتقارير التي تقيم المقارنة والتشبيه بين حالة أوكرانيا بالنسبة لروسيا، وحالة تايوان بالنسبة للصين، ما اضطر بكين للردّ بالقول إن تايوان ليست دولة ذات سيادة وفقاً للقانون الدولي، ولا تمثيل لها في الأمم المتحدة، وهي وفقاً لقرارات أمميّة نافذة جزء من الصين، وأن المقارنة بالتالي لا تجوز، لكن بكين لا تنسى أنه قبل شهور من حرب أوكرانيا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد تعهد بالتدخل العسكري للردّ على ما وصفه باحتمال هجوم صيني على تايوان، قبل أن يضطر للتوضيح بأن واشنطن لا تزال ملتزمة بصين واحدة.

يدرك الصينيون أن تايوان سياسياً واقتصادياً مجرد لسان غربيّ بحريّ في البر الصيني، ويدركون ان استعادة تايوان كجزء من الصين لن يتم سلماً، وأنه كلما زاد حضور موازين قوى عسكرية واقتصادية وسياسية تقول بأن الصين قادرة على الحسم في تايوان قبل أن يتمكن الغرب من فعل شيء، بما يكفي لإقناع قيادات تايوان بالجلوس بعقلانيّة مع بكين لبحث شروط العودة السلمية، فإن الأميركيين لن يتوانوا بالتعاون مع اليابان، صاحبة الخصومة التقليدية مع الصين والقريبة جداً من تايوان، عن التضحية بتايوان كمثل التضحية بأوكرانيا، لخوض حرب استنزاف بالوكالة مع الصين، استنزاف عسكري وسياسي وإعلامي وقانوني واقتصادي، يراهنون على الخروج منه بتسوية تعيد تنظيم العلاقات مع الصين، ولو كان الاعتراف بتبعية تايوان الكاملة للصين ثمناً لذلك.

ما حدث بين روسيا وأوكرانيا يقدّم دروساً هامة للصين، فقد صبرت موسكو طويلاً، وراهنت على استثمار كل الوسائل الممكنة لتفادي الخيار العسكري، وعندما وقع انقلاب 2014 في كييف، وتمّ الاستيلاء على السلطة من خارج الأطر الدستورية والقانونية بقوة الثورات الملوّنة، وبقيت منطقة دونباس والقرم ترفضان الانصياع، رفضت موسكو أن تفعل في دونباس ما فعلته في القرم، أملاً بالحل السياسي، وراهنت على العقلانية الأوروبية وتأثيرها على القيادة الأوكرانية المناوئة لروسيا، وعلى المصالح المشتركة التي حافظت عليها موسكو، وبذلت من خزينتها أتاوة لصالح أوكرانيا بالحفاظ على أنابيب الغاز التي تمرّ عبرها رغم السير بأنبوب السيل الشمالي، وتعهدت ببقاء ذلك بعد وضع الأنبوب الجديد قيد التشغيل للحفاظ على مورد العبور للخزينة الأوكرانية. وجاءت صيغة مينسك، وإطار النورماندي، وموسكو تمنح الفرص تلو الفرص، ومرت ثماني سنوات كانت تتواصل خلالها عملية البناء العسكري في أوكرانيا، وتستمر التدريبات مع الناتو في غرب أوكرانيا، وتتوسّع بنية التشكيلات النازية وينمو نفوذها، وترتفع وتيرة الاستفزازات القانونية من تحريم استعمال اللغة الروسية في الدوائر الحكومية، الى تضمين الانضمام للناتو للدستور الأوكراني بنص صريح، حتى وصلت موسكو الى معادلة أنها ما لم تبدأ الحرب، فستجد نفسها أمام عمل عسكري أوكراني كبير في دونباس لا تملك فعل شيء في مواجهته باعتباره شأناً أوكرانياً داخلياً.

في بحر الصين تنتشر مجموعة هائلة من الجزر التي يدور حولها نزاع تاريخي بين الصين واليابان وفيتنام ولاوس وكمبوديا، ويفتح استثمار حقول الغاز البحرية المكتشفة أفقاً جديداً لهذا النزاع، وفاوضت تايوان مع اليابان على تسويات حول بعضها كادت تفجّر عام 2015 نزاعاً صينياً يابانياً، ما يعني أن تكرار سيناريو دونباس لكن في البحر أمر ممكن، كما جعل اليابان طرفاً مقابلاً للصين، يقف خلف تايوان مقابل مكاسب بحرية تزداد أهميّة، سواء لقيمتها الاستراتيجية أو في التسابق على موارد الطاقة الكامنة في المياه، ولن يضير أميركا أبداً تشجيع اليابان للتورّط في حرب تدمير متبادل مع الصين، إذا كان هذا هو الطريق للتخلّص من الصعود الصينيّ، ولأن السلام يحتاج الى إرادتين، واحدة منهما غير متوافرة بالتأكيد، فإن تعويذات السلام لن تفيد الصين، وستجد نفسها عاجلاً أو آجلاً مضطرة للمبادرة عسكرياً، تحت عنوان العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ذاته، نزع عنصر المفاجأة من يد العدو في حرب محتومة الوقوع.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

لماذا يجب تصديق الرواية الروسيّة حول استخدام الكيميائيّ؟


الخميس 14 نيسان 2022

التعليق السياسي

قد يبدو الاتهام المتبادل بين موسكو وواشنطن في نيات استخدام السلاح الكيميائيّ مجرد تتمة للحرب الإعلامية الدائرة حول المواجهة بينهما في أوكرانيا، لكن الأميركيين والروس يؤكدون أن اتهاماتهما جدية. ومن الطبيعي القول إن هذه التأكيدات باتهام الآخر لا تحسم الاتهام لأي منهما بقدر ما تؤكد نيّة أحد الطرفين بتأكيد الاتهام تأكيد نيّته بالاستخدام، فمن له مصلحة حقيقية بذلك بينهما؟

قد تستفيد روسيا نظرياً من دب الذعر من استخدام السلاح الكيميائي في صفوف الأوكرانيين، والرهان على ذلك بضرب الحالة المعنوية للجيش الأوكراني ومناصريه، لكن تجربة الروس مع القيادة الأوكرانية تقول بأن درجة تقدير هذه القيادة للمخاطر على شعبها في اتخاذ قراراتها السياسية والتفاوضية معدومة، وأن حساباتها كلها تنطلق من تلبية الخطة الأميركية في الحرب. وفي هذه الحالة سيكون لتأثير استخدام السلاح الكيميائي منح الأميركيين منصة ما يريدون فعله من هذا الاستخدام.

في واشنطن يسعون لتوريط موسكو بفعل ذلك، وان لم تفعل فيجب تصنيع فعل يمكن نسبته اليهم. وهذا ليس غريباً على تاريخ الأميركيين، فالحديث عن حياة المدنيين مجرد استهلاك للكلام كما يقول تاريخهم الحربي، تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة، وهذا ما قالوه عن قنابلهم النووية على ناغازاكي وهيروشيما اليابانيتين، ولا يزالون يقولونه في تبريره، فموت الآلاف ومئات الآلاف أمر هيّن أمام تحقيق هدف.

الهدف الأميركي واضح، وهو عدا شيطنة روسيا وإسقاطها أخلاقياً وإنسانياً، وتحريك مؤسسات حقوقيّة وقانونيّة لملاحقتها بجرائم حرب، هو هدف سياسيّ اقتصاديّ كبير بحجم السعي لربح الحرب، ولذلك يجب أخذ التحذيرات الروسية على محمل الجد، فقد بدأت تنشر مقالات وتقارير عما يجب على أميركا فعله اذا تمّ استخدام السلاح الكيميائي، والجواب يكفي للقول إنه كافٍ لتفعلها أميركا.

يقول الأميركيون إنه اذا حصل وتم استخدام السلاح الكيميائي، فإن ذلك يجب أن يسقط آخر ذرائع ألمانيا ومن يريد مثلها مواصلة استيراد الغاز والنفط من روسيا، وأن حجم الضجة التي سيخلفها العمل سيكون كافياً لمحاصرة أي صوت أوروبي يتهرّب من القطيعة مع روسيا في مجال الطاقة، وأن هذا عند حدوثه سيدفع بسعر الروبل إلى الحضيض قبل أن تتمكّن موسكو من اتخاذ إجراءات بديلة لبيع النفط والغاز، وسيرتب تداعيات على النشاط العسكري الروسي حكماً، وعلى التوازن السياسي لنظام الحكم في موسكو، لكنه بالتوازي سيفتح أبواب أوروبا أمام إمدادات النفط والغاز من مصادر بديلة أهمها الغاز الأميركي بأسعار مضاعفة، ما يعني ضخ مئات مليارات الدولارات شهرياً في شرايين الانكماش الاقتصادي الأميركي من جهة، ويحكم القبضة الأميركية السياسية والاقتصادية على أوروبا من جهة موازية.

التحضيرات الأميركية لضربة كيميائيّة يمكن اتهام روسيا بتنفيذها على الطاولة.

من يملك مفاتيح تأجيل الانتخابات؟

ناصر قنديل

لم يعد الحديث عن المصلحة بتأجيل الانتخابات يحتمل الكثير من البحث عن الجهة القلقة الخائفة من المسار الانتخابيّ، الذي تجمع كل الدراسات الإحصائية أنه ذاهب لصالح حفاظ الأغلبية النيابية الحالية على حجمها التمثيلي مع احتمال زيادته، وليس خافياً ما يعنيه ذلك على القوى الدولية والإقليمية والأحزاب والجمعيات والقيادات المحلية التي جعلت لعملها السياسيّ طوال سنتين ونصف منذ 17 تشرين الأول 2019، الانتخابات لتغيير الأغلبية، وبالغت بالتحدّي بالدعوة للانتخابات المبكرة تحت هذا العنوان، وامتنعت عن القيام بأي شيء وتقديم أية حلول، تحت هذا الشعار، الانتخابات ستقلب الأغلبية من ضفة الى ضفة وسيتغير معها الوضع، بحلم الازدهار، كما قال جيفري فيلتمان، إلى تخفيض سعر صرف الدولار، كما وعد سمير جعجع.

المضي نحو الانتخابات يعني القدرة على تحمل تبعات هزيمة مدوّية، لمعسكر يمتدّ من واشنطن الى الرياض قبل أن يحطّ رحاله في معراب وكل الجمعيات التي خرجت تتوعّد تحت شعار نحن الشعب وفي الانتخابات سنريكم النتائج، وما لم تكن هناك أدوات سياسية ومالية عاجلة تتيح تغيير الوجهة، سيكون التفكير بتخريب الانتخابات تمهيداً لطلب تأجيلها لوقت كافٍ يتيح إعادة تنظيم الصفوف بطريقة جديدة قد يكون من بين عناوينها، مصالحة ولي العهد السعودي لرئيس تيار المستقبل وضمان عودته على حصان أبيض لإعادة إنتاج مشهد يضمن حفظ ماء الوجه بأغلبية ذات مرجعيّة خارجيّة واحدة مناوئة للمقاومة، ولو كانت قواها المحلية تحمل الخناجر على بعضها وراء ظهورها، ولو كان الثمن تحجيم مكانة القوات اللبنانية وجمعيات المجتمع المدني لصالح الحريري كمنقذ من الكارثة.

القرار بالمضي بالانتخابات أو تخريبها تمهيداً لتأجيلها، خارجيّ وليس داخلياً، لأن أدوات التخريب الداخلية مفضوحة ومحدودة، وتعديل الخطط الانتخابية في فترة التأجيل فوق طاقة القوى المحلية المتضررة من الانتخابات، وفي طليعتها القوات اللبنانية الي تستطيع تصنيع بعض الأحداث الأمنية، لكن القدرة على تحويلها الى أزمة تطيح بالانتخابات غير مضمون بغياب الرعاية الخارجية والتجاوب الداخلي، وما بعد التأجيل سيكون وضع القوات أسوأ مما قبل، بينما بيد الخارج أدوات فاعلة غير مرئية من جهة، تتيح فرض التأجيل. كما تتوقف على هذا الخارج، خطة العمل البديلة التي تمثل العودة لاستنهاض تيار المستقبل ومصالحة رئيسه عنوانها الأبرز.

رئيس الحكومة وحاكم المصرف المركزي يمثلان مفتاح التأجيل، فبيدهما منع تلبية مطالب الفئات الغاضبة مالياً، والتي تتوقف على مشاركتها في العملية الانتخابية ضمان انتظامها، كالقضاة وأساتذة التعليم الرسمي وموظفي البعثات الدبلوماسية، وبيد الحاكم افتعال أزمة خبز وأزمة بنزين، ورفع سعر صرف الدولار، وكلها مفاتيح إشعال للشارع يمكن أن يترتب عليها تلقائياً وبصورة منظمة مناخ من الفوضى يجعل إجراء الانتخابات مستحيلاً، ولنتخيل أزمة رغيف وبنزين متصاعدتين من أول أيار، ومعهما ارتفاع متصاعد بسعر الدولار وصولاً لسقف الـ 40 ألف ليرة أو 50 الف ليرة، ونتساءل عن أحوال الشارع والبلد، وقطع الطرقات والفوضى وكيفية إجراء الانتخابات.

في طريقة تفكير القوى المناوئة للمقاومة معادلة التأجيل بعد التخريب موجودة تجاه الانتخابات، فعندما كانت حسابات هذه القوى تقول بأرجحيّة الفوز بالأغلبية، كانت الفكرة الأولى التي قفزت الى السطح في خطابها، التحذير من قيام المقاومة وحلفائها بتخريب الانتخابات بهدف تأجيلها. وهذا يعني شيئاً وحيداً، هو أن منهج التفكير لدى هذه القوى يقوم على معادلة أن أول ما يفكر فيه الطرف الذي يخشى خسارة فرصة نيل الأغلبية النيابية هو السعي لتخريب الانتخابات، وافتعال ما يلزم لذلك أملاً بتبرير السعي لتأجيلها.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

اليمن: السعوديّة تسلّم الأميركيّ السلطة

الأخبار السبت 9 نيسان 2022

ناصر قنديل

لم تستطع السعودية الذهاب الى الخيار الأمثل لوقف الحرب في اليمن عبر إعلان انتهاء عمليتها العسكرية التي بدأت قبل سبع سنوات ولم تنجح في تحقيق أيّ من أهدافها، بل زادت التعقيدات التي كانت عشية بدئها تعقيداً وتجذراً، فلم يكن يومها العمق السعودي تحت التهديد، ولا كان بمستطاع اليمن أن يفرض شراكته في أمن إمدادات الطاقة والملاحة في الخليج، ولا كانت مهابة السعودية كقوة إقليمية كبرى موضع تشكيك، وتعمق الجرح الموروث تاريخياً بين اليمنيين والسعوديين بصورة يصعب أن يعالجه الزمن، مع عشرات الآلاف من الشهداء ومئات آلاف الجرحى وملايين المهجرين والجياع، ولم يفد السعودية حشد حلف ضمّ الإمارات والسودان عملياً، وآخرين اسمياً، ولا الرعاية التسليحية واللوجستية والاستخبارية وأحياناً كثيرة العملياتيّة لأميركا وبريطانيا و”إسرائيل”.

وقف العدوان وفك الحصار كان شعار أنصار الله للبحث بأي حل سياسيّ، ورغم ذلك تجاوبوا مع الإعلان عن وقف الغارات من جهة والفتح الجزئي لمطار صنعاء وميناء الحديدة من جهة موازية، رغم عدم وضوحهما كإطار لفتح باب الحل السياسيّ، ولم تستطع السعوديّة الذهاب الى المطلوب مباشرة، رغم قراءة السعودية لتغير المشهدين الدولي والإقليمي، بصورة تجعل الاستمرار بالحرب مستحيلاً، وسبباً للمزيد من الخسائر، فلا الأميركي جاهز ولا هو حاضر أو قادر على تقديم المساندة في ظل همومه المتعاظمة، وصعود روسيا والصين لم يعد فرضية محتملة بل صار واقعاً غير قابل للإنكار، تبدو الحاجة لعدم استفزازه سياسة لا بد منها بمقدار من التوازن، والإسرائيلي في وضع لا يُحسَد عليه، وقد تبخر وهم الحديث عن (“إسرائيل” ليست عدواً بل حليف محتمل)، وتبخّرت صفقة القرن، وتبخّر التطبيع، و”إسرائيل” جحش أعرج وليست حصاناً يُسرَج عليه. و”إسرائيل” تحت ضربات الفلسطينيين تحتاج من يعينها، وليست في وضع يتيح لها تقديم العون، ومَن طبّع معها ومنحها امتيازات وموطأ قدم في بلاده، يستشعر بأنه جلب الدب الى كرمه، وفتح الباب لتهديد استقراره دون مقابل، وعلى الضفة المقابلة يبدو المحور الذي كانت الحرب أداة لتحجيم حضوره، وهو يتعاظم، والأميركي ينفتح على مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لبلوغ الاتفاق مجدداً، والأموال المجمّدة يفرج عنها تباعاً، والعودة للطلب على النفط الإيراني رغم العقوبات تضاهي ما كانت عليه قبلها، وما تمّ تدبيره في العراق أو ما خطّط له في لبنان يصطدم بالجدار. وفي فلسطين تنهض المقاومة بمعادلات ردع في قلب الأراضي المحتلة عام 48، ومعادلات اليمن الرادعة من جهة وصمود اليمنيّين في جغرافيا بلدهم من جهة موازية يجعلان الخروج من الحرب بأقل الخسائر خياراً وحيداً ممكناً.

ذهب السعوديّون الى خيار الباب الموارب، ففتحوا الباب لوقف النار والرفع الجزئيّ للحصار، واستداروا نحو تركيبة السلطة اليمنيّة، فأزاحوا “الشرعية” التي قالوا إنهم دخلوا الحرب لحمايتها، وسلموا رجل المخابرات الأميركية منذ عهد الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد السلطة، وجمعوا حوله زعماء الميليشيات التي تقاتل معهم، بمن فيهم التشكيلات المنتمية إلى فكر تنظيم القاعدة وحزب الإخوان المسلمين، وأسموهم جميعاً مجلساً قيادياً مؤقتاً بصلاحيات رئاسية كاملة، وقالوا إن مهمة المجلس التوصل الى وقف للنار مع أنصار الله، وقال أركان المجلس الجديد إنهم يستعدّون للحرب والسلم معاً، لكن جوهر الخطوة السعوديّة في مكان آخر. فالرياض تقول لواشنطن، ها هي عدة الشغل في اليمن، وعلى رأسهم رجلكم فيه فتولوا أنتم القيادة، وخذوا القرارات التي تريدونها. فالسعودية لم تعد هي مرجعية الحرب، وتريد لوقف النار أن يمتدّ، لكنها غير قادرة على تقديم الأثمان التي يستدعيها ذلك.

المأزق هو نفسه سواء تسلّم الأميركي ام السعودي دفة القيادة العلنية. فالقرار بيد الأميركي بالأصل مهما كانت الواجهة، وأنصار الله لن ينشغلوا بالتفاصيل، بين الأصيل والوكيل، وبوصلتهم لن تتوه، فقضيتهم واضحة، سيادة كاملة ورفع كامل للحصار وانسحاب للقوات الأجنبية ينهي الاحتلال، طريق وحيد لفتح باب الحوار السياسي الداخلي حول تفاصيل إدارة شؤون الحكم والاحتكام في تكوين السلطة الجديدة إلى صناديق الاقتراع.

فيديوات متعلقة

فيديوات متعلقة

ايران قد ترفع نسبة التخصيب إلى 90%!

الخميس 7 نيسان 2022

 ناصر قنديل

خلال شهرين ماضيين وصلت مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي مع إيران الى نقطة شبه نهائيّة ما قبل التوقيع، وبدا أن الأمور في دائرة تحديد موعد لإقفال هذا الملف، والمعادلة التي تجعل الاتفاق حتمياً تركزت على نقطتين، الأولى أن كل الرهانات على وسائل أخرى غير الاتفاق لمنع تقدّم إيران نووياً نحو عتبة حرجة تتمثل بامتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب على درجة عالية لإنتاج قنبلة نووية، وصلت الى طريق مسدود. فهذه الطرق رغم فاعليتها في إزعاج إيران بقيت دون القدرة على إعاقة إيران فعلياً عن التقدم الثابت نحو هذه العتبة الحرجة، وفقاً للوثائق الأميركية والإسرائيلية، والثانية أن الزمن يعمل لصالح إيران التي تتقدّم بثبات نحو هذه العتبة، ولا بدّ من دفع ثمن يستطيع إقناعها بالتوقف والعودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق، وهي التزامات تتكفل وفقاً لإجماع الأميركيين على جعل إيران بعيدة مدة سنة على الأقل عن هذه العتبة، من تاريخ خروجها من هذه الالتزامات.

ضبط الأميركيون مواقف حلفائهم، وخصوصاً السعودي والإسرائيلي، لجهة التسليم باستحالة فرض ملفات تفاوضية على إيران، تدمج بالملف النووي، كملف سلاحها الصاروخي أو ملف تحالفاتها في المنطقة مع قوى المقاومة، ويدرك حلفاء واشنطن أن غضبهم لن يقدّم ولن يؤخر، لأنهم لم يستطيعوا تقديم بدائل لواشنطن عن العودة للاتفاق، وقد منحتهم الفرص الكثيرة لإثبات العكس، من حرب اليمن الى اطلاق اليد للعبث الأمني في الداخل الإيراني، إلى الضغط في لبنان، ومعركة بين حربين في سورية، واللعب بالتوازنات السياسية في العراق، فتحققت نتائج تكتيكية على حساب محور المقاومة في بعض الملفات، وأصيبت خطط أخرى بالفشل، لكن الناتج الإجمالي بقي على قاعدة أن محور المقاومة إلى صعود وخصومه إلى تراجع، وأن إيران تثبت صمودها، وتتقدّم في ملفها النووي.

– مع بداية حرب أوكرانيا وتحوّلها حرباً روسية أميركية، ظهر التداخل بينها وبين مفاوضات فيينا من زاويتين، روسية وأميركية. الزاوية الروسية ظهرت بشرط موسكو للمضي قدماً بمسار فيينا بتلقيها ضمانات أميركية خطية حول عدم شمول تعاملاتها مع إيران بالعقوبات التي فرضت عليها إثر حرب أوكرانيا، ونجح التفاهم الروسي الإيراني بتفكيك هذه العقبة ومنع الأميركيين من استغلالها لتعطيل المسار. أما الزاوية الأميركية فقد كانت مزدوجة ومتعاكسة، فمن جهة دفعت الحاجة لمواجهة أزمة النفط والغاز الناجمة عن العقوبات على روسيا بالأوساط الأميركية المعنية بمعالجة هذه الأزمة الى الضغط لتسريع التفاهم مع إيران بصفتها منتجاً مهماً يمكن لعودته الى السوق ان تخفف من وطأة الأزمة، ومن جهة مقابلة أظهر التيار المتشدد في الإدارة والكونغرس مخاوفه من أن يكون المشهد الدولي والإقليمي ذاهباً لمواجهة تصطف فيها إيران وروسيا والصين في جبهة واحدة بوجه الغرب بقيادة أميركا، ما يطرح السؤال عن جدوى تزويد إيران بمقدرات مالية سرعان ما سيتم الزج بها في هذه المواجهة، كما تقول تجربة الحرب على سورية، عندما وظفت إيران عائدات الاتفاق النووي عام 2015 للمضي قدماً في الحسم في معركة حلب بالتعاون مع روسيا، التي جاءت الى سورية بالتوافق مع إيران، على أولوية هذه المعركة على مستقبل الاتفاق مع واشنطن.

خلال أسابيع معارك أوكرانيا تراجع العامل النفطي الضاغط، ليس لعدم أهميته، بل لأن أهميته الشديدة أتاحت لإيران العودة الى الأسواق كما كانت قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والعودة للعقوبات، بمعدل يقارب عتبة الـ 4 ملايين برميل يومياً، ولم تعد العودة للاتفاق النووي شرطاً ضرورياً لانضمام إيران إلى أسواق النفط والغاز، وخلال هذه الأسابيع أعدت مسودة للاتفاق في فيينا، وبقي بند أساسي واحد عالق عنوانه رفع العقوبات عن الحرس الثوري، والضغط السياسي والإعلامي في الداخل الأميركي يرتفع للتشدد في هذا البند الذي بات خطاً أحمر لإيران، بحيث عادت الأصوات المشككة بإمكانية السير نحو العودة للاتفاق.

في إيران هناك أصوات فاعلة ومقررة تقول إن زمن التريث انتهى، وإن مهلة كافية للتفاوض قد منحت، وإن إيران التي تقاتل ضمن جبهة تفكيك الهيمنة الأميركية معنية بالانخراط في هذه الجبهة بقوة، وإن إيران لم تعد تحتاج الاتفاق للعودة إلى أسواق النفط والغاز، ولذلك يجب العودة إلى رفع نسب التخصيب إلى 90%، وإن على واشنطن أن تأكل أصابعها ندماً على الفرصة الضائعة!

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

بوتين يفاجئ الغرب بعقل استراتيجيّ خطير

الإثنين 4 نيسان 2022

 ناصر قنديل

رغم كل الأوراق التي تبدو ظاهرياً بيد الغرب عموماً وأميركا خصوصاً في المواجهة مع روسيا، ورغم إدمان الكثير من المحللين، الملتحقين بالسياسات الغربية والأميركية وكذلك المناوئين لها، على ترويج معادلة أن الغرب وعلى رأسه أميركا، لديهما خطط جاهزة هي التي تحكم مسارات الأحداث، وصولاً للقول إن روسيا وقعت في فخ نصبه الغرب لها، وإن الحسابات التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحربه جاءت مخالفة للواقع، فإن التدقيق البعيد عن التأثر بالبروباغندا المهيمنة على القراءات والتحليلات الإعلامية، وهي غربية وأميركية بالتأكيد، سيوصل أي باحث جدي ومهني إلى استخلاص مفاده، أن الورقة الوحيدة التي باتت بيد الغرب وأميركا هي السيطرة على منصات الحرب الإعلامية، ومحاولة فرض رواية للأحداث تخدم استنتاجات تخدم الحسابات الغربية والأميركية.

تمّ بناء خطة الغرب للمواجهة على فرضية سيناريوات للحرب العسكرية، تفترض أنها الميدان الرئيس للصراع، ووضعت الخطط لتزويد الجيش الأوكراني بالمال والسلاح والمرتزقة من جهة، وتحصين الجبهة الشرقية لحلف الناتو، خصوصاً في بولندا، من جهة موازية، بصفتها الوجهة الرئيسية للمواجهة مع روسيا في ظل تعذر الدخول المباشر في الحرب، وسعي الأميركيين لتفادي الوقوع فيها، وفجأة يعلن الرئيس الروسي تموضعاً لقواته يتضمن الانسحاب من جوار العاصمة الأوكرانية كييف التي قالت الرواية الأميركية إنها هدف العملية العسكرية الروسية، وتفقد كل الخطط العسكرية الغربية قيمتها بحصر المواجهة العسكرية في دونباس، في ظل هيمنة روسية على البحر والجو، وفرضها لحصار محكم على تدفق الوقود. ولا تستقيم رواية ربط هذا التموضع بهزيمة روسية بينما المفاوضات تدور حول تكريس الحياد الأوكراني بوثيقة خطيّة ستشكل أساس ما سيلي من مفاوضات، كما لا يستقيم جمعها مع الرواية الموازية بأن التموضع خدعة مشكوك بها تمهيداً لهجوم جديد، فيما يبدو الرئيس الروسي دقيقاً بالقول إن المرحلة الأولى من الحرب انتهت بالنسبة اليه بتحقيق ثلاثة أهداف، تدمير القدرة العسكرية الثقيلة للجيش الأوكراني، استرداد السيطرة لحساب سكان إقليم دونباس على مناطقهم، الحصول على تعهد أوكراني بقبول الحياد إطاراً لمستقبل أوكرانيا، بحيث سيتم الفصل من الآن وصاعداً، بين مسارين، مسار أوكراني روسي عنوانه الحياد والقرم، ومسار أوكراني أوكراني يحتمل البقاء عسكرياً بانتظار نضوج ظروفه للتفاوض السياسي، وربما تحت سقف المشاركين سابقاً في إطار مينسك، ولا يبدو بعيداً عن نظرية بوتين فرضية التوصل الى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا تنسحب بموجبه القوات الروسية ويستمر التفاوض حول القرم لخمس عشرة سنة، كما تقول الوثيقة الأوكرانية، وهي تحت السيطرة الروسية، بينما الحرب مستمرّة في دونباس، والمشاريع التفاوضية على الطاولة.

أطلق الغرب وعلى رأسه أميركا مساراً موازياً للمسار العسكري، هو مسار العقوبات. وكان الرهان على نتائج مدوية ستصيب القدرات الروسية، بل تماسك الطبقة السياسية والمجتمع الروسيين، وصولاً لتفكيك التحالفات الروسية الدولية، وإذا بالنتائج تأتي مخيبة للآمال الغربية والأميركية، فلم يتحقق شيء من هذه التوقعات، بل تحولت العقوبات الى مسار معاكس مع شن الرئيس بوتين لهجوم اقتصادي مالي عبر ربط بيع الغاز لأوروبا بالروبل الروسي. وهو الحدث الذي صار عنوان المواجهة الذي يتقدم على حساب المسار العسكري تدريجياً، ولا يخفى أن هذا المسار ليس مجرد رد فعل على نتائج الحرب في أوكرانيا، فهو إعادة رسم لمعادلات الأسواق العالمية في ملف الطاقة من جهة، وملف السيطرة المالية والنقدية الغربية والأميركية على نظام التبادل والتسعير. وتلك ملفات تحدد هوية النظام العالمي الجديد الذي لم يعد مجرد خطاب سياسي روسي، بل صار هدفاً رسمياً معلناً لحلف يضم روسيا والصين وإيران والهند وشركاء آخرين في العالم، ولا يبدو أنه سيتوقف بمجرد انتهاء الحرب في أوكرانيا.

بمثل ما كان مثيراً للسخرية الحديث عن فشل روسي بالتقدم نحو كييف، صار واضحاً ان الدخول الى العاصمة الأوكرانية لم يكن هدفاً روسياً. وبقدر ما كان مثيراً للضحك الحديث عن انهيار الاقتصاد الروسي يبدو مثيراً للانتباه حجم الارتباك الغربي والأوروبي من معادلة الغاز والروبل. وفي الحالتين تبدو الخلاصة واحدة، وعنوانها العبقرية الاستراتيجية للرئيس بوتين التي فاجأت الغرب ولا تزال، أمام هزال قادته وخططهم، والأخطر أنها تجعل وسائل الإعلام التي كانت منصة الغرب الباقية لتسجيل الأرباح، الى منصات يتقن الرئيس بوتين توظيفها لحسابه، عبر مفاجآته المتلاحقة.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة