الانتخابات والأولويّات: خطر الحرب الأهليّة بين السطور

 May 6, 2022

 ناصر قنديل

السؤال الرئيسيّ الذي يجب أن تمتلك القوى السياسية التي تخوض الاستحقاق الانتخابيّ هو عن خطتها في اليوم الذي يلي الانتخابات في حال نيلها التصويت الذي طلبته من الناخبين. والمقصود هو التصور الواقعيّ لما سيحدث وكيف سيكون المسار الذي توضع عليه البلاد. وهنا يظهر لدى أي مراقب أن هناك ثلاثة أنواع من الخطاب السياسي، الأول هو خطاب قوى كبرى مناوئة للمقاومة، ربطت كل الأزمة بحضور المقاومة وسلاحها، واتهمتها بالهيمنة على قرار الدولة وتجييره لمشروع خارجي، واعتبرت ذلك هو السبب بالأزمة المالية والاقتصادية التي أوصلت لبنان للانهيار، واختصرت رؤيتها للانتخابات باعتبارها فرصة لاستعادة الدولة من هذه الهيمنة وتغيير مسارها، عبر نيل أغلبية نيابية تمثل تفويضاً لتشكيل حكومة تتولى مهمة المواجهة مع المقاومة وسلاحها، من موقع مؤسسات الدولة الدستورية والسياسية والأمنية والعسكرية والقضائية. والنوع الثاني من الخطاب هو للمقاومة وقوى كبرى حليفة لها، يقوم على طرح أفكار لحلول لبعض عناوين الأزمة لكنه يقول إن الأصل يبقى في التوافق السياسي سواء لتطبيق الحلول الاقتصادية، أو لمعالجة الخلاف حول المقاومة وسلاحها، وحول النظام السياسي وفرص إصلاحه، ولذلك يدعو هذا الخطاب الى حكومة وحدة وطنية تضمن أوسع تمثيل سياسي للقوى التي تفوز بالانتخابات.

الخطاب الثالث هو الذي يحاول التميّز على الضفتين، فبعضه يشترك مع مناوئي المقاومة في خطابهم الذي يحملها مسؤولية الانهيار ويضيف اليها تركيبة النظام والفساد والسياسات المالية، وبعضه يشترك مع القوى المؤيدة للمقاومة في رؤيته لها كحاجة وضرورة في حماية لبنان واستقراره، لكنه يضيف خصوصية في خطابه للملفات الداخلية الاقتصادية والإصلاحية، ويقدم تعهدات بملاحقتها سواء بما يتصل بمواجهة الفساد أو بعناوين مثل أموال المودعين وإصلاح النظام المصرفي، ومشكلة هذين الفريقين أنهما يعرفان ويعترفان باستحالة قدرتهما على نيل أغلبية مستقلة تمكن أياً منهما بوضع خطابه الخاص في موقع تسيير الدولة ومؤسساتها، فيصير الجواب عن سؤال ماذا في اليوم الذي يلي الانتخابات، مربوطاً بالجواب على سؤال في أي من الأغلبيتين سيقف كل منهما، حيث يبدو وبوضوح أنه مهما كان هامش مناورة البعض المناوئ لسلاح المقاومة بنكهة مجتمع مدنيّ، فسوف يجد الخطاب الذي يقول بتزكية حكومة أغلبية للفائزين من مناوئي سلاح المقاومة، ويقتصر تميزه على طلب مراعاته بترشيح نواف سلام بدلاً من فؤاد السنيورة، بينما على مستوى البعض الآخر المتميز بين حلفاء المقاومة، فسوف يجد نفسه أمام استحقاق تشكيل حكومة جديدة يكرر ما سبق وفعله، بالسعي للحصول على أفضل فرص التمثيل فيها، مع إدراك صعوبة بل استحالة تشكيل حكومة أغلبية من حلفاء المقاومة، وحتمية السير بحكومة أوسع تمثيل ممكن، كما جرى مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

في الخلاصة سيتم صرف فائض قوة التصويت في الانتخابات بوضع لبنان أمام أحد مسارين، الأول إذا فاز خصوم المقاومة، وواضح جداً أنه سيترجم بتسمية شخصية تتراوح بين فؤاد السنيورة ونواف سلام لتشكيل حكومة لون واحد تستند الى الأغلبية ولو كانت طفيفة، وستكون جمعيات المجتمع المدني فرحة بالانضمام، بما في ذلك تشكيلاتها التي تشعل الإشارة نحو اليسار، لكنها تعطف في النهاية الى اليمين، ولو سلمنا جدلاً بفرصة تحقيق هذه الفرضية فهي ستعني ان حكومة جديدة بلون واحد ستضع يدها على مقدرات الدولة وتحاول استخدام هذه المقدرات القانونية والقضائية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية لرفع أي غطاء شرعي عن المقاومة، وبدء حملة لمواجهتها، ستكون خلالها الحرب الأهلية وتفكيك مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية أقل المخاطر المتوقعة، لأن الوصفة التي تمثلها حكومة الأغلبية، هي نسخة ما بعد اتفاق الطائف، الذي نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء، كما جرى خلال حكم الرئيس أمين الجميل، حين كانت المقاومة أضعف، ولم يكن هناك سلاح فلسطيني، وقرّر تصفية هذه المقاومة بقوة الدولة وزج بعشرات الآلاف في السجون، واجتاح الجيش المناطق وقصفها، وكانت النتيجة تدمير الدولة والجيش والبلد.

المسار الثاني هو ما ستؤول إليه الأمور إذا فاز حلفاء المقاومة بالأغلبية، حيث سنكون أمام مشاورات لتسمية شخصية توافقية لرئاسة الحكومة، ربما تطول منعاً للوقوع في حكومة اللون الواحد، ومثلها سنكون بعد التسمية أمام مشاورات لضمان أوسع مشاركة في الحكومة، وربما تطول أيضاً، وربما نبلغ الانتخابات الرئاسية والحكومة الحالية في حال تصريف أعمال، وعندما تتشكل حكومة سيكون برنامجها الحوار للتوافق على حلول للأزمات ومنها الأزمة المالية، وهو مسار لا يعد بحلول جذرية ولا بحلول سريعة، لكنه يعد بحماية نعمتين كبيرتين حققهما اللبنانيون، تصح فيهما مقولة “الصحة والأمان نعمتان مفقودتان”، أي أننا لا ندرك مكانتهما حتى نفقدهما، والنعمة الأولى هي ردع الخطر الإسرائيلي والثانية هي عدم المخاطرة بالسلم الأهلي، وفق معادلة تقول إن أكبر الخسائر الناتجة عن طول الأزمة حتى تحقيق التوافق، هي أقل بكثير من الخسائر التي ستنتج عن التهاون ليوم واحد بتعريض السلم الأهلي للخطر بداعي فرض رؤية فريق بالقوة.

الذين سيذهبون للانتخابات مدعوون قبل النظر في الوعود الانتخابية والانفعالات والعواطف والشعارات، إلى السؤال، هل تصويتهم سيجعل خطر الحرب الأهلية أقرب أم أبعد؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

ماذا يعني تكليف ميقاتي في المقاربة الدوليّة والإقليميّة للبنان؟

ناصر قنديل

يقاطع نواب القوات اللبنانيّة تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة انطلاقاً من نظرية أن الرئيس ميشال عون هو واجهة لسيطرة حزب الله على البلد وأن أية حكومة هي تكريس لهذه السيطرة، طبعاً لا تنهمك «القوات» في الإجابة عن سؤال حول ما الذي سيتغير مع الانتخابات المقبلة حتى تصير المشاركة ممكنة، لكن السؤال الذي يتجاوز مزحة «القوات»، هو المعنى الذي يحمله تكليف الرئيس نجيب ميقاتي حول المقاربة الدولية الإقليمية للوضع في لبنان، وهي طبعاً عكس مقاربة «القوات» التي تورطت بموقف حتى صارت عبئاً على مرجعيتها الدولية والإقليمية، بمثل ما كان إصرار الرئيس سعد الحريري على الاحتفاظ بالتكليف تسعة شهور وهو يعلم أنه لن يستطيع تذليل الفيتو السعودي، حتى صار مَن يفترض أنهم رعاته من الفرنسيين والأميركيين والمصريين والإماراتيين، يخرجون يدعونه للمسارعة في الاعتذار لأن لا أفق أمامهم لتشكيل حكومة، وما كاد يعتذر حتى شدّدوا على دعوته ليفسح المجال لسواه بمباركة هذا الخارج، ويتولى مساعدته في نيل تكليف مناسب والسير بتأليف مماثل.https://www.al-binaa.com/archives/306558

تكليف ميقاتي والحظوظ الكبرى لنجاحه في تأليف حكومة، يحول نظرية دولة حزب الله الى مزحة سمجة، ويظهر الحديث عن هامشية موقع لبنان في النظرة الدولية والإقليمية مزحة مشابهة، فالاجتماع الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي على مستوى وزراء الخارجية، حسم القرار بعدم التساهل مع احتمالات انهيار لبنان، للأسباب ذاتها التي يُصرّح بها قادة كيان الاحتلال، وجوهرها أن الانهيار سيضع لبنان أمام خيارات مصيريّة كبرى أهمها منح المشروعية لقيام حزب الله بترجمة تهديداته باتخاذ إجراءات منفردة لتأمين المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية، وما سيليها من فتح الأسواق اللبنانية والسورية على بعضها خصوصاً غذائياً أو دوائياً، ووفقاً لقواعد الاقتصاد فإن مجاري المياه التي تسلك لمرة واحدة ستصير دائمة، وستخلق لها منطقها ومصالحها وتداعياتها، وهذا سيعني أكثر من مجرد ظهور حزب الله كمخلص، لجهة نقل لبنان اقتصادياً من ضفة الى ضفة ستتبعها العروض الصينيّة والروسيّة التي سبق للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان أن حذر منها في تعقيبه على انتفاضة 17 تشرين.

الأكيد أن الرئيس ميقاتي ما كان ليقبل تولي رئاسة الحكومة لو كان عنده أية اشارة بوجود قرار دولي بدفع الأمور نحو الانهيار، وهو رجل أعمال وصاحب استثمارات خارجية وعلاقات دولية وقال مراراً إنه لن يخاطر باستعداء الخارج الغربي والعربي، بل إنه وضع شرطاً هذه المرة لقبول التكليف وهو أن يسمع تأكيداً من هذا الخارج لتمكينه من التأليف ومن الحصول على مساعدات مالية تمنع الانهيار، فيصير أمراً شكلياً معرفة أيهما قبل طرح ميقاتي لشروط قبول التكليف، وتجاوب الخارج معها، تأكيداً لرفض الانهيار، أم انطلاق هذا الخارج من قرار رفض الانهيار والبحث عن تسمية مناسبة للتكليف رست على اسم الرئيس ميقاتي، لأن المهم هو أن الانهيار لم يعد خياراً غربياً وعربياً، طلباً لإسقاط السقف على رأس حزب الله، ولو لم يكن هذا الخارج مهتماً بمنع الانهيار لما كانت لتقبل شروط ميقاتي، لترؤس حكومة تمتد عملياً لما بعد الانتخابات النيابية وحتى نهاية العهد، وبمساعدته على حلحلة عقد التأليف وتأمين تمويل مناسب لمنع الانهيار، ومساعدته في ضبط إيقاع الكتل بسرعة مناسبة لضمان تسمية بعدد مناسب من النواب، وتغطية وازنة في طائفته.

النقاش حول التسمية من موقع إصلاحيّ كما يحاول البعض إثارتها لا تتناسب مع حقيقة الوضع في لبنان. فبالتأكيد لا يشكل طرح اسم السفير السابق نواف سلام بوجه تسمية الرئيس ميقاتي خياراً إصلاحياً لسبب بسيط، هو ان كل النقاش داخل التسميات وخارجها بما في ذلك التيارات التي تلبس لبوس الثورة، حول نص واحد «حكومة تحظى برضا الخارج وثقته تفاوض صندوق النقد الدولي»، فأين الرؤية الإصلاحيّة في ذلك، وطالما يجري التسابق على مَن يُرضي هذا الخارج فدعوا هذا الخارج يقول، وقد قال وسيقول بصوت مرتفع بعد التكليف، فالإصلاح بمفهومه الصحيح يرتبط بتغير بنيوي اقتصادي وسياسي، يقوم على التوجه شرقاً من البوابة السورية، وبالسير بعيداً عن التنظيم الطائفي للدولة والمجتمع، وكلاهما لا يتوافر نصابه في الموازين الحاكمة للحياة السياسية وقواها السائدة.

تستطيع المقاومة القول إنها صاحبة الفضل بإسقاط نظرية دفع لبنان نحو الانهيار عبر التلويح بما يمكن أن يحدث إذا اقتراب الانهيار.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة