عندما ينتفض الأردن ضد التطبيع

 ناصر قنديل

بخلاف ما يظنه الكثيرون الذين لا تبهرهم إلا الدول التي تملك أموالا طائلة، يحتل الأردن موقعاً مؤثراً في خريطة الجغرافيا السياسية والاقتصادية والأمنية للمنطقة، فقد قام مشروع الحرب على سورية على ركيزتين في الجغرافيا هما تركيا والأردن، وعندما خرج الأردن من الحرب اختل التوازن وبدأ أفول الحرب، أما مشروع التطبيع فيعتمد على الأردن كبيضة قبان، فالأردن هو المعبر الجغرافي للتطبيع الاقتصادي بين الخليج وكيان الاحتلال، حيث لا معنى للتطبيع الا باكتمال خطة نقل النفط الخليجي عبر الأردن .إلى ساحل المتوسط في فلسطين المحتلة، وتأمين خطوط نقل السلع التجارية .إلى الخليج من مرافئ فلسطين المحتلة على المتوسط، ولا يستقيم التطبيع إلا بتفكيك المشرق أو بلاد الشام، ولذلك كان الأردن ركيزة ما سمي بمشروع الشام الجديد الذي يضم العراق ومصر ويتوسطه الأردن، لتأمين بيع الغاز والكهرباء من مصر إلى العراق، فتنتعش مصر ويفصل العراق عن إيران.

قدرة الأردن على تحمل تبعات التطبيع شعبياً وسياسياً هي ما يخضع لمقياس الضغط بصورة مستدامة لمعرفة درجة الأمان في السير بالخطوات المكلفة للاستثمار في خطط التطبيع الطويلة المدى، كأنابيب نقل النفط وخطوط تجارة الترانزيت، لذلك كانت الخطة الأولى هي تأمين عائدات للمواطن الأردني من مشروع التطبيع لضمان اشتراكه بالاستفادة، وفقاً لما يسمى برشوة الشعوب لإشراكها بالخيانة أو الاستعمار، وهذه هي وظيفة المشروع الممول تحت عنوان التطبيع لبناء مزارع توليد الطاقة الجديدة النظيفة من الشمس، في الصحراء الأردنية وبيعها لكيان الاحتلال، مقابل شراء كميات من المياه المحلاة التي تنفذها مشاريع يمولها ذات البرنامج ضمن إطار التشجيع على التطبيع، ولم يكن أحد من القيمين على المشروع ليضع في حسابه أن يتعرض البرنامج لحملة احتجاج شعبية تعادل الانتفاضة تجعله موضع إعادة نظر، في ضوء خروج الآلاف من الأردنيين في تظاهرات رفض التطبيع، ما تؤشر عليه نحو المستقبل.

عندما يخرج الأردنيون رفضاً لمشاريع التطبيع المصممة لكسب ودهم ورضاهم، بالتالي صمتهم على ما سيليها، وما يطلب إليهم حراسته وتوفير أمنه من مشاريع عملاقة لاحقة، فهذا يعني نسف فرص قيام هذه المشاريع، التي لا يمكن حمايتها إلا بالاستقرار، فمسار مئات الكيلومترات لأنابيب النفط وقوافل التجارة وباصات السياح، لا يمكن حمايته بنشر مئات آلاف الجنود على المسار، بل بخلق بيئة متصالحة مع المشاريع توفير الاستقرار السياسي والأمني، وهذا ما فشل بالأمس فشلاً ذريعاً، وما ليس بالإمكان تجاهل فشله وتجاوزه والسير بالمشاريع التي يصبح التطبيع من دونها أقل قيمة ومردود، وتموت تطلعات أصحابه للشراكات الاستراتيجية المربحة، وهذا يعني بالتوازي صرف النظر عن مشاريع ضمان أمن التطبيع عبر صيغة الشام الجديد، التي تضم الأردن والعراق ومصر.

  النهوض الشعبي الأردني بوجه التطبيع ليس غريباً على الأردن، بقياس المواجهات التي خاضها الأردنيون مراراً بوجه حلقات متعددة منذ اتفاق وادي عربة، وكانت الدعوة لإقفال سفارة كيان الاحتلال أحد تجلياتها، ورفض اتفاق الغاز بين كيان الاحتلال والأردن احد محطاتها، لكن منذ معركة سيف القدس ينمو في الأردن مناخ مشابه للمناخ الفلسطيني، حيث تتصاعد الآمال بخط المقاومة وقدرته على تحقيق المزيد من الإنجازات، وبسبب التداخل التاريخي بين الفلسطينيين والأردنيين نسبة الفلسطينيين المقيمين في الأردن وحاملي الجنسية الأردنية بينهم يصعب الفصل بين الخيارات الأردنية الشعبية ونهوض القضية الفلسطينية، ويبدو أن مسار التطبيع الذي بني على فرضية ضمان التموضع في الأردن كبيضة قبان ضامنة للنجاح سيجد مقبرته في الأردن.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

التمدّد «الإسرائيلي» جنوباً بعد الفشل الشماليّ

ناصر قنديل

من التسطيح ربط التطبيع الخليجي “الإسرائيلي” بتوقيته، المستثمر في الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بمساعدته لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في مواجهة أزماته الداخلية، فالحاجات التكتيكية تحكمت بالتوقيت، لكن المشروع استراتيجي وأبعد بكثير من مجرد لعبة سياسية أو انتخابية، ولكن من الضعف التحليلي الاعتقاد أن هذا التطبيع هو تعبير عن قدرة صعود تنافسي تاريخي أو جغرافي أو استراتيجي لكيان الاحتلال، فهو يشبه سياسة بناء جدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية والقدس إيذاناً بفشل مشروع الكسر والعصر، أي الإخضاع بالقوة أو الاحتواء بمشاريع التفاوض، وكيان الاحتلال العاجز عن خوض حرب الشمال التي كانت العمود الفقري لاستراتيجيّته للقرن الحادي والعشرين، والعاجز عن تسوية تُنهي القضيّة الفلسطينيّة برضا ومشاركة أصحاب القضية، وقد كانت العمود الفقري لاستراتيجيته في القرن العشرين، يدخل برعاية أميركيّة مباشرة المشروع الثالث البديل.

المشروع الجديد، يقتضي تبديل وجهة الدورين الأميركي والعربي في صراع البقاء الذي يخوضه كيان الاحتلال، بعد قرابة قرن على انطلاقه واعتقاد القيمين عليه ورعاته قبل ثلاثة عقود أنه يستعد لمرحلة “إسرائيل العظمى” بديلاً من “إسرائيل الكبرى”، أي الهيمنة الاقتصادية والأمنية بدلاً من السيطرة العسكرية والتوسع الجغرافي، لكن صعود مشروع المقاومة وإنجازاته، ونتائج دخول اللاعب الإيراني على معادلات الصراع، أحدثا ثقباً أسود في معادلات الخطة الأميركية الإسرائيلية، بحيث باتت التسوية والحرب مستحيلاً ينتج مستحيلاً، فسقط مبرر دور الراعي التفاوضي الذي كان يتولاه الأميركي لجذب الجزء الأكبر من الشارع العربي خارج خيار المواجهة، ويسقط مبرر بقاء عرب أميركا تحت سقف تسوية يقبلها الفلسطينيون لتجميد انضمامهم إلى خيار المقاومة، لأن كيان الاحتلال بات عاجزاً عن البقاء من دون حماية أميركية لصيقة، تترجمها صفقة القرن التي يعرف أصحابها أنها لن تجد شريكاً فلسطينياً لتكون صفقة قابلة للحياة، لكنها تقدّم الإطار القانونيّ لحماية أميركية لعمليات الضم والتهويد الضرورية لأمن الكيان، وكيان الاحتلال بات عاجزاً عن العيش من دون موارد يجب أن توفرها دورة اقتصادية يكون هو محورها وترتبط بالإمساك بمقدرات الخليج.

يطوي كيان الاحتلال ومن خلفه السياسات الأميركية رهانات السيطرة على الشمال العربي الذي تمثله سورية ومعها لبنان، وصولاً لتأثيراتهما على العراق والأردن والأراضي المحتلة عام 67 من فلسطين التاريخيّة، فيدخل سياساته نحوها في مرحلة إدارة من نوع جديد، مقابل تفرّغ الكيان لتجميد جبهات الشمال وتحصينها، ولو اقتضى الأمر تعزيز الحضور الدولي على الحدود والإقرار بترسيم يناقض تطلعاته التوسعيّة التاريخيّة، وإدارة التخريب الأمني والاقتصادي والاجتماعي في كيانات الشمال من دون بلوغ الاستفزاز حد إشعال الحرب، فتكون الحرب الاستخبارية السرية هي البديل، ويتوجه الكيان نحو الجنوب وجنوب الجنوب، لتظهير العلاقات القائمة أصلاً وشرعنتها، سعياً لحلف اقتصادي أمني يتيح الوصول إلى مياه الخليج كنقاط متقدّمة بوجه إيران، ويُمسك بثروات النفط ويحقق التمدد التجاري كوسيط بين ضفاف المتوسط ومال الخليج وأسواقه.

تتولى واشنطن رعاية منطقة وسيطة بين كيان الاحتلال والخليج، تضم مصر والأردن ويسعون لضم العراق إليها، تحت عنوان الشام الجديد، بعناوين أمنية اقتصادية، بهدف عزل تأثيرات مصادر القوة التي تمثلها سورية ولبنان عن الجبهة الجنوبية، بينما توضع الخطط لتخريب الأمن والاقتصاد وتفتيت الداخل الاجتماعي في كل من سورية ولبنان، لتحقيق فوارق زمنية كبيرة في مستويات الأدوار التي تلعبها بالمقارنة مع الاقتصادات الناتجة عن الحلف الخليجي الإسرائيلي، والتي يجب أن ترث أدواراً تاريخية لكل من سورية ولبنان، وسخافة بعض اللبنانيين وأحقادهم وعقدهم لا تجعلهم ينتبهون أو يعترفون، بأن مرفأ حيفا يستعد لوراثة مرفأ بيروت، وأن هذه الوراثة مستحيلة من دون تدمير مرفأ بيروت، وأن الحروب الاستخبارية تشترط عدم ترك الأدلة، وأن الإنهاك المالي الذي أصاب لبنان ونظامه المصرفي بتشجيع ورعاية من المؤسسات المالية الدولية والغربية، كانت خطة منهجيّة ستتوج لاحقاً بتصدر المصارف الإسرائيليّة لنظام خدمات جديد يُراد له أن يدير أموال النفط والغاز في مصر والأردن والخليج، والتجارة نحو الخليج ومعه العراق إذا أمكن.

دائماً كان إضعاف سورية وإنهاك لبنان شرطين للتمدد الإسرائيلي، ولمن تخونه الذاكرة، نمت دبي والمنامة، كمنظومة خدمات ومصارف وأسواق ومرافئ على أنقاض دور بيروت التي شغلتها الحروب ودمّرتها في السبعينيات والثمانينيات، وما كانت تلك إلا أدواراً بالوكالة كحضانات تستضيف الشركات العالمية الكبرى، آن الأوان ليستردها الأصيل “الإسرائيلي” اليوم لحيفا وتل أبيب، لكن المشكلة تبقى أن حيفا وتل ابيب مطوقتان بصواريخ المقاومة من الشمال في حدود لبنان، والجنوب في حدود غزة، وهذا هو التحدي الذي يسمّيه الاستراتيجيون الإسرائيليون برعب الشمال والجنوب معاً. وهو رعب يتجدّد ويتوسع ويتوحّد، ويتجذّر مع مسارات التطبيع القديمة الجديدة، وبالتوازي رعب شمال وجنوب لممالك وإمارات التطبيع يمثله اليمن حيث الصواريخ والطائرات المسيّرة وفقاً لنموذج أرامكو تهدد أمن مدن الزجاج التي يسعى الإسرائيلي إلى التسيّد عليها.

سقوط الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي معاً بتخليهما عن القضية التي بررت نشوءهما، وهي قضية فلسطين والقدس، لا يعني سقوط التكامل بين جبهات لبنان وغزة واليمن، وعند الحاجة سورية وعند الوقت المناسب العراق، وعند الكلمة الفاصلة إيران.

البحرين والخليج وصفيح ساخن

ليس في البحرين مجرد ديكور تم إنتاجه غبّ الطلب للتشويش على قرار التطبيع الذي قرر النظام الملكي الحاكم بمشيئة أميركية سعودية اللحاق بركبه بعدما دشنته الإمارات، ففي البحرين ثورة حقيقيّة متجذرة وأصيلة عمرها عقود من المعارضة السياسية النشطة المتعددة المنابع الفكرية والسياسية.

النخب البحرينية عريقة في تمسكها بالقضايا القومية والوطنية كعراقة دفاعها عن الديمقراطية، وثورتها كما حركتها السياسية لها في التاريخ جذوراً تمتد إلى خمسينيات القرن الماضي، توّجت خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 56 بإضراب عمال مرفأ المنامة وامتناعهم عن ملء الوقود للسفن البريطانية والفرنسية، والانتفاضات المتلاحقة طلباً للديمقراطية وتعزيز دور البرلمان كمصدر لانبثاق الحكومات تلاقي في الستينيات مشاركة شعب البحرين في دعم ثورة ظفار بوجه الاحتلال البريطاني، وتشكل جبهات راديكالية للكفاح المسلح.

التطبيع الذي يسلكه حكام الخليج والذي يتم برعاية سعودية أميركية يعيد الخليج إلى مناخات الستينيات خلافاً لما يعتقده الكثيرون من خمود وخنوع، فانضمام عمان لمسيرة التطبيع سيفجّر استقرار السلطنة، والثورة الشعبيّة الأشد صدقاً بين ثورات الربيع العربي، والتي تضم كل مكونات الشعب في البحرين قد لا تبقى سلميّة لزمن مفتوح في ضوء خيارات بحجم التطبيع والخيانة والتآمر على القضية الفلسطينية.

على حكام الخليج المهرولين نحو تنفيذ الأوامر الأميركية السعودية تذكر أنهم لن ينعموا طويلاً بالسلام مع جارتهم القوية إيران وقد جلبوا لها الإسرائيليين إلى الجيرة، وأن البلد الأكبر عدداً في السكان والذي تتحدر منه كل قبائل الخليج وسكانه الأصليين اسمه اليمن، وهو بلد يملك شعباً همته لا تلين وقدرته لا يُستهان بها، وصواريخه ومسيراته تطال كل مساحات الخليج ومدن الزجاج فيه.

هذه هي لعبة الرقص على الصفيح الساخن

فيدوات متعلقة

مقالات متعلقة

ماكرون الإقليميّ تغيير سايكس بيكو وليس حدودها

ناصر قنديل

ثوابت يجب عدم نسيانها وأوهام ممنوع السماح بمرورها وتغلغلها في نفوس الناس وعقولهم في النظر للحركة الفرنسيّة التي يقودها الرئيس امانويل ماكرون، حيث يتمّ تمرير كل شيء تحت ضغط الكارثة التي يعيشها اللبنانيون، أولها التوهّم أن فرنسا أم حنون جاءت لتساعد وتسهم في رفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين، وثانيها أن إدراك أن السياسة باعتبارها لغة مصالح لا يعني الرفض المطلق لسياسات الآخرين ومصالحهم إذا لم تتعارض مع سياساتنا ومصالحنا، وثالثها أن ما لا يتعارض مع سياساتنا ومصالحنا ويؤسس لنقاط تقاطع لا تجوز إدارته بتساهل واسترخاء لأن المصالح تتراكم وتتغيّر والأطماع لا يردعها إلا حضور الحذر واستحضار القدرة وتحصين القوة. والمشهد اللبناني المقزّز في درجة التهافت أمام الرئيس الفرنسي، وتغيّر المواقف وتبدل الثوابت وتقديم أوراق الاعتماد، أظهر خصال انحطاط ليست حكراً على ما يحلو للبعض وصفه بطبقة سياسية فاسدة، فقد نخر سوس التهافت والانحطاط، صفوف الذين سمّوا أنفسهم ثواراً، والذين قدّموا أنفسهم بدائل، والنخب والكتاب والفنانين، ومن له مصلحة ومن ليس له مصلحة، إلا قلة رفيعة الشأن كبيرة النفس شامخة الأنف، لا عارضت علناً وقدمت الولاء سراً، ولا قاطعت، ولا سوّقت، ولا تهافتت، حالها كحال فيروز التي بقيت تشبه أرز لبنان يحتاجها ماكرون ولا تحتاجه، وتقاطع المصالح يعني لها النديّة، وليس الذل والاسترهان، ولا الزحف والبكاء، والبكاء السياسي والإعلامي، ليس بكاء وجع الناس المفهوم، وبقيت هذه القلة تحفظ سرّ المقام والدور والمسؤوليّة، فشارك بعضها بجدية ومسؤولية واحترام وندية، ولكنه لم يمنع نفسه من متعة التفرج على “الزحفطة” السياسية والإعلامية والاقتصادية و”الثورية” و”المدنية” وغير المدنية”، ولم يكن بعضها موجوداً فتابع عن بُعد وهو يجمع السخرية والألم من درجة هبوط وانحطاط مشهد، هو بالنهاية مشهد وطن لا يفرح محبّوه برؤيته على هذه الحال.

توضح زيارة امانويل ماكرون للعراق وتصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أن الحركة الفرنسيّة محميّة أميركياً، ولا تحظى فقط بالتغطية، بل هي جزء من سياسة أميركية بالوكالة، حيث تحتفظ واشنطن بالخطاب الدعائي ضد إيران والمقاومة، وتتولى فرنسا تبريد جبهات المشرق الملتهبة، بينما تتفرّغ واشنطن لتزخيم حفلات التطبيع العربي “الإسرائيلي” في الخليج، فماكرون المتحمّس لمرفأ بيروت بدا متحمساً لمشروع مترو بغداد، بينما كان الأردن والعراق ومصر يبشرون بمشروع “الشام الجديد” الذي يلاقي نتائج التطبيع الإماراتيّ الإسرائيليّ، بربط العراق عبر الأردن الذي يقيم معاهدة سلام مع كيان الاحتلال، بمرفأ حيفا، أسوة بالإمارات، في زمن خروج مرفأ بيروت من الخدمة، ولا يُخفى أن المشروع الذي قام أصلاً وفقاً لدراسة للبنك الدولي على ضم سورية ولبنان وفلسطين على المشروع قد اعتبر تركيا جزءاً منه، وقد أسقطت سورية ولبنان وفلسطين، واستبعدت تركيا حكماً، وفي زمن التغوّل التركي ورعاية أنقرة للإرهاب وتطبيعها مع الكيان لا اسف على الاستبعاد، وبمثل ما رحبت بالشام الجديد واشنطن وتل أبيب، هرول الرئيس الفرنسي مرحباً باستبعاد تركيا، على قاعدة تناغم مصري فرنسي سيظهر أكثر وأكثر، من ليبيا إلى لبنان، وصولاً للعراق، بحيث تقوم فرنسا بالإمساك بلبنان عن السقوط و”خربطة الحسابات” بانتظار، تبلور المشروع الذي يريد ضم سورية ولبنان معاً في فترة لاحقة، بعد إضعاف قدرتهما التفاوضيّة وعزلهما عن العراق، والمقصود بالقدرة التفاوضيّة حكماً قوى المقاومة وتهديدها لأمن الكيان، وهذا هو معنى التذكير الأميركي بأن المشكلة هي في حزب الله وصواريخه الدقيقة، كما يؤكد بومبيو.

لا مشكلة لدى قوى المقاومة بالمرحلة الانتقالية التي يتمّ خلالها انتشال لبنان من قعر السقوط، ليس حباً ولا منّة ولا مكرمة من أحد، بل خشية انفجار كبير يحول التهديد الإفتراضي للكيان إلى تهديد واقعي، ويأتي بالصين على سكة حديد بغداد دمشق بيروت، هي السكة التي يريدها ماكرون لفرنسا، لكن بعد التفاوض، بحيث تحفظ حدود سايكس بيكو، لكن يتغيّر مضمون التفويض بنقل الوكالة في حوض المتوسط إلى فرنسا، التي منعت من العراق والأردن قبل قرن، لحساب بريطانيا، المتفرّجة اليوم إلى حين. وهذا يكفي للقول إنه بعد فشل الرهان “الإسرائيلي” على نظرية معركة بين حربين كادت تفجّر حرباً، جاءت فرنسا بمشروع تسوية بين حربين، عساها تجعل الحرب الثانية اقتصادية، هدفها إبعاد الصين عن المتوسط، وإبعاد صواريخ المقاومة الدقيقة عن رقبة الإسرائيليين، والمقاومة المدركة للتحديات والاستحقاقات، تعرف ما بين أيديها كما تتقن ذكاء التوقيت.

لا شام جديد بدون الشام الأصلي والقديم، حقيقة يجب أن ينتبه لها ماكرون قبل أن يرتكب الأخطاء القاتلة، فلا ينسى أن التذاكي لا يحل المشكلات الأصلية، وأن روسيا لا تكتفي بالكلمات طويلاً، وأن بريطانيا لا تطيل النوم بعد الظهر.

Between Malek, Shiha, Al-Rahi, and Macron? بين مالك وشيحا والراعي وماكرون؟

By Nasser Kandil

The Patriarch Bishara al-Rahi’s statement that Hizbullah accused him of agency and treachery is most regrettable. Everyone assures that any attempt to learn Hizbullah’s response to the Patriarch’s call for neutrality was met with “No comment.” In her refrain from declaring her opposing perspective to the Patriarch’s stance, Al Mukawama aimed at preventing an interpretation of its position through lenses of sectarian defensiveness, giving lurkers the opportunity of fanning flames, resulting in exchanges of volleys of accusations of agency and treachery.

The invitation is open for the Patriarch to rise above allegations of treachery against him from a Party and a Mukawama, which have a full awareness and appreciation of sensitivities in Lebanon, and who prioritize a diligence about not taking positions, in order to ensure communication respectful of honorifics, including the Bkirki Honorific, and to preserve national unity.

To say that an understanding exists between the Speaker of Parliament Nabih Berri and

Al-Sayyed Hassan Nasrullah, to refrain from comments on the Patriarch’s call for neutrality, personally or through their respective party platforms, would not be revealing a secret. In addition, they have both expressed their displeasure towards individual voices and religious, political, and publicity sites which went against their chosen direction.

In view of such diligence and approbation, they would have rightfully expected from Bkirki a reciprocal approach through an invitation for a discussion of her position with all the Lebanese entities, in an effort to promote agreement and harmony, before her declaration. What is occurring today instead, is that the Patriarch’s call transformed into a mudslinging campaign against Al Mukawama and her arms, unjustly relegating to her the responsibilities for and the dire consequences of the multitude of crises Lebanon has been facing.

This declaration provided an opportunity for its exploitation by those lying in wait, through a discourse insinuating that the injurious and demonizing campaign targeting Al Mukawama has gained a solid base through Bkirki’s leadership. The duo’s silence was the utmost they could offer amidst all that, as an expression of care and respect, awaiting reciprocity from the Bkirki Seat, to provide the opportunity for communication about disagreements behind closed doors.

The Patriarch’s call and his speech on the occasion of Lebanon’s Centennial is being presented as a reading about Lebanon’s future and a project for a new contract benefitting from past experiences and present dangers. He refers to a fear that what is meant by a new contract is an invitation to trilateral power sharing, i.e. power sharing on an almost equal basis between Christians, Shias, and Sunnis, rather than current power sharing divided equally between Muslims and Christians in Lebanon. Such expressed fear sounds strange in view of  Speaker Berri’s refusal decades ago of a trilateral power sharing proposal, and Hizbullah’s refusal of  more generous sectarian power-sharing offers as a trade-off for its power which constitutes a major security threat to the Israeli Occupation.

Both parties confirmed and continue to confirm their insistence on the preservation of the position and role of Christians in Lebanon and the region as a fundamental constituency in the Orient, independent of the actual number of Christians in it.  They have repeatedly emphasized the necessity of reassuring this constituent and ensuring all elements of stability for its continued existence. Their belief is that the Orient’s Christians confer an added value to the Orient, and the loss or weakening of this constituent will rob the Orient of its distinctive characteristics.

These two parties who are implied in the “trilateral” accusation have been clear in attaching to every call for the end of sectarianism, another call for a positive Christian partnership which is reassuring to them, on one hand, and provides existential reassurances for Christians, on the other. A discussion is needed among the Lebanese about a new contract on the basic principles held by the duo encapsulated in progress towards a democratic state, unfettered by the federalism of sectarian protectorates, and ensuring guarantees against the transformation of democracy into a tool in the hands of a sectarian majority, shaking the equilibrium between sects or posing an existential threat to them.

The passage of one hundred years on the establishment of the political Lebanon, in the shade of which we stand today, makes it worthwhile to go back to the writings of two great Lebanese Christian thinkers who have had a strong influence on the conceptualization of Lebanon as an entity, and of Lebanese nationalism, and with whom every Christian political speaker affiliates or aligns his or her position with what had been attributed to them. The reference, of course, is to Charles Malek and Michel Chiha, who have drawn the picture for the Lebanese entity and the principles for its political and economic growth, and unequivocally warned of what they considered to be an imminent threat to its being, namely the earth shaking event of the creation of the Occupation State in 1948.

Both Malek and Chiha were terrified for the fate of the Lebanese entity, and called for the Lebanese to be vigilant about a future in an environment of increasing difficulties. They agreed, each from his own perspective, about the dangers associated with that cataclysmic event which made Lebanon a constant target for Zionist expansion, and at risk of structural damage to the culture of coexistence on which it is based. They agreed that this event created nurturing climates for religious prejudices and extremism, which in turn were expected to launch eras of threat to peace between the Lebanese, and geographic locations posing such threats, in the form of consecutive waves.

They stated that the Jewish State, which they described as racist and reliant on the potency of money and power, will constitute an existential threat to a Lebanon weak and helpless by comparison.  They believed that the newly formed entity will pump waves of Palestinian refugees, and as their hopes of return to their homeland became increasingly out of reach, would place at risk the sectarian equilibrium in Lebanon.

Charles Malek, from his position in the United Nations, sent a report in 1949 to Lebanon’s President and Prime Minister in which he went further, pointing out the approach of a Jewish epoch to the area, that Palestine was the mirror for conditions in the Middle East, that the scant influence of the Arabs will result in an increasing “Jewish” influence, and warned against betting on international positions because the West, headed by the Americans, will side with the “Jews.” He stated: “ In every principal conflict between Israeli and Arab interests, America will support  Israeli interests.  I warn strongly against falling blindly into the trap of seductive American construction projects before their full scrutiny and the scrutiny of Jewish connections to them.”  He proposed a countermeasure based on the building up of Arab armies, an Arab renaissance, and a liberation movement led by Lebanon and Syria. He wagered on a role supportive to the Palestinian cause, and aid to Lebanon and the area in the face of the “Jewish” threat, by the Worldwide Catholic Church, led by the Christian Church in the Orient, with Lebanon being its more important base.

Both Malek and Chiha believed, in the first place, that the triad of threats, expansionist, structural, and economic, posed by the Occupation, along with the Palestinian refugee issue, should form an axis for Lebanese policies internally, at the Arab level, and internationally.  Secondly, they pointed to the losing bet on the effectiveness of international interventions without possession of a considerable interest potential and adequate power to enable participation in the big equations, implying that begging for protection from a position of weakness will inevitably result in disappointment. Thirdly, they bet on the leading role of the Church in escalating and reinforcing power resources internally, and moving outward from that position of political, economic, and military strength, to rouse the Worldwide Church, in the hopes of creating a balance protective of Lebanon.  Can anyone say today that the threats no longer exist, or that the effectiveness of the Arab position has increased, or that the laws governing the movement in international relations have changed?

Al Mukawama, capable and competent, liberated and deterred, and became a source of anxiety for the Occupation in regard to its security and existence.  She became one of the manifestations of what Chiha and Malek asked of the Lebanese.  Sage and prudent,

Al Mukawama is the missing link which Bkirki should feel happy to meet halfway, for a complementarity in roles, translated into what should be done for Lebanon’s protection, with differentiation and variation lending strength to positions rather than being problematic. What has come forth instead from Bkirki’s positions only weakens power sources, aborts opportunities for complementarity between politics and power, and whets the appetite of those in wait for the possibility of weakening or isolating Al Mukawama. It fails to attempt seeking guarantees for Lebanon and the Lebanese using the pacification of Al Mukawama as leverage.

The neutrality initiative, even in its “active” form, fails to tell how it will solve the refugee issue in a time of Arab abandonment; how it will protect Lebanon’s economic role in the era of “normalization;” how it will protect Lebanon from the threat of aggression in the times of disintegration of Arab armies; and who will benefit from the weakening of Al Mukawama and from targeting her morale and reputation except lurking Takfeeri Extremism, lying in wait for Lebanon, the Orient, Christians, along with all the other constituents in the area?

Renewal of the Greater Lebanon starts with a dialogue between the Lebanese to form  understandings which address points of defect and invest in power sources.  Bkirki is the first invitee to openness towards Al Mukawama and investment in her sources of power, after Bkirki has clearly seen France coming to acknowledge Al Mukawama as a reality unsusceptible to marginalization or weakening. In making such acknowledgement, France was speaking for herself and on behalf of her allies, whom Bkirki considers as friends and fears Lebanon’s loss of their support.

The French movement confirms that the attention of those friends to Lebanon and lending their aid has come only as a result of the Al Mukawama raising their anxiety about “Israel’s” security and existence. Any reassurance to decrease such anxiety embedded in the  calls for neutrality will only mean that such attention will shift, and any helping hand will be withdrawn and washed from anything related to Lebanon. Perhaps this is the most prominent conclusion Chiha and Malek came to 70 years ago.

بين مالك وشيحا والراعي وماكرون؟

ناصر قنديل

ثوابت يجب عدم نسيانها وأوهام ممنوع السماح بمرورها وتغلغلها في نفوس الناس وعقولهم في النظر للحركة الفرنسيّة التي يقودها الرئيس امانويل ماكرون، حيث يتمّ تمرير كل شيء تحت ضغط الكارثة التي يعيشها اللبنانيون، أولها التوهّم أن فرنسا أم حنون جاءت لتساعد وتسهم في رفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين، وثانيها أن إدراك أن السياسة باعتبارها لغة مصالح لا يعني الرفض المطلق لسياسات الآخرين ومصالحهم إذا لم تتعارض مع سياساتنا ومصالحنا، وثالثها أن ما لا يتعارض مع سياساتنا ومصالحنا ويؤسس لنقاط تقاطع لا تجوز إدارته بتساهل واسترخاء لأن المصالح تتراكم وتتغيّر والأطماع لا يردعها إلا حضور الحذر واستحضار القدرة وتحصين القوة. والمشهد اللبناني المقزّز في درجة التهافت أمام الرئيس الفرنسي، وتغيّر المواقف وتبدل الثوابت وتقديم أوراق الاعتماد، أظهر خصال انحطاط ليست حكراً على ما يحلو للبعض وصفه بطبقة سياسية فاسدة، فقد نخر سوس التهافت والانحطاط، صفوف الذين سمّوا أنفسهم ثواراً، والذين قدّموا أنفسهم بدائل، والنخب والكتاب والفنانين، ومن له مصلحة ومن ليس له مصلحة، إلا قلة رفيعة الشأن كبيرة النفس شامخة الأنف، لا عارضت علناً وقدمت الولاء سراً، ولا قاطعت، ولا سوّقت، ولا تهافتت، حالها كحال فيروز التي بقيت تشبه أرز لبنان يحتاجها ماكرون ولا تحتاجه، وتقاطع المصالح يعني لها النديّة، وليس الذل والاسترهان، ولا الزحف والبكاء، والبكاء السياسي والإعلامي، ليس بكاء وجع الناس المفهوم، وبقيت هذه القلة تحفظ سرّ المقام والدور والمسؤوليّة، فشارك بعضها بجدية ومسؤولية واحترام وندية، ولكنه لم يمنع نفسه من متعة التفرج على “الزحفطة” السياسية والإعلامية والاقتصادية و”الثورية” و”المدنية” وغير المدنية”، ولم يكن بعضها موجوداً فتابع عن بُعد وهو يجمع السخرية والألم من درجة هبوط وانحطاط مشهد، هو بالنهاية مشهد وطن لا يفرح محبّوه برؤيته على هذه الحال.

توضح زيارة امانويل ماكرون للعراق وتصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أن الحركة الفرنسيّة محميّة أميركياً، ولا تحظى فقط بالتغطية، بل هي جزء من سياسة أميركية بالوكالة، حيث تحتفظ واشنطن بالخطاب الدعائي ضد إيران والمقاومة، وتتولى فرنسا تبريد جبهات المشرق الملتهبة، بينما تتفرّغ واشنطن لتزخيم حفلات التطبيع العربي “الإسرائيلي” في الخليج، فماكرون المتحمّس لمرفأ بيروت بدا متحمساً لمشروع مترو بغداد، بينما كان الأردن والعراق ومصر يبشرون بمشروع “الشام الجديد” الذي يلاقي نتائج التطبيع الإماراتيّ الإسرائيليّ، بربط العراق عبر الأردن الذي يقيم معاهدة سلام مع كيان الاحتلال، بمرفأ حيفا، أسوة بالإمارات، في زمن خروج مرفأ بيروت من الخدمة، ولا يُخفى أن المشروع الذي قام أصلاً وفقاً لدراسة للبنك الدولي على ضم سورية ولبنان وفلسطين على المشروع قد اعتبر تركيا جزءاً منه، وقد أسقطت سورية ولبنان وفلسطين، واستبعدت تركيا حكماً، وفي زمن التغوّل التركي ورعاية أنقرة للإرهاب وتطبيعها مع الكيان لا اسف على الاستبعاد، وبمثل ما رحبت بالشام الجديد واشنطن وتل أبيب، هرول الرئيس الفرنسي مرحباً باستبعاد تركيا، على قاعدة تناغم مصري فرنسي سيظهر أكثر وأكثر، من ليبيا إلى لبنان، وصولاً للعراق، بحيث تقوم فرنسا بالإمساك بلبنان عن السقوط و”خربطة الحسابات” بانتظار، تبلور المشروع الذي يريد ضم سورية ولبنان معاً في فترة لاحقة، بعد إضعاف قدرتهما التفاوضيّة وعزلهما عن العراق، والمقصود بالقدرة التفاوضيّة حكماً قوى المقاومة وتهديدها لأمن الكيان، وهذا هو معنى التذكير الأميركي بأن المشكلة هي في حزب الله وصواريخه الدقيقة، كما يؤكد بومبيو.

لا مشكلة لدى قوى المقاومة بالمرحلة الانتقالية التي يتمّ خلالها انتشال لبنان من قعر السقوط، ليس حباً ولا منّة ولا مكرمة من أحد، بل خشية انفجار كبير يحول التهديد الإفتراضي للكيان إلى تهديد واقعي، ويأتي بالصين على سكة حديد بغداد دمشق بيروت، هي السكة التي يريدها ماكرون لفرنسا، لكن بعد التفاوض، بحيث تحفظ حدود سايكس بيكو، لكن يتغيّر مضمون التفويض بنقل الوكالة في حوض المتوسط إلى فرنسا، التي منعت من العراق والأردن قبل قرن، لحساب بريطانيا، المتفرّجة اليوم إلى حين. وهذا يكفي للقول إنه بعد فشل الرهان “الإسرائيلي” على نظرية معركة بين حربين كادت تفجّر حرباً، جاءت فرنسا بمشروع تسوية بين حربين، عساها تجعل الحرب الثانية اقتصادية، هدفها إبعاد الصين عن المتوسط، وإبعاد صواريخ المقاومة الدقيقة عن رقبة الإسرائيليين، والمقاومة المدركة للتحديات والاستحقاقات، تعرف ما بين أيديها كما تتقن ذكاء التوقيت.

لا شام جديد بدون الشام الأصلي والقديم، حقيقة يجب أن ينتبه لها ماكرون قبل أن يرتكب الأخطاء القاتلة، فلا ينسى أن التذاكي لا يحل المشكلات الأصلية، وأن روسيا لا تكتفي بالكلمات طويلاً، وأن بريطانيا لا تطيل النوم بعد الظهر.

Related