نصيحة صادقة إن كنتم تصدقون!

ناصر قنديل

لا أحد ينكر على التيار الوطني الحر، وعلى رأسه الرئيس ميشال عون خصوصاً، من كل القوى المؤمنة بخيار المقاومة والتي انضوت تحت راية الثامن من آذار، أنه التعبير الأشد ابتعاداً عن التبعية للخارج في ساحة سياسية طائفية راهن الغرب عليها أن تكون حديقة خلفية له في لبنان وعبر لبنان في المنطقة، وأنه نجح بنقل ثقافة الاستقلال إلى شرائح واسعة في بيئته، جعلتها حليفاً محبوباً عند حزب المقاومة الأبرز الذي يمثله حزب الله، وبقوة هذا التقدير كانت الكثير من الأدبيات السياسية التي تصدر عن التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، تقع في منطقة التفهم على رغم قساوتها الخلافية في كثير من المرات، وعدم الشعور بمبرر لها في التوقيت والسياسة، سوى دغدغة مشاعر تقليدية عدائية في بيئة يسعى لترسيخ زعامته فيها، كالاصرار على التذكير بأنه الأشد وطنية، لأنه ناهض الوجود والدور السوري في لبنان، تحت شعار توصيفهما بالوصاية والاحتلال، ولم يجد التيار وهو يقول ذلك من يسأله وماذا عن مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، ودوركم فيها قبل التحرير ولو بتظاهرة في مرجعيون التي ذهبتم لمزاحمة حلفائكم على مقعد نيابي فيها، بالاستناد إلى شعبية لم يعتب عليكم أحد لغيابها عن مواجهة احتلال يجمع اللبنانيون على توصيفه بالاحتلال وبالعدو، وهو الاحتلال الإسرائيلي، أو مثل محاولة المواءمة بين تجربتي بشير الجميل والعماد عون، على رغم كل ما يحيط بتجربة الأول من عناوين تتصل بمرحلة الاحتلال الإسرائيلي، وكان كافيا موقف التيار خلال عدوان تموز 2006 ليضع بين أيدي المؤمنين بكم حليفاً صادقاً كما كنتم خصماً شريفاً، حجة للدعوة للتفهم، لكن ذلك شيء والتصرف بفوقية التفوق بالوطنية على الغير، وادعاء احتكارها وتوزيع شهادات القبول والرفض فيها شيء آخر.

الأكيد أن التيار يحاسب خارجياً وداخلياً على مواقفه المتقدمة بوجه المشروع الأميركي والأطماع الإسرائيلية، ويجري الإعداد لتصفية حساب معه في الانتخابات المقبلة بهذه الخلفية، والأكيد أن نجاح أو فشل الذين يتربصون بالتيار على الكوع الانتخابي المقبل، ليس شأناً يخص التيار وحده، والأكيد أنه  من غير الانصاف أن تلقى مهمة إفشال هذه الخطة على عاتق التيار وحده، بينما تجند للمهمة مقدرات دولة عظمى بحجم أميركا، ودولة اقليمية عظمى بحجم السعودية، وما يملكان من مفاتيح وعلاقات وأموال وسطوة في الإعلام، وحيث يتحول حزب القوات اللبنانية المنافس التقليدي للتيار في ساحته المباشرة، مزيناً ببعض جمعيات مدنية، إلى محور للاستثمار المشترك لخصوم المقاومة وحضورها ومشروعها، لكن الأكيد أيضاً أن خطة التيار للفوز في هذه المعركة بعناوين التنافس مع خصومه على المرجعية الأكثر اخلاصاً للفكرة الطائفية ورموزها وشعاراتها، يضع هذه المعركة في زاوية صعبة، حيث تتسبب هذه الخطة بتفجير نزاعات طائفية تصعب السيطرة عليها، وتنتج مناخا تنمو فيه العصبيات الطائفية وتنفلت معه الغرائز، من بين صفوف التيار، وفي الصفوف المقابلة، وشيئاً فشيئا يضع التيار نفسه في زاوية حادة يصعب الفوز فيها بامكاناته، ويصعب على الراغبين بمساندته تقديم العون له.

منذ مدة بنى التيار خطابه على المواجهة مع حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فبنى منظومة من العناوين لهذه المواجهة صارت مسلّمات عند جمهوره، ودفعته إلى مرحلة ثانية، هي التشكيك بصدقية التحالف مع حزب الله لأنه متمسك بتحالفه مع حركة أمل والرئيس نبيه بري، ثم دفعه الأمران إلى مرحلة ثالثة مضمونها اتهام حزب الله بالشراكة في محاصرته، ومن دون الحاجة إلى مناقشة سردية التيار للخصومة مع أمل، يكفي طرح السؤال حول أمرين، الأول هل يمكن للتيار أن يطالب جمهور بيئته  في أي انتخابات بأكثر مما أعطاه في الانتخابات السابقة، والثاني هل يمكن أن يطالب التيار حزب الله بأكثر من تحمل مسؤولية تعطيل الإستحقاق الدستوري ومخاصمة حليفه الأول المتمثل بالرئيس بري في عقر داره كرئيس لمجلس النواب لصالح المجيء بالعماد عون رئيساً، وبغض النظر عن خطاب محدودية الصلاحيات الرئاسية أو العجز عن تأمين الأغلبية اللازمة في الحكومة ومجلس النواب، يبقى السؤال الثالث، هل كان لدى التيار وهل لديه الآن جواب على خطة التحالفات، التي من دونها لن تكون السياسة إلا صفر نجاحات، فما هي خريطة  الطريق التي يمكن أن يقدمها رداً على أي سؤال، ماذا لومنحناكم تصويتنا، ومنعتم خطة كسركم واستعدتم ذات الوزن النيابي، وفزتم بالرئاسة مجدداً، وهذا سقف صعب المنال، فماذا ستفعلون غير ما فعلتم، ما دامت الصلاحيات هي الصلاحيات، وقواعد تشكل الأغلبية هي هي في الحكومة ومجلس النواب، وبصراحة قد تكون جارحة، أنتم تعلمون أن مفتاح الجواب في خارطة التحالفات تبدأ من التمسك بقوة بالحلف مع حزب الله، وتنتهي بالسعي إلى نقاش صريح ومكاشفة بعيدة عن المزايدات الكلامية لصناعة حلف ثابت مبني على المصالح والرؤى مع حركة أمل، ومن تمكن من تبرير تحالفه مع الرئيس سعد الحريري حتى خرج هو من التحالف، لا يملك أسباب للقول إنه لا يجد سبباً مبدئياً للتحالف مع أمل، وهو يعلم أن البديل هو مزيد من الفشل، وأنه من دون التحالفات  لا أمل بتحقيق تقدم، والتحالف مشقة، والتحالف ليس صفر مشكلات، والتحالف تباين وصراع، لكن تحت سقف الإقرار بالحاجة للتفاهم.

لمصلحة من القول إن من أسقط المجلس الدستوري منظومة يتصدرها الثنائي ويقودها رئيس مجلس النواب ضد رئيس الجمهورية، والمستفيد الوحيد هم الشامتون الذين يتربصون بالتيار على الكوع الطائفي والسياسي والانتخابي.

– اللهم أشهد إني بلغت!

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

التحقيق وانفجار المرفأ… والفرز الطائفي

 ناصر قنديل

دخل ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المرحلة السياسية الحرجة مع تحوله إلى بند خلافي على جدول أعمال الحكومة، وبات واضحاً نجاح التجييش الطائفي الذي رافق اللحظة الأولى من الانفجار للتركيز على اعتبار الضحايا والأحياء المصابة من لون طائفي واحد، وتجاهل الطابع الجامع للكارثة التي وحدت اللبنانيين بدماء ضحاياهم وخسائر بيوتهم ومنشآتهم الاقتصادية، ولم تميز بين طائفة وأخرى، ونجح التجييش الطائفي الإعلامي والسياسي بالانتقال إلى البيت القضائي والحقوقي، سواء على مستوى تسمية المحقق العدلي الأول والثاني، أو على مستوى تموضع نقابة المحامين، وصولاً لمقاربة وسائل الإعلام، كما كان واضحاً ويزداد وضوحاً أن اليد الأميركية كانت حاضرة في كل هذه المحطات، تشجع وتحرض وتضع الأولويات، وصولاً للإيحاء بالرعاية للمحقق العدلي من باب وصفه بالنزاهة من الكونغرس الأميركي.

منذ اليوم الأول للأحداث التي انطلقت في الشارع اللبناني في تشرين 2019 حضر الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان ليقول إن قيمة ما يجري بأنه يفتح الباب لقيادة تحول على المستوى النيابي في الساحة المسيحية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ خلق مناخ إعلامي وسياسي لشيطنة حزب الله وتصويره من دون أي مقدمات وبشكل مفارق لكل المعطيات وحجم الأدوار والمسؤوليات، سبباً للأزمة الاقتصادية والمالية، وشيئاً فشيئاً كان هذا الخطاب المفتعل الذي أدى لخسارة تحركات تشرين شارعها الإسلامي، يتحول إلى خطاب رسمي للإعلام المخصص لمخاطبة الشارع المسيحي، ويجد التيار الوطني الحر نفسه محاصراً بشارع يستدرجه شيئاً فشيئاً إلى خطاب مختلف مع حليفه الاستراتيجي الذي يمثله حزب الله تحت شعار الحاجة الانتخابية، حتى جاء تفجير مرفأ بيروت، وتمت برمجة مشهد التحقيق والشارع تحت العنوان الطائفي، ليجد التيار والعهد أنهما أسرى معادلة عنوانها دعم التحقيق والمحقق، على رغم الشعور ببعض الاستهداف في مفاصل التحقيق، وعلى الرغم من عدم منح الأذون لملاحقات طلبها المحقق، بقي خطاب التيار محكوماً بهذه الشعبوية الطائفية وأسيراً لها، تحت شعار اذهبوا إلى المحقق ودعوه يكمل مهمته، ورفض معادلة محاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى المخصص دستورياً لمحاكمتهم، والشراكة في لعبة التعبئة تحت عنوان لا للحصانات.

في ظل موقف للمرجعيات الدينية المسيحية الداعمة للمحقق والمشككة بكل اعتراض على إجراءاته، مقابل مواقف واضحة للمرجعيات الإسلامية تشكك بسلامة التحقيق وأداء المحقق، يكتمل الانقسام السياسي بوقوف القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على أرضية واحدة من التحقيق، والمحقق، مقابل موقف موحد لتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله، ولا يفيد تمايز تيار المردة مسيحياً، والحزب التقدمي الإشتراكي إسلامياً، بموقفين متعاكسين بين التشكيك والتأييد، في تغيير الاصطفاف الطائفي، الذي يقسم المجتمع ويقسم البرلمان وبدأ يهدد وحدة الحكومة، كما يصيب المناخ القضائي والحقوقي، بحيث يبدو البلد كله في متاهة الانقسام الخطير التي لم يعرفها منذ نهاية الحرب الأهلية.

مقاربة حزب الله لملف التحقيق ليست مجرد تحسب لأهداف يستشعرها الحزب من حركة المحقق لتركيب ملف اتهامي مباشر أو غير مباشر يخدم مهمة شيطنة الحزب، بل هي محاولة لإخراج الاستقطاب حول القضية من الاشتباك الطائفي، والرهان على العلاقة الخاصة التي تربط الحزب بالتيار الوطني الحر للوصول إلى موقف حكومي يتيح نقل النقاش حول التحقيق من اللعبة الشعبوية الخطرة بدرجة سخونتها وأرضيتها الطائفية، إلى مسار قانوني بارد وتقني يقوم على معادلات بعيدة عن لعبة الشارع من جهة، والتوظيف السياسي من جهة موازية، فهل ينجح أم يبقى الانقسام ويتجذر لأنه جزء من عدة تحضير البلد لدخول الانتخابات مع مطبات سياسية وإعلامية، وفي ظل تشنج طائفي مكهرب على التوتر العالي، يصيب الاصطفافات والتحالفات بشظاياه؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

Video translation: ‘Will you stop me from filling up Iranian petrol?!’: Beirut Sunni Imam

Video translation: ‘Will you stop me from filling up Iranian petrol?!’: Beirut Sunni Imam

September 03, 2021

Sheikh Hamade, who is the Imam of the Hamzah Mosque in Beirut, blasted pro-US forces in Lebanon and called on anyone opposed to the move to ‘quit trying to fool the Lebanese people’ and ‘get oil yourselves!’

Original link: http://middleeastobserver.net/will-you-stop-me-from-filling-up-iranian-petrol-beirut-sunni-imam/

Description:

Lebanese Sunni Sheikh Mustafa Hamade scolds local pro-US parties and media for their opposition to Hezbollah’s recently announced move to import Iranian fuel to Lebanon, a country facing a crippling energy and economic crisis.

Sheikh Hamade, who is the Imam of the Hamzah Mosque in Beirut, blasted pro-US forces in Lebanon and called on anyone opposed to the move to ‘quit trying to fool the Lebanese people’ and ‘get oil yourselves!’

The clip of the Sheikh’s comments has been spreading widely within Lebanese social media circles in recent days.

Source: Social networking sites

(Please help MEO keep producing independent translations for you by contributing a sustainable monthly amount https://www.patreon.com/MiddleEastObserver?fan_landing=true)

Transcript:

Sheikh Mustafa Hamade, Imam of the Hamzah Mosque in Beirut, Lebanon:

(Certain) media outlets don’t want Iranian oil, nor oil from God knows where. We, as a people, demand that you bring oil from wherever you want, and we’ll buy it from you and not from them (Iran).

Just get oil, if anyone wants to talk, then they better step up. They (Hezbollah) are importing oil because they’re true to their people.

(Regardless of) halal (permissible) or haram (forbidden), right or wrong, sanctions and what not. Are there sanctions more devastating than the ones we’re under (today)?

Are you going to tell me that when and if the oil comes from Iran, that you’re going to prevent me from getting Iranian petrol and diesel? We’re already dead!

If any of our leaders don’t like this, then get oil (yourselves)! You have friends all over the world. Aren’t you going to import electricity and gas? Get some oil while you’re at it. Get some diesel while you’re at it. Stop fueling sectarian tensions. People are tired! People are exhausted!

Go see Dahieh (Southern Suburbs of Beirut), and all Shia regions, and go see Beirut and all Sunni regions in Lebanon. Go see Akkar, Dinniyeh and Tripoli. Go see Baalbeck and Hermel, Central and Northern Beqaa. Go see the South, all of it, starting from Sidon and up to the Naqoura and see the hunger. Head to the mountains, to Baabda and all of Mt. Lebanon. People care little for where the oil will come from. When the oil’s here people will pay out of their own pockets for it, and they don’t need any of you officials. They’ll pay from their own money and bring in oil from wherever, because you do not feel the exhaustion we feel. Because you do not feel the humiliation we’ve endured.

You are still conspiring against us, and making fools of us. Because you’re Sunni, you still want me to hate the Shia, and because you’re Shia you want him to hate the Sunni.

People won’t fall for this anymore, they want to live, they’re tired, they’re exhausted.

I pray that God Almighty save us from this trial. May God grant us forgiveness.

إصلاح القطاع المالي في لبنان: الدين العام والمصارف* (1)

زياد حافظ

المنطلقات

الإصلاح الاقتصادي والمالي قرار سياسي بامتياز يخضع لخيارات كما يخضع لموازين قوّة. فلا إصلاح إن لم تكن موازين القوّة مؤاتية له. البنية السياسية القائمة في لبنان عصّية على الإصلاح والتجدّد وبالتالي محكومة بالزوال لأنها لا تتكيّف مع التحوّلات الاستراتيجية التي تحصل في العالم وفي الإقليم. لكن هذا لا يعني أنّ الطبقة السياسية الحاكمة المستفيدة من بنية النظام الطائفي ستستسلم للتحوّلات فستخوض معارك شرسة على قاعدة اللعبة الصفرية، أيّ إما الانتصار أو الزوال، وإنْ أدّت إلى زوال الكيان والنظام. لكن هناك من يعتقد أنّ النخب الحاكمة التي تعبّر عن مصالح النظام القائم قد تقدم على التضحية ببعض الرموز لشراء الوقت ولتحسين صورتها ومواقعها. قد يكون ذلك مدخلاً لإصلاح وإنْ كان جزئياً. فمهما كانت موازين القوّة فإنّ ذلك لن يعفينا من مسؤولية تقديم رؤية متكاملة قدر الإمكان للتغيير والإصلاح. هذه هي مهمتنا والورقة المقدمة هي إحدى الخطوات في ذلك الاتجاه.

مقاربة الإصلاح المالي جزء من مقاربة أوسع للاقتصاد اللبناني. والأجزاء المتعدّدة متشابكة حيث يصعب التكلّم عن جزء دون التكلّم عن الأجزاء الأخرى. فالإصلاح المالي هو خطوة في الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاقتصادي يتكامل مع الإصلاح السياسي بل أكثر من ذلك فنقول إن لا إصلاح اقتصادي دون اصلاح سياسي فالاقتصاد هو السياسة ولكن بلغة الأرقام. وبالتالي السياسة هي التي ستتحكّم بالقرار الإصلاحي والسياسة ستكون نتيجة موازين قوّة.

في هذا السياق، فإنّ موازين القوّة يحكمها الصراع مع الكيان الصهيوني ليس إلاّ. ففي رأينا، لا مجال للتكلّم عن أي سياسة والقرار السياسي الوطني في حال تبعية للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص الذي همّها الأول والأخير هو حماية الكيان العدو وضمان تفوّقه على لبنان وسائر العرب. هذا لا يعني أبداً أنّ الأمر قدر علينا بل العكس، فإنّ موازين القوّة في الصراع تتغيّر لصالح محور المقاومة. لكن إلى أن يتجلى ذلك الأمر في لبنان وخاصة عندما تقتنع القوى المؤيّدة لمحور المقاومة أنه آن الأوان لإجراء الإصلاح في البنية السياسية والاقتصادية فإنّ المشهد مستمرّ على حاله. فالمحاولات التي تطرح بين حين وآخر ليست إلاّ محاولات ترقيع وشراء الوقت وإنْ كانت مدمّرة في آن واحد كوصفات الخصخصة المطروحة لحلّ الأزمة المالية. فالأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة هي نتيجة خيارات وسياسات وبالتالي لا بدّ من تحديد الخيارات والسياسات قبل المبادرة في الإصلاح الاقتصادي والسياسي.

الخيار الأول هو أنّ بنية الاقتصاد اللبناني منذ نشأته مبنية على فرضية أنّ لبنان ليس جزءاً من المنطقة بل جزيرة في محيط لا يتماهى تاريخياً مع مصالح الاستعمار والامبريالية. وبالتالي في أحسن الأحوال لن يكون إلاّ جسراً بين المشرق العربي والجزيرة العربية من جهة والغرب ولكن من موقع التبعية وليس من واقع مستقل عن إرادة الغرب الاستعماري القديم والجديد. هذا الدور الوظيفي الذي اختاره الاستعمار والذي تبنّته النخب الحاكمة على مدى عدّة عقود وصل إلى طريق مسدود عشية الحرب الأهلية التي انطلقت سنة 1975 واستمرّت حتى التسعينات. في حقبة 1920-1993 كان الاقتصاد مبنياً في الأساس على الخدمات المالية والتجارية مع حدّ أدنى وإنْ كان يتنامى بشكل تدريجي للقطاعين الإنتاجيّين الزراعي والصناعي. ما بعد 1993 كان الخيار أنّ لبنان جزء من عملية سلام وهمية طغت على عقول النخب الحاكمة واعتبرت نخبها الحاكمة أنّ دور لبنان هو دور خدماتي أولاً وأخيراً وحوّل البنية الاقتصادية إلى اقتصاد خدماتي ريعي. لذلك الخيار الأساسي الذي ننطلق منه هو خيار الانتقال من اقتصاد خدماتي ريعي إلى اقتصاد انتاجي خدماتي منتج لقيمة مضافة مرتفعة كقطاع الاستشفاء والتربية على سبيل المثال بسبب نوعية اليد العاملة والمستوى التعليمي النسبي المرتفع.

الخيار الثاني هو أنّ لبنان جزء أساسي من المنطقة وبالتالي السياسات التي يجب اتباعها في تحويل البنية الاقتصادية إلى اقتصاد إنتاجي تستدعي التشبيك مع دول الجوار، أيّ مع كلّ من سورية والأردن والعراق في المرحلة الأولى ومع فلسطين بعد التحرير. أما في المرحلة الثانية المتلازمة مع مراحل من المرحلة الأولى فهو التشبيك مع كلّ من الجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا والانخراط الكلّي بالكتلة الأوراسية، أيّ التشبيك مع الصين وروسيا ومنظومة شانغهاي. وفي المرحلة الثالثة يكون التشبيك مع دول الجزيرة العربية ودول وادي النيل والقرن الأفريقي وفي المرحلة الرابعة مع دول اتحاد المغرب الكبير. ليس من الضروري في المرحلة الحالية تحديد تاريخ المراحل الأربع إلاّ أنّ المرحلة الأولى يجب أن تتلازم ولو تدريجياً مع مرحلة الإصلاح المالي.

الخيار الثالث هو إعادة الاعتبار إلى التخطيط المركزي في مشروع التنمية الشاملة والمتوازنة. هذا يعني الابتعاد عن فلسفة ميشال شيحا القاصرة المبنية على اقتصاد السوق والقطاع الخاص ونسختها المشوّهة في ما بعد اتفاق الطائف. النموذج الصيني نموذج جدير الاهتمام به لأنه استفاد من التجارب السابقة لكلّ من اقتصاد السوق بلا قيود ومن اقتصاد التخطيط المركزي المفعم بالقيود. كما يمكن دراسة نماذج أخرى كالنموذج الماليزي والنموذج السنغافوري وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

الخيارات المطروحة أعلاه تتطلّب تمكين الدولة من القيام بدورها كقاطرة للإصلاح وللتنمية. هذا يعني أولاً إصلاح سياسي وإداري لسنا في إطار مقاربته في هذه الورقة وإنْ كانت شرط ضرورة، وثانياً، تحرير موارد الدولة المكبّلة بدين لا مبرّر له، أيّ إصلاح مالي يتناول البنية الضريبية وسياسة الإنفاق وبطبيعة الحال الدين العام المكبّل لقدرات الدولة. وإصلاح القطاع المالي يتطلّب معالجة قضيتين يصعب الفصل بينهما. القضية الأولى هي قضية الدين العام والقضية الثانية هي إعادة هيكلة النظام المصرفي. فالنظام المصرفي شريك أساسي في تفاقم الدين العام بسبب الاستفادة منه رغم معرفته بأنّ قاعدة ذلك الدين غير سليمة وأنّ قدرة الدولة على التسديد من مداخيلها محدودة للغاية، وأن خدمة الدين العام تؤدّي إلى إيقاف الاستثمار في البنى التحتية وتقديم الخدمات الاجتماعية ولو بالحد الأدنى. كما أنّ سياسة الاستدانة لأغراض غير تنموية أدّت إلى سحب السيولة من التداول الاقتصادي وأدّت إلى تمركز الثروة في يد القطاع المصرفي وما هو مرتبط بفلكه من قطاعات كالقطاع العقاري. وبما أنّ القطاع المصرفي وظّف معظم موارده المالية، أيّ الودائع التي كان يتلقّاها، في سندات الخزينة للاستفادة من الفوائد الربوية التي لا قاعدة ولا وظيفة اقتصادية لها في ارتفاع مستوياتها، فإنّ النظام المصرفي أساء الائتمان تجاه المودعين إذ لم يقدم على توزيع المخاطر وفقاً للقانون ووفقاً للعرف المهني. فإساءة الائتمان وقلّة الاحتراف تجعل من القطاع المصرفي القائم غير مؤهّل للبقاء وغير ذي جدوى.

أما القضية الثانية في الإصلاح المالي فهي إصلاح البنية الضريبية عبر إيجاد نظام ضريبي تصاعدي على الدخل وعلى الأرباح الريعية. لكن لن نعالج في هذه الورقة تلك المسألة التي ستكون موضوع مقاربة خاصة بها.

بناء على ذلك فإنّ الإصلاح المالي يتلازم مع إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. في هذا السياق نعرض فقط الخطوط العريضة لإعادة هيكلة الدين العام لعدم توفّر لدينا البيانات التفصيلية لتاريخ تراكم الدين شهراً بشهر، وجداول التسديد السابقة، وعدد وهوية من حمل سندات الخزينة وفترة حملها وقيمة السندات التي حملها الأفراد، والمؤسسات، والهيئات إلخ… فبغياب تلك البيانات لا يمكن عرض مشاريع هيكلة تفصيلية تبيّن الفوائد العائدة لخزينة الدولة من جهة وتوزيع الأعباء من جهة أخرى.

أولاً: إعادة هيكلة الدين العام
أ ـ فلسفة الهيكلة

إعادة هيكلة الدين العام تستند إلى مبدأ توزيع المسؤوليات بشكل عادل بين المتسبّبين والمستفيدين في عملية الدين، أيّ الدولة، القطاع المصرفي، والقوى السياسية التي وافقت وأيّدت ودعمت الاقتراض بالشكل والمضمون. الصعوبة تكمن في تحديد بدقة مسؤولية كلّ الأطراف وخاصة القوى السياسية التي أطلقت عبر الحكومات المتتالية منذ 1993 مسلسل الاستدانة. وبالتالي يمكن تصوّر عدّة سيناريوات تعكس المسؤولية.

السيناريوات المقترحة تعكس نسبة توزيع المسؤولية عمّا حصل.

أولاً: المسؤولية تقع كلياً على القطاع المصرفي بشقيّه الرسمي، أيّ مصرف لبنان، والخاص، أيّ جمعية المصارف.

ثانياً: المسؤولية تقع بالمناصفة بين القوى السياسية التي كانت تتحكم بالدولة أي وزارة المالية والوزرات والمؤسسات العامة التي استلفت من الخزينة والقطاع المصرفي بشقيّه أيضاً الرسمي والخاص.

ثالثاً: المسؤولية تقع على كل من القطاع المصرفي بشقيّه الرسمي والخاص، والدولة، والمستفيدين من الدين أي مجموع المودعين. وداخل مجموعة المودعين هناك من يتحمّل المسؤولية أكثر من غيره كونه مرتبطاً بالقوى السياسية المتحكّمة بإدارة الدولة، بينما الأكثرية من المودعين هم من الطبقة الوسطى والذين استثمروا في الدين العام كالمتقاعدين وأصحاب الدخل المحدود. في هذه المجموعة تقع المسؤولية بنسبة 70 بالمائة على القطاع المصرفي والقوى السياسية والباقي على المستفيدين وذلك على قاعدة أنّ الجميع كان مدركاً أنّ الاقتراض بالشكل الذي حصل لم يكن سليماً وخاصة في ما يتعلّق بالفوائد المرتفعة التي لم يكن لها في يوم من الأيّام أيّ مبرّر اقتصادي، والذي شرحناه مع عدد من الاقتصاديين في أوراق سابقة، وذلك منذ بداية اعتماد الاقتراض. فالكل كان يعلم أنّ الدولة لا قدرة لها على تسديد الدين ورغم ذلك استمرّت لعبة «البونزي» أيّ الاقتراض لتسديد الاقتراض السابق ودفع الفوائد الربوية. بالنسبة للمصارف فإنّ الفوائد هي أصل مداخيلها بينما رأسمال الدين هو من الأصول التي كان بإمكانها وضع المؤن لتخفيف من احتمالات عدم التسديد ولكن لم تفعلها لأنها كانت انتقاصا من أرباحها.

ب – هيكلة الدين العام وفقاً للسيناريو الأول

بما أنّ الفوائد المدفوعة منذ 1993 فاقت أضعافاً رأس المال الدين الأساسي فهذا يبرّر اتخاذ قرار بشطب الدين العام المتعلق بسندات الخزينة واعتبارها لاغية. هذا سيؤدّي إلى إفلاس المصارف التي استثمرت ودائع المودعين في سندات الخزينة ما يفرض إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي سنتناوله في الجزء الثاني من هذه الورقة. هذا يعني أنّ القرار يحمّل القطاع المصرفي مسؤولية الدين لأنه كان الأداة الأساسية إنْ لم نقل الوحيدة لذلك الدين.

الاعتراضات على هذا السيناريو ستكون مبنية على أنّ ذلك يضرب مصداقية الدولة في إمكانية الاقتراض في ما بعد ويضرب القطاع المصرفي. ففي ما يتعلّق بمصداقية الدولة فاستعادة تلك المصداقية ستكون مبنية على سياسات جديدة وعلى أداء مختلف عما كانت عليه. وهنا نسأل، إذا كان الجميع يعلم أن لا قدرة للدولة على تسديد ذلك الدين فلماذا استمرّ القطاع المصرفي في إمدادها بالأموال؟ فعن أيّ مصداقية يتكلّمون؟ فعلى القطاع المصرفي أن يتحمّل نتائج قراراته وإذا كان يؤمن بقانون السوق، كما يدّعي كاذباً، فعليه أن يواجه الاستحقاق، أيّ إما التسديد من رأس ماله أو الإفلاس! أما في ما يتعلّق بالتصنيف الدولي فلا نحبّذ الاقتراض في الأسواق الخارجية والتي لا نعتقد أنّ هناك ضرورة لها رغم كلّ الادّعاءات المغايرة لذلك. فالنظام الذي استطاع أن «يشفط» أكثر من 400 مليار دولار على مدى أربعين سنة وفقاً لتقديرات الخزينة الأميركية يستطيع أن ينتج ما يلزمه من تمويل داخلي لإعادة البناء! ونعتقد أنّ «مصداقية» الدولة ستعود عندما يباشر لبنان في استثمار حقول النفط والغاز فالرأس المال الأجنبي سيتناسى إلغاء الدين العام مقابل الاستفادة من الاستثمارات التي سيجلبها قطاع النفط والغاز. لكن حسم هذا الموضوع لن يعود إلى اعتبارات اقتصادية أو مالية بل لاعتبارات سياسية لا داعي الدخول فيها في هذه المرحلة.

ج – إعادة الهيكلة وفقاً للسيناريو الثاني

المناصفة في إعادة هيكلة الدين العام بين القطاع المصرفي والقوى السياسية يعني المناصفة في تحمّل أعباء الهيكلة على كلّ من القطاع المصرفي والدولة. هذا يعني أنّ القطاع المصرفي مسؤول فقط عن نصف الدين العام وعليه أن يتحمّل شطب ما يوازي نصف «حقوقه» في سندات الخزينة سواء في الرأس المال للدين وأو في الفوائد. إذا ما اعتبرنا أنّ قيمة الدين العام توازي 100 مليار دولار (قد يكون أكثر من ذلك أو أقلّ من ذلك، فليس هناك من بيانات دقيقة يمكن الاستناد إليها) فإنّ القطاع المصرفي عليه أن يسدّد ما يوازي 50 مليار. أما في ما يتعلّق بحصة الدولة فالتسديد يكون عبر اعتبار الدين العام طويل الأجل في أيّ 25 أو 30 سنة، وبفائدة رمزية حيث خدمة الدين العام لا تتجاوز سنوياً أكثر من 5 بالمائة على سبيل المثال من موازنة الدولة. من جهة أخرى فعلى القطاع المصرفي إعادة تكوين رأسماله لسدّ العجز بين قيمة سندات الخزينة التي تشكل قسماً كبيراً من أصوله وإجمالي الودائع. سيعارض القطاع المصرفي بشدّة التنازل عن «حقوقه» ولكن تستطيع الدولة فرض إرادتها عبر التلويح بإجراءات جذرية في ملكية المصارف (أيّ السيناريو الأول في إعادة هيكلة القطاع المصرفي).

أما القوى السياسية فالمسألة أكثر تعقيداً لصعوبة الوصول إلى توافق على تحديد مسؤولية الأشخاص الذين ساهموا في تراكم الدين وبسبب موافقة مجلس النواب الذي أعطى «الشرعية» لتراكم الدين. لكن هذا السيف يجب أن يبقى مسلّطاً على القيادات السياسية التي تولّت المسؤولية في تراكم الدين العام، من رؤساء جمهورية ومجلس النوّاب، ورؤساء مجلس وزراء، ووزراء ورؤساء اللجان المالية وأعضائها في مجلس النوّاب الذين أعطوا صكّ البراءة للحكومات التي ساهمت في استمرار تراكم الدين العام. كما يجب إدراج الإعلاميين الذين روّجوا لتلك السياسات وهاجموا من كان يحذّر من مخاطرها.

د ـ إعادة الهيكلة وفقاً للسناريو الثالث

في هذا السيناريو يتشارك مع الدولة كلّ من القطاع المصرفي والمودعين في تحمّل عبء الهيكلة. ربما هنا يكمن مزاج النخب الحاكمة. لكن المشكلة تكون في تحديد النسب. القطاع المصرفي ومن يقف معه من النخب الحاكمة يريد تحميل الدولة القسط الأكبر لإعادة هيكلة الدين كما يريدون (وهنا قسم كبير من القوى السياسية) المباشرة بالخصخصة للتعويض عن العجز في الموازنة وتراكم الدين. توزيع المسؤولية سيكون في آخر المطاف رهن موازين القوّة السياسية التي تتحكّم بالنخب الحاكمة.

في سيناريو تحميل المسؤولية للمودعين هناك من يقترح أن يتحمّل المودعون ما يوازي 30 بالمائة من العبء. وهناك من يذهب إلى ابعد من ذلك ويقترح حتى 70 بالمائة. فالشيكات التي يتمّ صرفها الآن توازي 30 بالمائة فقط من قيمتها الاسمية. سطوة المصارف والصرّافين على تدفق السيولة يجعل من ذلك أمراً واقعاً. ومع مرور الزمن يصبح المعيار «الطبيعي» الملائم للواقع! وبالتالي يتمّ تكريس سرقة أموال المودعين بتشريع رسمي وموافقة النخب الحاكمة.

لسنا من أنصار تحميل المسؤولية للمودعين بشكل عام بل لفئة من المودعين الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة وغير الطبيعية لسندات الخزينة بينما كانوا يعلمون استحالة الدولة تسديد تلك الديون. فهم شركاء فعليون في عملية السطو المنظّم. عددهم ليس كبيراً بل قيمة ودائعهم كبيرة. ليس هناك من إحصاءات دقيقة بسبب عدم الشفافية من قبل جمعية المصارف والمصرف المركزي في تقديم البيانات المفصلة لتوزيع المودعين. هنا أيضاً يُحسم الأمر وفقاً لموازين القوّة السياسية.

لكن بغضّ النظر عما ستسفر «المفاوضات» في شأن توزيع المسؤوليات/ العبء بين الأطراف الثلاثة فإنّ إعادة هيكلة الدين تخضع لنفس الاعتبارات المقترحة في السيناريو الثاني أيّ أنّ عبء خدمة الدين العام لا يجب أن يتجاوز نسبة مئوية محدودة من إجمالي الموازنة.

يبقى تفصيل مكوّنات الدين العام. فهو العجز المتراكم في الموازنة ولكن ضمن ذلك العجز هناك سلفات لمصلحة كهرباء لبنان وضرورات تمويل الديون المستحقة. الأولوية هي تخفيض قيمة رأس مال الدين يجب أن تكون على الجزء الذي ساهم في تمويل الديون السابقة. فلما أقدمت الدولة على إصدار سندات خزينة بفوائد مرتفعة جدّاً لا مبرّر لها كان الجزء الأكبر من سلسلة الاقتراض المتتالية تسديد تلك الفوائد ورساميل تلك السندات التي كان قصيرة الأجل جدّا. لذلك هذا الجزء من الدين يجب أن يُشطب بدون تردّد خاصة أنه تمّ «تسديد» تلك الديون في ميعادها! في ما يخص بالسلفات لقطاعات الدولة فهي تشكّل في رأينا جوهر الدين العام الذي يمكن القبول به وبالتالي يتمّ تسنيده على فترة طويلة من الزمن وبفوائد منخفضة.

إعادة هيكلة الدين العام ليست بالعملية السهلة والتي يمكن الخوض فيها كلّما تفاقم الأمر. لذلك يجب اتخاذ إجراءات احتياطية تمنع الوقوع في مطبّات الاستدانة غير المبرّرة اقتصادياً. الاستدانة لأغراض مالية فحسب كما حصل خلال العقود الثلاثة الماضية لا يجب أن تتكرّر. كما أنّ الاستدانة لا يمكن إلاّ أن تكون داخلية وفي العملة الوطنية. الاستدانة من الخارج تحتاج إلى موافقة خاصة من مجلس النوّاب إضافة إلى الموافقة على المشروع الذي من أجله تتمّ الاستدانة.

*ورقة قدّمت للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي في 2 آذار/ مارس 2021

**كاتب وباحث اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

الحريريّة السياسيّة نحو نموذج جديد؟

د. وفيق إبراهيم

رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في حركة سياسية جديدة، وضاغطة يستأنف فيها نشاطه السياسيّ الأوليّ بعد سبات له أسبابه الخارجية، يريد العودة إلى رئاسة الحكومة على متن سياسات فرنسية خارجية تمهد له تأييد التغطيات الخارجية للبنان المتجسدة في الأميركيين والإيرانيين وآل سعود.

هذا يضع مستقبل المعادلة التي بناها والده رفيق الحريري في إطار معادلة جديدة تتأسس على نمط جديد من العمل في المعادلة السياسية اللبنانية.

فرفيق الحريري استثمر منذ بداية مشروعه في معادلة ثلاثية سعودية أميركية وسورية أصبحت إيرانية بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 2005 وكان يريد الإمساك بكامل لبنان السياسي من خلال تطويع القادة السياسيين للطوائف ومرجعياتهم الدينية.

هذا يؤكد انه كان يعمل على إلحاق كامل لبنان في إطار حريرية سياسية مدعومة دولياً وإقليمياً.

هذا لا ينفي نجاح رفيق الحريري في كسب الجمهور الأكبر في الطائفة السنية بل معظمها، لكنه لم يذهب ناحية التحريض المذهبي او الطائفي بل للتأكيد على مرجعيته الداخلية انطلاقاً من طرابلس وبيروت، وذلك لمنع أي اختراقات سنيّة قد تعرقل أدواره اللبنانية.

لذلك حاول المرحوم رفيق الحريري الاستفادة من المشروع الأميركي الذي بدأ بالحركة منذ 1990 بعد عام فقط على انهيار الاتحاد السوفياتي، معتبراً أن المنطقة ذاهبة نحو سلام مع «اسرائيل»، فراهن عليها معتقداً بإمكانية أداء دور سياسي كبير في الداخل السوري.

يتضح أن مشروع الرئيس السابق رفيق الحريري ذهب نحو الإمساك بكامل الطوائف مراهناً على ولاءاتها الغربية من جهة وانتهاء أدوار حزب الله من جهة ثانية، وارتباط زعاماتها بتمويل أحزابهم من الوظائف في الادارات والمال العام من جهة ثالثة.

هذه مداميك مرحلة الحريري الأب فماذا عن معادلة نجله سعد؟

الاختلاف كبير لسببين مركزيين: التبدل الذي حدث في المشهد الإقليمي شاملاً موازنات القوى فيه وصعود أدوار حزب الله وتحالفاته في الداخل اللبناني، وما كان ممكناً في زمن «الرفيق» أصبح متعذراً في مرحلة ابنه او المنتمين اليه سياسياً مثل السنيورة وسلام والميقاتي.

إقليمياً تعرض المشروع الاقليمي الاميركي لإخفاقات بنيوية في اليمن وسورية والعراق، ومنيت «اسرائيل» بهزيمتين بين الألفين وألفين وستة وسقط المشروع الإرهابي بالقضاء على دولة خلافة كادت أن تتحقق على اراضٍ سورية وعراقية.

ما استتبع صعوداً اضافياً لحزب الله باعتباره جزءاً اساسياً من المنتصرين عسكرياً.

هذا هو الفارق بين الشيخ رفيق الذي أتى الى لبنان بمشروع اميركي مقبل على المنطقة وبين الشيخ سعد الذي يحاول إعادة «قولبة» مشروع ابيه و»دوزنته» ليتلاءم مع الموازنات الجديدة، وعصر الانسحاب الاميركي القريب من الشرق الاوسط.

لذلك فهو مضطر لهذه الهندسة الجديدة على أساس أن الدور السعودي الكبير يتراجع بسرعة.

الأمر الذي اضطره لاستعمال الدور الفرنسي الطموح وقدرته على إعادة كسب السياسة السعوديّة الى جانبه.

داخلياً يعرف الشيخ سعد أن مشروع أبيه بالسيطرة على كامل طوائف لبنان من خلال الإمساك بالكاردينال صفير ووليد جنبلاط والعلاقات العميقة مع الرئيس بري. هذه مرحلة انتهت لمصلحة تأسيس دفاعات خاصة بكل مذهب، وله رئيسه ومعادلته الحزبية او السياسية بما يؤكد أن على الشيخ سعد العودة بقوة الى الملاذ السنيّ والسيطرة عليه. فبذلك يستطيع الإمساك الدائم برئاسة الحكومة عبر وسيلتين: سيطرته على المركز الأوسع والأكبر في السنية السياسية في لبنان وإقرار مبدأ عرفي يقضي بتسلم القوى السياسية الأكبر في كل مذهب للمواقع الدستورية الخاصة بها في رئاسات الجمهورية والنواب والحكومة.

لإنجاح هذه الطريقة، المطلوب من الشيخ سعد العودة الى اسلوب التحشيد المذهبي بالتحريض السياسي على قيادات من مذاهب وطوائف اخرى، والعودة الى أسلوب توزيع المكرمات والنجدات عند الأزمات. وهذا ما يجري تطبيقه حالياً من قبل الشيخ سعد ومعظم قيادات الطوائف والمذاهب اللبنانية الأخرى ومن دون استثناء.

يتضح أن الحريرية السياسية انتقلت نهائياً من معادلة كانت تعمل على الإمساك بكامل لبنان السياسي الطوائفي الى مستوى التموضع في إطار مذهبها السنيّ واستخدامه لتحقيق مكانة تقليديّة على غرار صائب سلام وتقي الدين الصلح وأمين الحافظ وآخرين.

هذا هو سعد الحريري الجديد بجولته على رؤساء البلاد وقادة الأحزاب بمواكبة العودة الى تجميع قادة الأحياء والعائلات في صيدا وبيروت وطرابلس وعكار والبقاع الغربي وإقليم الخروب.

لذلك فإن زمن سعد الحريري هو مثابة مدد لنظام طائفيّ كان منهكاً وعلى وشك الانهيار، فتأتي المرحلة الجديدة لإعادة نصب الحواجز المذهبيّة بما يوفر دعماً كبيراً لنظام 1948 و1990 – 2020 وتمديد عمر سياسيّ لطائفية يعمل كامل الوسط السياسي الحالي على تعميقها في المجتمع اللبناني لتحقيق مصالحهم وسياساتهم.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

اليوم تبدأ مهلة المبادرة الفرنسية

ناصر قنديل

مضت مهلة الأسبوعين المتفق عليها من ضمن المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة إصلاحية، من دون أن يضرب مسمار واحد في ورشة هذه الحكومة، فقد كان الرئيس المكلف يعدّ الأيام وفقاً للوصفة التي وضعها نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي تحوّل الى حزب شمولي حاكم، يسمي منفرداً الرئيس المكلف ويمارس عليه الوصاية في تأليف الحكومة، ويقول لكل الآخرين من رئاسة الجمهورية الى الكتل النيابية كشركاء حكميين في تشكيل الحكومات، إما أن ترضخوا لهذه المشيئة الملكية الناشئة أو تتحملوا مسؤولية الفراغ، لأن لا رئيس حكومة سيسمّى ولا حكومة ستولد إلا وفقاً لهذه الشروط، وإلا تعرضت للطعن بميثاقيتها بحرمانها من تغطية الأغلبية السياسية في صفوف طائفتها، وكان الهدف هو أن يمضي الأسبوعان اللذان وضعهما الرئيس الفرنسي لولادة الحكومة الجديدة، من دون فعل أي شيء سوى إسقاط الأسماء المنتمية للحزب الحكام الشمولي الجديد، برئيسه سعد الحريري وأمينه العام فؤاد السنيورة ومشاركة نائب الرئيس نجيب ميقاتي وحفظ ماء وجه أمين السر تمام سلام.

لم تجر رياح التأليف كما تشتهي سفن الحزب الجديد، فرئيسه لم يطرح معادلته حول المداورة كشرط تأسيسي لكل حكومة جديدة في لقاءات قصر الصنوبر بحضور الرئيس الفرنسي، والمبادرة الفرنسية لم تتضمن اي إشارة لهذه المداورة، ومعلوم أنها كانت تتضمن الانتخابات النيابية المبكرة ولم يقم أحد من رافضي الانتخابات المبكرة بالتغاضي عن الأمر لأنه لا يريد مواجهة مع الراعي الفرنسي، والذي حصل يعرفه الجميع وهو أن المقترح تمّ رفضه وتمّت الاستجابة لهذا الرفض من الرئيس الفرنسي واتفق على تأجيل كل البنود السياسية لما بعد تشكيل الحكومة، وكانت الاستجابة تأكيداً لمصداقية الرئيس الفرنسي ومبادرته، وكان سيحدث اعلان موقف واضح لو عرضت المداورة وشمولها لوزارة المال فقط لو كلف الرئيس الحريري نفسه عناء قول ما كتبه في تغريدته أمس، بالصورة التي جعل منها ألفباء بناء الدولة. وكان الحريري وامانويل ماكرون سيسمعان دعوة صريحة لتطبيق المادة 95 التي لا تنص على عدم تخصيص وزارة لطائفة كما فعلت في دعوتها الصريحة لعدم تخصيص وظيفة لطائفة، وبقيت الوزارات والرئاسات مستثناة من نص صريح بعدم التخصيص كإجازة لعرف التخصيص، ضمن مفهوم النص الذي يتحدث صراحة عن حكومة التمثيل العادل للطوائف، وهو جوهر ما يقوم عليه مطلب التوقيع الثالث، حيث العدالة بين الطوائف الثلاث الكبرى تستدعي توقيعاً موازياً على القرارات لتوقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة الممثلين لمكونين طائفيين رئيسيين يوازي كل منهما موقع المكون الطائفي الذي يطالب بحق التوقيع الثالث الذي تضمنه وزارة المال. وكانت حصيلة النقاش ستضمن إما تفاهماً على المبادرة أو عدم الوقوع في فخاخ كالتي نشأت عن السياسات السرية للحريري.

ظهر كل شيء من السر إلى العلن وظهرت طموحات الحزب الجديد بالتحوّل الى حزب شمولي حاكم وتوهم مكتبه السياسي الرباعي بأن موازين القوى التي صنعتها مخاوف الانهيار من جهة والخشية من العقوبات من جهة مقابلة، ستتيحان انتزاع الحكم الشمولي للبلد بلون طائفي سياسي أحادي يتزين بديكورات من سائر الطوائف يشارك الفرنسيون في اختيار صنفهم المسيحي، ويحتكر الحزب الحاكم الشمولي الصنف المسلم. وظهر عجز وقصور حسابات هذا المكتب السياسي الذي يعوزه الاحتراف وتنقصه الصدقية، وتعرض البلد لمأزق. فالفرنسي أوضح للجميع أن مبادرته محايدة تجاه طرح المداورة، التي يتبناها الحزب الجديد. وبدأ مبادرة لتقريب وجهات النظر حول المشهد الحكومي وفقاً لمبادرته، وقطع في الليلة الأولى خطوة عنوانها الموافقة على طلب ثنائي حركة أمل وحزب الله بحق المكوّن الذي يمثلانه بالتوقيع الثالث. وشغل محركاته لتعويض ما مضى وإنجاز المهمة التي منحت خمسة عشر يوماً تم إهدارها عمداً واستهتاراً بالآخرين، في غضون ثلاثة أيام لحسم آلية تسمية وزير المالية، بين الثنائي والحزب الجديد، وحسم سائر البنود الحكومية، إذا ذللت عقدة تسمية وزير المال، بحيث صار واضحاً أن المبادرة بدأت العدّ من اليوم لمهلتها الفعلية للنجاح.

حزب رؤساء الحكومات

من الثابت أن الموقع السابق للرئيس فؤاد السنيورة كرئيس لكتلة المستقبل النيابية قد تم تعويضه باختراع وتفعيل نادي رؤساء الحكومات السابقين كمنصة سياسية مستجدة يجري تحويلها تدريجاً الى حزب سياسي طائفي يتولى فرض عرف جديد ينيط به حقاً حصرياً بتسمية الرؤساء الذي يكلفون بتشكيل الحكومات والوصاية عليهم في عملية تأليف الحكومة بصورة تناقض استقلال موقع رئاسة الحكومة وتسقط عن الاستشارات النيابية صفتها الحرة وصولاً لمنح هذا الحزب دوراً في تشكيل الحزب الحاكم عبر بدعة جديدة عنوانها أن الرئيس المكلف الذي يسمّيه الحزب الجديد يقدم تشكيلة يعدها هذا الحزب بصورة سرية ومنفردة ودون شراكة اي من المكونات والكتل وتفرض على الجميع تحت شعار اقبلوها أو ارفضوها وتحملوا تعبات غياب حكومة تحظى بدعم مكوّن طائفي ينتمي إليه رئيس الحكومة.

المعركة التي فتحها الحزب الجديد الذي يتطلع ليصير الحزب الحاكم في بلد متعدد الطوائف لا يمكن ان يتولى حكمه حزب لون طائفي واحد، خارج أعراف الشراكة وخارج الصلاحيات الرئاسية التي تمنح النواب والكتل النيابية صلاحية تسمية حرة لرئيس الحكومة وتمنحهم حق مشاركته في ترتيب شكل الحكومة وتركيبتها وتمنح رئيس الجمهورية دور الشريك الكامل في عملية التأليف.

الواضح أن الحزب الجديد الذي يسلمه الرئيس السابق سعد الحريري دور المرجعية التي منحت له لمرة واحدة في اقتراح اسم رئيس الحكومة، ليحاول جعل التسمية عرفاً دائماً لحزبه الجديد ومعها عرف حق تشكيل الحكومة ومن خلالها حكم البلد، هو حزب أميركي سعودي شكل ابتداعه ضمانة طلبت من الحريري كشرط لإعادة تعويمه وقبول أوراق اعتماده من الحلف الأميركي السعودي الذي يثق بالسنيورة أكثر من الحريري منذ أيام الريتز واحتجاز الحريري.

مسار المواجهة حول وزارة المال سيقرر مصير المحاولة المبتكرة لاستيلاد أول محاولة لحكم الحزب الواحد للبنان وعلى اساس الأحادية الطائفية.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل [2]: عن تجربة خالية من المراجعة والمحاسبة الذاتية

الشيخ ماهر حمود

الثلاثاء 1 أيلول 2020

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل [2]: عن تجربة خالية من المراجعة والمحاسبة الذاتية
(هيثم الموسوي)

سادساً: صلاحيات رئيس الجمهورية

أما عن صلاحيات رئيس الجمهورية، فقد كان من حقّك في لحظة تاريخية، سواء كان الاتفاق الثلاثي أو غيره، ألّا تسجل على نفسك أنك قرّرت طواعية تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة والتي كانت أشبه بصلاحيات رئيس في نظام رئاسي، ولكننا نظام برلماني يفوز فيه الرئيس بفارق صوت واحد، ومع ذلك يتمتع بصلاحيات الملك. ولكن الواقع يقول إن واحداً فقط قبل «الطائف» كان يستحق هذه الصلاحيات، هو بالتأكيد الرئيس فؤاد شهاب، وواحد فقط بعد «الطائف» يستحق هذه الصلاحيات هو الرئيس إميل لحود، عدا ذلك لقد أساء جميع الرؤساء هذه الأمانة وأعطوا صورة بشعة عن الرئيس الماروني، بمن فيهم بطل الاستقلال بشارة الخوري، فكان لا بدّ من هذا التغيير. حصل هذا التغيير بعد التدمير الذاتي الذي مارسته أكبر قوتين مسيحيتين (بين التحرير والإلغاء ثم دمرت الأخرى بظرف تاريخي يستحيل أن يتكرر)، والله أعلم، ولكن كان لا بد من هذا الأمر. صحيح أنّ الوضع، الآن، ليس أفضل وأصبح كل وزير وكأنه رئيس، كما أننا لا نأمن أن تكون سطوة رئيس الوزراء فوقية، فيمرر ما يشاء بالمال أو بالتخويف أو بأي سلطة أخرى، ولكن بعيداً من كل القوانين يبقى الأصل هو الإنسان: هل نضمن أن يتسلّم المقاليد الإنسان المستقيم؟ عندما نضمن أن المسؤول مستقيم نسلمه كل الصلاحيات. ولكن تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية كان خطوة ضرورية للإصلاح، بعد التجارب الأليمة التي مر بها لبنان، وتبقى خطوة ناقصة إذا لم تدعّم بإجراءات معينة ترفع مستوى المصلحة الوطنية على كل المصالح الفئوية والطائفية والمذهبية.

سابعاً: الاتفاق الثلاثي

بالتأكيد، لم يكن الاتفاق الثلاثي مؤهّلاً لأن يحلّ المشكلة البنانية، ولم يكن الوضع ناضجاً أصلاً، وهو لم ينضج إلا بعد «التحرير» و«الإلغاء»، كما ذكرنا، ولكن كانت فرصة اهتبلها عبد الحليم خدام عندما رأى أن قائد ميليشيا متطرفاً يوافق على الورقة التي وصلته من إيلي حبيقة، بعد اتصالات غير مباشرة اطلع عليها نبيه بري ووليد جنبلاط… من دون توقيع، فقال: هل تدريان من أين هذه الورقة، قالا: من أحد القادة «الوطنيين»، قال: بل من فلان، فتفاجآ، وهكذا بدأ الموضوع… من حقه وحق القيادة السورية أن يحاولا اغتنام هذه الفرصة النادرة، وكانت محاولة من المحاولات التي تذكر بمسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، حيث صوّروا لنا أنّ الطبيب المعالج يتّصل من الخارج ويصف علاجاً فيفشل ثم يجرب غيره… أصبح اللبنانيون حقل تجارب، والحقيقة أنني التقيته أيضاً بعد سقوط الاتفاق الثلاثي مباشرة، فكان محبَطاً يسأل عن الأحاديث النبوية التي يظنّ أنها تصف الفتنة في جبل لبنان، فقال له من معي: مدّة الحرب اللبنانية حسب قناعتي (وكان من معي يؤمن كثيراً بهذا الجانب من الأحاديث النبوية)، اثنا عشر عاماً، فتفاءل بهذا، باعتبار أن الحرب قد مرّ عليها أحد عشر عاماً… عندما يعتمد سياسي كبير على ما يشبه «التنجيم»، فهذا يدلّ على مدى المغامرة التي كان يخوضها، ولكن السؤال: هل كان هناك أي احتمال لأي حلّ آخر؟ في النهاية، كانت محاولة جريئة أضيفت إليها حوارات ولقاءات وتجارب كثيرة حتى كان اتفاق «الطائف».

ثامناً: مرسوم التجنيس

أما عن مرسوم التجنيس، فلا وألف لا يا فخامة الرئيس، لقد تضمّن أخطاء لا شك ولا ريب، ولكن هناك أصحاب حق باليقين والدليل والبرهان ــــــ أهالي وادي خالد ــــــ أبناء القرى السبع كثير من مكتومي القيد بغير سبب، ولا يجوز أبداً أن نرى الأخطاء من دون أن نرى أصحاب الحقوق، ولا يزال يدوّي في ذهني ذلك العنوان في جريدة متواضعة كنّا نساهم في إصدارها في أوائل السبعينات «في وادي خالد: الدولة تجنّس البقر ولا تعترف بالبشر». نعم لقد جاء موظفو وزارة الزراعة، عام 1974، إلى وادي خالد لإحصاء الثروة الحيوانية اللبنانية، وأهالي الوادي لا يملكون إلا جنسية قيد الدرس. وهنا، أذكر ما يشبه النكتة من مقرّرات «سيدة البير»، أوائل الحرب اللبنانية: عتب على المسلمين لماذا يكثرون النسل، هذا مخالف للتطوّر البشري وما إلى ذلك، (أنقل ذلك من الذاكرة وليس من الوثائق). وعلى كل حال، العامل الديموغرافي فعل فعله، والهرم السكاني اختلف كثيراً عن عام 1943، فهل يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعالم يتغيّر؟ هل نغيّر عقول الناس أو نقطع ألسنتهم خوفاً على الخصوصية المارونية؟ ألا يكفي أنّ كلّ القوى التي تمثّل المسلمين على تنوّعها مقرّة ومصرّة على المناصفة؟ العالم يتغيّر، ألم يصبح الزعيم المسلم القوي في فترة من الفترات، أقرب إلى الأم الحنون من كلّ المسيحيين؟ والحديث يطول! ولكن قانون التجنيس في الغالبية العظمى حقّ راسخ لا مراء فيه ولا يجوز أن يكون موضع مزايدة.

تاسعاً: مسؤولية الفلسطينيين!

لا ينبغي تحميل الفلسطينيين مسؤولية أكبر بكثير ممّا يتحملون. نعم لهم أخطاؤهم الكثيرة الناتجة عن أوضاعهم المعقّدة، ولكن اختصار أسباب الحرب اللبنانية تقريباً بالمقاومة الفلسطينية تزوير حقيقي للتاريخ، ألم تذكر قول بن غوريون عام 1954: إننا نحتاج إلى ضابط لبناني لنقيم دولة مسيحية في الجنوب بحسب تعبيره؟ يعني المخطّط الإسرائيلي موجود قبل المقاومة الفلسطينية بوقت طويل، وهنا سؤال أتمنى أن يكون الجواب عليه للجميع وليس لي فقط، ذكر ألان مينارغ، الكاتب الفرنسي المميّز، في كتابه «أسرار حرب لبنان»، أنّ الشيخ بيار الجميل المؤسّس، طلب من إسرائيل مبلغ عشرة آلاف دولار لدعمه في حملته الانتخابية عام 1951، فأرسلت له إسرائيل ثلاثة آلاف. إن كان هذا صحيحاً، ومينارغ يوثّق كتاباته بالأدلّة الدامغة، فمعنى ذلك أنّ الانحراف المتمثل بالعلاقة مع إسرائيل بدأ مبكراً، حيث لم يكن هنالك وقتها خوف من القومية العربية، ولا من شعارات عبد الناصر، ولا من الوحدة العربية، ولم يكن هنالك مقاومة فلسطينية، ولم تكن فكرة الوطن البديل والتوطين موجودة. فكيف نحصر أسباب الحرب اللبنانية بالفلسطينيين وهناك من لا يرى إسرائيل عدواً، والمعلومات نفسها ذكرها الكاتب الإسرائيلي المعروف رؤوفين آرليخ، في كتابه «المتاهة اللبنانية» مع تغيّر في الأرقام، ومع تفاصيل أكثر بكثير.

كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط؟


هذا فضلاً عن الكثير ممّا ذكره الكاتبان المذكوران، وغيرهما، بأدلة ووثائق، عن علاقة «الكتائب» ولقاءاتها المتعدّدة مع الإسرائيليين، ابتداءً من عام 1947 وصولاً إلى الحرب اللبنانية مع محطّات متعدّدة، فضلاً عن علاقة الكنيسة المارونية مع الصهيونية… ومنها، أن الدبلوماسي الصهيوني إلياهو إيلات، قام بزيارة البطريرك عريضة بعد تنصيبه (ونسج معه علاقات وطيدة).
كما ذكر أنه في 30 أيار 1946 بعد النكبة مباشرة، تمّ توقيع اتفاق بين الوكالة اليهودية والكنيسة المارونية للاعتراف بمطالب «الشعب» اليهودي في فلسطين، مقابل دعم إقامة دولة مسيحية في لبنان، إلخ، والكتاب مليء بالوثائق والأدلّة والتفاصيل المفجعة. كذلك، هالني على سبيل المثال لا الحصر، يوم السبت 25 تموز 2020، على شاشة الـ«إم تي في» مع دنيز رحمة، قول وزير «الكتائب» السابق سجعان قزي: «بدأنا بالمقاومة عام 1975 وقالوا لنا تصمدون أشهراً، فصمدنا سنوات وانتصرنا عام 1982». من الذي انتصر؟ الاجتياح والدماء والقتل الصهيوني انتصار لـ«الكتائب» وللمقاومة اللبنانية كما تسمّونها؟ هل هذه فلتة لسان تكشف مكنونات النفس (كما يقول علم النفس) أم خطيئة ينبغي تصحيحها؟ أفِدنا يا فخامة الرئيس.

عاشراً: وثيقة مار مخايل

كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006، وهي من أهم التحوّلات في التاريخ اللبناني الحديث، بل في تاريخ المنطقة حيث أصبحت أكبر قوة مسيحية مارونية في لبنان، الداعم الرئيسي للمقاومة الإسلامية التي تواجه إسرائيل بالنيابة عن العالم الإسلامي كلّه، بل عن الأحرار في العالم كلّه. لقد جعلتَ كلمة رئيس ليتوانيا لاند سبيرجس، عنواناً في الكتاب «العالم يتغيّر كل يوم»، عنواناً لطيفاً لنصيحة مميّزة أسداك إياها الرئيس المغمور في البلد المغمور. نعم العالم يتغيّر، لقد كانت هذه الوثيقة علامة فارقة رعت المقاومة على الأقل عشر سنوات من توقيعها، إلى انتخاب الرئيس عون في 31 تشرين الأول 2016 بعد التسوية الرئاسية. أقول من خلال هذه السنوات العشر، وليس بعد ذلك، لأن الأمور تغيّرت نسبياً بالممارسات المنسوبة إلى جبران باسيل، والتي غطّاها الرئيس عون بشكل كامل للأسف الشديد، أما قبل ذلك فقد كانت هذه الوثيقة داعماً لأهم انتصارات لبنان، إثر عدوان تموز 2006، فكانت تحمي السلم الأهلي وتفتح آفاقاً للمستقبل، ولا تزال بالتأكيد مع بعض الفوارق. ولقد كتبتُ مرة في «النهار» على ما أذكر، أنّ تاريخ 6 شباط 2006، قد يكون للبنان من التواريخ المشهورة منذ 1860 إلى 1920 إلى 1943 إلى 1975 إلى 1982. كان تاريخاً مميّزاً وحدثاً مشرّفاً، كيف يمكن أن تغفل مذكراتك مثل هذا الحدث التاريخي؟ وما هو رأيك في الموضوع؟ لقد استمعنا إلى ملاحظاتك عن العماد عون في محطّات عدّة، وهذا من حقّك ولكن كيف لا يُذكر مثل هذا الحدث الذي أثّر على لبنان إيجابياً في مرحلة دقيقة وحرجة. وقد تزداد قيمة هذه الوثيقة، عندما نقرأ تاريخ العماد عون، وعلاقته ببشير الجميل، والثقة العميقة التي كان يتمتّع بها من الأطراف المسيحية كافة وعلى مساحة المراحل كافة.

أما ما نتج من هذا الاتفاق من تعطيل وجمود سياسي لفترة طويلة، فهو مؤذٍ من دون شك، ولكن الأشد منه أذى هو ما كان سيحصل من دون هذا الاتفاق ومفاعيله. ولا يجوز أن ننسى بأي حال، أنّ هذا الاتفاق كان يهدف إلى ما كان يطلبه المسيحيون جميعاً: أن يكون رئيس الجمهورية هو الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، كما يفترض ذلك في رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة! فلا ينبغي أن يتم القفز عن هذه الفكرة الرئيسية.

أحد عشر: عين الرمانة

أعترف لفخامتك أن الاعتداء على المصلّين في عين الرمانة، قبل حادثة إطلاق الرصاص على الباص، لم يكن في ذهني ولا أذكره، وبالتالي كأنّك تبرِّر للذين أطلقوا النار على الباص بأنّهم قاموا بذلك كردّة فعل. لم يصل الأمر إلى حدّ التبرير الكامل، ولكن قارب ذلك، وهكذا كلّ شيء تقريباً، فقبل مجزرة الدامور 1976، المستنكَرة والبشعة والمؤلمة، كان هناك من يقطع طريق صيدا بيروت ويقتل على الهوية. حصل هذا تكراراً، وكان ما حصل في الدامور ردّة فعل (غير مبرّرة على الإطلاق)، والأفضل أن نضع في أذهاننا دائماً أنّ الاختراق الصهيوني موجود عند الجميع، وقد ثبت ذلك بالدليل والبرهان ولا أستبعد أبداً أن يكون الذين أشعلوا الفتائل هنا وهناك كانوا جميعاً من العملاء الصهاينة، الذين عملوا بدقة واحتراف لإيصالنا إلى ما نحن عليه. وهنا يُطرح سؤال: وكأنّك تعلم تماماً مَن الذين أطلقوا النار على الباص؟ ألم يحن الوقت للكشف عن أسمائهم، أو عن الجهة التي أمرتهم بذلك؟ لأنّك أشعرتنا بالحرج بسبب اتهام الكتائب (البريئة) من هذا العمل الشنيع. أليس من تمام الأمر إعطاء الصورة الكاملة خاصة وما ترمز إليه حادثة الباص كمنطلق للحرب اللبنانية؟ وبعد مرور هذا الوقت الطويل؟

ثاني عشر: العلاقة مع القادة الفلسطينيين

المقاومة الفلسطينية أخطأت كثيراً، ولكن في الوقت نفسه تحمل قضيّة مقدّسة. ويظهر تناقض واضح بين تحميلك الفلسطينيين مسؤولية خراب البلد، فيما هم كانوا في تل الزعتر حيث شاركت كما كتبت صاحب الفخامة. كانوا مستضعفين محاصَرين مظلومين، وكذلك في محطات أخرى، والسؤال: كيف ينسجم تحميلك الفلسطينيين هذه المسؤولية الكبرى، في الوقت الذي تفخر فيه بعلاقتك بالشهيد ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو إياد وغيرهما؟ وهل العناصر والجنود مسؤولون عن الدمار والقادة مبرّؤون من المسؤولية؟ أم أنّ في الموضوع أموراً أخرى؟

ثالث عشر: الاستعراض

لقد كنتُ دائماً كمراقب، أتّهم شخصك الكريم بالاستعراض، يعني كأنّك تهتم بالصورة والشكل أكثر بكثير من اهتمامك بالمضمون، ولا بدّ أن نعترف أنك كنت في أكثر الأحيان توفّق بالشكل، ولكن يكون المضمون هباء، وهذا ينطبق على خطابك في ثكنة هنري شهاب في عيد الاستقلال، وعلى خطابك في الملعب البلدي في الطريق الجديدة، وعلى أكثر لقاءاتك وزياراتك، خاصّة المفاجئة منها واللطيفة، وعلى الاهتمام بالصغيرة ريميه بندلي وأغنيتها الجميلة «اعطونا الطفولة»، أو ذهابك وأنت تقود السيارة الشخصية لحضور الفيلم العالمي «غاندي»، أو توزيعك «سبحات» جميلة وثمينة على المسؤولين المسلمين كهدية، واللائحة تطول. وأظنّ أنّ الاهتمام بالشكل كان على حساب المضمون، لذلك والله أعلم فاتت فرص كثيرة كان يمكن الاستفادة منها. هذا أمر في تركيبة الشخص، ولكن يمكن تلافي الأمر بقرار حاسم يُلزم الإنسان نفسه ويغيّر حتّى من شخصه.
ولا بدّ من ملاحظات سريعة:

1

ــ تصوير المسلمين وسائر أنصار المقاومة الفلسطينية، على أنهم يناصرونها خوفاً فقط، افتئات على الحقيقة. كذلك، تصوير السياسيين اللبنانيين المسلمين الموالين للسياسة السورية، بأنّهم يفعلون ذلك خوفاً فقط، فيه مبالغة كبيرة، فإن كثيراً منهم اقتنعوا بالسياسة السورية فساروا بها طوعاً لا خوفاً، وأرجو ألا أُفهم خطأً عندما أذكر بيت الشعر للمتنبي: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتريه من توهم

1

ــ اتهام الجيش اللبناني باغتيال معروف سعد، لا ينبغي أن يكون مجرّد اتهام. إنّ الذي أطلق الرصاص جندي في الجيش اللبناني اسمه معروف، والسؤال: هل كان بأمر من قيادته أم لا؟ هنا المعضلة التي لم تُكشف: أخبرني هنا الرئيس ميشال عون في منزله في الرابية، عام 2007، أنه كان وقتها قائداً للجيش في الجنوب، وكان منزله في بيوت الضبّاط في صيدا، وأنّه تعاون مع التحقيق وأرسل كلّ من طُلب إلى التحقيق، ولا نعلم بقية التفاصيل التي ذهبت أدراج الرياح، وكانت جزءاً من المخطّطات التي أشعلت الحرب اللبنانية.

2

ــ صورة فخامتك مع رشيد الصلح، وأنت تمسكه من الخلف وتجرّه بحجّة أنه يجب أن يسمع تعليق «الكتائب»، لم تكن أمراً موفَّقاً ولا يمكن أن تضعه في سجل حسناتك وإنجازاتك. كان يمكن إسماعه رد «الكتائب» من دون هذه الوقفة الاستعراضية المؤذية للمشهد السياسي.

3

ــ أيضاً إغفال مجزرة إهدن أمر ليس مقبولاً.

4

ــ لم يكن الدخول السوري إلى لبنان بطلب من «الكتائب» ولا من فرنجية، كيف؟ ما هي الحقيقة وما هي الوثائق؟
5

ــ سررت بذكرك لوظيفتك المتواضعة في مجلس المشاريع الكبرى التي كانت السبب في تعرّفك إلى مناطق لا تعرفها من لبنان.

6

ــ عندما تكثر الحديث عن تجاوز الإرادة اللبنانية: قرارات تؤخذ من دون استشارة اللبنانيين كاتّفاق «مورفي ــــــ الأسد»، أو الدخول السوري إلى بيروت في شباط 1987، أو غير ذلك، أليس في ذلك مبالغة؟ يجب الاعتراف بأنّ السبب هو الخلافات اللبنانية الحادّة، بل الانقسامات، وأنّ فخامتك في تلك الفترة، كنت لا تمثل أحداً في لبنان تقريباً، المسيحيون رفضوا دورك وقراراتك، والمسلمون كذلك على حدّ سواء، ومؤسّسات الدولة منهارة، من يُستشار وكيف ولأيّ سبب. كانت تلك المرحلة كأنّها مرحلة انعدام الوزن، والسبب الرئيس هو التردّد في شخصيّتكم الكريمة وعدم الوضوح، والتناقض بين ما يقال في الاجتماعات وما يمارَس في الواقع، كما يقول كلّ من تعامل معك من السياسيين، سواء كانوا مؤيّدين أو معارضين.

7

ــ حذّرت كثيراً من غدر الأميركيين وتخلّيهم عن أصدقائهم، واستشهدت بفرح ديبا ونيكسون وغيرهما، ولكن ذلك لم يظهر في سياستك وقراراتك، فظللت تعتمد عليهم وتثق بهم في الظاهر على الأقل. ولقد ذهبت مباشرة بعد خروجك من بيروت إلى هارفرد وغيرها من جامعات أميركا… وكأنك تقول مع الشاعر: «وداوني بالتي كانت هي الداء». ولن يلخِّص السياسة الأميركية في لبنان تجاه المسيحيين أفضل من هنري كيسنجر، حين قال للرئيس سليمان فرنجية: «هذه البواخر تنتظركم، تذهبون جميعاً إلى أميركا وتعيشون هناك أفضل حياة»، هكذا بكل بساطة.

8

ــ سررت بذكرك تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، التي برّأتك من تهمة الحصول على عمولة من صفقة طائرات «البوما»، والحق أنّ هذا الأمر ليس مشهوراً، وكان ينبغي أن يكون إعلانه أكثر شهرة. هذا مع العلم أنّ مثل هذه «البراءة»، يمكن أن تكون جزءاً من صفقة أو تسوية سياسية، فأنت تعلم تماماً أن الجمهور فقد الثقة بكل ما هو رسمي تقريباً، حتى لو كان الذي أعلن هذه البراءة، صاحب الوجه البشوش والصيت الحسن الرئيس إيلي الفرزلي حفظه المولى.
وللأسف أقول، تحتاج فخامتك إلى جهد أكبر لإقناع الرأي العام أنّك مبرّأ من كل التهم المالية المنسوبة إليك، من المشاركة الإجبارية لبعض المشاريع في المتن، إلى كثير من الاتهامات التي لا تعتبر «البوما» أهمّها. نتمنى أن يحصل ذلك للتاريخ.


9

ــ سؤال يطرحه الجميع: لقد نُفّذت أحكام إعدام متعدّدة في عهدك، أذكر منها إبراهيم طراف الذي قطّع ضحيّتَيه إرباً، ورماهما في حديقة الصنائع، وغيره، لماذا لم يتم إعدام حبيب الشرتوني، طالما أنّ التهمة قد ثبتت عليه؟ هل كان هناك ضغوط؟ هل كنتم تنتظرون أن يكشف عن معلومات أكثر؟ حقيقة يجب أن تُعلن، ولا يجوز فقط أن تذكر فخامتك على سبيل الإدانة، أنّ قوة من الجيش السوري ذهبت إلى رومية وأطلقت سراحه بعد 13 تشرين 1990 (هذا طبعاً بغض النظر عن رأينا بالموضوع، والذي لا شكّ يختلف تماماً؛ إنما هو تساؤل كبير ينتظر التوضيح من فخامتك).

10

ــ أبرزت فخامتك دورك في مقاطعة انتخابات 1992 كدور بطولي. هل كانت هذه المقاطعة فعلاً بطولة، أم كانت خطأ كبيراً تمّ تلافيه في انتخابات 1996؟

11

ــ ذكرتَ أنّ تبوُّء الرئيس ميشال عون منصب رئيس مؤقت للحكومة كان باختيارك، المشهور بالإعلام، والله أعلم، أنّ جعجع قام بإرغامك على هذه الخطوة التي كنت ترفضها، وكانت صورة وجهك تنبئ بمثل هذا، أين الحقيقة؟

12

ــ صدّرت الكتاب بكلمتك المشهورة: أعطونا سلاماً، وخذوا ما يدهش العالم، لقد رأيتك على الشاشة تستمع إلى كلام يوجّهه إليك جوزيف جريصاتي، فيذكر هذه الجملة امتداحاً لفخامتك، فعلقت مازحاً: «أنت الذي قلتها وليس أنا»، باعتباره كان يكتب الخطب لفخامتك. برأيي المتواضع لا بأس من ذكر هذه الملاحظة مثلاً: كلمتي هذه التي صاغها فلان وتبنيتها فأصبحت شعاراً للعهد، ولهذا الكتاب… من باب العرفان لمن كتبها ثم لمن أطلقها شعاراً؟

13

ــ لا شك أنني في هذه الصفحات لم أذكر كلّ شيء، ولم أعلّق على كل شيء، الجعبة مليئة بالذكريات والتعليقات والتفاصيل التي عشناها يوماً بيوم، وساعة بساعة، ولكن ما كتبناه قد يكون عنواناً للذي لم نستطِع كتابته خوفاً من الإطالة، أو من أمور أخرى… ولا بد أن ياتي يوم نؤرّخ فيه لهذا الوطن بلغة واحدة، إن شاء الله، على صعوبة هذا التمنّي، ولكن الله على كلّ شيء قدير.

خاتمة

أخشى فخامة الرئيس أن تكون النتيجة التي يخرج بها القارئ من هذه المذكّرات، هي اليأس من بناء لبنان من جديد، طالما أنّ فريقاً من اللبنانيين ينظر إلى إسرائيل كحليف دائم أو محتمل، وليس كعدو تاريخي وجودي كما ينظر الآخرون. ولا يبدو أنّ التجارب تدفع الفرقاء والذين أوغلوا في الأخطاء، إلى مراجعة حساباتهم وإجراء محاسبة ذاتية ومواجهة الجمهور اللبناني بنتيجة هذه المراجعات. ولكنّ اليأس لن يدخل إلى قلوب المخلصين، نستطيع مثلاً أن ننتقي من المشاهد المتناقضة، ما يدفعنا إلى الأمام كمن يرى النصف المليء من الكوب، فمثلاً بالنسبة إلى فخامتك: صورتان متناقضتان إحداهما تدعو إلى اليأس: كلامك الجازم على قناة «الجزيرة» أنّ إسرائيل هي الوحيدة التي كانت تدعم «صمود» المسيحيين في وجه الآخرين خلال الحرب اللبنانية… صورة مؤلمة. والصورة التي تدعو إلى التفاؤل، أي ردّة فعل فخامتك عند اغتيال ولدك البكر والوزير المميّز الواعد بيار الجميل، حيث دعوت إلى أن تكون تلك الليلة ليلة صلاة ودعاء بعيداً عن الانتقام والدماء. ثم ما لبثت أن قمت بزيارة لسماحة السيد حسن نصر الله، في تلك الفترة التي كان فيها الانقسام عامودياً حاداً.
سنبقى نبحث عن الأمل حتى يفرِّج الله تعالى عن هذا الوطن، وعلى هذا الأساس سيكون جوابنا على العنوان: نعم ستنفع الكتابة بإذن الله.

* الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة

 [1]

Between Malek, Shiha, Al-Rahi, and Macron? بين مالك وشيحا والراعي وماكرون؟

By Nasser Kandil

The Patriarch Bishara al-Rahi’s statement that Hizbullah accused him of agency and treachery is most regrettable. Everyone assures that any attempt to learn Hizbullah’s response to the Patriarch’s call for neutrality was met with “No comment.” In her refrain from declaring her opposing perspective to the Patriarch’s stance, Al Mukawama aimed at preventing an interpretation of its position through lenses of sectarian defensiveness, giving lurkers the opportunity of fanning flames, resulting in exchanges of volleys of accusations of agency and treachery.

The invitation is open for the Patriarch to rise above allegations of treachery against him from a Party and a Mukawama, which have a full awareness and appreciation of sensitivities in Lebanon, and who prioritize a diligence about not taking positions, in order to ensure communication respectful of honorifics, including the Bkirki Honorific, and to preserve national unity.

To say that an understanding exists between the Speaker of Parliament Nabih Berri and

Al-Sayyed Hassan Nasrullah, to refrain from comments on the Patriarch’s call for neutrality, personally or through their respective party platforms, would not be revealing a secret. In addition, they have both expressed their displeasure towards individual voices and religious, political, and publicity sites which went against their chosen direction.

In view of such diligence and approbation, they would have rightfully expected from Bkirki a reciprocal approach through an invitation for a discussion of her position with all the Lebanese entities, in an effort to promote agreement and harmony, before her declaration. What is occurring today instead, is that the Patriarch’s call transformed into a mudslinging campaign against Al Mukawama and her arms, unjustly relegating to her the responsibilities for and the dire consequences of the multitude of crises Lebanon has been facing.

This declaration provided an opportunity for its exploitation by those lying in wait, through a discourse insinuating that the injurious and demonizing campaign targeting Al Mukawama has gained a solid base through Bkirki’s leadership. The duo’s silence was the utmost they could offer amidst all that, as an expression of care and respect, awaiting reciprocity from the Bkirki Seat, to provide the opportunity for communication about disagreements behind closed doors.

The Patriarch’s call and his speech on the occasion of Lebanon’s Centennial is being presented as a reading about Lebanon’s future and a project for a new contract benefitting from past experiences and present dangers. He refers to a fear that what is meant by a new contract is an invitation to trilateral power sharing, i.e. power sharing on an almost equal basis between Christians, Shias, and Sunnis, rather than current power sharing divided equally between Muslims and Christians in Lebanon. Such expressed fear sounds strange in view of  Speaker Berri’s refusal decades ago of a trilateral power sharing proposal, and Hizbullah’s refusal of  more generous sectarian power-sharing offers as a trade-off for its power which constitutes a major security threat to the Israeli Occupation.

Both parties confirmed and continue to confirm their insistence on the preservation of the position and role of Christians in Lebanon and the region as a fundamental constituency in the Orient, independent of the actual number of Christians in it.  They have repeatedly emphasized the necessity of reassuring this constituent and ensuring all elements of stability for its continued existence. Their belief is that the Orient’s Christians confer an added value to the Orient, and the loss or weakening of this constituent will rob the Orient of its distinctive characteristics.

These two parties who are implied in the “trilateral” accusation have been clear in attaching to every call for the end of sectarianism, another call for a positive Christian partnership which is reassuring to them, on one hand, and provides existential reassurances for Christians, on the other. A discussion is needed among the Lebanese about a new contract on the basic principles held by the duo encapsulated in progress towards a democratic state, unfettered by the federalism of sectarian protectorates, and ensuring guarantees against the transformation of democracy into a tool in the hands of a sectarian majority, shaking the equilibrium between sects or posing an existential threat to them.

The passage of one hundred years on the establishment of the political Lebanon, in the shade of which we stand today, makes it worthwhile to go back to the writings of two great Lebanese Christian thinkers who have had a strong influence on the conceptualization of Lebanon as an entity, and of Lebanese nationalism, and with whom every Christian political speaker affiliates or aligns his or her position with what had been attributed to them. The reference, of course, is to Charles Malek and Michel Chiha, who have drawn the picture for the Lebanese entity and the principles for its political and economic growth, and unequivocally warned of what they considered to be an imminent threat to its being, namely the earth shaking event of the creation of the Occupation State in 1948.

Both Malek and Chiha were terrified for the fate of the Lebanese entity, and called for the Lebanese to be vigilant about a future in an environment of increasing difficulties. They agreed, each from his own perspective, about the dangers associated with that cataclysmic event which made Lebanon a constant target for Zionist expansion, and at risk of structural damage to the culture of coexistence on which it is based. They agreed that this event created nurturing climates for religious prejudices and extremism, which in turn were expected to launch eras of threat to peace between the Lebanese, and geographic locations posing such threats, in the form of consecutive waves.

They stated that the Jewish State, which they described as racist and reliant on the potency of money and power, will constitute an existential threat to a Lebanon weak and helpless by comparison.  They believed that the newly formed entity will pump waves of Palestinian refugees, and as their hopes of return to their homeland became increasingly out of reach, would place at risk the sectarian equilibrium in Lebanon.

Charles Malek, from his position in the United Nations, sent a report in 1949 to Lebanon’s President and Prime Minister in which he went further, pointing out the approach of a Jewish epoch to the area, that Palestine was the mirror for conditions in the Middle East, that the scant influence of the Arabs will result in an increasing “Jewish” influence, and warned against betting on international positions because the West, headed by the Americans, will side with the “Jews.” He stated: “ In every principal conflict between Israeli and Arab interests, America will support  Israeli interests.  I warn strongly against falling blindly into the trap of seductive American construction projects before their full scrutiny and the scrutiny of Jewish connections to them.”  He proposed a countermeasure based on the building up of Arab armies, an Arab renaissance, and a liberation movement led by Lebanon and Syria. He wagered on a role supportive to the Palestinian cause, and aid to Lebanon and the area in the face of the “Jewish” threat, by the Worldwide Catholic Church, led by the Christian Church in the Orient, with Lebanon being its more important base.

Both Malek and Chiha believed, in the first place, that the triad of threats, expansionist, structural, and economic, posed by the Occupation, along with the Palestinian refugee issue, should form an axis for Lebanese policies internally, at the Arab level, and internationally.  Secondly, they pointed to the losing bet on the effectiveness of international interventions without possession of a considerable interest potential and adequate power to enable participation in the big equations, implying that begging for protection from a position of weakness will inevitably result in disappointment. Thirdly, they bet on the leading role of the Church in escalating and reinforcing power resources internally, and moving outward from that position of political, economic, and military strength, to rouse the Worldwide Church, in the hopes of creating a balance protective of Lebanon.  Can anyone say today that the threats no longer exist, or that the effectiveness of the Arab position has increased, or that the laws governing the movement in international relations have changed?

Al Mukawama, capable and competent, liberated and deterred, and became a source of anxiety for the Occupation in regard to its security and existence.  She became one of the manifestations of what Chiha and Malek asked of the Lebanese.  Sage and prudent,

Al Mukawama is the missing link which Bkirki should feel happy to meet halfway, for a complementarity in roles, translated into what should be done for Lebanon’s protection, with differentiation and variation lending strength to positions rather than being problematic. What has come forth instead from Bkirki’s positions only weakens power sources, aborts opportunities for complementarity between politics and power, and whets the appetite of those in wait for the possibility of weakening or isolating Al Mukawama. It fails to attempt seeking guarantees for Lebanon and the Lebanese using the pacification of Al Mukawama as leverage.

The neutrality initiative, even in its “active” form, fails to tell how it will solve the refugee issue in a time of Arab abandonment; how it will protect Lebanon’s economic role in the era of “normalization;” how it will protect Lebanon from the threat of aggression in the times of disintegration of Arab armies; and who will benefit from the weakening of Al Mukawama and from targeting her morale and reputation except lurking Takfeeri Extremism, lying in wait for Lebanon, the Orient, Christians, along with all the other constituents in the area?

Renewal of the Greater Lebanon starts with a dialogue between the Lebanese to form  understandings which address points of defect and invest in power sources.  Bkirki is the first invitee to openness towards Al Mukawama and investment in her sources of power, after Bkirki has clearly seen France coming to acknowledge Al Mukawama as a reality unsusceptible to marginalization or weakening. In making such acknowledgement, France was speaking for herself and on behalf of her allies, whom Bkirki considers as friends and fears Lebanon’s loss of their support.

The French movement confirms that the attention of those friends to Lebanon and lending their aid has come only as a result of the Al Mukawama raising their anxiety about “Israel’s” security and existence. Any reassurance to decrease such anxiety embedded in the  calls for neutrality will only mean that such attention will shift, and any helping hand will be withdrawn and washed from anything related to Lebanon. Perhaps this is the most prominent conclusion Chiha and Malek came to 70 years ago.

بين مالك وشيحا والراعي وماكرون؟

ناصر قنديل

ثوابت يجب عدم نسيانها وأوهام ممنوع السماح بمرورها وتغلغلها في نفوس الناس وعقولهم في النظر للحركة الفرنسيّة التي يقودها الرئيس امانويل ماكرون، حيث يتمّ تمرير كل شيء تحت ضغط الكارثة التي يعيشها اللبنانيون، أولها التوهّم أن فرنسا أم حنون جاءت لتساعد وتسهم في رفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين، وثانيها أن إدراك أن السياسة باعتبارها لغة مصالح لا يعني الرفض المطلق لسياسات الآخرين ومصالحهم إذا لم تتعارض مع سياساتنا ومصالحنا، وثالثها أن ما لا يتعارض مع سياساتنا ومصالحنا ويؤسس لنقاط تقاطع لا تجوز إدارته بتساهل واسترخاء لأن المصالح تتراكم وتتغيّر والأطماع لا يردعها إلا حضور الحذر واستحضار القدرة وتحصين القوة. والمشهد اللبناني المقزّز في درجة التهافت أمام الرئيس الفرنسي، وتغيّر المواقف وتبدل الثوابت وتقديم أوراق الاعتماد، أظهر خصال انحطاط ليست حكراً على ما يحلو للبعض وصفه بطبقة سياسية فاسدة، فقد نخر سوس التهافت والانحطاط، صفوف الذين سمّوا أنفسهم ثواراً، والذين قدّموا أنفسهم بدائل، والنخب والكتاب والفنانين، ومن له مصلحة ومن ليس له مصلحة، إلا قلة رفيعة الشأن كبيرة النفس شامخة الأنف، لا عارضت علناً وقدمت الولاء سراً، ولا قاطعت، ولا سوّقت، ولا تهافتت، حالها كحال فيروز التي بقيت تشبه أرز لبنان يحتاجها ماكرون ولا تحتاجه، وتقاطع المصالح يعني لها النديّة، وليس الذل والاسترهان، ولا الزحف والبكاء، والبكاء السياسي والإعلامي، ليس بكاء وجع الناس المفهوم، وبقيت هذه القلة تحفظ سرّ المقام والدور والمسؤوليّة، فشارك بعضها بجدية ومسؤولية واحترام وندية، ولكنه لم يمنع نفسه من متعة التفرج على “الزحفطة” السياسية والإعلامية والاقتصادية و”الثورية” و”المدنية” وغير المدنية”، ولم يكن بعضها موجوداً فتابع عن بُعد وهو يجمع السخرية والألم من درجة هبوط وانحطاط مشهد، هو بالنهاية مشهد وطن لا يفرح محبّوه برؤيته على هذه الحال.

توضح زيارة امانويل ماكرون للعراق وتصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أن الحركة الفرنسيّة محميّة أميركياً، ولا تحظى فقط بالتغطية، بل هي جزء من سياسة أميركية بالوكالة، حيث تحتفظ واشنطن بالخطاب الدعائي ضد إيران والمقاومة، وتتولى فرنسا تبريد جبهات المشرق الملتهبة، بينما تتفرّغ واشنطن لتزخيم حفلات التطبيع العربي “الإسرائيلي” في الخليج، فماكرون المتحمّس لمرفأ بيروت بدا متحمساً لمشروع مترو بغداد، بينما كان الأردن والعراق ومصر يبشرون بمشروع “الشام الجديد” الذي يلاقي نتائج التطبيع الإماراتيّ الإسرائيليّ، بربط العراق عبر الأردن الذي يقيم معاهدة سلام مع كيان الاحتلال، بمرفأ حيفا، أسوة بالإمارات، في زمن خروج مرفأ بيروت من الخدمة، ولا يُخفى أن المشروع الذي قام أصلاً وفقاً لدراسة للبنك الدولي على ضم سورية ولبنان وفلسطين على المشروع قد اعتبر تركيا جزءاً منه، وقد أسقطت سورية ولبنان وفلسطين، واستبعدت تركيا حكماً، وفي زمن التغوّل التركي ورعاية أنقرة للإرهاب وتطبيعها مع الكيان لا اسف على الاستبعاد، وبمثل ما رحبت بالشام الجديد واشنطن وتل أبيب، هرول الرئيس الفرنسي مرحباً باستبعاد تركيا، على قاعدة تناغم مصري فرنسي سيظهر أكثر وأكثر، من ليبيا إلى لبنان، وصولاً للعراق، بحيث تقوم فرنسا بالإمساك بلبنان عن السقوط و”خربطة الحسابات” بانتظار، تبلور المشروع الذي يريد ضم سورية ولبنان معاً في فترة لاحقة، بعد إضعاف قدرتهما التفاوضيّة وعزلهما عن العراق، والمقصود بالقدرة التفاوضيّة حكماً قوى المقاومة وتهديدها لأمن الكيان، وهذا هو معنى التذكير الأميركي بأن المشكلة هي في حزب الله وصواريخه الدقيقة، كما يؤكد بومبيو.

لا مشكلة لدى قوى المقاومة بالمرحلة الانتقالية التي يتمّ خلالها انتشال لبنان من قعر السقوط، ليس حباً ولا منّة ولا مكرمة من أحد، بل خشية انفجار كبير يحول التهديد الإفتراضي للكيان إلى تهديد واقعي، ويأتي بالصين على سكة حديد بغداد دمشق بيروت، هي السكة التي يريدها ماكرون لفرنسا، لكن بعد التفاوض، بحيث تحفظ حدود سايكس بيكو، لكن يتغيّر مضمون التفويض بنقل الوكالة في حوض المتوسط إلى فرنسا، التي منعت من العراق والأردن قبل قرن، لحساب بريطانيا، المتفرّجة اليوم إلى حين. وهذا يكفي للقول إنه بعد فشل الرهان “الإسرائيلي” على نظرية معركة بين حربين كادت تفجّر حرباً، جاءت فرنسا بمشروع تسوية بين حربين، عساها تجعل الحرب الثانية اقتصادية، هدفها إبعاد الصين عن المتوسط، وإبعاد صواريخ المقاومة الدقيقة عن رقبة الإسرائيليين، والمقاومة المدركة للتحديات والاستحقاقات، تعرف ما بين أيديها كما تتقن ذكاء التوقيت.

لا شام جديد بدون الشام الأصلي والقديم، حقيقة يجب أن ينتبه لها ماكرون قبل أن يرتكب الأخطاء القاتلة، فلا ينسى أن التذاكي لا يحل المشكلات الأصلية، وأن روسيا لا تكتفي بالكلمات طويلاً، وأن بريطانيا لا تطيل النوم بعد الظهر.

Related

مهلاً… السيد الرئيس ماكرون!

د. عدنان منصور

دعني أناديك اولاً بالسيد الرئيس، فأنتم في بلادكم اليوم، لا تعرفون الألقاب التي أدمنّا عليها هنا في لبنان منذ عقود وقرون، فبلادكم العظيمة الآن أكبر من الألقاب، والشكليات والتفاهات التي تعطى وتزيّن في بلدنا جباه الحكام والزعماء النرجسيّين، المغرورين، الفاشلين، التافهين، حيث لم نترك لقباً إلا واستخدمناه واستنبطناه، من بيك إلى أمير إلى شيخ، إلى رئيس وسيادة وفخامة وعطوفة، ودولة، ومعالي، وسعادة، وكلّ الألقاب الطنانة الرنانة، التي تبيّن مدى تعلقنا بالقشور والتصنيفات المريضة التي تعكس العقول المحنّطة الفارغة، لمسؤولين تعاقبوا على الحكم، لم يستطيعوا ان يبنوا دولة إلا على شاكلتهم وطرازهم القبيح.

السيد الرئيس ماكرون!

بعد مائة عام من لبنان الكبير الذي أنشأه مندوب فرنسا السامي هنري غورو عام 1920، سترون الإرث الذي تركتموه للبنان، وأيّ لبنان الذي لا يزال يعاني ونعاني معه من تداعيات قرار فرنسا، الدولة العلمانية التي أطاحت بالسلطة الروحية، لتؤسّس في لبنان أسوأ نظام طائفي بغيض، يفرّق ولا يوحّد، يضعف ولا يقوّي، يؤجّج على الدوام الغرائز والنعرات، ويثير الهواجس والمخاوف والحساسيات، ويدفع بكلّ طائفة ان تجعل من نفسها مقاطعة او دويلة او إمارة هزيلة، تبحث عن ذاتها، ومصالحها الضيقة، ومستقبلها الوهم، وإنْ تعارض ذلك مع مصالح الآخرين. أردتم من انتدابكم ان ينضج لبنان واللبنانيون ليكونوا مؤهّلين لحكم أنفسهم اليس كذلك؟! قولوا، أيها السيد الرئيس، للذين ستلتقون بهم بعد مائة عام على الانتداب، وبعد سبعة وسبعين عاماً على الاستقلال، ما الذي فعلتموه للبنان وشعبه؟! ما الذي حققتموه له من عدالة وعيش كريم! منذ مائة عام كانت بيروت تنعم بالنظافة والكهرباء، وبعد مائة عام تنعم بالتقنين والنفايات. قبل مائة عام، سكة حديد تجوب لبنان، واليوم موظفون في سكة حديد لا قطار لديهم. منذ مائة عام مياه شرب وخدمة تصل للبيوت، واليوم ترى المياه تسقط على رؤوس العطاش! منذ مائة عام كانت للدولة سلطتها وهيبتها، وكان للقوانين وقعها، وللسلطة القضائية مكانتها وقيمها ونزاهتها، وبعد مائة عام، تجد أيها السيد الرئيس، اضمحلال دولة، وترهّل إدارة، وفساد حكام ومسؤولين، وانهيار قضاء، وعبث بالدستور والقوانين دون رادع او محاسبة، وفساد قلّ نظيره في دول العالم، ينخر في جسم الدولة البالية، يطال الكبير والصغير، بلا خجل أو ذرة حياء. بل على العكس، ذهبوا بعيداً في وقاحتهم ليتباروا على الملأ، ببذخهم وإنفاقهم، وبثرواتهم الخيالية التي حققوها على حساب دم وعرق ودموع وجنى عمر اللبنانيين. جعلوا من الإدارات العامة صناديق مال، ونهب، ونفوذ، واستغلال، ومنفعة، وتنفيع، بحيث غابت التراتبية الإدارية والمسؤولية، فلكلّ طائفة موظفيها، ولكلّ أدارة محاسيبها، وحاشيتها وخصوصيتها وصندوقها الأسود، ولكلّ سلك أباطرته وخيوطه ودهاليزه.

بعد مائة عام، السيد الرئيس، ستجدون في لبنان الأعاجيب، وكأنّ الزمن يدور الى الوراء، الجامعات طائفية، المدارس طائفية، المناطق طائفية، المصارف طائفية، المستشفيات طائفية، الفنادق والمطاعم طائفية، السوبرماركات طائفية، الأحزاب والأندية طائفية، المنتزهات طائفية، حتى الأفكار والتوجهات والأحلام والصداقات طائفية!

فأيّ وطن طائفي، السيد الرئيس، هو هذا الوطن الغريب العجيب الذي أرادته فرنسا العلمانية للبنان! هل تكفي نصائحكم اليوم، وتوجيهاتكم وتحذيراتكم، وتنبيهاتكم، وتمنياتكم، ومساعيكم، واهتماماتكم ومساعداتكم، وغيرة الأمّ الحنون على أبنائها، جراء طبقة فاسدة متأصّلة من الزعماء والحكام، لم يكونوا يوماً على مستوى التحسّس الإنساني وتطلعات الوطن وآمال الشعب، ولم يتحلوا بالمسؤولية الوطنية ولو بحدّها الادنى، لبناء دولة عصرية قادرة، توفر فرص العيش الكريم لكلّ أبنائها، وتحقق التنمية المستدامة على كامل التراب اللبناني، بمعزل عن الدين والطائفة والمذهب والإنتماء السياسي والعقائدي!

السيد الرئيس!

لا يمكن للطبقة الفاسدة المستهترة، التي حكمت لبنان منذ عقود، ولوّثت أياديها بالصفقات والاختلاسات والهدر، والسرقات، وتهريب الأموال العائدة لـ «الدولة»، والاستيلاء على أموال المودعين، والتي نشرت الفساد وجعلته عرفاً يتوارثه الفاسدون والمفسدون، وأطاحت بمقوّمات الإدارة والقضاء والمؤسسات، هذه الطبقة لا يمكن لها مطلقاً ان تبني وطناً، أو أن تستمرّ، أو أن تجد بعض الحلول للمشاكل التي أوجدتها، والتي جعلت منها الآمر والناهي في كلّ صغيرة وكبيرة. انه أخطبوط طائفي ولد ووجد من أجل خدمة طبقة متراصّة من كلّ الطوائف، جثمت على صدر اللبنانيين منذ إنشاء لبنان الكبير وحتى اليوم.

ڤأيّ إصلاح ترغبون أن تعتمده هذه الطبقة الفاسدة! انه سلوك أهوج منحرف، تأصّل في عقلها ونهجها وأدائها وممارساتها، ولن تتوقف أبداً عن السير في طريقها.

السيد الرئيس!

عذراً إذا قلت بصراحة، إنّ الحلّ لا يأتي من فرنسا التي نقدّر، ولا من غيرها. الحلّ يأتي من اللبنانيين وحدهم، عندما يدركون جميعاً ببصيرتهم ووعيهم وإدراكهم، أنّ لبنانهم الكبير، على شفير التحلل والانهيار، وأنّ الإطاحة بهذه الطبقة أصبح أمراً ملحاً وضرورياً، وأساساً لأيّ إصلاح أو تغيير، لأنّ الترميم لا ينفع بعد الآن، وأنّ البناء المتداعي الآيل للسقوط، أعمدته متصدّعة لا ينفع معها المهندسون وأدواتهم، إذ لا بدّ من هدمه اليوم قبل الغد حتى لا يسقط على رؤوس الجميع. وما دام التفكير الطائفي يطغى على النفوس، ويتحكم بالعقول، فإنّ خشبة الخلاص لهذا الشعب تبقى بعيدة عنها وان لوّحتم بها من بعيد أو لوّح بها الآخرون عن قريب!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث أمنية متنقّلة في لبنان…من يدفع نحو التوتير؟

 بزي للميادين: العنصر الارهابي هو الخيط الذي يربط الاحداث المتفرقة في لبنان

الكاتب: الميادين نت

المصدر: الميادين

28 اب 23:21

أحداث أمنية متنقّلة في لبنان، هي حتماً مشبوهة وليست معزولة، والسؤال اليوم من يدفع نحو التوتير ويحرّك حملَة سلاح من بيئات متشابهة؟

في المقلب الآخر، حددت الرئاسة اللبنانية يوم الإثنين المقبل، موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة، من أجل تكليف شخصية جديدة لرئاسة الحكومة، خلفاً لرئيس الحكومة السابق حسان دياب.

ومن المنتظر أن تتوافد الكتل النيابية الإثنين إلى القصر الجمهوري في بعبدا، من أجل تسمية مرشحها لرئاسة الحكومة، حيث أن نتائج هذه الاستشارات تعتبر إلزامية لرئيس الجمهورية ميشال عون.

وانطلاقاً من ما حصل، قال نائب رئيس تحرير جريدة الاخبار اللبنانية بيار ابي صعب للميادين إن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يتمنى العودة إلى رئاسة الحكومة لكنه ما زال “معتقلاً”، مشيراً في حديثه إلى أن هناك من يسعى إلى إدخال حزب الله في الصراع الداخلي والمستنقع اللبناني.

كما لفت أبي صعب إلى إن تعميم مصرف لبنان هو محاولة لتبرئة من هرّب أمواله خارج البلاد.

وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، قال أمس الخميس إن “البنوك اللبنانية غير القادرة على زيادة رأس المال بنسبة 20% 

أما الكاتب السياسي غسان جواد فقال إن الطبقة السياسية مأزومة لكن المشكلة أن الشارع لم ينتج البديل، مشيراً إلى أن الحريري يرغب في العودة لرئاسة الحكومة لكن هناك خطوط حمراء خارجية.

 وشدد جواد في حديثه  على أن المقاومة هي “أنبل ظاهرة أنتجتها هذه الأمة”، موضحاً أن هناك أبواق تعمل على استدراج حزب الله إلى الفتنة.

كما رأى جواد أنه بات واضحاً أن بهاء الحريري هو من يحرّك الشارع بين الحين والآخر.

وفي الشقّ الأمني وما حصل في منطقة خلدة قال الباحث في الشؤون السياسية وسيم بزي ضمن النشرة المسائية عبر الميادين إن العنصر الارهابي هو الخيط الذي يربط الاحداث المتفرقة في لبنان، مضيفاً أن الأمر الخطر هو استخدام العامل الامني كوسيلة للابتزاز السياسي.

كما لفت بزي إلى أن هناك فيتو صارم وضعته السعودية على تسمية الحريري رئيساً للحكومة، مشيراً إلى أن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط قال لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف خلال اتصال هاتفي انه غير قادر على السير في خيار تسميته.

بدوره قال الكاتب الصحافي طالب الأحمد للميادين إن سبب عدم الاستقرار في لبنان هو قيام الاستعمار الفرنسي بتقسيم البلد إلى كانتونات.

وأضاف أن القوى الكبرى تعمل على تغذية النزاعات الطائفية في دول محور المقاومة.

من جهته قال الخبير في الشؤون الاسرائيلية أليف صباغ للميادين إن غياب الدولة القادرة يسمح للجماعات المسلحة بالتفلّت.

ورأى أن أي استهداف لحزب الله في لبنان هو استهداف لكل محور المقاومة.

يذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكّد اليوم الجمعة رغبته في إيجاد حل للأزمة في لبنان، مشدداً على أنه “لن يستسلم”، وفقاً لما جاء على لسان مسؤول بالرئاسة الفرنسية.

لبنان على المفترق… أو موسى الصّدر!

حملة مؤسسة جامع الائمة للثقافة والاعلام لنشر سيرة السيد موسى الصدر في ذكرى  تغييبه اعاده الله ----------------------- … | Arabic quotes tumblr, Arabic  quotes, Quotes

حسن الدّر

إذا كانت السّياسة فنّ الممكن، فهذا يعني أنّها فنّ تطويع المواقف حسب الظّروف الدّاعية إليها، وفنّ التّقلّب والتّبدّل تبعاً للمصالح والمطامع، فلا صديق دائم ولا خصم دائم، ولا موقف ثابت، ويعني بالضّرورة، أنّ الأكثر تقلّباً ومرونة، هو الأكثر حنكةً ودهاءً وذكاءً!

أمّا أن تنهج في السّياسة منهج الثّبات، وتبقى مواقفك صالحة لعقود من الزّمن، بل وتكون مواقفك هي الحلّ النّظريّ لكلّ أزمة عمليّة، وتصبح تعويذة خلاص يردّدها زعماء الأحزاب والطّوائف على اختلاف مشاربهم، كلّما دعتهم الحاجة إلى إعلان انتمائهم وتأكيد انتسابهم إلى لبنانهم، فتلك ميزة تفرّد بها الإمام موسى الصّدر، على غيره من أهل الدّين والسّياسة معاً.

هذا الإمام الّذي حطّ رحاله في وطننا الصّغير، أتت حركته من خارج السّياق السّائد، فقد بدا واثقاً من خطواته، عارفاً بقدراته، مؤمناً بقضيّته، فقال: لا أحد يحدّد لي دوري، دوري محدّد من السّماء.

وهو، بالطّبع، لم يدّعِ وحياً ولا نبوّة، لكنّ سيرته تنبئ عن فهم عميق لسير الأنبياء والأولياء والصّلحاء، فكانت وظيفته ودوره إحياء لمناهج الصّالحين في إدارة شؤون الدّنيا والدّين..

وحتّى لا تختلط المفاهيم على الوعي الشّرقيّ عموماً، والشّيعيّ خصوصاً، قال موسى الصّدر: لا أريد تسييس الدّين بل تديين السّياسة، وهو بالمناسبة، أوّل مجتهد يقود حركة إصلاح سياسيّة واجتماعيّة منذ ثورة الامام الحسين، فقال: أمل إرثها في ثورتك يا وراث الأنبياء، ليعيد للمجتمع حيويّة النّهضة وحركيّة الثّورة، وليضع كلّ مؤمن أمام تكليفه الإيمانيّ برفع الحرمان ومحاربة الطّغيان، فصار بذلك، ولا يزال، علامة فارقة في حركته السّياسيّة، وكان ولا يزال مالئ قلوب اللّبنانيين وشاغل عقولهم، حبّاً واحتراماً، ومصدر إلهام لكلّ باحث عن وطن في غياهب الدّويلات المتحكّمة بالدّولة.

اثنان وأربعون عاماً مضت على تغييب قلب لبنان النّابض بالحرّيّة والسّيادة والكرامة الوطنيّة.

اثنان وأربعون عاماً مضت على سجن لبنان في أقبية الطّائفيّة والزّبائنيّة والتّبعيّة الخارجيّة.

إثنان وأربعون عاماً مضت، وما زال عقل لبنان السّياسيّ عاجزاً عن اجتراح وصفةٍ واحدة لمشكلة واحدة، أفضل ممّا اجترحه عقل موسى الصّدر لمشاكل لبنان الدّاخليّة والخارجيّة.

وسيراً على خطاه، مضت ثمانية وعشرون عاماً، وما زال وريث نهج الإمام الصّدر، الرّئيس نبيه برّي يطرق أسماع المسؤولين بلسان إمامه: اعدلوا قبل أن تبحثوا عن وطنكم في مقابر، أو مزابل، التّاريخ.

ثمانية وعشرون عاماً، يقف فيها نبيه برّي على رأس كلّ سنة صدريّة، في الواحد والثّلاثين من آب، يذكّر بأطروحة الإمام الصّدر لخلاص لبنان:

إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة.

اعتماد لبنان دائرة انتخابيّة واحدة خارج القيد الطّائفي.

الدّعوة إلى دولة مدنيّة حديثة.

“إسرائيل” عدوّ أيديولوجيّ، وسورية شقيقة جغرافيّة وتاريخيّة وحاجة استراتيجيّة.

الوحدة الوطنيّة أفضل وجوه الحرب مع “إسرائيل”.

هذه الثّوابت لم ولن يجرؤ أحد على مخالفتها علانيّة، وإن عمل على نقيضها سرّاً، حفظاً لمكاسب طائفيّة أو سياسيّة ضيّقة، جعلت لبنان على رأس قائمة الدّول الفاشلة والفاسدة، بل ومهدّد بالاختفاء كما قال وزير خارجيّة فرنسا لو دريان!

وها نحن مجدّداً على موعد متجدّد للاحتفاء بفكر موسى الصّدر في ذكرى تغييبه، وعلى موعد مع الإطلالة السّنويّة للرّئيس نبيه برّي، ليدعو ويذكّر، وهو الّذي ما كلّ ولا ملّ، يأمر بالوطنيّة وينهى عن الطّائفيّة، مستلهماً روح موسى الصّدر، الّذي ورث إرث الأنبياء بوراثة ثورة الإمام الحسين.

ويبدو أنّ نبوءة الإمام الصّدر قد تحقّقت، فقد اشتدّت المِحَن، وامتلأ الزّمان بالذّئاب، تنهش في لحم الوطن والمواطن، ولا بدّ من وضع النّقاط على الحروف، ونبيه برّي الثّائر، قد يقف على منبر الصّدر، في ذكرى تغييبه، المتزامنة مع ذكرى عاشوراء، ليدعو إلى الإصلاح، صارخاً بوجه العابثين بما تبقى من وطن: إن لم تكونوا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في وطنكم…

اللهمّ إنّي بلّغت، اللهمّ فاشهد!

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

لبنان بين المعادلة الخامسة أو الانفجار الكبير

 د.وفيق إبراهيم

ما يشهده لبنان لا مثيل له من ناحية عمق انهياره السياسي والاقتصادي.. ولا نظير له منذ تأسيس «لبنان الكبير» قبل قرن تقريباً.

هنا يجب الإقرار أن انهيارات اقتصادية وسياسية عديدة ضربت بلاد الأرز مرات عدة، وكان ينجو منها بحرص خارجي عليه، مع كمية قليلة من التمكن الداخلي.

إلا أن عيارات انهياره الحالي عميقة وبنيوية، وتتواكب مع تأزم العلاقات الدولية والعسكرية، وانتشار جائحة الكورونا على مستوى البشرية جمعاء، وما أدت إليه من شكل كبير وعميق في الاقتصادات العالمية.

فهل ينجح لبنان في اختراع هدنة سياسية تبتكر معادلة حكم داخلية، تحظى بتأييد الطوائف وموافقة الأطراف الإقليمية والدولية الراعية؟

هناك مفاصل لبنانية لا يُمكن تجاوزها وتشبه لعبة أحجية تحتاج إلى كثير من الدهاء لفك ألغازها.

الاولى ان لبنان بلد طوائفي، اقتنعت مكوناته بعد مئتي عام تقريباً من صراعاتها ان الحلول السياسية الراسخة لا يجب أن تستبعد أي مكوّن طائفي من معادلة الحكم.

فيما تذهب الثانية الى اختراع لبناني فريد من نوعه في العالم ويتعلق بضرورة تمثيل القوى الأكبر في طوائفها، في معادلة الحكم أي الحكومة ورئاستي الجمهورية ومجلس النواب.

ضمن هذين الشرطين تسرح ثماني عشرة طائفة لبنانية في دول الإقليم والخارج لتأمين حماياتها بين دول لها مصالح في الشرق الأوسط… وسرعان ما نجد الأميركي والفرنسي والروسي والسعودي والإيراني والتركي في أحياء بيروت ومناطقها وبيوتاتها السياسية، فيما تجوب بوارجهم مياه المتوسط اللبناني وتخترق طائرات العدو الاسرائيلي أجواء بلاد الأرز يومياً.

فكيف يمكن إنتاج معادلة حكم لبنانية إذا كانت العلاقات الاقليمية والدولية متفجرة الى درجة الاحتراب الفعلي، وتحاول قوى الطوائف مضاعفة حصصها في الحكومة الجديدة عبر استثمار علاقاتها بالخارج.

وكيف يتنازل مَن يمتلك أكثرية نيابية عن رجحان كفته في التحاصص الحكومي قانعاً بالمساواة الوزارية مع الخاسرين.

وهل يصدق أحد أن الخاسرين يطبقون خططاً خارجية لمحاصرة حزب الله وتجريده من سلاحه، مقابل أن يشكلوا أكثرية مزيفة في حكومات مقابلة؟

لذلك فإن ابتكار معادلة حكم لمجلس وزراء لبناني جديد، تبدو مستحيلة وقابلة للإرجاء حتى موعد بعيد.

فكيف يمكن ان نجمع بين الممثلين الأقوى لثماني عشرة طائفة وتأييد قوى الخارج والاقليم في هدنة تضم الاميركيين ومعهم بالطبع السعوديين والفرنسيين من جهة الى جانب الإيرانيين والسوريين من جهة أخرى.

فوضعية كهذه تحتاج الى مساحات هدنة أكبر من لبنان، وهذه ليست موجودة حالياً لأن التراجع الاميركي في الإقليم انقلب مشروعاً اميركياً بالهجوم على حزب الله في لبنان وتشديد الحصار على إيران وسورية واليمن..

نحن إذاً وسط هجوم اميركي مضاد، يريد اعادة تأسيس موازنات قوى إقليمية لمصلحته. ولن يوقفه إلا بعد يأسه من إمكانية تحقيق اهدافه، او انجازه لأي نصر مهما كان باهتاً.

انما ما هي المعادلات الاربع التي اجتازها لبنان في المراحل الماضية وعكست مهادنات بين قواه الطائفية.

هناك أربع معادلات ابتدأت مع تأسيس الدولة اللبنانية في 1948 على اساس هيمنة مارونية كاملة مع وجود سطحي للطوائف الأخرى.. وتلتها معادلة 1958 التي عكست تسوية اميركية مصرية جاءت بفؤاد شهاب الماروني رئيساً للبنان على اساس تحسن طفيف في وضعية رئيس الحكومة السني.

اما التسوية الثالثة فهي الطائف في 1989 التي غطتها السعودية بالاتفاق مع الاميركيين والسوريين، واصبح فيها النفوذ السني أساسياً بمشاركة مارونية.

إلا أن معادلة 2006 في اتفاق الدوحة في قطر قضت على المعادلات السابقة، وشكلت حكماً بثلاث إدارات شيعية ومارونية وسنية، أوصلت لبنان الى بلد مفلس يتعرض لأعنف انهيار اقتصادي وسياسي يمكن لبلد بحجم لبنان أن يتحمله.

لذلك فإن تدخلاً اقليمياً دولياً يحاول بالاشتراك مع الطوائف الثلاث الاساسية أي الشيعة والسنة والموارنة تشكيل حكومة جديدة.

من جهة الفرنسيين فانهم يبذلون جهوداً خارجية وداخلية، لإنتاج حكومة لبنانية جديدة، لكن هذه الجهود تحتاج الى معادلة تحتوي على موافقة ست دول إقليمية ودولية متناقضة على كل شيء تقريباً.

والاحزاب الأقوى عند السنة والموارنة والشيعة والارثوذوكس والكاثوليك والدروز والأرمن. هناك أيضاً قطبة مخفية وتتجسد في الحلف الاميركي ـ السعودي الذي أصدر كما يبدو فرماناً بمنع تشكيل حكومة في الوقت الحاضر.

ويراهن على تقليص التأييد الشعبي لحزب الله من خلال اشتداد حمى الأزمة الاقتصادية، ما يجعل الدولة ترضخ للشروط الاميركية في اقتسام آبار النفط اللبنانية مع الكيان الإسرائيلي المحتل، واقفال حدود لبنان مع سورية خصوصاً لجهة المعابر التي يستخدمها حزب الله في حركته الإقليمية.

فهل بالإمكان إنتاج معادلة حكم لبنان في ظل هذا الارهاب الاميركي المتصاعد؟ وكيف يمكن للمطالبين بحياد لبنان من القوى الداخلية والاقليمية والدولية أن يواصلوا رفع شعار الحياد وهم يرون الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان والاختراق الجوي الاسرائيلي اليومي لاجواء لبنان؟

هناك طريقة واحدة لبناء معادلة حكم جديدة، وهي ذات بعدين: إما ان يرضخ لبنان سياسياً للضغط الاميركي وينتظر انفجاره تماماً، او تذهب الأكثرية النيابية فيه الى استشارات ملزمة، تؤدي الى تشكيل حكومة اكثرية، يكون الانفتاح على الصين وروسيا والعراق وإيران من اولوياتها وبهدف وحيد، وهو الحيلولة دون انفجار الدولة الذي يؤدي تلقائياً الى تصديع الكيان السياسي اللبناني على الطريقة التي قال فيها وزير الخارجية الأميركي السابق ان لبنان خطأ تاريخي بوسعه إيجاد حلول لتوطين الفلسطينيين وبعض السوريين مع تهجير المسيحيين الى الغرب، وهذا ما يريده اللبنانيون جميعاً.

جريمة كفتون فتحت الأبصار والبصائر على الحزب النهضويّ الرساليّ

مفيد سرحال

الجرح ينطق يا فمُ، دمُ الفدى يتكلّمُ

فاسكت… فإنّك إن تكلّمَتِ الجراحُ لأبكمُ

لم أجد أبلغ وأروع ما جاشت به شاعرية الشاعر محمد يوسف حمود في مطلع قصيدته «جرح البطولة» لمحاكاة جريمة كفتون البشعة التي نالت غدراً وغيلة من ثلاثة شبان ينتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي المنذور وفق منطوق عقيدته للفداء والبطولة وبذل الروح والدم عن سابق إصرار وتصميم، وكأنه لا خنوع او خضوع في لغة هؤلاء اقتداء بزعيمهم الذي اغتيل في أشنع وأبشع وأغرب محاكمة شهدها العصر الحديث. ترى هل ما حل بنا ولما يزل من مآس وتجارب واحتراب وتصدّعات ومهالك ومصائب ومتاعب وانكسارات وانهيارات هو عقبى وعقوبة الثامن من تموز؟ قد يكون، ولا شماتة!

كمراقب وكإعلامي مؤمن بأنّ الكلمة العلمية الموضوعية العاقلة المتبصرة بمعنى انّ مصدرها العقل والعقل فقط هي الحدّ الفاصل بين الحق والباطل وبين الخير والشرّ، وضعت جريمة كفتون في كفتين متوازنتين متوازيتين للدلالة والاستدلال.

الكفة الأولى: إنّ القومية الاجتماعية بحدود معرفتي المتواضعة، مدرسة نهضة حياتية وفكر منهجيّ تخطيطي لنظام جديد وإنسان جديد تسكن إنسانيته المجتمع لأنها منه وفيه، تضخ الفكر في الرؤوس والنفوس نداء وبناء بالمفهوم القومي الإنساني الحياتي المجتمعي والجمالي.

الكفة الثانية: أنّ القوميين أأحبَبتهم أم لم تحبّهم أهضَتهم أم لم تهضمهم… يشكلون طائفة اللاطائفيين، اللاكانتونيين، اللاطبقيين، اللافئويين، اللارجعيين، اللاعنصريين، اللاولائيين لشرق أو غرب، قضيتهم قضية عز قومي ولا نهوض لقضية إلا بسقوط شهداء لها فدائيين، وكفتون في لائحة الشرف عندهم ليست الأخيرة وهم كرماء نبلاء عظماء في سوح التضحية والفداء.

وبعد لأنّ القوميين ليسوا من لبنان الكناتين والزنازين المقفلة على الطائفية العنصرية، والفئوية الرجعية والعشائرية ولأنهم ليسوا من ل ب ن ا ن.. اللام لبني علي، والباء لبني يسوع، والنون لبني عمر، والألف لبني معروف وينتمون للنون الأخيرة نبع الوحدة ونقطة التلاقي، ولأنهم بقعة الزيت التي تتمدّد في المدن والقرى والدساكر لتشعل القناديل الهادية فتراهم ينيرون ويتوهّجون ويتألقون في وطن.

لأنهم كذلك ألم تلاحظوا الجريمة الشنيعة في كفتون كيف استرخى الإعلام المفتون بالفتنة في غالبيته والنخب والرأي العام على ردة فعل باهتة نرتاب في ظلماتها المبهرة! كتلك الوجوه الكالحة خلف أقنعة اللامبالاة والغرائز والنزوات والعصبيات الدفينات؟

وسط هذا العدم الطالع من فحيح وحفيف المنصات الطالعة من الوعر والأعشاب الخرساء لا يأبه ابناء الرسالة القومية الاجتماعية لظلم، لقهر، ما حلّ وما سيحل وتراهم يتزوبعون ينضجون ويلملمون أجنحة الأحمر نسراً نسراً حسبهم ان العيون ما تزال على الافق مشرعة على مد المدى.. ولا يأس… قالت الطفلة «صفيّة» كبرى بنات انطون سعادة لأبيها وهي تمشي وراءه في الجبل: أبي إن الشوك يؤلمني في قدمي! انزعي الشوك وتابعي طريقك… قال لها ولم يتوقف.

وبالرغم من ذلك الجميع يقرّ في طويته وخلده أن لا خلاص لوطن عانى ما عانى من التجارب، إنه كلما ليَّل علينا الليل وادلهمّ، وكلما دهمتنا الخطوب، وكلما تقفلت الفجاج، وكلما هاجت العاتيات واهتزت بنا الأرض، وكلما مضغنا الهموم والواقع المشؤوم، وكلما امتدت النار والحريق، كلما فغر غول الفتنة شدقه لابتلاعنا، كلما بثت الثعابين السود السم بين النفوس، قلنا في سرنا المكتوم أن علتنا لا شفاء منها إلا بذاك الفكر التجاوزي للأنا بكل توصيفاتها وألوانها، فكر ذاك الذي قال للجلاد الغاشم أنا أموت أما حزبي فباق…

وبعد هل سمعتم من ذوي الشهداء من رفاقهم من قادة حزبهم من مناصريهم على رقعة التواصل الاجتماعي او غيرها من وسائط الإعلام كلاماً خارج ضوابط العقل وآليات النظام الحزبي، هل سمعتم تهديداً أو وعيداً صراحة أو تلميحاً، هل أوحت المؤسسة الحزبية لفاعل غادر بالظن او اليقين؟.. علماً أنه ليس حزباً «غنمة» وله صولات راعبات في إحقاق الحق والذود عن الكرامة الحزبية وشرف الانتماء. إنها القوة العاقلة التي تؤمن بالعدل والقانون على رصانة وقدرة فعل مهابة مرهوبة الجانب.

وللدلالة على ما تقدّم أخذتني الذاكرة الى السبعينيات وكنت حينها في الثانية عشرة من عمري أمضي فترة الصيف في منزل خالي المرحوم صالح أحمد غزالة في عين عطا/ قضاء راشيا الوادي وكان وقتذاك مديراً لمديرية عين عطا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث جاءه صبيحة نهار أحد جاره في السكن المرحوم جرجي الحداد وقال له: عندي شاب عسكري في الجيش اللبناني من دير الأحمر (مسيحي ماروني) تقطّعت به السبل ولجأ إلى منزلي منذ شهر، وذووه يعتبرونه إما مقتولاً وإما مخطوفاً وإما مفقوداً، بعد أن خرج من ثكنة مرجعيون إثر سقوطها بيد القوات الوطنية.

وقد فوجئت كيف قبل صالح أحمد غزالة بالمهمة نظراً لخطورة الانتقال من أقصى جنوب البقاع الى أقصى شماله وسط حال الخطر وتلك السمة المشؤومة للحرب اللبنانية القذرة أي الذبح على الهوية. وسارع صالح أحمد غزالة الى مراجعة المنفذ العام المرحوم جميل العريان الذي وافق على المهمة وأعطى صالح احمد غزالة رسالة حزبية ممهورة تخوّله الانتقال على الحواجز المنتشرة على الطريق الرئيسية الى دير الأحمر وكانت آنذاك شبه معزولة.. وصل صالح أحمد غزالة بعد الظهر الى منزل العسكري وكان لقاء عاطفياً مؤثراً مع ذويه الذين كانوا قد فقدوا الأمل من عودته حياً. وطرح الجيران الصوت وقُرع جرس الكنيسة فاجتمع الأهالي بالمئات لأن قرع الجرس يعني في ما يعني إشارة او خطباً جللاً فدخل صالح احمد غزالة الكنيسة وبعد التعارف صعد رئيس البلدية وهو من آل الرعيدي إلى الميكروفون وناداه يا أخ صالح أعطني هويتك الشخصية وهويتك الحزبية فرفعهما كل واحدة بيد وخاطبه أمام الأهالي: إن كانت درزيّتك قد علّمتك الشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف فذلك ليس غريباً فأنتم بني معروف أعزاء كرماء ونبراس في النخوة وإكرام الضيف. وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد علمك هذا السلوك الإنساني الأخلاقي الرائد فهذا ليس غريباً على حزبكم الذي نشهد له بمناقبه وأخلاقه الوطنية وتجاوزه للنعرات الطائفية وعقيدته… وهكذا كان…. في دير الأحمر وكفتون وفي كل مكان انزرع فيه أبناء النهضة..

لذا فإن جريمة كفتون بدم شبابها الذين افتدوا اهلهم ومحيطهم أعادت فتح عدسة العقل والرؤيا على هذا الحزب النهضويّ الرساليّ وسط الهذيان الطائفي والمذهبي، وجحيم اللمحة الإعلامية الموشاة باللهب والجنون، الراقصة عبثاً وسط أكداس ما يشبه الدهشة والبوح الداكن..

كفتون ذاكرة الدم تستلّ كلماتنا المحروقة لكتابة سيرة حزب البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، بحاسة الإبصار بالبصيرة والحب.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

آن الأوان للتوجّه شرقاً والتحرّر من التبعيّة الاقتصاديّة العمياء للغرب ‏

د. عصام نعمان

يغزو الغرب بلدان المشرق العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر. يفعل ذلك بالسياسة والتجارة والثقافة والعسكر. آل إليه ميراث بني عثمان في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1914-1918 فتقاسمته أقوى دُوَله آنذاك، فرنسا وبريطانيا، على نحوٍ باتت معه بلاد الشام أربعة كيانات: لبنان وسورية والأردن وفلسطين.

بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945 آلت قيادة الغرب إلى الولايات المتحدة الأميركية فشاركت دُوَله الاستعمارية التليدة المصالحَ والموارد والنفوذ وزرعت في قلب المشرق، فلسطين، كياناً لليهود الصهاينة آخذاً بالتوسع والتمدّد حتى كاد يسيطر على كامل فلسطين التاريخية ناهيك عن أراضٍ وحواضر في سورية ولبنان ووادي الأردن وسيناء.

سورية تحرّرت، منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، من سيطرة الغرب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واستحصلت من روسيا (السوفياتية آنذاك) قرضاً وازناً لبناء سدّ الفرات.

لبنان ظلّ خاضعاً للغرب على جميع المستويات. مردُّ ذلك تجذّرُ ثقافة الغرب لدى نخباته السياسية وأوساطه المستنيرة بفضل شيوع مدارس وجامعات أجنبية كثيرة تعهّدت على مدى قرنين أجيالاً متعاقبة من الطلاب، وبفعل علاقات راسخة من التبادل التجاري بين لبنان ودول أوروبا محورها تجارةُ الحرير (نفط ذلك الزمان) ونجاح اللبنانيين المتمرّسين باللغات الفرنسية والإنكليزية والالمانية والإيطالية في تقديم خدمات الوساطة بين مؤسسات الغرب الأوروبي والكيانات السياسية والإقتصادية في شتى بلدان المشرق العربي.

غير أنّ الظاهرة اللافتة في تاريخ لبنان المعاصر اقترانُ نظامه السياسي الذي ابتناه الفرنسيون منذ مطالع عشرينيات القرن الماضي بنظام الاقتصاد الحر المتفلّت من ايّ رقابة او ضوابط حكومية او أهلية رادعة. والمفارقة أنّ محاولات الإصلاح تركّزت في غالب الأحيان على النظام السياسي ولم تقارب النظام الاقتصادي الذي تمتع دائماً بشبه قدسيّة حمته من ضراوة معارضيه.

نظام اقتصادي هذه مواصفاته وممارساته المتفلّتة من اي رقابة او محاسبة كان لا بدّ من أن يتصدّع تحت وطأة الديون والخسائر والمخالفات والفضائح التي تكشّفت أخيراً. اليوم يجد اللبنانيون، مسؤولين ومواطنين، أنفسهم أمام مشهد انهيار اقتصادي ومالي مريع.

ازدادت الأزمة الراهنة تفاقماً بعجز المنظومة الحاكمة عن التوافق على أسسٍ ونهجٍ لمقاربة المؤسسات الدولية، لا سيما صندوق النقد الدولي، بغية الحصول على قروض وتسهيلات مالية تساعد الحكومة على معالجة الازمة في مختلف وجوهها وانعكاساتها. وكان الأمر على فداحته ليهون لولا انّ إدارة ترامب بادرت، في توقيت مريب، الى مباشرة تطبيق أحكام «قانون قيصر» الرامي الى محاصرة سورية وفرض عقوبات قاسية عليها وعلى المتعاملين والمتعاونين معها في شتّى الميادين.

لعلّ لبنان أشدّ المتضرّرين من تنفيذ هذا القانون الجائر لكون سورية تحيط به من جميع الجهات تقريباً، ولأنّ البلدين يتبادلان، بوتيرة يومية، مختلف أنواع السلع والخدمات والمقايضات، ليس أقلها أنّ سورية تزوّد لبنان بنحو 200 ميغاوات من التيار الكهربائي التي لولاها لعمّت العتمة الكثير من مناطقه.

إزاء تفاقم الأزمة وعجز الحكومة، ومن ورائها المنظومة الحاكمة، عن إيجاد حلول ناجعة لبعض جوانبها الأكثر تأثيراً في معيشة المواطنين، دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى لقاءٍ في قصر الرئاسة يوم الخميس المقبل للتشاور مع وبين رؤساء الجمهورية السابقين، ورؤساء الحكومة السابقين، ورؤساء الكتل النيابية في الوضع الراهن وفي ما يقتضي اتخاذه من تدابير لوقف التدهور الاقتصادي والمالي وتطويق الاحتقان الطائفي والاجتماعي.

ليس أكيداً انّ جميع المدعوّين سيلبّون دعوة رئيس الجمهورية. حتى لو فعلوا وشاركوا في اللقاء، فإنّ ما قد يتوصّلون اليه من مقترحات وتوصيات لن يقدّم ولن يؤخّر، إذ لا يمكن، بل لا يجوز، التعويل عليه لسبب بسيط هو انّ المسؤولين، مباشرةً او مداورةً، عن انحدار الدولة الى ما هي عليه من فساد ونهب للمال العام وفضائح وإهدار وتفكك وفوضى لا يُعقل أن يُطلب الى المرتكبين إصلاح أخطائهم وخطاياهم وأن يكون في مقدورهم أصلاً القيام بالمطلوب.

ذلك كله يجب ان يحفّز القوى الوطنية الحيّة، بكل ألوانها وأشكالها، على التلاقي لعقد مؤتمر وطني، بالسرعة الممكنة، يضمّ ممثلي الهيئات والنقابات والفاعليات الشعبية المتضرّرة من أفاعيل المنظومة الحاكمة وأفرعها داخل السلطة وخارجها من أجل الاتفاق على برنامج عمل لتحرير البلاد والعباد من التبعية العمياء، السياسية والاقتصادية، للغرب كما للاتفاق على النهج الواجب اعتماده للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة وذلك باتخاذ المبادرات الآتية:

أولاً، تفعيل الانتفاضة الشعبية وتركيزها على المتطلبات المعيشية الحياتية، وضرورة إنشاء محكمة خاصة متفرّغة لمحاكمة الفاسدين وناهبي الأموال العامة، ووقف الهدر والإنفاق غير المجدي بإلغاء المصالح والصناديق الحكومية التي انتهت مهامها وباتت مأوى وملاذاً لتعيين المحاسيب والأزلام.

ثانياً، التوجّه شرقاً الى الصين التي تعرض تمويل وتنفيذ رزمة مشاريع إنمائية تتعلق بتطوير مرفأي بيروت وطرابلس وربطهما بخط سكة حديد يصل الى بغداد، وإنشاء خطوط سكك حديد سريعة من العريضة شمال طرابلس الى الناقورة جنوب صور، وتنفيذ وتشغيل معامل كهرباء وشبكات نقل لتوفير الكهرباء بصورة مستدامة، وإنشاء وتشغيل نفق ضهر البيدر إلخ… كما من الضروري أيضاً الانفتاح على سائر الدول والمؤسسات الأممية التي يمكنها تمويل وتنفيذ مشاريع إنمائية مماثلة.

ثالثاً، الضغط على الحكومة لإنشاء هيئة وطنية من شخصيات واختصاصيين من ذوي الخبرة والرؤية مهمتها تقديم خطة وبرنامج لإلغاء الطائفية السياسية، ومشروع قانون للانتخابات يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته وإحالته على مجلس النواب لإقراره، وإذا امتنع يُصار إلى عرضه على استفتاء شعبي لإجازته الأمر الذي يشكل خطوة ثورية دستورية تنقل لبنان من الجمهورية الأولى المترهّلة الى جمهورية ثانية شابة مدنية وديمقراطية.

آن أوان الانتقال من حلاوة الأقوال الى صلابة الأفعال.

يا دعاة الفدراليّة الظاهرين والمستترين: حذار حذار

د. عدنان منصور

عرف العالم الحديث، دولاً وأقاليم عديدة، أرادت انّ تنضوي في ما بينها، بعقد دستوري، داخل نظام جديد عرف بالنظام الفدرالي. الغاية من هذا العقد الفدرالي، هو إتاحة الفرصة للدول أو الأقاليم، في إيجاد صيغة مشتركة لنظام جامع، تعزز فيه الأطراف المعنية، موقفها الموحّد، وموقعها السياسي، والمعنوي، والأمني، والمالي والنقدي والعسكري.

هذه الدول والأقاليم رغم خصوصيتها التي تحرص عليها، إلا أنها آثرت الاختيار والانضمام إلى دولة فدرالية جامعة، لها نظامها الخاص، ودستورها، وقوانينها، وقضاؤها، وجيشها، ونقدها، ورئيسها، وحكومتها، وعلمها، ونشيدها الوطني، يلتزم بها أعضاء ومكوّني الدولة الفدرالية.

خصوصية كلّ دولة أو إقليم عضو، يحترمها الدستور والقضاء والقوانين الفدرالية، حيث إنه لكلّ دولة أو إقليم تابع للدولة الفدرالية، دستورها، ورئيسها، وبرلمانها، وحكومتها، وقوانينها، وقضاؤها، ومواردها المالية المستقلة، وضرائبها الخاصة بها. وهي تعتني بالقطاع الصحي والتعليمي، والأمن الداخلي، وفرض الضرائب، شريطة أن لا تتعارض الإجراءات المتخذة، ذات الصلة، مع نصوص الدستور وقوانين الدولة الفدرالية.

خصوصيّة كلّ إقليم أو دولة منضمّة للدولة الفدرالية، تظهر جلياً، في تكوينها الاجتماعي والثقافي، والتاريخي، والنفسي، الذي لا يسمح بالاندماج الكلي، ويرفض الانصهار في الدولة المركزيّة الواحدة الموحدة، وأيضاً الإصرار على الاحتفاظ بلغتها القومية والتحدّث بها، وتدريسها، وأحياناً تعتمد كلغة رسمية الى جانب اللغة الرسمية للدولة الفدرالية ( كندا، سويسرا، وبلجيكا).

مما لا شكّ فيه انّ الانتقال من الدولة او الإقليم، الى الدولة الفدرالية، تشكل خطوة متقدّمة، تتحصّن داخلها الدولة او الإقليم. إذ انّ الدولة الفدرالية لديها صلاحيات رئيسة يوفرها لها الدستور الفدرالي، حيث تتبع لها القوات المسلحة الاتحادية، والشؤون الخارجية، والعملة والقضاء الفدرالي، وصلاحية إعلان الحرب، وتعيين السفراء.

في الدولة الفدرالية، تصبح الدول والأقاليم الأعضاء، جزءاً لا يتجزأ من مكانة، وهيبة، وأهمية وقوة الدولة الفدرالية، نظراً للفوائد والمكتسبات التي تحققها الدول الأعضاء من خلال هذه المنظومة، وهيكلها الدستوري.

لكن أن تكون هناك دولة مركزية، في بلد كلبنان مثلاً، لا تتجاوز مساحته الـ 10452 كلم٢، وفيه ثماني عشرة طائفة موزعة على مساحة الجغرافيا اللبنانية، كقطع الفسيفساء، ثم ينبري البعض للمطالبة بالفدرالية، انطلاقاً من خلفيات طائفية، وذهنية ضيقة، ومن وجهات نظر سياسية لها أبعادها ورهاناتها الخطيرة، على الرغم من انّ اللامركزية الإدارية الحالية في لبنان، تفعل فعلها، وتستخدم صلاحياتها، وتقوم بواجباتها من خلال المحافظات، والقائمقاميات، والبلديات، بما تتمتع به من صلاحيات، وتنفذها بأعمال ومشاريع في مجالات عديدة، تربوية، وصحية، وتنموية، وخدمية.

لكن عندما تتحول الدولة، من دولة مركزية، الى دولة فدرالية، فهذا أمر خطير، إذ يشكل تراجعاً إلى الوراء، لأنه سيمهّد الطريق في ما بعد، لأصحاب النزعات الانفصالية والاستقلالية، التوجه للانفصال الكامل، والعمل على إنشاء كيانات جديدة هزيلة منفصلة عن الوطن الأمّ.

وما لبنان إلا واحد من الدول في العالم العربي، الذي تفتك به التدخلات الأجنبية الخارجية لا سيما من “إسرائيل”، التي لم تتوقف عن العمل على تفكيك وتفتيت دوله. فالدولة المركزية في العراق، التي أعطت الحكم الذاتي للكرد، وانتقلت الى الدولة الفدرالية، لم تسفر غليل الكرد بحكمهم الذاتي، بل استغلوا الظروف في وقت من الأوقات، ليكشفوا عن نياتهم بالانفصال عن بغداد،

وذلك من خلال إجراء استفتاء، أعلنوا بعده الاستقلال عن العراق، وإقامة الدولة الكردية المستقلة، وإنْ تمّ في ما بعد إحباط هذا الانفصال.

وها هو جنوب السودان، الذي بدأ بالحكم الذاتي، وبعد ذلك بحقّ تقرير المصير، انتهى الى الانفصال الكامل عن الشمال، وإقامة جمهورية جنوب السودان، التي دعمت انفصالها القوى الغربية، ومعها “إسرائيل” التي اعترفت رسمياً وصراحة بذلك، بالإضافة الى دول الجوار السوداني.

وما الاقتتال الداخلي اليوم في ليبيا، واليمن، والصومال، والإرهاب المفروض على سورية والعراق من قبل القوى الأجنبية المتربصة ببلداننا، إلا ليستهدف وحدة الدول، وضربها من الداخل وتقسيمها الى دويلات هزيلة لا حول ولا قوة لها، تتقاتل وتتصارع في ما بينها، لتقوّض أمن ومستقبل الجميع من دون استثناء.

عندما تعلو اليوم أصوات مشبوهة في لبنان، تدعو إلى الفدرالية، فأيّ فدرالية يريدونها؟! هل هناك توافق لبناني عليها!؟

يا دعاة الفدرالية! أنتم لا تريدون وطناً موحّداً، ولا دولة متماسكة، ولا إصلاحاً ولا نهضة. أنتم تريدون لبنان أن يبقى بقرة حلوباً لكم ولعائلاتكم وأزلامكم… فبعد أن جفّ ضرع لبنان، وفعلتم بحقه وحق شعبه ما فعلتموه، تنادون اليوم بالفدرالية، علها تكون بنظركم المخرج المناسب، والملاذ الآمن لكم، لحمايتكم مستقبلاً من المسؤولية والمحاسبة، على ما اقترفته أياديكم السوداء بحق اللبنانيين على مدى عقود.

فحذار حذار من جرّ لبنان وشعبه الى الهلاك والفوضى وتفكيكه. فهذا أمر مرفوض مرفوض، وانْ كلف الحفاظ على وحدة لبنان، المزيد من التضحيات.

اللبنانيون الذين حافظوا على الأرض، لا يمكن لهم التفريط بوحدة الدولة تحت أيّ مسمّيات كانت!

ما نريده، هو لبنان الوحدة والمواطنية الحقيقية، لا لبنان التقسيم والفدرالية.

نريد وطناً نهائياً لجميع أبنائه، لا وطناً تتقاسمه عائلات الإقطاعيات المناطقية المستنسخة…

خيار اللبنانيبن الوحيد هو: إما لبنان الواحد، وإما الفدرالية من دون لبنان، وهذا أمر مرفوض ومستحيل، لأنّ قدر لبنان أن يبقى، وسيبقى…

وزير سابق

هل يحتاج لبنان الى نظام جديد؟

العميد د. أمين محمد حطيط

عندما أعلن لبنان الكبير في العام 1920 من قبل المفوّض السامي الفرنسي، كان جزءاً ممن اعتبروا بموجب الوضع الجديد لبنانيين في الدولة الوليدة، كان هذا الجزء يرفض الإعلان ويرفض قيام دولة تسلخهم عن سورية التي يعتبرونها الوطن الكبير لهم، شأنهم في ذلك شأن العلويين والدروز في سورية الذين رفضوا الانسلاخ عن الوطن الكبير وأطلقوا بلسان صالح العلي العلويّ صرخة «أكون مواطناً بسيطاً في سورية الكبرى ولا أقبل أن أكون حاكماً رئيساً في دولة قزم تخصّص للعلويين»، وكان للدروز وللعلويين ما أرادوا واستمرّوا جزءاً من الوطن الأمّ سورية، أما في لبنان فإنّ فريق رفض لبنان الكبير لم يصمد ولم يحقق غرضه بالبقاء في سورية، وأذعن للأمر الواقع وقبل بأن يكون الشمال والجنوب والبقاع جزءاً من هذه الدولة.

ولما دنت ساعة رحيل فرنسا وإعلان استقلال لبنان في العام 1943 تنازعت القوى السياسية اللبنانية المواقف بين فريق تدغدغ أفكاره أحلام العودة إلى سورية وفريق يتمسك بفرنسا أمّاً حنوناً تحضنه وتحميه من المحيط الشرقي الذي يرى أنه لا يتجانس معه بالدين، حتى ويغالي البعض بالقول إنه لا يتجانس معه بالقوميّة إلى حدّ كبير. وكحلّ وسط بين الفريقين ابتدعت معادلة تجمع رفضين بحيث يتنازل الفريق القومي عن طلب العودة إلى سورية ويتنازل الفريق اللبناني عن طلب الحماية الفرنسية، ويشترك الفريقان في العيش في لبنان كمواطنين يبتدعون صيغة حكم تحفظ لهم حقوقهم وتحفظ لبنان المستقل كما أعلنه المفوض السامي غورو، وهكذا نشأ الميثاق الوطني اللبناني المتضمّن موافقة مكونات الشعب اللبناني على العيش المشترك في دولة مستقلة، وابتدعت لهذه الدولة صيغة حكم طائفي توزع السلطة والحقوق على أساس طائفي أما الواجبات فتلقى على عاتق المكلفين على أساس فردي.

ولأنّ الصيغة الطائفية أخلّت بالمساواة بين الأفراد في الحقوق ومنحت فئة من اللبنانيين امتيازات جعلتها الفئة الحاكمة الممتازة، وصنّفت الطوائف من حيث الحقوق في درجات متفاوتة بحيث حرمت الطوائف الأقلّ عدداً من حق المشاركة بالسلطة أو تقلّد الوظائف العامة العليا ما أنشأ الشعور بالغبن، في مقابل تمسك أصحاب الامتيازات بامتيازاتهم مبرّرين ذلك بالخوف على المصير. وفي النتيجة نشأت في لبنان عقدتان عقدة الخوف وعقدة الغبن. عقدتان أفسدتا لدى الكثير الشعور بالمواطنية حتى وبالانتماء إلى لبنان وجعلتهم يتطلعون إلى الخارج للاستقواء به، ما فرض على لبنان واقعاً من عدم الاستقرار جعل الأوضاع تنفجر داخلياً مرة في كلّ عقد من الزمن، ما فرض على أصحاب الشأن مراجعة الصيغة مع التمسك بالميثاق، وحتى يطمئن الخائفون على المصير أطلق السيد موسى الصدر شعار «لبنان وطن نهائي لكلّ أبنائه»، وهو الشعار الذي أدخل في الدستور بعد اعتماده في اتفاق الطائف الذي ختم 14 عاماً من الحرب الأهلية في لبنان وأعاد توزيع السلطة والنظر بصيغتها على أسس جديدة.

لقد أمل الكثيرون في لبنان ان يشكل اتفاق الطائف 1989 مخرجاً يُرسي الاستقرار القائم على المساواة بين اللبنانيّين، خاصة أنه تضمّن من النصوص ما يعالج مخاوف وطموحات معظمهم. فنصّ على نهائيّة الكيان وعلى العلاقات المميّزة مع سورية وأعاد توزيع السلطة، كما نصّ على عدم مشروعيّة السلطة التي لا تراعي العيش المشترك بمعنى السلطة التي لا يشارك الجميع فيها، وأخيراً نصّ على وجوب إلغاء الطائفية السياسية لإقامة دولة المواطن بدلاً من دولة الطوائف، وأشار إلى وجوب المرور بمرحلة انتقالية مؤقتة تراعى فيها حقوق الطوائف في السلطة والوظائف العامة ريثما تلغى الطائفية السياسية.

بيد أنّ التطبيق جاء مجافياً للاتفاق، فمن حيث النهائية ظلت الأصوات تُسمع بإعادة النظر بالكيان (تقسيم… فيدرالية إلخ…) وفي العلاقة مع سورية انقلبت لتكون سورية عدواً للبعض وصديقاً حليفاً للبعض الآخر، وفي السلطة قامت بدعة الترويكا واختصرت الدولة بـ 3 أشخاص تقريباً وظلت طوائف مبعدة عنها (العلويون مثلاً لا وزير لهم) وحجب موضوع الطائفيّة السياسيّة ووضعت دونه الشروط التعجيزية من قبيل معالجة النفوس قبل النصوص، او القانون الموحّد للأحوال الشخصية وما إليه…

تسبّب التطبيق المخزي للدستور ولاتفاق الطائف بكوارث متعدّدة الوجوه حلت بكلّ لبنان واستشرى الفساد الذي تغذيه الطائفية، وتشكلت مواقع لشخصيات استبدادية تصادر طوائفها وتراكم الأموال سرقة واغتصاباً من المال العام، في مقابل تردّي كلّ شيء في الدولة التي انهارت ماليتها وانهار نقدها وشحّت مواردها ووقف معظم مواطنيها على عتبة الفقر والمجاعة، وأصبح الخوف على المستقبل شعوراً مشتركاً بين كلّ اللبنانيين.

إنّ ما عاناه لبنان ويعانيه اليوم هو نتيجة حتمية لاعتماد نظام طائفي ظالم يخلّ بالمساوة بين المواطنين، ولما رمّم النظام بنصوص قيل إنها مناسبة، فإنّ التعديل لم يطبق لا بل شهد الواقع تطبيقاً معاكساً، ولذلك كانت صرخات تطالب بمراجعة النظام مجدّداً، وأننا نرى انّ لهذه الصرخات مبرّرها فالكلّ يجمع بصراحة أو ضمناً على أنّ الوضع القائم لا يمكن ان يستمرّ حتى أولئك الذين يتمسّكون بالنصوص القائمة المعطل معظمها يعرفون انّ الاستمرار فيها أمر مستحيل وأنّ التطوير أو الإصلاح أو التعديل أمر لا بدّ منه. اعتقاد نكاد نقول إنه يشمل الجميع كما يشملهم الخوف على المصير كما قدّمنا ولا يتمسك بما هو قائم إلا قلة قليلة جداً من المستفيدين الذين هم فئة الـ 2% التي جمعت الثروات من خيرات الوطن.

وعليه ومنطلقين من مسلّمة أنّ الوضع القائم غير مقبول بات واجباً البحث عن حلّ او مخرج من المأساة القائمة، ولكن هنا ينبغي الحذر في اختيار الحلّ. إذ لا يقبل ان ننتقل من وضع ملتهب إلى وضع متفجّر أسوأ، ولا يمكن أن ننتقل من وضع غير مستقر إلى وضع زلزالي، وقبل أن نخوض في الحلّ الأسلم علينا الاتفاق حول آلية الوصول إليه. وهي آلية يمكن ان تبتكر لبنانياً من خلال النصوص الدستورية القائمة رغم انّ دستورنا يعتبر من أشدّ الدساتير جموداً، أو من خلال مؤتمر وطني تعتمد فيه أولاً مبادئ وطنية عامة تراعي نهائيّة الكيان والمساواة على أساس المواطنية وتحفظ الطوائف بصيغة لا تمسّ بحقوق الأفراد وكرامتهم، فهل نبادر إلى البحث؟ أم ننتظر الطوفان الأكبر أو الحريق الشامل؟

وفي هذا السياق نرى وجوب قبول أيّ يطرح يشكل في ذهن أصحابه مخرجاً لمأزق لبنان القائم، ويناقش بعقل منفتح وفقاً لأسس وطنيّة تمنع المسّ بوحدة لبنان وأمنه وسيادته وحقوق المواطن فيه ومبادئ العدالة والمساواة. فإذا وافقها يعتمد والا يستبعد، قبولاً او استبعاداً يتمّ على درجتين أولاً في الهيئة المصغرة التي تناقشه وتوصي به ثم من قبل عامة الشعب بناء لاستفتاء شعبي حقيقي. أما المكابرة ورفض المراجعة او إعادة النظر لمجرد الرفض فإنه يعني الإصرار على دمار الوطن وتهجير سكانه بحثاً عن لقمة العيش، من دون أن نغفل احتمال الانفجار الأمني الذي لا يمكن تفاديه مع اشتداد الجوع وتسارع الانهيار العام.

*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

إلى صاحب الكاركاتير – الفايروس في «الجمهورية»

رحاب مكحّل

لن يكون الردّ عليك بأسلوبك الفتنويّ لأننا ندافع عن حق ينحني العالم كله أمامه…

أنا كلبنانية فتحت عيونها على تلك الحرب اللعينة أودّ التذكير بالحقائق التالية:

أولاً: إنّ مجزرة البوسطة في عين الرمانة لم يرتكبها الفلسطينيون بل هم كانوا ضحيتها، ومعهم لبنانيون بينهم أصدقاء لي ورفاق في منظمة كفاح الطلبة كالشهيد غالب عكر ووالده.

ثانياً: أنّ الفلسطينيين كانوا ضحايا مجازر عدة في العديد من مخيماتهم ولم يرتكبوا مجازر… وكلنا يذكر مجزرة صبرا وشاتيلا التي هزّت ضمير العالم.

ثالثاً: أنّ الحروب في لبنان لم تبدأ في 13 نيسان 1975، ولا مع الوجود الفلسطيني في لبنان، بل بدأت قبل ذلك بمدة طويلة بدءاً من حروب 1840 و 1860 إلى أحداث 1958، وذلك على خلفيات طائفية، والطائفية هي الفايروس الحقيقيّ الذي فتك ويفتك بلبنان حتى اليوم…

رابعاً: أنّ الحروب في لبنان لم تتوقف رغم خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982، بل إنّ أقساها حصل بعد ذلك التاريخ سواء في حرب الجبل أو في حرب الإلغاء أو في مجزرة إهدن والصفرا وضحايا تلك الحروب كانوا لبنانيين، بل ومسيحيين أحياناً.

خامساً: انّ تشبيه الفدائي الفلسطيني الذي يقدّم حياته كلّ يوم من أجل تحرير بلاده وعودة شعبه إلى أرضه مسقطاً كلّ مؤامرات التوطين والوطن البديل ويكافح ضدّ فايروس خبيث يتهدّد البشرية، ليس إساءة لشعب بات محط إعجاب البشرية جمعاء، ونضاله ومقاومته فقط، بل هي إساءة للبنان أولاً الذي يعتز برسالته الإنسانية ودوره التحرري، وقيمه النهضوية وبما قدّمه، وما زال لقضية فلسطين ولمعاداة الصهيونية منذ عقود وعقود، إسهاماً شارك فيه مفكرون ومبدعون، قادة ومناضلون، علماء وأحبار، فانتزع لبنان برسالته النهضوية مكانته بين إخوانه العرب وفي العالم.

سادساً: لقد طوينا جميعاً تلك الصفحات المؤلمة في حياتنا على قاعدة «أنّ الماضي مدرسة نتعلّم منها وليس سجناً نبقى أسراه فنكرّر فتنه ومآسيه»، والله وليّ التوفيق…

*المديرة العامة للمركز العربيّ الدوليّ للتواصل والتضامن.

خطيئتان للحراك لا يجيب عليهما المدافعون

نوفمبر 15, 2019

ناصر قنديل

– مع المناخ الذي أطلقه الحراك الشعبي في التعبير عن الغضب المقدس بوجه الفشل والفساد معاً، وبالتعبير الموحّد عن إرادة جامعة للبنانيين تعبر الطوائف والمناطق، وقع الحراك فوراً بخطيئتين يصعب أن يتحرّر من آثامهما. الأولى، استجابته لدعوات بعض المتحمّسين أو المتطرفين أو المندسين، لاعتبار قطع الطرقات وسيلة سلمية وديمقراطية للتعبير، وتبرّع عدد من قادة الرأي الذين راهنوا على الحراك للدفاع عن قطع الطرقات، على الأقل في الأيام العشرين الأولى من عمر الحراك. والثانية، مغادرة الحراك شعاراته الاجتماعية والمالية، المرتبطة بمكافحة الفساد ومعالجة الأزمات الضاغطة، إلى دخول اللعبة السياسية وتقديم منصته كواحدة من أدوات التفاوض حول التوازنات داخل المجلس النيابي، من باب الدعوة لاستقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط.

– بقطع الطرقات منح الحراك الشرعية لمجموعة من الأطراف والقوى التي تملك مشاريعها الخاصة لاستغلاله واستثماره واستعارة اسمه وأهدافه، للنزول بشوارعها في ساحاتها، والإمساك بطرقاتها، وصولاً لتقطيع أوصال المناطق ومعاقبة اللبنانيين، والتعدّي على حرياتهم وكراماتهم، والنيل من معنويات ومهابة الجيش والقوى الأمنية، وشيئاً فشيئاً تحوّل قطع الطرقات إلى مشروع منفصل عن الحراك تقوده مافيات وعصابات من جهة، وميليشيات من جهة أخرى، وصار الحراك يتلقى العائدات السلبية لقطع الطرقات، ويقطف السارقون ما يريدونه من عائدات إيجابية لهم وفق حساباتهم، فمن يُردْ المال وجد باباً لتحصيله عبر الخوّات التي فرضها على عبور شاحنات المحروقات والمواد التموينية والخضار والفواكه والطحين، متسبباً بارتفاع الأسعار على المواطنين الذين تقطع الطرقات باسم فقرهم، ومَن يُردْ تعزيز وضعه التفاوضي السياسي وإيصال رسائل بالتصعيد والتهدئة، صارت الطرقات بريده المعتمد خارج حسابات الحراك ومشروعه الأصلي.

– بطرح استقالة الحكومة والدعوة لحكومة جديدة، قدّم الحراك المنصة مرة أخرى للعبة ليست لعبته، فتجمّد كل شيء يتصل بالمطالب، ملاحقات الفاسدين، وصارت استقالة الحكومة فرصة لها كي لا تتحمل مسؤولية أي حلول فورية، كالتسعير بالليرة اللبنانية لكل السلع والخدمات على سبيل المثال، وصار الحراك ورقة ضغط لتسريع الاستشارات النيابية ورقة ضغط بيد رئيس الحكومة المستقيلة والمعني الأول برئاسة الحكومة المقبلة بتسميته أو قيامه بتسمية بديل يرضاه، دون أن يكون مضطراً لدفع فواتير سياسية لشركائه في الحكومة السابقة، وينال ضمانات على الأقل بعدم تمثيل أي من منافسيه في طائفته وإحكام قبضته على كل تمرّد على زعامته لها، حتى عندما يرشح سواه فهو يتصرّف بقوة الإمساك بهذه الزعامة، ويضع الحراك خصوصاً في طرابلس حيث الحيويّة المشهودة لساحتها أمام اختبارات ليست من جيبه.

– صار الحراك وسط طريق زحام، لا يقدر على التراجع ولا يملك قوة الدفع للتقدّم، حتى تولد الحكومة الجديدة، وعندها لو رفض هذه الحكومة فسيمنح الرئيس الحريري فرصة العودة كمخلّص. وهذا هو المأزق الذي صنعه أصحاب قطع الطرقات وشعار استقالة الحكومة، وهو مأزق رفض التخلّي عنهما مبكراً ضمن مبادرة لتجسير المسافة بين الحراك والمقاومة.

Related Videos

Related News

Hiding the West’s ongoing neo-colonialism in Lebanon via blaming Iran (1/2)

 

Image result for ‫رفيق الحريري وشيراك‬‎

by Ramin Mazaheri for the Saker Blog

I have spoken with many in France’s huge expatriate Lebanese community – and from all groups – and not a single person has ever claimed that Iran was the power behind the scenes in Lebanon. Without fail I was told that this title belongs to France.

It shouldn’t be surprising: France completely devised modern Lebanon.

Many Lebanese don’t like to be reminded of this, but Lebanon is an artificial nation which France constructed entirely on the basis of racism: just as Zionists to the south wanted a “Jewish nation”, Lebanon was hacked off of Syria in 1920 to create a new Christian-majority nation.

That’s a “no longer relevant” tale of divide and conquer to some, even though a few centenarians may still remember the actual event.

France also devised Lebanon’s sectarianism-enshrining, woefully unmodern constitution, which has ensured divisive identity politics ever since.

Thus, just as Israel is a little part of the USA in the Middle East, Lebanon is the older, French version. The saying, “Beirut is the Paris of the Middle East” could not be more correct.

And yet, were an alien to visit and read Western mainstream media coverage of the recent protests in Lebanon it would not imagine that France ever had any role in Lebanon, much less a prominent role there today.

Image result for hariri corruption

Instead, Western headlines and reports all push the totally absurd claim that Iran has somehow become the neo-colonial master in Lebanon. Somehow – and via the poorest, most marginalised sectors of Lebanese society, no less – Iran has been able to usurp a century of French power.

Furthermore, despite the century of French involvement it is not France but Iran which is responsible for the corruption that has pushed so many Lebanese into the streets.

Apparently Iran took power and also became corrupt so very quickly that the Lebanese themselves didn’t even realise it! The idea is laughable.

Or perhaps: the Lebanese themselves don’t know what is actually going on in their own country – the West knows better.

These are the kind of ideas only a Westerner could believe.

The reason is simple: advertising works. Astute observers already realise that when it comes to the Middle East every problem – big or small – is blamed on Iran in the West.

However, what’s rarely examined is how this very real Iranophobia allows the West to obscure places where their neo-colonial machinations could not be more obvious, such as in Lebanon.

If it’s not Iran then it must be Hezbollah, but it can never be France

If the West cannot destroy Iran in 2019 they will happily settle for destroying Hezbollah.

There are two types of political parties: those which citizens fight to destroy (like the Yellow Vests and the three mainstream political parties in France), and those which citizens fight to preserve. There is no doubt which camp Hezbollah belongs to.

Hezbollah is the “Party of God” and the party of Lebanon’s poor, but many insist they are not a political party but a larger “resistance movement”. Amal is a political party allied with Hezbollah, and Western media coverage is doing their best to lump both in with the older, Western-aping, billionaire-backed parties which are the true cause of the recent corruption protests.

Hezbollah has always said they would never turn their guns on Lebanese, and even if the West doesn’t want anyone to know that the Lebanese certainly do. They know that without Hezbollah southern Lebanon would be called “Northern Israel” today. Or, nearly as badly, it would still be the State of Free Lebanon, that stillborn Israeli client from the early 1980s which no country besides Israel recognised. (That’s just more “no longer relevant” history to Western mainstream journalists of course.)

The West hates Hezbollah for the same reason Lebanon supports it – Hezbollah is what ensures Lebanon’s security from repeated, deadly, infrastructure-ruining Israeli invasions. After the 2006 war with Israel most Sunnis and an estimated 50% of Christians supported Hezbollah – that’s hardly sectarian hatred.

After saving the Lebanese from Israel on multiple occasions, the undeniable and enduring popular support of Hezbollah and Amal comes from their education, health and other social welfare organisations. Southern Lebanon is most notable not for being mostly Shia but for its extreme poverty, which was the result of decades of neglect from Paris-allied Beirut. Hezbollah and Amal helped reverse that, to the extreme embarrassment and consternation of France, Israel and their many sectarian militias, mafias and political puppets in Lebanon.

And yet despite being so late arriving to power, despite being anchored in the poorest regions, despite decades of neglect from Beirut, and despite illegal and inhuman US-led sanctions on Hezbollah… the West wants us to believe that Hezbollah and Amal are the ones responsible for the corruption at the heart of the current protests!

One has to wonder: if these two groups are so corrupt then where is the money, because it is certainly not in southern Lebanon?

The idea that Hassan Nasrallah, who can make a fair claim to be the most popular Muslim leader and hero in the world currently, is about to fall due to decades of corruption in Beirut is an absolute fantasy which can only be taken seriously in the West.

Again, what we have here is another situation where Western propaganda is aiming to manipulate legitimate unhappiness created by long-tenured Western client politicians in order to deny the West’s neo-colonial culpability. The legitimate demands in Yemen, Palestine and Iraq are all being portrayed as being caused by an Iranian neo-colonialism which does not exist, when the real culprit is the very real and very accurately-named Western neo-colonialism.

The West, of course, may speak of neoliberalism but never neo-colonialism.

The long-running source of corruption in Lebanon: Western-allied, neoliberal & neocolonial puppets

I would imagine that up to this point a Lebanese reader has been quite bored – I have only relayed things which he or she already knows quite well. But perhaps a Lebanese expatriate in Brazil or the United States – who cannot visit Lebanon so easily and who foolishly relies on the Western mainstream media – may not know some of these things.

What most Lebanese know quite intimately is that they no longer have a “real” economy. Their export capabilities are so woeful that scrap iron was their third top export in 2017, at just $179 million.

This is unsurprising, because Lebanon’s longtime function was to serve as France’s Middle East banking haven, with Switzerland-level secrecy laws dating to 1956. However, they have increasingly been replaced by Qatar and other Persian Gulf nations.

Banking is still a strong sector of their economy, but now mainly due to the huge number of remittances (only 4 million Lebanese live in Lebanon but there are an astonishing 8-12 million living as expatriates).

All this wouldn’t be a problem if Lebanon had a strong government to centrally plan and direct their limited economy, and also a government which cared for their 99% instead of their 1%, but Lebanon has neither of these things. The reason for this has nothing to do with Hezbollah, but everything to do with the real root of the current protests.

After the Taif Accords in 1989 and the fall of the USSR in 1991, Rafic Hariri, who became Lebanon’s richest man/prime minister thanks to earning billions via construction with the House of Saud, embarked on the massive “Horizon 2000” privatisation plan, which sold off the major industries and real estate of the Lebanese people. Hariri, in classic Western fashion, privatised the people’s wealth mainly to himself, but also to French companies.

Hariri’s “There Is No Alternative” (to neoliberalism) plan also included massive efforts to attract foreign investment, which ballooned the national debt – the funds were not spent on the poor, of course, but lined the pockets of the rich. France is always the one who organises the regular international debt conferences to restructure Lebanon’s debt, reaping compound interest payments all the while. Rafic Hariri was yet another Arab aristocrat who yoked his people to Western debtors for generations.

Hariri also banned protests and encouraged bribes and kickbacks to the army in order to continue his neoliberalisation drive totally unfettered.

For these reasons (i.e., he made them rich via ruthless self-interest) the assassinated Hariri is worshiped in the West as a true martyr to the neoliberal faith, whereas his corruption in Lebanon was infamous and resented. The most common phrase about him is, “He treated the state as if it was his home.”

His son Saad could have hardly done worse, but he certainly has tried: $16 million to a bikini model mistress, getting abducted by the Saudis and then resigning on their TV, etc. Saad Hariri has held so very many closed-door meetings with France’s president over the past decade that I truly just got tired of covering it for PressTV – I think he must have a private room at Élysée Palace?

What I have described is three decades of oligarchic economic corruption, mismanagement and economic far-right neglect, and here is the bill: At 158% Lebanon’s debt to GDP ratio is the 5th highest in the world, just behind Greece.

Few commentators go further, however: Lebanon’s external debt to GDP ratio is only around 45%, implying that there is a lot of money in Lebanon but held – in an inherently corrupt manner – by extremely few hands. And this is certainly the case: Lebanon’s richest 0.1% own the same amount of wealth as the poorest 50 percent, making Lebanon one of the most unequal countries in the world.

Lebanon is thus an economically rudderless, economically unequal and economically corrupt nation, and it is quite obvious that none of this happened because of late-arriving, poor-loving Hezbollah or Iran.

It is absolutely preposterous to believe that Iran or Hezbollah is the source of Lebanon’s inequality and corruption, and thus that they could be the true target of protesters. The Western Mainstream Media – mostly privately owned, incredibly chauvinistic – is trying to sell an anti-Iran/anti-Hezbollah conspiracy even though the Lebanese themselves will not be fooled by it for one second.

The West, especially France, created, applauded and profited Lebanon’s economic corruption via their unstinting support for the corrupt and despised Hariris, and also Israel’s expatriate-inducing, infrastructure destroying invasions. France’s role in saddling Lebanon’s economy with two million of Syrian and Palestinian refugees is also glossed over by the Western mainstream media, of course.

I hope the true profiteers of Lebanon’s misery will finally be called to account. The Lebanese know who has robbed them, and it is not Hezbollah, Nasrallah or Iran.

Part 2 in this series will give more details on the corrupt Lebanese politicians of today, most of who are associated with violent militias armed and funded by France and/or Israel.

Ramin Mazaheri is the chief correspondent in Paris for Press TV and has lived in France since 2009. He has been a daily newspaper reporter in the US, and has reported from Iran, Cuba, Egypt, Tunisia, South Korea and elsewhere. He is the author of the books I’ll Ruin Everything You Are: Ending Western Propaganda on Red China and the upcoming Socialism’s Ignored Success: Iranian Islamic Socialism. He can be reached on Facebook.

 

قوى الطوائف مع دولة مدنية في لبنان The forces of sects with a civil state in Lebanon

أكتوبر 30, 2019

د.وفيق إبراهيم

يطغى شعار الدولة المدنية على كل الشعارات الأخرى في المرحلة الحالية في لبنان، متحكماً بالسنة السياسيين وقادة الأحزاب بشكل مذهل يدعو الى طرح سؤال وحيد، اذا كانت كل هذه القوى مع الدولة المدنية، فأين هي أحزاب النظام الطائفي المسيطر على البلاد منذ 1948 ؟

وكيف استطاع هذا النظام الصمود بمذهبيته العميقة، فيما تؤيد كل مكوناته مدنية الدولة؟

هنا تكمن إحدى المعجزات الكبيرة التي لا يفهمها إلا السياسيون اللبنانيون المتمكنون إلى حدود الاحتراف في تقديم صور متعددة لانتماءاتهم السياسية. فهل هناك مثيل للوزير السابق وليد جنبلاط الذي يترأس حزباً مذهبياً وإقطاعيا ومناطقياً وتقدمياً واشتراكياً وأخيراً مؤيداً للدولة المدنية!

أما رئيس حزب القوات السيد سمير جعجع فابتدأ حياته الاحترافية قائداً في حزب فجر حرباً طائفية استمرت حتى تسعينات القرن الماضي، مستفيداً من دعم إسرائيلي للبنان، أيدته القوات الجعجعية وشاركت فيه بالمزيد من اقتراف المجازر الطائفية.

وهذا ينطبق على جميع أحزاب لبنان العاملة ضمن إطار النظام السياسي مقابل أحزاب وطنية ويسارية وقومية تؤمن بالدولة المدنية ولم تنتم يوماً إلى مؤسسات النظام.

لقد وصل هذا التلفيق إلى حدود القوى الدينية، التي تعلن تأييدها للحراك الشعبي فهل تؤيد حقاً الدولة المدنية؟

علينا أولاً الإشارة إلى أن الدولة المدنية تقوم على فصل التأثير الديني عن تفاعلات السياسة وحصره في إطار خاص به يعتبر أن الدين وسيلة للعبادة وليس للسيطرة السياسية.

هذا ما فعلته اوروبا واميركا واليابان والصين وروسيا، وبلدان أخرى كثيرة.

لذلك فإن الدولة الفرنسية مثلاً ألغت التقسيم الطائفي للسلطة بين الكاثوليك والبروتستانت وجعلت من الانتماء الوطني المفتوح قاعدة للدمج الاجتماعي بالمساواة الكاملة لمواطنيها في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى اساس الوطنية والكفاءة، وبذلك اعادت الدين الى مواقعه في الكنائس مع حصر دوره في العبادات، حتى أن الزواج الفرنسي الزامي في البلديات، حتى يصبح شرعياً.

ونحت معظم دول العالم على الطريقة نفسها لكن الدين في العالم العربي والاسلامي يجري استخدامه وسيلة للتحشيد وتشكيل العصبيات السياسية فالوهابية في السعودية اداة لضبط السكان في طاعة آل سعود، ومفتي الأزهر أقوى مؤيدي كل نظام مصري جديد.

ان احوال القوى الدينية متشابهة في العالم الاسلامي ومهمتها الوحيدة تطويع الناس لخدمة المسؤولين السياسيين.

أما لبنان فبالغ في طائفية نظامه السياسي نظراً لتعددية المذاهب والاديان فيه. ففيما يحرص الدستور في مصر والمغرب والجزائر والسودان والاردن على اسلامية الدولة والرئيس، يذهب النظام السياسي اللبناني نحو «مذهبة» رؤساء مؤسساته الدستورية ونوابه ووزرائه والموظفين الاداريين والقضاء والجامعات وكل شيء تقريباً.

وهذا ما ادى الى تجذير الطائفية في لبنان، متيحاً لطبقته السياسية بالهيمنة على كل شيء تقريباً، وهذا حول المواطن متسولاً يبحث عن لقمة عيشه عند المسؤول عن طائفته، حتى أصبحت الطائفية معممة في العلاقات بين اللبنانيين وعلى كل المستويات.

فانتفخت الاحزاب واصبح لكل طائفة احزابها الناطقة باسمها والمستولية على قواها عند كل المكونات ومن دون استثناء.

لقد ادى هذا النمط من العلاقات السياسية الى تراكم اكبر فساد سياسي معروف في دولة بحجم لبنان مستتبعاً سطواً كاملاً على مقدرات البلاد باسلوب علني يحتمي بالتحشيد الطائفي، ما انتج بطالة وتضخماً وافلاساً وعجزاً ويناً عاماً يزيد على المئة وعشرين مليارا دولار في دولة لا يتعدى ناتجها الوطني العشرين ملياراً.

وغابت الكهرباء والمياه وتكدست النفايات واصبح الأمن فئوياً يخضع لسلطة الزعماء الذين اضافوا الى قوتهم ميزة القداسة الدينية.

هذا ما يدفع الى الحيرة في احزاب طائفية تسللت الى قيادة التحرك الشعبي المتواصل وتطالب بدولة مدنية، فهل هي جدية في مطالبتها ام انها تحاول السيطرة على هذا الحراك الشعبي ذي السمتين الجديدتين على لبنان وهما:تبلور شعور طبقي مع اتجاه نحو الاحساس بالوطنية على حساب تراجع هيمنة «المقدس» القامع لمصالح الناس باللعب عن العصبيات الطائفية والمذهبية.

لعل هذا يؤكد أن الاحزاب المحركة للمتظاهرين، تستعمل هذه الاساليب في إطار صراعاتها مع احزاب اخرى ضمن السلطة، لذلك تذهب نحو استغلال انتفاضة اللبنانيين على النظام الطائفي بتبني شعاراتهم حول ضرورة الدولة المدنية.

والدليل أن الحريري يقدم نفسه «بيي السنة» وجنبلاط سلطان الشوف وعالية وجعجع المدافع عن القديسين، وللامانة فإن هذا الوضع يشمل كل احزاب السلطة من دون استثناء. فهل نحن عشية تحول لبنان دولة مدنية؟

يحتاج هذا الأمر الى احزاب سياسية حقيقية تؤمن بمدنية الدولة، هناك الكثير منها خارج السلطة، لذلك فليست بقادرة على تغيير النظام الطائفي.

ان هذاالتغيير يحتاج الى موازنات قوى شعبية لها قياداتها الفعلية والتحرك الاخير هو الحركة الاساسية في رحلة الألف ميل للقضاء على نظام طائفي متلون يستعمل كل الشعارات الديموقراطية الحديثة وهي براء منه، لذلك فإن اللبنانيين ذاهبون نحو بناء دولة مدنية فعلية تحتاج الى قليل من الصبر والكثير من موازين القوى.

Translation By Word 2019

The forces of sects with a civil state in Lebanon

October 30, 2019

Dr. Wafiq Ibrahim

The slogan of the civil state dominates all the other slogans at the current stage in Lebanon, controlling the Sunni politicians and party leaders in a stunning way to ask the only question, if all these forces are with the civil state, where are the parties of the sectarian regime that has controlled the country since 1948?

How has this regime been able to withstand its deep ideology, while all its components support the civil state?

Here lies one of the great miracles that only lebanese politicians who are able to the limits of professionalism understand in providing multiple images of their political affiliations. Is there an instance of former minister Walid Jumblatt, who heads a sectarian, feudal, regional, progressive, socialist and finally a supporter of the civilstate!

The head of the Forces Party, Mr. Samir Geagea, began his professional career as a leader of the Party that blew up a sectarian war that lasted until the 1990s, taking advantage of Israeli support for Lebanon, which was supported by the Geagea forces and participated in more sectarianmassacres.

This applies to all parties in Lebanon operating within the framework of the political system as opposed to national, leftist and nationalist parties that believe in the civil state and have never belonged to the institutions of theregime.

This fabrication has reached the limits of the religious forces, which declare their support for the popular movement. Do you really support the civil state?

First, we should point out that the civil state is based on separating religious influence from the interactions of politics and limiting it to its own framework that considers religion to be a means of worship, not politicalcontrol.

This is what Europe, America, Japan, China, Russia and many other countries havedone.

The French State, for example, abolished the sectarian division of power between Catholics and Protestants and made open national belonging a basis for social integration with the full equality of its citizens in political, social and economic rights, on the basis of patriotism and efficiency, thereby restoring religion. To his positions in the churches with limited his role in worship, so that French marriage is compulsory in the municipalities, until it becomeslegal.

Most of the countries of the world are in the same way, but religion in the Arab and Islamic world is being used as a means of shaping political tensions, Wahhabism in Saudi Arabia is a tool to control the population in obedience to the Al Saud, and the Mufti of Al-Azhar is the strongest supporter of every new Egyptianregime.

The conditions of religious forces are similar in the Islamic world and their sole mission is to recruit people to serve politicalofficials.

Lebanon, on the other hand, has over-sectarianism in its political system because of its multi-confessional and religious system. While the constitution in Egypt, Morocco, Algeria, Sudan and Jordan is keen on the Islamic state and the president, the Lebanese political system goes towards the “gilded” heads of its constitutional institutions, its deputies, its ministers, administrative officials, the judiciary, universities and almosteverything.

This led to the rooting of sectarianism in Lebanon, allowing its political class to dominate almost everything, and this is about the citizen who is seeking a living at the head of his community, until sectarianism became generalized in relations between the Lebanese and at alllevels.

The parties have blown up and each group has its own own parties and has taken over its powers in all components withoutexception.

This type of political relations has led to the accumulation of the biggest known political corruption in a country the size of Lebanon, following a complete robbery of the country’s capabilities in a public way that protects sectarian ism, which has resulted in unemployment, inflation, bankruptcy, deficits and public debt of more than 120 billion dollars in a country that does not exceed Its national product is 20billion.

Electricity and water were absent, waste was piled up and security became a category under the authority of leaders who added to their power the advantage of religiousholiness.

This is what causes confusion in sectarian parties that have infiltrated the leadership of the popular movement and demands a civil state, is it serious in its demand or is it trying to control this popular movement with two new poisons on Lebanon: the crystallization of a class feeling with a trend towards a sense of patriotism at the expense of the decline of hegemony « Al-Maqdis» suppressing the interests of the people by playing about sectarian and sectariantensions.

Perhaps this confirms that the parties driving the demonstrators, use these methods in the context of their conflicts with other parties within the authority, so they go towards exploiting the uprising of the Lebanese on the sectarian system by adopting their slogans about the necessity of a civilstate.

The proof is that Hariri presents himself as “Bay sunnah”, “Jumblat sultan al-Shuf” and Aalay and Geagea, the defender of the saints, and to be honest, this situation includes all parties of power without exception. Are we on the eve of Lebanon’s transformation as a civil state?

This needs real political parties that believe in the civility of the state, there are many of them outside power, so they are not able to change the sectariansystem.

This change needs the budgets of popular forces that have their actual leadership and the last move is the main movement in the journey of a thousand miles to eliminate a sectarian system that uses all the slogans of modern democracy and is innocent of it, so the Lebanese are going towards building a real civil state that needs a little bit of Patience and a lot of powerbalances.