الوحدة المصرية السورية في ذكراها.. أعداء الوحدة يتجدّدون والحاجة لها تتضاعف

2023 25 شباط

أثارت استراتيجية القوس المصري – السوري أحقاد ومخاوف الاستعمار البريطاني

موفق محادين 

سنبقى نراوح مكاننا إذا لم تقم تجربة جديدة لبناء القوس المصري – السوري، كرافعة تاريخية مناهضة بالضرورة للتحالف الإمبريالي – الصهيوني- الرجعي – العثماني.

    شكّلت مصر وسوريا، أهم قوس استراتيجي في تاريخ الأمة التي اعتمد نهوضها في كل مرة على هذا القوس وتكامله ضمن خطاب سياسي – اجتماعي متصادم بالضرورة مع موجات الغزو المتتالية، من أوروبا الإقطاعية، مرحلة ما يعرف بالحملات الصليبية، إلى أوروبا الرأسمالية ثم المنظومة الإمبريالية العالمية ومن يتصدّرها في كل حقبة. 

    إضافة إلى الأدبيات الناصرية وخاصة فلسفة الثورة والميثاق لجمال عبد الناصر، وكتابات نديم البيطار وأنور عبد الملك وعصمت سيف الدولة وسمير أمين وياسين الحافظ، فإن كتابات المفكّر المصري، جمال حمدان، شكّلت ولا تزال الخلفية الاستراتيجية لبناء تصوّرات جيوبولوتيكية تدعم وتؤطر فكرة القوس المصري السوري وأهميته الحيوية لاشتباك تاريخي مع الغزاة وللتأسيس للرافعة الكبرى لنهوض الأمة ووحدتها. 

    وليس بلا معنى أن محاولات الاقتراب من هذا القوس، اتسمت بملامح وقواسم مشتركة على الصعيدين الإقليمي والدولي، بصرف النظر، أولاً، عن السمات الاجتماعية والطبقية للقوى السياسية النافذة التي تتطلّع إلى دور إقليمي انطلاقاً من هذا القوس، وثانياَ بصرف النظر عن المرحلة التاريخية. 

    التجربة الأولى.. محمد علي

    في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، اصطدم حاكم مصر القوي، محمد علي باشا، بقوى محلية وإقليمية ودولية لم ترق لها نهضة مصر وترجمة هذه النهضة بدور محوري، يتكامل مع بلاد الشام من موقع الشوكة والاستقلال في مواجهة الغزاة. 

    بداية، وبالتقاطع مع مخاوف الباب العالي العثماني من التحالف الوهابي – السعودي (آل السعود وآل الشيخ) اندفعت القوات المصرية إلى الحجاز ثم إلى نجد وخاصة الدرعية وتمكّنت من تصفية الحركة الوهابية، التي كانت قد ارتبطت مع قلم الاستخبارات في شركة الهند الشرقية البريطانية، وفق اعترافات بيركهارت، الذي تحوّل من عالم آثار سويسري إلى مبعوث للمخابرات البريطانية باسم الشيخ عبد الله اللوزاني، وكان من أهم قنوات الاتصال مع الوهابيين وتزويدهم بالمال والبنادق الحديثة. 

    في مرحلة لاحقة، وبعد أن استشعر محمد علي ضعف الاحتلال العثماني وسلاطينه في إسطنبول، دفع قواته إلى سوريا الطبيعية (سوريا الحالية أو الشام بلغة القوميين السوريين، فلسطين، الأردن ولبنان)، وتمكّنت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا من سحق الجيوش العثمانية وقتل وأسر عشرات الآلاف منها، ثم الزحف إلى إسطنبول وضرب حصار عليها مقدّمة لإنهاء السلطنة فيها ونقل المركز إلى القاهرة. 

    خلال هذه السنوات، أطلق المصريون مشروعاً جديداً في المناطق التي حرّروها من الاحتلال العثماني ومن ربقة التحالف السعودي الوهابي، ومن ذلك تحديث الإدارة والجيش وسك العملة، وفرض نمط من الضرائب الحديثة بدل الجباية العثمانية الإقطاعية، وكذلك توسيع البيمارستانات وإقامة العديد من مدارس التجهيز الإعدادية، كما أطلقوا موجة واسعة من التسامح بين المذاهب والطوائف وحوّلوا الأزهر إلى مرجعية فقهية ضمن التوجّه الجديد. 

    بالطبع وبالتأكيد وبسبب الطبيعة الطبقية للحكم الجديد ونزعاته الرأسمالية المبكرة بالتعاون مع الفرنسيين، ترافقت هذه الإدارة مع أساليب وسياسات استخدمت من قبل خصوم محمد علي للتحريض عليه. 

    في المقابل، أثارت استراتيجية القوس المصري – السوري أحقاد ومخاوف الاستعمار البريطاني إضافة إلى الباب العالي العثماني، وكذلك قوى عديدة عشائرية وطائفية منها الحركة الوهابية، فتجمّعت كل هذه القوى حول البعثات البريطانية ومعظمها من الجواسيس وشكّلت (جبهة) واسعة ضد المصريين، ومن ذلك: 

    – تحريض تجار الشام وبيروت والقبائل في فلسطين وشرق الأردن ضد محمد علي وشن حملة واسعة في الصحافة البريطانية نفسها، ويشار هنا إلى حصار إبراهيم باشا، قائد الجيوش المصرية لقلعة الكرك في شرق الأردن، بعد أن هرب إليها عدد من قادة التمرد في جبال نابلس المدعومين من المخابرات البريطانية، ومن المؤسف أن هناك من اعتبر التحالف بين قادة التمرد في نابلس والكرك ضد توحيد مصر وسوريا جزءاً من التاريخ الوطني. 

    – بيد أن الأخطر من كل ذلك هو مؤتمر لندن الذي عقد بدعم ورعاية عائلة روتشيلد اليهودية وبالتنسيق مع رئيس وزراء الإمبريالية البريطانية آنذاك، وهو دزرائيلي (من أصول يهودية). وقد شارك في المؤتمر إضافة إلى ممثلي الحكومة البريطانية وروتشيلد نفسه، ممثلون عن إمبراطورية النمسا – المجر، وروسيا القيصرية، وقرّروا حشد قوة بحرية وبرية لإجبار محمد علي على فك الحصار عن إسطنبول والانسحاب من سوريا. وعندما أدرك محمد علي صعوبة هذا الموقف بعد تخلّي فرنسا عنه، انصاع لمطالب مؤتمر لندن. 

    التجربة الثانية.. عبد الناصر

    بعد أقل من قرن على تجربة الوحدة المصرية السورية الأولى، تشكّلت ظروف شبيهة إلى حد ما من حيث، ظهور زعيم قوي بكاريزما تاريخية هو جمال عبد الناصر، ومن حيث الدور البريطاني ومعه القوة الإمبريالية الجديدة ممثلة بالولايات المتحدة، ومن حيث الدور التركي، وكذلك دور الوهابية وجماعات التجار وأوساط من القبائل وتجار الدين. 

    بعد سنوات قليلة من ثورة تموز/يوليو 1952 في مصر، وجدت الثورة نفسها بقيادة جمال عبد الناصر في مواجهة تحديات داخلية وخارجية متشابكة: الكيان الصهيوني، رواسب الإقطاع، وشركة قناة السويس البريطانية وأصابعها من البرجوازية الطفيلية وبقايا حكم الملكية الفاسدة وجماعات حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين والإسلام السياسي المموّل من هذه الشركة.

    فكان تأميم قناة السويس في الداخل والتصدي لحلف بغداد في الخارج (الحلف هو الذراع العسكري الجنوبي لحلف الأطلسي ومركزه الإقليمي، التركي – العراقي)، كما أدركت الثورة الناصرية مبكراً أن المعركة في بر مصر شديدة الصلة بالمعركة في بر سوريا والأمة عموماً، بل أن المتروبولات الإمبريالية وخاصة لندن وواشنطن سرعان ما راحت تطوّق الثورة المصرية من خلال محاولات الاستحواذ على الشرق العربي وخاصة سوريا.

    وعندما فشلت في جر دمشق إلى حلف أنقرة – بغداد، دفعت القوات التركية إلى احتلال شمال سوريا 1957 وشق الجيش السوري (الفتي) بمجموعات منشقة تحت عنوان (الجيش الحر) مرتبطة بحكومة انتقالية تديرها بريطانيا والولايات المتحدة من تركيا (النسخة الأصلية لما شهدته سوريا في العشرية السوداء)، وقد شارك في حكومة الائتلاف العميلة آنذاك بقايا الرواسب الإقطاعية والبرجوازيات الطفيلية وأوساط ليبرالية وجماعة الإخوان المسلمين والإرهاصات الأولى للوهابية خارج حدود السعودية وقطر.

    في هذه اللحظة التاريخية، أصرت القوى الوطنية السورية بكل تياراتها على إقامة وحدة كاملة مع مصر برئاسة جمال عبد الناصر، ومع أن مصر لم تكن مستعدة تماماً لهذه التجربة، فقد تجاوبت معها بسرعة.

    وكما في مشهد القرن التاسع عشر، وجدت الوحدة المصرية السورية الجديدة (1958 – 1961) نفسها أمام قوى وأساليب وأدوات وتحالفات وسياسات تشبه سابقتها: بريطانيا من جديد ومعها الولايات المتحدة، تركيا المحمولة من الغرب الرأسمالي الاستعماري، والوهابية بثوبها الجديد، إضافة إلى رشوة وتحريض واسعين في أوساط قبلية وطائفية تحت العنوان نفسه (التخلص من الاستعمار المصري). 

    أيضاً، إذا كانت اليهودية العالمية قد تحرّكت ضد محمد علي من خلال روتشيلد وبيوتاته المالية في القرن التاسع عشر، فقد عادت في التجربة الجديدة من خلال الروتشيلدية الجديدة وأداتها الكولونيالية الاستياطنية باسم الكيان الإسرائيلي، بل إن هذا الكيان وبتوصية روتشيلد من خلال ما عرف بصندوق اكتشاف فلسطين لتمويل الاستيطان اليهودي، هو الذي نصح بريطانيا والغرب بإقامة “بافر ستيت” يهودي في فلسطين بعد احتلالها، يفصل مصر عن سوريا الطبيعية ولا يسمح بتكرار تجربة محمد علي.

    ومن المؤسف أن مصير الوحدة الجديدة لم يكن أفضل من سابقتها بعد الانفصال الذي شاركت فيه قوى متعددة، ولم تشكّل أخطاء الوحدة مبرّراً حقيقياً للانفصال الذي يعود في حقيقته إلى التآمر الخارجي ودور المخابرات البريطانية والأميركية وأعوانهما السياسيين وقوى البرجوازية التي تضرّرت من قوانين التأميم والإصلاح الزراعي. ومن المؤسف كذلك أن مواقف قوى محسوبة على الحركة الوطنية قدّمت غطاء لهذا الانفصال، إضافة إلى رفض جمال عبد الناصر الدفاع عن الوحدة بالقوة، متجاهلاً أنه ما من وحدة قومية في التاريخ قامت بطريقة سلمية ومن دون شلال من الدم.

    وما زلنا وسنبقى نراوح مكاننا إذا لم تقم تجربة ثالثة لبناء القوس المصري – السوري كرافعة تاريخية مناهضة بالضرورة للتحالف الإمبريالي – الصهيوني- الرجعي– العثماني، فإما هذا القوس التاريخي وإما كيانات برسم التشظي إلى هويات قاتلة وكانتونات طائفية وجهوية ومجالات حيوية يتقاسمها العدو الصهيوني والعثمانيون الجدد تحت سقف الإمبريالية العالمية.

    إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

    Robert Inlakesh: How Israel’s 1967 war paved the way for the turmoil in today’s Middle East

    On the anniversary of the Six-Day War, RT looks at how the conflict shaped the region

    5 Jun, 2022

    Robert Inlakesh: How Israel’s 1967 war paved the way for the turmoil in today's Middle East
    FILE PHOTO. Israeli Centurion tank corps prepare for battle during the Six-Day War. © Getty Images / Three Lions
    Robert Inlakesh is a political analyst, journalist and documentary filmmaker currently based in London, UK. He has reported from and lived in the occupied Palestinian territories and currently works with Quds News. Director of ‘Steal of the Century: Trump’s Palestine-Israel Catastrophe’. 

    On the 5th of June, 1967, a conflict which lasted only six days would go on to re-shape the entire Middle East, overthrow secular Arab Nationalism and unite Tel Aviv with Washington. All of which would pave the way for Israel to be handed carte blanche by the world’s most powerful country and prompt a US policy that would go on to tear the entire region to pieces.

    The Six-Day War of 1967 is often misconstrued in popular Western discourse as having represented a victory for liberal democracy.

    Often presented as a battle between good and evil, the Jewish David and Arab Goliath, the real story of the third Arab-Israeli war was one of a shrewd, but brutal, political power play on the part of Israel.

    One that for better, or for worse, caused a re-structuring of Middle Eastern resistance to the West, as well as of the US-led bloc’s policy in the region. 

    Israel based its argument for what it deemed a necessary and “pre-emptive war” on Cairo’s decision to amass its military forces in the Sinai Peninsula, and Egyptian President Gamal Abdul-Nasser’s announcement that he would close the Gulf of Aqaba. These events were enough to convince many that Tel Aviv genuinely feared a military offensive coordinated by President Nasser, with the participation of Syria. Damascus had also re-enforced its military presence near the border, with Soviet backing.

    The reality was, however, that Egypt was engaged in a grueling war in Yemen, deploying three quarters of its military into the country and had lost nearly 10,000 men in the process. It was so catastrophic for Nasser that the intervention there was later referred to by historians as “Egypt’s Vietnam.” The Egyptian president clearly wasn’t ready to confront Israel and had amassed his troops in the Sinai as a show of force, in order to save face at a time when he faced pushback over the other conflict. 

    As for the closure of the Gulf of Aqaba, Nasser never properly followed through on blocking the Straits of Tiran and despite the rhetoric, they were never closed for much more than a day.

    Come June 5, 1967, Israel launched ‘Operation Focus’, an aerial attack which wiped out the near entirety of Egypt’s air force in a matter of minutes, ensuring what would become an overwhelming victory for the Israelis. Prior to the war, the assessment previously offered to Israel, by US President Lyndon Johnson, was that US intelligence believed that the United Arab Republic (Egypt) would not attack, and that if it did, Israel would “whip the hell out of them.”

    Leonid Brezhnev, then leader of the Soviet Union, had stated in a brief, prior to the Six-Day War of 1967, that Israel had received huge amounts of armaments from the West. Brezhnev went on to express his government’s fear that the weakening of Arab nations could lead to the collapse of the anti-Colonialist movement in the Middle East. Following the war, Egypt, Jordan, Syria and Palestine had been decisively defeated. However, it didn’t stop the anti-Colonialist movement in the Middle East, but instead paved the way for its reformation.

    The US was thrilled with Israel’s defeat of its Arab neighbors and considered the war to have served its own interests in putting Nasser in his place and weakening Soviet allies. Washington now valued Israel as an essential part of its Cold War strategy against the USSR. What ensued was the inevitable tightening of the Israel-US relationship, which paved the way for the alliance we see today. Israel had earned its place amongst Western Nations and would go on to aid in implementing the subsequent “Kissinger Doctrine” that the US would employ in the Middle East. 

    The 1967 victory was a stunning one for Israel, cementing its place in the region, but it also represented a catastrophe for the Arabs, known as the “Naksa” (Setback). Over 300,000 Palestinians had been forced from their homeland, as Israel occupied the entirety of historic Palestine, in addition to the Egyptian Sinai Peninsula and the Syrian Golan Heights. Furthermore, the war had largely defeated secular Arab Nationalism and represented a death blow to the Egyptian President’s brand of it, known as Nasserism. 

    Up until that point, the most popular political ideologies in the Middle East had been Arab Nationalism, Socialist Pan-Arabism and Communism. The Egyptian President, who would die of a heart attack a few years later in 1970, was the primary influencer of Arab revolutionaries that existed in the region. With the perceived failure of Arab Nationalism, there would then emerge a number of competitor ideologies with which Arab movements and leaders would choose to fight their enemies. The most prominent of which would later become revolutionary Islamism, something that Nasser had actually helped to suppress, as it manifested itself in the form of the Egyptian Muslim Brotherhood. 

    As for Palestine, the future negotiations for Palestinian statehood would go on to be based upon reclaiming the 22 percent of the country – the West Bank, East Jerusalem and Gaza Strip – that Israel occupied during the 1967 war. Israel would emerge as major power that would primarily serve a US agenda in the region and could act at that point, seemingly, with impunity against its enemies. 

    Today, over 1,000 Palestinians are being forced out of their homes, as Israeli forces bulldoze a collection of West Bank villages known as Masafer Yatta. This is the single largest act of ethnic cleansing, ordered by Tel Aviv against Palestinians, since the 1967 war. The position that the US began to take in 1967, unconditional support for Israel, hasn’t changed and the country’s utility for Washington’s agenda in the region, and its powerful lobby in America, means its human rights violations are ignored. 

    Therefore, 55 years after the Six-Day War, there is no barrier to Tel Aviv’s behaviour, and it seems to have a free pass to deal with its enemies in whatever manner it chooses, even if that ends up contradicting US policy.

    The statements, views and opinions expressed in this column are solely those of the author and do not necessarily represent those of RT.

    Related

    13 years after the Departure of the Palestinian Revolution’s Hakim 13 عاماً على رحيل حكيم الثورة الفلسطينيّة

    **Please scroll down for the Arabic version **

    “الثوريون لا يموتون أبدا”

    Machine translation

    “Revolutionaries never die.”

    Watan: Today marks the anniversary of the departure of the national, national and international leader, founder of the Movement of Arab Nationalists and the Popular Front for the Liberation of Palestine (PFLP), “Hakim” George Habash.

    Born in the Palestinian city of Lod on August 2, 1926,to an affluent Christian Orthodoxfamily.

    -He completed his studies for the primary and secondary stages in Jaffa and Jerusalem, and in 1944 enrolled in the Faculty of Medicine at the American University of Beirut, where he graduated as a doctor in 1951, and during his studies he was a prominent political figure who worked through the association “Al-urwa al-Wuthqa” at the university, and through the “Resistance to Reconciliation with Israel” association.

    – One of the activists of the””Al-urwa al-Wuthqa”” association at the American University of Beirut, whose main engine was Dr. Constantine Zureik, then co-founded the “Arab Youth Organisation”, which was established in 1951 and then issued the publication “Revenge”, and held its first conference in 1954 under the chairmanship of George Habash and emerged from it the Movement of Arab Nationalists, and was the most prominent members of the movement, Wadih Haddad, Hani Al Hindi, Ahmed Al Yamani, Ahmed Al Khatib, Saleh Shibl, Hamad Al Farhan and Hamed Al Jubouri

    – Nominated for parliamentary elections in Jordan in August 1956.

    -The Movement of Arab Nationalists in Jordan was banned in 1957 and Habash was forced to hide and live in secret, and in 1958 he moved to Damascus.

    عبد الناصر والحكيم - بوابة الهدف الإخبارية

    – He married in Damascus in early 1961, and remained there throughout the period of unity with Egypt, and in the meantime the Movement of Arab Nationalists strongly supported President Gamal Abdel Nasser, and one of its founders (Hani al-Hindi) took over one of the ministries under unity.

    – Following the defeat of June 1967, he and a group of his colleagues in the Movement of Arab Nationalists established the Popular Front for the Liberation of Palestine, which was officially declared on 11 December 1967, and since then the Front has not ceased its nationalist origins with a Marxist vision. Habash declared his affiliation and the Popular Front affiliation with the Marxist-Leninist ideology,

    -His relationship with President Gamal Abdel Nasser remained very close, but began to break in in July 1970 when President Nasser approved the Rogers project.

    In 1971, confrontations known as “Black September” broke out between the revolution and the resistance on the one hand and the Jordanian regime on the other hand, which resulted in the expulsion of the Fedayeen forces from Amman and the Ahrash later on.

    – In 1971 after the movement of the Palestinian Resistance Forces to the south Lebanon and the camps of Beirut, Habash moved to Lebanon.

    – On March 14, 1972, he announced the cessation of the hijacking strategy.

    – The Popular Front announced the withdrawal from the Executive Committee of the PLO in September 1974 in protest against the new political direction of the PLO, known as the 10-point program approved by the 10th Palestinian National Council.

    – He made a significant contribution to the establishment of the Arab Socialist Action Party in Lebanon and other Arab countries.

    – Israel tried to arrest him and kill him more than once, most notably the attempt to hijack one of the planes immediately after taking off from Beirut airport for Baghdad because it believed that he was among the passengers and the incident took place on 10 August 1973.

    -He left Beirut in August 1982 with Palestinian forces and resided in Damascus.

    – He was significant in the establishment of the Palestinian National Salvation Front, made up of organisations opposed to the Leadership of PLO, which was based in Damascus.

    – Opposed the Amman Agreement between PLO. and Jordan, which was signed in February 1986 and called for its cancellation.

    -He suffered a stroke in Tunisia on 01/17/1992, as a result of which he was transferred to a hospital in Paris. His transfer sparked an internal political crisis in France, after which three Frensh officials resigned.

    – Resigned from the General Secretariat of the PFLP in September 2000 during the sixth general conference of the Front.

    -Founded the “Arab Ghad Center” in Damascus in 2002.

    – Lived the last stage moving between Damascus and Amman.

    -He was admitted to a hospital in Amman on 17 January 2008 for a heart attack and died on 26 January 2008.

    From the sayings and sayings of the late Hakim (wise leader) George Habash

    Willpower:

    “Enemy aircraft can bomb our cities and camps and kill children, the elderly and women, but they cannot kill the will to fight against us.”

    -“Don’t be afraid of the path of truth because of the few who walk in it.”

    -“There is no excuse for those who realized the idea and abandoned it.”

    Self-talk:

    -I left home to study in Beirut to rise up, and I hope and insist on returning to it with my hopes, dreams and determination to continue my journey in my country. It is the most difficult moment in my life that has transformed me from a country-loving person and a life to a politician looking for a homeland. And at a distinct historical moment that cannot be erased from my memory .. I lost lost homeland .. !! I missed my being … and the wound deepened in my whole body.. It is the most difficult moment in my life that transformed me from a person who loved a homeland and life to a politician looking for a homeland..and a better life, that is the secret that prompted me to employ all my years of life in order to restore this homeland. , and regain all my dreams and hopes.

    Speaking to young people:

    The most important thing I can convey to the younger generations is the summary of my experience, and the lessons it contains, whether it be the lessons of failure or the lessons of success, they have to start from where we arrived, not to repeat our experience, but based on its precious lessons, for they are lessons paid for by sacrifices and precious and dear blood, And to strive and strive to overcome our failures and their causes, and this is conditional on possessing awareness, knowledge and knowledge as tools without which progress is impossible, and that they possess self-confidence and in the future, and that defeats do not mean compromising our goals, as they are true, scientific, just and humane to the greatest extent.

    The tasks are great and the challenges are enormous, and our youth must sharpen their minds, roll up their sleeves and rush to work, they must overcome the dangers of marginalisation, alienation and develop a positive spirit of rebellion and overcome the mentality of submission, and strive to liberate women from everything that hinders their progress and limits their initiative and creativity, and to link always between its originality and the necessity to possess modernity and not to put it in a deadly confrontation, and to master production in order to be worthy of consumption, the production of thought, knowledge and civilisation, and material production in its various fields, and I hope in this context that the failure of the parties and the severity of defeats will not constitute a force to destroy the spirit of regularity and belonging among our young people, there is no room for progress and multiplication of action without broad regularity within parties, institutions, unions, associations and clubs, to raise social regularity to the level of comprehensive unification of energies, and to reduce their waste and direct them within a comprehensive strategy.

    – I am confident that the successive and ascending generations of our youth will not need someone to teach them what to do. No one, individual or party, has the right to forfeit their right to define their ambitions and goals in advance. This is a fact, but an equally important fact stands next to it. The life of nations and peoples, their history and their future is not a disjointed chain that is not connected by a link, but rather it is a continuous, cumulative process, and whoever does not realise his history and is aware of it will not be able to comprehend his present and thus his future.

    Conflict with occupation:

    – We are in a state of open conflict, a continuous struggle, and a historical process in the face of the aggressor .. It is not surprising that on the sidelines of this struggle appear those who, consciously or unconsciously, tamper with the Palestinian right. Every attempt to tamper with these national rights, is a political and practical brake on the march of the Palestinian national struggle, and therefore all conferences, documents that detract from the Palestinian right will not succeed due to the Palestinian people’s adherence to all their rights and constants. Was Oslo and its documents able to end the Palestinian right, or restore part of the Palestinian right? “Israel” can say its nos. However, every one of these nos will be confronted by our people fiercely, militarily, politically and strategically .. Everyone must realise that the Palestinian issue is not confined to the headings of these nos .. it is the land and the people together, that is, historical Palestine.

    -The struggle with an enemy, such as Zionism, Israel and imperialism, is an open historical struggle that will not be reduced to moments of of retreat, this understanding practically pushes towards the necessity of managing the conflict in a comprehensive manner, in a way that supports and intertwines the national liberation struggle with the democratic social struggle, and this means awareness of democracy as a tool for advancement There are values ​​of behaviour, thought, and practice for the liberation of society. Democracy, in itself, is not the solution, but rather a gateway to the solution. As for the solution, it is the strength and freedom of society capable of setting goals and ambitions and striving to achieve them.

    Hakim and organizational issue (party):

    – A Marxist-based organisation, guided by dialectic systematic thought, and adhering to the interest of the exploited and oppressed majority that lies in liberation, democracy and social justice, will prevail, while the organisation that is based on a petty-bourgeois foundation will fail.

    -However, the need to build the self-factor/party is, until now, the central issue, that occupies an important and fundamental position in the hierarchy of priorities necessary for activating the dialectical relationship between the objective circumstance and the subjective factor as a condition that must be met to overcome the current reality.

    -The pause of positive reflection that we want is – from my point of view – an invitation to delve into the critical vision of what we are and to diagnose our reality without any frills or falsity, far from being underestimated or arrogant, a meditation that does not call for stillness, but rather starts from the heartbeat of our forehead and its rising movement within the framework of the general political, social, national and democratic movement at the Palestinian level, with its close organic connection with the progressive Arab national project, as there is no longer any possibility to talk about the development and progress of the Palestinian national project by separating it from the Arab nationalist carrier, I say that, despite the severity of the current divergence or or separation between the national and the national.

    – The most important merit of a system at the organisational level is our ability in the Popular Front to develop its buildings and institutions and perform them in accordance with the function and historical role that it must play in relation to what it represents historically and the ideological, political, social and combat vision it presents.

    – The integration of different forms of struggle political, economic, struggle, media and mass all shovels must be used in a conscious and scientific way and invested in the highest possible capacity of efficiency and clarity of vision.

    Hakim and right of return:

    – The right of return is a natural, legal, collective and individual right, which no one in the world can tamper with, because the issue is as clear as the sun, there are refugees who have been forced to leave their land and homes. They have the right to return as a natural right, and they have the right to return in accordance with UN Resolution 194, a resolution that allows them to return.

    George Habash and the question of the national struggle against imperialism:

    – The process of national liberation and the process of social emancipation are linked to each other, and this brings us to talk about the fronts of the future confrontation, namely: the cultural front, which must address the causes of this reality and analyse it and think about solutions and alternatives, it is the front that secures the systematic intellectual basis for the awareness of the past, present and the future. Without it, underdevelopment and emotion will remain, and secondly the political front, where parties and fronts must govern the cultural front, and participate in the development of vision, analysis, treatment, and the transfer of awareness to the power of organised socio-political action, and there is a third social front, it is not permissible, no matter how focused on the Zionist side, to neglect the social issue that addresses the living concerns of people, and in this context, too, and whatever the reality is bitter and I agree with the diagnosis of this reality, I look forward to achieving a great Arab renaissance commensurate with the size of the energies of the Arab nation and its potential, heritage and civilisation.

    -The rush to which the enemies of this nation, American imperialism and “Israel” are driving us, under the guise of globalisation, and through tools that control or control this country. This impulse or push must stop, because it leads us to dangers and disasters in front of which all risks or defeats will be neglected. Or the calamities throughout our modern and contemporary history, but we all aware that this crisis and defeated reality that we are living in today is due in one of its most important direct causes, to the accumulation of the crisis of the Arab liberation movement for many decades, which is an accumulation in which the factors of political decline, societal distortion and general backwardness are renewed, with increasing dependency in all its forms, but the major problem is that the inflation of this crisis would otherwise not have been possible by the political failure of the parties of the Arab Liberation Movement, and the failure of its parties and factions to lead the process of change in order to overcome the current reality.

    – The first reason for the victory of the Zionist project is that its leaders managed the conflict comprehensively, and on the basis of an advanced strategy of conflict, and the mistake of those who think that the Zionist movement is just an uncontrolled gang, can be described morally by our side as gangs, but in fact they have done their part and their function in relation to their objectives from the point where Europe and the industrialised countries have reached the level of development. The other topic, in this context, is the formulation of criteria that fit the best interests of the project, which went beyond individuals and parties, and the need to raise individuals to the level of the need for the job and the role to be performed, not the other way around.

    – While deepening my belief in the need for the unity of the Arab nation as a whole, and the importance of this to achieve the conditions for the liberation of Palestine, I do not see unity today as a slogan, nor as it was done between Syria and Egypt, but through the process of accumulation and integration, and through the smaller units: the unity of Egypt and Sudan, the unity of Morocco, the unity of the Fertile Crescent States, the unity of the Gulf states, but it is necessary to focus on the importance of Syria’s role in relation to the Asian section, and the importance of Egypt to the African section. The essence of socialism is that a society is not based on exploitation, and the failure of socialist systems does not mean a failure of socialist theory and all socialists in the world must be concerned with studyingthe reasons for the failure of the first socialist experiment.

    Hakim and attitude of Oslo and national unity:

    – The Oslo tragedy is not due to a particular event, it is in fact a historical outcome of the previous stages, but it can be said that it is the result of the defeats accumulated in the Arab and Palestinian areas, and I mean defeats not only the military defeat in front of “Israel”, but also , and more importantly, its own elements, i.e. the interior, in the sense of our inability to secure the advances of political, economic, scientific and cultural victory, and our inability to secure the advances of political, economic, scientific and cultural victory, and our inability, so how can it be imagined that a people will succeed in defeating an advanced enemy that has the causes of power such as the Zionist enemy as long as that people does not know the meaning of their inner freedom, and where the occult, ignorance and self-closing prevail, here lies the reference of the defeat of Oslo and other Arab-Palestinian defeats.

    -National unity is an urgent necessity to confront the Zionist cancer, provided that it is based on a clear political basis, on a democratic basis, and not at the mercy of individual leadership.

    The current political phase is not the same as the start of the contemporary Palestinian revolution. It must not make concessions under the weight of this unipolar world.

    Hakim words before leaving:

    – In the end I say that our generation tried to do its duty well, or less, or badly, and certainly could have done better, and give better, and was able to overcome some big mistakes, but this is what happened,

    – In the end, I say that our generation tried to do its duty well, less, or badly, and it was certainly able to do better, give better, and it was in its ability to overcome some big mistakes, but this is what happened, and we are ready and we are ready to take responsibility for the people and history no matter how harsh, the goal in the end is not to protect the head, but not to waste the experience of years, decades and irreplaceable sacrifices that cannot be compensated.

    – My word to the Palestinian people at this stage .. I remind them that colonialism in all its forms will depart from our land and we have in history a lesson .. but the matter first needs unity, then unity, then unity .. and Palestine is the goal, the current and strategic goal, so we do not make of our differences our internal struggles over phantom power, which are under occupation, are a field for the other to triumph over us.

    Source: Target Portal

    13 عاماً على رحيل حكيم الثورة الفلسطينيّة

    “الثوريون لا يموتون أبدا”

    وطن: يصادف اليوم، ذكرى رحيل القائد الوطني والقومي والأممي، مؤسّس حركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، “الحكيم” جورج حبش .

    – ولد في مدينة اللد الفلسطينية يوم 2/8/1926 لعائلة مسيحية أرثوذكسية ميسورة.

    -أنهى دراسته للمرحلتين الابتدائية والثانوية في يافا و القدس ، ثم التحق سنة 1944 بكلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، تخرج فيها طبيبًا سنة 1951، وفي أثناء دراسته كان من البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية “العروة الوثقى” في الجامعة، ومن خلال “هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل”.

    -من ناشطي “جمعية العروة الوثقى” في الجامعة الأمريكية في بيروت التي كان الدكتور قسطنطين زريق محركها الأساسي، ثم شارك في تأسيس “منظمة الشباب العربي” التي نشأت سنة 1951 ثم أصدرت نشرة “الثأر”، وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها سنة 1954 برئاسة جورج حبش وانبثق عنها “حركة القوميين العرب”، وكان أبرز أعضاء الحركة وديع حداد وهاني الهندي وأحمد اليماني وأحمد الخطيب وصالح شبل وحمد الفرحان وحامد الجبوري.

    – ترشح للانتخابات النيابية في الأردن في آب 1956.

    -منعت حركة القوميين العرب في الأردن سنة 1957 فاضطر إلى التخفي والعيش في السر، وفي سنة 1958 ذهب إلى دمشق.

    – تزوّج في دمشق في أوائل سنة 1961، وبقي فيها طوال فترة الوحدة، وكانت حركة القوميين العرب في هذه الأثناء قد أيدت بقوة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى أحد مؤسسيها (هاني الهندي) إحدى الوزارات في عهد الوحدة.

    -على اثر هزيمة حزيران 1967، قام مع مجموعة من رفاقه في حركة القوميين العرب بتأسيس “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” التي تم الإعلان عن تأسيسها رسميًا يوم 11/12/1967، ومنذ ذلك التاريخ لم تنقطع الجبهة عن منطلقاتها القومية برؤية ماركسية، حرص الحكيم على صيرورتها وتطورها كتوجه ومنهج عمل رئيسي للجبهة الشعبية.

    – أعلن انتماءه وانتماء الجبهة الشعبية إلى الفكر الماركسي – اللينيني وذلك بعد هزيمة حزيران 1967.

    – استمرت علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر وثيقة جدًا لكنها بدأت بالفتور في تموز 1970 عندما وافق الرئيس عبد الناصر على مشروع روجرز.

    – عام 1971 اندلعت مواجهات عرفت بـ “أيلول الأسود” بين الثورة والمقاومة من جهة والنظام الأردني من جهة ثانية أسفرت عن إخراج قوات الفدائيين من عمان والأحراش فيما بعد.

    – جاء إلى لبنان سنة 1971 بعد انتقال قوات الثورة الفلسطينية إلى الجنوب ومخيمات بيروت.

    – أعلن في 14/3/1972 التوقف عن إستراتيجية خطف الطائرات.

    – أعلن انسحاب الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول 1974 احتجاجًا على الاتجاه السياسي الجديد للمنظمة والذي عرف ببرنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني العاشر.

    – كان له إسهام بارز في تأسيس “حزب العمل الاشتراكي العربي” في لبنان وبلدان عربية أخرى.

    – حاولت إسرائيل اعتقاله وقتله أكثر من مرة وكان أبرزها محاولة اختطاف إحدى الطائرات فور إقلاعها من مطار بيروت متجهة إلى بغداد لاعتقادها انه كان بين الركاب وجرت الحادثة في 10/8/1973.

    -غادر بيروت في آب 1982 مع القوات الفلسطينية وأقام منذ ذلك الحين في دمشق.

    – كان له شأن في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني المؤلفة من المنظمات المعارضة لقيادة م.ت.ف والتي اتخذت دمشق مقرًا لها.

    -عارض اتفاق عمّان بين م .ت.ف والأردن الذي وقع في شباط 1986 ودعا إلى إلغائه.

    –  أصيب بجلطة دماغية في تونس في 17/1/1992 نقل على أثرها إلى أحد مستشفيات باريس، وأثار نقله أزمة سياسية داخلية في فرنسا استقال في أعقابها ثلاثة مسئولين.

    – استقال من الأمانة العامة للجبهة الشعبية في أيلول عام 2000  أثناء عقد المؤتمر العام السادس للجبهة.

    – أسس “مركز الغد العربي” في دمشق سنة 2002.

    –  عاش المرحلة الأخيرة متنقلاً بين دمشق وعمان.

    –  أدخل إلى إحدى مستشفيات عمان في 17/1/2008 لإصابته بجلطة قلبية وتوفى يوم 26/1/2008.

    من مأثورات ومقولات القائد الراحل الحكيم جورج حبش

    قوة الإرادة:

    – “تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا”.

    – “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه”.

    – “لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها”.

    حديث عن الذات:

    -لقد غادرت الوطن للدراسة في بيروت لأجل الارتقاء، وكلّي أمل وإصرار على العودة إليه حاملاً معي آمالي وأحلامي وعزمي لأكمل مشواري بين أحضان وطني.. وفي لحظة تاريخية فارقة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي.. افتقدت هذا الوطن..!! افتقدت كياني.. وغار الجرح عميقًا في كل جسدي.. إنها اللحظة الأصعب في حياتي التي حولتني من إنسان عاشق لوطنٍ وحياة إلى سياسي يبحث عن وطن.. وحياة أفضل، ذلك هو السر الذي دفعني إلى أن أوظف كل سنوات عمري لأجل استعادة هذا الوطن. وأستعيد معه كل أحلامي وآمالي.

    حديثه إلى الشباب:

    – إن أهم ما يمكن أن أنقله للأجيال الصاعدة هو خلاصة تجربتي، وما احتوته من دروس، سواء كانت دروس الإخفاق أو دروس النجاح، عليهم أن ينطلقوا من حيث وصلنا، لا لتكرار تجربتنا وإنما بالاستناد إلى دروسها الثمينة كونها دروسًا دُفعت أثمانها تضحيات ودماء غالية وعزيزة، وأن يجتهدوا ويجاهدوا لتخطي إخفاقاتنا وأسبابها، وهذا مشروط بامتلاك الوعي والعلم والمعرفة كأدوات من دونها يستحيل التقدّم، وأن يملكوا الثقة بالذات، وبالمستقبل وبأن الهزائم لا تعني المساس بأهدافنا، فهي صحيحة وعلمية وعادلة وإنسانية إلى أبعد حد.

    – إن المهمات كبرى والتحديات جسيمة، وعلى شبابنا أن يشحذ عقله ويشمر عن ساعده ويندفع للعمل، عليه أن يتخطى أخطار التهميش والاستلاب والاغتراب، وأن ينمّي روح التمرد الايجابي وتخطي نفسية الخضوع، وأن يجاهد لتحرير المرأة من كل ما يعوق تقدمها ويحد من مبادرتها وإبداعها، وأن يربط دائمًا بين أصالته وضرورة امتلاك الحداثة وعدم وضعها في مواجهة مميتة، وأن يجيد الإنتاج ليصبح جديرًا بالاستهلاك، إنتاج الفكر والمعرفة والحضارة، والإنتاج المادي بمختلف ميادينه، وآمل ضمن هذا السياق، ألا يشكّل فشل الأحزاب وقساوة الهزائم قوة تدمير لروح الانتظام والانتماء لدى شبابنا، فلا مجال للتقدم ومضاعفة الفعل من دون الانتظام الواسع ضمن أحزاب ومؤسسات ونقابات وجمعيات ونواد، للارتقاء بالانتظام الاجتماعي إلى مستوى التوحيد الشامل للطاقات، وتقليص هدرها وتوجيهها ضمن رؤية إستراتيجية شاملة.

    –  انني على ثقة بأن أجيال شبابنا الصاعدة والمتتالية لن تحتاج إلى من يلقّنها ما يجب أن تفعله، فليس من حق أحد، فردًا أو حزبًا، أن يصادر حقها في تحديد طموحاتها وأهدافها مسبقًا، هذه حقيقة، لكن تقف إلى جانبها حقيقة لا تقل أهمية، وهي أن حياة الأمم والشعوب وتاريخها ومستقبلها ليست سلسلة مفككة لا يربطها رابط، إنما هي عملية تراكمية متواصلة، ومن لا يدرك تاريخه ويعيه لن يستطيع إدراك حاضره، وبالتالي مستقبله.

    الصراع مع الاحتلال:

    الذكرى التاسعة لرحيل حكيم الثورة الفلسطينية جورج حبش - الإعلام الحقيقي ::  ريال ميديا ::

    -إننا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي.. وليس مستغربًا أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسميات، وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإن كل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته. هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني، أو تعيد جزءًا من الحق الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول لاءاتها. ولكن كل واحدة من هذه اللاءات سيواجهها شعبنا بضراوة كفاحيًا وسياسيًا واستراتيجيًا.. ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين هذه اللاءات الأربع.. إنما هي الأرض والشعب معًا، أي فلسطين التاريخة.

    –  أن الصراع مع عدو، كالصهيونية – وإسرائيل – والامبريالية، هو صراع تاريخي مفتوح لن تختزله لحظات انكفاء عابرة، هذا الفهم يدفع عمليًا نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية، وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال الاجتماعي الديمقراطي، وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع، فالديمقراطية، هي في حد ذاتها، ليست هي الحل وإنما بوابة للحل، أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على تحديد الأهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها.

    الحكيم والمسألة التنظيمية (الحزب):

    –  إن التنظيم الذي يقوم على أساس ماركسي، أي بمعنى الاسترشاد بالفكر المنهجي الجدلي، ويلتزم مصلحة الأغلبية المستغَلة والمضطهدة التي تكمن في التحرّر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، سينتصر بينما التنظيم الذي يقوم على أساس برجوازي صغير سيفشل.

    – إلا أن الحاجة إلى بناء العامل الذاتي/ الحزب، تشكّل حتى اللحظة القضية المركزية التي تحتل موقعًا هامًا أساسيًا في سلم الأولويات الضرورية من أجل تفعيل العلاقة الجدلية بين الظرف الموضوعي والعامل الذاتي كشرط لا بد من توفره لتجاوز الواقع الراهن.

    – إن وقفة التأمل الايجابي التي نريدها، – من وجهة نظري – دعوة إلى التعمق في رؤية ما نحن عليه بصورة نقدية وتشخيص واقعنا بلا أية رتوش أو زيف، بعيدًا كل البعد عن الاستخفاف أو المكابرة، تأمل لا يدعو إلى السكون، بل ينطلق من نبضات قلب جبهتنا وحركتها الصاعدة في إطار الحراك السياسي الاجتماعي العام، الوطني والديمقراطي على الصعيد الفلسطيني بارتباطه العضوي الوثيق بالمشروع التقدمي القومي العربي، إذ لم يعد هناك أية إمكانية للحديث عن تطور وتقدم المشروع الوطني الفلسطيني بانفصاله عن الحامل القومي العربي، أقول ذلك، رغم شدة التباعد أو الانفصام الراهن بين الوطني والقومي.

    – إن أهم استحقاق نظام على الصعيد التنظيمي يتمثل في قدرتنا في الجبهة الشعبية على تطوير بناها ومؤسساتها وأدائها بما يلبي الوظيفة والدور التاريخي الذي يجب أن تقوم به ارتباطًا بما تمثله تاريخيًا وما تطرحه راهنًا من رؤية أيدلوجية وسياسية واجتماعية وكفاحية.

    – إن تكامل أشكال النضال المختلفة السياسية والاقتصادية والكفاحية والإعلامية والجماهيرية كلها معاول يجب أن تستخدم بطريقة واعية وعلمية واستثمارها بأعلى طاقة ممكنة من الكفاءة ووضوح الرؤية.

    الحكيم وحق العودة:

    -حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم.. لهم الحق في العودة كحقٍ طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194، وهو قرار يجيز لهم العودة. والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للمسألة الفلسطينية، ولا حلّ سياسيًا بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن والكيان السياسي للشعب الفلسطيني.

    جورج حبش ومسألة النضال القومي ضد الامبريالية:

    -ترتبط عملية التحرّر القومي وعملية التحرر الاجتماعي إحداهما بالأخرى، وهذا ينقلنا إلى الحديث عن جبهات المواجهة المستقبلية، وهي أولاً: الجبهة الثقافية التي يجب أن تتناول أسباب هذا الواقع وتحليله والتفكير في الحلول والبدائل، إنها الجبهة التي تؤمن الأساس الفكري المنهجي لوعي الماضي والحاضر والمستقبل، ومن دونها سيبقى التخلف والانفعال، وهناك ثانيًا الجبهة السياسية، إذ يجب أن تقوم أحزاب وجبهات حكمًا بالجبهة الثقافية، وتشاركها في بلورة الرؤية والتحليل والعلاج، وتنقل الوعي إلى قوة فعل سياسي – اجتماعي منظم، وهناك ثالثًا الجبهة الاجتماعية، فلا يجوز، مهما نركز على الجهة الصهيونية، أن نهمل الموضوع الاجتماعي الذي يتصدى لمعالجة هموم الناس المعيشية، وفي هذا الإطار، أيضًا، ومهما يكن الواقع مرًّا وأنا أوافق على تشخيص هذا الواقع، فإنني أتطلّع إلى تحقيق نهضة عربية كبيرة تتلاءم مع حجم طاقات الأمة العربية وإمكاناتها وتراثها وحضارتها.

    -إن الاندفاع الذي يسوقنا إليه أعداء هذه الأمة، الامبريالية الأمريكية و”إسرائيل”، تحت ستار العولمة، وعبر أدوات تحكم هذا الوطن أو تتحكم فيه، هذا الاندفاع أو الدفع لا بد له أن يتوقف، لأنه يسوقنا إلى مخاطر وكوارث ستهون أمامها كل المخاطر أو الهزائم أو النكبات على امتداد تاريخنا الحديث والمعاصر، لكننا جميعًا نُدرك أن هذا الواقع المأزوم والمهزوم الذي نعيشه اليوم يعود في أحد أهم أسبابه المباشرة، إلى تراكم أزمة حركة التحرّر العربية منذ عقود طويلة، وهو تراكم تتجدّد فيه عوامل الهبوط السياسي والتشوه المجتمعي والتخلف العام، مع تزايد التبعية بكل أشكالها، ولكن الإشكالية الكبرى أن تضخم هذه الأزمة لم يكن ممكنًا لولا ذلك القصور السياسي لأطراف حركة التحرّر العربية، وقصور أحزابها وفصائلها عن قيادة عملية التغيير من أجل تجاوز الواقع الراهن.

    – ان أول أسباب انتصار المشروع الصهيوني يكمن في أن قياداته أدارت الصراع بصورة شمولية، وعلى أساس إستراتيجية صراعية متقدمة، ويخطئ من يظن أن الحركة الصهيونية مجرد عصابات منفلتة، يمكن وصفها خلقيًا من جانبنا بالعصابات، لكنها في الواقع قامت بدورها ووظيفتها ارتباطًا بأهدافها من النقطة التي وصلت إليها أوروبا والدول الصناعية على صعيد التطور. هذا عنوان أول، العنوان الثاني هو تركيم مكونات القوة. الموضوع الآخر، في هذا السياق، يتمثل في صوغ معايير تتلاءم مع مصلحة المشروع العليا، وهي معايير كانت تتخطى الأفراد والأحزاب، وفي ضرورة الارتقاء بالأفراد إلى مستوى حاجة الوظيفة والدور المطلوب تأديتها، وليس العكس.

    – مع تعميق إيماني بضرورة وحدة الأمة العربية ككل، وأهمية ذلك لتحقيق شروط تحرير فلسطين، لا أنظر إلى الوحدة اليوم كمجرد شعار، ولا كما تمت بين سورية ومصر، وإنما من خلال عملية التراكم والتكامل، ومن خلال الوحدات الأصغر: وحدة مصر والسودان، وحدة المغرب، وحدة دول الهلال الخصيب، وحدة دول الخليج، لكن من الضروري التركيز على أهمية دور سورية فيما يتعلق بالقسم الآسيوي، وعلى أهمية دور مصر بالنسبة إلى القسم الإفريقي. جوهر الاشتراكية ألاً يقوم مجتمع على أساس الاستغلال، وفشل الأنظمة الاشتراكية لا يعني فشلاً للنظرية الاشتراكية ويجب أن يكون كل الاشتراكيين في العالم معنيين بدراسة أسباب فشل التجربة الاشتراكية الأولى.

    الحكيم والموقف من أوسلو والوحدة الوطنية:

    – مأساة أوسلو لا تعود إلى حدث بعينه، إنها في الواقع حصيلة تاريخية لما سبقها من مراحل، بل يمكن القول إنها حصيلة الهزائم المتراكمة عربيًا وفلسطينيًا، ولا أقصد بالهزائم فقط الانهزام العسكري أمام “إسرائيل”، بل أيضًا – وهذا هو الأهم – عناصرها الذاتية، أي الداخلية، بمعنى عجزنا عن تركيم وتأمين مقدمات الانتصار السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وعجزنا عن انطلاق فاعلية المجتمع العربي في كل الدول، وإبقاؤه تحت رحمة الاستلاب والخضوع وقمع الأنظمة البوليسية، فكيف يمكن تصوّر أن ينجح شعب في الانتصار على عدو متقدم يملك أسباب القوة كالعدو الصهيوني، ما دام ذلك الشعب لا يعرف معنى حريته الداخلية، وتسود فيه الغيبية والجهل والانغلاق على الذات، هنا تكمن مرجعية هزيمة أوسلو وغيرها من الهزائم العربية – الفلسطينية.

    -الوحدة الوطنية ضرورة ملحّة لمواجهة السرطان الصهيوني، شرط أن تقوم على أساس سياسي واضح، وعلى أساس ديمقراطي، وألاّ تكون تحت رحمة قيادة فردية.

    -إن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة.. وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقًا للظروف المناسبة، وعلى القيادات الفلسطينية المناضلة أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم.. وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول. فلا يجب على هذه القيادات أن تقدم على تنازلات تحت وطأة هذا العالم الأحادي القطبية.. فهو عالم ليس سرمديًا وأبديًا.. إنما عليها أن تؤسّس لحركة وعي وطنية وقومية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي، مضمونها بعث الهوية الوطنية والقومية لجهة عدم الاندماج في ما يسمى الهوية العالمية.. هذا تضليل من قبل الآخر لتسهيل مهمته في احتلال الأرض والعقل والثقافة.

    كلمات الحكيم قبل الرحيل:

    – في النهاية أقول إن جيلنا حاول أن يقوم بواجبه بصورة جيدة، أو أقل، أو سيئة، وبالتأكيد كان في إمكانه أن يعمل أفضل، وأن يعطي أفضل، وكان في قدرته أن يتخطى بعض الأخطاء الكبيرة، لكن هذا ما حدث، ونحن مستعدون لتحمل مسؤوليتنا وتحمل محاكمة الشعب والتاريخ مهما تكن قاسية، فالهدف في النهاية ليس حماية الرأس، وإنما عدم تبديد خبرة أعوام وعقود وتضحيات لا يمكن تعويضها.

    – كلمتي إلى الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.. أذكّرهم بأن الاستعمار بكافة أشكاله سيرحل عن أرضنا ولنا بالتاريخ عبرة.. لكن الأمر يحتاج أولاً إلى الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة.. وإن فلسطين هي الهدف، والهدف الراهن والاستراتيجي، فلا نجعل من خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية على السلطة الوهمية والتي هي تحت الاحتلال مجالاً لانتصار الآخر علينا.

    المصدر: بوابة الهدف

    فيدوات متعلقة

    مقالات متعلقة

    الذكرى الثامنة والستون لأمّ الثورات!

    Gamal Abdel Nasser Facts for Kids

    د. محمد سيد أحمد

    حلّت علينا هذا الأسبوع الذكرى الثامنة والستون لثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وعلى الرغم من مرور ما يقرب من سبعة عقود على قيامها، إلا أنها لا زالت تثير العديد من القضايا الإشكالية، فمؤيدوها ما زالوا يحتفلون بالذكرى ويمجّدون قائدها الذي انتصر للفقراء والكادحين والمهمّشين وحقق لهم إنسانيتهم وأعاد إليهم كرامتهم المهدورة داخل وطنهم، وحقق انتصارات وضعته في قلوب الملايين سواء في وطنه الأصغر أو وطنه العربي الأكبر بل ومن قبل كلّ الأحرار في العالم، ورغم الانكسارات ظلّت الجماهير متمسّكة به باعتباره القائد والرمز والأمل القادر على تجاوز الصعوبات والمحن، وعند وفاته خرجت الجماهير في أماكن عديدة على سطح المعمورة، كالطوفان لتودّعه ولتخلد ذكراه.

    أما معارضوها فما زالوا يستغلون الذكرى ليجددوا الهجوم عليها وعلى قائدها ويصفونهما بكلّ نقيصة، ويحاولون تشويه كلّ إنجازاتها بل وصل الأمر للخلاف حول مسمّاها ذاته وهل هي ثورة أم لا؟ ولا شكّ في أنّ هؤلاء المعارضين المهاجمين للثورة وقائدها قد أصابهم بعضاً من ضرر نتيجة قيام الثورة وانحيازها لجموع الشعب وبالتالي سحبت من تحت أقدامهم جزءًا من ثروة وسلطة ومكانة كانوا يحصلون عليها قبل قيام الثورة في ظل حكم ملك غير مصري (ألباني) استولى على الحكم بالوراثة، ومندوب سامٍ للمحتلّ البريطاني كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، وكان آباء وأجداد المهاجمين للثورة وزعيمها اليوم يحصلون على الثروة والسلطة والمكانة من خلال قربهم وتقديم فروض الولاء والطاعة للملك والمندوب السامي.

    وما بين هؤلاء المؤيدين وألئك المعارضين يدور دائماً السجال، لكن الغريب في الأمر حقاً هو اتساع دائرة المعارضين لتضمّ إليها أبناء وأحفاد بعض من انتصرت لهم الثورة من أبناء الفلاحين المعدَمين الذين كانوا يعملون بالسخرة وفي ظلّ ظروف غير إنسانية لدى البشوات الذين منحتهم أسرة محمد علي (الألباني) مئات وآلاف الأفدنة دون وجه حق فقط لأنهم كانوا يعملون في خدمة البلاط الملكي، وجزء من حاشية الملك المغتصب ثروات الوطن، ويأتي تطاول هؤلاء على الثورة وزعيمها في محاولة لإخفاء أصولهم الاجتماعية الحقيقية بعد أن تمكنوا من الصعود لأعلى السلم الاجتماعي بفضل الثورة وإنجازاتها على المستويات كافة.

    وعندما تسأل هؤلاء هل كان أبوك أو جدك باشا منحه الملك قطعة أرض من الخاصة الملكية، فتكون الإجابة لا كان أبي وجدي فلاحاً معدماً حافي القدمين، حصل على خمسة أفدنة بفضل الثورة وقانون الإصلاح الزراعي، ولدينا داخل البيت صورة للزعيم جمال عبد الناصر وهو يسلّم أبي أو جدي صك الملكية، وبفضل هذه الأفدنة الخمسة استطاع أبي أو جدي تعليمنا وإدخالنا للجامعة بعد أن أصبح التعليم مجانياً بفضل الثورة، وبعد التخرّج حصلنا على وظيفة بفضل القوى العاملة التي أنشأتها الثورة، وأرسلنا لبعثات بالخارج وعدنا لوظائفنا المحفوظة وتدرّجنا بها إلى أن أصبحنا في مكانة مرموقة توازي مكانة البشوات في العصر الملكي!

    إذن لماذا تهاجمون الثورة وزعيمها؟! وهنا تجد إما عجزاً عن الإجابة أو إجابات خارج نطاق العقل والمنطق.

    ومن القضايا الخلافية على الثورة حتى الآن هو مسمّاها، فالمعارضون لها ما زالوا يصفونها بالانقلاب في محاولة للتقليل من شأنها والنيل منها، ولهؤلاء نقول إنّ الثورات لا يُحكم عليها إلا بنتائجها، فالتعريف العلمي للثورة يقول: «إنها إحداث تغيير جذريّ إيجابيّ في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية». ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد وبما لا يدع مجالاً للشك في أنّ ما حدث في 23 يوليو 1952 هو ثورة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أحدثت الثورة تغييراً جذرياً إيجابياً في بنية المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية كافة، ومكّنت الغالبية العظمى من المصريين من ثروات وخيرات بلادهم، وأحدثت تغييراً جذرياً في البنية الطبقية، فخلال أيام معدودة تحوّل الفلاحون الأجراء إلى ملاك وانتقلت آلاف الأسر من الطبقة الدنيا إلى الطبقة الوسطى مباشرة، وخلال سنوات معدودة أيضاً انتقل آلاف آخرون من أسفل السلم الاجتماعيّ إلى أعلاه بفضل التعليم المجاني وفرص العمل.

    وبعد كلّ ذلك يأتي مَن يحاول تشويه الثورة والنيل منها ومن زعيمها وإنجازاتها فتجد مَن يهاجم تأميم قناة السويس ويدعو لعودة تمثال ديلسبس، ومَن يهاجم السدّ العالي الذي حجب الطمي والأسماك خلفه، ومن يهاجم القطاع العام لسوء إدارته ويسعى لبيع ما تبقى منه، ومن يهاجم التعليم والصحة المجانية نظراً لعدم جودتهما، وإذا كان ذلك المهاجم من أبناء أو أحفاد بشوات ما قبل الثورة كان يمكننا أن نجد له العذر لهذا الحقد وهذه الكراهية للثورة وقائدها، لكن غالبية المهاجمين لها اليوم هم من أبناء الفقراء والمعدَمين الذين لولا الثورة ما حصلوا على مكانتهم الحالية وكان وضعهم الحقيقي عمالاً زراعيين حفاة عراة يعملون بالسخرة لدى بشوات ما قبل الثورة كما كان وضع آبائهم وأجدادهم. وفي الذكرى الثامنة والستين للثورة نقول لهم عودوا إلى رشدكم، فثورة 23 يوليو/ تموز 1952 هي أمّ الثورات، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

    ما بين الهزيمة والانهزاميّة

    وجدي المصريّ

    الحروب في العالم ليست من إفرازات العصر الحالي بل كانت نتيجة طبيعية لقيام التجمّعات البشريّة منذ آلاف السنين. هذه التجمعات التي رأت في حيويتها الزائدة دافعاً للتوسع على حساب التجمعات المجاورة بداية، إذ لم يكن وعي الجماعة لوحدتها الاجتماعية قد ترسّخ بعد. وكان من الطبيعي أن ينتج عن الحروب نتيجة من اثنتين: النصر أو الهزيمة. ويكاد مجتمعنا السوري، بماله من خصائص جغرافية مميّزة، أن يكون من أكثر المجتمعات التي شهدت صراعات داخلية دافعها السيطرة وفرض أنظمة محددة من القوي على الضعيف من جهة، وخارجية هدفها أيضاً السيطرة لاستغلال الموارد الطبيعية والاستفادة من الموقع الجغرافيّ لتحصين المكانة الإقليمية أو العالمية. وما زال مجتمعنا حتى الساعة عرضة لموجات متتالية من الصراع على النفوذ أو من الاحتلال المباشر لأجزاء منه تنفيذاً لمخططات سياسيّة تعتمد على رؤى أيديولوجية بعيدة كلّ البعد عن المنطق والعدل الإنساني.

    فالأوضاع الجيوسياسيّة التي فرضها علينا الاحتلال المزدوج الانكليزي – الفرنسي والتي أدّت إلى زرع الكيان الإسرائيلي في جنوبنا السوري، لم تزل تداعياتها تتفاعل لتؤدّي إلى نتائج سلبية تطاول مجتمعنا وإيجابية تطاول كيان العدو المغتصب. فالهزائم التي ألحقها هذا العدو البربري، المدعوم من القوى الظلامية العالمية، بعدد من الدول المسمّاة عربية جرّاء حروب ثلاث أدّت إلى تفكك المنظومة العربية التي حاول الاستعمار الترويج لها، لمعرفته المسبقة بعدم قابليتها للتنفيذ. فإذا بالجامعة العربية أسوأ بكثير من الجمعية العامة للأمم المتحّدة، إذ لا هذه ولا تلك تمكّنت من فرض تنفيذ قراراتها المتخذة في جلسات عامة وبمعظمها إمّا بإجماع الأعضاء أو بأغلبيتهم. وتفنّنت هذه الدول العربية بالتخفيف من وقع هزائمها فسمّتها أحياناً نكبة وأحياناً نكسة أملاً بأن يعقب النكسة نصر يمحو العار الذي لحق بهذه الدول نتيجة هزيمتها المخجلة والمعيبة والمذلة لمن أراد أن يصف النتيجة بما يتطابق مع الوقائع. وأكثر هذه الهزائم إيلاماً هي حرب الخامس من حزيران عام 1967 والتي استطاع العدو خلال أسبوع واحد أن يقضي على جيوش ثلاث دول عربية مجتمعة وكانت على علم مسبق بمخططات العدو. ولم تستطع هذه الدول نفسها الاستفادة من الأخطاء والثغرات فإذا بهزيمتها تتكرّر عام 1973 رغم أنها كانت هي المبادرة هذه المرة لشنّ الحرب. وربما نستطيع القول بأنّ مصر وحدها نظرياً استفادت من هذه الحرب التي سارع الخائن السادات إلى إنهائها نتيجة وعد بإعادة سيناء إلى أحضان مصر، وبدلاً من استغلال هذه النتيجة لصالح مصر وبقية دول الطوق التي سبّب لها إسراع السادات بوقف الحرب بخسارة المزيد من أراضيها وتدمير جيشها وإيقاع العديد من الضحايا والأسرى من أفراد جيشها، بادر السادات إلى استكمال خيانته وانهزاميته يوم أعلن استعداده لزيارة دولة الاحتلال وعقد الصلح معها، فدفع دمه نتيجة هذه الخيانة.

    ولم يستطع العقل «العربي» أن يجاري العقل اليهودي بالتخطيط أو على الأقلّ بالتصدّي لمخططات العدو الذي انتقل، من القيام بالحرب المباشرة لقضم المزيد من الأرض، إلى الحرب غير المباشرة أيّ استغلال الآخرين لشن الحروب عنه (حرب الأميركيين على العراق، استغلال ما سُمّي بالربيع العربي وإدخال الإرهابيين الدواعش إلى كلّ من العراق وبلاد الشام، كأمثلة على ذلك)، وقطف نتائج هذه الحروب المدمّرة. وها هي جذور هذا التخطيط الجديد تعطي ثماراً إيجابية أفضل بكثير من ثمار الحروب المباشرة. فبدلاً من استعداء الدول العربية مجتمعة من الخليج إلى المحيط وعلى مدى عشرات السنين، استطاع خلال سنوات معدودات أن يجعل من الأعداء أصدقاء يعاونونه على من كان لهم بالأمس القريب، ليس فقط صديقاً، بل أخاً ينادي بما ينادون به من أخوة عربية ولاءات خشبية عن عدم الاعتراف بدولة العدو، أو عقد معاهدات سلام معها، أو حتى التفاوض بشأن السلام والاعتراف.

    وانطلاقاً من مخططات العقل الجهنمي الخبيث المستحكم بنفسية عدونا استطاع أن يحوّل هزيمة الأنظمة العربية إلى انهزامية لم يسبق لها مثيل في تاريخ التجمعات البشرية قديماً وحديثاً.

    فبدلاً من أن تدفع الهزيمة بالمهزوم إلى تحليل سبب هزيمته لكي يحاول العمل على تفادي هذه الأسباب مما يساعد على قلب الهزيمة إلى نصر، وجدنا أن المهزوم استطاب طعم الهزيمة والذلّ الذي لحقه من جرائها وإذا به يرضخ طوعاً لكلّ شروط المنتصر عليه، بل نجده يزحف راجياً المنتصر أن يمعن بإذلاله، دائساً على ما تبقى من كرامته وشرطه الوحيد إبقاء الزمرة الحاكمة في السلطة. والمؤسف أنّ هذه الزمر الحاكمة استطاعت أن تدجّن الناس وتقنعها بانّها إنّما تفعل ذلك لمصلحتها.

    لقد وصلنا إلى زمن من الانهزاميّة المذلة لمن يفقه معنى الانهزام والاستسلام، في حين أنّ الخيانة أصبحت وجهة نظر، فكثرت هذه الوجهات وتعدّدت لتوافق ظروف وأوضاع كلّ كيان من كيانات الأمم العربية التي نجحت مرة واحدة بتجربة الوحدة (مصر والجمهورية العربية السورية)، بحيث كان مكتوباً على هذه التجربة الفشل لأنّها لم تنطلق من المفاهيم الاجتماعية المستندة إلى الحقائق التاريخية والجغرافية. وقلة من رجال الفكر والسياسة أعادوا النظر بمواقفهم على امتداد العالم العربي، هذه المواقف الارتجالية والتي كانت لها ارتدادات سلبية على قضايا أمم العالم العربي المصيرية. واحد من هؤلاء هو عبد الهادي البكار، وقلّة تعرفه أو سمعت به خاصة بين الأجيال الجديدة، وهو إعلامي سوري عاصر أيام الوحدة، وبعد سقوطها اضطهد وأجبر على المغادرة إلى مصر التي كان قد انجرف مع تيارها الناصري الطامح إلى قيادة «الأمة العربية». فكان لهذا الإعلامي الجرأة الكافية، بعدما خذلته مصر الناصرية أيضاً، للاعتراف بانجرافه العروبيّ الذي لم يستند إلاّ إلى وهم، «وأنّ الحلم الوحيد الباقي هو في (سورية الكبرى) التي ساهم في تشويهها حين كان التفكير أو الحديث في ذلك يُعرّض صاحبه إلى التشويه والتخوين». ويذكر الأستاذ سامر موسى على صفحته بأّنّ البكار قد فاجأ قراءه من خلال ما أورده في كتابه (صفحات مجهولة من تاريخ سورية الحديث)، والذي صدر عام 2008 عن (دار الذاكرة) في بيروت إذ قال بأنّه: «تأكّد له خلال العقود الأخيرة اعتلال الفكرة القومية العربية وربما اضمحلالها في العالم العربي، كما تأكّد خلالها احتياج بلاد الشام إلى استنهاض قوتها الذاتية الإقليمية، وأنّ دعوة أنطون سعاده إلى توحيد الأشلاء والأجزاء السورية لم تكن هي الخطأ أو الانحراف بل كانت هي الصواب». وبالرغم من عدم وضوح الرؤية القومية الصحيحة لدى البكّار إلّا أنّ اعترافه هذا يُعتبر خطوة أولى بالاتجاه الصحيح علّها تساعد أجيال المثقفين من التماهي معه لنفض غبار الدسائس التي شوّهت لبّ عقيدة النهضة القومية الاجتماعيّة التي بات كثيرون، ممن حملوا لواء محاربتها في الماضي، يؤمنون ليس فقط بصحتها بل بانّها الوحيدة القادرة على بناء الإنسان الجديد القادر على التصدّي لكلّ مثالب المجتمع، وعلى المساهمة في بنيان المجتمع الجديد القادر على الخروج من مفاهيم الانهزامية إلى مفاهيم الوعي المجتمعي القادر على إعادة زرع مفاهيم الكرامة والعزة والعنفوان التي تعيد للمواطن الثقة بنفسه وبأمته، وبأنّ الهزائم ليست قدراً، وبأنّ النصر ليس بالصعوبة التي يصوّرونها له إمعاناً بإذلاله وزرع اليأس في نفسه.

    فما بين النفسية الانهزاميّة التي تبديها معظم كيانات الأمم العربية تبقى بارقة الأمل في كيانات الأمة السورية، صاحبة القرار الوحيدة عندما يتعلق الأمر بالمسألة الفلسطينية. وها هي هذه الكيانات تسطّر أرقى سطور المجد مسقطة أسطورة دولة الاحتلال التي لا تقهر. فمن العراق الذي أسقط انتصار داعش، إلى الشام التي باتت قريبة من دحر المؤامرة الكونية عليها، إلى فلسطين أطفال الحجارة الذين يواجهون بصدورهم العامرة بالإيمان الذي يؤكّد أنّ القوة وحدها تعيد الحقّ السليب، إلى لبنان الذي أعطت مقاومته دروساً تاريخية بالبطولة المؤمنة بصحة العقيدة والتي استطاعت أن تنهي عصر الهزائم وتعلن بدء عصر الانتصارات، سلسلة من المواقف التي تعيد للأمل تألّقه، وتبعث في النفوس الضعيفة القوة من جديد. هذه القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وهي نفسها اللغة التي تخلّت عنها معظم الأنظمة الانهزامية. فالهزيمة ليست قدراً بل هي حافز للتمسك بكلّ أسباب القوة التي تؤمّن الانتصار على مفهوم الانهزام أولاً، وعلى العدو المكابر ثانياً. فلنمسك بأسباب قوّتنا، ولنترك للانهزاميّين العيش في صقيع انهزاميّتهم.

    حامدين صباحي ومراجعة الشجعان

    مختصر مفيد

    في بدايات الحرب على سورية التقيت بالصديق الأستاذ حامدين صباحي خلال زيارتي إلى تونس، وأثناء انعقاد المؤتمر القومي العربي، وكنا على طرفي موقفين متعارضين في النظر لما يجري في هذا البلد المحوريّ، رغم أنني كنت في طليعة الذين أسسوا صفحات داعمة لترشيح هذا القائد الناصري الرئاسي في مصر وقد بدأ مسيرته بالمناظرة الشهيرة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات مقدّماً مطالعة مُبهِرة حول كامب ديفيد.

    قبل أيام وعلى صفحة مجموعة سيوف العقل التي يجمعها الصديق الدكتور بهجت سليمان دار نقاش حول موقف القائد الناصري حامدين صباحي من الحرب على سورية، رغم أنه يتحدث عن موقفه الراهن كداعم للدولة السورية منذ العام 2015 وتحوّل بعض النقاش إلى غير أهدافه وكانت لي مداخلة متواضعة دعوتُ فيها لتحويل المناسبة إلى فرصة يتولاها الأستاذ حامدين لمراجعة موقف التيار القومي العربي والناصريون في طليعته مما شهدته سورية. وكان تنويه الأستاذ حامدين والدكتور بهجت سليمان بتلك المداخلة وكانت المناضلة الفلسطينية صابرين دياب تستثمر على المشتركات أملاً بالوصول بالنقاش إلى حيث يجب بالجمع لا بالقسمة دون التفريط بالثوابت.

    اليوم تنشر البناء نصاً للأستاذ حامدين بمناسبة عيد الجلاء الذي تحتفل به سورية، يشكل أفضل وأدقّ وأروع ما يمكن لمراجعة أن تتضمنه، ويرسم بوضوح المهام وبلغة وجدانية راقية ملؤها الدفء والعاطفة، رغم ما فيها من وضوح الحقائق وموضوعية المواقف.

    لعلها أفضل وأجمل هدية تتلقاها سورية في عيد الجلاء.

    ناصر قنديل


    هنا دمشق من القاهرة

    حمدين صباحي

    تحية الإكبار لشعبنا العربي في سورية الحبيبة في يوم عيد الجلاء، ذكرى تطهير أرض سورية من آخر جنود الاحتلال الفرنسي في 17 ابريل/ نيسان 1946.

    لقد كانت الثورة العربية الكبرى تجسيداً لسعي الأمة العربية نحو التحرّر من الحكم العثماني وإقامة دولتها المستقلة الحافظة لحقوقها وهويتها وكرامتها. لكن قوى الاستعمار تآمرت لإجهاض الثورة النبيلة وتحويل نتائجها إلى استعمار غربي فرنسي احتلّ سورية بقوة السلاح عقب معركة ميسلون عام 1920.

    وفي المواجهة استبسل شعبنا العربي السوري وتصدّى للاحتلال وتقسيم وطنه الى دويلات عبر مقاومة بطولية تألق فيها رموز لا زالت ذكراهم تلهمنا بينهم يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وعشرات من قادة الضمير والنضال وآلاف من الشهداء والجرحى والمقاتلين حتى تحقق لوطنهم النصر المستحق وانسحب جنود الاحتلال واستقلت سورية في 17 ابريل 1946.

    وما أشبه الليلة بالبارحة، سورية اليوم تواجه باستبسال مؤامرة استعمارية صهيونية ظلامية تستهدف تقسيم سورية الأرض والشعب والدولة وإدخالها كرهاً الى حظيرة الصلح مع العدو الصهيوني والرضوخ للهيمنة الأميركية ونزعها من عروبتها وإنهاء دورها كقلعة أخيرة للممانعة واحتضان المقاومة في وجه أعداء الأمة.

    في مواجهة هذا الخطر وقفنا ونقف مع سورية وندعو كلّ أصحاب الضمائر في العالم وخصوصاً كلّ عربي وبالأخصّ كلّ مصري إلى تأكيد دعمه الكامل لحق سورية المشروع في ردّ العدوان والحفاظ على استقلالها وعروبتها ووحدة أرضها وشعبها ودولتها وبسط سيادتها على كامل ترابها الوطني، ومؤازرة صمودها الباسل حتى يتحقق لها النصر وتتهيّأ لإعادة بناء ما خرّبه العدوان في العمران والإنسان وتواصل دورها القومي العربي الرائد حصناً للممانعة وحضنا للمقاومة. وتعزز هذا الدور وتكمله بتلبية طموحات شعبها النبيلة المشروعة في الاستقلال الوطني والعدل الاجتماعي والديمقراطية وصون حقوق الإنسان على قاعدة المواطنة الدستورية التي تلمّ شمل كلّ السوريين وتبلسم جراح المحنة بالعدل والمحبة والمساواة أمام القانون بلا تمييز بين الموالاة والمعارضة. لا تعزل ولا تقصي إلا من خرج على دولته الوطنية بالسلاح والإرهاب وإراقة الدماء.

    إنّ دعوات التغيير والإصلاح حق لا ينبغي أن يسلب من مواطن او يصادره حاكم، لكن حمل السلاح باطل يؤدي الى فتنة الاقتتال ويودي بالدولة ودعوات التغيير والإصلاح معاً. وقد كانت سورية عرضة لهذه الفتنة المحنة التي كلفتها غالياً من دم شعبها ومقدراته، وكنا كلنا من ضحاياها. وقد آن الأوان أن يتوقف هذا النزيف المروّع لتمتدّ الأيادي للأيادي وتعانق القلوب القلوب وتطوى صفحة الشكوك والظنون، وأن يدرك المعارضون قبل الموالين أنّ الحفاظ على سورية هو شرط التغيير والإصلاح، فإذا احتلت الأوطان وتفتت أين سيتحقق التغيير والإصلاح وتحترم حقوق الإنسان؟!

    وما هو ماثل أمامنا هو دولة تواجه الإرهاب والعدوان، وفي هذه الحرب لسنا ولا ينبغي ان نكون على الحياد، فللدولة شعب نثق في قدرته على الاختيار وجيش يضحّي لردّ العدوان والإرهاب وسلطة للدولة الوطنية على رأسها الرئيس بشار الأسد. وواجب الوقت أن نحفظ لسورية وحدة واستقلال شعبها وجيشها ودولتها ومن قلب منظومة الدولة يكون السعي السلمي المشروع لكل تغيير وإصلاح.

    ومصر لا تنسى: سورية هي الشقيقة في دولة الوحدة الأولى، وجيشها هو الجيش الأول. ودم جول جمال امتزج بدم جلال الدسوقي شهداء معركة البرلس البحرية دفاعاً عن مصر عام 1956.

    وحين قصف العدوان الثلاثي مصر وأسكت إذاعتها انطلق من سورية الحبيبة نداء «هنا القاهرة من دمشق»، فلا أقلّ الآن من أن يعلو في مصر نداء «هنا دمشق من القاهرة» فهو نداء حق وواجب، حق لكلّ سوري وواجب على كلّ مصري.

    ولا أقلّ من أن تنهض مصر الشعبية بواجب دعم سورية وفي مقدّمتها القوى والرموز الوطنية وبالأخص القوميّة الناصرية.

    ولا اقلّ من أن تبادر مصر الرسمية بدعم الموقف السوري والمطالبة برفع الحصار عنها والمبادرة بإعادة كامل العلاقات الرسمية وفتح سفارة سورية في القاهرة ومصر في دمشق. والعمل على التعجيل باستعادة سورية لمقعدها المختطف في جامعة الدول العربية.

    ومهما كان الدور الشعبي او الرسمي أقلّ مما تستحقه سورية من مصر وأقلّ من عشم اخوتنا السوريين فينا، وهو عشم المحق وعتب المحب، فإنّ ما يجمع مصر وسورية في قلب أمتنا العربية هو أقوى وأبقى وأعمق وأوثق.

    ولعلّ في صدق بلاغة والد الشعراء فؤاد حداد ما يغني عن مزيد القول:

    «ايدك لسه فى ايدي بتعرق لسه بتعزق

    الأرض اللي رواها بردى

    عينك لسه في عيني بتلمع لسه بتدمع

    لسه بتتكلم ع الشهدا

    صدرك لسه قلبي فى صدرك..

    جدري وجدرك

    ف الجمهورية المتحدة.

    دا سلامك ولا زيه سلام

    ونشيدك ولا زيه نشيد

    متعلق يا دمشق الشام

    بحبالك ولا حبل وريد

    ولا تتقطعش الارحام

    دم جدودنا بدم جديد

    بيغمض عيننا بأحلام

    ويفتح عيننا بشهيد

    وان نمنا حالف ما ينام

    ولا تهرب منه المواعيد

    مهما بعدنا مفيهش بعيد

    مهما اتفرّقنا ما نتفرّق.

    الفاس اللي فى يد جمال

    تحرس قبر صلاح الدين

    راجل واحد كلّ الشعب

    مصر وسورية العين والعين

    واحد واحد زي القلب

    عمر القلب ما يبقى اتنين».

    ستنتصر سورية على هذا العدوان الصهيوأميركي الظلامي كما انتصرت على العدوان والاحتلال الفرنسي.

    تحية الإكبار والإجلال والدعم لصمود وتضحيات شعبنا العربي في سورية والجيش العربي السوري الباسل.

    عاشت سورية عربية حرة منيعة ممانعة.

    فيديوات متعلقة

    في الذكرى الـ 62 لإقامة الجمهورية العربية المتحدة نحن والمشكّكون: لماذا دولة الوحدة قادمة؟

    زياد حافظ

    الذكرى الثانية والستون لإقامة الجمهورية العربية المتحدة ليست مناسبة لاستذكار حقبة كانت مليئة بالآمال فقط بل هي مناسبة للتأكيد أنّ تلك الآمال ما زالت موجودة. بل ربما هي أكثر من آمال إذ أصبحت أقرب للتحقيق الآن. وذلك خلافاً لما يظنّ المشكّكون واللذين يتلذّذون بجلد الذات تحت عباءة “الموضوعية” أو “الواقعية” أو أيّ مصطلح يمكن استحداثه لتبرير ثقافة الهزيمة المترسّخة ولتبرير عدم الإقدام على ما يلزم أو لتبرير الاستسلام لمشيئة تحالف الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية. أولئك “الموضوعيين” يعتبرون أنّ حالة التجزئة والتمزّق قدر لا يمكن تجاهله خاصة في غياب ما يُسمّونه بـ “المشروع العربي”.

    وإذا كنّا نعتقد أنّ معركتنا المفصلية هي مع العدو الصهيوني وحماته من الامبريالية والرجعية فإنّ خلافنا لا يقلّ حدّة مع “المشككين” الذين يعتبرون أنفسهم شهداء على زمن الانحطاط والتراجع وغياب أيّ آفاق للنهوض. فهؤلاء لا يرون التحوّلات في موازين القوّة على الصعيد العالمي والإقليمي. ولا يرون حتى التغييرات التي حصلت على الصعيد العربي وخاصة ظاهرة المقاومة التي ما زالوا يقلّلون من شأنها. ولا يستطيعون أن يروا الإنجازات التي تحقّقت في الميدان ضدّ العدو الصهيوني سواء في لبنان أو في فلسطين. فالعدو الصهيوني الذي كان يسرح ويمرح دون أيّ رادع لم يعد باستطاعته التقدّم شبراً واحداً في لبنان أو في قطاع غزّة بينما أصبح يعيش في “غيتو” المناطق المحتلّة خلف جدار يعتقد أنه سيحميه من انتفاضة شعب فلسطين أو ضربات مقاومته. ولا يستطيعون أن يروا أن سياسة المبنية على المعتقد الخاطئ أنّ الولايات المتحدة تملك 99 بالمائة من أوراق اللعبة وأنّ الحصول على الرضى الأميركي يمرّ عبر إرضاء الكيان الصهيوني، أيّ أنّ ذلك الرهان رهان خاطئ لم يعط أيّ نتيجة سواء في مصر أو في الأردن أو عند منظّري اتفاق أوسلو أو في دول الخليج. لا يرون في هذا الحال أنّ الكيان الذي أوجد من أجل حماية مصالح الاستعمار الأوروبي ومن بعد ذلك الامبريالية الأميركية أصبح بحاجة إلى حماية لا تستطيع الولايات المتحدة تأمينها رغم كلّ العنتريات والكلام عن الترسانات الفتّاكة التي تملكها. ومن سخرية القدر أن أصبح الكيان يفتخر بدعم بعض الأنظمة العربية كـ “إنجاز” يمكن الاعتماد عليه بينما تلك الأنظمة ما زالت تعتقد أنّ الكيان هو من يحمي عروشها وكراسي الحكم فيها.

    يقولون لنا إنّ الوحدة غير ممكنة بسبب معاداة الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص ومعها الصهيونية العالمية والرجعية العربية القابضة على منابع النفط والمال وبالتالي يدعون إلى “الواقعية” والابتعاد عن “المغامرات غير المحسوبة”. لا يستطيعون أن يتصّوروا أن سياسات “الواقعية” و”خيارات السلام” لم تؤدّ إلى الازدهار والاستقرار بل العكس إلى المزيد من البؤس والتوتّر. لا يستطيعون أن يفهموا أن لا تنمية ممكنة ضمن أطر الحدود التي رسمها المستعمر الأوروبي قبل أن يضطر إلى الخروج من الباب ليعود ويدخل من شبّاك التبعية الاقتصادية وأداته الفساد المتفشّي بين الزمر الحاكمة. لم يستطيعوا ان يفهموا أن معظم الدول التي رسم حدودها المستعمر الأوروبي رسمها لتكون دولاً فاشلة إذا ما عبّرت عن رغبة استقلالية. لكنّها نجحت ان تبقى مع منظومة فساد واستبداد إذا ارتضت بالتبعية السياسية والاقتصادية للغرب بشكل عام وللولايات المتحدة بشكل خاص ومعه الكيان الصهيوني والرجعية العربية. فالاختباء وراء بناء الدولة الوطنية وعدم مواجهة العدو الصهيوني والهيمنة الأميركية ساهم في تكريس التجزئة التي أرادها المستعمر القديم والجديد.

    لم يفهموا أنّ الدعوة إلى الليبرالية السياسية والانفتاح كإحدى البدائل عن الوحدة دعوة زائفة مهمّتها تكريس هيمنة زمر الفساد والتبعية والاحتكار وذلك على حساب الوطن واستقلاله وتنميته وإبعاد أيّ عدالة اجتماعية وإلغاء الثقافة العربية وموروثها التاريخي والتنكّر للهوية وللغة وتشويه الدين. لم ينتبهوا أنّ التنمية المستدامة غير ممكنة في دولة التجزئة أو عبر “الشراكة” المزيّفة مع الغرب. لم ينظروا إلى أنّ النموذج الاقتصادي المتبع هدفه إدامة التوتر الاقتصادي والاجتماعي لمنع الشعوب عن مواجهة التحدّيات الكبرى كالاستقلال الوطني والحفاظ على الهوية والتجدّد الحضاري. فإلهاء الناس بالقضايا المعيشية وخلف قضايا وهمية افتراضية تملأ الفضاء الثقافي هو لتحويل الانتباه عمّا يٌحاك ضدّ الأمة بدءاً بما سمّوه “صفقة القرن” مروراً بدعوة “القطر أوّلا” على قاعدة أنّ “أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة” لتكريس التجزئة والتبعية.

    لم ينتبهوا أنّ المستعمر القديم الجديد في تراجع بنيوي واستراتيجي يقابله محور صاعد يرفض الهيمنة الأميركية. ومحور المقاومة في الوطن العربي جزء من ذلك المحور وإن كانت له، أيّ محور المقاومة، خصوصيات تميّزه عن المحور الصاعد المتمثّل في الكتلة الأوراسية بقيادة الصين وروسيا. لم يلاحظوا أنّ الولايات المتحدة لم تربح حرباً واحدة بعد الحرب العالمية الثانية وهي الآن متورطّة بشكل أو بآخر بسبعة حروب لا تدري كيف تنهيها أو تخرج منها مع الحفاظ على ماء الوجه. لم يستوعبوا أنّ الكيان الصهيوني في تراجع عسكري منذ 1967. فهزم في معركة العبور (1973) وخسر حرب لبنان (2000 و2006) وخرج منه دون أيّ قيد أو شرط أو مفاوضة. كما خرج من غزّة ولم يعد قادراً على إعادة احتلالها (2008، 2012، 2014)، فلم يعد قادراً على مواجهة المقاومة إلاّ بكلفة عالية لا يستطيع تحمّلها لا بشرياً ولا سياسياً.

    كما أنهم لم يستوعبوا خسارة العدوان الكوني على سورية وفشل العدوان العبثي على اليمن وترهّل قوى التحالف العدواني عليه. لم يروا إلاّ احتلال العراق وتمزيق ليبيا وانفصال السودان وهرولة بضع الدول للصلح مع الكيان الصهيوني وانتشار جماعات التعصّب والغلوّ والتوحّش في مختلف الأقطار العربية علما أنها فشلت في مشروعها العبثي. فالعراق يستعيد عافيته تدريجياً بعد مقاومة أوقفت المشروع الأميركي في العراق وبعد دحر جماعات التعصّب والغلو والتوحّش التي تنتقل من هزيمة إلى هزيمة في العراق وسورية وتضيق الأرض العربية بها. فهي أصبحت وقود التفاوض بين القوى المنتصرة في المنطقة إما لإنهائها أو إما لإعادة تصديرها إلى من موّلها ودعمها عسكرياً وسياسياً. وهذه الجماعات مرتبطة بالمحور المتراجع استراتيجياً، وبالتالي لا أفق لها كما لا أفق للعدو الصهيوني الذي برهن فعلاً أنّ كيانه أوهن من بيت العنكبوت. أما الهرولة لبعض المطبّعين فهي بين مطرقة الضغط الأميركي وسندان رأي الشعوب عندها الرافضة للتطبيع رغم الضجيج الإعلامي حوله من قبل قيادة الكيان.

    الوحدة قادمة لأنّ شعوب الأمة موحّدة في مواجهة القضايا المصيرية بدءاً بقضية فلسطين وصولاً إلى رفض التبعية للخارج. فالمبادرة بيدها اليوم وليس بيد الحكّام الذين بدأوا يخشونها أكثر مما يخشون الولايات المتحدة. وإذا كانت فلسطين توحّد جماهير الأمة وبما أنّ تلك الجماهير تدعم خيار المقاومة فهذا يعني أنّ البعد الوحدوي لهذه الجماهير هو بُعد مقاوم. لذلك نقول بأنّ متن المشروع العربي الذي هو وحدة الأمة هو مشروع مقاوم. هو مشروع يوحّد الجماهير ضد المحتلّ أولا، وضدّ الذي يريد فرض هيمنته على مقدّرات الوطن ثانياً، وضدّ الاستبداد الذي يدعمه المستعمر القديم والامبريالية الجديدة ثالثا، وهو ضدّ الفساد الذي يشكّل أداة الاستبداد رابعاً. فالوحدة العربية آتية والدليل على ذلك أنّ جماهير الأمة خرجت لترفض صفقة القرن، وخرجت في اليمن تحت القصف، وخرجت في الجزائر والمغرب وتونس لترفض التطبيع مع الكيان، كما خرجت لترفض التبعية والفساد والاستبداد. فوحدة الجماهير مقدمّة لوحدة الحكومات. وكلّ ذلك رغم الحملات المغرضة ضدّ العروبة التي ينعوها موسميا! فالتجزئة قدر عندهم بينما الوحدة قادمة عندنا.

    حاول أعداء الأمة نزع الهوية العربية عن الشعوب عبر استبدال خطاب الهويات الفرعية والدينية بالخطاب العروبي الذي يجمع بين مكوّنات الأمة. برهنت الوقائع خلال العقود الخمسة الماضية أنّ الخطاب العروبي الجامع هو الذي يستطيع الصمود أمام كلّ التحدّيات بينما الخطاب الديني، وخطاب الهويات الفرعية، وخطاب الليبرالية والانفتاح الزائفين، اصطدم بواقع الإقصاء والتجزئة. الخطاب العروبي في جوهره خطاب وحدوي بينما الخطابات الأخرى خطابات فرز وتجزئة. في المقابل الخطاب العروبي الوحدوي يجمع بين كلّ مكونات الأمة مهما تنوّعت العرقيات والأديان، ومهما اختلفت المذاهب السياسية. وتجسيداً لتلك الحقيقة فإنّ صوغ المشروع النهضوي العربي الذي أطلقه مركز دراسات الوحدة العربية في هذه المناسبة بالذات في شباط / فبراير 2010 من قبل مثقفين وناشطين من مختلف المذاهب السياسية والفكرية دليل على أنّ العروبة جامعة لمكوّنات الأمة. ما يبقى هو تجسيدها السياسي عبر إقامة دولة الوحدة.

    لذلك توجد مؤسسات تحمل ذلك الفكر وتلك الرؤية. فدور مركز دراسات الوحدة العربية كخزّان فكري وبحثي وعلمي لقضايا الأمة ساهم في بلورة الخطاب العروبي المعاصر. والمؤتمر القومي العربي وشقيقه المؤتمر القومي الإسلامي يحملان ذلك الخطاب ومفهوم الكتلة التاريخية لمواجهة تحدّيات الأمة الداخلية والخارجية. والمؤسسات الشبابية كمخيّم الشباب القومي العربي المنبثق عن المؤتمر القومي العربي وندوة التواصل الفكري الشبابي العربي على سبيل المثال وليس الحصر تعيد إنتاج الكوادر الحاملة للخطاب العروبي. وإذا أضفنا المنتديات القومية العربية الناشطة في العديد من المدن العربية نرى أنّ الخطاب الوحدوي ما زال حيّاً وناشطاً رغم الاتهامات بأنه لغة خشبية. فإذا كان ذلك صحيحاً، أيّ انّ الخطاب الوحدوي خطاب خشبي، فلماذا يستمرّ المشكّكون والأعداء في مهاجمته؟ من جهة أخرى، فإذا كان متن الخطاب العروبي خشبياً، فهو من خشب النخلة، وخشب الزيتون، وخشب الأرز، خشب أصيل يمتد إلى قرون عديدة وربما لما قبل التاريخ! كما هو أيضاً خطاب المستقبل الذي يرى في الوحدة قوّة وفي القوّة نهضة، وفي النهضة تجدّداً حضارياً، ورسالة إلى العالم.

    في ما يتعلّق بالوحدة نعي أنّ هناك مصالح محلّية تعارض الوحدة وفي مقدّمتها الرجعية العربية وأعوانها في كل قطر. فهي لا تنسجم مع الطرح الوحدوي لأنه يهدّدها ويذوّب رموزها في الوعاء الأكبر، وعاء الوطن العربي بأكمله. أولئك، مع المشكّكين، هم من يعملون على منع الوحدة في الحدّ الأقصى، أو تأخيرها في الحدّ الأدنى. لكن الحقائق المادية ستفرض حكمها. فالدولة القطرية، والأمثلة عديدة، لم تعد قادرة لا على حماية كيانها، ولا على حماية مواطنيها ولا حتى حكّامها، ولا على حماية حدودها. كما أنها لم تعد تستطيع القيام بالتنمية المستدامة والمستقلّة بسبب تدخّل الامبريالية وقوى العولمة التي تلغي الخصوصيات والموروث الثقافي بل تلغي المصالح الاقتصادية المحلّية التي هي من حقّ الشعوب.

    لذلك، نستغلّ هذه المناسبة للتأكيد أنّ الوحدة ليست شتيمة ولا حلماً طوباوياً بل ضرورة وجودية لبقاء الأمة. كما أنها قدر على جماهير الأمة التي استطاعت رغم الغزوات الخارجية الحفاظ على الموروث التاريخي الذي يجمع. ومهمتنا اليوم هي أن نحوّل ذلك الموروث التاريخي الجامع إلى حقيقة مادية حيّة ومتطوّرة في الحاضر لنبني عليها المستقبل.

    *كاتب اقتصادي سياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي

    فيديوات متعلقة

    مقالات متعلقة