موت المتصرفية وموت الطائف

سياسة 

ابراهيم الأمين الثلاثاء 11 آب 2020

إبراهيم الأمين مرة أخرى: العنف ولو أدى إلى الفوضى هو الحل | مناطق

لن يتوقف الفجور أبداً، والكذب ملح الفاجرين. لا يهمهم شيء غير الصورة التي يعتقدون أن القوة تبقي عليها حية. هكذا هي حال سياسيين واعلاميين ورجال مال وأعمال عندنا. أما الناس العاديون، فعليهم تحمل تبعات أفعالهم. وكما يدفعون، منذ عقود، ثمن مبايعة هذه القيادات، عليهم تحمل تبعة مبايعة هذا الجنس من المعارضين. لا مبرر لغاضب أو متعب أو جائع عندما لا يجيد التمييز بين النصّابين، وعندما لا يريد لعقله أن يعمل للحظة واحدة. وكل كلام آخر، هو مساهمة في حفلة الدجل القائمة التي لا مؤشرات على أنها ستقف عند حدّ.

سامي الجميّل يستقيل، وكذلك ابن عمه نديم، وقبلهما مروان حمادة، وبعدهما ميشال معوض، وآخرون من بقايا الفولكلور الديموقراطي. هل لنا أن نسأل عمّا فعله هؤلاء وعائلاتهم منذ ولدنا جميعاً؟ هل من استقالوا من المجلس النيابي قرروا أنهم غير مناسبين للعمل العام أم ماذا؟ هل سيترشحون في أي انتخابات مقبلة؟ هل تعني استقالاتهم أنهم فشلوا في مهمتهم وعليهم المغادرة، أم أنهم يقولون لنا إن السلطة لم تناسبهم فقرروا استخدام تفويض الشعب، ولكن في الشارع.

هل فكّر أبناء عائلة الجميّل مرة في حجم الاموال العامة التي ينفقها اللبنانيون عليهم: رواتب رؤساء ووزراء ونواب حاليين ومتقاعدين؟ مصاريف خاصة معلنة وسرية؟ مشاريع ومزاريب وتوظيفات وإقطاع بشع؟ وبين كل هذه الأجيال، تجارب ومدارس في الدونية أمام أي خارج يحمي مصالحهم، من ياسر عرفات الى حافظ الاسد وصدام حسين وأمراء الخليج… الى كل جوقة الغرب القريب أو البعيد. وبعدها، يخرج من بينهم من يحدّثنا عن ثورة وتغيير!
ميشال معوض: هل تعتقد أن تجربتك في غينيا منحتك الخبرة لتجرب الانقلاب في لبنان أيضاً؟ أم ان تجربة جمع التبرعات عام 2006 منحتك الإلهام لجمع مزيد من التبرعات، لكن بأرقام أكبر، لأن انفجار المرفأ «حصل في مناطقنا»… كيف تشرح لنا سبب انضمامك الى تحالف جبران باسيل يوم التصويت وسبب تخليك عن هذا التحالف اليوم؟ وهل يمكن لك أن تتجاوز زوايا زغرتا قليلاً أم أصابك أيضاً وباء الرئاسة الذي يصيب كثيرين اليوم، من بينهم ناصيف حتي ودميانوس قطار وغيرهما؟ هل همس لكم أحد بأن أوان الانتخابات الرئاسية قد حان، وأن فرصتكم تكبر إن انتقلتم الى مواقع أخرى؟ وهل تعتقدون، فعلاً، أنكم صرتم في موقع الناس المقهورين، أم أن بعض التصفيق يعمي أبصاركم؟

ميشال المر الصغير قرر قيادة ثورة المقهورين والجياع. تخيّلوا أن من يرفع هذا الشعار هو الرجل الذي لم يتخلّ يوماً عن عنصريته وكراهيته لكل آخر. الرجل الذي يعتقد أن بمقدوره بناء كوكب مستقل قرب صنين، ويحق له سرقة المال العام من إنترنت، ومن قروض مصرف تملكه الدولة (بنك التمويل) ولا يسدده، قبل أن يخرج رياض سلامة، الملاك الرحيم، لإعادة تنظيم الأمور، فتنتهي المحطة مملوكة فعلياً لسلامة وجوقة المصارف، فيما أنت موظف صغير فيها، تكتفي ببعض المزايا مثل مراقبة الصبايا العاملات في المحطة… أما قرار منع السياسيين من الظهور على شاشتك، فهو حازم وصارم الى حدّ أن أحداً لن يجبرك على أي استثناء، لكن ما الذي تفعله، يا مسكين، إن قرر جهاز الإرسال، لوحده، أن يخالف قرارك عندما التقطت عدسة الكاميرا صورة الحكيم المنقذ في ساحة ساسين!
الحفل لا يكتمل من دون بقايا مرتزقة السعودية، التي لم تتحمل مجلة «نيوزويك» قدرتها على التضليل، فاضطرت الى كشف أن الذباب الإلكتروني للدب الداشر يقود معركة توجيه غضب الناس ضد حزب الله. وهو ما يفعله رائد التقدم في المنطقة العربية، محمد بن زايد، الذي لم يكتف بسرقة أموال شقيقه الأكبر، رئيس الدولة، كما يسرق نفط جنوب اليمن وغازه، بل سارع الى إنفاقها حيث يعتقد أن بمقدوره قيادة العرب الى العصر الحديث، عصر السجون السرية والقتل العشوائي والصمت الكامل. لكن الناس عندنا يحبونه، هكذا تقول 14 آذار وناشطو المجتمع المدني الذين ينبهرون، يوماً بعد يوم، برواد الحرية والازدهار في الإمارات العربية المسلوبة من عائلة قراصنة وقطاع طرق.
وماذا نفعل، أيضاً، مع ديناصور من وزن وليد جنبلاط. يطالب عبر قناة «الحرة» الأميركية بـ«تعليق المشانق لوزراء الحكومة الحالية». يا الله، كيف لهذا الرجل أن يتحدث بعد؟ وأي وزارة صحة يمكن أن تعلن خطره على السلامة العامة؟ كيف لنا أن نحل لغز هذا الرجل الذي يريد أن يضمن حكم أحفاد نجله الى ما بعد مئة عام؟ كيف لنا ذلك، ونحن لا نعرف كيف يصحو وكيف ينام ومن يعاشر وماذا يقرأ وأي علاج ينفع في إقناعه بأن المكابرة داء يمكن التخلص منه، وأن فرك العينين قليلاً، سيتيح له رؤية المشهد على حقيقته: حيث لا متصرفية جبل لبنان بقيت، وحيث اتفاق الطائف يترنح بقوة. والأهم، أن طبيعة النموذج الاقتصادي الذي كان يموّل هذه السلطات المتعاقبة ضمن نظام طائفي بنسختي الميثاق والوثيقة قد سقط أيضاً. من يمكنه إقناع جنبلاط بأن أفضل ما يمكن أن يقوم به، اليوم، هو إعفاء الدروز من معمودية نار جديدة مع أولاده، وأن يوزع على فقراء الجبل أملاكه، ويترك لهم تدبر أمورهم ضمن انخراط في إطار مدني عام… وكفى الله المؤمنين شر القتال!

الوهم والحديث عن التقسيم والفدرالية والكونفدرالية عادا ليسيطرا على قيادات فعّالة في الوسط المسيحي


وفي زاوية أخرى من المشهد، أشد قساوة، تكمن الخطورة الكبرى. حيث الوهم عاد ليسيطر على قيادات فعالة في الوسط المسيحي. وحيث الحديث عن التقسيم والفدرالية والكونفدرالية كبير، وحيث هناك محاولة جدية لتعميمه على الناس البسطاء على قاعدة «ما لنا لنا وما لهم لهم… لسنا مثلهم لنعيش معهم». هذا كلام حقيقي يقال اليوم، وكل محاولة لنفيه أو الإلقاء به على هامش النقاش كلام غير حقيقي. وزير مثّل «القوات اللبنانية» في الحكومة السابقة قال أمام سفير أوروبي: ينقصنا المطار والسهل الزراعي، وإلا لكنا استقلّينا وانتهى الأمر. هذا كلام يتردّد بين مطارنة وفي أديرة ومجالس بلدية وأهلية، ويتسرب على شكل تعليقات ونكات على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو يُردّد أمام غربيين يسألون عن الحل الأفضل. لكنه لا يعبّر عن وهم فقط، بل عن جنوح نحو عزلة غير مسبوقة، تقود الى انتحار جماعي لا أقل ولا أكثر. وهي نزعة ليست من اختراع الخارج، ولا نتيجة تحريض هذه الدولة أو تلك. هي نزعة موجودة في عقول قيادات لم تتعلم من التاريخ شيئاً، ولم تستفد من كل التجارب، وتفكر بطريقة لا ينفع معها كل تنبيه. كاد مانويل ماكرون يبح صوته وهو يقول لبعض هؤلاء: «أنا رئيس فرنسا، ولا تتحدثوا معي كأنني مالك السحر.. افهموا أنه يجب أن تتحاوروا مع الآخرين وتجدوا الصيغة للعيش معاً». لكن ماكرون الذي تملك بلاده معرفة واسعة بهؤلاء، يتصرف اليوم على أنه الوصي عليهم، وهو سيتصرف هكذا في ظل قراءة بلاده لتطورات تحدث انهياراً سياسياً واسعاً في الشارع المسيحي، وخشية من «تولّي مسيحيين أصوليين ومتطرفين الأمر»، على حدّ تعبير نافذين في إدارته.

المتظاهرون الغاضبون في الشارع يعبّرون عن سياق يخص كتلة سياسية فئوية في لبنان. ومع الأسف، وإن كان البعض سيفسر هذا الكلام بخلفيات مقيتة، إلا أن أمانة التوصيف تشير الى أن أفكار الجبهة اللبنانية البائدة هي المسيطرة على عقل غالبية من يدير الشارع. والمتوهمون من «المجتمع المدني» ليسوا سوى أدوات وبيادق لا قدرة لها على إدارة صنع القرار. وها نحن نقترب من لحظة الفراغ القاتلة، وأكثر ما يمكن للعالم أن يفعله، هو تكليف فرنسا بإدارة حوار لبناني – لبناني، في بيروت أو في باريس. حوار لا يستهدف تغيير السلطة، بل تغيير النظام… وما دونه فوضى ستجبّ كل ما قبلها!

مقالات متعلقة

The Great Collapse الانهيار الكبير

The Great Collapse

Translated by Staff, Al-Akhbar Newspaper

It’s much similar to the end of the world scene in movies; a cloud that quickly tinted from red to black and then to poisonous ashes, seems like a scene from a movie on world wars. The absurd madmen destroyed the city and turned it into a rubble pile. Screams echoed throughout the country. There was an earthquake and then dust that hid for a moment the scale of the disaster, before people suddenly saw the whole picture. The great collapse that afflicted the center of the country, striking everyone with shrapnel, but unfortunately, failed to unite them. 

Whether the incident was due to a mistake, a sabotage operation, or anything else, what it did was lift the cover off of the mangled country. The explosion revealed the face of the great collapse. The collapse of an integrated system, the way of thinking, behaving, managing, and dealing with crises.

The litigants together chanted “the encounter at the edge of the grave”. But the tragedy will not bring together the Lebanese who run away from anything that adjoins them. The mass collapse has become an additional argument for further tampering, arrogance and denial. But it is a moral collapse, too, that has afflicted the whole system of values that preserve social and human sympathy. A collapse in the form of a tragedy that did not prevent parties, groups, and individuals from seeking to exploit it for their trivial gains. The collapse proved that nothing can be trusted whether it was an institution, a party, or a person. A collapse that will prevent a collective mourning tomorrow for those who died in this great disaster. A collapse which revealed, in few hours, that a grave tragedy awaits us.

Hearing the comments of those supposed to present themselves responsible, and how they became, in minutes, experts and foretellers of the unseen and the analyses and inventions they devised, means one thing: it is the collapse prior to the great destruction. The destruction that will erase everything. As for the exhausted people, whose blood was hard-wired with sweat yesterday, they will be left alone to die silently; hoping that their death will be less exploited by vultures welcoming death in search for their livelihood even among carcasses. Those, who we do know not why they have been permitted to move between the dead, are inciting victims against each other. 

In a moment, silence prevailed, and then the shock was over, as if people were waiting for this incident, as if this country had not yet been filled with destruction, fire, blood, and screams. This ongoing moment is not expected to end soon. And among people are those ominous who wish the worst to satisfy an abhorrent desire, believing that the great collapse will allow them to rise to the top, even above the rubble. Those who told us decades ago that they did not fear war and let the strongest win, are the same ones who groveled abroad and practiced all kinds of killing and abuse inside. Those who were not tired of wars even if no one was left alive. Those who wish for the great collapse believing that Lebanon should be as they wish or not to be! 

The sight of the injured at the doors of the emergency rooms makes one speechless. Thousands arrived at the hospitals and immediately returned when they saw the crowds at the door of hell. Doctors examined the victims of the massive storm: dislocated heads, eyes bulging out of faces, and skin peeled off of bones, and blood everywhere. On the scorched earth, rubble held captive those who were late to return home, while semi-homes of the poor were demolished. And what remained standing, iron levers, calling on God to protect those who remained beneath it: humans and stone…
The rest of the tragedy, if we return soon to our normal life as if nothing had happened. Or as if what happened was a mere bus accident. All talk about investigating and solving will remain the same. What one hopes, in these moments of anger, is that the tremor troubles everyone for a long time, to remind us that we no longer own our reaction to sorrow!


الانهيار الكبير

سياسة ابراهيم الأمين الأربعاء 5 آب 2020

كما في الأفلام التي ترسم مشهد نهاية الكون. الغيمة التي تلوّنت سريعاً من حمراء إلى سوداء إلى رماد سام، بدت صورة مستعادة من أفلام الحروب العالمية. المدينة تحوّلت إلى كومة ركام بعدما دُمّرت بعبثية مجانين. صراخ علا في المدينة وكل أطرافها، ووصل صدى الصوت إلى أنحاء البلاد. هزة أرضية فعصف ثم غبار يخفي، للحظات، حجم الكارثة، قبل أن يجد الناس أنفسهم، فجأة، أمام الصورة كاملة. صورة الانهيار الكبير الذي أصاب مركز البلاد، لتنتشر شظاياه في أجساد الجميع، ولكن، وللأسف، من دون أن توحّدهم.

سواء كان وراء ما حصل خطأ أو جريمة تخريب أو أي شيء آخر، فإنه ليس سوى رفع للغطاء عن الهريان الذي ضرب هذه البلاد. أتى الانفجار ليكشف عن وجه الانهيار الكبير. انهيار منظومة متكاملة، من طريقة تفكير وتصرّف وإدارة وطريقة تعامل مع الأزمات.

كان المتخاصمون ينشدون معاً نشيد «اللقاء عند حافة القبر». لكن المأساة لن تجمع الشعوب اللبنانية الآخذة بالتفلّت من كل شيء جامع. صار الانهيار الجماعي حجة إضافية لمزيد من العبث والمكابرة والإنكار. لكنه انهيار أخلاقي، أيضاً، أصاب كل منظومة القيم التي تحفظ تعاطفاً أو تكافلاً اجتماعياً وإنسانياً بين الناس. انهيار على شكل مأساة، لكنها لم تمنع جهات ومجموعات وأفراداً من السعي إلى استغلاله من أجل مكاسبهم التافهة. انهيار دلنا على أن بلادنا لم يعد فيها من يحظى بثقة الناس، سواء أكان مؤسسة أم جهة أم شخصاً. انهيار سيمنع غداً حزناً جامعاً على من سقط في هذه الكارثة الكبيرة. انهيار كشف لنا، في ساعات قليلة، أن مأساة كبيرة تنتظرنا خلف الأبواب.

من يسمع تعليقات من يفترض أنهم يعرضون أنفسهم لتولي المسؤولية، وكيف صاروا، في دقائق، خبراء وضاربين في علم الغيب، وما أفرغوه من تحليلات واختراع وقائع، لا يقول لنا سوى شيء واحد: إنه الانهيار السابق للخراب الكبير. الخراب الذي لن يُبقي على شيء. أما الناس المتعبون، الذين جُبل عرقهم بدمائهم أمس، فسيُتركون لحالهم، ينشدون موتاً أقل صخباً لو أمكن، عسى أن يكون استغلاله أقل من قبل كواسر صاروا يرحّبون بالموت بحثاً عن رزقهم ولو على شكل جيفة. هؤلاء الذين لا نعرف لماذا تسمح لهم الشاشات بالتنقل بين الموتى، لتحريض الضحايا بعضهم على بعض.

في لحظة واحدة ساد الصمت، ثم زالت الصدمة، وكأنّ الناس ينتظرون مثل هذا الحدث، وكأن هذه البلاد لم تشبع بعد من الدمار والنار والدماء والصراخ. وهي لحظة مستمرة لا يُتوقع لها أن تزول قريباً. وبين الناس من هم نذير شؤم يتمنون الأسوأ من أجل إشباع رغبة مقيتة، لاعتقادهم أن الانهيار الكبير سيتيح لهم الارتفاع إلى أعلى، ولو من على فوق ركام. هؤلاء الذين قالوا لنا قبل عقود بأنهم لا يخشون الحرب وليربح الأقوى، هم أنفسهم الذين مارسوا كل أنواع التذلّل للخارج، وكل أنواع القتل والتنكيل في الداخل، وهؤلاء الذين لم تُتعبهم الحروب حتى ولو لم يبق مبشّر على وجه هذه الأرض، هؤلاء هم الذين يتمنون الانهيار الكبير، لأنهم لا يرون لبنان إلا على شاكلتهم أو لا يكون!
لا شيء يمكن الحديث عنه أمام مشهد الجرحى على أبواب غرف الطوارئ في المستشفيات. الآلاف وصلوا إلى المستشفيات وعادوا عندما شاهدوا الزحام على باب الجحيم. عاين الأطباء ضحايا العصف الهائل: رؤوس مخلّعة، وعيون خارجة من الوجوه، وجلود كأنها سُلخت عن عظام، والدماء تغطي كل شيء. وفي الأرض المحروقة، بقي ركام يحتجز من تأخر في العودة إلى عائلته، بينما هُدمت أشباه المنازل على فقراء أحياء المنطقة. وما بقي واقفاً، رافعات من حديد، تناجي الله عسى أن يحمي من بقي تحتها من بشر وحجر…

لكن بقية المأساة، إن عدنا بعد قليل إلى يومياتنا كأنّ شيئاً لم يحصل. أو كأن الذي حصل هو حادث انقلاب باص. وكل كلام عن تحقيق وعلاج سيبقى على ما هو عليه. وما يأمله المرء، في لحظات الغضب هذه، أن تسكن الهزة الجميع لوقت طويل، عسى أن تبقى تذكّرنا بأننا لم نعد نملك حتى إدارة حزننا!

وطن يتحلّل

د. عدنان منصور

لم عد أمام المواطن اللبناني ما يقوله، بعد الحالة المزرية الكارثية التي وصل اليها، وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، في مختلف القطاعات، وعلى المستويات كافة، بعد كلّ الذي قاله بحق حكامه، والطغمة الفاسدة، والزمرة الباغية سوى: كفى، كفى!

كفى استهتاراً واستخفافاً بالشعب! كفى كذباً ونفاقاً وفشلاً وتقاعساً وإهمالاً متعمّداً بحق الوطن والمواطنين! كفى إذلالاً وتجويعاً وقهراً واستبداداً وطغياناً!

لم يعد أمام المواطن اللبناني من مفردات تعبّر عن غضبه وسخطه، ينعتكم بها، إلا وقالها لكم بصوت عال. لقد أصبحتم مهزلة وأضحوكة العالم، يتندّر بكم، وبوقاحتكم، وفشلكم، وتعلقكم بالمناصب، والصفقات، والنهب والكراسي… عالم يعلم علم اليقين، أنكم لم تتركوا لشعبكم الا الذكريات المرة، والإحباط والإذلال والمآسي…

يا حكام وأغنياء البلد ولصوصه، ايّ وطن بنيتموه؟! وأي إرث تركتموه لشعبكم؟! خذوا ثرواتكم كلها مع نعوشكم، واملأوا بها بطونكم، وانفخوا كروشكم وأدمنوا على المال الحرام وقولوا هل من مزيد…؟!

ما الذي ننتظره منكم، ومن بلد تحكمه مجالس طائفية، كل طائفة فيها يديرها زعماء روحيون وسياسيون على طريقتهم الخاصة، وفق أهوائهم السياسية ومصالحهم الشخصية!

ما الذي ننتظره من عمل المؤسسات، وكلّ مؤسسة يديرها مجلس ملل مرتهن لمن عيّنوه، ليصبح بمتناولهم، من خلاله يتقاسمون الحصص، والمحاسيب، والصفقات، والتلزيمات “ والمناقصات»….

أيّ بلد نريده، وأيّ وإصلاح ننتظره! وأيّ مستقبل يعوّل عليه المواطنون، عندما يدركون انّ القضاء محكوم بالسياسة، لا يستطيع قاضٍ مهما علا شأنه، أن يحاكم سياسياً أو مسؤولاً فاسداً أو مفسداً، أو ناهباً للمال العام، أو مستغلاً لوظيفته التي من خلالها، حقق ثروة عن طريق الإثراء غير المشروع! كيف يمكن تحقيق الإصلاح في بلد منهار، عندما يُستدعى فاسد، مختلس، للتحقيق معه، لكونه خرق القانون عن إصرار، وتحوم حوله شبهات وعلامات استفهام، وتدينه أدلة دامغة لا لبس فيها، ثم يخرج من التحقيق يختال، رافع الرأس، يمشي مرحاً، بعنجهية وقحة، لنتساءل بعد ذلك: مَن استدعى مَن؟!

أيّ بلد ننتظره، وفيه خمسة أسعار صرف للعملة الوطنية المنهارة أصلاً، وكلّ يوم يغدق علينا مصرف لبنان وحاكمه الفذ، قراراً جديداً، مع ما تنعمه علينا أيضاً المصارف وحيتانها، سارقو جنى عمر وأموال المودعين، بالوعود والتطمينات الكاذبة، التي تخدّر أبناء الشعب المسحوق, على يد أفسد وأوقح وأرذل وأحط طبقة سياسية ومالية ومصرفية شهدها العالم، وعانى لبنان من شراستها الأمرّين على مدى ثلاثة عقود!!

ما الذي ننتظره من بلد يفاوض فيه مسؤولوه الصناديق والمؤسسات النقدية والمالية الدولية، في الوقت الذي تتضارب وتتباين فيه أرقام مؤسساته المالية، حول العجز المالي والديون المترتبة على الدولة والمصارف، ليصبح مسؤولوها مجالاً رحباً للتندّر والتهكم، وعرضة للاستخفاف وعدم الثقة بهم، وبجديتهم، وصدقيتهم من قبل المؤسسات المالية الدولية!!

أي بلد هو هذا البلد، وأي صنف من المسؤولين الفاشلين، المتخبّطين، المتردّدين يديرونه، حيث تكثر فيه الوعود، والاجتماعات والتصريحات، والتطمينات، والخطابات واللجان المنكوبة، التي تضمّ ما هبّ ودبّ من خبراء، واختصاصيين، وباحثين، ومنظرين محليين وأجانب، لتعطى الدروس، وتتعدّد الاجتهادات! دراسات توضع، وحلول ترفع، وتقارير تجمع، وأصوات تلعلع، ووزير يلفّ ويدور، يصول ويجول، ورئيس حكومة يؤثر ان يطل علينا بسجل إنجازاته “الباهرة”، وبعد ذلك نرى النتيجة الصادمة المفجعة على الأرض:

عتمة وظلام، قمامة ونفايات تتصدّر الساحات والشوارع، انقطاع وشحّ في المياه، ازمة طاقة مستدامة يحرص عليها لصوص البلد، رواتب ومعاشات وصلت الى الحضيض، وتضخم مالي فاق الحدود وتجاوز المعقول… وفوق كلّ ذلك، نرى الصورة المأساة: مواطن يُسحَق، ويُسرَق، ويُذلّ، ويُهجّر ويجوع ويموت!!

ما الذي ننتظره من بلد، يَعِد فيه رئيس حكومته الشعب، باسترجاع أمواله المنهوبة، والمحوّلة الى الخارج بصورة غير قانونية، ثم يتلكأ عن اتخاذ الإجراءات القانونية لملاحقة الناهبين للمال العام ومحاسبتهم، أو يغضّ الطرف عن كشف أسماء المختلسين، الذين سطوا على أموال المودعين، إما عمداً، وإما ضعفاً، وإما لأسباب وحسابات لا يعلمها الا الراسخون في السلطة، لتبقى وعود الحكومة العتية وبيانها الوزاري في هذا الشأن كالسراب.

ما الذي ننتظره من بلد تقوده زمرة سياسية فاشلة، لا يستطيع فيه القضاء أن يوقف مسؤولاً سياسياً فاسداً، أو يجرؤ على كشف شرعية وقانونية ثرواته وعقاراته وأمواله المنقولة وغير المنقولة، العائدة له، ولأفراد أسرته وحاشيته، في الداخل والخارج!

من يجرؤ من الزعماء والمسؤولين أن يقول بصوت عال، إنّ القضاء غير مسيّس أو بعيد عن سلطة وهيمنة الطبقة السياسية الحاكمة؟! وإنّ القضاء حرّ، لا يتدخل به أحد، وإنه غير خاضع للضغوط من هنا وهناك، وإنّ القاضي متحرر بالكامل _ كما هو مفروض _ من تأثيرات ورغبات زعيمه السياسي او الروحي!

اي بلد هو هذا البلد، عندما تطال حكومته تصريحات مستفزة تأتي من قبل سفراء، لتنال من سيادته، وهم يطلقون مواقف مستهجنة، ويتقدّمون بمطالب علنية وقحة، تشكل تدخلاً سافراً في شؤوننا الداخلية، متجاوزين الأصول والأعراف واللياقات الدبلوماسية، والاتفاقيات الدولية، وبعد ذلك نرى كيف يلتزم المسؤولون المعنيون الصمت حيال ما يجري، وكأن على رؤوسهم الطير!

اي بلد هو هذا البلد، الذي يرفض فيه نوابه، مشروع قانون لإزالة صور الزعماء من الشوارع والساحات، ومن على الأشجار والجسور والجدران، ويصرّون على إبقائها رغماً عن أنوف الناس، غير مكترثين بما يُبديه المواطن في نفسه من غضب، ويردّده من شتائم في كلّ مرة تقع عينه على صورة زعيم ما معلقة على عمود هنا او هناك، او على جدار وتحتها حاويات تفيض منها النفايات!!

أي بلد هو هذا البلد، وزعماؤه وسياسيوه، يتهمون بعضهم بعضاً، بالصفقات والسرقات والفساد، وكلهم في اتهاماتهم المتبادلة صادقون في ما يقوله كلّ واحد منهم بحق الآخر. ورغم كلّ ذلك يستمرّ هؤلاء في فسادهم وطغيانهم من دون حسيب او رقيب!!

اي بلد هو هذا البلد، الذي يقبل فيه مسؤولوه الالتزام بقانون خارجي تعسّفي ظالم، يفرض الخناق على شعبهم، ليقولوا لقرصان العالم: الأمر لكم، والطاعة لنا! القرار منكم، والتنفيذ علينا. ترفعون الصوت عالياً ضدّنا، ونحن لا نتردّد برفع أعلام بلدكم أمام سفارتكم، لنقول لكم هذا واجبنا، وطاعتنا لكم، تقع على عاتقنا!!

من يوقظ وطناً من الغيبوبة التي هو فيها، حيث يعيش مسؤولوه وزعماؤه على كوكب آخر، لا همّ لهم إلا الثروة ثم الثروة ثم الثروة، طالما أنّ بطونهم المنتفخة والشرهة، وبطون أولادهم وأصهرتهم وأحفادهم وحاشيتهم لم تمتلئ بعد!!

لقد ابتلي الشعب بطبقة فاجرة لا مثيل لها، ليست لديها نية الإصلاح من قريب او بعيد، او الرغبة في التخلي عن سياسة النهب المنظم للبلاد والعباد، أو التحسّس بفقر وجوع وعذاب الشعب المقهور.. هذه الطبقة يجب ان تحاسب وتردع من محكمة ميدانية، كي يصدر عنها الحكم العادل على الطغمة الفاجرة، من الشعب مباشرة، وليس حكماً باسم الشعب!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

هذا ما ينتظر لبنان… ثلاثة سيناريوات محتملة!

 د. فادي علي قانصو

إن ّالأوضاع السياسية الهشّة التي شهدها لبنان خلال العقدين المنصرمين من فراغ على المستوى الرئاسي والحكومي والتشريعي، إضافة إلى العجوزات المتراكمة في المالية العامة، والمُماطلة في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة، لا سيّما لناحية مكافحة الفساد وتعزيز أُطر المحاسبة والحوكمة للدولة اللبنانية، جميعها عوامل أرخت أوزارها على عامل الثقة وعلى اضطراد توافد الرساميل إلى لبنان، وأثقلت كاهل الاقتصاد اللبناني الذي أصبح اليوم بأمسّ الحاجة إلى بيئة سياسية واقتصادية خصبة وحاضنة على كافّة الصُعد.

في الواقع، لقد كثُرت في الآونة الأخيرة التحليلات والتوقعات التي قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة في لبنان خاصةً في المدى المنظور إلى المتوسّط. عليه، فإنّ تقييم كافة المؤشرات الاقتصادية بالترافق مع قراءة معمّقة لكلّ ما استجدّ من أحداث مترابطة على الصعُد المحلية والإقليمية وحتى العالمية، تجعلنا نستنتج بأنّ ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة ثلاث سيناريوات محتملة لا بديل عنها.

بدايةً مع السيناريو الأفضل (أو السيناريو التفاؤلي)، وهو رهن الاستقرار السياسي والأمني في لبنان وفي المنطقة بشكل خاص. إنّ هذا السيناريو المُحتمل مرتبط بشكل رئيسي بتأثير الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة الأميركية على المنطقة، وذلك في ضوء هزيمة، على ما يبدو مرتقبة حتى الآن، للرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، ما من شأن ذلك أن يحمل في طيّاته ارتياحاً إقليمياً ومحلياً في ظلّ الحصار الاقتصادي الخانق على إيران وسورية ولبنان، لا سيّما أنّ المرشح عن الحزب الديمقراطي جو بايدن يعتقد أنّ الاتفاق النووي كان يخدم مقصده في ما يتعلّق بعرقلة مسارات طهران المحتملة إلى القنبلة النووية وأنّ موقف الولايات المتحدة الأميركية أصبح أسوأ بعد انسحابها من الاتفاق.

في الواقع، إنّ سيناريو كهذا ينبغي أن يترافق حُكماً مع برنامج إنقاذ شامل ينخرط فيه صندوق النقد الدولي من أجل إعطاء مصداقية للمساعي الإصلاحية المطروحة وتعزيز القدرة على استقطاب المساعدات المرجوّة من الخارج. إذ لا يمكن أن يتحقق النهوض الاقتصادي الآمن في لبنان من دون المساعدات الخارجية نظراً إلى الثغرات التمويلية الكبيرة التي أصبح لبنان يعاني منها اليوم، ودور صندوق النقد بشكل خاص محوري كونه الضمانة الأساسية للحكومة لتنفيذ الإصلاحات الموعودة، كما يشكّل الضمانة للدول المانحة بشكل عام وتحديداً دول الخليج. ومع أنه لم يجرِ الكشف حتى الآن عن حجم الدعم المالي الذي سيقدّمه الصندوق، إلا أنّ لبنان يحاول الحصول على عشرة أضعاف حصته في صندوق النقد الدولي والمقدّرة بحوالي 880 مليون دولار، مما قد يعوَّل عليه لتحرير جزء من مساعدات مؤتمر «سيدر» والتي تصل في الإجمالي إلى 11 مليار دولار. وبالتالي فإنّ ضخ ما يوازي 20 إلى 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة كفيل بإحداث صدمة إيجابية تُعيد ضخّ الدمّ من جديد في شرايين الاقتصاد الوطني المتعطّشة إلى السيولة بالعملات الأجنبية، ما من شأن ذلك أن يُؤمّن الاستقرار الاقتصادي المنشود والقادر على إخراج لبنان من فخّ الركود في فترة لا تتجاوز العامين، وذلك بالتوازي مع استقرار مالي ونقدي من شأنه أن يوحّد أسعار الصرف عند مستويات تعكس القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية مقابل الدولار والتي لا تتجاوز عتبة الـ 5.000 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد كحدّ أقصى. وهو ما كانت تطمح إليه فعلياً خطة الإصلاح الحكومية التي أُقرّت في نيسان المنصرم، قبل أن تنقلب عليها الحكومة مؤخراً وتنطلق إلى البحث عن خطة بديلة، شرط أن يتغيّر النهج السائد في طريقة التعامل مع الملفّ الاقتصادي وإطلاق جدّي وسريع لعجلة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة.

وفق تقديراتنا، فإنّ سيناريو كهذا لا يبدو أنه قد يتحقق في المدى المنظور، بل قد يحتاج إلى ما يقارب العام على الأقلّ حتى تتبلور معالم أيّ تسوية مرتقبة في المنطقة بشكل عام، لا سيّما أن الإدارة الجديدة لبايدن، في حال فوزه، لن تكون قادرة بهذه السهولة على عكس نتائج سياسات ترامب المتشدّدة التي غيّرت المشهد السياسي الإيراني بطرق تجعل الدبلوماسية أكثر صعوبة في المستقبل، خاصّةً أنه من المرجح أن يبقى إرث ترامب بسياساته الخارجية رابضاً لفترة ليست بقصيرة بعد رحيله. والسؤال الذي يُطرح هنا، هل أنّ الاقتصاد اللبناني قادر فعلياً على الصمود لعام أو أكثر؟

في الواقع، إنّ الإجابة على هذا السؤال تضعنا أمام السيناريو الثاني، أو سيناريو المراوحة، وهو الأكثر احتمالاً حتى هذه اللحظة في ظلّ هذا التراخي المُستهجن من قبل الدولة اللبنانية. ويفترض هذا السيناريو أنّ لبنان لن يحقّق أي خرق جدّي على صعيد الإصلاحات الهيكلية الضرورية أو حتى على صعيد مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي لا سيّما في ظلّ غياب التوافق على أرقام الخسائر المالية بين مختلف العملاء الاقتصاديين حتى الآن، وبالتزامن مع فرضية أنّ لبنان باقٍ في عين العاصفة الإقليمية، أيّ دون تغيير ملموس في السياسة الأميركية المتّبعة في المنطقة في ما يخص ملفات إيران وسورية وحزب الله. وهو ما ينطبق فعلياً في حال فاز دونالد ترامب لولاية ثانية أو حتى لا تبدو هذه الفرضية مستبعدة نظرياً في حال فاز منافسه جو بايدن الذي على ما يبدو ليس بوارد التراجع عن «قانون قيصر» أقلّه في المدى القريب، وهو الذي يشارك ترامب في العديد من وجهات النظر حول السلوك الإقليمي لإيران والاقتناع بأنه لا ينبغي السماح لإيران أبداً بأن تصبح دولة مسلّحة نووياً. في ظلّ هذا السيناريو، فإنّ احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية والبالغة اليوم حوالي 20 مليار دولار (دون احتساب احتياطيات لبنان من الذهب والمقدّرة بحوالي 16 مليار دولار)، ستبقى عرضة للاستنزاف المستمرّ منذ ما يقارب العام نتيجة تمويل حاجات الاقتصاد الوطني الأساسية من النفط والقمح والأدوية. عليه، فإذا اعتبرنا بأنّ حاجات لبنان من العملات الصعبة تُقدّر بحوالي 10 مليارات دولار سنوياً (بعدما تقلّصت إلى النصف في ظلّ التراجع الملحوظ في حجم الاستيراد)، فإنّ احتياطيات المركزي قد تكفي «نظرياً» لما يقارب العامين حتى تُستنزف بالكامل.

غير أنّ هذا الاستنزاف التدريجي في الاحتياطيات الأجنبية ستكون له تداعيات خطيرة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وبالتالي على القدرة الشرائية ومعدلات البطالة ونسب الفقر المدقع، بحيث من المتوقع أن يتّبع سعر الصرف مساراً تقلبيّاً تصاعدياً ليبلغ مستويات قياسية وهمية قد يصعُب توقّع سقوفها، لا سيّما أن العوامل الهيكلية التي تساهم عادةً في تخفيض سعر الصرف في السوق السوداء تبدو غائبة تماماً اليوم، أولّها الحاجة إلى عرض أو ضخّ للدولار عن طريق توافد رساميل من الخارج على شكل ودائع أو قروض أو مساعدات أو هبات. ثانيها، كبح الطلب على الدولار نتيجة تعزّز عامل الثقة بالليرة اللبنانية (والطلب، بالعكس، إلى ارتفاع نتيجة طبع كميات كبيرة من الليرات لتمويل حاجات الدولة). وثالثها، تدخّل للمصرف المركزي في السوق نتيجة تعزّز احتياطياته بالعملات الأجنبية (وهو اليوم غير قادر فعلياً على المراوغة في ظلّ الضغط المستمرّ على احتياطياته نتيجة تمويله حاجات لبنان الأساسية). وبالتالي، فإنّ كلّ محاولات القمع أو الملاحقات القضائية والأمنية التي يمكن أن تطال صرافي السوق السوداء، وإنْ تبقى ضرورية منعاً لتفلّت السوق، لن تساهم في خفض ملموس في سعر الصرف طالما أنّ قوى العرض والطلب تتصارع على حلبة سوق الصرف والغلبة المضمونة حتى هذه اللحظة للطلب الشرس على الدولار الأميركي. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ حجم سوق الصرف السوداء في لبنان لا يتعدّى 15% من إجمالي السوق، إلا أنها تبقى هي المتحكّمة في سعر الصرف الموازي، كونها الجهة الوحيدة القادرة اليوم على توفير الأوراق النقدية بالدولار الأميركي، مع العلم بأنّ المصارف اللبنانية قادرة على توفير هذه الأوراق النقدية من خلال الأموال المحوّلة حديثاً أو «الأموال الطازجة» الوافدة عبر حسابات مصرفية خاصة تسمّى بالحسابات الخارجية، إلا أنّ هذه الأوراق النقدية تتجّه إما إلى المنازل أو تُحوّل مباشرةً إلى الليرة اللبنانية في السوق السوداء للاستفادة من سعر الصرف المرتفع. من هنا، وفي ظلّ سيناريو كهذا، فإنّ لبنان قد يلجأ مُرغماً إلى «تسوّل» بعض المساعدات الإنسانية من مواد نفطية وغذائية وطبّية، كحدّ أقصى، إذا ما طالت فترة المراوحة.

أما السيناريو الثالث، أيّ السيناريو الأسوأ (أو السيناريو التشاؤمي)، فهو قابل للتحقّق إذا ما طالت فترة السيناريو الثاني (أيّ سيناريو المراوحة) لأكثر من عام ونصف العام، أو حتى إذا ما ترافق السيناريو الثاني مع مواجهة عسكرية قريبة قد تنطلق من جبهة الجنوب اللبناني (وإنْ تبدو مستبعدة في الوقت الراهن)، أو تزامن مع اضطرابات سياسية وأمنيّة في الشارع بين مختلف مكوّنات المجتمع السياسي اللبناني قد تدفعنا باتجاه «الفوضى الخلّاقة»، أو مع اضطرابات اجتماعية قد تدفع إلى ارتفاع معدّل الجريمة وحالات النشل والسرقة، أو حتى قد تدفع بالحكومة الحالية إلى الاستقالة تحت ضغط التحركات الشعبية في الشارع إذا ما استمرّ الوضع الاقتصادي والمعيشي في التردّي، ما يعني الدخول في فراغ سياسي طويل قد يكون مدمّراً، لا قدّر الله، لما تبقّى من أنقاض للاقتصاد اللبناني.

إنّ هذا السيناريو، للأسف، قد تردّد صداه في الآونة الأخيرة في أروقة بعض الباحثين الدوليّين تحت مسمّى «صَوْمَلة» لبنان، أيّ تحويل لبنان إلى صومال ثانٍ. إلا أنّ تفادي سيناريو كهذا ممكن جدّاً وهو يتطلّب منّا أقصى درجات الوعي والحكمة، مع إجماع داخلي وانخراط ملائم لكافة قوى المجتمع اللبناني، ومع الحاجة إلى تقديم كلّ التنازلات الملحّة وتخفيض منسوب التباينات وتعزيز القواسم المشتركة في ما بيننا، ناهيك عن أنّ كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ المجتمع الدولي لا يزال حريصاً على دعم الاستقرار الأمني والاجتماعي في لبنان وعلى تفادي الفوضى على الساحة المحلية.

في الختام، لا شكّ بأنّ لبنان يتأرجح اليوم بين السيناريو الأفضل (أو السيناريو التفاؤلي) الذي يبقى رهن تسوية سياسية إقليمية تحمل معها ارتياحاً نسبياً على الساحة المحلية، وبين السيناريو الأسوأ (أو السيناريو التشاؤمي) الذي يبقى لُغماً متفجّراً يتربّص بنا، ولكننا قادرون على تخطّيه بوحدتنا ووعينا الجماعي. وبانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المدى القريب، فإنّ سيناريو المراوحة يبقى هو الغالب في الوقت الراهن، وبما أننا لم نعد نملك ترف الوقت، فإنّ أيّ تلكّؤ في اتخاذ كافّة الإجراءات اللازمة لكسر حلقة المراوحة، قد يكون استنزافياً ويجرّنا في نهاية المطاف نحو سيناريو هو أكثر ما نخشاه، نظراً لتداعياته المؤلمة على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في البلاد. من هنا، ينبغي أن نحافظ على إيماننا رغم صعوبة ودقّة الوضع الراهن دون أن ننسى أننا مررنا بفترات عصيبة في تاريخ لبنان الحديث وكنّا نقول في كلّ مرّة أنها آخر الدنيا وقد استطعنا أن نتجاوز هذه الخضّات مع الوقت بصلابتنا وعقيدتنا، دون أن نغفل للحظة بأنه «ليس عاراً أن نُنكَب، ولكنه عارٌ إذا كانت النكبات تحوّلنا من أشخاص أقوياء إلى أشخاص جبناء».

*خبير اقتصادي وأستاذ جامعي

‎ الأميركيّون أكثر تواضعاً من عملائهم

ناصر قنديل

لا يجرؤ العملاء على المجاهرة بمواقف واضحة كأسيادهم، فيختبئون وراء شعارات ملفّقة، ويرفعون سقوفاً عالية، وهم يسمعون أسيادهم يفاوضون على سقوف مختلفة ويتحدثون علناً عن أهداف مختلفة، فهل هي عبقريتهم الخاصة أم هي التعليمات. الجواب جاء في كلام السفيرة الأميركية في بيروت التي كشفت سر اللعبة بتصريحاتها التي تطابقت مع أمر العمليات الذي ينفذه عملاء الخمس نجوم الذين تشغلهم السفارة وتشكل السفيرة رئيسهم المباشر. فما قالته السفيرة هو ما نسمعه من هؤلاء العملاء منذ أسابيع، والمضمون هو أن حزب الله بنى دويلة داخل الدولة ويستولي على مليارات الدولارات لحسابه، وهو بذلك سبب الأزمة الاقتصادية والمالية، ولا حلّ للأزمة إلا بسحب سلاح المقاومة، فهل هذا هو المشروع الأميركي؟

الواضح أن مَن هم أعلى رتبة من السفيرة مسموح لهم بما لا يسمح لها ولمن تشغلهم بقوله، فاللعبة هي أن تتولى السفيرة وجوقتها التحريض على حزب الله، ليتقدّم المسؤولون المعنيون، والذين يحق لهم بالكلام الجدّي بالسقوف التفاوضية التي تعبر عن جوهر الموقف الأميركي، فيقولون الكلام الرسميّ المعتمد. وهكذا جاء كلام المبعوث الأميركي الخاص حول سورية، ليحدّد المطلوب لقاء وقف العمل بقانون قيصر، قائلاً إن ما تسعى إليه واشنطن هو العودة إلى ما قبل العام 2011، عندما لم يكن هناك وجود لحزب الله جنوب سورية. والمعلوم طبعاً أن المقصود بهذا الوجود هو أمن كيان الاحتلال وجيشه، وليس أي شيء آخر، والأميركي لا يشعر بالحرج من الإجابة بنعم على هذا السؤال. كما لا يخفي أنه مستعد للانسحاب من سورية إذا تحقق ذلك، ضمن مفهوم العودة إلى ما قبل 2011، والقضية الوحيدة التي لا يجرؤ على التسليم بفعلها تحت عنوان العودة إلى ما قبل 2011، ليست مصير المتعاملين معه شرق سورية، بل مصير قراره بتبني ضمّ الجولان من جانب كيان الاحتلال.

على ضفة موازية يتحدث معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، فينتهي بعد تكرار استعمال سيمفونية جوقة السفارة عن مسؤولية حزب الله عن الأزمة المالية، ليبقّ البحصة ويقول ماذا يريد وماذا تستهدف إدارته، فيقول للبنانيين بصراحة تصل حد الوقاحة، لديكم أزمة خانقة وعندم غاز وفير وواعد تجارياً في بلوكات متنازع عليها مع كيان الاحتلال ولديكم تصور أميركي لحل النزاع فوافقوا على التصور. والمقصد معلوم وهو ترسيم الحدود البحرية لثروات الغاز اللبناني وفق خط فريدريك هوف الذي يمنح كيان الاحتلال الجزء الرئيسي من حقوق لبنان، ومعلوم أيضاً أن كيان الاحتلال المستعجل على بدء الاستثمار في حقول الغاز الشمالية لا يستطيع فعل ذلك من دون إنهاء الترسيم مع لبنان، خشية تهديدات المقاومة لكل شركة تدخل النطاق المائي الاقتصادي اللبناني أو المتنازع عليه، وفق المفهوم الدبلوماسي الرائج، ستعتبر أهدافاً مشروعة للمقاومة.

لا حاجة للشرح، للاستنتاج أن أي مسؤول أميركي مكلف بملف جدي، أي فوق مرتبة السفيرة قائدة جوقة الطبّالين، لم يتحدث عن نزع سلاح المقاومة كهدف واقعي، بل رسمت معادلات جيفري وشينكر إطاراً تفاوضياً مضمونه، نفرج عن المال للبنان مقابل قبول منح كيان الاحتلال ميزات من حقوق لبنان في الغاز والنفط، ونفرج عن المال لسورية، مقابل مقايضة وجود المقاومة جنوب سورية بالوجود الأميركي شمالها، شرط عدم إلغاء التبني الأميركي لقرار ضمّ الجولان من جانب كيان الاحتلال. وعلى جوقة عملاء أميركا “السياديين” في لبنان أن يخرجوا دون لف ودوران للمجاهرة بالحديث مباشرة عن دعوتهم لقبول ترسيم الحدود البحرية وفق شروط الكيان، وعلى زملائهم “الديمقراطيين” في سورية أن يعلنوا موافقتهم على قرار ضم الجولان، من دون ادعاء أنهم أعلم بمواقف أميركا من الأميركيين.

وقف الاستيراد دون إجازة حكوميّة لسنة

ناصر قنديل

لن تتوقف محاولات الاستثمار السياسي الخبيثة للأزمة الاقتصادية والمالية بالتحريض، على الحكومة، والعهد، وليس فقط على المقاومة وسلاحها مرة، وعلى العلاقة بسورية مرات، وكلما استمرت المفاعيل المتفجّرة للأزمة بوقعها على الناس من دون معالجة، سيكون لهذه المحاولات فرص التلاعب بتفكير ومشاعر شرائح من الناس الذين تفقدهم الأزمة توازنهم، وتجعلهم تحت تأثير أيّ نوع من التفسيرات التي تنتهي بالدعوة للانضباط في السياسات والمشاريع الأميركية، كطريق وحيد لوهم الخلاص الذي تحدّث عنه جيفري فيلتمان بوصفه الازدهار الموعود.

بالمقابل لا يمكن لمواجهة الأزمة غير العادية أن تعتمد الطرق التقليديّة، وطالما أن الحكومة تنتظر نتائج مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لتعتمد السياسات النهائية، في مواجهة الأزمة، وطالما أن المدة المتوقعة لهذه المفاوضات وتبلورها بسياسات، هي سنة تقريباً، وطالما أن الوجه الأبرز للأزمة هو سعر الصرف، وهو منصة صالحة للعبث والضغوط الهادفة لفرض السياسات، فإن تثبيت سعر الصرف يشكل العنوان الأبرز لكل مواجهة جدّية ومجدية، فهل هذا ممكن؟

يتولّى مصرف لبنان تأمين العملات الصعبة اللازمة لشراء المشتقات النفطية والقمح بسعر صرف مدعوم، ولديه مخزون يكفي للقيام بذلك بأسعار التجار لسنتين وأكثر، فلماذا لا يتم تأمينها عبر اتفاقيات صادقة من دولة لدولة، توفر في كلفتها وتضمن مواصفاتها وربما تتضمّن تيسيراً في سبل السداد، وتصير المدة المضمونة خمس سنوات بدلاً من سنتين، كما يتولى مصرف لبنان تأمين اعتمادات لشراء الأدوية والمعدات الطبية ولوازم الصناعة وموادها الأولية، ووفقاً لصيغة المنصة المستحدثة بين مصرف لبنان والمصارف والصرافين سيتم تأمين الدولارات اللازمة لاستيراد المواد الاستهلاكيّة الأساسية، بسعر 3200 ليرة، ووفقاً لحساب بسيط من المعلوم أن مبالغ كبيرة يتم ضخها في سوق الصرف بين تحويلات من الخارج، وما تقوم المقاومة بضخه شهرياً، تقدّر بمئة وخمسين مليون دولار، وهي وفقاً لتقديرات الخبراء كافية لتغطية حاجات السوق الاستهلاكية بالمواد الضرورية، والغذائية منها خصوصاً.

يبقى الاستيراد الإضافيّ سواء لمواد استهلاكية أو رفاهية، مصدراً وحيداً للطلب على الدولار، تتغطى به عمليات المضاربة، وهو لمواد ينتج مثلها في السوق المحلية، أو لا تشكل أساسيّات ليتمّ تمويلها بسعر صرف مدعوم، ومنها الألبسة والأحذية والألبان والأجبان والعصائر والمياه المعدنيّة، وكلها يوجد ما يوازيها من الإنتاج المحلي، بالإضافة للكماليّات الكثيرة، والجواب الطبيعي للذين يتحدّثون عن حالة طوارئ ماليّة واقتصاديّة ولا يقومون بتوصيفها، هو هنا باتخاذ إجراءات مؤقتة وصارمة تساهم في تعزيز الصمود، أي الحفاظ على مخزون العملات الصعبة من جهة، والحفاظ على سعر الصرف وبالتالي أسعار المواد الاستهلاكية التي تحدد القدرة الشرائية للمواطنين من جهة موازية، والطريق واضح وهو منع الاستيراد من دون إجازة حكومية لمدة سنة، والمدة هنا تأكيد على أن الإجراء استثنائي ومؤقت، ولو تم تمديدها لاحقاً، إذا ظهر أنه في ظل هذا الإجراء نمت صناعات وطنية تحتاج لمزيد من الوقت للحماية كي يقوى عودها.

باستيراد المشتقات النفطية والقمح باتفاقات دولة لدولة، وحصر الاستيراد بإجازة، وتحديده بالضروريات، يمكن للبنان أن يؤمن حاجات استهلاكه الأساسية لخمس سنوات وليس لسنتين فقط، وهي مدة أكثر من كافية للنهوض الاقتصادي، وبالتوازي سيصير لمكافحة المضاربة بصفتها جريمة تعادل الخيانة، فرصة حقيقية، حيث من يقدم على شراء الدولار من السوق بكميات تفوق حاجات شخصية معلومة، سيكون مكشوفاً بصفته مضارباً، طالما أن تمويل عمليات الاستيراد مشروط بإجازة حكومية مسبقة، سيوفر منحها فرصة مراقبة أسعار البيع، وضمان استقرار الأسواق.

هنا يصير سعر الصرف الذي تضمنه عملية ضخ للدولار يتوازن فيها العرض مع حجم الطلب، قابلا للحماية إذا تعرض لضغوط إضافية ستكون محدودة وعابرة، وقابلة للحصر والملاحقة، ويصير لمصرف لبنان القدرة ببضعة ملايين من الدولارات حماية سعر الصرف، ومعه يصير مطلوباً من وزارة الاقتصاد، تحمّل مسؤولياتها لمراقبة حقيقية خارج المكاتب لأسعار المواد الاستهلاكية ونشر لائحة يومية لهذه الأسعار، وإنزال عقوبات مشدّدة بالمخالفين.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

هناك مشهد آخر يكشف إصرار دياب على الاستقلالية وموجود في أحداث السبت المنصرم الشديد ‏الطائفية

د.وفيق إبراهيم

تواصل قوى النظام السياسي اللبناني رشق رئيس الحكومة حسان دياب بكل أنواع الهجمات، وكأنها ليست تلك الأحزاب السياسية التي سبق لها ومنحته تأييدها حين كلفته بتشكيل الحكومة الحالية، وأولته ثقتها في المجلس النيابي منذ ثلاثة أشهر تقريباً.

للأمانة فإن الطرف الوحيد الذي ينأى بنفسه عن استهداف دياب وحكومته هو حزب الله، ولهذا تفسير وحيد يرتبط بحرص الحزب على وجود معادلة حكومية في زمن انهيار اقتصادي، وإصراره على الاستمرار في أداء دوره الإقليمي في مجابهة الارهاب، وهذا يحتاج أيضاً الى حكومة حيادية، من دون الوصول إلى مرحلة الإصابة بأضرار أميركية وخليجية.

حسان دياب هو إذاً رئيس في مرحلة استثنائية لحكومة متوازنة فيها مستقلون ومؤيدون باطنيون لأحزاب النظام السياسي، هؤلاء مستعدون للتخلي عن تظاهرهم بالحيادية عندما تتعرض مصالح عملائهم للتراجع في التحاصص والتلزيم والتعيين، فلا يبقى لحكومة المستقلين إلا حسان دياب ونفر قليل من وزراء يشعرون بغربة عن الاحتراف السياسي.

لقد جرى تكليف دياب بتشكيل هذه الحكومة منتقلاً من بيئة أكاديمية متميزة الى مشهد سياسي مخيف، سبق له وعرفه عندما كان وزيراً للتربية في حكومة نجيب ميقاتي، لذلك فهو على إلمام نسبي بالكهف السياسي اللبناني الذي يقتحمه مجدداً هناك نقاط متعددة يعرفها دياب وأولها أنه لم يصل بها، ولا يجسِّد انتصاراً لثورة أو انتفاضة تفرض عليه، إحداث تغيير جذري في إدارة السلطة وصلاحياتها وممارساتها.

إنه يجيد قراءة مشهد فيه طبقة سياسية قوية جداً أرادت استيعاب الانتفاضة الشعبية في الداخل، ومطالب الخارج بإصلاح نظام فاسد حتى الفطم منه، فانكفأت في ظاهر الأمور فقط وقبلت برئاسة حسان دياب لعله بأكاديميته السوية يستطيع جذب صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر من جهة مُسكِتاً أهل الانتفاضة من جهة ثانية.

أما النقطة المخفيّة فهي إحساس قوى النظام السياسي ان الحكومة الحالية لن تعارض استمرارها بالإمساك بكل شيء رسمي من القوانين والمراسيم الى التحاصص والتعيين مع كل ما له علاقة بروائح المال العام.

هذه هي المعادلة التي وجد حسان دياب نفسه فيها فماذا فعل؟

استوعب فوراً أن قوته تأتي من حاجة النظام الطائفي لأكاديميته وحياديته وابتعاده عن التقاطعات المذهبية والطائفية الى جانب أنه أكثر قبولاً للجانب الدولي المتقاطع مع لبنان من ناحية، ولا تعاديه الانتفاضة الداخلية في ناحية ثانية. قد يعتقد البعض أن هذه المصادر القوية ليست بنيوية تنبثق بمجرد وصول الازمة الاقتصادية الى حالة مراوحة فقط.

إلا ان هذا الاعتقاد يراهن على الاستمرار في ضعف الانتفاضة وتأثيرها الشعبي والمزيد من طائفية النظام مع استمرار المظلة الدولية المتعددة حول لبنان، وهذه عناصر صدّعتها جائحة كورونا، التي تفرض تدريجياً تغييراً عميقاً في العلاقات السياسية الدولية ينسحب بالتأكيد على لبنان.

هنا يتفوّق رئيس الحكومة بتحليله الأكاديمي وقراءته العميقة لهذا التطور العالمي، محاولاً توفير الظروف لتأسيس قوة لبنانيّة ترث بالتدريج النظام الطائفي القائم، لذلك تبدو بصماته واضحة في القوانين والمشاريع والالتزامات والتعيينات، فيعمل على أساس قناعاته مع عدم كسر الجرة مع النظام الطائفي وتلبية الحدود الدنيا من ميول التيار الفعلي في الانتفاضة، من دون أن ينسى مراعاة الوضع الدولي..

هناك مثل بسيط عكس حقيقة مشاعر حسان دياب وتوازناته، ألم يذهب الى الجنوب معلناً تأييده للمقاومة التي حرّرت الأرض وضربت الإرهاب، مؤيداً في الوقت ذاته قوات اليونيفيل في الجنوب ومهرولاً نحو الحدود السورية ليؤكد اتجاه الدولة الى إقفال منابع التهريب، بذلك أرضى رئيس الحكومة حزب الله والأمم المتحدة والأميركيين وقوى النظام الطائفي، بمختلف تنوعاتها والانتفاضة في وقت واحد، كما لبَّى حاجة شخصيته السياسية الى التبلور والتشكل.

هناك مشهد آخر يكشف إصرار دياب على الاستقلالية كما بدا في أحداث السبت المنصرم الشديدة الطائفية.

لقد تلوّثت كل القوى السياسية اللبنانية في ذلك اليوم بالمزيد من الطائفية الدموية، المسيحية والاسلامية، لكن رئيس الحكومة بدا بعيداً جداً عن حروب الطوائف، مقابل ولائه لمشروع غير طائفي، يتعرض بدوره لحروب الطوائف في جلسات الحكومة.

فهناك إصرار من هذه القوى على الاستئثار بالتعيينات والمحاصصات والتعيينات وكأن لا وجود سياسياً لحسان دياب.

لكن رئيس الحكومة الموغل في قراءة عميقة للتوازنات ويقينه بعدم قدرته على تجاوزها بشكل كامل، يحاول اقتطاع نسبة وازنة منها لتعيين قسم نزيه ومتمكّن في الإدارات اللبنانيّة مستفيداً من الحروب بين قوى الطوائف والوزن النسبي للانتفاضة وحاجة المرحلة إليه، فيجمعها للاستحصال على تعيينات لا تواليه مباشرة بل تخدم تطويراً للدولة اللبنانية عن مستوى الإدارة النزيهة المجابهة للفساد والتي تكشفه مرحلياً.

إن ما تجب معرفته هو عجز حسان دياب عن التغيير الكامل ما يتطلب منه انتزاع أدوار لتيارات غير طائفية تجد نفسها مضطرة للتواجد داخل إدارات ومؤسسات مع موظفين معينين من أحزاب طائفية، وهذا لا يتحمل مسؤوليته حسان دياب، بل أحزاب الطوائف وتغطياتها الدينية والخارجية.

أما ما يثير الاستخفاف فهو ادعاء أحزاب الطوائف الإسلامية والمسيحية، أنهم بدأوا بإعلان معارضتهم لحسان دياب لأنه استهلك الفرصة التي منحوه إياها وهي ثلاثة أشهر.

هذه الأحزاب التي تسرق لبنان منذ ثلاثين عاماً تسببت بالانهيار الاقتصادي الحالي، وتخشى من أن يكون حسان دياب هو البديل الوطني النزيه لمفاسدها، فتخسر التاريخ والحاضر الطائفيين وبالتالي المستقبل.

فإلى أين يذهب لبنان؟ تجب المراهنة على حسان دياب ودعمه للتأسيس للبنان الجديد غير الطائفي القادر على حماية نفسه من الفساد الداخلي والعدو الإسرائيلي.

«سماسرة الداخل» يزاودون على الأميركيّين!

د. وفيق إبراهيم

هذه هي المشكلة التاريخية للبنان، بما لديه من سياسيين كانوا دائماً أصغر منه ولا يفعلون إلا محاولة التشبث بالسلطة عبر الولاء الأعمى والكامل للخارج الإقليمي والدولي من دون الاعتماد على قوى شعبية في الداخل.

فلماذا يبذلون جهوداً للإقناع السياسي، طالما أنهم يمتلكون وسيلة التحريض الطائفية – المذهبية التي تجمع الناس حين يريدون وتفرقهم عند انتفاء الحاجة اليهم، هذا هو السحر على الطريقة اللبنانية الذي اصاب حتى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي خرج متسللاً من البيت الابيض ليزور كنيسة قريبة ويعود حاملاً انجيلاً مقدساً يلوح به لكسب عواطف الفقراء من الأعراق البيضاء. مهدداً في الوقت نفسه السود الأميركيين بغالبيتهم الاسلامية.

ما الفارق إذاً بين نديم وسامي وترانب وسمير ورؤساء الإفتاء الاسلامي والبطاركة والمطارنة وقادة أحزاب تدعى الاشتراكية والتقدمية والعروبة ايضاً على قياس الأحياء والزواريب والزعامات المنفوخة.

هناك بالطبع استثناءات تجمع بين القوة الداخلية والتحالف الخارجي على اساس المشروع وليس الاستزلام.

وهذا ينطبق على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر، إنما يصل الأمر الى حدود سامي الجميل وابن عمه البلبل نديم ووريثهما سمير جعجع وصولاً الى الحريرية الجديدة. فهذا بالفعل مثير للقهقهة، لان من الواضح ان هذه القوى تؤدي دور منصات داخلية للتبشير بفضائل المشاريع الخارجية وتعول على انتصار الاميركيين في سورية والعراق لتتمكن من الامساك مجدداً بلبنان.

اليست هذه هي الطريقة التقليدية للإمساك بالدولة في لبنان لكن مقاومة الاسرائيليين وطردهم ودحر الارهاب من سورية وجبال لبنان الشرقية لا تنتمي الى هذه الفئة الوصولية.

هؤلاء السماسرة لا يبدلون اساليبهم منذ 1948 وتتلخص بالاعتماد على الخارج على حساب مصالح بلادهم. فكيف يمكن لقوى سياسية أفقرت لبنان منذ عقود متواصلة ووضعته في دائرة انهيار اقتصادي داهم ان تحرض مؤسسات النقد والمال الدولية لتمتنع عن اقراض لبنان مبالغ تجعله قادراً على المراوحة الا بعد التزامه بأربعة شروط اميركية واولها قانون قيصر الاميركي الذي يريد خنق سورية بقطع كل علاقاتها المالية والنقدية والاقتصادية مع الجوار وبشكل كامل.

اما ثاني الشروط فهي موافقة لبنان على السماح لقوات الطوارئ الدولية اليونيفيل بتفتيش القرى اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة.

فلا يتبقى إلا موافقة لبنان على نشر قوات دولية عند حدوده مع سورية ايضاً.

فيتبقى شرط رابع «بريء» جداً يتعلق بتجريد حزب الله من سلاحه مروجين ان اسبابه تتعلق بسيادة الدولة اللبنانية على اراضيها ومتطلبات السلم الاهلي.

ألم يكن أولى بهؤلاء السماسرة ان يشاركوا بتحرير لبنان بدلاً من تغطية العدوان الاسرائيلي عليه في 1982 ودعمهم لهذا الاحتلال حتى 2006، حتى ان كبار القيادات استقبلوا في قصورهم الجبلية وفيلاتهم البيروتية قائد جيش العدو الاسرائيلي في حينه شارون؟ أهؤلاء هم أهل السيادة الذين ذهبوا الى عرسال حاملين طعاماً و»بقلاوة» قدموها للتنظيمات الإرهابية، وذلك لانهم اعتبروا داعش والقاعدة منظمات تقاتل السوريين وحزب الله، فإذا انتصر الارهاب فقد يمنحهم «ولاية لبنان» ليحكموها، او يثبتهم الاميركيون على «لبنان الديموقراطي» العميق الجذور مقصياً الارهابيين عنهم، فهكذا يحلم السماسرة دائماً، وهم دائماً على خطأ وذلك لأسباب عدة: اولاً شكل التقاء حزب الله وحركة امل مع التيار الوطني الحر استقراراً سياسياً واجتماعياً طيلة الخمس عشرة سنة الماضية، ولم يمسك هذا التقارب بكامل السلطة في لبنان محترماً تنوعاتها السياسية والمذهبية والعرقية.

حتى انه اخترع معادلة «الوحدة الوطنية» الطائفية لتبرير وجود قوى سياسية معادية له، لها ميزة الحضور السياسي في طوائفها، وكان بإمكانه ابعادها.

وبقي هذا التحالف متمسكاً برئيس الحكومة السابق سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء حرصاً على التوازنات الداخلية والإقليمية، ولم يتخل عنه الا بعد فراره من القطار الحكومي لكي لا يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي الكارثي.

اين هي المشكلة؟ تتجسد في مجموعة 14 آذار الذي فروا اولاً من مجابهة الانهيار الاقتصادي عائدين على متن مطالب اميركية وربما أكثر، تريد تصفية حزب الله بقوة الابتزاز، فإما تطبق إقفال الحدود مع سورية وحق اليونيفل بتفتيش القرى في الجنوب وإلا فلا قروض ممكنة للبنان من صندوق النقد الدولي.

لذلك تعاود الحريرية والجعجعية وتنوّعات آل الجميل تحريض الخارج على الداخل وتنظيم تحركات شعبية معادية لسلاح حزب الله، اما الوزير جنبلاط فيمارس كعادته سياسة باطنية يتشاور فيها حالياً مع أصدقائه القدامى الروس كي يبني على الشيء مقتضاه.

فإذا تلقى نصائح من الروس بالابتعاد عن المشهد الجعجعي – الأميركي لان مشروعهم الجديد لن يربح، وهذا ما أكد عليه السفير الروسي في لبنان منذ يومين فقط.

لذلك فقد نجد أبا تيمور متموضعاً في مكانين مختلفين: الاول سراً مع القوات والحريري والكتائب من خلال تحركات خجولة في خلدة والناعمة، والثاني يلتزم فيها بصبر استراتيجي ليتبين الموقف من صديقه الرئيس نبيه بري الذي لا يبخل عليه عادة بوصفات سحرية.

ما هو المطلوب الآن؟

اولاً ان تصدر الانتفاضة الفعلية بياناً تعلن فيه ان لا علاقة لها بتحركات تنظمها القوات والكتائب والحريريون وقوى أخرى شديدة الالتباس يوم السبت المقبل، وبذلك فقط تنظف الانتفاضة مسيرتها من المندسّين بها من سماسرة الخارج.

اما ما تبقى فهو رهن بنتائج التنسيق بين بري – حزب الله الذاهب نحو الدفاع عن الدولة من سياسييها الذين يواصلون سرقتها منذ أكثر من أربعة عقود.

What would it take for proponents to say: ‘The Great Lockdown was wrong’?

April 28, 2020

What would it take for proponents to say: ‘The Great Lockdown was wrong’?

By Ramin Mazaheri for the Saker Blog

There must be SOME criteria where the proponents of the Great Lockdown could say, “In hindsight, this was wrong.”

It is obviously hysterical to insist that admitting a policy mistake is totally, completely impossible. German fascists are not wiping out Poland, after all.

I mean, what if a secret global doomsday machine in Poland gets triggered if global GNP falls below a certain threshold, wiping out humanity? Certainly then all would agree, “The Great Lockdown turned out to be a mistake,” right?

Absurd extremes aside, the coronavirus overreaction has turned into a major test case for today’s Western worship of both technocracy and scientific secularism. Since 1980 they have insisted that national cultures should not play any shaping role in public policy because Westerners have discovered a system of “universal values” which should guide all national governments.

(The Western system is – of course – actually based on aristocratic/bourgeois neoliberalism & neo-imperialism.)

A corollary is that a technocratic 10% should be implementing these values with zero lower-class input into public policy formation. A second corollary is that science is the one, true, rightly-guided, infallible way. In April 2020 the doctors and professors are always right, and US President Donald Trump is always wrong.

But… then how do we explain this written – not spoken – declaration from the US National Academies of Sciences, Engineering and Medicine, as reported by AP? This was published on April 24, during the truly fake-news controversy regarding Trump and injecting disinfectants.

“Given that countries currently in ‘summer’ climates, such as Australia and Iran, are experiencing rapid virus spread, a decrease in cases with increases in humidity and temperature elsewhere should not be assumed,” the researchers wrote earlier in April in response to questions from the White House Office of Science and Technology.”

But Iran is not in summer – they are in the northern hemisphere, so Iran is in spring.

Australia is in the southern hemisphere – it is in autumn.

In fact, due to the tilting of the earth, if the northern hemisphere is in spring then the southern hemisphere can only be in autumn, never in summer. Spring in the north and summer anywhere else is an impossibility.

Not only am I not a rightly-guided epidemiologist, I am not even a scientist and yet I know this. Heck, maybe even Trump knows this.

Associated Press, the largest news-gathering organisation in the world, obviously made the same elementary mistake as these scientists. It is very possible that in their rabid desire to discredit Trump the journalists cared more about over-exaggerating his clearly off-the-cuff science than fact-checking.

My point here is not to say “gotcha, you are dumb” – my point is to say that this is precisely why socialist democracy (which relies on consensus) is so much more valuable than Western technocratic individualism. You see: God, in His wisdom, made humans imperfect – and that includes epidemiologists and we journalists.

That is why the West’s choice to rely solely on epidemiologists, and also a mainstream media which is supposed to be always ever-skeptically vetting everyone’s declarations, is a fundamentally flawed approach to handling the corona response. Combine this with a Western system where politicians are forced to be always either in electioneering mode or fund-raising mode, and you get a system which uncritically bows to very mistake-prone earthly authorities.

I find it stunning that US polls have consistently pegged general support for the lockdowns to be at 80%, and that an unthinkable 95% of Democrats say the measures don’t go too far. Considering all the poverty, the refusals to loan to Main Street, the delays in government aid, the exponentially-increasing certainty of prolonged economic chaos – Americans are still not fed up? I can only theorise that the US people have been so propagandised by a lack of “contrarian voices” – contrarian because they dare to say that the needs of the lower classes must be voiced and implemented – that they have been terrified into submission by their media. Democrats are obviously the least open to different ideas – we see how fantastically total their groupthink is.

But back to my main point: what are the realistic criteria where people would say – as people must often do if we are to have a civilised society which progresses – “I was wrong”?

I can’t think of any which would be acceptable… and that shows the massive hysteria of the Western response

Please note that “I was misled” is certainly acceptable.

After all, just turn on your television and you are almost guaranteed to see a journalist nodding along to whatever an epidemiologist is saying – these two classes have been given the key to socioeconomic policy. In the corona hysteria these two have worked in tandem, and both must be judged according to the huge power they have been given.

As late as March 20th The New York Times fake-leftist bien-pensant Nicolas Kristof quoted “one of the best disease modellers in the world” declaring that the best-case scenario in the US was “about 1.1 million deaths”, with the worst-case being “2.2 million deaths”. They even put the latter in the sub-headline. Because he is such an awful, unreadable journalist Kristof does not make it clear if these two scenarios are the result of everyone doing absolutely nothing to combat coronavirus (an absurdity, which only an ivory tower academic would waste time studying) – I assume that is the case. However, many others may not make that assumption because Kristof leads the reader to believe (and maybe he believes this – he is not clear) that despite all the personal protective gear, ventilators, new hospital beds and everything else that US society could throw at corona, then we should still expect over 1 million deaths. Thus, both scientists and Kristof conclude: “If anything, we’re still underreacting.”

It turns out the epidemiologist’s numbers were indeed based on the idea that everyone did absolutely nothing. Well, thanks for getting dumb journalists all worked up over nothing! And I guess epidemiologists can’t write Kristof’s article for him but it’s certain that this power tandem failed at the top.

I’m not surprised, because I always doubted 2.2 million and here’s one reason why: MSM journalists seem to forget that recent history is not kind to US epidemiologists: In 2014 the U.S. Centers for Disease Control and Prevention predicted 1.4 million Ebola cases in Liberia and Sierra Leone alone. There were only 28,616 total cases. If this was Iran or China we could just accuse them of a cover-up, but alas…. And those are two countries with far, far less resources to throw at a virus. On April 3 satirical website The Onion re-ran Historians Politely Remind Nation To Check What’s Happened In Past Before Making Any Big Decisions – they are indeed more credible than The New York Times.

So what are the criteria for a fact-based backtracking?

Frankly, I don’t think the Great Lockdown supporters have thought about this at all, and that should cause them some worry.

This question has clearly been repeatedly shot down to the point where everyone self-censors, which is the most effective form of censorship. The question itself has been deemed to be proof of being a far-right neo-fascist: A Google search reveals What If the Pandemic Policymakers Are Wrong? Will health experts become the latest elite deemed “too big to fail”? That’s a great sub-headline – I’d nick it, but this article is almost completely written already. What’s too bad is that this article is from the website American Greatness, LOL.

So just asking “what if” puts me on the far-right? Well, I did just sign off on the cover to my latest book on socialism so, LOL, I could debate that rather at length. However, asking “but what if”, providing a modicum of contrarian views, being skeptical – this is what objective journalism is in any nation.

I am willing to question my faith: One article idea in my “to do” basket is, “What do socialists do if the bailouts actually work?” I am not so self-righteous, smug and smothering that I refuse to honestly ask and answer that question – it’s at least possible they will… because the question is not mathematical and because that history is not yet written.

Can Great Lockdown supporters question themselves? I doubt they can or even want to respond.

What I fear is this: that many Great Lockdown supporters are so self-righteous, out of touch and indoctrinated that they will genuinely believe that “even preventing one death made it worth it”. This is the view of a child, not an adult citizen who should know that any “War on Dying” is nothing but a joke. That is the exact view of a lowest-common denominator American politician – are REALLY trying to be like them? “Whatever you say” politicians are the third wheel on the tricycle which is steering Western, pro-upper-class corona policy.

To answer my own question: Because the virus was supposed to be so extraordinary, extraordinary measures have been taken. So it’s gone far beyond only total deaths – the accurate counting of which appears to be already hopelessly muddled.

If corona pricks the Western bubble economy (Condensing the data leaves no doubt: Fear corona-economy more than the virus) and “Great Depression 2” becomes a real thing – was it worth it?

If major aspects of the current drastic reduction in political rights get normalised – just as France prolonged a “temporary” state of emergency for two full years, and then Emmanuel Macron legalised it into common police practice – was it worth it?

If the US bows to Dr. Anthony Fauci, their nation’s leading technocrat on infectious diseases, and permanently “breaks that custom” of shaking hands to show warmth and friendship to strangers or if France ends the la bise hello kisses – was it worth it?

There are economic, political and cultural shockwaves stemming from the Great Lockdown – maybe their proponents didn’t foresee them, or maybe they were misled, but these things cannot be ignored because they, too, will cause death and pain.

You don’t want to talk about those things? No problem.

You don’t even have to answer the simple question the headline poses – too many people getting bossed around these days already.

***********************************

Corona contrarianism? How about some corona common sense? Here is my list of articles published regarding the corona crisis, and I hope you will find them useful in your leftist struggle!

Capitalist-imperialist West stays home over corona – they grew a conscience? – March 22, 2020

Corona meds in every pot & a People’s QE: the Trumpian populism they hoped for? – March 23, 2020

A day’s diary from a US CEO during the Corona crisis (satire) March 23, 2020

MSNBC: Chicago price gouging up 9,000% & the sports-journalization of US media – March 25, 2020

Tough times need vanguard parties – are ‘social media users’ the West’s? – March 26, 2020

If Germany rejects Corona bonds they must quit the Eurozone – March 30, 2020

Landlord class: Waive or donate rent-profits now or fear the Cultural Revolution – March 31, 2020

Corona repeating 9/11 & Y2K hysterias? Both saw huge economic overreactions – April 1, 2020

(A Soviet?) Superman: Red Son – the new socialist film to watch on lockdown – April 2, 2020

Corona rewrites capitalist bust-chronology & proves: It’s the nation-state, stupid – April 3, 2020

Condensing the data leaves no doubt: Fear corona-economy more than the virus – April 5, 2020

‘We’re Going Wrong’: The West’s middling, middle-class corona response – April 10, 2020

Why does the UK have an ‘army’ of volunteers but the US has a shortage? – April 12, 2020

No buybacks allowed or dared? Then wave goodbye to Western stock market gains – April 13, 2020

Pity post-corona Millennials… if they don’t openly push socialism – April 14, 2020

No, the dollar will only strengthen post-corona, as usual: it’s a crisis, after all – April 16, 2020

Same 2008 QE playbook, but the Eurozone will kick off Western chaos not the US – April 18, 2020

We’re giving up our civil liberties. Fine, but to which type of state? – April 20, 2020

Coronavirus – Macron’s savior. A ‘united Europe’ – France’s murderer – April 22, 2020

Iran’s ‘resistance economy’: the post-corona wish of the West’s silent majority (1/2) – April 23, 2020

The same 12-year itch: Will banks loan down QE money this time? – April 26, 2020

The end of globalisation won’t be televised, despite the hopes of the Western 99% (2/2) – April 27, 2020


Ramin Mazaheri is the chief correspondent in Paris for Press TV and has lived in France since 2009. He has been a daily newspaper reporter in the US, and has reported from Iran, Cuba, Egypt, Tunisia, South Korea and elsewhere. He is the author of the books ‘I’ll Ruin Everything You Are: Ending Western Propaganda on Red China’ and the upcoming ‘Socialism’s Ignored Success: Iranian Islamic Socialism’.