أهل الميدان: المذبحة وقعت ولم يعد لدينا ما نخسره | الهدنة أظهرت تحكّمنا بالنار والتبادل كشف ثبات قدراتنا الأمنيّة

السبت 9 كانون الأول 2023

(أ ف ب )

ابراهيم الأمين

في كثير من التجارب الشبيهة، يدرك القائد السياسي أو الميداني أن لمقاومته أيّ عدوان جدوى وغاية، ولكن لها ثمنها أيضاً. في حالة غزة، لا يقلّل أهل الميدان من صعوبة المفاضلة عند اتخاذ قرارات بحجم عملية «طوفان الأقصى». لكن مراجعة 38 عاماً من الاحتلال والتهجير والقتل والاعتقال والعنف والتسلّط، و18 عاماً من الحصار والحروب والقتل والتدمير، تكفي لمعرفة أن المقاومة ليست خياراً لفظياً فقط، وهي ليست فاعلة سلمياً في وجه عدوّ كإسرائيل. ولم يكن بالإمكان الاستمرار بالأمور على حالها من دون ضربة كبرى، وهو ما أوجب التفكير بعمل مختلف تماماً.هذه الخلفيّة سكنت عقل من اتّخذ قرار العملية الكبيرة والأكثر حفراً في الوعي الجمعي لمجتمع العدوّ. فمن اتخذ القرار كان يدرك أن ردّ الفعل عليها لن يكون عادياً. وكل الكلام عن نجاح أكثر من المقدّر وردّ فعل أكثر من المتوقع، لن يكون مفيداً في اللحظة التي بدأ فيها العدوّ يتصرّف بجنون غير مسبوق.

أهل الميدان يعرفون أن جنون العدوّ ليس مردّه فقط عجز قواته عن القيام بعمليات عسكرية وأمنية ناجحة ضد المقاومة وقادتها وعناصرها، بل أيضاً حالة الجنون التي سيطرت على كل الكيان، ومؤسساته كافة، وخصوصاً الجيش. وبالتالي، فإن التعامل معه يتطلّب قدراً أعلى من الصلابة والصبر. ومع الوقت، بدا واضحاً أن العدوّ يريد الانتقام من كل ساكن في القطاع، وهو اعتقد، وراهن، على أن ضرباته العشوائية والقاسية ستدفع الناس الى إشهار الراية البيضاء ورفع الصوت ضد المقاومة.

بعد مرور وقت على الحرب الدموية، أقدم العدوّ على ما افترضه علاجاً. يقول أهل الميدان: المذبحة وقعت، ولم يعد مجدياً تعداد عدد الشهداء والجرحى والنازحين والمرضى والمتعبين، ولا النظر الى مشاهد الدمار التي تلفّ القطاع من أقصى شماله الى أقصى جنوبه. من يراقبون ما يجري عبر الشاشات لن يتمكّنوا من مشاهدة الصورة الكاملة، والتي هي أكبر بكثير مما تعرضه الشاشات. وهذا، بالنسبة إلينا، هو الحد الأقصى من الجريمة، والحدّ الفاصل في المواجهة، حيث لا يمكن التفكير لحظة واحدة بالتنازل.

يقول أهل الميدان: لم يكن بين من يديرون الحرب لدى العدوّ عاقل واحد. ولم يكن ممكناً السير بهذه الحرب أساساً، لو أن هناك عقلاء أو حرفيين، وإلا كانوا قاموا بأمور كثيرة غير ما يقومون به. لكنهم يقولون لنا إن المعركة فاصلة، وإن هناك رابحاً وخاسراً، وإنه لا تسوية بعد اليوم. وفي هذه الحالة، ليس على أحد في العالم أن ينتظر منا جواباً مختلفاً. نحن، أيضاً، نقول للعدوّ وللعالم إنها معركة فاصلة، فيها رابح وخاسر. وبما أن العالم ترك العدو يصعد الى أعلى الشجرة، عليه أن يعلم أن المقاومة جارته في الارتفاع، ولن تتنازل، ولا تطلب من أحد المساعدة على النزول. ومن يُرِيد إنقاذ إسرائيل من الخسارة الكبيرة، عليه أن يبحث لها عن سلّم لإنزالها.

ليست وظيفة المقاومة إيجاد المخرج للعدو… ولم يعد بينها وبينه سوى الميدان لحسم النتيجة


ويؤكد أهل الميدان: لا ينبغي أن يطلب أحد أو يفكّر بأن علينا، نحن أبناء غزة، أن نخترع المخرج لوقف الحرب. لقد فتحنا الباب يوم قبلنا بالهدن الإنسانية، وقلنا إننا لا نمانع في تحويل الهدنة المؤقتة الى وقف شامل لإطلاق النار، وأن ندخل في مفاوضات لإجراء تبادل شامل للأسرى. لكنّ العدوّ لم يفكر بهذه الطريقة، ولم يفكر العالم في أدوات للضغط عليه. وبالتالي، من يعتقد أن على المقاومة إيجاد المخرج فهو واهم، لأن هذه ليست سوى دعوة لنا لنعلن استسلامنا، لمجرد تخفيف عمليات القتل. والأهم، هو أن على العالم أن يعرف أن الناس المتعبين والمنهكين والعائلات التي فقدت كل شيء لم يخرجوا لحظة ليهاجموا المقاومة. الرجال والنساء الذين تألّموا بقوة لفقدان الأحبة وجنى العمر، لم يبكوا أمام الشاشات، لأنهم يعرفون أنّ أي إشارة ضعف سيفسّرها العدوّ بأنها لحظة انتصار له.

ويلفت أهل الميدان الى أيام الهدن، عندما كان الغزّيون يترقّبون عمليات التبادل للاحتفال بالمقاومين الذين كانوا يخرجون من حيث لا يعرف أحد، ترافقهم هتافات الناس، قبل أن يختفوا من جديد. وقد تطلّبت عمليات التبادل إجراءات أمنية معقدة، بما يسمح بالوصول الى نقطة التسليم من دون أن يحدد العدوّ نقطة الانطلاق. ورغم أن طائرات التجسّس لم تغادر سماء القطاع، خلافاً للاتفاق، فإن المقاومة كانت معنيّة بأمرين:

الأول، هو أنه مع دخول الهدنة حيّز التنفيذ، توقفت كل مجموعات المقاومة، ومن كل الفصائل، في اللحظة نفسها عن إطلاق أي رصاصة. وقد تمّت العملية بنجاح أكبر مما فعلته قوات العدوّ التي التزمت بالقرار بصورة غير كاملة، فبقيت بعض قواته تقوم بعمليات تمشيط أثناء إعادة انتشارها. فهل فهم العدوّ معنى القدرة على التحكم والسيطرة في مثل هذه اللحظة؟

الثاني، أن التنسيق بين قوى المقاومة على الأرض وثيق الى حدود التفاهم التام على كيفية جمع الأسرى، ونقلهم الى نقطة متفق عليها، ووضعهم جميعاً في سيارات موحدة تحملهم الى نقطة التسليم. وفي هذا إشارة واضحة إلى مدى التنسيق العملياتي الناجح، قبل الهدنة وخلالها، وقبل إطلاق الأسرى وخلال عمليات التسليم.

النقاش حول حاجة المقاومة الى الهدنة أكثر من حاجة الغزّيين إليها، لا يحتلّ مساحة فعلية لدى أهل الميدان الذين لا يخفون أنهم، كأيّ محارب، يستفيدون من أي وقف لإطلاق النار ولو لساعات لإعادة ترتيب بعض خطط العمل. وإذا كان العدوّ يفترض أن أيام الهدنة كانت مناسبة لإدخال تعديلات ضخمة على خطة العمل، فهو لا يعرف شيئاً عن المقاومة. ذلك أن خطة المواجهة مع قواته جارية وفق ما هو مقرّر، وتخضع للتعديل بحسب المجريات على الأرض. والهدنة كانت مناسبة للمّ الوضع أكثر، ولتنظيم التنسيق بين المجموعات المنتشرة على كامل مساحة القطاع، ولتحديد الحاجات الفعلية من مقاتلين وأسلحة تناسب المواجهة المقبلة، إضافة الى التثبت من فعالية برنامج الإطلاق الصاروخي ضد مستوطنات العدوّ القريبة والبعيدة، وصولاً الى تل أبيب.

في معركة صياغة القرار، يبدو أهل الميدان أكثر حسماً في إغلاق أي ثغرة يمكن أن ينفذ منها الأعداء أو من يدّعون الصداقة، لمحاولة تمرير حلول لا تناسب المقاومة. ويقول هؤلاء: بعد كل ما جرى، هل يعتقد أحد في العالم أننا سنتنازل؟ العدوّ يقول إنه يريد إطاحة المقاومة من القطاع، وعليه أن يفعل ذلك بيده وبنفسه، والفصل بيننا وبينه هو الميدان، وكل من يفكر بطريقة احتيالية، ويفترض أنه سيفرض على المقاومة حلاً سياسياً لما بعد الحرب، لا يتناسب مع مصلحة المقاومة والناس، عليه الانضمام الى العدوّ في حملته، وكثيرون من هؤلاء يشاركون أصلاً في العدوان علينا. لقد نفّذ العدوّ مذبحته الكبرى، ولم يعد لدينا ما نخسره. وكما قالت المقاومة إنها لن تفاوض على بقية الأسرى إلا بعد الحرب، فإن أيّ نقاش سياسي أو غير سياسي غير ممكن إلا بعد توقف الحرب. وعندها، ليفكر كل صاحب رأي أو فكرة بأن للحرب نتيجة، وعلى الجميع من حولنا انتظار نتائج الميدان.

من ملف : أميركا تمنع وقف المذبحة

مقالات ذات صلة

Axis of Resistance Forces in Support of Gaza: A Unified Front Stretching from Lebanon to Syria, Iraq, and Yemen

Posted by INTERNATIONALIST 360° 

Ibrahim Al-Amin

Translated by Orinoco Tribune

Regardless of the significant operational support provided by the West, led by the United States, the leadership of the occupation army is still confused and unclear on the strategy and timing of the ground operation. Particularly because they seem unable to agree upon the potential casualties and losses that may be inflicted by the Axis of Resistance forces outside of Palestine.


The West’s ongoing military support and international propaganda campaign to cover up the enemy’s crimes does not appear sufficient to ensure the success of the enemy campaign against Gaza Strip. The heinous crimes against civilians do not aid the enemy in achieving its lofty political goals, consequently the occupation government is seriously discussing preparations for a ground operation.

Coordination within the Axis of Resistance

In this context, Al-Akhbar learned that, [since the start of Al-Aqsa Flood,] all the forces of the Axis of Resistance, spanning across Arab and Islamic countries, have solidified strategies for providing the highest level of “effective support” for the resistance in Palestine. Multiple joint operations rooms have been established to monitor the field conditions for tactical and strategic operations, in addition to political activities. Furthermore, numerous plans have been drawn up to reinforce the strength of several Resistance factions in various arenas.

Over the past 36 hours, the Resistance forces have translated this into practical steps. In addition to political stances rejecting the West’s demands to cease support for Gaza, a series of coordinated military operations have been carried out across multiple fronts. Palestinian Resistance factions continued to launch rockets deep into the heart of the entity, specifically into Tel Aviv. Moreover, a Palestinian Resistance group launched a Kornet ATGM at an enemy armored vehicle east of Khan Yunis. At the same time, the Al-Qassam Brigades carried out missile strikes from Lebanon towards the northern occupation settlements, while the Al-Quds Brigades detonated high explosive devices in Tulkarem, killing and wounding enemy soldiers. Meanwhile, Hezbollah continued its operations [destroying sensors, radar, and cameras] aimed at “blinding the occupation” along the Lebanese border.

According to Al-Akhbar’s sources, the Resistance strikes against reconnaissance outposts have destroyed a significant amount of enemy technological systems, including advanced surveillance cameras capable of covering extensive areas, some with a range of up to 20 kilometers. Additionally, specialized radars for personnel and vehicles installed on towers in the locations have been destroyed, along with systems for intercepting communications and jamming, as well as specialized sensors that can use thermal imaging to remotely track any moving object across a wide area. According to the sources, the enemy is trying to compensate for these losses by deploying more high-altitude and medium-altitude drones to cover the border front.

Furthermore, Hezbollah has dealt a significant blow to the occupation armored units by destroying a significant number of enemy Merkava tanks. Among the destroyed tanks is a Merkava Mark V which boasts special armor and electronic jamming devices designed to thwart Kornet missiles. It is noteworthy that in recent days, the Resistance has heavily utilized the Kornet missile system as a multi-purpose tactical weapon. This reflects a vast stockpile of these missiles in their possession in conjunction with various types that have yet to be deployed.

Activating Battlefield Unity

Simultaneously, the Joint Operations Room of the Axis of Resistance organized operations in other battlefields. A group of Iraqi Resistance factions carried out multiple drone strikes against US bases in Iraq and Syria, causing direct casualties. The United States later announced that its naval units intercepted missiles launched by Ansarallah in Yemen, but did not specify whether the missiles targeted its own warships or military points inside occupied Palestine. According to the occupation army radio, “Israeli officials confirm to us that between two and five missiles were launched from Yemen and targeted Israel.”

The Kataib Hezbollah Resistance group in Iraq also targeted the illegal US occupation base at Al-Tanf on the border triangle between Syria, Iraq and Jordan with artillery, missiles, and drones. The Resistance group also announced a drone attack on the US Ain al-Asad base west of Baghdad, two days after the same base was subjected to a similar attack by drones at the same time as another attack on the Al-Harir base in northern Iraq. Yesterday evening, strong explosions were heard in Deir Ezzor and Al-Omar oil fields. At the same time, the gas line connecting to the Coneco natural gas plant, which is controlled by the US occupation army through its base in the northern countryside of Deir Ezzor, eastern Syria, was blown up.

Meanwhile, large groups of Iraqi fighters and civilians have started moving towards the Iraqi border with Jordan. According to Al-Akbar’s sources, this coordinated action is part of an organized strategic framework and will include tens of thousands of people in the coming days. This has prompted Israeli military movements along the Jordanian-Palestinian border.

Al-Akhbar news learned that the operational coordination between the Resistance Forces aims to pressure the enemy on multiple fronts and make it clear to Washington that its threats against the forces and nations of the Axis of Resistance will be met with direct action, not mere words. This led to an unprecedented rise in US and Israeli security measures. Several diplomatic missions in the region have been closed, and the US Department of State has issued a warning to its citizens worldwide, urging them to exercise caution due to the potential for retaliatory strikes against US interests as a result of its support for the occupation in Palestine. At the same time, “Israel” advised its citizens in foreign countries to return directly to Tel Aviv, while urging various Arab and regional governments to take measures to safeguard “Israeli” businesses, embassies, and citizens due to the widespread mobilization against the enemy in the Arab and Islamic world.

This information suggests that the existing coordination between the Axis of Resistance forces will translate into significant political and popular actions against Zionist aggression and the US presence in the region as popular support for the Palestinian Resistance surges in countries within the Axis of Resistance. These actions are part of a growing campaign to increase on-the-ground support for the Resistance both inside and outside of Palestine. This is particularly crucial as the enemy has intensified its security and military activities in the West Bank and urged Jordan to “exert maximum efforts” to prevent any movement of people through its territory.

US parameters for the ground operation

In the midst of these developments, Israel buzzed with news that a decision to launch a ground operation has been approved, and the military has been tasked with presenting detailed plans for approval at the political level. It is evident that Washington is now in control of “Israeli” decisions, as leaked reports from President Joe Biden’s meetings with Israeli officials two days ago revealed that Washington “provides significant political and military support to Israel and will prevent any international institution from issuing a call for a ceasefire or limitations.” However, the US, in return, demanded that the enemy commanders ensure that the goals of any ground operation are realistic and achievable. Enemy media noted that, in reply to enemy ministers who stated “a ground operation is necessary,” US President Biden responded by demanding they define the goals of such an operation. President Biden also publicly stated that he never told “Israel’s” leaders that the US military would join the fight against Hezbollah if the latter launched a preemptive war against the occupation.

Al-Akhbar learned that the leadership of the Al-Qassam Brigades and Al-Quds Brigades informed the Joint Operations Room of the Axis of Resistance that it is in a state of complete readiness, and that the Israeli aggression has not disrupted its capabilities in any significant way. They also confirmed that their preparations for countering any ground assault are well underway, and they are fully equipped to deliver severe blows to the occupation forces. Al-Akhbar’s sources have confirmed that the enemy has failed to destroy the tunnel system in Gaza Strip, that the operation to mobilize thousands of Resistance fighters has not been interrupted, and that the Resistance also possesses multiple new secret weapons specifically designed for ground confrontations.

انتظام قوى محور المقاومة دعماً لغزّة | شريط عمليات يمتدّ من لبنان إلى سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن

سياسة  ابراهيم الأمين  الجمعة 20 تشرين الأول 2023

الحشد الدولي المستمر لتغطية جرائم العدو في قطاع غزة لا يبدو أنه كافٍ لتوفير ضمانات بنجاح أي حملة برية ضد القطاع، فيما الجرائم الوحشية ضد المدنيين لا تسعف العدو في تحصيل السقوف السياسية العالية، ما ينقل النقاش إلى مستوى جديد يتعلق بالاستعداد لعملية برية.

وبمعزل عن الدعم العملاني المفتوح الذي يقدّمه الغرب بقيادة أميركا للعدو، لا يزال الإرباك يسود قيادة جيش الاحتلال إزاء آلية شنّ العملية البرية وموعدها، خصوصاً أن البحث عن أجوبة حول الكلفة المتوقّعة، لا يزال عند حدود المدة الزمنية التي يتطلّبها الهجوم، وسط مخاوف من ردود فعل تتجاوز ما تعدّه المقاومة في القطاع، إلى ما يمكن لقوى محور المقاومة أن تقوم به من خارج فلسطين.

انتظام تنسيق المحور
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن كل قوى محور المقاومة، على امتداد الدول العربية والإسلامية، ثبّتت في الأيام القليلة الماضية آليات العمل المتعلقة بتوفير أعلى مستوى من «الدعم الفعّال» للمقاومة في فلسطين. وتشكّلت مجموعة من غرف العمليات المشتركة التي تتابع الأوضاع الميدانية لناحية الأعمال اليومية والإستراتيجية إضافة إلى النشاط السياسي. كما تبلورت مجموعة كبيرة من الخطط، ما أشاع مناخاً إيجابياً انعكس على أداء مجموعة من فصائل المحور وفي أكثر من ساحة.
وخلال الساعات الـ 36 الماضية، كانت قوى المحور تترجم ذلك إلى خطوات عملية. فإلى المواقف السياسية الرافضة لطلبات الغرب بوقف دعم غزة، نُفّذت سلسلة من العمليات العسكرية المتناسقة بين ساحات عدة. فقد واصلت فصائل المقاومة في فلسطين توجيه الصواريخ إلى عمق الكيان، وتحديداً تل أبيب، وأطلقت مجموعة من المقاومة صاروخ «كورنيت» على مدرّعة للعدو شرق خان يونس. وفي الوقت نفسه، وجّهت «كتائب القسام» ضربة صاروخية من لبنان باتجاه المستعمرات الإسرائيلية الشمالية، فيما كانت «سرايا القدس» تفجّر عبوات ناسفة في طولكرم موقعة قتلى وجرحى في فرق العدو من المستعربين. في غضون ذلك، واصل حزب الله عملياته التي تستهدف «تعمية جيش الاحتلال» على طول الحدود مع لبنان.

تفعيل وحدة الساحات
بالتزامن، فعّلت غرفة العمليات المشتركة لقوى المقاومة العمل في ساحات أخرى. فقد بادرت مجموعة من فصائل المقاومة العراقية بتوجيه ضربات متلاحقة بالمُسيّرات ضد قواعد أميركية في العراق وسوريا وأوقعت إصابات مباشرة فيها، قبل أن تعلن الولايات المتحدة عن اعتراض قطعها البحرية صواريخ أطلقها أنصار الله، ولم تحدد بدقة هدفها هذه الصواريخ، وما إذا كانت تستهدف البوارج الأميركية أم نقاطاً عسكرية داخل فلسطين المحتلة. فيما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنّ «مسؤولين إسرائيليين يؤكدون لنا أنّ عدداً من الصواريخ انطلقت من اليمن واستهدفت إسرائيل، وهي بين صاروخين وخمسة».
كما استهدفت «المقاومة الإسلامية في العراق» بالقذائف والطائرات المُسيّرة قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن. وأعلنت المقاومة نفسها شنّ هجوم بطائرة مُسيّرة على قاعدة «عين الأسد» غرب بغداد، بعد يومين من تعرّض القاعدة نفسها لهجوم مماثل بطائرات مُسيّرة، بالتزامن مع هجوم آخر على قاعدة «حرير» في شمال العراق. وسُمع ليل أمس دويّ انفجارات قوية في ذيبان والحوايج وحقل العمر وسط تحليق مكثّف للطيران المُسيّر فوق المنطقة. وفي الوقت نفسه، جرى تفجير خط الغاز الواصل إلى معمل «كونيكو» للغاز الطبيعي، والذي يسيطر عليه جيش الاحتلال الأميركي كقاعدة له في الريف الشمالي لدير الزور، شرق سوريا.

العدو قرّر عملية برية بسقوف أميركية والمقاومة تنتظره تحت الأرض وفوقها

في غضون ذلك، بدأت حشود ضخمة من المقاتلين العراقيين بالتوجه الى الحدود العراقية مع الأردن. وبحسب مصادر، فإن هذه الخطوة تأتي في إطار «منظم»، وقد يصل عدد هؤلاء إلى عشرات الآلاف في الأيام القليلة المقبلة، وهو ما استدعى تحركات عسكرية إسرائيلية على الحدود الاردنية – الفلسطينية.
وعلمت «الأخبار» أن التنسيق العملاني بين قوى المقاومة يستهدف تحديد الخطوات الواجب اتخاذها لاستنزاف العدو على أكثر من جبهة، وإفهام العدو الأميركي بأن تهديداته ضد قوى ودول المقاومة سيُقابل بعمل مباشر وليس بالكلام فقط. وقد ترافق ذلك مع استنفار أمني أميركي وإسرائيلي غير مسبوق، وإغلاق عدد من البعثات الدبلوماسية في أكثر من دولة في المنطقة، فيما دعت وزارة الخارجية الأميركية رعاياها في العالم إلى الحذر خشية تعرّض مصالحها لضربات انتقامية جرّاء موقفها الداعم للعدو في فلسطين. وهو ما بادرت إليه إسرائيل نفسها التي طلبت من رعاياها العودة مباشرة إلى تل أبيب، كما طلبت من حكومات دول عديدة عربية وإقليمية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم التعرّض لمقراتها ومواطنيها جراء التعبئة الكبيرة في الشارع العربي والإسلامي.

وفي المعلومات أن التنسيق القائم بين قوى محور المقاومة سيُترجَم إلى خطوات سياسية وشعبية كبيرة ضد العدوان وضد الوجود الأميركي في المنطقة، إذ ستشهد دول المحور توسّعاً في فعاليات الدعم الشعبي للمقاومة في فلسطين، وأن الأمر سيكون ضمن مسار تصاعدي يترافق مع زيادة مستوى الدعم الميداني للمقاومة في فلسطين من داخلها وخارجها، خصوصاً أن العدو فعّل نشاطه الأمني والعسكري في مناطق الضفة الغربية، وطلب من الأردن بذل «أقصى جهد»لمنع حصول أي نشاط عبر أراضيه.

سقوف أميركية للعملية البرية
إلى ذلك، ضجّت إسرائيل أمس بأنباء عن صدور القرار بإطلاق العملية البرية والطلب من الجيش تقديم خطط مفصّلة ليصادق عليها المستوى السياسي. ويتّضح من المعطيات والمواقف والإجراءات أن الموقف الأميركي صار حاكماً للقرارات الإسرائيلية، خصوصاً أن ما سُرّب عن نتائج اجتماعات الرئيس الأميركي جو بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين أول من أمس، كشف أن واشنطن «توفّر دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل، وستمنع صدور أي قرار عن أي مؤسسة دولية يدعو إلى وقف إطلاق النار أو إلى تقييدها»، لكنّ الأميركيين طلبوا في المقابل من قادة العدو أن تكون أهداف الحرب البرية واقعية وقابلة للإنجاز. ونقل إعلام العدو رداً للرئيس الأميركي على قول أحد وزراء العدو: «بأن لا مفرّ من العملية البرية»، بدعوته إلى تحديد غايات عملية كهذه. كما صرّح بايدن علناً أنه لم يقل أبداً لقادة إسرائيل بأن الجيش الأميركي سينضمّ إلى القتال ضدّ حزب الله إذا بدأ الأخير حرباً استباقية ضدّ إسرائيل.

وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن قيادة «كتائب القسام» و«سرايا القدس» أبلغت غرفة العمليات المشتركة مع محور المقاومة، بأنها في حالة جهوزية كبيرة، وأن العدوان الإسرائيلي لم يعطّل قدراتها في كل الاختصاصات، وأن ما هو مقرّر لمواجهة أي هجوم بري، سيتيح توجيه ضربات قاسية جداً إلى قوات الاحتلال. وقالت المصادر إن فصائل المقاومة في فلسطين أكّدت أن العدو لم ينجح في ضرب أي نفق في القطاع، وأن عمليات تحشيد آلاف المقاتلين مستمرة من دون توقف، وأن بيدها نوعية جديدة من الأسلحة الخاصة بالمواجهات البرية.

من ملف : شريط عمليات يمتدّ من لبنان إلى سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن

مقالات ذات صلة

Ain Al-Hilweh Clashes Part of US Scheme to Dismantle Palestinian Refugee Camps in Lebanon: Report

 September 19, 2023

Source: Al-Akhbar Newspaper

Smoke billows during clashes in the Ain Al-Hilweh Palestinian refugee camp, in the southern coastal city of Sidon (photo from July 30, 2023/ AFP).

Ibrahim Al-Amin*

Translated by Areej Fatima A-Husseini

The perception of conspiracy in the Arab world is ambiguous, to the extent that Arabs could be skeptical of major conspiracies, even if the details are revealed over time. Those who grasp the conspiracy’s details are mostly incapable of tackling it, given its concealed or obscured elements. However, if there are Arabs and Lebanese who remain skeptical of the ongoing conspiracy against the Palestinian cause, then this is certainly an unsolvable dilemma.

US-Led Meetings

The funding for UNRWA, which is in charge of providing relief and jobs to Palestinian refugees, started to dwindle at least 10 years ago, while alternatives were pushed by Western-funded organizations. Hence, the number of those wishing or seeking to immigrate to other countries around the world rapidly increased! During that time, meetings were held under the leadership of the United States, where delegates from Lebanon, the country harboring the greatest number of Palestinian refugees, were present.

In a famous meeting in Amman, Jordan, 9 years ago, a US official apprised the Lebanese to “think rationally” and stop repeating the “chant of Resolution 194″.

In that meeting, and in the presence of Dorothy Shea, the current US ambassador to Beirut, the aforementioned US official called on Lebanon to relocate Palestinian refugees in order to pave the way for their naturalization.

To avoid interrogation, the American official added, “Palestinian refugees in Lebanon are no more than 200,000, some of whom seek to travel to the West, and a minority is considering moving to the Gaza Strip. Thus, Lebanon must welcome those who remain and integrate them residentially by relocating them from camps to cities. In addition, the country must integrate them socially and economically by lifting the ban on practicing certain professions and providing them permanent residency while they await citizenship.”

Palestinian refugee camp of Ain Al-Hilweh near the port city of Sidon (photo from archive).

Fatuous Endeavors

Although many things happened since then, this goal was not achieved, as the outcomes of the Syrian war hindered the project aimed at ending the Palestinian refugee issue in Lebanon, Syria, Egypt and Jordan. Also, the resistance powers in Lebanon and Palestine have expanded, and the Palestinians have achieved victories that effectively permit them to return to their homeland. All of this, however, offered another reason for the US to speed up their efforts, the ultimate goal of which was to annihilate the Palestinian refugee camps in Lebanon.

Official Arab Document: The US Scheme

Back to 2023, when Palestinian General Intelligence Chief Majid Faraj visited Lebanon in the second half of July, many denied that his visit had anything to do with any adverse incidents in Lebanon. At the end of July, under the pretext of an assassination, clashes broke out in the Ain Al-Hilweh refugee camp in Sidon. Such clashes often involve unidentified assailant assassinations and result in open battles. Thereupon, some came out to clarify that there had been no coordination between the US and their allies in the region in a bid to ignite the refugee camps ahead of their removal and destruction.

Those who spoke out about a US scheme were accused (including us) of helping to demonize the Fatah movement and blaming the Ramallah-based Palestinian Authority (PA). However, the embassy of a prominent Arab country in Beirut, which has no link with Al-Akhbar newspaper, was observing and gathering data as well as preparing a report for its government that outlined the political and security developments in the past two months in Lebanon. The document concluded that what is happening is part of a US scheme—full stop!

What’s inside the Document?

Al-Akhbar Daily publishes the content (incomplete for professional reasons) of a “top secret” document prepared by the aforementioned embassy, which states:

“For quite some time, there have been early American preparations to eliminate the Ain Al-Hilweh camp in southern Lebanon, as it is a major address for Palestinian asylum seekers in the diaspora. This practice was initiated by military leaders and officers sent by Washington in recent years.” “The repeated clashes in the Ain Al-Hilweh camp between the Fatah movement and extremist groups are not isolated from the secret visits of American military delegations to the area overlooking the camp. At the time, American delegations linked with the US Central Command (CENTCOM) had repeated field visits, resulting in at least three visits in 2018, the most notable of which was to then CENTCOM Commander General Joseph Votel”, the document adds.

General Votel in a meeting with Lebanese Army commander Gen. Joseph Aoun during a visit to Lebanon in June 2017.

The document also attributed to Lebanese security sources that “General Votel requested, during a routine visit to the Lebanese Army Command, to arrange for him a reconnaissance tour to the vicinity of the Ain Al-Hilweh camp along with Lebanese officers who are familiar with this file.”

General Joseph Aoun, the Lebanese Army Commander, was surprised by this request, given that the commander of the CENTCOM, whose military authority extends from Afghanistan to Lebanon, could instead send a team of his officers for this purpose and that the camp does not represent a challenging aspect in terms of strategic military calculations, as per Aoun.

Indeed, the American general got what he sought, as he inspected the refugee camp of Ain Al-Hilweh from Serob Hill overlooking it. Votel was carrying precise maps of the camp and surrounding areas with him, and he asked the army intelligence team that accompanied him specific questions about the following points:

First: The reality of the camp, both geographically and humanly.

Second: The identities of the armed groups in the camp, their numbers and locations. Here, Votel stopped and asked specifically about the Ansar Allah group led by Jamal Suleiman and other Islamic groups.

Third: The number of displaced Palestinians who moved from Syria to Ain Al-Hilweh camp.

Fourth: The nature of the measures taken by the Lebanese army around the camp.

Fifth: Latest developments in the plan to build a cement wall around the camp.

The document also stated that, “As a follow-up to this visit, meetings continued between the American and Lebanese sides, and a technical team from the US CENTCOM visited the Lebanese Army Command in September 2018. The team met with the Army Commander, the Director of Intelligence, and the official in charge of the Palestinian file in the Army.

The incorporation of the “Basateen Al-Tayyar” area, which has served as a training camp for Ain Al-Hilweh’s prominent Islamic faction, the Asbat Al-Ansar (Ansar League), was also discussed. This League had previously been suspected of involvement in assassinations, most notably the deaths of four judges at the Sidon courthouse. However, its relationship with the Lebanese army improved in later years, particularly in terms of assisting in the regulation of smaller organizations’ actions.”

“The construction of a wall around the Ain al-Hilweh camp was originally based on an American proposal,” the document continued, “although the Lebanese army at time justified this step by the need for security measures in light of violations committed by armed factions from within the camp towards the surrounding area. However, opposition to this step did not prevent its fulfillment.”

The document continued: “Several terrorists who had previously left the camp to fight in Syria returned to Ain Al-Hilweh at specific times, contributing to tension within the camp and raising fears that this would be a prelude to blowing up the camp from within on the way to dismantling it and ending the Right of Return. This situation prompted Lebanese security sources to ask whether a specific Gulf country with ties to ‘Islamic’ groups, as well as the US, had pushed for the return of those militants, resulting in labeling the camp as a bastion of terrorism. This plan was accompanied by facilitating for several Palestinian youths in Ain al-Hilweh to travel to European countries, especially Scandinavian ones. Lebanese travel agencies carried out this process.”

In the report’s summary, “diplomatic sources outlined several goals for the tours and visits of American officers, including:

  • Isolating the camp from its surroundings by a wall that allows the events occurring or that will occur within it to be separated.
  • Making it more difficult for “terrorist groups” to enter and exit.  The Americans claimed to know of the existence of roughly 500 armed terrorists inside the camp, including Saudis, Palestinians, Syrians, and Lebanese, during their subsequent conversations with the Lebanese side.
  • The main goal, which the Americans withheld from the Lebanese side, is maintaining the Deal of the Century’s terms, imposing a scenario that exhausts the Palestinians, and forcibly relocating some of them to Lebanon and others to countries that can accommodate them.”

The document’s most significant conclusion appears in noting that “security sources are anticipating the occurrence of tensions and clashes occasionally in the Ain Al-Hilweh camp, under the guidance of Arab and American security services, to aggravate the situation and displace the camp’s residents. This serves the purpose of integrating a portion of these refugees into Lebanese culture while encouraging the remainder to move to foreign nations that provide special facilities in collaboration with the Israeli entity.”

Wall in Ain Al-Hilweh refigee camp (photo from archive).

Votel: The wall and Special Forces in Lebanon

General Joseph Votel, whoserved as the CENTCOM Commander between March 2016 till March 2019, conducted a press conference with correspondents from Arab media at the end of January 2018, following a series of visits to Lebanon and other countries in the region. In response to a question by the Beirut0based newspaper The Daily Star correspondent, Victoria Yan, about the role of US Special Forces in Lebanon, he said: “I make frequent visits to Lebanon. I won’t delve into details about the particular operations we support, but our role is to enhance the capabilities of the Lebanese Armed Forces and help them confront terrorism in Lebanon and prevent its influence on the region.”

In April 2018, the residents of Sidon awoke to extraordinary measures taken by the Lebanese army before a military helicopter carrying an American military delegation with an official at the American embassy in Beirut landed on the city’s sports stadium, supported by another military helicopter. The delegation was led under heavy escort to the Muhammad Zgheib barracks in Sidon. Following a conference with army intelligence officers, the delegation visited the Serob region, overlooking the Ain Al-Hilweh camp, amid security measures along the road leading to the location.

It was later known that Votel was present in the US delegation. However, his deputy, General Charles Brown, undertook the same tour in September 2017, accompanied by officials from the American Embassy in Beirut. The delegation was briefed on the stages of construction of the security wall, which was scheduled to rise to more than 6 meters and be equipped with towers reaching a height of 9 meters, extending west and south of the camp towards Darb Al-Sim and up to the Al-Aytam area. Then, the Americans requested that the Lebanese army meet with the Palestine Liberation Organization factions and inform them that the goal of the wall is to defend the camp and that it should not be labeled a wall but rather a “protection fence” with the aim of “preserving the safety of the camp.”

عندما يكون المجرم غير مردوع

السبت 16 أيلول 2023

ابراهيم الأمين

وجود علاقة حقيقية للأبناء بلبنان. لكنّ تدقيقاً جدياً، يكشف أن حجم التعامل والإنفاق المالي الذي رعاه الخليجيون خلال العقدَين الماضيين في لبنان، يعكس وجود اهتمام مركزي، لا يتصل فقط بفكرة السياحة والخدمات وخلافه من الأساطير اللبنانية، بل بدور سياسي واقتصادي. أما الخدمات، فمتوفرة أصلاً في بلاد عربية أخرى، وبلاد غربية أيضاً.

اليوم، عندما يتوتّر لبنانيون إزاء ما يقولون إنه لامبالاة خليجية ببلدهم، يفترضون أن الأمر متعلق بانهيار الدولة والخدمات. وهؤلاء يتناسون أن بيروت لم تكن مقصداً للترفيه فقط، بل كانت مقصداً لبعضهم من أجل العلم، وللبعض الآخر من أجل الاستثمار الذي يحقق عائدات سريعة أيضاً. ومن يتحدث كثيراً عن الودائع الخليجية التي خرجت من مصارف لبنان، لا يريد أن يروي لنا، مرة واحدة، عن حجم الأرباح التي حققها هؤلاء خلال ثلاثة عقود، بناءً على السياسات التي صنعها ابنهم البارّ رفيق الحريري، وطبّقها فريق من المصرفيين بقيادة رياض سلامة، وبحماية نادي أمراء الحرب والمال…
هل يخرج من يمكن أن يقول لنا، بدقة، كم هو حجم الأموال العائدة لشخصيات خليجية، من أهل الحكم أو القريبين منهم، التي حُوّلت الى الخارج بعد أزمة تشرين 2019؟ وهل هناك من يجرؤ على مقارنة حجم الودائع التي نقلها أبناء هذه الدول الى مصارف لبنان، بحجم الودائع التي نقلتها أنظمة عربية مستبدّة الى هذه المصارف، ولا أحد يأتي على سيرتها اليوم؟

ما تغيّر، عملياً، هو موقع لبنان في الصراع الكبير في المنطقة. فالسعودية والكويت والإمارات كانت تتصرّف مع لبنان على أنه جزء من المحور الذي تقوده الولايات المتحدة، وأن الوصيّ الغربيّ جعله ساحة لكل من ينتمي الى ناديه ليفعل ما يريد من بناء مراكز قوى له داخل الحكم والمؤسسات على أنواعها، أو رعاية ملل وفق خريطة مذهبية واجتماعية معينة، أو تمويل استثمارات تبقيه في مربع الاقتصاد الريعي. وقد كان لهذه لدول رجالها في كل مكان في لبنان، وحتى عندما كانت سوريا تديره بتفاهم مع الغرب ودول الخليج، كانت تحترم حصة هؤلاء في النفوذ والحكم، وإلا من كان يمثل رفيق الحريري في تسوية عام 1992… ومن منع الاقتراب من رجاله في المصارف والتجارة والأسواق طوال هذه المدة؟

لا تملك الإمارات سبباً مقنعاً لكل حملاتها ضد حزب الله أو حماس، وتضرب خبط عشواء بحجّة أنها تحارب الإرهاب


ما استجدّ في مقاربة هذه الدول للبنان، هو ما حصل خلال العقدَين الأخيرين. وتحديداً بعد عام 2006، مع تحوّل نوع التطلّب الغربي من هذه الدول في مواجهة حالة المقاومة في المنطقة، سواء في لبنان أو في فلسطين. ومنذ تلك الأيام، بدأت وتيرة مختلفة في التعامل مع قوى المقاومة، وفي مقدّمها حزب الله، ثم انتقلت بقوة الى حركة “حماس” بوصفها أيضاً جزءاً من تنظيم “الإخوان المسلمين”. وعندما اضطرّت إمارة دبي إلى الكشف عن شبكة كبيرة للاستخبارات الإسرائيلية اغتالت المقاوم محمود المبحوح عام 2010، فعلت ذلك نتيجة مجموعة من العناصر، أبرزها أن دبي كانت تسمح لكل أجهزة مخابرات العالم بالعبور عبرها، شرط عدم تنفيذ عمليات على أراضيها. وهو أمر سبق أن حصل مع تنظيم “القاعدة” أيضاً. لكن ما تغيّر فعلياً هو أن “حماس” طُردت من دبي، بينما فُتحت الأبواب على مصراعيها للوجود الأمني الإسرائيلي.

مشكلة الإمارات تجاه المقاومة في لبنان أنها اتّخذت شكلاً عدائياً غير مبرّر، وخصوصاً أنه لم يسبق لجهة كحزب الله أن أضرّت بهذا البلد. وحتى الأخبار التي يرويها العدوّ الإسرائيلي عن أنشطة في الإمارات وغيرها، يتبيّن أنها – بمعزل عن مدى صحّتها أو دقّتها – لم تكن بالشكل الذي يتسبّب لدبي بمشكلات كبيرة. إضافة الى أنه ليس لدى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين جدول أعمال خاص بهذه الدولة.

ومنذ 15 سنة على الأقل، أطلقت الإمارات برنامجاً في لبنان وعلى أراضيها وفي فلسطين وسوريا واليمن، يستهدف توجيه ضربات مباشرة الى المقاومة كقوى سياسية أو عسكرية، وإلى البيئة الشعبية للمقاومة. لكن الغباء الأمني لدى هذه الدولة يجعلها تضرب خبطَ عشواءَ في معظم الأحيان. وقد تورّطت في برنامج قهر تعسّفي ضدّ كل من تعتقد، لحسابات غير معروفة، أنه يخدم المقاومة بطريقة أو بأخرى، ووصلت إلى حدّ استخدام المقاومة حيلة لمعاقبة الكثيرين على خلفيّة ملفات غير سياسية.

مشكلة الإمارات العربية في هذا الجانب لا تنحصر في العقل الخبيث والمريض لقادتها، بل يعود إصرارها على ما تقوم به، بدرجة كبيرة، إلى أنها تجد نفسها في موقع الطرف غير المردوع، وغير الخائف على دفع ثمن جرائمه. وهي تتّكل ضمناً على أن خصومها ليسوا في وارد القيام بأيّ ردّ فعل يتسبّب لها بمشكلات كبيرة… وهو اعتقاد راسخ عند قياداتها السياسية والأمنية… لكن، من قال إن هذا قدر محتوم؟!

من ملف : «عدالة» الإمارات: أنتَ جنوبي… إذاً أنتَ متهم

مقالات ذات صلة

Today’s position 9-6-2023 – Normalization buys the entity votes but does not change its situation \ English subtitles

لا معنى لحوار مع شروط مُسبقة

 الإثنين 19 حزيران 2023

ابراهيم الأمين

الكل يدعو إلى الحوار وإلى التوافق لانتخاب رئيس جديد للبلاد. لكنّ الجلسات الـ 12 الماضية تدل على أن أحداً لا يشرح للناس معنى الحوار الذي يريده، ولا كيفية حصوله. وفيما تمسّك الفريق الداعم لسليمان فرنجية بمرشحه، تنقّل الفرقاء الآخرون بين عدة مرشحين، حتى حصل «التقاطع» على جهاد أزعور. بعد جلسة الأربعاء الماضي، عاد بعض أطراف هذا «التقاطع» إلى الحديث عن الحوار، مع تلميح علني وتصريح ضمني بالاستعداد للتخلي عن أزعور. بينما أعلن حلفاء فرنجية تمسّكهم به. يحصل كل ذلك، فيما يفرك قائد الجيش العماد جوزيف عون يديه، مُصِراً على أن كل ما يحصل إنما يثبت النظرية التي تقول إنه وحده من يمكن أن يكون محل توافق فعلي، ولو قسرياً، بين الجميع.

الانقسام السياسي القائم يسهّل رسم خريطة واقعية لتموضع الجميع. فالنواب الـ 32 الذين وقّعوا بيان دعم أزعور يمثلون خياراً سياسياً واضحاً، له هدف مركزي يقضي بمنع أي مرشح مدعوم من حزب الله من الوصول إلى قصر بعبدا، وهم يريدون تحقيق هذا الهدف بكل الأسلحة الممكنة، بما فيها الاستعداد للتقاطع مع خصوم أساسيين مثل التيار الوطني الحر أو بعض «التغييريين».

من جهته، يقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وسط الحفلة متمسّكاً بخصوصيته، ويريد من كل ما يحصل تثبيت موقعه في المعادلة المفترض أن تحكم لاحقاً. فهو لا مشكلة جوهرية له مع فرنجية، وإذ ينظر إليه كخصم من زاوية علاقته بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنه لا يرى فيه خطراً على تمثيل الدروز أو على حصتهم في النظام، ولا منافساً يومياً في جبل لبنان. وجنبلاط غير معنيّ أساساً بكل نقاش الآخرين عن القيادات التقليدية والإقطاع وخلافه. كما أنه، وهو المهجوس حالياً في كيفية توريث نجله تيمور، لا يبحث عن خصومات جديدة، ويتصرف مع المعركة الرئاسية بما يعزز موقعه. لذلك، يرفع سقفه للحصول على ردود فعل مناسبة له، سواء من حزب الله داخلياً، أو من السعودية خارجياً. غير ذلك، فإن من يسمع كيف يتحدّث جنبلاط عن سمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميل، وحتى عن «التغييريين»، يعتقد لوهلة بأنه من سرايا المقاومة!

الحالة الخاصة تتعلق بالتيار الوطني الحر بقيادة النائب جبران باسيل. والأخير لديه برنامجه المتشعّب الخاص ليس باسم الرئيس فقط، بل بآلية الحكم في المرحلة المقبلة. هو لا يخفي سعيه إلى حفظ نفوذه كقوة سياسية أساسية داخل مؤسسات القرار، لكنه ينظر إلى المعركة الرئاسية من زاوية أنه في ظل عدم إمكانية توليه هذه المسؤولية، وعدم قدرة فريقه القدرة على إيصال أحد قياداته إلى بعبدا، فإنه يريد أن يكون شريكاً في اختيار الرئيس المقبل، مع حق الفيتو في حال حصل خلاف مع الشركاء على اختيار هذا الاسم أو ذاك.

وفق هذه القاعدة، بنى باسيل استراتيجيته الخاصة بالرئاسة. وهو عندما سمع موقف حزب الله بدعم ترشيح سليمان فرنجية، اعتبر أن من حقه كشريك أساسي أن يحاول إقناع الحزب بأن الخيار غير صائب. وقدّم باسيل خلال اجتماعه الشهير مع السيد حسن نصرالله مطالعة طويلة، جعلت الأمين العام لحزب الله يقول له: جئت إلى الاجتماع ومعي مطالعة مفصّلة أُعدّت في مجلس شورى القرار في الحزب، وسأعود إليهم مع مطالعتك. ولكن، فَلْيُعْطِ بعضُنا بعضاً مزيداً من الوقت، ولنَعُدْ إلى النقاش. وانتشرت من يومها عبارة «للحديث صلة». إلا أن ما حصل لاحقاً، بالشكل أو بالمضمون، كانت له نتيجة واحدة، وهي أن باسيل استخدم ما يعتبره حق الفيتو، معلناً رفضه فرنجية. ونقطة على السطر.

الثنائي متمسّك بفرنجية، وجنبلاط لديه مطالبه الواضحة، بينما يريد جعجع تثبيت حلف الـ 32 ، ويبقى السؤال عمّا يريده التيار


مع الوقت، بدا أن باسيل متمسك بقراره، وتحوّل إلى شرط مُسبق لأي حوار جديد مع الحزب أو غيره من داعمي فرنجية. وهو اعتبر أن الحوار لا يكون مفيداً أو مثمراً إلا بتخلي الحزب عن دعم فرنجية، وفتح الباب أمام الحوار للوصول إلى اسم جديد. وهذا الموقف بقي قائماً، وهناك مؤشرات إلى أن باسيل اعتبر نتائج الجلسة الأخيرة، بمثابة تأكيد على وجهته هذه، وأنه سيكون أكثر تمسكاً بمطلبه إطاحة فرنجية. لكنّ هذه المؤشرات ليست كافية لحسم الموقف، ولا بد من انتظار بعض الوقت، لمعرفة التقييم الفعلي لباسيل، ليس لجلسة 14 حزيران فقط، بل لأمور وسياسات كثيرة. وعندها يظهر إن كان متمسكاً بموقفه أم لا، لأنه في حال بقي عند مطلب إطاحة فرنجية، فإن حزب الله سيقرأ الأمر على أن باسيل يضع شرطاً تعجيزياً لاستئناف الحوار، خصوصاً أن الحزب الذي كان صريحاً وحاسماً في المرحلة الماضية بأنه لن يتخلى عن فرنجية، وأنه لم يسمع ما يقنعه بذلك، يقرأ نتائج الجلسة الأخيرة بما يجعله متمسكاً بفرنجية أكثر من أي وقت سابق.
واضح أن الجميع ينتظر الخطوة الأولى لاستئناف الحوار، سواء بين جنبلاط وحزب الله ولو عن طريق الرئيس نبيه بري، أو بين حزب الله والتيار الوطني الحر مباشرة، من دون حاجة إلى وسيط. لكن، بات واضحاً أنه لا يمكن توقّع انطلاقة حوار جديد بين الحزب والتيار ما لم يتم تعديل المقاربة. بمعنى، أن الحزب لا يقبل الشروط المسبقة بسحب فرنجية، وهذا أمر أساسي، وإذا لم يتجاوزه باسيل، فسيكون من الصعب إطلاق حوار جدّي وبنّاء. ومن جهة ثانية، يجب على الحزب الاستعداد للتخلي عن فكرة أنه ليست هناك خطة ب.

واقع الحال، أن الجلسة الأخيرة كانت مناسبة لاستعراض كل قوة لقدراتها في هذه المعركة. وبناءً عليه، يمكن للحزب أن يتحاور مع التيار أو غيره، على قاعدة أن لدينا مرشحنا ولديكم مرشحكم، وتعالوا نتحاورْ في العناوين الأساسية، ونسقط المهام على هذا الاسم أو ذاك. وفي هذه الحال، يمكن لأحد الطرفين إقناع الآخر بوجهة نظره. لكنّ نجاح هذه المهمة، يتطلب إبداء الطرفين الاستعداد لتغيير الموقف الحالي. أما في حال كان كل منهما يريد الحوار لإقناع الآخر بموقفه فقط، فهو حوار لا معنى له، وسيكون لفشله الأثر الذي يزيد من تعقيد الأمور سياسياً وشعبياً.

فرصة الحوار الجدّي بين الحزب والتيار لا يمكن استغلالها إلا بقرار واعٍ، من الطرفين، بإسقاط كل الشروط المُسبقة دفعة واحدة. غير ذلك، لن يكون لهذا الحوار أي معنى، وسينتظر الطرفان التطورات الجديدة داخلياً وخارجياً، قبل أن يتوجه الجميع مرة جديدة إلى المجلس، من أجل تمرين جديد على انتخاب الرئيس.

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

الحوار حتماً!

الخميس 15 حزيران 2023

سياسة  

ابراهيم الأمين  

قال نائب «مستقل» إنه رفض عرضاً بنصف مليون دولار ثمناً لصوته في جلسة أمس، وقال لمحدّثه: «ولو، نصف مليون؟ شو عم ننتخب مختار؟»

رئيس حزب «بارز»، وهو ليس جبران باسيل، واثق من التزام جميع نوابه بقرار التصويت لجهاد أزعور سارع إلى القول قبل أن يسأله أحد: ابحثوا عند غيرنا عمّن غدر وخان؟

قال رئيس جهاز أمني «فاعل» إنه عمل طوال الأيام الماضية على مراقبة النواب و«أصدقاء» المرشحين، وهو مستعدّ لأسئلة بدأت ترده، بعد الجلسة، عما إذا كان يملك أدلة تحدّد من أعطى سليمان فرنجية أصواتاً غير محسوبة؟
يمكن الاسترسال في عرض أخبار من سوق الأربعاء في ساحة النجمة. لكنّ حقيقة الأمر أن الجمع انفضّ، وعاد الصمت ليلفّ المكان، مرافقاً الفراغ إلى ما شاء الله!

من الطبيعي أن لا يهدأ بال أحد لمعرفة حقيقة التصويت، وستكون الخلافات على تقدير الوضع أكبر من الخلاف على المرشحين. لكنّ استعراضاً سريعاً لمسار التصويت يدلّ على فشل الحشد الهائل الذي قام به فريق أزعور. بينما يمكن لفريق فرنجية القول إن ما جرى ينفي صفة المرشح المفروض عنه، وإن «التقاطع» لم ينجح في فرض مرشحه على الآخرين. وتكفي مراجعة هادئة للقول إن فريق فرنجية يمكنه جذب عدد أكبر من العدد الذي يمكن للفريق الآخر تحصيله. لكنّ المشترك بين الفريقين أن دفعاً خارجياً من شأنه قلب النتائج بصورة كاملة،

وهو ما أعاد الجميع إلى السؤال عن الاتصالات الخارجية، وانتظار نتائج الاجتماع المرتقب بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وفي حال ركن الجميع إلى هذا العامل، فإن المشكلة الأساسية لن تُحلّ. وسيبقى هناك من لا يمكن للخارج أن يفرض عليه قراراً بدعم أحد المرشحين. وهؤلاء في موقع مستقل فعلاً (طبعاً لا أحد يفكر لا بـ«التغييريين» – اقرأ التقليديين – ولا في نواب الصدفة الذين حملهم قانون الانتخاب لا التصويت إلى البرلمان)، ويملكون حيثية قادرة على التعامل مع الأحداث الكبرى، وهم يملكون كتلاً نيابية وازنة، من شأنها حسم النتيجة. وبما أن الكل يعرف الكل، فلا حاجة إلى شروحات أو وسطاء، وعدنا إلى السؤال نفسه: هل يمكن فتح الأبواب الموصدة أمام حوار ينتج رئيساً؟

والحديث هنا يدور عن جبهتين، إحداهما تخصّ حزب الله والتيار الوطني الحر، وثانية تخصّ حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، لأن الخلافات بين بقية القوى وهذه المكوّنات كبيرة جداً. وبات بمقدور القوات اللبنانية تثبيت التقاطعات التي جرت مع أبناء جلدتها، وتحويلها إلى تحالفات، وأن تتزعّم حالة سياسية تجمع غالبية من وقّعوا على عريضة الـ32 نائباً الذين أعلنوا دعمهم لأزعور من منزل المرشح السابق ميشال معوض، وإضافة بعض المستقلين ممن يعانون عوارض «حساسية البيئة»، أو بعض المنافقين من جماعة 17 تشرين. ولا يحتاج سمير جعجع إلى محاضرات ليقنع كل هؤلاء بأن هناك «خصماً مشتركاً لنا جميعاً هو حزب الله، وما علينا سوى التعاضد والتعاون لنعرف كيف نواجهه».
وفي موقع آخر، لا حاجة إلى وسيط بين الرئيس نبيه بري وحليفه الدائم وليد جنبلاط، ويمكن للرجلين تبسيط النقاش للبحث في آلية إنعاش الصيغة القائمة للحكم في لبنان، واحترام الخطوط الحمر لكل منهما. وإذا كان جنبلاط يربط موقفه المتشدّد من فرنجية بعلاقة الأخير مع الرئيس السوري بشار الأسد، فإنه يدرك أن للرئيس بري أيضاً مشكلة مع الرئيس الأسد. وبالتالي، يمكن للاثنين البحث معاً في كيفية الخروج من هذا المأزق، ولديهما خبرة هائلة في تدوير الزوايا والوصول إلى تفاهمات.

لكنّ النقاش الفعلي يعود، مرة جديدة، إلى الملعب الخاص بالحزب والتيار. وما الجروح الكبيرة التي أصابت جسد التفاهم بينهما سوى مدعاة للتيقّن من وجود حقائق تم تجاهلها سابقاً لأسباب غير مقنعة. وصار لزاماً التوجّه مباشرة صوب مشكلة «المسألة اللبنانية»، حتى لو كان مدخلها الآن هو الملف الرئاسي. وبعد أن صار لكل منهما مرشحه الواضح، فإن الاستعداد للتسويات رهن عمليات الإقناع وتبادل المصالح. وهو أمر يرتبط من جهة المقاومة بما تراه حاسماً حيال موقعها في المعادلة داخلياً وخارجياً، ويرتبط من جهة التيار، بما يساعده على كبح جماح «الميل الانعزالي» الذي عاد لينشط داخل بيئته كما لدى قسم كبير من المسيحيين، بمن فيهم الكنيسة والمؤسسات التربوية والاجتماعية والأحزاب والجمعيات غير الحكومية… وحدهم أهل التجارة في هذا الوسط يقفون في وجه التقسيم، خشية أن يؤثّر على مصالحهم، لأن احتكار الصنف انتهى إلى غير رجعة.

العلاجات الداخلية تتطلّب حوارات مباشرة بين التيار والحزب وكذلك بين بري وجنبلاط، بينما يمكن للقوات تثبيت زعامتها على خصوم المقاومة


وفي تقديم لحوار يفترض أنه مدخل لترميم الثقة الشخصية والعملانية بين الفريقين، يجب عدم توسيع جدول الأعمال، وحصر بنوده بما يخصّ الهواجس الرئيسية لكل منهما. ولا حاجة، بعد كل ما جرى، أن يشرح أحد للآخر، بأن فرصة إسقاط «النموذج القائم» غير متاحة الآن. لكنّ الوقت داهم لمواجهة عناصر مركزية في الأزمة اللبنانية، سياسياً ودستورياً واقتصادياً ومالياً وإدارياً.

وفي حال لم يكن كل طرف مستعداً مسبقاً لأن يعيد ترتيب أوراقه بصورة جيدة، ويتم التخلي عن المكابرة والإنكار وخلافهما من صفات العناد والتصلب، وهي صفات موجودة عند الطرفين، فإن النقاش لن ينتج إلا الأسوأ، وعندها من الأفضل عدم الإقدام عليه. أما في حالة التصرف وفق مبدأ «الحوار غير المشروط» بقصد تحقيق «نتائج منطقية»، فإن الأبواب لم توصد بعد، ولا تحتاج إلى من يفتحها.

من ملف : الحوار حتماً

مقالات ذات صلة

Hezbollah Warns against Miscalculations: Lebanon Needs National, Not Personal Intersections to Elect New President

 June 10, 2023

Member of Hezbollah Central Council Sheikh Nabil Qawook

Member of Hezbollah Central Council Sheikh Nabil Qawook indicated that the Lebanon needs political intersection devised for the sake of the national, not private interests.

Addressing a crowded ceremony held by Hezbollah in Byblos city on the 34th anniversary of Imam Khomeini’s death, Sheikh Qawook warned the enthusiasts against miscalculations and the losing bets.

If some Lebanese parties conduct political maneuvers, Hezbollah is serious about calling for a national dialogue to discuss the presidential elections.

In an article written by Ibrahim Al-Amin, Al-Akhbar daily asked, “What is the magic that reunited the Free Patriotic Movement (FPM) with all its opponents?”

It is worth noting that Hezbollah, Amal Movement, and allies have nominated Head of Marada Movement Sleiman Franjiyeh for presidency as Speaker Berri called for a session on 14 June to vote for a new president.

Source: Al-Manar English Website

Related Videos

كرسي بعبدا جمع الأخوة الأعداء على اسم جهاد أزعور The Baabda Chair gathered the enemy brothers in the name of Jihad Azour
What are the options of the Lebanese opposition to prevent the arrival of Suleiman Franjieh to Baabda Palace?
How can Lebanon get out of the presidential vacancy crisis?
Eye on the Neighborhood | Lebanese elections June 14 session of the House of Representatives to elect a president | Presented by Ali Mualla
How will the nomination of Jean-Yves Le Drian as a French special envoy to Lebanon affect the Lebanese elections?

Related Stories

مَن هو المجنون الذي يعمل على عزل المقاومة؟

   الجمعة 9 حزيران 2023

قضية اليوم  

ابراهيم الأمين

لا يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه كيفما كان. يمكن للبعض استعادة تاريخه، عندما يتمسّك بأفكاره نفسها، ويعتقد أنه قادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

عام 2005، عند اغتيال رفيق الحريري، هبّ كل أعداء المقاومة في لبنان والخارج لمحاصرتها وتحميلها المسؤولية، وإطلاق برنامج عزلها سياسياً وطائفياً واجتماعياً، بالتزامن مع ارتفاع مستوى الحصار الأميركي والغربي والدعاية المعادية، وصولاً إلى محاولة القضاء عليها في حرب تموز 2006.

خلال عام ونيّف، تصرّفت المقاومة بهدوء، وتعاملت مع الوقائع الجديدة بحكمة، وخاضت التواصل السياسي ثم التحالف الانتخابي لمنع الانفجار الأهلي. وعندما شعرت بأن هناك من يخطط لعزل قوة شعبية كبيرة كالتيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون، بادرت إلى مدّ اليد، وتوصّلت معه إلى تفاهم أفشل غالبية أهداف الفريق الآخر. ولم تكتف المقاومة بالورقة فقط، بل انطلقت في برنامج كان عنوانه مساعدة المسيحيين على استعادة حقوق ضاعت منهم بسبب غباء قيادات الجبهة اللبنانية من جهة، والسياسات التي اتبعها الفريق السياسي الحاكم طيلة 15 سنة.

وأول ما قامت به كان في إبلاغ الأقربين والأبعدين بأن التيار الوطني الحر جزء حقيقي من المشهد السياسي في لبنان، فخاضت معارك دخوله إلى الحكومة بقوة. وعندما وقعت أحداث السابع من أيار 2008، لم تتصرف كمن يقود انقلاباً للسيطرة على السلطة. بل ثبّتت القواعد، وعادت إلى موقعها وحجمها المنصوص عليه في قواعد التمثيل، لكنها فرضت حصانة فعلية على تمثيل التيار الوطني الحر. واختلفت مع الأقربين والأبعدين لحفظ تمثيل التيار في حقائب أساسية داخل الحكومات.

بعد اندلاع الأزمة السورية، تصرّفت المقاومة من موقع المعني بحفظ الوجود المسيحي في المنطقة، وساعدت إلى أبعد الحدود في منع عملية تهجير واسعة كان يعدّ لها الآخرون. وعندما دنت ساعة الانتخابات الرئاسية، وقفت وحدها، وواجهت الجميع داخلياً، من الحليف الأقرب نبيه بري إلى حلفاء الأمر الواقع من سعد الحريري ووليد جنبلاط، وواجهت غلوّ أعداء التيار بين المسيحيين. وعندما اجتمع كل هؤلاء، وإلى جانبهم السعودية وفرنسا والولايات المتحدة لمنع وصول العماد عون، أقفلت المقاومة الأبواب كافة، وقالت كلمة واحدة: ميشال عون أو لا أحد!

مضت السنوات، وامتنعت المقاومة، داخل أطرها وفي بيئتها، عن أي نقاش حول آلية عمل فريق الرئيس عون في الدولة، واستسلمت لرغبته في تعيينات جوهرية، من قيادة الجيش إلى رئاسة مجلس القضاء الأعلى إلى التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وصولاً إلى عشرات المواقع والوظائف. وقبلت تحمّل اللوم من كل من يريدون منها أن تكون رأس حربة في مشروع إسقاط هذا النظام. وعندما اندلع حراك 17 تشرين، لم يقف غير السيد حسن نصرالله يتحمل بصدره عبء دعوة الناس إلى الخروج من الشوارع، فيما احتشد الآخرون خلف صبية يرددون هتافات كان عنوانها وهدفها الفعلي عزل التيار الوطني الحر وإطاحته. وعندما حان موعد الانتخابات النيابية، ضغطت لإقناع جميع الحلفاء بأن العقد السياسي مع التيار غير قابل للطعن، وساعدت بقوة في حفظ حصة التيار النيابية في أكثر من دائرة ومنطقة، وتحمّلت بصدرها الأخطاء التي حرمت فريقها السياسي مقاعد كثيرة في بيروت والجنوب والبقاع وحتى الشمال.

باسيل اليوم في موقع جنبلاط عام 2008 وأزعور ارتضى أن يكون فؤاد سنيورة ثانياً


لم تقف المقاومة عند هذا الحد، بل ذهبت حيث لها نفوذ في المنطقة، فاتحة الأبواب أمام دور إضافي للتيار الوطني الحر على الساحة العربية. وألزمت نفسها عدم التواصل مع شخصيات ومجموعات وقوى مسيحية كي لا يغضب التيار. وحتى داخل الحزب نفسه، لطالما مارس السيد حسن، شخصياً، الضغوط لوقف النقاش النقدي حول التيار وسياساته.
والمقاومة تعرف وتثق بأن الوضع في لبنان ليس في خير، وأن طبيعة النظام القائم لا تسمح بأي تغيير جوهري أو إصلاح جذري، وأن قلب النظام عملية كبيرة كلفتها عالية جداً، وغير مضمونة النتائج، وهي لن تخوض مغامرة، بينما تُلقى على عاتقها المهمة الأساس المتعلقة بحفظ لبنان في وجه المطامع الإسرائيلية.

وحتى عندما مارس الغرب كل أنواع الضغوط على حلفاء الحزب، كان السيد حسن، شخصياً، يعفي هؤلاء من التزاماتهم، ويقول لهم أنتم في حل من التحالف معنا، فاحفظوا مصالحكم، واذهبوا حيث ترتاحون، ونحن نتكفل بأحوالنا…
فجأة، وعندما قرر الحزب الاستناد إلى المنطق نفسه الذي اعتمده لاتخاذ قرارات كبيرة، ووجد أن سليمان فرنجية هو الحليف الأنسب لمنصب الرئاسة، انقلبت الأمور رأساً على عقب، وانطلقت معركة قذرة، وها هي تطل برأسها، عنوانها هو نفسه الذي كان مطروحاً قبل نحو عقدين، أي عزل المقاومة، سياسياً وطائفياً واجتماعياً واقتصادياً إن أمكن، وتهيئة الأجواء المناسبة لعدوان جديد تعدّ له إسرائيل لمن يعرف أو لا يعرف!

فما الذي حصل؟

من هي هذه القوة الجبّارة التي أعادت وصل ما لا يمكن لحمه بين قوى وتيارات ومجموعات في معركة واحدة هدفها إطاحة فرنجية، ونتيجتها عزل المقاومة؟ وما هو السحر الذي أعاد جمع التيار الوطني الحر بكل خصومه الذين قاتلوه ولم يقفوا يوماً إلى جانبه، من القوات اللبنانية إلى الكتائب وجماعات السفارة الأميركية ورجال السفارة السعودية وحاضني «ثوار 17 تشرين» وبعض ممثليهم من النواب؟

وما هو السحر الذي أضاف على هؤلاء، وليد جنبلاط، ومن يعتقدون أنهم ورثة آل الحريري بين السنة؟ وما الذي جعل كل هؤلاء يقفون اليوم في جبهة واحدة يخوضون معركة واحدة، عنوانها إسقاط سليمان فرنجية، لكن هدفها هو نفسه: عزل المقاومة؟!

ما يحصل هذه الأيام لم يعد بالإمكان صرفه في سوق المناكفات اللبنانية التقليدية، بل يلامس حدود المؤامرة الفعلية التي يشارك فيها كل شياطين الأرض في لبنان وخارجه، سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً ومالياً وإعلامياً ودينياً، ولم يعد يجد هؤلاء من عدو لهم سوى المقاومة، وهم يفترضون أن بالإمكان القيام بما يقود إلى عزلها ومحاصرتها وإضعافها تمهيداً لضربها.

مجنون من لم يراجع نفسه جيداً، وانتحاري من يتوهّم نفسه في موقع تغيير المعادلات الصلبة القائمة. انها ساعة الحقيقة التي تخص الجميع، داعمين وناخبين ومرشحين. أما من يريد العودة بالتاريخ الى ما سبق، فيمكن التوضيح ببساطة أن هناك مسؤولية اساسية تقع على عاتق شخصين: الأول، جبران باسيل وهو اليوم في موقع مماثل لموقع وليد جنبلاط في 5 ايار 2008، عندما قال لاحقاً انه تحمس وأخطأ، والثاني هو جهاد ازعور، الذي تحوّل الى فؤاد سنيورة ثان، وقبل بأن يكون فتيل الانفجار!

فيديوات ذات صلة

المسائية | كفرشوبا تثبت معادلة الردع وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة  Kafr Shuba proves the equation of deterrence and the trio of army, people and resistance

مقالات ذات صلة

بلبلة في باريس: خصوم فرنجية ينشطون

الأربعاء 10 أيار 2023

ابراهيم الأمين  

(الأخبار)

خصوم المرشح سليمان فرنجية في لبنان كثر. لكنّ لديه خصوماً في الخارج أيضاً. تنوّعُ الأسباب واختلافها بين الداخل والخارج، لا يعالج أصل المشكلة التي تواجه الرجل. بمعنى أن من يريده رئيساً، يفعل ذلك من ضمن سياق يتصل بعلاقة لبنان بالإقليم، وبالإقرار الضمني بصعوبة أو استحالة التغيير في تركيبة النظام. ولأنّ معظم ردود الفعل المؤيدة أو المعارضة تنطلق من هذين الاعتبارين، فإن الانقسام حوله لا يبقى ثابتاً، بل هو عرضة لتغيير دائم.

وفق هذا المنطق، بدأت معركة ترشيح فرنجية الذي لا يدّعي امتلاكه عناصر قوة خاصة به وحده، بل يتصرف بواقعية وبكثير من الصراحة إزاء عناصر القوة الأساسية التي يستند إليها. فخارجياً، يتصرّف على أنه يمثل امتداداً لمحور يحقّق انتصارات في المنطقة، وأن هذا السند القوي يجعله أقل قلقاً. أما داخلياً، فينطلق من أنه لا يمثل انقلاباً على الصيغة الحاكمة منذ اتفاق الطائف، وأنه المسيحي الذي يقرّ بالتغييرات الكبيرة التي طرأت على لبنان في العقود الخمسة الأخيرة، ويقدّم نفسه كاستمرار لسياسات الفترة السابقة. وربما يتاح له الاستدلال بتجربة عهد الرئيس ميشال عون من زاوية أن الطموحات الكبيرة للتغيير التي حملها الأخير تشظّت على أعتاب النظام الطائفي.
بهذا المعنى، يظهر فرنجية مرشحاً قليل النشاط والتفاعل مع العناصر الداخلية المعنية. فهو، عملياً، لم يعتبر ترشيحه بداية لعملية سياسية تتطلب منه أن «يهجم» باتجاه الخصوم أو المترددين. وحتى عندما زار البطريرك الماروني بشارة الراعي، فإنه فعل ذلك لأن لبكركي رمزية يستعين بها أي مسيحي يريد شرعية من مرجعية الطائفة التي يمثل، وليس ليطلب منه مقترحات أو خريطة طريق. فقد اعتذر، مثلاً، عن عدم تلبية طلب الراعي عقد اجتماعات مع أقطاب القوى المسيحية البارزة للبحث في الملف الرئاسي، منطلقاً من أن لقاءً كهذا سيحضره ممثلون عن قوى لديها تمثيلها الشعبي الأكبر من تمثيله بحسب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. كما أنه يرفض الدخول في لعبة التصويت التي ستشطب اسمه فوراً من لائحة المرشحين. إذ يكفي أن يقول سمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميل إن الظروف لا تساعدهم على الترشح، حتى يخلصوا إلى أن على فرنجية عدم الترشح ليفتح الباب أمام تسوية تنتهي باختيار اسم آخر.

في هذه النقطة، يبدو فرنجية أكثر اتكالاً على الماكينة الحليفة له في المعركة الداخلية. فلا يجد نفسه معنياً بجولات حوارية أو عروضات أو نقاش مفصّل مع القوى الناخبة في المجلس النيابي. لا بل يعتقد بأنه لن يتمكن من نيل أصوات القوات اللبنانية وحزب الكتائب، ويترك الباب مفتوحاً علّ حليفه الأساسي، حزب الله، يتمكّن من الوصول الى اتفاق مع باسيل. وحتى في ما يتعلق ببقية النواب المسيحيين المستقلين، يرى فرنجية أن أيّ جهد يبذله لن يكون حاسماً في قرارهم، لأن هؤلاء ينتظرون إشارات من الخارج أو من مرجعيات كبيرة في الداخل. هذا كله يدفعه الى عدم القيام بحركة مطلوبة منه كمرشح، ما يمثل نقطة ضعف كبيرة في معركته، تضاف الى النقطة السلبية التي نجمت عن طريقة الإعلان عن ترشيحه، سواء من خلال المبادرة المستقلة التي قام بها الرئيس نبيه بري، أو حتى عبر التأييد الإلزامي الذي اضطرّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى إعلانه. ففرنجية، في الحالتين، تحوّل الى مرشح لفريق يقوده طرف يواجه خصوماً في لبنان والخارج.

خارجياً، يدرك رئيس المردة أن التوافق العربي – الدولي حول رئاسة الجمهورية لم يعد يقوم على «سيبة» ثلاثية كانت تضم سوريا والسعودية وأميركا بعد حدوث تغييرات كثيرة، أبرزها أن الأميركيين غير قادرين على فرض رأي على اللبنانيين، ولا على إلزام السعودية بتوجّه معين، ولا تربطهم بسوريا أي علاقات جدية. كما أن الرياض نفسها باتت تتعامل مع لبنان بطريقة مختلفة، وأن الأوان آن لكي يدرك معظم اللبنانيين حجم المتغيّر في السياسة السعودية التي يفرضها محمد بن سلمان، والتي لا تنظر الى لبنان كقيمة إضافية. وهو لم يكن ليغضب من هذا أو يراعي ذاك، لولا أن لديه مشكلة كبيرة في لبنان اسمها حزب الله الذي تتّهمه الرياض بأنه منع سقوط بشار الأسد في سوريا وساعد أنصار الله في اليمن على الصمود.

عثرات واجهت ترشيح زعيم المردة، بعضها سببه بعض الحلفاء وبعضها الآخر امتناعه هو عن المبادرة


لذلك، وجد فرنجية ضالّته في فرنسا. ورغم أنه ينتمي اجتماعياً إلى مكوّن تربطه بفرنسا، تاريخياً، علاقات قوية، إلا أنه يحرص على التفاهم الشامل مع الفرنسيين، لاتكاله على باريس كلاعب أساسي في معركة تليين مواقف خصومه. فهو، من جهة، يرى أن فرنسا حصلت بشكل أو بآخر على تفويض أميركي – أوروبي للقيام بهذه المهمة، وأن لها ثقلاً يتيح لها التفاوض مع السعودية وأطراف عربية أخرى حول الرئاسة في لبنان. ويستند في موقفه هذا الى أن لباريس مصالح تحتاج الى تسويات كبيرة في المنطقة، وهي مضطرّة إلى عقد اتفاق مع قوى في محور المقاومة وليس مع قوى في المحور الآخر. بهذا المعنى، لمس فرنجية «واقعية» فرنسية تمثلت بالقبول بعرض التسوية التي تسمح بوصوله الى الرئاسة الأولى، مقابل وصول نواف سلام (المرشح الأقرب الى الولايات المتحدة والسعودية) الى الرئاسة الثالثة.

لكن يبدو أن العثرات التي رافقت ترشيح فرنجية في بيروت، لديها ما يوازيها في الخارج أيضاً. إذ تفيد المعطيات الواردة من باريس بوجود حملة ضغط قوية ضد الخيار الذي اعتمده الرئيس إيمانويل ماكرون، ويبدو أن هناك فريقاً يأخذ على المستشار الرئاسي باتريك دوريل أنه يتصرف بعشوائية ويحاول فرض رأيه داخل خلية الإليزيه، وعلى القوى اللبنانية، وأنه كان فظاً في التحاور مع السعوديين أيضا. ويرى الفريق المعارض لدوريل أن الأخير يتسبب بمشكلات بعيدة المدى لفرنسا مع قوى لبنانية بارزة، ومع قوى ودول نافذة في المنطقة، من السعودية الى قطر وغيرهما ممن لديها حسابات مختلفة في لبنان. ويبدو أن هذا المناخ بات أكثر انتشاراً في الآونة الأخيرة، ووصل إلى مسامع ساكن الإليزية، حيث بدأت الأصوات ترتفع داعية ماكرون الى مراجعة موقفه، ونفض يده من ترشيح «حليف نصر الله وبشار الأسد»، بإبلاغ حلفاء فرنجية أن فرنسا بذلت قصارى جهدها ولم تنجح في الحصول على تأييد بقية القوى لانتخابه.

دوريل عرضة لانتقادات حول طريقة إدارته الملف، وانتفاضة لخصوم حزب الله وسوريا في الإدارة الفرنسية


لكن مشكلة خصوم فرنجية، في باريس والخارج، تكمن أساساً في عدم قدرتهم على تقديم بديل، وهذه ليست مشكلة بسيطة، بسبب فشل خصوم الرجل في الداخل في الاتفاق على مرشح يحرجون به ثنائي أمل وحزب الله. وهذا عنصر يستند إليه فريق ماكرون ليبقى متمسكا بموقفه، ساعياً الى خطف الورقة الرئاسية في لحظة إقليمية مناسبة.
لكن، هذه اللحظة تحتاج الى تبدّل حقيقي في الموقف السعودي خصوصاً، لأن «الحياد» السعودي الذي يُروّج له ليس سوى حيلة لم تنطلِ على أحد. فلا الفريق المعارض لفرنجية أصابه الفزع ليهرول إلى التسوية، ولا حلفاء فرنجية تلقّوا جرعة دعم تتيح لهم الانتقال من مرحلة جمع الأصوات الـ 65 الى مرحلة تأمين النصاب لجلسة الانتخاب.

كل ذلك يقود الى استنتاج بأن حسم الأمر ليس وشيكاً. إلا أن مشاورات ولقاءات متوقعة عشية القمة العربية في 19 أيار وبعدها قد تقلب الصورة، بما يتيح للبنان إجراء انتخابات رئاسية تفتح الباب أمام حل حقيقي… أو النزول أكثر الى قعر جهنّم!

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

فرنسا: «إيجابية سعودية» تجاه تسوية فرنجية – سلام | هل قضي الأمر؟

 الأربعاء 19 نيسان 2023

(الأخبار)

ابراهيم الأمين

قبل أسابيع قليلة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تشاورت مجموعة من القوى السياسية حول ما يمكن اعتباره المعركة الرئاسية الجديدة. كان المجتمعون يأخذون في الاعتبار جملة من العناصر والحقائق، منها طبيعة التوازن في المجلس النيابي، وطموحات القوى وبعض الشخصيات، والموقف العربي ولا سيما السعودي، إضافة إلى الموقف الخارجي، خصوصاً الأميركي. لكن كل من بحثوا في هذا الملف، كانوا على يقين بأن فرنسا، لأسباب عدة، هي الطرف الوحيد القادر على التواصل مع الجميع من دون استثناء.

وبناء على حسابات كثيرة، التقى ثنائي أمل وحزب الله على دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وتُرك للحزب فتح الموضوع مع التيار الوطني الحر، على أن يتولى الرئيس نبيه بري جبهة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلاً محسوبة على الوسط تضم نواباً كانوا في فلك الرئيس سعد الحريري. بينما كان على فرنجية أن يدرس تموضعه السياسي بما يتناسب مع طبيعة المعركة.

الكل يعرف تفاصيل ما دار خلال الشهور الماضية، وكيف تعقّدت الأمور عندما انقسمت الكتل النيابية على بعضها البعض. لكن الخيط الوحيد الذي بقي يعمل من دون انقطاع، أمسك به الفرنسيون من دون غيرهم. أكد الفرنسيون للأميركيين أن لا أحد غيرهم في العالم يمكنه محاورة حزب الله. فيما كان الأميركيون يفضلون أن تتولى باريس إقناع الحزب بالسير في ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو ما لم يعارضه الفرنسيون في المبدأ، خصوصاً بعدما لمسوا حماسة مصرية – قطرية ونصف موافقة سعودية. لكنهم كانوا أول من وصل إلى خلاصة حاسمة: لن يقبل حزب الله بغير فرنجية، وهو مستعد للتعايش مع الفراغ ليس لأكثر من عامين كما حصل قبل انتخاب العماد ميشال عون، بل لأعوام إذ تطلب الأمر.

درس الفرنسيون واقع القوى السياسية، خلصوا بعد مفاوضات مع غالبية القوى المعارضة لترشيح فرنجية، إلى أن هؤلاء يتفقون فقط على معارضة فرنجية، من دون أي جامع مشترك حول اسم المرشح البديل أو مواصفاته. وهم استفادوا من جلسات الانتخاب التي عُقدت وأظهر التصويت فيها أن ميشال معوض ليس سوى ستارة تخفي خلافات كبرى، كما لمسوا أن من يحاول بري وحزب الله جذبهم قسمان:

الأول، فريق ينتظر كلمة سر سعودية، وعلى رأسه جنبلاط وعدد غير قليل من المستقلين، مسيحيين ومسلمين. وقد صارح هؤلاء بري بأنهم لا يعارضون مبدأ ترشيح فرنجية، لكنهم لن يسيروا فيه من دون موافقة سعودية.

الثاني، هو القوى المسيحية الطامحة لتولي المنصب نفسه. اكتشف الفرنسيون أن التيار الوطني الحر، رغم خلافه الجدي مع حزب الله على ترشيح فرنجية، ليس مستعداً للسير بمرشح يستفز الحزب، في مقابل استعداد القوات اللبنانية للسير بقائد الجيش، أو مرشح آخر لا يكون لصيقاً بحزب الله. أما ما حسم الموقف الفرنسي السلبي من الواقع السياسي للقوى المسيحية، فهو حصيلة مساعي البطريرك بشارة الراعي الذي لم يتمكن من حصر عدد المرشحين التوافقيين بثلاثة، وكان موفده المطران أنطون أبو نجم، يزيد اسماً أو أكثر على لائحة الأسماء بعد كل اجتماع مع شخصية أو قوة مسيحية.

عملياً، انتقل الفرنسيون إلى الخطة البديلة. تصرفوا على أساس أن لبنان يقع ضمن صراع جبهات عدة، وأن اختلافات القوى لناحية نفوذها وإمكاناتها وقدراتها، لا يعني أن هناك توازناً فعلياً للقوى. وبادروا – ولو من غير رغبة أو ربما مرغمين – بفتح «قناة عمل» – لا قناة تواصل – مع حزب الله باعتباره القوة الأكثر تأثيراً في لبنان والإقليم، آخذين في الاعتبار أن للحزب أوراقاً كثيرة خارج الساحة اللبنانية من شأنها جر الآخرين إلى التفاوض معه على أمور في لبنان والمنطقة. وقد وجدوا الحزب شديد الواقعية، فلا هو متوهّم بأن فرنسا تريد حفظ استقلال لبنان وأنها تملك موقفاً أخلاقياً يبنى عليه في ملفات كثيرة، كما أنه يدرك حجم الخلاف الكبير جداً مع باريس ربطاً بموقفها السلبي تجاه إيران والمعادي لسوريا. مع ذلك، نجح حزب الله في إقناع الفرنسيين بأن برنامجه الخاص بلبنان يمكن فصله عن المسارات الأخرى، وساعده في ذلك اصطدام الفرنسيين طوال الوقت بـ«لا» إيرانية للتدخل في ملف يديره حزب الله في لبنان.

اتصال فرنسي «مشجع» دفع فرنجية لإطلاق خطاب الترشيح من بكركي


الانطلاقة الجديدة في الحوار بين الحزب وباريس قامت على أساس أنه لا بد من تسوية الوضع، وأن الحزب وحلفاءه غير قادرين على تحقيق نصر ناجز بإيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، ثم إكمال معركتهم على إدارة الحكومة. وقبل أن يشرح الفرنسيون وجهة نظرهم، وجدوا أن الحزب هو من يعرض المقايضة، وهو من يشرح موجبات عقد تسوية كبيرة، في لبنان والإقليم (حول لبنان)، ويقدم رؤية صريحة بأن الأزمة في لبنان لا تتصل بخلافات اللبنانيين فقط، بل أن عناصر الضغط الخارجي كبيرة جداً، وأن مدخل العلاج للأزمة الاقتصادية يتطلب تغييراً حقيقياً في مواقف الولايات المتحدة والسعودية على وجه الخصوص.

لم يحتج الفرنسيون إلى وقت لاكتشاف أن كل اللاعبين الخارجيين يسعون إلى تواصل مع الحزب، مباشرة كما يفعل القطريون والمصريون، أو بطريقة غير مباشرة كما يفعل السعوديون وحتى الأميركيون، فكان على باريس أن تنتهز الفرصة لتحصل على تفويض أميركي – سعودي (ولو بشروط) لإدارة المفاوضات حول ملف الرئاسة والحكومة معاً.

طوال هذه الفترة، جرب الفرنسيون كل الطرق للإطاحة بترشيح فرنجية، مستندين إلى أن أحداً لم يجاهر بدعمه وأنه هو نفسه لم يعلن ترشيحه، بينما تحتدم المحادثات السياسية بالمواقف الرافضة له في لبنان وخارجه. لكن الفرنسيين كانوا يستشعرون أن التطورات في الإقليم تقترب من ساحة لبنان، لذلك وجدوا – لأسباب مختلفة – أنه ينبغي أن يباشروا حواراً جاداً مع فرنجية نفسه، وهو ما ترجم في لقاءات طويلة مع السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، وفي اجتماعات واتصالات تركزت مع خلية الأزمة في الإليزيه، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لفرنجية إلى باريس، والتي التقى خلالها الرئيس إيمانويل ماكرون وقيادات أخرى، وناقش تفاصيل الملف مع المستشار باتريك دوريل. وقد جاءت دعوة فرنجية بعدما تبلغ الفرنسيون أن ثنائي أمل وحزب الله قرر المجاهرة بدعم ترشيح رئيس المردة. ورغم الجدل الذي رافق إعلان الرئيس نبيه بري موقفه الداعم لترشيح فرنجية من دون التنسيق مسبقاً معه أو مع حزب الله، يعرف الفرنسيون أن لهم حصة في خطوة بري، قبل أن تتتالى الخطوات التي حسمت بصورة نهائية أن الثنائي لا يريد العزوف عن ترشيح فرنجية.

عند هذا الحد، كان كثيرون يسألون عن سبب امتناع فرنجية عن إعلان ترشيح نفسه. وهو كان صريحاً في جوابه بأنه لم يحصل أن أعلن أحد في لبنان ترشحه للرئاسة كما يجري في بقية دول العالم. وأضاف: «لست هاوياً لأعلن عن ترشيح من دون حسابات واضحة»، و«لست مضطراً أن أعلن ترشحي إلا بعد توافر الظروف التي تؤكد أن حظوظي أكثر من جدية». وهذا ما حصل. فعندما زار باريس أخيراً، أبلغ الفرنسيين أنه سيدرس توقيت إعلان ترشحه أو شكل الترشيح بناء على ما يعودون به من أجوبة من السعودية.

في باريس، طرح الفرنسيون قائمة طويلة من الأسئلة على فرنجية، تبدأ بملف النازحين السوريين والعلاقة مع الرئيس بشار الأسد وصولاً إلى موقع حاكم مصرف لبنان، مروراً بطريقة تشكيل الحكومة واسم رئيسها المفترض والبرنامج الخاص بالإصلاحات والعلاقة مع صندوق النقد الدولي. كما سألوا عن مصير قائد الجيش العماد جوزيف عون، فرد بأنه بعد أن يكمل ولايته يصار إلى تعيين قائد جديد للجيش. لكنه لفت إلى أن غالبية القيادات المسيحية في لبنان صارت أقرب إلى قانون لا يجعل أي قائد للجيش يتصرف على أنه سينتقل حكماً من اليرزة إلى القصر الجمهوري، مؤكداً أنه ليس لديه أي موقف من العماد عون. وفوق كل ما سبق، كان لا بد من حديث عن سلاح المقاومة. لكن فرنجية يعرف أن الفرنسيين يعرفون أيضاً أن سلاح المقاومة ليس مطروحاً على طاولة البحث، وأن النقاش يتركز على أمرين:

تثبيت مبدأ أن نواف سلام هو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة الجديدة، وأن على المجلس النيابي توفير ضمانات بعدم تعطيل عمل الحكومة خصوصاً في العلاقة مع صندوق النقد الدولي والقوانين المرتبطة بالإصلاحات، وأن تؤلف الحكومة بطريقة تمنع انفجارها سريعاً، كما تمنع أي طرف من الاستفراد بتعطيلها. وقد سمع الفرنسيون من فرنجية كلاماً واضحاً وصريحاً، وهو لم يخف أي ملاحظة عنده، كما تحدث بصراحة عن أن التفاهم على اسم رئيس الحكومة لا يعني أن هناك تفاهماً مكتملاً على برامج عملها، وأن منصب حاكم مصرف لبنان يحتاج إلى مشاركة أطراف عدة في اختياره.

وتحدث فرنجية مطولاً عن علاقته بكل من سوريا والسعودية، وأبدى استغرابه لما يصل إلى مسامعه عن تحفظات سعودية عليه. وهو سمع، في المقابل، أن باريس باتت على قناعة بأن هذه المقايضة هي الحل الممكن حالياً، وأن البديل عنها هو انهيار كبير في لبنان ستكون له آثار سلبية بما يتجاوز حدوده. وهو أمر أدركت فرنسا أن الآخرين يعون مخاطره، خصوصاً الولايات المتحدة التي «أخذت على محمل الجد تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن المقاومة ستجعل إسرائيل تدفع ثمن الضغط الاقتصادي على لبنان».

بعد زيارة باريس، أبلغ فرنجية حلفاءه بأنه لا يزال عند موقفه بأن إعلان ترشحه يحتاج إلى ضمانات أكبر حيال فرصة الفوز بالرئاسة. واتفق معهم على انتظار الجولة الجديدة من الحوار السعودي – الفرنسي.

وليس بعيداً من هذه المناخات، كان الاتفاق السعودي – الإيراني يرخي بظلاله على الجميع. لمس الفرنسيون تبدلاً واضحاً في اللغة السعودية حيال ملفات كثيرة في المنطقة، وأن محمد بن سلمان يريد تنفيذ استراتيجية تصفير المشاكل من حوله، مع الفوز بنفوذ إضافي. وهو غير مهتم فقط بالعودة إلى ساحات أقصي عنها بفعل سياسات خاطئة، بل لم يعد يريد أن يترك للاعبين خليجيين النطق باسمه، خصوصاً قطر والإمارات العربية المتحدة، كذلك سمعت الكويت ومصر كلاماً سعودياً واضحاً بأنه لا يمكن العبث في ملفات المنطقة من دون العودة إلى الرياض.

وسط هذه الأجواء، انتهى الأسبوع الماضي على جولة جديدة من الاتصالات السعودية – الفرنسية، وبحسب ما وصل إلى بيروت، فإن الفرنسيين نجحوا في فتح كوة كبيرة في جدار الموقف السعودي. أبلغ الفرنسيون قوى في لبنان: «أصلاً لم نسمع يوماً من السعودية كلمة فيتو على فرنجية، ولكننا اليوم سمعنا دعوة إلى الحوار المفتوح حول تفاصيل هذه التسوية وكيفية إنجازها بما يضمن الفوز للجميع».

باريس تسأل عن المرشح لمنصب حاكم مصرف لبنان والاتفاق مع صندوق النقد ومصير قائد الجيش


عند هذا الحد، قد يكون الكلام غير مفيد عن تفاصيل كثيرة، كي لا يتم استخدامها في معرض تعطيل المسعى الذي يقترب من لحظات حاسمة. لكن فرنجية نفسه، تلقى قبل أيام اتصالات فرنسية، وضعته في أجواء إيجابية حول نتائج آخر تواصل فرنسي مع السعودية، مع دعوة من باريس له للمبادرة إلى خطوة عملانية.

في هذا السياق، كان على فرنجية أن يدرس الأمر من زاوية الشكل كما المضمون، وهو لم يجد غير بكركي مكاناً مناسباً لإعلان ما يمكن تسميته بخطاب الترشيح. وهو ناقش مع البطريرك الراعي، أمس، تفاصيل كثيرة، ووضعه في أجواء الاتصالات الجارية، وسمع منه أن الكنيسة لا تقف ضد أي مرشح، ولكنها ليست في موقع خوض معركة أحد. وما استرعى انتباه فرنجية هو ما قاله له الراعي لدى مغادرته بكركي: «أنا منيح يا بيك، بس هلأ صرت منيح أكثر»!

خرج فرنجية ليعتلي منبر بكركي، وليطلق من هناك خطاباً مدروساً لناحية ما يريد قوله، وما يريد تثبيته كوقائع. فلم يورط نفسه بأي التزام من شأنه أن يضر بالخطوات اللاحقة والحاسمة، كما لم يخف رغبته في توضيح الكثير من النقاط العالقة. وكان قد حسم أنه مستعد الآن للتحاور مع أي طرف مسيحي أو لبناني حول المرحلة المقبلة. لكنه لا يريد حديثاً بشروط مسبقة!

عملياً، دخل لبنان مرحلة جديدة، وقد لا يتأخر الوقت حتى تتضح الصورة الكاملة التي تقول إن حظوظ فرنجية تقدمت كثيراً، وإن البديل عنها، هو الفراغ!


خطاب الترشح من بكركي: أدعو المسيحيين لقراءة الحقائق لا الرغبات


استأذن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية البطريرك بشارة الراعي بأن يعقد مؤتمراً صحافياً بعد الاجتماع به أمس في بكركي. وكان فرنجية قد أعد مسبقاً لما يمكن اعتباره «خطاب الترشح» الذي أعدّه على خلفية تطورات إيجابية في الملف الرئاسي لمصلحته.

فرنجية حدد موقفه من النقاط العالقة بمواقف جاء فيها:

– أنا لم أسمع بالفيتو السعودي على اسمي إلا من الإعلام ولم أسمعه يوماً من السعودية أو من أصدقائها وحلفائها. وليست لدي أي نظرة عدائية لأي بلد صديق للبنان خاصة السعودية، ونتمنى أن تكون هناك مصالحة عربية ووفاق في المنطقة، ولا نريد إلا الخير للعرب وللسعودية. وأنا من بيت عربي، وتربينا بنفس عروبي، وكنا نجاهر بعروبتنا عندما كانت العروبة تهمة.

– عندما زرت باريس أجبت على أسئلة طرحها الفرنسيون وهم على تواصل مع السعودية، ومن البديهي أن نسير بالإصلاحات، وندعم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولدينا رؤية لكننا ندعم أي حكومة لديها برنامجها الإصلاحي.

– لن أتخلى عن واحد في المئة من صلاحيات رئاسة الجمهورية، لكنني سأمارس هذه الصلاحيات بمسؤولية وطنية وليس بكيدية شخصية.
– أعتقد أن على المسيحيين عدم قراءة الرغبات بل رؤية الحقيقة لأنه عندما تمت التسوية في التسعينيات وخرج البعض منها، كان المسيحيون وحدهم من دفع الثمن.
– سأدعو إلى طاولة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية شرط أن يأتي الجميع بروح وطنية للوصول إلى توافق يحمي لبنان ويسحب الهواجس لأنه إذا التقينا بروح التآمر لن نصل إلى مكان.
– موقفي من ملف النازحين السوريين واضح منذ البداية على عكس مواقف البعض المتقلبة، والأمور اليوم أسهل، وسيكون للمصالحة العربية – العربية كل التأثير بهذا الموضوع. العرقلة لم تكن سورية بل دولية، وسأستثمر علاقتي الجيدة بالرئيس بشار الأسد لحل هذا الموضوع.


سامي الجميل: فرنجية خيار فرنسا الوحيد

خرج رئيس حزب الكتائب سامي الجميل من اجتماعه مع مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل بشعور بالإحباط من إمكانية إحداث خرق يناسب قوى المعارضة في الملف الرئاسي. وقالت مصادر قريبة من الجميل إن دوريل «كان واضحاً وحاسماً بالقول إن الحل الوحيد الممكن الآن هو السير بالمرشح سليمان فرنجية». وفي وقت لاحق صرح الجميل أن دوريل «شرح خيار فرنسا صيغة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية مع حكومة إصلاحية يترأسها القاضي الدولي السفير السابق نواف سلام»، معتبراً أنه «الخيار الوحيد المتاح، وليس هناك حل آخر».

وقال الجميل إنه أبلغ دوريل أن الحل «ليس في الاستسلام لإرادة حزب الله، وعلينا أن نختار مرشحاً وسطياً»، وأن خيار فرنجية «ليس الخيار الوحيد ولكنه خيار حزب الله فلا يمكن أن يربح فريق على الآخر»، مضيفاً أنه «اقترح سلة أسماء على أن يتوجه النواب إلى المجلس مع أربعة أو خمسة أسماء ويتم انتخاب أحدهم وتأخذ اللعبة الديموقراطية مداها ولا يأتي موضوع الرئاسة معلباً مع شروط حزب الله».


قطر تسعى لاستقطاب السنة: لا لمرشح حزب الله


بخلاف كل ما كان يميز الجانب القطري في علاقاته مع لبنان والقوى السياسية فيه، تتصرف الدوحة من وحي الاكتئاب الذي يسودها بعد خلوها من الناس بعد «نشوة» المونديال. وبعدما كانوا يعتقدون أن إدارة حل الأزمة ستؤول إليهم، اصطدم القطريون بالاجتياح الكبير للسعودية لكل مفاصل الحل والربط في المنطقة العربية والإقليم. ورغم عودة العلاقات بين الطرفين، لم تتوقف الدوحة يوماً عن أدوار تتمايز فيها عن بقية عواصم الخليج لإظهار نفسها في موقع الند للرياض.

منذ انطلاق المعركة الرئاسية في لبنان، كانت قطر في قلب الاتصالات إلى جانب فرنسا والسعودية والولايات المتحدة، وشعرت بأن دورها قد يتعاظم بعد مشاركتها في كواليس مفاوضات تفاهم الحدود البحرية، وبعدما مدت جسور التواصل مع عدد من القوى، مع اهتمام خاص بالعلاقة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
في لحظة ما، بادر القطريون بفتح الملف الرئاسي مع باسيل، وسمعوا منه معارضته ترشيح سليمان فرنجية، وأنه أبلغ حزب الله هذا الموقف، لكنه أكد أنه ليس في وارد دعم مرشح يعارضه الحزب. فانتقل القطريون إلى الحديث عن قائد الجيش العماد جوزيف عون كأفضل الموجودين على الساحة اليوم، لكنهم فوجئوا بموقف باسيل الرافض بقوة لوصول عون إلى الرئاسة، وسمعوا منه مطالعة تتجاوز الكلام السياسي العابر، مع شروحات حول طريقته في إدارة المؤسسة العسكرية. وبعد جولات من اللقاءات، فقد القطريون الأمل في جذب باسيل إلى صفهم، خصوصاً أنه رفض فكرة أن تقدم الدوحة «ضمانات» نيابة عن عون، قال البعض إنها أرفقت بإيحاءات عن استعداد قطر لدعم التيار الوطني الحر في مجالات عدة.

فرمل موقف باسيل الاندفاعة القطرية بعض الشيء. لكن تطور الحراك الفرنسي وشعور الدوحة بأن اهتمام باريس منصبّ على موقف الرياض، دفعا القطريين إلى تحريك مسارات جديدة بمحاولة إحداث خرق في الكتلة النيابية السنية في لبنان.

وإلى جانب اتصالات بقيت بعيدة من الأضواء، تبين أن وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي الذي زار بيروت أخيراً والتقى كل القوى السياسية، لم يكن صريحاً إلا في لقاءاته مع المعارضين لترشيح فرنجية، وحرض على حزب الله الذي يريد «فرض فرنجية» وأنه «لا يمكن لكم أن تقبلوا أن يفرض الحزب رئيس مجلس النواب ثم يتدخل في تسمية رئيس الحكومة والآن يريد فرض رئيس الجمهورية»، مهدداً بـ«أننا لن نستثمر في لبنان إذا لم تسر الأمور بشكل صحيح». لكنه لم يخف في لقاءات ضيقة، بما في ذلك مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، همسه مجدداً باسم قائد الجيش.

كما دعا الوزير القطري عدداً من النواب السنة للاجتماع به في السفارة القطرية في بيروت، وكرر على مسامعهم رفض فرنجية وضرورة التوصل إلى خيار آخر. ووجه الدعوة إلى عدد من هؤلاء لزيارة الدوحة لاستكمال البحث في الملف. وفهم أن القطريين ربما يظهرون رغبة في عرض لائحة أسماء جديدة وأنهم لن يظلوا متمسكين بترشيح قائد الجيش إذا شعروا بإمكانية حصول تفاهم بين معارضي فرنجية على مرشح آخر.

وقال مصدر مواكب للاتصالات إن القطريين لا يريدون المساعدة في وصول فرنجية، وهم لا يرونه حليفاً قوياً لحزب الله فقط، بل حليفاً قوياً وصديقاً مدافعاً عن خصمهم الأبرز في المنطقة الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أوحى القطريون بأن وصول فرنجية إنما هو عودة سوريا إلى لبنان من بوابة الرئاسة هذه المرة، وكرروا أمام من اجتمعوا بهم أنهم سيعارضون بقوة عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية، وسيرفضون التطبيع مع الأسد.

مقالات ذات صلة

سوريا في قلب المشهد العربي… بشروطها!

الخميس 13 نيسان 2023

يأتي الانتقال العربي عموماً من حالة القطيعة مع سوريا إلى الانفتاح التدريجي (أ ف ب)

ابراهيم الأمين  

منتصف العام 2011، وصل موفد لزعيم عربي بارز إلى دمشق حاملاً رسالة إلى الرئيس بشار الأسد. كان فحواها يتركز على الوضع الداخلي إثر اندلاع موجة الاحتجاجات وانتقال المعارضين إلى حمل السلاح في وجه الدولة السورية. وطالبت الرسالة الأسد بإحداث تغيير سياسي في الحكم مقابل منع تمدد الموجات الاحتجاجية ووقف الدعم الخارجي لها. قرأ الأسد الرسالة، وأعادها إلى الموفد وقال له: سلم على من أرسلك، ولا جواب!

لم يكن الأسد في ذلك الوقت يتوقع أن يكون التآمر على سوريا بهذا الحجم، وعلى مدى ست سنوات، كانت المواجهة قاسية جداً، وجاء الدعم للأسد من حلفائه في لبنان والعراق وإيران، ما منع سقوط الدولة السورية، قبل أن يأتي الدعم الروسي ليفتح الباب أمام استعادة المناطق التي سيطر عليها المسلحون. وخلال تلك الفترة، كانت المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة، عبارة عن مضيعة للوقت، ولم تفد بشيء على الإطلاق، بل ربما كان لها دورها في تسعير الحرب في سوريا. مضت السنوات، وتصرف الجميع على أن مشروع إسقاط الدولة السورية ونظامها هو الذي سقط. والحصار الذي تعزز بعدما توقف إطلاق النار في مناطق واسعة من سوريا، ترافق مع تعزيز الاحتلال الأجنبي المباشر عقب فشل الوكلاء المحليين في إدارة الأمور. وهذا ما جعل الاحتلال الأميركي يثبت قواعد ويعزز واقع المجموعات الكردية الانفصالية، فيما اجتاح الأتراك مناطق الشمال الغربي من سوريا.

خلال السنوات القليلة الماضية، انطلقت موجة من الاتصالات بين عواصم عربية وإقليمية وغربية مع سوريا، مباشرة أو من خلال وسطاء، وتفعلت هذه الاتصالات بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا. وهو أمر يؤكده مرجع كبير في دمشق بقوله: «يتواصلون معنا سراً، لكنهم يخافون الغضب الأميركي، نحن لا نحمّل أحداً أكثر مما يحتمل، لكن أحداً لا يمكن أن يفرض علينا شروطاً. ما واجهناه خلال عقد كامل، لا يقدر كل هؤلاء على تحمله، وقد صمدنا، ودورنا العربي نحن من صنعناه».
وسبق للرئيس السوري بشار الأسد أن صارح قادة عرباً وموفدين ووسطاء، في الفترة الأخيرة، بأن «سوريا لا تخوض معركة العودة إلى الجامعة العربية. وسوريا لا ترفض دعوتها إلى أي قمة أو اجتماع عربي، لكنها غير مستعدة لمقايضة هذا الأمر بأي شيء يمس ثوابتها». ونقل عن الرئيس السوري قوله «إن دمشق هي من يملك حق أن يسامح دولاً وجماعات كانت طرفاً كبيراً في الحرب وشريكة في سفك الدماء العربية. وسيكون من الخطأ أن يفكر أحد بأن سوريا مستعدة للحديث مع أي دولة حول وضعها الداخلي، وهي لا تقبل بأي وساطة بينها وبين أي سوري يريد العودة إلى بلده وفق شروطه. لا مجال لأي تفاوض حول المسألة السورية الداخلية».
خلال الشهرين الماضيين، دارت محركات الوسطاء بقوة كبيرة. حاولت دولة الإمارات العربية لعب دور خاص. لكنها كانت محكومة بالسقف الأميركي من جهة والسقف السعودي من جهة أخرى، بينما تولت سلطنة عمان التوسط بين دمشق ودول كبيرة، منها السعودية وحتى الولايات المتحدة. فيما كانت روسيا وإيران تديران وساطة مع تركيا. حتى العواصم العربية الفاعلة تحركت ولو من دون خطوات كبيرة. مثل مصر التي تريد تنسيق خطواتها مع السعودية، أو الجزائر التي لا تملك النفوذ الذي كان لها في وقت سابق.

وكشف مطلعون على جانب من هذه الاتصالات أن مسقط استضافت لقاءات هامة بين مسؤولين من سوريا ومن السعودية ومن الأميركيين أيضاً. وأن الاتصالات السعودية – السورية سرعان ما انتقلت إلى حيز التحاور المباشر الذي تمثل في لقاءات عقدت على مستوى أمني في الرياض، ومهدت لرفع مستوى التواصل إلى الحيز السياسي الذي سيترجم في زيارة وزير الخارجية السورية فيصل المقداد إلى جدة. فيما جرى الحديث عن زيارات أمنية سرية قام بها موفدون من دول خارجية إلى سوريا عبر لبنان، وتناولت المحادثات فيها مسائل كثيرة.

وبحسب المطلعين أنفسهم، فإن هذه الأطراف تعي أن رحلة عزل سوريا انتهت إلى فشل كبير. وبات هؤلاء في موقع من يريد تدفيع سوريا ثمناً لعودة التواصل، وكان هؤلاء يعتقدون بأن سوريا مستعجلة لأمرين: الأول، استئناف العلاقة الرسمية مع تركيا، والثاني عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. وقد صدم الأتراك بموقف الأسد الذي أبلغه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه لا يمانع الاجتماع مع الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن على تركيا القيام بخطوات قبل ذلك، تشمل إعلان جدول زمني لسحب قواتها من سوريا، والمبادرة إلى خطوات على الأرض تعكس هذه الجدية. وهو الأمر الذي لا يزال يؤخر المحادثات المباشرة بين سوريا وتركيا من أو مع مشاركة وسطاء. أما مع العرب، فإن الأسد قال لكل من التقاهم من المسؤولين العرب، بأنه ليس مستعجلاً للعودة إلى الجامعة العربية، وهو أصلاً لا يثق بقدرتها على القيام بشيء. لكنه مستعد لتنظيم العلاقات الثنائية مع الدول العربية من دون أي شرط.
صحيح أن القطريين يطلقون مواقف حادة ضد عودة سوريا. لكن ما لا يقال في العلن، أكده مرجع كبير لـ«الأخبار»، وهو أن القطريين توسطوا لدى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للبحث في تنظيم العلاقة مع القيادة السورية من جديد. إلا أن الأسد لم يكن متحمساً لهذا الأمر.

توسط القطريون لدى حزب الله لإعادة الاتصال بالأسد وقاد العمانيون اتصالات مع دول عربية وغربية أيضاً


أما السعودية فقد حاولت مقايضة سوريا في ملفات كثيرة تتعلق بالواقع العربي والعلاقات مع دول الإقليم. فبحث السعوديون كما سبق لآخرين أن فعلوا، أن يعرضوا على الأسد التخلي عن تحالفه مع إيران وقوى محور المقاومة مقابل انفتاح سياسي واقتصادي كبير على سوريا، إضافة إلى إثارة عناوين تتعلق بالإصلاحات السياسية الداخلية في سوريا، وصولاً إلى محاولة انتزاع مواقف سورية مطابقة لموقف الجامعة العربية من الحرب القائمة في اليمن، بما في ذلك محاولة إقناع الأسد بطرد السفير اليمني الحالي في دمشق وتسليم السفارة إلى ممثلي حكومة عدن التابعة لتحالف العدوان العربي – الأميركي على اليمن. لكن الأسد رفض هذا الأمر أيضاً. وحتى في ملف فلسطين، فقد راهن البعض على أن موقف الأسد السلبي من حركة الإخوان المسلمين ومن حركة حماس قد يساعدهم على موقف من المقاومة في فلسطين، لكن الأسد الذي لم يكن سهلاً عليه إعادة العلاقة مع حماس، كان قد حسم الأمر من خلال القول بأن موقفه من الحركة أو أي فصيل فلسطيني آخر، يرتبط بموقع هذا الفصيل في محور المقاومة ضد الاحتلال، ولذلك لم يأخذ ملف استئناف العلاقة مع حماس وقتاً طويلاً، بينما بقي موقفه من القضايا الأخرى على حاله.

ما حصل أخيراً، هو أن السعودية التي أدارت استراتيجية جديدة تستهدف «صفر مشاكل»، سارعت إلى عقد اتفاق مع إيران، يتيح لها الإسراع في وقف الحرب على اليمن، ويسهل على الرياض استئناف العلاقات مع سوريا بصورة مباشرة وعلى مستويات عالية، وصولاً إلى التوافق السعودي – المصري على ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما يريد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحقيقه، بعد أن يحصل على غطاء ولو شكلي من الدول الحليفة له في مجلس التعاون الخليجي، ودول أخرى مثل مصر والأردن والعراق، حيث لا يزال موقف قطر هو الوحيد الرافض بينما يجري الحديث عن تردد كويتي يمكن لبن سلمان معالجته.

غداً، سنسمع الكثير من التحليلات والتقديرات والمقاربات حول أبعاد الخطوة، وستنطلق ماكينة خصوم سوريا في لعبة إعلامية مكررة ومملة تتحدث عن التنازلات والمقايضات، لكن يكفي متابعة الوقائع على الأرض، ومسار الأمور في سوريا ومن حولها، حتى يدرك الجميع، أن ما يجري إنما هو محاولة عربية للعودة إلى سوريا وليس العكس.

من ملف : العرب إلى سوريا بشروطها

مقالات ذات صلة

محور المقاومة متوثباً: فلسطين لم تعد وحيدة!

  الجمعة 7 نيسان 2023

(أ ف ب )

ابراهيم الأمين

لندع لغيرنا أن يلبس القفازات في مقاربته لما يجري. ولسنا أصلاً في وارد التماثل مع إعلام العدو الذي صار، عقداً بعد عقد، أكثر ارتباطاً بالمؤسسة الحاكمة، وأكثر خضوعاً للرقابة العسكرية التي لم تعد تكتفي بمنع ما تعتبره تهديداً أمنياً، بل صارت تتصرف وفق منطق الرقيب الذي نعرفه نحن العرب جيداً. علماً أن العدو لم يجد بعد علاجاً لمعضلة النشر العشوائي على مواقع التواصل الاجتماعي، فتراه يتكل على «وطنية» الشعب الذي لا يورط بلاده في أزمة، في انتظار أن يصدر تشريع يجرم من يقول ما لا يجب قوله.

ما حصل أمس لم يكن مفاجئاً لكل من هو عارف أو منخرط في الصراع المفتوح بين محور المقاومة والعدو. فكرة القيام بعمليات ضد العدو انطلاقاً من لبنان، ليست مرتبطة بجدول أعمال من يعيشون على هامش الأحداث الجوهرية في المنطقة والعالم. وإسرائيل أكثر من يعرف الأمر ويعي خطورته. شكل القصف الذي استهدف نهاراً وليلاً مستوطنات العدو في الجليل الغربي أو في إصبع الجليل، ربما لم يكن في حسابات كثيرين، ومن بينهم جهات في كيان الاحتلال. لكن التوقيت كان متوقعاً في ظل لعبة الاختبار التي يقوم بها العدو من خلال عمليات الاستفزاز في القدس المحتلة. وأكثر ما يجعل بعض أركان العدو، وعواصم أجنبية ودولاً عربية، وقوى كثيرة في لبنان، لا يضعون في حساباتهم احتمال انخراط الساحة اللبنانية في الصراع، هم الذين لا يزالون يحسبون الأمور وفق مقاس ما يعرف بالضغط الداخلي على حزب الله نتيجة الأزمات القائمة في لبنان. حتى أن بعض أصحاب هذه النظرية، اعتبروا أن الاتفاق السعودي – الإيراني سيكون له تأثيره لجهة تجميد الجبهة اللبنانية، كما كان هناك من اعتبر أو قرأ تفاهم الترسيم البحري على أنه بوابة الهدوء المفتوح على الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال.

ببساطة شديدة، ما قام عشية معركة سيف القدس وبعدها، أنهى مرحلة من التنسيق الموضعي بين القوى المنخرطة في مقاومة الاحتلال. وانطلق بعدها قطار كبير يصل عواصم بمدن ومحاور تغطي العالم العربي كله، وهو قطار مفتوح لمن هو قادر على تحمل المسؤولية وكلفة الانخراط في معركة كبيرة ستقود حتماً إلى المواجهة المنتظرة التي يراهن أهل الأرض على أنها ستنهي كيان الاحتلال تماماً.

قبل أربعة عقود، قال كثيرون، من قصيري النظر والممتنعين عن تحمل المسؤولية والمتخاذلين والمنخرطين في مشروع العدو، إن العصر الإسرائيلي ثبت نفسه بعد غزو بيروت عام 1982. بعدها بعقد، اعتبر هؤلاء أنفسهم، بعد التسوية مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية واتفاق أوسلو المشؤوم، أن لا جدوى من مقاومة الاحتلال. ورفضوا الإقرار بالنتائج التي تدحرجت من تحرير العام 1985 إلى انتفاضة العام 1987 وصولاً إلى صمود المقاومة في لبنان وفلسطين وانتصاراتها بين العامين 1992 و1997، وصولاً إلى تحرير العام 2000 في لبنان، والعام 2005 في غزة، وصمود العام 2006. مع ذلك، فإن الجميع بات يعرف أن المقاومة ليست فقط ذات جدوى فحسب، بل هي قادرة على حماية منجزاتها، وتتقدم خطوات كبيرة صوب الهدف الأكبر. وبالتالي، على من يعتقد أن الحديث عن التحرير الكامل لفلسطين ضرب من الجنون، أن يهدأ قليلاً ويعيد النظر في كل ما جرى خلال أربعة عقود، ليعرف أن الحلم ليس مستحيلاً.

ولأن الحلم ليس مستحيلاً، يجب توفير عناصر النجاح والقوة الكافية له، وهذا ما استوجب المساعي الهائلة التي حصلت في الأعوام الأخيرة نحو توحيد السياسات الاستراتيجية، السياسية والأمنية، في مواجهة العدو. وهو ما فتح الباب أمام ورشة ضخمة تعمل من دون توقف لترسيخ قواعد هذا التحالف. والأمر يرتبط أيضاً بالتجارب المباشرة، وهو ما يحصل من خلال المواجهات المفتوحة عسكرياً وأمنياً مع العدو في أكثر من ساحة.

وعليه، فإن فكرة توحيد الساحات والجبهات لم تعد شعاراً يعمل لتثبيت قواعده بصورة عملانية، بل صار إمكانية متاحة، والعدو هو أكثر جهة على وجه الكرة الأرضية تعرف حقيقة ما يجري. وكل نشاطه الأمني والاستخباراتي والتعاون السياسي القائم بينه وبين دول عربية وغربية، وكل أنشطته العدوانية، تعكس فهمه الدقيق لهذه الحقيقة.
لكن، ثمة خطوات يقوم بها العدو تبدو خارج الحسابات المنطقية. والمقصود، هنا، ليس انتقاصاً من مهنية مؤسساته السياسية أو العسكرية أو الأمنية، لكنه يشعر أنه بات محشوراً في زاوية لا يمكنه التعامل معها بصمت أو بتقييد نفسه، ولذلك يصبح مضطراً لاجتراح حلول لأزمته، وغالباً ما يلجأ إلى القوة التي تمثل عنصراً مركزياً في بنائه العام، ويندفع إلى اعتداءات تفرض معادلات جديدة.

توحيد الساحات والجبهات لم يعد شعاراً يعمل لتثبيت قواعده بل صار إمكانية متاحة والعدو أكثر من يعرف حقيقة ما يجري


الحاصل منذ عامين حتى الآن، أن العدو يحاول كسر الحلقة التي تجمع قوى وعواصم محور المقاومة. لكنه يعرف أن الحسابات باتت تقيده في كثير من الساحات. وفي معركة «وحدة الساحات» التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي، كان العدو حريصاً على عدم القيام بأي عمل من شأنه جر حركة حماس إلى المواجهة. وكما فعل في «سيف القدس»، بأن تجنب أي خطوة غير محسوبة في الجبهة الشمالية لعدم فتح الباب أمام حزب الله للقيام بعمل كبير مساند للمقاومة في فلسطين، فهو يلجأ إلى خيارات العمل الأمني في ساحات مثل لبنان وإيران، لكنه يتكل على «عقدة قائمة» على الجبهة السورية، ما يتيح له توجيه ضربات تلو أخرى، لا تعطل برنامج محور المقاومة، وإن كانت تتسبب بإزعاج، وتتحول عنصر ضغط على القيادة السورية. ومع ذلك، لم يحقق العدو الأهداف التي يريدها.

عملياً، نحن أمام مستوى جديد من تشابك أذرع قوى المقاومة في المنطقة. ما حصل أمس، هو إشارة عملانية إلى أن الجبهة الشمالية، بقضها وقضيضها، مستعدة لخوض المعركة بكل ما تتطلبه إذا تجاوز العدو حدوداً معينة، سواء في القدس أو أمكنة أخرى. وهو لمس، طوال الساعات الماضية، أن الاستعداد لم يعد هذه المرة يقصر على ساحة. وهو أبدى خشيته، للمرة الأولى، من أن يشارك اليمن في الحرب، وأن يعمد أنصار الله إلى توجيه ضربات ذات طابع استراتيجي إذا تطلب الأمر، كما يعرف أن قادة حماس والجهاد الإسلامي في بيروت الآن، وسمع إسماعيل هنية وزياد النخالة يتحدثان عن جاهزية مقاتلي الحركتين في كل أماكن تواجدهم، وليس في الساحة الفلسطينية فحسب، كما يدرك أن حزب الله لن يقبل أي تهديد، وسمع ما قاله رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين من أن القدس ليست وحيدة في المعركة. وحتى الرسالة التي وصلت بطريقة ملتبسة حول احتمال لجوء العدو إلى اغتيال قياديين من حماس في لبنان، بعد تحميل الحركة المسؤولية عن القصف الصاروخي، فإن الجواب عليها كان باستعادة كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي سبق أن حذر من أن المساس بأي مقاوم على الأراضي اللبنانية، بمعزل عن جنسيته، ستعده المقاومة عدواناً مباشراً عليها، وسترد عليه بقسوة وبسرعة، وحتى إن قرر العدو توجيه ضربات موضعية ضد لبنان، فهو يعرف أن الموضعي هنا، يعني اللاشيء، أما إذا تعرض أمن سكان جنوب لبنان لأي نوع من الخطر، فسيكون هناك رد من جانب المقاومة…

منذ أسابيع، تلقى العدو كل ما يلزم من إشارات إلى أن الجبهة المواجهة له متأهبة لخوض أعنف المعارك، وعلى أكثر من ساحة، وبأكثر من مستوى، وما على العدو إلا النظر إلى أوضاعه الداخلية، وإلى حالة الانتفاضة القائمة أو الكامنة في فلسطين التاريخية، وفي جوارها الساخن، وبيده القرار: إما يستسلم للوقائع الجديدة، أو يسير إلى حتفه بقدميه!

من ملف : محور المقاومة يتحرّك: القدس ليست وحدها

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

نصرالله رد علناً وسراً على تهديدات العدو ضد المقاومة وقادتها

الجمعة 24 آذار 2023

(أ ف ب )

ابراهيم الأمين  

«يروح يبلّط البحر»، عبارة يستخدمها من لا يهتمّ لرد فعل خصم أو عدو. لكن استخدامها له وقعه، بحسب القائل وبحسب الواقعة. وعندما يقول الأمين العام لحزب الله هذه العبارة، في معرض ردّه على تهديدات وزير حرب العدو، فإن لها وقعاً مختلفاً. إذ إن الجميع يعرف من هي إسرائيل، والجميع بات يدرك من هي المقاومة في لبنان. أما السؤال المركزي فهو المتعلق بالتوقيت.

منذ عملية مجدو الأخيرة، يبدو العدو متلعثماً في حديثه عن الجهة المسؤولة. صحيح أن التسريبات الأمنية إلى الإعلام الإسرائيلي تتحدث صراحة عن علاقة لحزب الله بالأمر، لكن اكتفى الجيش والمؤسسة الأمنية والحكومة، حتى الآن، بالبيان الغامض الذي صدر بعد يومين على العملية. بعدها، فإن كل كلام منسوب إلى مسؤول إسرائيلي أو مؤسسة معنية، يستخدم «إذا» الشرطية في معرض مقاربة الحادثة الأكثر خطورة كما يقول العدو. وهذه الـ «إذا» ليست مناورة كلامية، بل تعبير عن أزمة يعيشها صانع القرار في كيان الاحتلال.

ليس في المنطقة من يعتقد بأن العدو في حال من الضعف تمنعه من الردّ على أي هجوم أو شن الهجمات ابتداء. لكن، ليس في المنطقة أيضاً من يمكنه الجزم بأن أي اعتداء إسرائيلي يمكن أن يمر من دون ردّ، خصوصاً من جانب لبنان. لذلك، كانت العبارة التي أضافها السيد حسن نصرالله، في معرض رده على وزير حرب العدو، عندما قال: «إذا نفذتم أي عمل عسكري أو أمني ضد لبنان أو ضد أي لبناني أو فلسطيني أو من أي جنسية ومقيم في لبنان، فإن المقاومة سترد وسريعاً».

عملياً، منذ عملية مجدو، يتصرف العدو وكأنه أمام حدث غير مسبوق. ولا يتعلق ذلك فقط بكون العملية مختلفة، وبأن العبوة التي استُخدمت فيها لم يعتد العدو على حيازة المقاومين داخل فلسطين المحتلة لها. بل تكمن الحكاية، بالنسبة إلى العدو، في أن من قرر القيام بهذه العملية، نفّذها في سياق غير اعتيادي. وهذا ما يدفع العدو ليس إلى البحث عن كل ما يمكن جمعه من تفاصيل حول العملية فحسب، بل إلى جمع معطيات وتقديرات حول السياق الجديد. والأسئلة التي يطرحها عديدة: هل يقف حزب الله فعلاً خلف العملية؟ هل الحزب هو من قرّر وخطّط وجنّد المقاوم ومن درّبه وحدد الهدف له وتابع الأمر حتى نهايته؟ وهل قرّر الحزب القيام بهذا العمل لإظهار دعم عملياتي أكبر لحلفائه الفلسطينيين، أو أنه يَرِدُ إطار ما هدّد به نصرالله رداً على ضغوط يتعرض لها لبنان؟

الهدف من الإجابة عن هذه الأسئلة الوصول إلى إجابات مبكرة لأسئلة افتراضية أشد تعقيداً: ماذا لو أن حزب الله قرر تسخين الجبهة ويحاول جرّ إسرائيل إلى حرب؟ أو ماذا لو كان الحزب يعرف أن إسرائيل ليست في وضع يمكنها من شن حرب، وقرر بناء على ذلك رفع مستوى المواجهة معها؟ وهل قرار حزب الله، في حال ثبت، جزء من قرار أوسع يشمل جبهات أخرى وقوى أخرى في محور المقاومة؟

كذلك، هناك نوع ثالث من الأسئلة ذات البعد الأمني والعملياتي: إذا كان حزب الله مسؤولاً عن العملية فما الذي يريد إخبارنا به؟ هل يعني أن كل الإجراءات التي نقوم بها على الحدود لا نفع لها؟ أم أنه يريدنا أن نعرف بأنه جاهز للعبور متى قرر وكيفما أراد؟ وهل سبق أن جنّد الحزب خلايا داخل فلسطين المحتلة تساعده على العمل دعماً أو تنفيذاً؟ وماذا لو كان هناك أكثر من متسلل وأكثر من عبوة وأكثر من هدف؟ وهل صحيح أن العملية فشلت في اصطياد باص كبير أم كان القرار منذ البداية بأن يكون الهدف بهذا الحجم فقط؟

العدو الذي يحاول جرّ المقاومة في لبنان إلى تعليقات أو توضيحات أو تفسيرات تساعده على فهم الأمر تماماً، لم يكتف بما أعلنه مباشرة أو عبر الإعلام. بل عمد إلى استخدام قنوات ديبلوماسية لإيصال رسائل إلى المقاومة في بيروت. وهو بعث بتهديدات من جهة، وعرض لما يعتبره وقائع حول خلايا لحزب الله أو مسؤولين معنيين، أوحى بأنه سيتم التعامل معهم إن لم يتوقّف نشاطهم.

وإلى الرد الذي أطلقه حزب الله على لسان السيد نصرالله قبل يومين، عاد حاملو رسائل العدو إلى تل أبيب بأجوبة أكثر وضوحاً: «نحن لا نخجل من وقوفنا إلى جانب المقاومة في فلسطين، ولن نتوقف عن دعمها. وإذا فكر العدو بالتحرك ضد أي هدف مدني أو عسكري أو أمني أو ضد أي منشأة، عسكرياً أو من خلال عمل أمني خاص، فعليه توقع الرد سريعاً وقاسياً!

بالنسبة للعدو الأجوبة العلنية أو عبر القنوات الخاصة تمثل تحدياً جديداً


بالنسبة للعدو، الأجوبة العلنية أو عبر القنوات الخاصة تمثل تحدياً جديداً. وهي اليوم العنوان الأول على طاولة المسؤولين العسكريين والأمنيين في كيان الاحتلال، إضافة إلى المتابعة الخاصة من قبل المستوى السياسي. وإذا كان الحدث الداخلي في كيان الاحتلال، وتزعزع علاقات حكومة بينامين نتنياهو الخارجية يفرضان جدولاً خاصاً على وسائل إعلام العدو، إلا أن الجهات المختصة تتصرف على أنها معنية بتوفير جواب عملاني على سؤال سياسي يصدر من حكومة العدو: هل يجب علينا الرد على حزب الله، وإذا كان الأمر كذلك فأين ومتى وكيف؟

في هذه الأثناء، يمكن رصد تعليقات ومواقف وتسريبات تصب في خدمة التقدير بأن العدو مضطر لتوخّي الحذر الشديد في أي خطوة ينوي القيام بها. وإلى جانب التهديدات التي نسمعها، نسمع أيضاً تسريبات يومية عن تحركات يقول العدو إن المقاومة تقوم بها على طول الحدود الجنوبية، وإن حزب الله ينشر آلاف المقاتلين، ويستقدم مئات المقاتلين الفلسطينيين إلى المناطق الحدودية، وهو يقود ما يسميه العدو الاستفزازات اليومية التي تحصل مع القوى العسكرية والهندسية التي تعمل على السياح التقني… وصولاً إلى السؤال عما فعله الحزب بعد انفجار اللغم بجرافة إسرائيلية على الحدود، كالحديث عن عدم تمكن العدو من جمع أشلاء الجنود المصابين، ونقل أحد الجنود إلى المستشفى بفردة حذاء واحدة؟

أما عن تأثير الأزمة السياسية، فإن النقاش لا يبدو محسوماً حيال ما يمكن لنتنياهو القيام به. فهو، من جهة، لا يريد للأزمة أن تتفاقم، ومكتبه يجمع له التعليقات والبيانات والتحذيرات من انعكاس الأزمة على قوة الجيش وقوة الردع، لكنه لا يظهر حالة تردد أو ذعر كما يتصور كثيرون. وهذا لا يعني أنه سيذهب حتماً إلى مغامرة، لكن الأكيد أنه يتصرف على قاعدة أنه في حالة سقوط حكومته هذه، فقد يكون خسر كل مستقبله السياسي.

ثمة عبارة قالها رئيس أركان جيش العدو السابق، غادي أيزنكوت، وفيها: «حدث الشمال تحول استراتيجي، وقد انكسر الردع الذي قام خلال 17 عاماً. نحن نواجه أخطر الأحداث منذ حرب لبنان الثانية، 2006. وعدم الرد هو رسالة ضعف»!.

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اتفاق السعودية وايران ينظّم المنافسة المستمرة: ملف لبنان رهن تغيّر مقاربة الرياض

ملف الرئاسة رهن تغيّر سعودي لا إيراني

الإثنين 13 آذار 2023

 ابراهيم الأمين

فوجئ كثيرون، في المنطقة والعالم، بالبيان الختامي للمحادثات السعودية – الإيرانية برعاية صينية. البعض لم يكن على علم بأصل التفاوض الجاري منذ مدة غير قصيرة، وفوجئ باتفاق سيُعمل على تنفيذه خلال أسابيع. فيما يتصرف آخرون بشيء من الخشية من أن يحمل الاتفاق مفاجآت ليست في الحسبان، ومتناقضة مع السياسات التي كانت تعتمدها السعودية خصوصاً.

أهمية الاتفاق بين البلدين أنهما يمثلان مركز الصراع على ملفات المنطقة، وأن الطابع التنافسي طغى دائماً على علاقاتهما حتى عندما كانت في أفضل أحوالها. وهو امر تعزز بعد سقوط نظام صدام حسين، وتغييرات المشهد اللبناني بعد اغتيال رفيق الحريري، والتطورات التي عصفت بكثير من الدول بعد 2011. وقد تواجه الطرفان بشراسة في ساحات عدة، من العراق إلى سوريا والبحرين واليمن وصولاً إلى لبنان وفلسطين، وزاد الوضع تعقيداً بينهما إثر تولي محمد بن سلمان السلطة الفعلية في السعودية.

من الأفضل العودة إلى أهداف كل طرف كي تكون مراقبة الاتفاق أكثر واقعية، وحتى لا يذهب أحد بعيداً في التحليلات أو التمنيات، خصوصاً أن مسائل كثيرة عالقة في المنطقة يعتقد كثيرون أن حلها رهن اتفاق البلدين. وهذا تقدير خاطئ، ليس لعدم رغبة الطرفين في المساعدة على فضّ النزاعات، بل لكون الأطراف الأخرى، الإقليمية والدولية، تملك من القوة والنفوذ ما يمكّنها من عرقلة التفاهم، وتفجير ساحات كثيرة، وصولاً إلى تفجير الاتفاق نفسه.

منذ تولي آل سلمان الحكم في السعودية وإمساكهم بمفاصل القرار فيها، تصرّفت الرياض كطرف قادر على المبادرة إلى خطوات كبيرة تعزز نفوذها في المنطقة. وهي قبل أن تشن حربها المدمرة ضد اليمن، شاركت بفعالية في تعزيز الاختلال الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق، وفعلت الأمر نفسه في سوريا عندما انخرطت في معركة إطاحة النظام، كما لعبت دوراً كبيراً في الانقلاب الذي قاده الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. وكذلك الحال في فلسطين. فإلى البرودة التي سادت علاقتها بالأردن والسلطة الفلسطينية، قادت السعودية معركة قاسية ضد ابرز قوتين في المقاومة، معتبرة ان حماس تمثل امتداداً لحركة الإخوان المسلمين، وتصرفت مع الثانية على أنها ذراع إيرانية. وفي البيت الخليجي، قبضت الرياض على مركز القرار في البحرين مانعة أي مصالحة وطنية، وعاقبت قطر وحاصرتها، وكبّلت حكام الإمارات والكويت، وحاولت مراراً فرض ضغوط على سلطنة عمان. وتمثّلت ذروة هذه السياسة في حرب وحشية وعبثية ضد الشعب اليمني، قامت على حسابات خاطئة من كل النواحي، وأدركت السعودية بنتيجتها أن الولايات المتحدة والغرب الأوروبي لن يتوليا هذه المهمة عنها.



مطالب وهواجس سعودية


بعد كل ما حصل، تريد السعودية تحقيق الآتي:

أولاً، توازن فعلي مع الدور الإيراني في العالم العربي، وتوازن أكثر فعالية على صعيد إدارة ملف التدفق النفطي عبر الممرات البحرية.

ثانياً، الخروج بمكاسب من حرب اليمن، من خلال اعتبار إيران طرفاً يمكنه المساعدة على تحقيق تسوية تجعل السعودية طرفاً رابحاً أمام الحوثيين وبقية الأطراف اليمنية.

ثالثاً، تفاهم يعطي الرياض حق الفيتو في العراق، من خلال تفاهم مع السلطات العراقية، وليس عبر نفوذ المملكة على بعض القوى والشخصيات العراقية.

رابعاً، عقد مصالحة مع الدولة السورية، مع محاولة لجعل دمشق أقرب إلى السعودية، سواء في ملف اليمن، أوفي الموقف من حركات الإخوان المسلمين وقوى المقاومة، باعتبار أن ذلك سيؤدي حكماً إلى إضعاف نفوذ إيران في سوريا، وتالياً في لبنان وفلسطين.

خامساً، التوقف عن لعب دور الثري الذي تُفرض عليه خوات في لبنان وفلسطين ومناطق أخرى. السعوديون مستعدون لإنفاق الكثير، لكنهم يريدون مقابلاً واضحاً، وهم أعطوا من يسعى إلى التحالف معهم درساً من خلال طريقة تعاملهم مع ابنهم «المدلل» سعد الحريري.

سادساً، تريد السعودية أن تثبت للغرب، وللإدارة الأميركية الحالية خصوصاً، أنها لم تعد البلد الذي لا يحرك ساكناً من دون موافقة أميركية، وأنها تجيد قراءة المتغيرات العالمية، وتريد انتزاع هامش حقيقي في السياسة والأمن والاقتصاد، من خلال طريقة تعامل مختلفة مع الأطراف الدولية المؤثرة، وفي مقدمها الصين.
على هامش هذه المطالب الجوهرية، يمكن إيراد كثير من النقاط التي يجري تقديمها كمواد سجالية يومية، من نوع أن تكبح إيران جماح حكومات وقوى محور المقاومة، وأن تضغط لإسكات قوى بارزة من أنصار الله في اليمن إلى حزب الله في لبنان إلى قوى المقاومة في فلسطين. كما يمكن، أيضاً، طرح الكثير من العناوين التفصيلية، من بينها مثلاً ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان.

الاسد وضع استراتيجية تمنع ابتزازه: علاقات ثنائية ومصالحات موضعية مع العرب


… ومطالب وهواجس إيرانية


أما من جهة طهران، فإن الأمور واضحة أيضاً، وتتمثل في الآتي:

أولاً، كسر العزلة المفروضة على إيران بسبب السياسات الأميركية التي تنصاع لها دول كثيرة في المنطقة من بينها السعودية، وألا يكون هذا الكسر سياسياً فقط، بل اقتصادياً أيضاً. وهي ترى في السعودية دولة كبيرة في الإقليم، لها قدراتها الكبيرة، بما يساعد طهران في تحقيق هذا الهدف.

ثانياً، احتواء الحملة التي تصوّر الجمهورية الإسلامية رأس حربة في معركة شيعية ضد السنة في العالم الإسلامي. وهي تدرك أن للسعودية دورها الكبير في هذا السياق، خصوصاً بعد الوهن الذي أصاب مصر من جهة، وتراجع قوة الإخوان المسلمين في المنطقة، وبعد تطبيع العلاقات بين دول وقوى عربية وإسلامية مع إسرائيل.

ثالثاً، تسعى إيران إلى عزل برنامجها النووي عن أي ملفات أخرى تتعلق بعلاقاتها مع دول الجوار. وهي أكّدت دائماً للسعودية وغيرها، واستعانت بأطراف عدة من بينها الصين، لتوضيح أن برنامجها النووي وبرامجها للصواريخ الباليستية لا تستهدف دول الجوار وفق الدعاية التي يروّجها الغرب.

رابعاً، تريد إيران تحقيق استقرار مستدام في منطقة الخليج، وهو أمر يحتاج إلى تسوية واقعية مع السعودية، تمكّنها من إشهار وتطوير علاقاتها الجدية مع بقية دول الخليج. كما تدرك طهران أن الرياض قادرة، بقوة، على المساعدة في تحقيق استقرار جدي في العراق وسوريا، وحتى في ساحات حليفة لها، كلبنان وفلسطين.

خامساً، تهتم إيران ايضا، بتطويق التدخل السعودي في شؤونها الداخلية. خلال جلسات التفاوض، عرض الإيرانيون على نظرائهم السعوديين الأدلة التي تثبت تورط السعودية استخباراتياً وتمويلياً وإعلامياً في الأحداث التي تشهدها إيران بين فترة وأخرى. علماً أن طهران تتفادى حمل هذا القميص علناً، كما تفعل الرياض بالحديث عن تدخل إيران في شؤون دول المنطقة، وهي لا تريد مساعدة السعودية أو غيرها في معالجة مشاكلها الداخلية، بقدر ما تريد من هذه الأطراف عدم التورط في مثل هذه الأحداث، لأنه سيكون لهذا التدخل ثمنه الكبير مع الوقت.

سادساً، تعتقد إيران أن لتطوير العلاقات مع السعودية تأثيراً كبيراً على النفوذ الأميركي في المنطقة، ويمكن أن يؤخر – أو ربما يعطل – المساعي لضم السعودية إلى برنامج التطبيع مع العدو، وهي تراهن على أن ابتعاد الرياض عن مشاريع التطبيع سيكون له أثره على الدول التي انخرطت في هذه المشاريع، وتشعر اليوم بأنها لم تجنِ أي مكاسب منها.



أي نتائج متوقعة؟


من خارج الدولتين، ثمة حسابات ورهانات وتوقعات تتعلق بتداعيات الاتفاق على ملفات المنطقة. وفي هذا المجال، يبدو واضحاً من معطيات وصلت الى جهات معنية، بأن ايران لم تدر ظهرها لمطلب المساعدة في معالجة ملف اليمن. لكن ما لا يعرفه كثيرون، هو انه خلال جولات التفاوض المباشر بين السعوديين وأنصار الله، سواء في صنعاء والرياض او تلك التي تحصل برعاية مسقط، باتت السعودية تدرك الهامش الضيق الذي يمكن لايران ان تتحرك فيه في اليمن، وأنه لا يمكنها ان تفرض على انصار الله خيارات تتناقض مع رؤيتهم. ولذلك سارعت الى عرض مشروع اتفاق يسمح لصنعاء السير قدما في مشروع حل. وفي هذا السياق، فقط، يصبح لايران دور جدي في تعجيل الامر.

أما في سوريا، فلم تبادر ايران أساساً الى حض دمشق أو منعها من اعادة التواصل مع أحد. لكن الرئيس بشار الاسد نفسه، وهو من له مصلحة باعادة الحرارة الى علاقات بلاده مع كل العالم، وضع استراتيجية تهدف، أولاً، إلى تعطيل اي محاولة لابتزازه. ولذلك، لا يبدي حماسة كبيرة للعودة الى جامعة الدول العربية، ولا يطرح الامر كحاجة ملحة. لا بل ان الاسد الذي يعرف تماماً محدودية تأثير الجامعة، يفضل السعي الى علاقات ثنائية ذات فعالية مع الدول العربية البارزة. وهو قادر على صياغة علاقات قوية مع السعودية ومصر والاردن والامارات، من دون ان يضطر الى علاقات مع قطر ودول اخرى تورطت بقوة في الحرب ضده. أضف إلى ذلك أنه يرغب في اعادة تنظيم العلاقات الثنائية، من دون رهن ذلك بطلبات منه في ملفات اخرى. فهو لا يجد نفسه معنياً بموقف يناسب السعودية في اليمن، ولن يقبل نقاشا حول حزب الله في لبنان. وحتى في ملف الاخوان المسلمين الذين خاض معهم حرباً شرسة، فإنه يميز أولوية الملف الفلسطيني. فهو لم يقبل مصالحة حماس ليحوّلها ورقة مساومة مع الاخرين. أما في العراق، فيرى الاسد نفسه طرفاً معنياً لا طرفا ثانوياً، وكذلك الأمر في لبنان، لكنه لا يجد نفسه مضطراً الآن لتحمل هذا العبء فيما اولويته اعادة اعمار سوريا وتنظيم موقعها في المنطقة.

وعليه، فان من ينتظر من اتفاق بكين نتيجة مباشرة على صعيد المعركة الرئاسية في لبنان، يكون قد قرأ بصورة خاطئة الاتفاق. لا السعودية ستغيّر موقفها الآن، ولا ايران تعتقد ان عليها الضغط على حلفائها في لبنان. وبالتالي، فان الخطوة المنتظرة تتعلق بمراجعة مرتقبة من الرياض لكل ما قامت به في لبنان طوال عقود عدة، وخصوصا في العقد الاخير.

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

المرشح جوزيف عون: عندما يتحوّل الجيش منظمةً غير حكومية يموّلها الخارج

الإثنين 20 شباط 2023

ابراهيم الأمين  

من دون مواربة قد يلجأ إليها من يريد التعمية على مقاصده، يعرف الجميع أن قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشح لمنصب رئيس الجمهورية. في لبنان، يظهر من لا يرفضون هذا الترشيح قدراً ضئيلاً من الدعم العلني، وتتحدّث غالبيتهم عن عدم ممانعة، وليس عن تبنٍّ صريح. أما الرافضون فكثر، بعضهم يجهر بموقفه، ويكتم آخرون الرفض إما بالتزام الصمت أو بإعلان الدعم لمرشحين غيره. أما خارجياً، فيحظى قائد الجيش بدعم استثنائي من أبرز الدول المعنية بلبنان، خصوصاً أطراف «مجموعة باريس» (السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا). ويعمل بعض هؤلاء، منذ وقت غير قصير، على تسويقه مرشحاً للرئاسة استناداً إلى أمرين: الأول، أنه نجح في دوره على رأس المؤسسة العسكرية، والثاني أن موقعه يتيح له لعب دور أكبر في الرئاسة في مواجهة احتمالات الفوضى بسبب الانهيار الاقتصادي.

وإذ يحرص القائد على إبلاغ من يسأله بأنه ليس مرشحاً، لكنه – كما كل الراغبين – يردف بأنه لن يرفض «خدمة لبنان في أي موقع يكون فيه». وهو، منذ اندلاع أحداث تشرين الأول 2019، شكّل حوله فريقاً مساعداً، سياسياً وإعلامياً، وباشر رحلة القطع مع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر.

منذ تولّي العماد عون منصبه، في آذار 2017، تعاقب على وزارة الدفاع كل من يعقوب الصراف والياس بو صعب وزينة عكر وموريس سليم، لم تكن علاقته على ما يرام مع أي منهم، مع إصرار القائد على التعامل مع وزير الدفاع، أياً يكن، على أنه منصب رمزي مهمته تسهيل المتطلبات الإدارية والمالية التي يحتاجها رئيس المؤسسة العسكرية.

خروقات العماد عون للقوانين ظهرت بشكل فاقع، للمرة الأولى، في حزيران 2018 عندما عقد صفقة مع الأميركيين تسلّم بموجبها لبنانيين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش»، اعتقلتهم القوات الأميركية شرق سوريا. عملية التسلّم تجاهلت أبسط القواعد القانونية: تم منع كل الأجهزة المعنية في مطار بيروت من الاقتراب من الطائرة العسكرية، ولم يُبلّغ الأمن العام بأسماء الركاب ليصار إلى تسجيل دخولهم البلاد، ولم يجر إعلام النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود ومفوض الحكومة في المحكمة العسكرية بالأمر، ولم تعلم عائلات المعتقلين بمصيرهم لأكثر من أربعين يوماً. ما قام به الجيش يومها لا يتعلق بمخالفة قد تفرضها اعتبارات أمنية، بل تصرف كما لو أنه لا يرى حاجة لاستئذان أحد.

قبل هذه الحادثة وبعدها، فتحت قيادة الجيش قنوات تواصل استثنائية مع الجانب الأميركي، والتزمت برنامجاً اشتمل على مناقلات وتشكيلات تراعي خطة القائد الإمساك بكل مفاصل المؤسسة، وبدء عملية «تنظيف» الجيش من كل سلاح شرقي والاعتماد كلياً على برامج تسلح أميركية، من دون أن يجد نفسه مضطراً إلى مناقشة أي عرض تسليحي آخر، ليس من الروس والإيرانيين فحسب، بل حتى من الفرنسيين. وعندما سلّمت الولايات المتحدة الجيش عدداً من المسيّرات، خضعت اليرزة لشروط منها أن تكون إدارة عمليات هذه الطائرات تحت إشراف قوة أميركية خاصة تمركزت في مطار حامات، الذي تحول مهبطاً لطائرات عسكرية أميركية، ذهاباً وإياباً، من دون أن يحق لوزير الدفاع، مثلاً، أن يسأل عمّا تحمله، كما سُمح لعدد غير قليل من المستشارين الأميركيين بـ«الإقامة» في مقر وزارة الدفاع بصورة شبه دائمة.

بعد اندلاع أحداث 17 تشرين، كان الجيش في موقف صعب، نظرياً. فهو لم يكن ليقف بوجه الناس، لكنه لم يكن أيضاً ليقف بوجه المجموعات التي ترعاها الولايات المتحدة. وعندما كان يتدخل لفتح طرقات، كان ذلك يجري تحت إما بضغط من السلطة السياسية أو الأهالي، أو حتى من قيادات داخل الجيش نفسه. يومها، أقنع الفريق السياسي والإعلامي المحيط بعون بأن فرصة الأخير اقتربت، وأن عليه اتخاذ الموقف الذي يؤهله سريعاً ليكون المنقذ الذي ينتظره الشعب، لتنطلق من يومها المعركة الرئاسية لقائد الجيش.

مذذاك، عمل قائد الجيش وفريقه على خلق توازن جديد في البلاد. قطع العلاقة نهائياً مع التيار الوطني ورئيسه جبران باسيل، وحفظ بعض الود للرئيس عون، ونسق مع حزب الله كي لا يقع إشكال غير متوقع، وأعاد تنظيم علاقاته مع الجميع، فلم تعد هناك مشكلة مع القوات اللبنانية أو الحزب التقدمي الاشتراكي أو تيار المستقبل أو قوى المجتمع المدني، ولم نعد نسمع عن الدولة الأمنية والبوليسية في الإعلام المموّل من الغرب وأتباعه. مع ذلك واصل الأميركيون والسعوديون الضغط لإبعاد هذا الضابط، أو منع تشكيل هذه المجموعة العسكرية أو تلك، والحجة الدائمة هي الاشتباه بعلاقة هؤلاء بحزب الله. وأعدّت أجهزة أمنية رسمية تديرها قوى خليجية ملفات عن أشخاص قالت إنهم من حزب الله يحاولون التغلغل داخل الجيش، وصولاً إلى ما تردّد أخيراً عن طلب الأميركيين استثناء عدد غير قليل من العسكريين والضباط من المنحة المالية التي قدّمتها الولايات المتحدة للجيش بحجة أنهم محسوبون على بيئة حزب الله.

الإشكالية الأكبر برزت عندما ارتضى قائد الجيش تحوّل الدعم الخارجي العيني للجيش إلى دعم مالي على شكل دولارات نقدية. بدأت الفضيحة عندما وافق مصرف لبنان على فتح حساب خاص لقيادة الجيش بالدولار الأميركي لدعم المؤسسة العسكرية، ليتبين لاحقاً تلقّي الصندوق عشرات ملايين الدولارات من الولايات المتحدة على دفعات، إضافة إلى عشرات الملايين التي أتت من قطر ومن أطراف أخرى. وقد تولّى قائد الجيش أخذ الأمور على عاتقه، فلم يكلف نفسه عناء التشاور مع وزراء الدفاع المتعاقبين، ولم يأخذ بتوصية مستشارين قانونيين بضرورة الحصول على موافقة مجلس الوزراء قبل قبول هذه الهبات، لا بل طلب من الأميركيين إسكات المحتجّين، وهو ما تولت السفيرة دوروثي شيا القيام به، فأبلغت كل وزير دفاع، وكل مسؤول حكومي، وكل نائب أو صديق للسفارة، جواباً واحداً: «هذه أموال موضوعة بتصرف قائد الجيش حصراً، وهو حر في التصرف بها، ولنا طريقتنا في التثبت من صرفها لزيادة رواتب العسكريين».

سُمح لعدد غير قليل من المستشارين الأميركيين بـ«الإقامة» في مقر وزارة الدفاع بصورة شبه دائمة


ثمة أمور كثيرة لم نتطرق إليها. لكن بات على قائد الجيش ومن معه في قيادة المؤسسة، وعلى داعميه من اللبنانيين لمنصب الرئاسة، الإجابة على الأسئلة الآتية:

أي مرشح تريدونه رئيساً، وهو يخالف أبسط القوانين ويفتح المؤسسة العسكرية، وهي رمز السيادة الوطنية، لطرف يعادي أكثر من نصف اللبنانيين؟

أي مرشح تريدونه رئيساً، وهو لا يأبه لكل السلطات القائمة في البلاد من قصر جمهوري إلى سراي حكومي إلى مجلس نيابي؟

أي مرشح تريدونه رئيساً، وهو يقبل بأن يتحول الجيش إلى «منظمة غير حكومية» تتلقى تمويلها من دولة خارجية، من دون رقابة من أي جهة رسمية، ويتم إيصال الأموال إلى العسكريين عن طريق البريد المالي بعد حصول المانح على كل الداتا التي تخص العسكريين؟

أي مرشح تريدونه رئيساً، وهو يجعل «التسول» عنواناً مركزياً للحفاظ على ولاء العسكريين، حتى ولو قيل إن الجيش متعب ويحتاج إلى دعم، فلماذا لا يتم الأمر بطريقة رسمية، وهل المطلوب أن يتحول ولاء العسكريين من الوطن إلى شخص أو جهة؟

أي مرشح تريدونه رئيساً، وأنتم تعرفون، أنه متى وصل إلى القصر الجمهوري سيكون عنواناً للانقسام، مسيحياً ثم وطنياً، ولن يكون قادراً، تحت أي ظرف، على ممارسة أي نفوذ على الجيش الذي بات له إطاره الخاص. علماً أنه في كل مرة تحاول جهة أو سلطة ما استخدام الجيش في معركتها الداخلية، تعرّض الجيش للانقسام. وهو أمر سهل يمكن أن يحصل خلال أيام فقط!

بهذا المعنى، تجب مناقشة قائد الجيش، وسؤاله، بوصفه مسؤولاً ومرشحاً لرئاسة الجمهورية، ليكون الجواب واضحاً ومفيداً قبل فوات الأوان!

من ملف : القائد يبيع السلاح: من يحوّل الجيش إلى منظمة غير حكومية؟

مقالات متعلقة

هل يجرؤ العرب على كسر حصار سوريا؟

  الأربعاء 8 شباط 2023

ابراهيم الأمين

عند وقوع أزمات كبرى، يظهر الحجم الفعلي لبلد كلبنان. حتى لقاء باريس الخماسي، أول من أمس، الذي كان مخصصاً لمناقشة الملف اللبناني، تحوّل في جانب منه إلى البحث في التطورات العاجلة في المنطقة جرّاء الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا فجر الاثنين، بعدما أظهرت عمليات الإنقاذ هول الكارثة. تركيا، الدولة التي يتعامل معها العالم كقوة إقليمية كبرى، تحتاج أمام هذه المأساة إلى المساعدات التي تتدفق عليها، فيما يعي العالم جيداً أن سوريا المنهكة والمحاصرة أكثر احتياجاً إلى دعم شامل ومستدام.

في لبنان، لم يكن متوقعاً من مسؤولين لا يهتمون لأحوال شعبهم أن يبادروا إلى خطوات نوعية تجاه الشعب السوري. فهؤلاء، كالعادة، يعملون تحت الضغط الخارجي، الأميركي تحديداً. وليس متوقعاً ممن لم يخض معركة الحصول على استثناء من العقوبات الأميركية لاستجرار الغاز المصري أو يجرؤ على قبول هبة إيرانية غير مشروطة، أن يبادر إلى خطوات واضحة لمساندة بلد شقيق، قدم الكثير لنا إنسانياً وسياسياً.

الجاحدون والفاشيون فقط هم من يسيّسون أي خطوة إزاء كارثة إنسانية كالتي أصابت الشعب السوري. هؤلاء، ممن يعيشون بيننا أو ينتشرون في العالم، لا يمكن إلا احتقار من يتحدث منهم عن نظام وشعب وعن موالاة ومعارضة، عندما يقارب مسألة الدعم الذي تحتاجه سوريا في هذه المحنة.
احتاجت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى صوت مرتفع حتى تقوّي «ركابها» وتقرر إرسال وفود أو مساعدات، علماً أن لهذا الأمر رمزيته. فيما القرار الذي يمكن أن يتخذه لبنان، ويشكّل فارقاً بالفعل، هو فتح المعابر اللبنانية أمام كل أشكال الدعم المتوجهة صوب سوريا، ورفض الإذعان لكل أنواع الضغط والترهيب والعقوبات التي يرفعها الغرب الأميركي – الأوروبي. مثل هذه الخطوة من شأنها المساعدة على تسهيل تقديم مساعدات كبيرة لسوريا، من قبل أشخاص أو جهات أو مؤسسات لا تريد الخضوع للعقوبات الأميركية، ومستعدة لتقديم الدعم عبر لبنان.

عربياً، يبدو أن تطوراً ما حصل، تمظهر في الحركة السياسية التي بدأها رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، بإبلاغه الجانب الأميركي قراره إرسال مساعدات مباشرة عبر مطار دمشق، قبل أن يتبعه قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إطلاق حملة تبرعات يذهب قسم منها إلى سوريا، إضافة إلى برنامج دعم من الحكومة السعودية نفسها.

وبحسب المعطيات، يناقش بن زايد مع الجانب الفرنسي المبادرة إلى استعادة التواصل مع سوريا من الباب الإنساني تمهيداً لما هو أكثر. وهو أثار ذلك في اتصال مع الرئيس إيمانويل ماكرون، ونُقل أن الأخير لم يرفض الفكرة من حيث المبدأ، وهو وإن حاول إعطاء الأمر بعده الأخلاقي والإنساني، إلا أن القرار النهائي يبقى رهن أمور كثيرة، تبدأ بالموقف الأميركي ولا تنتهي عند صقور الفاشيين في الإدارة الفرنسية. فيما المهم الآن مراقبة نشاط عواصم عربية كالجزائر والقاهرة وأبو ظبي والرياض، للبحث في إمكانية اختراق الجمود بما خص الملف السوري عبر مدخل المساعدات الإنسانية لمواجهة أعباء الكارثة، وفتح الباب أمام مراجعة تعيد ربط سوريا بالعالم العربي بشكل طبيعي، وإنهاء القطيعة التي قامت من قبل متآمرين دمروا سوريا وهجروا أهلها.

مساع عربية لإقناع فرنسا بتغيير موقفها وفتح الأبواب أمام مساعدة سوريا من دون شروط


طبعاً، لا يجب توقع الكثير من النتائج. لكن من المهم أن يتصرف العرب بقليل من الشهامة والأخلاق الإنسانية. ومن يعتقد أنه يمكن ترك سوريا تموت بعد كل ما أصابها، يقوم بفعل سياسي واضح ينم عن حقارة غير مسبوقة. فيما الأبواب مفتوحة اليوم أمام من دعموا مؤامرة تدمير سوريا للتصرف بمسؤولية ولو من الباب الإنساني. والتحدي نفسه يواجه دولاً قادرة مادياً مثل قطر، إضافة إلى عواصم غربية لا يمكنها الاختباء خلف مليون يورو قرّرت ألمانيا دفعها للمتضررين من الزلزال أو قدر هزيل من المساعدات قدمتها فرنسا عبر منظمة أطباء بلا حدود. بينما تشير معطيات واردة من العاصمة الفرنسية إلى أن عملاء الغرب من المعارضين السوريين يحذرون السلطات الأوروبية من تقديم الدعم إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام، ويطالبون بإحياء «الخوذات البيض» التي لا تعدو كونها مجموعة من المرتزقة تعمل لدى الاستخبارات الغربية وتمدها بمعطيات ذات طابع أمني، أو عبر منظمات غير حكومية أقامها أرباب المعارضة السورية ويعيشون على حسابها.

ولعل من «حسنات» الكارثة أنها كشفت المزيد من العنصرية التي تتحكّم بالغرب تجاه منطقتنا كلها، وليس سوريا فقط، وبما يتخطى كل الحدود، إلى درجة نشر صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسماً كاريكاتورياً للدمار في تركيا، مع تعليق: «لسنا بحاجة حتى إلى إرسال دبابة»، ما يعبّر عما يتمناه هؤلاء لكل الدول العربية والإسلامية والفقيرة في العالم، وعن عقلية فاشية واستعمارية لا تفارق أذهان هؤلاء ومخيلاتهم.

وإذا كان أحد يتوهّم باستخدام الكارثة لابتزاز الدولة السورية من أجل تقديم تنازلات سياسية مقابل الدعم، فإن الأخبار الواردة من دمشق تؤكد أن على من ينتظرون من الرئيس بشار الأسد أن يخرج إلى المنابر مستجدياً أو ليتلو فعل الندامة، استعادة سنوات انتظار استسلام الأسد يوم وصل مرتزقتهم إلى مشارف دمشق!

فيدبوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

أقلّيات تتصارع كأنّها أغلبيات

 الثلاثاء 20 كانون الأول 2022

ابراهيم الأمين

ها هي السنة تمرّ، من دون أن يكون أحد قادراً على توقّع ما قد يحصل مطلع السنة المقبلة، لا خلالها. وليست هذه المرة الأولى لا يكون فيها اللبنانيون متحكّمين بمصيرهم، لكنها المرة الألف التي يختلفون فيها على كل شيء تقريباً، مهما أكثروا من عبارات التوافق والعيش المشترك والبلد الموحد والوطن النهائي وخلافه. عند اللبنانيين، جميعاً، حيلة يخرجونها من جيوبهم كلما استدعت الحاجة: قصائد سعيد عقل عن الوطن المجد وأغاني الأخوين الرحباني عن الضيعة والحب الذي يحسدنا عليه بقية سكان الأرض. ما من جهة أو حزب أو قوة أو مرجعية أو مسؤول أو فنان إلا ويغنّي لهذا البلد الأعجوبة. لكن هؤلاء، عندما يعودون الى غرفهم المغلقة، يبدأون بالصراخ والشتائم وتحميل «الآخر» مسؤولية الخراب والضياع. كما هي حال الرغبة الجماعية بمحاربة الفساد، والتي تصطدم أحياناً بالمفارقة اللبنانية العجيبة – الغريبة، كأن يقول لك صاحب مصلحة إنه ما كان يجب «تكبير» القصة في النافعة، أو إن هناك «مبالغة» في الحديث عما يجري في الدوائر العقارية، لتكتشف أن «اللبناني الشطور» يريد تيسير أموره، وهو أصلاً يعدّ الرشوة جزءاً من الضريبة التي سيدفعها لتسيير أموره، سواء كان ذلك عبر القانون أو خلافاً له.

لكن الأمر يصبح أكثر مأسويةً عندما يحلو لسياسيين وإعلاميين أن يعتبروا الحملة على الفساد في المؤسسات علاجاً شافياً، بينما يصبح حراماً أو إمعاناً في الخراب إن أتى أحد على سيرة الفساد الأكبر في التخطيط والتشريع والرقابة والقضاء وإدارة المال العام. هكذا، يجري تحويل السؤال عن الفساد الى قصة موظف قبض مبلغاً من المال مقابل تسهيل معاملة خلافاً للقانون، لا إلى سؤال حول الملفات التي يجري تمريرها بواسطة هؤلاء الموظفين الذين اختيروا لهذه المهمة عن سابق تصور وتصميم.

اليوم، لا أفق واضحاً لاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. والانقسام هنا ليس سياسياً فقط، بل هو طائفي ومذهبي وولائي أيضاً. وهو ضمناً يخفي خلافاً حول المصالح الاقتصادية للطوائف اللبنانية وأزلامها في الإدارة العامة أو القطاع الخاص. وهذا الأفق المسدود يترافق مع كتم للنقاش حول برنامج الرئيس المقبل، وخلافاً للعناوين الفضفاضة حول السيادة والإصلاح، فإنّ أحداً لا يناقش ما يريد القيام به. وكيف يحصل الأمر إذا كان المرشحون الذين يجرون الاتصالات ويناقشون الصفقات مع الخارج والداخل يرفضون إعلان ترشحهم، ويرفضون الحديث مع الناس عما يقدرون على القيام به، ويتّكلون على أن الحسابات التي تعتمد لانتخاب الرئيس لا علاقة لها بكل هذا.

وعندما يكون الأمر على هذا النحو، ينتفي فوراً النقاش حول الحكومة المقبلة المفترض أن تدير البلاد مع الرئيس الجديد. وبالتالي يصبح النقاش حول اسم رئيسها وهويته، ويقتصر الحديث هنا على المعادلات نفسها التي تحكم آلية اختيار الرئيس الأول للبلاد. بينما، لا يريد أحد من المرشحين أو الناخبين جرّ المسؤولين الأساسيين الى النقاش الحقيقي حول ما يجب القيام به، وحول المهام المفترض أن يقوم بها الحكم القادم، برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والإدارة العامة أيضاً.

اليوم، ليس بإمكان أحد في لبنان أن يدّعي أنه يمكن اختيار رئيس جديد وحكومة جديدة من دون الحصول على موافقة الخارج وغطائه. والخارج، هنا، لا هوية محددة له، لأن عناوينه كثيرة. لكن الحق المعطى للخارج في أن يحسم النقاش، مردّه أن اللبنانيين يعرفون أنهم ليسوا مستقلّين، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا ثقافياً عن الخارج، وأن العلاقة بينهم وبين الخارج ليست تفاعلية كما هي حال كثير من دول العالم، بل هي علاقة تبعية، تسمح لهذا الخارج بأن يأتي الى لبنان رافعاً صوته وطارحاً ما يعتقد أنه الأنسب لنا. وإذا كانت فرنسا تمثل الطرف الأكثر فظاظة في الأمر، فهي لا تنطق بغير الهوى الأميركي، وكل ما ترجوه فرنسا أن يكون لها دور في المرحلة اللاحقة، كما هي حال قطر وآخرين، بينما يعرف جميع اللاعبين في لبنان أن الولايات المتحدة والسعودية هما اللتان تحسمان الأمر. حتى ولو قامتا بالأمر ربطاً بالحسابات التي ترتبط بما تجريانه من مفاوضات مع إيران وسوريا ودول أخرى لها تأثيرها الكبير في لبنان.

البحث سراً عن رئيس جديد وحكومة جديدة سببه الهروب من السؤال عن برنامج العمل والآليات


ولكن، لنضع جانباً الخلافات المحلية والخارجية حول الرئاستين الأولى والثالثة، ولنكن أكثر صراحة في ما خصّ حجم التشظّي الذي يصيب المجتمع اللبناني. وسواء أعجبنا الأمر أو لا، أو تفهّمنا أسبابه أو رفضناها، فإن الحقيقة القاسية تكمن اليوم في تشكل مزاج عام، عند المسيحيين أكثر من المسلمين، عنوانه العودة الى نظرية الشك في القدرة على التعايش مع الآخر. وهو مزاج لم يعد يقتصر على قوة أو جهة أو مجموعة، بل يمكن ملاحظته في السياسة والأمن والاجتماع والاقتصاد والثقافة والحياة اليومية. ومع أن الوقائع الصلبة تشير بقوة الى صعوبة انفصال مجموعة لبنانية عن بقية أهل البلاد، إلا أن المهم التفكّر في الأمر، وهو تفكر يجب أن يحصل بهدوء، حتى ولو كانت خلاصته الذهاب نحو عقد جديد يجمع بين أبناء هذا البلد.

ومرة جديدة، حتى لا نكون أسرى فكرة واحدة تقول إن النظام لا يمكن أن يتشكل خارج إطار التنافس الطائفي، فإنّ الحقائق تشير الى أن لبنان صار بلد الأقليات، وليس فيه أيٌّ منها متماسكة أكثر على الإطلاق. حتى الأقليات القوية ليست في موقع القادر على فرض الأمر بالقوة. وهذا ما يحيلنا مرة جديدة الى عنوان جدي، حتى ولو لم تتوفر كامل عناصر نجاحه بعد، وهو البحث عن دولة مدنية تحمي الأقليات من خلال قوانين وأنظمة تحاكي كل مجموعة باعتبارها جزءاً من كل. وعدا ذلك، سنعود الى نظام طائفي مقيت، سرعان ما سينفجر حروباً متنوعة، باردة كانت أو ساخنة!

فيديوات ذات صلة

مقالات ذات صلة

خطة محلية ــ خارجية لعزل التيار الوطني

الإثنين 7 تشرين الثاني 2022

ابراهيم الأمين  

كان من الصعب الحديث، قبل أسبوعين أو أقل، عن التوترات الكبيرة الكامنة في الشارع المسيحي. كان الكلام سيبدو كأنه تحريض أو مقدمة لأحداث ما. لكن الوقائع التي تلت الانتخابات النيابية الأخيرة، وطريقة التعامل مع ملف الحكومة التي لم تشكّل، والاستنفار الذي رافق مغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري، كل ذلك، كان يشي، إلى جانب بعض المعطيات، بأن هناك من لا يدرك حقيقة أن «الساحة المسيحية» هي الأكثر عرضة لتكون ساحة لتصفية حسابات سياسية تتجاوز مصالح ومطالب القوى المسيحية نفسها.

قبل أقل بقليل من ثماني سنوات، أبلغ حزب الله الأطراف المحلية والخارجية أنه سيدعم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، مستنداً إلى القوة التمثيلية للرجل، وإلى المعطيات الداخلية والإقليمية التي تسمح بوصوله. من يومها، انطلقت الحملة المنظمة على العماد عون وفريقه، وهي حملة شارك فيها كل من يعتبرون اليوم في موقع الخصومة مع التيار الوطني الحر داخلياً، وانضم إليها لاعبون من الخارج ممن كانوا يعتقدون أن وصول عون إلى القصر الجمهوري ودخوله لعبة السلطة سيبعده عن حزب الله.

(هيثم الموسوي)

عملياً، قام تحالف غير مسبوق، شمل كل خصوم الجنرال على الساحة المسيحية. وحتى من استكانوا في انتخابات العام 2018، تصرفوا بانتهازية كانت معروفة، لكن الجنرال تعامل معها على أنها قد تكون تعبيراً عن رغبة البعض في الخروج من عقلية الماضي. وخلال الفترة التي امتدت حتى اندلاع أحداث 17 تشرين 2019، كانت الماكينة قد أجهزت على كل شيء. صار عون، ومعه رئيس التيار جبران باسيل، يمثلان وجه الشيطان في لبنان. لم يبق أحد من كل خصومهما المسيحيين، من القوات والكتائب إلى الأحرار وبقية 14 آذار، إلى الأطر التي استجدّت باسم مجموعات مدنية أو حتى نافذين داخل الكنيسة وبعض رجال الأعمال وشخصيات تقليدية، كل هؤلاء تجمعوا في معركة واحدة ضد عون وباسيل. رغم كل التباينات القائمة بين هؤلاء، تلاقوا جميعاً عند فكرة واحدة اسمها: شيطنة التيار ورموزه وإعلان الحرم عليه بسبب علاقته بحزب الله. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن حلفاء حزب الله المسيحيين، من تيار المردة إلى شخصيات مستقلة في الشمال والبقاع وبيروت، انضموا هم أيضاً إلى الجبهة، ولو أنهم قاتلوا التيار لأسباب لا تتصل بعلاقته مع المقاومة، لكنهم كانوا يتصرفون على أساس أن التيار يمارس سياسة الإقصاء التي تشملهم ولا تقتصر على الخصوم فقط.
وفي الجبهة المقابلة، لم يكن هناك من يحتاج إلى شحذ الهمم في معركة قاسية ضد عون وباسيل. إذ إن تحالف حركة أمل – الحزب التقدمي الاشتراكي – تيار المستقبل، لم يكن ينقصه أي حافزية للانقضاض على عون وفريقه. وهؤلاء تصرفوا على أنهم أرغموا على التعامل بإيجابية أو حيادية مع انتخاب عون رئيساً، فيما هم، في حقيقة الأمر، لم يرغبوا يوماً بأن يكون لديهم شريك في السلطة مثل ميشال عون. ولا يعود ذلك فقط إلى الخلاف الذي كان قائماً بينهم وبين الجنرال في آخر ثمانينيات القرن الماضي، بل لأنهم أصلاً من الفريق الذي عمل بالنسخة السورية من اتفاق الطائف التي قامت على عدم السماح لرئيس مسيحي قوي بالوصول إلى قصر بعبدا. وهم شعروا، بين العامين 2005 و 2016، بأن التيار الوطني الحر، بدعم مباشر من حزب الله، كان يستعيد المواقع التي استولى عليها «إسلاميو الطائف» من المسيحيين بين العامين 1990 و2005. كما أن الجميع كان يعرف أن عون يعتبر أن كل الجبهة المقابلة، التي تضم إسلاميي الطائف ومسيحيي سوريا، يتحمّلون مسؤولية الانهيار والتفكك الذي يعيشه لبنان، وكان برنامجه للإصلاح، يعتمد على مواجهة مباشرة وقاسية معهم، لكنه عدّل كثيراً في تصوراته، وحتى في آلياته. ورغم أنه بادر إلى التعايش والتعاون مع فريق من هؤلاء، بل إن التيار الوطني نفسه سارع إلى حجز مقاعد له في الإدارة العامة، إلا أن كل ذلك لم يشفع له. واستمرت الحملة واشتدت بعد انضمام مباشر للولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى، ربطاً بعلاقة عون وباسيل بحزب الله من جهة، وباستعداد عون وباسيل للذهاب نحو علاقات مختلفة مع الشرق من جهة ثانية.

عندما اندلعت أحداث 17 تشرين، لم يكن هناك من إجماع فعلي، لا لفظي، لغالبية الفاعلين في هذا الحراك، سوى الحملة على باسيل. ومع الوقت انحسرت الموجة الاعتراضية على «كلن يعني كلن»، وبقيت المعركة مفتوحة ضد التيار وعون وباسيل وصولاً إلى الاعتداء المباشر عليهم بلغة غريبة بعض الشيء. وترافق ذلك مع إعلان السعودية الحرم على أي علاقة مع عون وباسيل، ومعاقبة سعد الحريري على أي تعاون معهما أو مع حزب الله، ثم جاء الأميركيون بقرار معاقبة باسيل بعد تهديده وتخييره بين العقوبات وبين العلاقة مع المقاومة.
عملياً، لم تتوقف حملة الشيطنة ضد التيار وعون وباسيل، لكنها أخذت بعداً مختلفاً بعد الانتخابات النيابية، لأن ملايين الدولارات، والدعاية اليومية على مختلف الصعد، لم تدفع التيار إلى موقع الخاسر نيابياً. ورغم أن خصومه حصدوا أصواتاً ومقاعد أكثر في الوسط المسيحي، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لجعل التيار في عزلة تمنع عليه المشاركة في إدارة أي حكومة جديدة. لذلك، كان القرار بأن يكون الأداء في الأشهر الأخيرة من ولاية عون مشابهاً لما حصل مع العماد إميل لحود، لجهة عزله وترك الأمور بيد مجلس الوزراء. لكن الحكومة التي يتمثل فيها التيار الوطني، وفيها حليف قوي له هو حزب الله، لم يكن بالإمكان إدارتها بطريقة مختلفة. وجاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو ليظهر للأطراف الخارجية قبل الداخلية أن السير نحو تفاهمات قابلة للتنفيذ، إنما يتم من خلال دور مركزي للتيار الوطني الحر، ولباسيل شخصياً، ووصل الأمر بالأميركيين إلى إصدار قرار رئاسي بمنح الوسيط عاموس هوكشتين استثناء لعقد لقاءات مباشرة مع باسيل برغم إدراجه على لوائح العقوبات. إذ إن اجتماعات باسيل – هوكشتين في لبنان والخليج وأوروبا كانت ضرورية لتسريع عقد التفاهم، وكان الأميركيون يعرفون أن باسيل هو رجل ثقة أول عند المقاومة بوصفها القادرة على تعطيل أي تفاهم يخص الصراع مع العدو. لذلك حاول رئيس الحكومة المكلف مرات كثيرة أخذ الأمور في ملفات كثيرة صوب مكان لا يكون فيه لعون أو باسيل أي تأثير، وصولاً إلى الامتناع عن تشكيل حكومة جديدة بدعم من حلفائه.

الاستراتيجية الواضحة عند كل خصوم التيار وعون وباسيل كانت تقوم على فكرة أنه بعد خروج عون من القصر الجمهوري، ستكون هناك جولة جديدة من المواجهات معه. وثمة ترقب عند خصومه من اللبنانيين لعقوبات أميركية جديدة ضده وضد أفراد عائلته وضد قيادات في التيار الوطني الحر، إضافة إلى حملة إعلامية مستمرة تحاول تحميل عون المسؤولية عن الأزمات التي يواجهها لبنان، وصولاً إلى إبعاد التيار عن أي تأثير في معركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وحتى دفعه إلى موقع يسهل إبعاده عن أي حكومة جديدة في المرحلة المقبلة، بالتالي فتح الباب أمام سياسة الإقصاء والانتقام حتى من الموظفين العامين المحسوبين على التيار.

إذا لم تبادر بكركي إلى خطوات عملانية، فالشارع المسيحي مقبل على مواجهات لا توترات


على أن معركة عزل التيار لم تعد ممكنة بالوسائل التي اعتمدت سابقاً. ما يجري اليوم هو المرحلة الأكثر خطورة، والتي تعكس حادثة «أم تي في» أحد أوجهها. لأن المقصود بما حصل، الانتقال من مرحلة تصنيف التيار كحزب فاشل مسؤول عن الفوضى والخراب، إلى حزب يسعى لتشكيل ميليشيات تشكل خطراً على الأمن الوطني. ويجري العمل، بقوة، لتوريط الجيش اللبناني في هذه المهمة انطلاقاً من الخصومة القائمة اليوم بين التيار وبين قائد الجيش العماد جوزيف عون حول انتخابات رئاسة الجمهورية. وفي حال توسع العمل القمعي ضد التيار بحجج متنوعة، سنكون أمام عملية تطابق مع ما تعرض له التيار الوطني الحر عندما نفي العماد عون إلى باريس، وصار حزباً سرياً يتعرض ناشطوه للملاحقة والاعتقال والإقصاء.

طبعاً، لا يمكن الاعتقاد بسهولة نجاح مثل هذه الخطوة. لكن الخطير في الأمر أن متطلبات عزل التيار وشيطنته وتحويله إلى مجموعة خارجين عن القانون، تشتمل ضمناً على مواجهات قاسية لن يكون لها مسرح سوى الشارع المسيحي، لأن الأمر غير ممكن الآن في الأماكن الأخرى، فهو مستحيل عند الشيعة، ومصدر قلق حقيقي عند الدروز، وليست له أهمية كبيرة عند السنة. بينما يراهن خصوم التيار في لبنان وخارجه على أن ضربه في الشارع المسيحي هو المدخل الوحيد لإضعافه، تمهيداً لعزله والقضاء عليه.
وبمعزل عن خطة التيار لمواجهة هذا المخطط، يمكن لطرف آخر، مثل بكركي، أن يبادر سريعاً إلى خطوات تمنع انفجاراً لن تقتصر ساحاته على المنصات الإعلامية، الواقعية منها والافتراضية، بل سينتقل حكماً إلى الجامعات والمدارس والأحياء والقرى، وسيكون عنوان الكارثة التي سيدفع المسيحيون كافة ثمنها.

مقالات ذات صلة

Hezbollah Forced Maritime Deal after Israel’s Unabated Procrastination: Journalist

 October 13, 2022

Click the Picture to see the Interview

Prominent Lebanese journalist Ibrahim Al-Amin told Al-Manar that the deal on the maritime dispute between Lebanon and the Zionist entity is neither an agreement between two states nor an accord.

In an interview with Al-Manar’s Panorama Today on Wednesday night, the CEO and editor-in-chief of Al-Akhbar Lebanese newspaper described the maritime deal as “an understanding between two hostile parties in a bid to organize affairs of economic interests.”

“The talks which started twelve years ago was aimed at reaching a full agreement on border demarcation, but there has been a US and Western decision to prevent Lebanon from utilizing from its resources due to influence on international firms and Lebanon internal problems,” Al-Amin told Panorama Today’s Manar Sabbagh.

“The resistance stance shifted the talks from phase of procrastination to phase of deal,” Al-Amin said.

The resistance didn’t press the Lebanese State, but rather directly addressed the Israeli enemy through clear threats.

“The enemy needed practical measures to extract gas in a bid to meet it internal demands and to utilize from the international and regional situation,” Al-Amin said, referring to energy shortage across the world.

“The resistance imposed a very clear equation that was simple in the form but dangerous in the content.”

He noted, meanwhile, that the US has great influence in Lebanon, stating: “Washington is capable of exerting different forms of pressure on Lebanon and it did so regarding the maritime talks, but Israel told the US that it knows Hezbollah very well and that the resistance group’s threats are serious.”

The Lebanese journalist also echoed Hezbollah S.G. Sayyed Hasan Nasrallah’s remarks during Tuesday’s speech on the resistance readiness.

“Though residents of southern border towns haven’t witnessed military activity in the area, they know that there are thousands of fighters who have been on full alert.”

“The Israeli enemy knows that the resistance has instant reconnaissance of activity in Karish and other fields as well as many other details.”

Source: Al-Manar English Website

Related Videos

The speech of the President of the Republic, General Michel Aoun, to determine Lebanon’s position on the demarcation negotiations
The most prominent points of the draft agreement on the demarcation of the maritime borders between Lebanon and the Zionist entity

Related News

أما وقد فكرتم بنسف الاتفاق…

الجمعة 7 تشرين الأول 2022

ابراهيم الأمين  

أمس، استفاق الجميع على صراخ مرتفع في إسرائيل. قرر يائير لابيد رفض التعديلات اللبنانية على مسوّدة الاتفاق البحري. وعشنا ساعات طويلة من التهديد والوعيد، قبل أن ينتهي المجلس الوزاري المصغر مساء إلى موقف ملتبس لا يحمل رفضاً للاتفاق، بل يحصر مشكلته مع بعض التعديلات التي طلبها لبنان. وتصرّف الجدّيون، من كل الأطراف المعنية بالملف، على أساس أن ما يجري في إسرائيل لا يتجاوز العمل تحت الضغط الانتخابي، وأن «لابيد يحاول أن يعمل أبو علي على حسن نصرالله» على حد تعبير الأكاديمي الإسرائيلي يوني بن مناحيم.

لكن، لنفترض أن إسرائيل تريد، من خلال رفض التعديلات اللبنانية، خوض مغامرة تهدّد بنسف الاتفاق، أو أنها تريد كسب مزيد من الوقت والمماطلة والتسويف سعياً إلى ظرف أفضل لها على صعيد طبيعة الاتفاق، فما الذي يعنيه ذلك؟
بعد جولات التفاوض الأخيرة، تعرّف العدو إلى تفاصيل لم يعتدها سابقاً من السياسيين اللبنانيين. وأدرك العدو، أيضاً، أن موقف المقاومة شكّل عامل كبح لأي تنازل إضافي يمكن أن يقدم عليه أحد في لبنان. لكن المقاومة لم تكن لتقف عند هذا الحد، خصوصاً عندما أعلمت العدو، بالخطاب وفي الميدان، أنها جاهزة لما هو أبعد بكثير من ضربة تذكيرية على غرار ما حصل يوم أرسلت المسيّرات فوق حقل «كاريش».
يقول لنا العدو، اليوم، إنه مستعد لنسف الاتفاق، وإنه في هذه الحالة يهدّد لبنان بحرمانه من الغاز والنفط وبتهديد أمنه وما تبقى لديه في حال حصول مواجهة عسكرية.
وما يهم العدو اليوم ليس موقف الحكومة اللبنانية فقط، بل ضمان تكبيل المقاومة من جهة، ومنع لبنان من البحث في أي واقع على الحدود البحرية أو البرية لاحقاً. وفي هذه الحالة، يُستحسن بالعدو أن يقرأ الموقف اللبناني بطريقة أخرى. ولمساعدته على ذلك، على العدو أن يعلم جيداً أن تعنّته سيقود إلى واقع مختلف تماماً:
– إن نسف الاتفاق يعني نسف المسار التفاوضي الذي عرفناه خلال الأشهر الماضية، والعودة إلى النقطة الصفر تعني العودة إلى سقف لبناني مختلف عما جرى التداول به. وهناك بحث جدي وجوهري بأنه في حال إصرار العدو على رفض الاتفاق، فإن السقف الجديد سيكون انطلاقاً من الخط 30+، وليس الوقوف عند الخط 23.
– إن نسف الاتفاق بحجة أن لبنان يرفض ترسيم الحدود البحرية والدولية الآن لا يُقلق المقاومة التي لا تعترف أساساً لا بالحدود القائمة الآن كأمر واقع ولا بالحدود كما رسمها الاستعمار. بالتالي فإن العدو سيكون معنياً بالجواب على سؤال يسبق كل هذا الكلام: هل يريد استخراج الغاز أم لا؟

تأخير الاتفاق إلى ما بعد عهد عون يجعل المقاومة الواثقة بالرئيس تستعيد الهامش الذي أعطته إياه


يعتقد العدو بأن تأخير العمل في حقل «كاريش»، مع مناورة تأخير الاتفاق، سيمنع المقاومة من التحرك، مفترضاً أن المسالة مرتبطة بـ«كاريش» فقط، ومتجاهلاً أن السبب الرئيسي لتحرك المقاومة هو القرار بفكّ الحصار الغربي عن لبنان وتحصيل الحقوق البحرية التي تساعد على مواجهة الأزمة. وسيكون مفيداً للعدو أن يطرح على نفسه سؤالاً عما إذا كانت المقاومة (في لبنان وفي فلسطين أيضاً) ستتركه يعمل بحرّية في بقية الحقول، وفق معادلة «ما بعد كاريش».
إذا كان في إسرائيل، أو في الولايات المتحدة، من يراهن على أن تأخير الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات، سيسهّل الأمر في ظل تغييرات يتوقع الغرب حصولها لبنانياً على صعيد الرئاسة والحكومة، فإن هؤلاء لا يفهمون أهمية ثقة المقاومة بالرئيس ميشال عون على وجه الخصوص، وأنه في حال الشغور الرئاسي، أو في ظل الانقسام السياسي الجديد، فإن المقاومة ستستعيد هامشها الأكبر الذي قلّصته بنفسها لثقتها بالرئيس عون. بالتالي، فإن الرهان على تغييرات تقود لبنان إلى تنازلات في مرحلة لاحقة ينمّ عن عدم فهم جدي لاستراتيجية المقاومة وآلية تفكيرها.
أما الكلام المرتفع السقف الذي ضجّت به وسائل إعلام العدو أمس عن استنفار عسكري وعن تهديدات بتدمير لبنان وعن استعدادات للقيام بعملية عسكرية ضد المقاومة، فيدعو إلى السؤال عما إذا كان في إسرائيل من يصدّق أن هذا الأمر ممكن. وإذا ما غامر أحدهم، فعليه أن يستعدّ جيداً، لأن في قيادة المقاومة من لديه القدرة والإرادة على اتخاذ قرارات لا تترك معنى لأي اتفاق لترسيم الحدود البرية أو البحرية على حد سواء. أما الاعتقاد بأن التهديدات ستردع المقاومة، فالرد عليها يأتي من كلام رئيس الموساد الإسرائيلي ديدي بارنياع الذي قال أمس: «لقد تعهد نصرالله علناً ​​بمنع إنتاج الغاز من كاريش إذا لم يكن هناك اتفاق… وهناك خوف من أنه سيضطر لإظهار أنه يفي بكلمته».

من ملف : الاتفاق الآن… أو؟

مقالات متعلقة