العرب يُعبّدون الطرق مع “قلب العروبة”: هل ستسكت واشنطن؟

السبت 25 آذار 2023

جو غانم 

من المُنتظر أيضاً، بحسب مراقبين سوريين، أن يُعزف النشيد الوطنيّ السوريّ قريباً في مطارات عواصم عربيّة عديدة.

العرب يُعبّدون الطرق مع “قلب العروبة”: هل ستسكت واشنطن؟

“حان الوقت للانتقال إلى مرحلةٍ جديدة من الاستقرار والتنمية في سوريا، وأنْ تطوي الدول صفحة الخلاف لمعالجة الأزمة السوريّة، بعيداً عن الانقسامات التي يشهدها النظام الدولي”.

تلك كانت كلمات السفير محمد بو شهاب، نائب مندوب دولة الإمارات العربية المتحدة في جلسة لمجلس الأمن الدوليّ حول سوريا، عُقدت مساء يوم الخميس 23 آذار/مارس. وقد أكّد بو شهاب في كلمته رفض بلاده التدخّلات الأجنبية في سوريا، وضرورة احترام سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، مديناً بشدّة “الغارات الإسرائيلية التي خلّفت أضراراً في مطار حلب الدولي”، مجدّداً دعم بلاده الكامل لسوريا خلال هذه المرحلة الحرجة، ومواصلتها الاستجابة لمواجهة تداعيات زلزال شباط/فبراير المدمّر، متّهماً “الجماعات الإرهابية باستغلال كارثة الزلزال ومنع وصول المساعدات إلى المتضررين”. 

اللافت هنا، أنّها المرة الأولى منذ 12 عاماً، التي يستخدم فيها مندوب دولة عربية إلى الأمم المتحدة، هذه اللغة في الحديث عن الأزمة والحرب في سوريا. وقبل كلمة مندوب الإمارات بساعات قليلة، كانت وكالة “رويتر” قد صدّرت خبراً يتحدث عن اتّفاق سوريّ – سعوديّ على معاودة فتح سفارتيهما في البلدين بعد قطيعة دامت لأكثر من عقد من الزمان، هو عُمر الأزمة في سوريا. وبعد خبر رويتر بساعات، قرأ مذيع الأخبار في قناة “الإخبارية” السعودية، بياناً رسميّاً صادراً عن وزارة الخارجية السعودية، يتحدث عن “مباحثات سعودية–سورية لاستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين”. 

وكان الرئيس السوريّ بشار الأسد، قد وصل يوم الأحد الفائت 19 آذار/مارس إلى العاصمة الإمارتية أبو ظبي، في زيارة لم يتم الإعلان عنها مسبقاً. وكما كانت زيارة الأسد إلى روسيا قبل ذلك بأيام قليلة، جديدة في الشكل والمضمون، لدرجة اعتبارها من قبل غالبية المحللين والمراقبين السياسيين، بداية حقبة سوريّة-دوليّة جديدة، جاءت زيارة الإمارات لافتة هي الأخرى في تفاصيلها وشكلها ومضمونها ودلالاتها، لدرجة اعتبارها منعطفاً حادّاً في طريقة التعاطي الإقليميّ والدوليّ مع سوريا المحاصرة. 

لقد جرى استقبال كبير بدأ منذ اللحظة الأولى لدخول طائرة الرئيس الأسد المجال الجوّي لدولة الإمارات، إذ رافقته طائرات حربيّة إماراتية إلى أنْ حطّ في مطار العاصمة أبو ظبي، لتجري مراسم الاستقبال الرسميّ، قبل أنْ ينتقل والوفد المرافق له إلى قصر “الوطن”، ويبدأ مباحثاته مع رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي استهلّ حديثه بكلمات الترحيب والحرص على عودة سوريا إلى حضنها العربيّ، وعزم بلاده على السعي بقوّة لأجل هذا الهدف. 

وجاء لافتاً هنا أيضاً، حضور السيدة الأولى أسماء الأسد، في أول زيارة رسمية لها إلى جانب الرئيس منذ 12 عاماً، ولقاؤها مع السيدة فاطمة المبارك، والدة حاكم الإمارات، التي اضطلعت بدورٍ كبير على خطّ الإغاثة الإماراتية لمنكوبي الزلزال في سوريا. 

كذلك فإنّ حضور وفد اقتصادي كبير مع الرئيس السوريّ، أعطى انطباعاً عن طبيعة المباحثات بين الرئيسين، ومؤشّراً واضحاً على ماهيّة وشكل العلاقة بين البلدين في الفترة المقبلة. حيث يُشكّل موضوع النهوض بالاقتصاد السوريّ الذي أنهكته الحرب والحصار، بنداً أوليّاً وملحّاً لدى المسؤولين السوريين، يأتي مباشرةً بعد بند إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية ودول الإقليم خاصّة.

وفي موضوع إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين دمشق وعواصم المنطقة، يكمن التطوّر الأهم على الإطلاق، في ما يجري على طريق الرياض–دمشق. وإذا كانت موسكو قد سعت طويلاً خلال السنوات الأربع الماضية، لتحقيق تقدّم على هذا المسار، فإنّ الإمارات، كما تشير المعلومات، قد استطاعت تحقيق هذا الخرق في جدار الرفض الأميركيّ لأيّ تواصل سياسيّ مع دمشق. 

وقد جاء ذلك اتّكاءً على ظروف دولية مستجدّة ومتغيّرات عديدة وكبيرة حدثت منذ بدء الحرب الأوكرانية واستعار الصراع العالمي بين واشنطن والغرب من جهة، وموسكو وبكين وطهران من جهة مقابلة، ليأتي زلزال 6 شباط/فبراير ويُشرّع البوابة التي كانت مواربةً بانتظار هبّة ريح صغيرة لتفتح على عهد جديد يُنهي 12 عاماً من القطيعة والحصار. 

وصحيح أنّ التواصل الأمني بين دمشق والرياض، قد بدأ منذ العام 2019، لكنّ أيّ تواصل سياسيّ لم يحدث، حتى من خلال تصريحات دبلوماسية إيجابية من الطرف السعوديّ حتى شباط/فبراير الماضي، حين قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، خلال مشاركته في “منتدى ميونيخ للأمن”، إنّ “إجماعاً بدأ يتشكّل في العالم العربيّ على أنّه لا جدوى من عزل سوريا، وإنّ الحوار مع دمشق مطلوب كي تتسنّى، على الأقل، معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”. 

واعتبر بن فرحان في حديث لاحق له في لندن، في الثامن من هذا الشهر آذار/مارس، أنّ طريقة التعاطي العربي والدولي مع الأزمة السورية، لم تعد مفيدة، وأنّ هناك شبه إجماعٍ خليجيّ وعربيّ ودوليّ، على أنّ الوضع الراهن “غير قابل للاستمرار”، وأنّ الحاجة باتت ملحّة لاتّباع نهج آخر على هذا المسار. ومثّلت تلك التصريحات مقاربةً سعودية جديدة للأزمة السورية، وتغيّراً في السياسة السعودية حيال دمشق والوضع السوريّ عموماً.

وإذ شكّل تأخّر السعودية في الاستجابة للإغاثة الإنسانية لمنكوبي الزلزال في سوريا، وتفضيلها، في الأيام الأولى للكارثة، إرسال مساعدات إنسانية إلى الشمال السوريّ، حيث تسيطر الجماعات المسلّحة، مؤشّراً على حذرٍ سعوديّ شديد من أيّ خطوة تقرّب الرياض من دمشق، فإنّ ما كان يجري خلف الكواليس في تلك المرحلة، كان يشير إلى أنّ المباحثات بين الطرفين قد بلغت مرحلة متقدّمة، خصوصاً أنّ مدير المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، كان قد عاد للتوّ، قبل حدوث الزلزال مباشرةً، من زيارة للرياض، على متن طائرة سعودية خاصة، وسط معلومات عن إهداء السعودية لسوريا طائرتين مدنيتين.  

والمعلومات الآن، أنّ اللواء لوقا قد قام بدور كبير على خطّ التقارب بين العاصمتين، حيث عاد لزيارة الرياض بعد أسابيع من قرار الأخيرة إرسال مساعدات إغاثية إلى مطار حلب، ومكث لعدة أيام في العاصمة السعودية، ليعود بتفاهمات واسعة مع المسؤولين السعوديين، تدخل في تفاصيل إعادة العلاقات الدبلوماسية، وضبط الحدود، ومواجهة تهريب المخدّرات بين دول الإقليم، والشروع في التقدّم على خطّ التعاون الاقتصادي بين البلدين. 

لتتسرّب بعد ذلك مباشرة، معلومات عن قرب زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، وهو الأمر لم يعلّق عليه الوزير فيصل بن فرحان لدى سؤاله عن الأمر في ميونيخ، لكنّ المعلومات تشير إلى أنّ تلك الزيارة قد تتزامن مع حدث إعادة فتح السفارتين، بعد عيد الفطر مباشرة. 

من المؤكّد أنّ الاتّفاق السعوديّ–الإيراني الذي أخرجته بكّين، قد سرّع من وتيرة الحركة على مسار الرياض–دمشق، إذ تسعى الرياض نحو إرساء تفاهمات إقليمية شاملة تُنهي مرحلة من الصراع والتنافس السلبيّ في المنطقة، وهي ترى في ذلك مصلحة كبيرة لها، خصوصاً أنّ تفاهمات كهذه من المفترض أن تساهم في إنهاء الحرب في اليمن، التي تحوّلت إلى عبء كبير يُثقل كاهل الرياض. 

ولا سيما أيضاً، أنّ المملكة تراقب عن كثب تقدّم النشاط الروسي – الصينيّ في الإقليم والعالم، وسعي الثنائي الدولي هذا، وقدرته، على تجاوز خطوات الولايات المتحدة الأميركية، العاجزة عن كبح جماح قطار التفاهمات التي تصبّ في مصلحة محور طهران–دمشق، الخارج بقوّة من حرب طويلة على الأرض السوريّة ليضع شروطه على الطاولة التركية. 

فإذا كانت أنقرة ذاتها، العاصمة التي كان لها الدور الإقليميّ الأبرز في المشروع المعادي لسوريا، تسعى بقوة للتقارب مع دمشق، وتنسّق مع طهران وموسكو لأجل هذا، فمن غير المجدي أن تبقى الرياض في موقع المراقب، خصوصاً بعد أن التقطت أبو ظبي طرف اللحظة السياسية الدولية الراهنة، وانغمست في هذا النشاط السياسيّ بقوة، ولم تكن الرياض لتنتظر طويلاً قبل أن تُفعّل دورها في جميع هذه الملفات، وهو العنوان السعودي للمرحلة المقبلة بكل تأكيد. 

وإذ تفيد المعلومات بأنّ أجندة الرئيس السوريّ بشار الأسد، ستكون مزدحمة هذه الفترة، فمن المُنتظر أنّ يشهد طريق دمشق–الرياض حدثاً كبيراً خلال شهر رمضان وصولاً إلى ما بعد عيد الفطر مباشرةً، يتجاوز موضوع زيارة وزير الخارجية السعوديّ وإعادة افتتاح السفارات بين البلدين. 

ومن المُنتظر أيضاً، بحسب مراقبين سوريين، أن يُعزف النشيد الوطنيّ السوريّ قريباً في مطارات عواصم عربيّة عديدة، الأرجح أنّ بينها عمّان وبغداد والقاهرة والجزائر، إيذاناً بانتهاء مرحلة عصيبة من تاريخ المنطقة العربية، وبدء عودة سوريا إلى موقعها العربي والإقليميّ والدوليّ، الذي حازته وتحوزه الآن، بفضل تضحيات أبنائها وتحالفاتها الصحيحة، وإفشالها واحداً من أخطر المشاريع الاستعمارية التي استهدفتها واستهدفت القضية الفلسطينية والقضايا العربية العادلة وقوى المقاومة في المنطقة.

 لكنْ، هل ستسمح واشنطن بحدوث كل هذا وهي تتفرّج؟ الجواب أتى في وقت متأخر من ليل هذا الخميس 23 آذار/مارس، حيث تعرّضت قاعدة لجيش الاحتلال الأميركي شرقيّ مدينة الحسكة، لهجوم شنّته طائرة مسيّرة من نوع “شاهد”، أدى إلى مقتل جندي أميركيّ وجرح 6، بحسب بيان وزارة الدفاع الأميركيّة، وذلك في ردّ فوريّ على عدوان إسرائيليّ–أميركيّ على دير الزور، استهدف موقعين لقوات المقاومة الحليفة للجيش العربي السوريّ. 

وهذا الردّ الفوريّ القاتل بدوره، يؤشّر على بدء مرحلة جديدة من طريقة التعاطي بين قوى محور المقاومة وقوى الاحتلال في سوريا والمنطقة. وإنّ المعطيات على هذا الصعيد، تفيد بأن شهر رمضان المبارك سيكون ساخناً جدّاً على مستوى المواجهة العسكريّة، كما السياسيّة، ولا سيما في ظلّ التهديدات الإسرائيلية المتزايدة ضد إيران، وتصاعد الاعتداءات على الأراضي السورية، وتصعيد واشنطن لخطواتها المعادية في الميدان السوريّ لبثّ الفوضى وإفشال التفاهمات والتسويات الإقليمية. 

ويمكن الحديث هنا عن وجود قرار اتّخذته قوى المقاومة في المنطقة (روسيا ليست بعيدة عنه) برفع وتيرة المواجهة ضد المحتلين الأميركي والإسرائيليّ، ووضع جميع الاحتمالات العسكرية على الطاولة. وثمّة إشارات قوية هنا، تفيد بأنّ التسويات والتفاهمات التي تشهدها المنطقة، قد لا تترسّخ إلّا بمعركةٍ أقرب ما تكون إلى الحرب الخاطفة، لكنها حرب “تكسير عظام” ستضع حدّاً للقوة الأميركية– الإسرائيلية في المنطقة. ولا سيما أنّ الصراع الأميركيّ الغربيّ– الروسيّ في أوكرانيا، والتفاهمات الصينية–الروسية–الإيرانية الأخيرة، ستلقي بظلالها القوية والمؤثّرة على هذه الميدان، كما عموم ساحات الصراع. 

نحن إذاً، أمام تغيير إقليميّ وعالميّ جديد بكل المقاييس، بل على عتبة عالمٍ جديد سيُكرّس انتصار سوريا وحلفائها على مختلف الصّعد.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

التشظّي الخليجيّ علامة التراجع السعوديّ

July 6, 2021 

 ناصر قنديل

خلال خمسة عقود هي عمر استقلال دول الخليج، لم يكن لأية دولة من دول الخليج سياسة إقليمية أو دولية مختلفة عن السعودية. فالسعودية هي الدولة الأكبر في المساحة والسكان والثروات، وهي الأسبق بالنشوء والحضور، وهي تستضيف الأماكن المقدسة، وتتربّع على عرش القيادة في العالمين العربي والإسلامي منذ تراجع مكانة مصر وأفول مشروع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عن المشهد العربي والدولي. وخلال العقود الأربعة الماضية كانت إيران بعد انتصار ثورتها وإطاحة نظام الشاه، هي القضية التي دخلت على خط رسم إيقاع السياسات الخليجيّة، على خلفية ثنائية ترسم بين الرياض وواشنطن، وتتحوّل الى سياسات خليجية معتمدة، مع هوامش تمّ رسمها بالتراضي لدول مثل عمان والإمارات والكويت، في أيام قادتها المؤسسين خصوصاً.

خلال العقدين الأخيرين حدثت مجموعة تطورات هزت العالم ووصلت تردّداتها الى الخليج والعلاقات الخليجية الداخلية، وكانت قطر مع ثرواتها الضخمة الناجمة عن اكتشاف كميات هائلة من الغاز فيها في ظل عدد سكانها المحدود، أول من شق عصا الطاعة على الموقع المسلّم به للسعودية برسم سقوف السياسات الخليجية، وكانت قناة الجزيرة قد بدأت ترسم معالم الطموح القطريّ لدور كبير على الساحة العربية، وخلال حرب تموز 2006 على لبنان وعندما وقفت الرياض تعلن الحرب على المقاومة وتتهمها بالمغامرة، وقفت قطر مستفيدة من علاقتها بتركيا وبحركة حماس في موقع مختلف، أقرب للمقاومة، رغم العلاقات الأميركية القطرية التي ترجمت باستضافة قطر قاعدة العيديد الأميركية.

خلال الثورات الملوّنة التي عرفها العالم العربي، والتي توّجت بالحرب على سورية، تقدم الموقع القطري لينافس السعودية على القيادة، وتسبب الفشل بتدفيع قطر فاتورة مكلفة تمثلت بتنحي أميرها ورئيس حكومتها ووزير خارجيتها الذي ارتبط اسمه بمشروع قطر للإمساك بملفات حساسة في المنطقة وصولاً للتدخل في تشكيل حكومات دول مثل مصر وتونس، لكن العودة السعودية الى الواجهة لم تترافق مع مشروع جديد قابل للنجاح، فبقيت القطيعة مع سورية التي شكل شبه الإجماع الخليجي أساساً لتحولها إلى قرار في الجامعة العربية، ثم جاءت الحرب على اليمن لتظهر تحالفاً خليجياً رباعياً تقوده السعودية ضم قطر والإمارات والبحرين بالإضافة الى السعودية، وبقيت دولتان عملياً خارج المظلة السعودية، ولو من دون تصادم، هي الكويت وعُمان.

بدأ التحالف بالتفكك مع الفشل في حرب اليمن، فخرجت قطر، ثم انفردت الإمارات بمشروع خاص في الجنوب، وبقيت البحرين موجودة اسمياً، لتبدو السعودية وحيدة عالقة في هذه الحرب، ورغم الحصار الذي قادته السعودية بوجه قطر وشاركتها فيه مصر والإمارات والبحرين، جاء الارتباك السعودي مع تبدل الإدارات الأميركية والتراجع الذي اصيب به المشروع الأميركي في المنطقة، مع صعود روسي صيني إيراني، ليمنح الإمارات وقطر فرص الانفراد بسياسات تختلف عن الموقف السعودي، بالتزامن مع ظهور صراع قطري إماراتي، حتى ظهرت السعودية دون حلفاء مع وقوف البحرين على الحياد بين السعودية والإمارات رغم ارتباطها الأمني والجغرافي والمالي بالسعودية، في وضع أقرب للمحميّة.

الخلاف الإماراتي السعودي في المسألة النفطية ليس مجرد خلاف عابر، فهو نقطة فاضت بها الكأس الإماراتيّة التواقة للانفصال عن المظلة السعودية، فالإمارات التي تمتلك ثروة نفطية ونمواً اقتصادياً يجعلانها الدولة الثانية بعد السعودية في القدرة المالية بعد السعودية بناتج إجمالي سنوي يقارب الـ 500 مليار دولار سنوياً، لتحتل المركز الثالث في الشرق الأوسط بعد السعودية وتركيا، وقد خطت في قرار التطبيع مع كيان الإحتلال خطوة جعلت الإمارات تعتقد أنها أقرب لقلب واشنطن، وأنها قادرة على احتواء غضب إيران بموقفها المنفصل عن السعودية في حرب اليمن، حيث ترعى الحراك الجنوبي، الذي ينأى عن الانخراط في الحرب مع أنصار الله، ويعتبر مشكلته مع الجماعات المدعومة من السعودية التي تعيق استقلال الجنوب أو تمتعه بحكم ذاتي واسع، وتسعى الإمارات للفصل بين مسارها في التطبيع عن مسارها الذي سبقت فيه السعودية نحو سورية، وتمايزها عن مصر وقطر والسعودية التي يحكم موقفها التردد نحو سورية بدرجات متفاوتة.

زمن الوحدة السياسية في الخليج يبدو أنه أصبح من الماضي، والزعامة السعودية عندما تفقد القدرة على الإمساك بالخليج، ستفقد معها الكثير، وتبدو حرب اليمن العامل الأشدّ قسوة في إضعاف المكانة السعودية، ورغم ذلك لا يزال التردد السعودي في خيارات وقف النار ورفع الحصار يعقد فرص الخروج السعودي من هذه الحرب.

It Is the Curse of Yemeni Children: Al Saud’s Economy Dries up – إنها لعنة أطفال اليمن.. ضرع آل سعود يجف

It Is the Curse of Yemeni Children: Al Saud’s Economy Dries up

Source: Al-Alam Website

Translated by: Al-Masirah Network

Saudi Finance Minister Abdullah Al-Jadaan has tried to justify the position of King Salman and his son towards the responsibility for the deteriorating economic and living conditions of the Saudi citizens, by placing full responsibility on the coronavirus, which has been a guest of the Saudis since only a couple of months.

Jadaan considered stopping the cost of living allowance starting from June, raising the value-added tax rate from 5% to 15% starting from July 1, canceling, extending or delaying some items of operating and capital expenditures for a number of government agencies and reducing the credits of a number of initiative programs and projects in 2020, as additional measures to address the financial and economic effects of the coronavirus pandemic.

Jadaan also blamed the virus for the decrease in oil revenues for Saudi Arabia, which reached half or more due to the significant drop in the price of a barrel, which fell from $ 60 to $ 20, pushing Saudi Arabia to borrow 220 billion riyals this year.

What Jadaan tried to cover up is known to the Saudis before others, corona is innocent of the deteriorating economic and living conditions of Saudi Arabia, innocent as the wolf of the son of Jacob is. The virus cannot blow up the Saudi budget in two months and make it borrow and remove subsidies from the poor. The one who brought Saudi Arabia to what it has now reached is Crown Prince Muhammad bin Salman personally and nobody else. We have not discovered this fact, but it is a clear fact for everyone and no two persons disagree on it.

Three disastrous mistakes committed by bin Salman and he still insist on them with incomprehensible obstinacy, the first is his major crime of waging war on the Yemeni people for six years, the second mistake is granting the keys of the Saudi treasury to a greedy person like US President Donald Trump to ensure America’s support for him in reaching a government. As for the third mistake, it is involuntary and it is due to a disease that bin Salman suffers from, which is a paranoia, driving him to play with major powers, believing that he leads a superpower.

Among the most catastrophic consequences of this disease was competing with Russia on oil markets, when he wanted to punish it by dumping the oil markets in an unprecedented manner, bringing the oil prices to less than zero!

Among these three mistakes, the aggression against Yemen remains the biggest, most serious and most influential mistake on the deteriorating economic situation of Saudi Arabia. The curse of the children of Yemen, whose bodies were torn apart by the Saudi aggression, and turned those who kept them alive into skeletons, would not only deplete the treasury of Al Saud, but would also destroy their regime on their heads.

When we say that the curse of the children of Yemen will continue to chase the Al Saud family until they are blown up, as it blew up their treasures, we say that from facts we see on the ground.

At a time when the sound mind says that the Al Saud should stop their aggression against the children of Yemen after six years of futile war that took lives and exhausted wealth without success, we see the mind of bin Salman instructing him to do just the opposite.

At a time when the countries of the world agree on the necessity of stopping wars and conflicts to face the threat of the corona epidemic, we see him ordering the intensification of raids on civilian areas, penetrating the blood of Yemen’s children and depriving them of life after depriving them of food and medicine.

At a time when facts are pressuring bin Salman to make a wise decision to stop the war on Yemen and save his country from the inevitable bankruptcy, we see his “genius” under this pressure giving ideas to reduce the costs of the aggression on Yemen, including the expulsion of members of the government of the resigned Yemeni President and the fugitive, Abd Rabbuh Mansour Hadi, from luxurious hotels that they lived in during the past years, to modest small apartments, most of the services that were provided to them such as open food services in hotels and restaurants were cut!

As long as this backward and arrogant mindset is the one that rules Saudi Arabia, the measures announced by Al-Jadaan recently will not be the last, but it will be a link from a long series of austerity measures that will be announced successively. It will shake, not the Saudi economy, whose signs of its collapse appear with the collapse of oil prices and the halt of Hajj and Umrah, only, but the entire Saudi entity. It is the curse of the children of Yemen.


إنها لعنة أطفال اليمن.. ضرع آل سعود يجف

إنها لعنة أطفال اليمن.. ضرع آل سعود يجف

حاول وزير المالية السعودي عبد الله الجدعان تبرير ساحة الملك سلمان وابنه من مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن السعودي، عبر القاء المسؤولية كاملة على عاتق فيروس كورونا الذي لم يحل ضيفا على السعوديين الا منذ شهرين فقط.

العالم – يقال ان جدعان اعتبر ايقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر حزيران/يونيو، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءاً من الأول تموز/يوليو، وإلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج ومشاريع عام 2020، بانها اجراءات اضافية لمواجهة الآثار المالية والاقتصادية الناتجة عن جائحة فيروس كورونا.

كما القى جدعان على كورونا ايضا مسؤولية انخفاض الإيرادات النفطية للسعودية التي وصلت إلى النصف او اكثر بسب الانخفاض الكبير فى سعر البرميل الذى هبط من 60 دولارا إلى 20 دولارا، وهو ما سيدفع السعودية الى ان تقترض 220 مليار ريال هذه السنة.

ما حاول الجدعان التستر عليه يعرفه السعوديون قبل غيرهم ، فكورونا بريئة من تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي للسعودية كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، فكورونا لا يمكنها ان تنسف ميزانية السعودية في شهرين وتجعلها تقترض وترفع الدعم عن الفقراء، فالذي اوصل السعودية الى ما وصلت اليه الان هو ولي العهد محمد بن سلمان شخصيا ولا احد غيره، وهذه الحقيقة لم نكتشفها نحن، بل هي حقيقة واضحة للجميع ولا يختلف عليها اثنان.

ثلاث اخطاء كارثية ارتكبها ابن سلمان ومازال يصر عليها بعناد غير مفهوم، الاول جريمته الكبرى المتمثل بشنه الحرب على الشعب اليمني ومنذ ست سنوات، والخطا الثاني منحه مفاتيح الخزينة السعودية الى شخص جشع مثل الرئيس الامريكي دونالد ترامب لضمان دعم امريكا له في الوصول الى حكم ، اما الخطأ الثالث فهو خطأ غير ارادي ويعود الى مرض يعاني منه ابن سلمان وهو مرض جنون العظمة، الذي يدفعه الى ان يلعب مع الكبار، اعتقادا منه انه يقود دولة عظمى، كما يحلو لذبابه الالكتروني ان يصفوا السعودية، ومن اكثر تداعيات هذا المرض كارثية كانت منافسته لروسيا على اسواق النفط وذلك عندما اراد معاقبتها عبر اغراق اسواق النفط بشكل غير مسبوق فاوصل اسعار النفط الى اقل من صفر!!.

امام هذه الاخطاء الثلاثة يبقى خطا العدوان على اليمن هو الخطا الاكبر والافدح والاكثر تاثيرا على تدهور الوضع الاقتصادي للسعودية، فلعنة اطفال اليمن التي مزق العدوان السعودي اجسادهم وحول من تبقي منهم على قيد الحياة الى هياكل عظمية، لن تستنزف خزينة ال سعود فحسب بل ستهد اركان نظامهم على رؤوسهم وما ذلك على الله بعزيز.

عندما نقول ان لعنة اطفال اليمن ستبقى تطارد آل سعود حتى تنسفهم كما نسفت خزائنهم، فاننا ننطلق بذلك من حقائق نراها على الارض، ففي الوقت الذي يقول العقل السليم ان على ال سعود ان يوقفوا عدوانهم على اطفال اليمن بعد ست سنوات من الحرب العبثية التي ازهقت الارواح واستنزفت الثروات دون طائل، الا اننا نرى عقل ابن سلمان يأمره بعكس ذلك تماما، ففي الوقت الذي تتفق دول العالم على ضرورة وقف الحروب والنزاعات لمواجهة خطر وباء كورونا، نراه يأمر بتكثيف الغارات على المناطق المدنية ويوغل بدماء اطفال اليمن ويحرمهم من الحياة بعد ان حرمهم من الطعام والدواء.

في الوقت الذي تضغط الحقائق والوقائع على ابن سلمان لدفعه الى اتخاذ قرار حكيم بوقف الحرب على اليمن وانقاذ بلاده من الافلاس المحتم، نرى “عبقريته” تتفتق تحت هذا الضغط عن افكار للتقليل من نفقات العدوان على اليمن، منها طرد اعضاء حكومة الرئيس اليمني المستقيل والهارب عبد ربه منصور هادي من الفنادق الفاخرة التي كانوا يعيشون فيها خلال السنوات الماضية، الى شقق صغيرة متواضعة، كما تم قطع اغلب الخدمات التي كانت تقدم لهم مثل خدمات الطعام المفتوح في الفنادق والمطاعم!!.

ما دامت هذه العقلية المتخلفة والمتعجرفة هي التي تحكم السعودية، فإن الاجراءت التي اعلن عنها الجدعان مؤخرا لن تكون الاخيرة بل ستكون حلقة من سلسة طويلة من الاجراءات التقشفية التي سيعلن عنها تباعا وستهز ليس الاقتصاد السعودي الذي بدات بوادر انهياره تظهر مع انهيار اسعار النفط ووقف الحج والعمرة فحسب، بل الكيان السعودي بأكمله.. انها لعنه اطفال اليمن.

سعيد محمد

أفول عصر البترودولار… وتأثيره على دور مملكة آل سعود

حسن حردان

انها ساعة الحقيقة التي لم يتوقع حكام آل سعود مواجهتها.. وهي وقوع مملكتهم في العجز الكبير، واللجوء إلى الاستدانة لتأمين نفقاتهم الأساسية، بعد أن انهارت أسعار النفط على نحو كبير، والمتزامن مع الجمود الاقتصادي وتوقف موسمي الحج والعمرة هذا العام بسبب انتشار فايروس كورونا، وهو طبعاً ما يفقد الرياض مصادر دخلها الأساسية، دفعة واحدة، والتي كانت توفر لها قدرة الاستمرار في الإنفاق على…

أولاً، حياة البذخ والترف التي يعيش فيها أمراء العائلة الحاكمة، التي تعتبر الثروة النفطية في الجزيرة العربية ملكاً لها، ولهذا تحوز على نسبة من عائدات بيع النفط تؤمّن لها العيش برفاهية وترف…

ثانياً، شراء السلاح من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، والتي قدّرت حتى الآن بمئات مليارات الدولارات، وقد شهدت في السنوات الأخيرة ازدهاراً غير مسبوق أدّى إلى إنعاش معامل صناعة السلاح في الدول الغربية، وحلّ جزء من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية النابعة من تراجع معدلات النمو فيها وتزايد نسب البطالة.. وهو ما تجسّد أيضاً في حصول ترامب من ولي العهد السعودي على أكثر من 500 مليار دولار، في أكبر عملية استيلاء على فائض عائدات النفط، تحت عنوان استثمارات في الولايات المتحدة.. الأمر الذي تباهى به ترامب في مواجهة معارضيه في الداخل…

ثالثاً، تمويل كلفة الحرب الوحشية المدمّرة التي تشنها الحكومة السعودية على اليمن منذ اكثر من خمس سنوات، وتجاوزت مئات المليارات من الدولارات.. ويرى الخبراء الاقتصاديين انّ الكلفة، التي لا تزال غير محدّدة، ستكون آثارها كبيرة على الاقتصاد والمجتمع في المملكة، وهي تتجاوز كلفة الغزو والاحتلال الأميركي للعراق، لأنّ الحرب ضدّ اليمن لم تتوقف منذ اليوم الأول لبدئها وحتى اليوم، وهي لا تزال مستمرة، لأنّ الرياض فشلت في السيطرة على اليمن والقضاء على مقاومة الشعب العربي اليمني، التي نجحت في نقل الحرب الي العمق السعودي وزيادة استنزاف المملكة.. عبر ضرب المنشآت الحيوية لشركة أرامكو..

رابعاً، دعم الأنظمة العربية والاسلامية لقاء الحصول على تأييد هذه الدول لمواقف وسياسات المملكة في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي واستطراداً شراء صمت هذه الدول إزاء المجازر الوحشية التي ارتكبتها الحكومة السعودية، ولا تزال، في اليمن…

خامساً، تمويل الجماعات الإرهابية والجمعيات والمعاهد الدينية في العالم، التي تتبع المنهج الوهابي التكفيري، وكذلك تمويل حروب هذه المنظمات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا واليمن إلخ… بما يخدم السياسات والمخططات الاستعمارية الأميركية الغربية الصهيونية من القضاء على محور وقوى المقاومة والتحرّر، وإعادة صياغة خارطة المنطقة بما يكرّس السيطرة والهيمنة الاستعمارية عليها، ويمكن كيان العدو الصهيوني الاستعماري الاستيطاني من تحقيق هدفه في تصفية قضية فلسطين وإعلان الدولة اليهودية العنصرية وانتزاع الاعتراف بها عربياً وإسلامياً ودولياً..

سادساً، تمويل مشاريع التآمر ضدّ الأنظمة التقدمية المعادية للاستعمار الغربي والاحتلال الصهيوني، بدءا بالتآمر ضدّ النظام الناصري التحرري بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومروراً بدعم الحرب ضدّ الثورة الإسلامية التحررية في إيران، وانتهاء بتمويل الحرب الإرهابية لتدمير سورية وإسقاط رئيسها المقاوم بشار الأسد…

سابعاً، دعم جماعات وعصابات المرتزقة الذين تجنّدهم الاستخبارات الأميركية لتقويض استقرار الأنظمة التحررية في أميركا اللاتينية وأفريقيا..وتجنيد وتمويل ما اسمي لاحقاً تنظيم القاعدة لقتال الجيش السوفياتي في أفغانستان وإسقاط حلفه نظام نجيب الله لمصلحة الولايات المتحدة في سياق الحرب الباردة مما سرع في انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي وخروج أميركا منتصرة في هذه الحرب..

ثامناً، شراء وسائل إعلامية والإنفاق على وسائل إعلامية أخرى، إلى جانب شراء ضمائر كتاب وصحافيين بغرض الترويج للسياسات الاستعمارية الصهيونية الرجعية وغسل عقل المواطن العربي وجعله يرضخ ويستسلم للأمر الواقع الأميركي الغربي الصهيوني..

تاسعاً، دعم أحزاب وقوى سياسية عربية وإسلامية في العديد من الدول العربية، لا سيما في لبنان، لأجل تعزيز دور المملكة في داخل هذه الدول والتأثير على قراراتها وسياساتها ومنع تحررها من فلك الهيمنة الأميركية الغربية الرجعية..

انّ هذا الإنفاق الضخم على كلّ هذه المجالات هو الذي مكن المملكة السعودية من لعب دور عربي وإقليمي كبير والتأثير في مجرى سياسات الوطن العربي والعالم الإسلامي خدمة للسياسات الأميركية، ولهذا أسميت مرحلة الفورة النفطية وتعاظم عائدات النفط بمرحلة البترودولار التي ازدهر فيها دور المملكة وجعلها تحوز على دور سياسي عربي واقليمي وحتى دولي.. ومن الطبيعي ان يقود انتهاء عصر البترودولار إلى إضعاف دور المملكة المذكور، والى تراجع تأثيرها في سياسات العديد من الدول.. وان يؤدّي ذلك لأن تفقد قوى سياسية ووسائل إعلامية مصدر تمويلها، وبالتالي تخسر جزءاً كبيراً من تأثيرها.. وهو ما بدأت تظهر مؤشراته في لبنان، وينعكس على مواقف وحسابات بعض القوى السياسية في قوى ١٤ آذار، من حكومة الرئيس حسان دياب والعهد.. ولا شك في انه، عاجلاً ام آجلاً، سوف يكون لهذا التراجع الكبير في القدرات المالية للمملكة تأثيره على مسار الحرب في اليمن، قد يدفع الحكومة السعودية مكرهة إلى قبول وقف الحرب ورفع الحصار عن اليمن وسلوك طريق الحل السياسي.. فالمملكة اليوم لم تعد قادرة على تأمين نفقاتها الأساسية الداخلية وهي مضطرة إلى الاستدانة لتأمين العجز الكبير في موازنتها، فكيف تستطيع والحال هذه الاستمرار في تحمّل كلفة إنفاق باهظة على الحرب في اليمن.. كما أنّ الدول الغربية سوف تتضرّر من تراجع القدرات المالية للمملكة بنفس القدر الذي كانت فيه المملكة تخدم مصالح الغرب وسياساته في المنطقة التي ترتكز على نهب ثروات العرب وامتصاص عائدات النفط ودعم وحماية الكيان الصهيوني باعتباره القاعدة المتقدّمة للغرب في قلب المنطقة.. انطلاقاً مما تقدم فإنّ ضعف القدرات المالية للحكومة السعودية إنما يصبّ في مصلحة جبهة المقاومة وقوى التحرر في الوطن العربي والدول الإسلامية والعالم..

نصرالله : لا مناخ تصادميّاً في البلد

ناصر قنديل

كل القضايا المهمة التي تناولها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، سواء في ملف الأزمة الاقتصادية المالية وخطة الحكومة، أو في مواجهة الغلاء، أو في توضيحاته حول قطاعَي المصارف والصرافين، ما كانت لتكون، لو لم يكن لدى السيد نصرالله، ما وصفه بغياب مناخ تصادميّ يضع أولوية إسقاط الحكومة على جدول أعمال معارضيها، ما يتيح وفقاً لكلام السيد منح الفرصة إن لم يكن التعاون ممكناً، ولو كان مرغوباً ومطلوباً، ولولا هذا التقدير لما بلغ الأمر بالسيد نصرالله أن يعرض استعداد الحزب للعب دور المسهّل والميسّر لعلاقات التوتر بين الأطراف والزعامات، نافياً بين سطور كلامه، اتهام الرئيس سعد الحريري للحزب بدعم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في وجه الحريري. ووفقاً للسيد فإن الدول قد لا تملك المناخ ولا الإمكانات لتساعد لبنان، إن أرادت، وهي حكماً لا تملك مثلها لتصديعه وتفخيخه ثم تفجيره إن أرادت. والأهم أن القول بأن الجميع منشغل بتداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط، هو الأصح، وليس ما أوحت به بعض المواقف التي تزامنت مع جولات السفيرة الأميركية، وبنيت عليها استنتاجات وتحليلات تتحدث عن دنو ساعة التصادم الكبير، الدولي الإقليمي المحلي، مع حماية الغالبية النيابية وفي طليعتها حزب الله، لحكومة الرئيس حسان دياب.

بعد شهور من المناخات التصادمية المحيطة بمناخات الإقليم، في ضوء المستجدات التي أعقبت اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، والتي جاءت ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة في قلبها، وجاء الاستقطاب السياسي الداخلي على خلفيتها، من موقع التأثر والتأثير المتبادلين، جاء وباء كورونا وما خلفه وراءه من تداعيات أصابت العالم بأسره، خصوصاً المركزين الدولي والإقليمي المناوئين للمقاومة، من واشنطن إلى الرياض، وبينهما تل أبيب، وصار السؤال بداية، إلى أي مدى تتواصل مكابرة الرئيس الأميركي في الإقرار بأن شيئاً قد تغير، ثم بعد الإقرار والاعتراف بحجم المأزق، صار السؤال عن حدود التغيير الذي سيُصيب السياسات الأميركية في المنطقة، وفي قلبها كيفية تعامل حلفاء واشنطن والرياض مع الحكومة التي سارع بعضهم لوصفها بحكومة حزب الله، لجعلها تحت مجهر التصويب، وجاءت جولات السفيرة الأميركية، وتصريحات معاون وزير الخارجية الأميركيّة ديفيد شنكر لتزيد الغموض والأسئلة، وجاءت المعارك الداخلية حول سياسات حاكم مصرف لبنان وطرحت في سياقها فرضية إقالته. ووسط هذا الصخب الكبير، تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية، رغم بقائها بين حدود تسجيل الحضور وتفادي المواجهة، وخرجت التحليلات والفرضيات تتحدث عن أمر عمليات لإنشاء جبهة معارضة تتولى إسقاط الحكومة والعهد، وصولاً لاستهداف المقاومة عبرهما، وأخذ البعض يتحدث عن السيناريوات الافتراضية لحرب إسرائيلية مقبلة، تستظل بالجوع والفوضى، وتستثمر على اصطفافات جديدة تضمّ مجموعات من الحراك جرى توضيبها أميركياً، وثلاثي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. وها هو السيد نصرالله يقول بالوضوح الكامل، لا تقلقوا ليس هناك مناخ من هذا النوع، رغم كل الصخب، أما التوترات القائمة فهي نابعة من اعتبارات لبنانية تقليدية، كالنفوذ والسلطة، وليس بينها ما يتصل بما يسمّى هوية النظام وشكل النظام.

من هنا تستمد دعوات السيد نصرالله للحوار ولمدّ الجسور مصداقيتها. ومن هنا يصير لدعوة مناقشة الخطة المالية والاقتصادية للحكومة الباقية حتى إشعار آخر بعيد، معناها. ومن هنا يصير لدعوة الحكومة للتصرف بخلفية أنها باقية لتواجه استحقاقات التفويض الممنوح لها لمواجهة الأزمة ضمن ضوابط معلومة، أهمها النقاش عند كل محطة واستحقاق، بما في ذلك، خصوصاً في هذا النقاش، حاصل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولأن التفويض ليس مطلقاً والخطة ليست نهائية، فباب الحوار مع الكتل النيابية والقوى السياسية يجب أن يبقى مفتوحا بإيجابية، وحاصل التوافق هو الأهم للبنان، لأن خطر التجاذب والاستقطاب والتصعيد سيطيح بفرص الإنقاذ المحفوفة بالصعوبات والمخاطر والتي تفوق طاقة الحكومات، ولذلك يصير لدعوة الحكومة لتحمل مسؤولياتها في مواجهة الغلاء ودعوتها لمعالجة سعر الصرف، مكان واقعي، لأن لا معارك كبرى في السياسة وراء الباب. فليس هناك أمر عمليات خارجي داخلي لإطاحة الحكومة يجد حزب الله نفسه معنياً بالإعداد لمواجهته، ولا هناك بالمقابل قرار لدى الحكومة يؤيده حزب الله ويحميه لإطاحة الخصوم سواء من بوابة مكافحة الفساد أو من باب التعيينات. ولأن الأمر كذلك، فكل فرضيات الحديث عن انكسار العلاقة بين حزب الله وحركة أمل نابعة من هاتين الفرضيتين، فرضية هجوم الخصوم أو فرضية هجوم الحزب وحلفائه، فإن نفيهما يكفي لنفي النتيجة.

هكذا يفسر لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالنائب السابق وليد جنبلاط ما قاله السيد نصرالله، بمثل ما يفسّر كلام السيد موقع اللقاء.

ماذا بعد الانهزام السعوديّ؟

د. وفيق إبراهيم

الدور السياسي السعودي في محنة تاريخية للمرة الاولى منذ تأسيس المملكة بتعاون بين البريطانيين المستعمرين لجزيرة العرب وبين الحركة الوهابية وآل سعود في مطلع الحرب العالمية الأولى.

ما يؤكد عمق هذه المحنة وثباتها، تقارير عرضتها ثلاث مؤسسات أممية غربية هي الأعلى مكانة في العالم، جزمت فيها ان السعودية فقدت مكانتها الاقتصادية وهوت الى درجات الدول العادية.

كما جزمت أن خسائرها جراء انخفاض انتاج النفط وتداعيات جائحة كورونا قد تزيد عن خمسين في المئة.

المؤسسة الأولى هي صندوق النقد الدولي الذي اكد في تقريره الأخير ان الاقتصاد السعودي يذهب للمرة الاولى في تاريخ بلاده نحو خسائر بنيوية ويجد نفسه مضطراً للتقشف والدين.

بدورها مؤسسة ماكينزي العالمية جزمت في تقريرها بتراجع سعودي اقتصادي عميق يؤدي الى عدم استقرارها.

اما مؤسسة «موديز» لتقييم اقتصادات الدول فأسقطت الاقتصاد السعودي من درجة «أ» امتياز الى «أ» ناقص للمرة الأولى منذ ستينيات القرن الماضي.

بذلك يجمع خبراء الاقتصاد ان خسائر الاقتصاد السعودي قد تتعدّى الخمسين في المئة من موازنتها الحالية، هذا إذا حافظت العائدات الناتجة من مواسم الحج والعمرة والسياحة الدينية على مستواها الذي كان ينتج نمو 25 في المئة من الموازنة السعودية.

بدورها وزارة المال السعودية في تقريرها الأخير الذي تلاه وزيرها الجدعان دعا السعوديين الى التقشف وقرارات مؤلمة تتحضر الدولة لإطلاقها. معتبراً انها مرحلة ضرورية للتعامل مع جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط من 66 دولاراً للبرميل الواحد الى 26 حالياً، مع توقع المزيد من الانخفاض، كاشفاً ان الدولة مضطرة الى الإنفاق بسياسات تقوم على تلبية الأكثر أهمية وإلغاء كل ما يؤثر على الاستقرار.

لذلك فإن العالم بدأ منذ الآن بالتعامل مع «سعودية جديدة» اعترف وزير ماليتها انهم ذاهبون لتغطية إنفاق الدولة بنظام دين قد يزيد عن 60 مليار دولار سنوياً مع سحب قسم من الاحتياطات المالية السعودية الموجودة في الخزائن الأميركية وبعض مصارف اوروبا.

لا بدّ هنا من الاشارة الى ان الاقتصاد السعودي الناتج من النفط والعائدات الدينية، ووجود الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة، منحا الدولة السعودية دوراً سياسياً عالمياً نذر نفسه لخدمة الاهداف الاميركية في العالمين العربي والاسلامي وبعض انحاء افريقيا ومؤتمرات العشرين وسياسات الامم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية.

ما هي النتائج المتوقعة على دور آل سعود؟

لجهة الداخل فجزء منه يتعلق بأجنحة الأمراء السعوديين أنفسهم المعتادين على نيل حصص من الإنتاج النفطي ينالون عائداتها، وهؤلاء عشرات آلاف الأمراء من اكثر الفئات إنفاقاً في العالم على اليخوت والقصور وأندية كرة القدم الأجنبية والميسر العالمية والمكرمات والوجاهات.

هؤلاء يبدّدون حسب المعلومات الدولية نحو 15 في المئة من الموازنة من دون احتساب ما تتقاضاه عائلة الملك وولي العهد من موازنة تعتبر الأعراف انها ملك صرف لهم يأخذون منها من دون اي سؤال ومحاسبة ويستطيعون توزيع اي مبلغ منها على اي سياسيين من دول اخرى بومضة عين فقط.

اما الإنفاق على الداخل السعودي فيلبي قسماً من المؤسسات التشغيلية العامة ورواتب موظفين معظمهم لا يعمل والمكرمات لزعماء القبائل والرأي العام والرشى وتغطية نفقات جيش كبير غير فاعل وحرس وطني متخصص بالقمع الداخلي واجهزة مخابرات ونفقات تسليح وصيانة ومدربين أجانب ومرتزقة من دول آسيوية وعربية وتوزيع اموال على الإعلام الداخلي والعربي والعالمي.

هذا جزء داخلي من انفاقات آل سعود، اما القسم الخارجي فخطير جداً لأنه ينفق اموال السعودية على هدي الاجتياح الجيوبوليتيكي الاميركي للعالم، فتحضر السعودية كأمين خزنة يوزع المال حسب اوامر البيت الابيض واجهزته العميقة، لشراء حكومات الدول الاسلامية والافريقية خصوصاً مع ارضاء الدول الغربية بشراء سلع وسلاح لا تحتاجها السعودية كثيراً وبأسعار مرتفعة عن أثمانها الحقيقية. بالإضافة الى تمويل الإعلام العالمي لهدفين: تأييد السياسات الاميركية والنفطية على الأداء الهمجي لآل سعود في الاغتيالات الداخلية والخارجية.

يكفي أن هذا الاعلام المرتشي يتجاهل ان حقوق الانسان غائبة بشكل كامل عن دولة سعودية تصرّ على التموضع في القرون الوسطى. فلا نقابات فيها ولا جمعيات ومنظمات والاحزاب مجهولة في هذا الجزء من العالم، ووسائل الإعلام فيها المكتوبة والمسموعة والتلفزيونية لا تعرض إلا لما تصفه بانجازات آل سعود في بلادها والخارج!

هناك جانب أخطر يتعلق بتمويل الحروب السعودية على اليمن وتمويل منظمات الإرهاب استناداً الى اعترافات رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم الذي أقرّ أن الأميركيين كلفوا قطر والسعودية بتمويل منظمات سورية وعراقية، مضيفاً بأنه لم يكن يعرف أنها إرهابية على علاقة بالقاعدة!

هاتان الدولتان تواصلان حتى الآن توفير دعم كبير للإرهاب في ليبيا والسودان والجزائر مع الاستمرار بدعم داعش وحواملها في بلاد الشام والعراق.

للمزيد من الإضاءة فإن تمويل حربها على اليمن سواء بالمباشر على قواتها وجيش رجلها الرئيس المخلوع منصور هادي والمشاركات المصرية والسودانية والأميركية والبريطانية منذ خمس سنوات متواصلة، هذا الدور استنزف موازنة آل سعود ولم ينجحوا بتثبيت نفوذهم اليمني بل خسروه، مع اندلاع صراع عسكري بينهم وبين حلفائهم الإماراتيين على النفوذ في جنوبي اليمن.

هذا الوضع ذاهب الى تفجير كبير نتيجة للانخفاض الهائل بمعدل أكثر من 50 في المئة من موازنة السعودية مع عجزها عن اقتطاع أي قسم من احتياطاتها المالية الخارجية بسبب الرفض الاميركي والغربي المتراجع بدوره.

لذلك فإن الداخل السعودي لن يبقى مستقراً على مستوى العلاقة بين أمراء آل سعود أنفسهم وعلاقتهم بسكان دولتهم الذين نم يرضخوا لتقشف لم يعتادوا عليه.

كما أن هذا الخفض ينسحب على تراجع الدور السعودي في زعامة الخليج والى حدود الانقطاع مع دول عربية اعتادت على مساعداتها كمصر والأردن ولبنان والسودان، الى جانب تضعضع ادوارها في دول الاسلام الآسيوي والأفريقي. الأمر الذي يقلص الى حدود كبيرة دورها التاريخي الواسع.

فهل نحن عشية تحوّل السعودية دولة خليجية متواضعة؟

انها كذلك لفقدانها الجزء الأهم من أدوات تأثيرها، لكن هناك مَن يعتقد ان مملكة آل سعود لن تبقى حتى دولة متواضعة لأن الصراعات بين أجنحة الأمراء فيها خطيرة جداً، هذا بالإضافة الى ان حرمان سكان المملكة من الرعاية والخدمات يعمم الفقر ويؤدي الى انتفاضات واعدة.

هناك نقطة إضافية وهي ان الاسباب التي كانت تجعل الغرب الأميركي والأوروبي يوفر غطاء سياسياً كاملاً لحماية المملكة، لم يعد الآن مضطراً لتأمينها بسبب غياب المؤتمر المالي.

هذا يبرهن أن مستقبل السعودية كدولة كبيرة انتهى الى غير رجعة، ومسألة محافظتها على كيانها السياسي مرهونة بمدى الاندماج في سبيل بناء تحالف إسلامي يصبح جزءاً من القرن الحالي.

فيديوات متعلقة

السعوديّة نحو مملكة سلمانيّة جديدة

د.وفيق إبراهيم

ما يجري في السعودية أكبر من مسألة نقل للسلطة من الأعمام إلى الأحفاد، يتجاوز حقوق أميرين من أولاد المؤسس عبد العزيز وهما أحمد ومقرن، شقيقا الملك الحالي سلمان، لا شك في أن الأمر أخطر بكثير، فهناك مشروع إلغاء كامل للمعادلة التاريخية التي تحكم السعودية منذ مطلع القرن الماضي ابتدأت مع عبد العزيز، وقامت على أساس أفقي ينتقل الحكم فيه من الأخ إلى أخيه وهكذا دواليك حتى استنفادهم بالكامل، وعندها ينتقل الملك الى الإبن الأكبر من عائلة الأخ الأكبر بشكل يستمر فيه النظام الملكي الأفقي على هذا المنوال إلى ان تنتهي السعودية نفسها، فلا يستاء جناح سعودي من أي جناح آخر، لأن دوره آتٍ في الحكم حتى لو طال الانتظار بضعة عقود أو قرون.

أما القاعدة الثانية للحكم فتقوم على أساس تبعية كاملة للسياسات الأميركية في العالم، خصوصاً في تنفيذ ما تحتاجه في العالم الاسلامي، إلا أن الحكم السعودي الذي ينصاع دائماً للنفوذ الأميركي، يحرص على عدم اهتزاز صورته على مستوى الاسلام وتقديم صورة قوية عن التزامه بالقضية الفلسطينية. وهنا يلعب الاعلام دوراً في عرض صور إيمانيّة لآل سعود مع عمق دفاعهم عن فلسطين والتزامهم بتقديم مساعدات للدول الاسلامية، يتبين في ما بعد أنها «رشى» لضبط هذه الدول في إطار الجيوبولتيك الاميركي.

ماذا يفعل محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي بالمعادلة السعودية؟

استفاد إبن الملك سلمان من الرئيس الأميركي ترامب فاشتراه بعلاقات اقتصادية دفع فيها الأمير محمد نحو 500 مليار دولار دفعة واحدة، كانت كافية لتلبية طموحاته وأولها أن يكون وريث ابيه سلمان في الملك السعودي، على أن يصبح في مراحل لاحقة الزعيم الأبرز في العالمين العربي والاسلامي.

لذلك تزامن تعيينه ولياً للعهد في توسيع احجام التدخلية السعودية في اليمن وقبلها في سورية والعراق ومصر، والقرن الأفريقي والسودان والجزائر، وتونس وليبيا. فكل ما أرادته السياسة الأميركية، نفذه من دون نقاش، حتى أنه اغتال الاعلامي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية من دون أي مساءلة دولية فعلية، وذلك للغطاء السميك الذي وفره له ترامب.

لكن تراجع السياسات السعودية في سورية والعراق وانكسار مشروعها في اليمن وعجزها عن السيطرة على قطر، وانحسار مراكز قوتها في مجمل العالمين العربي والاسلامي، انتجوا مرحلة تقلص الأهمية السعودية من دولة ذات مدى اقليمي دولي يصل الى حيث يوجد مسلمون، ثم تقلصت الى مستوى دولة عادية جداً من دول السرق الأوسط تعجز عن إقناع معظم جوارها باهتماماتها السياسية، كما فشل السعوديون في دفع أصدقائهم الدوليين والإقليميين الى محاربة ايران، وظلت تهديداتهم لها مجرد جعجعة أصوات وحبر على ورق.

هذا الانكسار السعودي انعكس على مستوى الداخل، فهناك نحو خمسة آلاف أمير سعودي ممتعضين من استئثار محمد بن سلمان بالحكم وولاية العهد بالقوة وعكس مألوف معادلة الحكم التقليدية في السعودية.

هناك إذاً إحباط من فشل السياسة الخارجية لإبن سلمان، بالإضافة إلى اغتيالاته المتعدّدة لمنافسين له سواء بأحكام ملفقة او باغتيالات سرية.

لكن ولي العهد وصل الى مرحلة استشعر فيها أن الأميركيين خصوصاً والغرب عموماً لن يتورعوا عن اقصائه عن ولاية العهد في السعودية اذا شعروا أن إبعاده يضمن استقرار هيمنتهم على شبه الجزيرة العربية.

بأي حال، تنبّه محمد بن سلمان الى هذا الاحتمال، بمواكبة بدء عمه أحمد بن عبد العزيز بالالتقاء مع محمد بن نايف وزير الداخلية السابق المعزول ايضاً عن ولاية العرش، وكثير من بعض الأجنحة الأخرى، المنزعجة من دكتاتورية محمد بن سلمان، هذا مع دعم خفي من بعض الاجنحة الاميركية التي أسرعت لبناء بدلاء من محمد بن سلمان، في حالة انهياره، والبديل الموضوعي هنا، هو عمه احمد وشقيقه مقرن وصولاً إلى اولاد عمه محمد بن نايف وأخيه نواف، من دون نسيان آلاف الامراء السعوديين الرافضين لمعادلة ابن سلمان بالاستئثار بالحكم على اساس نظام جديد ينقل المُلك من سلمان الى محمد ابنه وأولاد نجله، ما يعني تغييراً بنوياً في المملكة السعودية الى المملكة السلمانية، فما هي تداعيات هذا الاحتمال؟

لا بد في المنطلق من وجود دعم اميركي ضروري لمثل هذا الانقلاب السلماني في مفهوم السلطنة، لأن السعودية جزء بنيوي من الجيوبولتيك الاميركي تتمتع بحرية نسبية بتأسيس علاقات مع اوروبا وتجارية مع الصين وروسيا انما بشكل مخفف، ما يربط أي اتجاه لتغيير عميق في بنية المملكة لتأييد أميركي مسبق، فهل هذا موجود؟

صمت البيت الأبيض يعكس تأييداً أميركياً مضمراً يترقب النتائج للاعلان عن تأييده، كذلك فإن اوروبا تنتظر المسألة نفسها ومعها روسيا والصين.

لجهة الداخل السعودي، فقد تمكن محمد بن سلمان من الإمساك بكل عناصر القوة السعودية من الجيش والحرس الوطني والمخابرات ورؤوس العشائر، والقوة النفطية عبر سعيه إلى بيع أسهم أرامكو في السوق العالمية. وهذا بمفرده عنصر جذب للقوى الغربية وإبعادها عن الصراعات بين الامراء في الداخل.

كما أنه قطع علاقات النظام السعودي بمجمل القوى الإرهابية الممتدة من الحركة الوهابية الخاصة ببلاده، وذلك في حركة لكسب الودّ الغربي، وإيهامهم بتطورات حديثة في المجتمع السعودي التقليدي.

ما هو واضح إذاً ان ابن سلمان يترقب موت والده سلمان مهيئاً مجلس البيعة لإعلانه ملكاً، وبحركة تمهيدية اعتقل المنافسين المحتملين من أعمامه أحمد بن عبد العزيز ومقرن وأبرز منافسيه الناقمين عليه من أولاد عمومته والأكثر فاعلية وهما محمد بن نايف وشقيقه نواف، مع نحو ثلاثين أميراً من اصحاب العلاقات الخارجية والداخلية.

إن هذه الصراعات تنذر باقتراب موعد النهاية الدرامتيكية لهذه المملكة على وقع الانفجارات المرتقبة بين الآلاف من أمرائها، ما يفقدها اهمياتها الاسلامية والخليجية والعربية وبالتالي الدولية. فهل يغفل الأميركيون عن هذه التطورات؟ تعتقد الدولة الاميركية العميقة ان دفع هذه الصراعات الى التأجيج، كفيل بإعادة انتاج دولة جديدة تقوم على النفط المتراجع وكميات كبيرة من الغاز لم يبدأ استثمارها بعد وهي المعادلة الجديدة الدافعة للاميركيين لتأييد أي دولة سعودية وجديدة وإحاطتها بدعم أميركي مشبوه.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

«لم تعد إيران فقط نحن»… الثورة على إيران في لبنان والعراق؟

أكتوبر 5, 2019

روزانا رمّال

للوهلة الأولى يطرح تساؤل أساسي حول «مشترك ما» يدور بين الشارع اللبناني والشارع العراقي المحتقن للأسباب نفسها، وموقع الطرفين من المعادلة السياسية الإقليمية وعما اذا كانت هناك اشارة تجمع بين مصير حكومة الرئيس سعد الحريري وحكومة رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي.

«مطالبكم بالإصلاح ومكافحة الفساد وصلتنا.. حاسبونا عن كل ما نستطيع القيام به في الأجل المباشر ولا توجد حلول سحرية… إن البطالة لم نصنعها والبنى التحتية المدمّرة ورثناها…».

هذا الكلام صدر عن رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، لكن إمكانية إسقاطه على القيادات اللبنانية برئاستي الجمهورية والحكومة ممكن أكثر نظراً لتشابه المعضلة الاقتصادية وارتباطها بحروب مدمجة بقيادات فاسدة محلية عاثت خراباً سياسياً محلياً أورثت معها العهود المتعاقبة الفشل والضياع. ومع أي محاولة للاصلاح يتبين ان المعضلة كبيرة وأن التركيبة السياسية الحزبية «الطوائفية» صارت أكبر من برمجة لائحة من الخيارات والحلول الاقتصادية. وهنا وفي ربط للحالتين اللبنانية والعراقية يتم إسقاطه على الوضع الراهن فإن الشبه أيضاً والترابط متعلق بسياسة المحاور التي يغرق فيها البلدان بشكل كبير، بل هو أكبر من أي دولة عربية حتى أن سورية التي تعيش حرباً ضروساً منذ سنوات استطاعت حسم اللعبة العسكرية نحو محور حليف لروسيا في وقت سابق اعتبرته واشنطن أمراً واقعاً منذ لحظة وصول القوات الروسية الى السواحل السورية، ومنذ اول الطلعات العسكرية الروسية الجوية في 2015.

في العراق ما يشبه قوى الرابع عشر من آذار وحلفاء أميركا والسعودية، ومحور آخر يشبه قوى الثامن من آذار وهم حلفاء إيران وسورية. وفي الحالتين دارت اللعبة وارتبطت بشكل وثيق حتى دخلت لعبة احتساب نقاط الربح والخسارة بين المحاور على حساب البلدين.

المشترك اليوم هو غضب الشارع العراقي وتحضير أرضية لبنانية مماثلة «بخطوات حذرة»، لكنها واقعة ضمن الأجندة والمنطق نفسهما. وهو المنطق الذي يقول التالي: هناك استحالة بالتسليم السعودي الأميركي لفكرة سيطرة نفوذ إيرانية على أكثر من عاصمة عربية. وهذا الكلام يكشفه دبلوماسي عربي رفيع لـ»البناء» وهو أكثر ما يجعل السعودية متأهبة لإفشال هذا النوع من الخطاب اللاذع الذي يعني إخراجها من العراق ولبنان.

الكلام الأول الذي جاء على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وباعتبار أن الأكثرية النيابية في لبنان تؤيد إيران وهي 75 نائباً هي لغة غير ممكن اعتبارها عابرة في منطق التوازنات التي صارت فيها السعودية هي الأضعف.. هذا الكلام موجود ويبدو أنه صار خطاباً معتمداً عند بعض القيادات الإيرانية. فقد انتشر حديث لإمام جامع مدينة مشهد الإيرانية آية الله احمد علم الهدى وهو عضو مجلس خبراء القيادة وممثل الولي الفقيه في خراسان، تحدّث فيه عن توسّع نفوذ إيراني غير محدود بجغرافيا ممثل بالحشد الشعبي بالعراق واصفاً إياه بـ»الإيراني» وحزب الله في لبنان «إيراني» وأنصار الله في اليمن هم «إيران» وما أسماها الجبهة الوطنية السورية هي «إيران» والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين هما «إيران» جميعهم باتوا إيران… لم تعد إيران فقط نحن «على حد وصف» علم الهدى. وأضاف: «سيد المقاومة نصرالله أعلن أن المقاومة في المنطقة لها امام واحد وهذا الإمام هو المرشد الاعلى للثورة الاسلامية. هل تريدون أن تعلموا اين هي إيران؟ اليس جنوب لبنان هو إيران.. أليس حزب الله إيران؟ طائرات الدرون اليمنية التي تسببت بأضرار كهذه للسعودية اليست إيران هناك؟ تقولون إن الطائرات أتت من الشمال وليس من الجنوب شمال او جنوب ما الفرق؟ إيران هي الاثنان.. شمالكم وجنوبكم».

هذا الكلام يناقض كلام القيادة الإيرانية التي تؤكد أنها لم تستهدف أياً من المصالح السعودية، لكنه وبأي حال من الأحوال يبقى خطاباً مفهوماً لدى محور يعتقد منذ أكثر من ثماني سنوات وهو تاريخ الحرب في سورية التي قسمت المنطقة عمودياً ودخلت إيران وحليفها الاساسي حزب الله في صلبها.. يقول مصدر متابع «مؤيد لحزب الله وسياسات إيران في لبنان لـ»البناء» ان هذا الكلام يوضع ضمن شرح عام للمشهد وليس معنى تجريدياً لسيطرة إيرانية حقيقية، بل هو موضوع ضمن إطار حساب نقاط الربح بالمنطقة لصالح محور أثبت صوابية خياراته واستطاع إفشال المخططات الأميركيّة.

تبدو الثورات في العراق وما يمكن أن يتطور في لبنان واحدة من الاستهدافات لهذا النفوذ الإيراني.. هي ثورات على «إيران» بكل ما للكلمة من معنى ففي لبنان يسود خطاب انفعالي يعتبر ان عهد الرئيس ميشال عون كرّس الوجود الإيراني. وهو كلام صادر عن معارضة مبطنة تحرك باتجاه خيارات جدية يتبين اليوم أن اولها الشارع وثانيها استهداف الحريري وتعقبها مشاكل العملات والوقود التي تخض البلاد وفيها جزء يتعلق بعقوبات على بنوك تقول الادارة الأميركية إنها تتعاطى مع حزب الله..

الأسئلة حول السكوت السعودي والردّ على استهداف «أرامكو» وإعادة المهل بالتسويات في المنطقة الى أجندة تحكمها واشنطن لا الخيارات الروسية – الإيرانية إجابتها في هذه الثورات أو ما يعادلها من حراك شعبي. وهي تتحكم بالمشهد اليوم. والسؤال ليس عن إمكانية ان تنتج هذه الثورات اي تغيير وهو غير وارد لأنها تعنى ببلدان تعيش تراكمات تاريخية من الفساد كلبنان والعراق وحتى مصر المتوجّهة نحو خيارات تطبيع مع سورية ومساعٍ لإعادتها للجامعة العربية، بل عن مغزى الفوضى لأجل الفوضى فقط لدى محرّكين يدركون استحالة إعادة ميزان القوى للوراء.

إيران على رأس لائحة القوى الإقليمية !

أكتوبر 5, 2019

د. وفيق ابراهيم

أربعة عقود بدت كافية لتنتقل إيران من جمهورية اسلامية تتعرض لحروب ومقاطعات وحصار وبشكل متواصل الى دولة إقليمية وازنة تجيد الدفاع عن مسألتين: أراضيها وتحالفاتها وبالتالي إقليميتها.

لم تصل إيران الى هذا النجاح إلا بعد صراع مفتوح ومستمر مع الولايات المتحدة الأميركية التي استهدفتها منذ اعلان جمهوريتها الإسلامية في 1979، حتى استنفدت كامل آلياتها بدءاً من العراق في مرحلة 1980 1988 ومصر والسعودية و»إسرائيل» وتركيا وباكستان.

اليوم بعد 40 عاماً على ولادة جمهوريتها الإسلامية تشارك إيران اواخر هذا الشهر مع روسيا والصين في مناورات بحرية في المحيط الهندي المتصل ببحري الأحمر والخليج بما يشبه رسالة حادة لمن يهمه الأمر بولادة ائتلاف بين القطبين الروسي والصيني اللذين دخلا في نظام القوة الاساسية في العالم في اطار معادلة متعددة الرؤوس وبين إيران التي تمكنت من التربع على أعلى الدرجات في لائحة الدول الإقليمية في الشرق الاوسط.

كيف احتلت الجمهورية هذا الموقع؟

التأكيد على تميّزها، ليس مديحاً انشائياً ليس له ما يعادله، والدليل بدأ مع الحرب العراقية التي شنها الرئيس العراقي السابق صدام حسين عليها لثماني سنوات متتالية 1980 1988 مستغلاً حالة الضعف والإرباك التي عاشها بعد سقوط دولة الشاه في 1979.

اما خصائص هذه الحرب فعراقيتها عسكرياً وتغطيتها الأميركية وتمويلها الخليجي الكامل والتأييد العربي الإسرائيلي لها. سورية بمفردها وقفت ضد هذه الحرب، لكن إيران نجت بدفاع مستميت استلزم أعواماً ثمانية حتى دحرت العراقيين الى بلادهم في معارك عنيفة أوقفها الخميني عند حدود بلاده مع العراق.

وهكذا أسقطت إيران مشروعاً صدامياً كان يريد دوراً لبلاده في الإقليم.

كما منعت إيران مصر من نشر ثقافة الاستسلام باتفاق كمب ديفيد الذي عقدته مع «إسرائيل» 1979 فمولت وسلحت قوى فلسطينية ولبنانية مقاومة. ودخلت بشكل مباشر للدفاع عن عراق ما بعد صدام في وجه إرهاب مدعوم من تركيا وعالمياً وأميركياً فنجحت مع القوى العراقية المتحالفة معها في دحره وتحقيق توازن لمصلحتها في عراق لا يزال قسمٌ منه محتلاً من الأميركيين.

بذلك أعادت التوازن الى القضية الفلسطينية وحالت دون القضاء عليها، هذا بالإضافة الى دعمها المباشر لسورية تمويلياً وعسكرياً واستشارياً في وجه إرهاب دولي بمئات آلاف المسلحين 2001 2019.

لقد تمكنت إيران الإسلامية في الحروب على الارهاب من القضاء على ادوار قوتين إقليميتين هما تركيا و»إسرائيل» كما اصابت الدور الإقليمي السعودي في لبنان وسورية والعراق ومنعته من التمدد نحو الداخل الإيراني، كما كان يخطط ولي العهد محمد بن سلمان.

هناك اذاً دولٌ كانت تتمتع بأدوار إقليمية اساسية في الشرق الاوسط، وهي مصر والعراق والسعودية وتركيا تراجعت لمصلحة تقدم الدور الإيراني.

هذا الى جانب المجابهة الإيرانية الإسرائيلية في ميادين سورية والعراق والتي انتهت بدورها او على وشك ان تنتهي بعجز إسرائيلي عن إحداث اي تغيير في معادلة المنطقة.

لجهة تركيا فتحاول إيران استيعابها بتنظيم التباين في وجهات نظريهما في سورية والعراق، مقابل التعاون في وجه الحصار الأميركي المستهدف للبلدين معاً.

فلا يتبقى إلا باكستان من الدول القادرة على أداء دور إقليمي في الشرق الاوسط، لكنها تجنح تاريخياً لأداء هذه الادوار في آسيا الوسطى وتخشى من تحالف إيراني مع الهند العدو اللدود لباكستان.

لذلك اعتمدت إيران لتحييد باكستان النووية الخاضعة للنفوذ الأميركي وذات العلاقة المميّزة بالسعودية على عناصر عدة لمنع استغلال باكستان في حصارها.

أول هذه العناصر هو الغاز الإيراني الذي تستورد باكستان منه كميات كبيرة، الى جانب التبادل الاقتصادي بينهما الذي يصل الى 15 مليار دولار، أما العناصر الأخرى فتعرضهما المشترك لأخطار قومية «البلوش» الموجودين في مناطق حدودية بين البلدين ويريدون الانفصال عن إيران وباكستان. هذا بالاضافة الى ان 30 في المئة من الباكستانيين هم من الشيعة.

لذلك فضلت باكستان عدم الانجرار في إطار الخطة الأميركية السعودية لمهاجمة إيران. واكتفت بحياد دقيق حرصاً على أمنها الخارجي والداخلي.

بذلك تكون الجمهورية الإسلامية استهلكت بالكامل معظم الآليات الشرق اوسطية العاملة في اطار الخطة الأميركية، وهي مصر والسعودية وعراق صدام وتركيا و»إسرائيل» وباكستان. وهذا لا يعني انها انهتها كافة في المنطقة، لكنها استوعبت خطرها بوسائل عسكرية وسياسية واقتصادية واسهمت بتشكل حلف كبير يساندها من افغانستان الى اليمن فالعراق وسورية ولبنان.

فهل يمكن نسيان إسقاطها طائرة مسيرة أميركية واحتجازها بارجة بريطانية ونجاح حلفائها اليمنيين في تفجير مصافي أرامكو وتحرير 500 كيلومتر مربع في أعالي الحدود اليمنية، وسيطرة حلفائها في العراق وسورية ولبنان على السياسة في بلدانهم.

في إطار هذه المعطيات التي تؤكد على الدور الإقليمي الكبير لإيران وتفوقها على المنافسين، يمكن استيعاب اسباب الإصرار الروسي الصيني على التحالف مع إيران وتنظيم مناورات عسكرية معها في المحيط الهندي.

وهذا اعتراف واضح بنجاح الجمهورية الإسلامية في تثبيت دور إقليمي كبير يقف غير بعيد عن أبواب القوى العالمية المتعددة القطب، في معظم القارات التي أصبحت متيقنة من أن إيران باب رئيسي وازن للشرق الأوسط الجديد

مصر لن تفتح ذراعَيْها للفوضى والأخوان

سبتمبر 30, 2019

ناصر قنديل

– شكلت زيارتي للقاهرة عشية السنة الخمسين لرحيل الراحل العظيم جمال عبد الناصر، حدثاً وجدانياً وسياسياً، والأهمّ فرصة لسماع وتتبع نمط تعامل شرائح ونخب مصرية عديدة مع ما يجري في مصر، وما يعتقد المصريون بألسنة قادة الرأي بينهم حول ما يتوقّعونه من مكانة حاسمة لمصر في توازنات ومعادلات إقليميّة، يرونه سبباً في لحظات الاهتزاز الكبيرة التي تعيشها المنطقة أن يكون الطلب خلاله على أدوار من مصر، مشفوعاً بالرسائل المشفرة، التي يمكن أن يأتي بعضها أمنياً، كما يقرأون في تصاعد بعض العمليات التي تستهدف الأمن المصري وما قابله من ترتيب جهوزية استثنائية للجيش والأجهزة، وهو ما قالته العمليات الأخيرة في سيناء، ويمكن أن يأتي بصيغة توظيف مدروس لمناخات التعب الاقتصادي والاجتماعي لشرائح شعبية أو مناخات القلق والتذمر والتطلعات لشرائح شبابية، وقد علمهم الربيع العربي، وما حدث مع ثورتهم الأولى، ألا يروا في كل ما يلمع ذهباً، وأن يقتصدوا في استخدام مصطلحات من نوع ثورة وانتفاضة واحتجاجات عفوية، حتى لو كانت لهم مآخذ كثيرة على أداء الحكومة ومؤسساتها، أو على بعض ما يظنونه بروداً في التعامل مع المتغيرات وتبديلَ بعض الخيارات أو تطوير بعضها، يعتقدون أن بلدهم معني فيه، وأن زمن انتظارها قد طال.

– التوق لدور قيادي لمصر في الأزمات الدائرة في المنطقة يبقى نخبوياً بالتأكيد، رغم مشاعر شعبيّة عارمة تفجّرت في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر استعادت في بريق العيون ولهفات العناق وبحة الحناجر، تلك الأيام التي كانت القاهرة مركز صناعة السياسة الأول في المنطقة، وأحد المراكز العالمية المعدودة التي يحسبُ حسابها الكبار في قراراتهم. والتوق يبقى أقوى لدى الناصريين الذي يشكلون بيئة ثقافية حيّة وجمهوراً مشبعاً بالقيم والأخلاق، وكل منهم لا يخفي حجم تعلقه بالمقاومة، ووفائه لفلسطين، وعشقه لسورية، ويحكي بلا حساب أحلامه عن التطلع ليوم تكون فيه مصر كما يحب أن يراها درة تاج في هذا المثلث، لكنهم يستدركون بالقول، طبعاً لا ضغط على مصر بوسائل خبيثة ومؤذية أو رهانات مقامرة او انتهازية مشبوهة، طلبا لتحقق مثل هذا الحلم، بل هو أمل بتطوّر موقف الدولة ومؤسساتها، نحو سقوف تعبر فيها بوضوح أكبر عن اصطفافات تستثمر على تطورات المنطقة، وتغيرات موازينها ليكون لمصر بعض مما يحلمون به، ولو بالتدريج وبتواضع التمني، خصوصاً أن ما خبروه من خوف وقلق على مصر ووحدتها وأمنها واستقرارها، ومكانتها وتحالفاتها، ونبض مواقفها، خلال فترة تولي الأخوان المسلمين مقاليد الأمور في بلدهم، جعلهم يضبطون إيقاع مواقفهم، وحتى مشاعرهم، أو غضبهم أحياناً، على التمسك بمعادلة ذهبية أظهرتها عاصفة الخماسين التي سُمّيت ربيعاً وأصابت بلدان المنطقة، وهي أن الأوطان والجيوش توأمان، وبعدهما تأتي السياسة، بعيداً عن التطيُّر اليساري الذي شغل بال كثير من النخب والأحزاب خلال عقود مضت تحت شعار لا للعسكرة.

– الطلب على دور لمصر يأتي من الذين يخسرون معاركهم في الإقليم، وخصوصاً الذين يربكهم عدم انخراطها في أدوار عرضت عليها ورفضتها المؤسسة العسكرية والأمنية والدبلوماسية بقوة، سواء في مراحل الحرب السورية التي سبقت ثورة 30 يونيو، وتسلم الجيش مقاليد الحكم وإطاحته بقوة الشارع ودعمه لحكم الأخوان، أو في مواقع مشابهة، تملصت منها مصر وجيشها بذكاء، ولكن وبصورة أشد خصوصاً، تبدو العيون مفتوحة على التراجع التركي الإقليمي، وحاجة أنقرة التي خسرت رهاناتها في سورية وتخسرها في ليبيا، لمنع مصر من التقدم نحو المنصة السياسية للترتيبات والتسويات، كجهة تلقى القبول والترحيب من أغلب اللاعبين المحليين والإقليميين، ويخشون من أن يكون العبث والفوضى، أهدافاً بحد ذاتها دون سقوف القدرة على إحداث تغييرات كبيرة، تبدو مستحيلة، في ظل معادلات واقعية باتت تحكم مزاج الشارع وعلاقته بالمؤسسة العسكرية كخط أحمر غير قابل للتفاوض من طرفيه. فيصير العبث والفوضى هدفين لبريد رسائل يحاول الضغط والإرباك، ولو استخدم وقوداً له نيات طيبة، او أوجاعاً مشروعة، أو مآخذ ونقاط ضعف تتداولها الناس في صالوناتها وترغب بتلافيها وتفاديها، أو تطلّعات وطلبات ترغب بإسماعها والأخذ بها.

– لا قلق على مصر من الذهاب إلى الفوضى، ولا خوف على مصر من عودة الأخوان، ولا خطر ثالث سوى هذين يراه المصريون هذه الأيام ويضعونه في الحسبان، وبعضهم المتحمّس للدفاع عن أداء مؤسسة الحكم، ولو بقوة عمق ما تعلّموه من عبرة ما جرى عندما خطف الأخوان ثورتهم الأولى، لا يمتنع عن تقديم دفاعاته عن السياسات الرسمية وحساباتها وحجم الضغوط الاقتصادية المحيطة بمصر وحاجاتها الكثيرة، رغم ضيق الموارد، وبالتوازي حجم القيود التي تربك حركتها لتطوير مواقفها ورفع سقف حضورها، ودرجة الحساسيّة العدائيّة المتوجّسة التي تحضر فيها التعاملات الغربية والإسرائيلية مع كل خطوة تخطوها مصر نحو دورها الطبيعي في المنطقة، خصوصاً من البوابة السورية، التي سيلحظ بقوة كل زائر لمصر يلتقي نخبها ويجس نبض شارعها، أنه شأن مصري، لا يزال يتردد معه كلام جمال عبد الناصر سورية قلب العروبة النابض ، أو التذكير بأن الجيش السوري هو الجيش الأول كما جرت تسميته في مرحلة الوحدة السورية المصرية ولا يزال، أو أن مصر هي الإقليم الجنوبي وسورية هي الإقليم الشمالي، وبالمقابل الكلام الذي قاله حكم الأخوان ذات يوم سبق ترحيلهم من السلطة، عن القرار بالذهاب للقتال ضد الجيش السوري، فكانت الخطيئة المحرّمة التي دقت معها ساعة الرحيل.

– بعد كل هذا الكلام المشحون بالقلق والرغبة، بالطموح والخشية، بالعقلانية والحماس، يلتقي كل نقاش مصري على معادلات تختصر، بالثقة بأن ما يجري في المنطقة سيمنح مصر، التي تقف بثبات عند خط رفض الاشتراك في الخطط والمشاريع المسمومة للمنطقة، وكلما هزمت هذه المشاريع وتلقت المزيد من الضربات، فرصاً لتتقدّم مصر أكثر، ولو تأخّرت حيناً أو ترددت أحياناً، ويلتقي كل نقاش عند حد أدنى عنوانه الحفاظ على استقرار وتماسك مصر، وعلى التمسك بعدم التهاون مع كل ما من شأنه فتح الأبواب أو الشبابيك أمام عبث وفوضى يستعيدان مشهد الأخوان، أو تفوح منهما رائحة أجنبية، أو تفضح خلفياتهما الأسئلة المالية عن مصادر التمويل، وكلام كثير عن تصادم واهم خاضه مشروع الأخوان بعنوان الدين بوجه الجيش، وتصادم واهم آخر يسعى إليه البعض بين المال والجيش، لأن المصريين لن يسلّموا رقابهم لأصحاب الشركات، ولا الصفقات، ولا المقاولات، فيما كثير من مآخذهم وعتبهم على حكومتهم ينبع من حجم نفوذ هؤلاء، لكن الخلاصة تبقى ثابتة، مصر لن ترجع إلى الوراء ولو كان التقدّم إلى الأمام بطيئاً، ومثلما كان عنوان التراجع الممنوع هو التورط في الحرب ضد سورية، فعنوان التقدّم المأمول هو الانخراط في صناعة الحضور مع سورية ونحو سورية وفي سورية.

Related Videos

Part 1

Part 2

 

Part 3

Part 4

Part 5

Related

NEVER-BEFORE-SEEN VIDEO SHOWS MOMENT OF STRIKES ON SAUDI OIL INFRASTRUCTURE

Removed By You tube

South Front

On September 30, CBS News’ 60 Minutes released an interview with Saudi Crown Prince Mohammad Bin Salman Al Saud. The interview itself includes little new or non-mainstream points of views on the September 14 strike on Saudi oil infrastructure. Nonetheless, it includes videos showing the moment of the attack.

MORE ON THE TOPIC:

محمد بن سلمان على خطى حليفه بولتون؟

سبتمبر 13, 2019

د. وفيق إبراهيم

يبذلُ آل سلمان في السعودية كامل جهودهم لوقف مسلسل التراجع السياسي الكبير الذي يخشون من تداعياته على ادوار مملكتهم في الداخل والخارج.

ويرون ان هناك خطرين قد يطيحان بهم: الاول من اجنحة آل سعود وخصوصاً من المتضررين منهم والثاني تيارات شعبية بينها متشدّدون منغلقون وآخرون من فئات شعبية ساخطة على جمود بلدهم عند حدود القرون الوسطى.

هذا ما دفع بولي العهد محمد بن سلمان باعتباره محور مملكة ابيه، الى البدء بسياسة تراجعات للحد من الانهيار المرتقب، خصوصاً انه مهدد مرتين: فشل سياساته في محيطه العربي واغتياله بواسطة الامن السعودي الصحافي جمال الخاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة اسطمبول التركية.

ما هي اسباب هذا الخوف؟ مجموعات مشاريع فاشلة خسرت بداية في الميدان السوري الذي أطاح بحلفاء الرياض الارهابيين فانكسر الدور السعودي في سورية، كذلك انتهى هذا الدور في العراق لفشل القوى العراقية المؤيدة للوهابية، وهذه قطر الامارة الصغيرة صمدت في وجه مقاطعات صارمة من حلف سعودي بحريني اماراتي مصري.

اما اليمن فاستنزف مساعيها الداخلية والخليجية والعربية والعالمية صامداً في وجه اعنف هجمات منذ سنين خمس.

من جهة ثانية ادى صمود ايران الى اصابة محمد بن سلمان بشلل كامل، لان الاميركيين لم يعلنوا حرباً لتدميرها كما وعدوه، وبقيت قبالة سواحل بلاده منيعة الجانب ومرهوبة تصادر الناقلات البريطانية وتُسقط المسيرات الاميركية من دون رد وتؤدي ادوارها الاقليمية بتمكن.

وتبين له ان المدى الذي يمكن لـ»إسرائيل» ان تعلبه لا يصل الى سواحل ايران بسهولة كما كان يعتقد خصوصاً انه كان يستند الى معلومات اميركية واسرائيلية كانت تقول له إن السلاح الايراني اصبح قديماً ويعود الى 1980 بما يعني انتهاء فعاليته.

ولما استشعر بتململ داخلي، حاول ان ينقل السعودية وبسرعة البرق من عصر أهل الكهف الى زمن اندية الليل والمطربات والراقصات ليشتري قناعات الناس.

لكنه اكتشف ان عصر «النيو» والانفتاحات الخليعة لم تنتج ما أراده، فذهب لحماية ملك ابيه من خطر داخلي يتجسد اولاً في اجنحة آل سعود الصاخبين الرافضين لحصر المُلك في عائلة آل سلمان بما يناقض المفهوم التاريخي السابق للسلطة عند آل سعود، هذا بالاضافة الى ان ولي العهد سبق له واحتجزهم في الريتز كارلتون منتزعاً منهم معظم اموالهم بذريعة انهم سرقوها من موازنات المملكة، وكأن امواله واموال ابيه واشقائه ليست نتاج المعادلة نفسها. اما المهم هنا، فإنه نجح في سلبهم حقوقهم السياسية المنبثقة في تداول السلطة بين ابناء المؤسس اولاً ثم بالمداورة بين الأحفاد.

هذا ما دفع بإبن سلمان الى تنظيم حركة تراجعات مدروسة، متفقاً مع الاميركيين على مفاوضة انصار الله الحوثيين سراً، فحربه في اليمن آلت الى فشل ذريع وتهدد بالانتقال الى عمق السعودية، بعد تحول مصافي النفط فيها والمواقع العسكرية الى اهداف للمسيرات والصواريخ اليمنية.

وانسحب تقريباً من واجهة المشاريع السياسية في كل من سورية والعراق مكتفياً بتمويل بعض التنظيمات التي يزكيها الاميركيون ومتراجعاً عن الكثير من عقوبات السعودية على قطر بطلب اميركي، كما يتجه الى تفويض الاميركيين بحل نزاع بلاده مع الامارات جنوب اليمن.

عند هذا الحد لم يبدُ جديد محمد بن سلمان جاذباً، فقرر ضرب توازن داخلي قديم كان يقضي بإيلاء وزارة الطاقة في بلاده لشخص ليس من آل سعود، ويشكل نقطة توازن بين أجنحتهم.

وبما ان ما يهم الغرب في المملكة هو النفط، فقام بتعيين شقيقه خالد وزيراً للطاقة، بما فيها ارامكو اكبر شركة في العالم والتي يبدأ قريباً عرض اسهمها للبيع في بورصات العالم. وبذلك يمسك بمعظم دول الغرب من شدقيها، محطماً القرون التي تُنخزُه بها احياناً.

إن لوزارة الطاقة في السعودية اهمية اضافية عندما يتسلم مقاليدها ابن الملك فيستطيع بذلك التعامل مع الشركات الغربية القريبة من معادلتهم «السلمانية» في السلطة، مُفسحاً المجال لاكبر استثمار في منطقة الربع الخالي التي يتردد انها تحتوي على اكبر احتياطات عالمية معروفة من الغاز.

وبما ان المرحلة المقبلة الموسومة بالتراجع الاميركي وبالتالي السعودي تفترض تراجعاً سعودياً موازياً، فتجب اعادة الخط السعودي الى مستوى غير صديق لـ»إسرائيل» كما هو الآن.

فقام محمد بن سلمان بخطوة يهدف منها العودة الى قيادة العالم الإسلامي ومعه العالم العربي.

فما ان اعلن رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي عن نيته ضم شمالي البحر الميت والاغوار والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، حتى سارعت السعودية الى دعوة منظمة التعاون الاسلامي للاجتماع، واستنكرت اتجاهات صديقها نتنياهو، علماً ان السعودية لم تستنكر الضم الاسرائيلي للقدس المحتلة، وتحويلها عاصمة لـ»إسرائيل»، بما يكشف ان تراجع مشاريعها يفرض عليها الابتعاد نسبياً عن الكيان المحتل.

اما الحركة الاخيرة لخنق السعودية، فتجسدت بتعيين خالد شقيق ولي العهد وزيراً للدفاع، وبذلك يصبح الملك وولي العهد والأمن والمخابرات والدفاع والطاقة في يد محمد بن سلمان الذي يضع كامل امكاناتها في سبيل الوصول الى العرش السعودي، فهل هذا ممكن؟

نهاية بولتون لا تشجع افلات محمد بن سلمان من عقاب كبير على مشاريعه العربية والاقليمية التي ادت الى مئات آلاف القتلى ونمو التطرف الديني والاضطرابات المندلعة في كامل العالم العربي وقسم من المدى الاسلامي.

وكان بإمكان سكان جزيرة العرب الانتهاء منه لولا التغطية الاميركية، لكن للظلم نهاية، ومحمد بن سلمان يجري اليها معتقداً بنجاته، لكنه لا يفعل إلا الغرق في مزيد من الهاوية.

Related Videos

SAUDI ARABIA IS PREPARING TO REOPEN ITS EMBASSY IN DAMASCUS

South Front

07.09.2019

Saudi Arabia Is Preparing To Reopen Its Embassy In Damascus

Saudi Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman (R) addresses the first meeting of Gulf Cooperation Council (GCC) Economic and Development Affairs Authority in Riyadh on November 10, 2016. / AFP PHOTO / FAYEZ NURELDINE

Saudi Crown Prince, Mohamad Bin Salman, wants to reopen the Kingdom’s embassy in the Syrian capital of DamascusMujtahid, an anonymous Saudi activist, revealed on September 1.

The pseudonymous activist, who is known for leaking credible information on Saudi Arabia’s internal affairs, said that Bin Salman, known as MBS, has directed Saudi Foreign Ministry to restore economic and commercial relations with the Damascus government.

Last year, the UAE became the first Arab state to reopen its embassy in Damascus and appoint a chargé d’affaires in the war-torn country.

“Unlike what many believe, there is no disagreement between Saudi Arabia and the UAE on Syria,” the activist wrote on Twitter.

Mujtahid’s claims were confirmed a few days later by an unnamed Arab diplomatic source in Damascus, who told the al-Watan newspaper that reports of a near Saudi return to the Syrian capital are credible.

“The opening of the Saudi Embassy is not far away,” the source told the Syrian newspaper on September 5.

Saudi Arabia was among the first Arab states to close its embassy in Damascus in 2012. Later, the Kingdom became one of the key backers of anti-government forces in Syria.

By planning to reopen the Kingdom’s embassy in Damascus, Bin Salman may be trying to de-escalate the tension with Syria’s regional ally, Iran.

جامعة الدول العربية نحو الإقرار بالموازنات الجديدة… فهل سقط العصر السعودي؟

سبتمبر 4, 2019

د. وفيق إبراهيم

هذا حدث عجيب أن تعود جامعة الدول العربية الى إدانة «إسرائيل» بعد أكثر من عقد على تسلط نهج سعودي مصري قطري إماراتي عليها نجح في تحويلها الى اداة لإدانة القوى المناهضة للهيمنة الأميركية و»إسرائيل»، فأصبح حزب الله إرهابياً وإيران عدوة للعرب، والإرهاب معارضات داخلية، تحت الطلب، تدعو الجامعة بعض قيادييها للحضور بصفات مختلفة لتمثيل بلدانها بالنيابة عن الأنظمة الشرعية فيها.

فما الذي حدث حتى صدر بيان عنها بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة؟

وهي اعتداءات متواصلة أصابت سورية بأكثر من مئة وثلاثين غارة وما يقاربها من القصف الصاروخي ولم يصدر في حينه عن الجامعة أي إدانات، بل كانت وزارات الخارجية في بلدان الخليج والإعلام التابع لها في العالم العربي تزعم ان القصف الإسرائيلي يستهدف ميليشيات وخبراء إيرانيين يعتدون على المعارضة السورية وسط ابتهاج مصري أردني مغربي وصمت المتواطئين الآخرين في الدول الاخرى.

أهي تلك الصواريخ من الكورنيت التي أطلقها حزب الله من معاقله الحدودية في جنوب لبنان على مستعمرة «أفيفيم» حيث دمّر مدرعة عسكرية إسرائيلية! فكيف تستطيع هذه الطلقات المحدودة أن تفعل مثل هذا السحر؟

الحقيقة أنّ للموضوع رمزيته المرتبطة بنتائج صراع عسكري في الميادين بدأ منذ أكثر من عقد وشكلت سورية والعراق مسرحاً كبير له.

لقد أدار الأميركيون الصراع بخطة تفتيت هذين البلدين باستخدام الإرهاب الداعشي والأخواني كوسائل لمشروعه بتمويل خليجي كامل ودعم تركي لوجستي وتغطية سياسية عالمية من كل محور الدول الخاضعة للنفوذ الأميركي في العالم.

أم أنّ الجانب الثاني من الخطة الأميركية فجاء على شكل سيطرة على الأمم المتحدة وكامل المنظمات الإقليمية والقومية ومنها جامعة الدول العربية، فبدا ان مهمة هذه الجامعة هي توفير غطاء عربي كامل لإرهاب تحت مسمّى معارضات واستصدار بيانات عند الطلب لتأييد النهج الأميركي الخليجي وإدانة إيران حتى لو لم تفعل شيئاً ومعها أذرعها في لبنان واليمن والعراق وسورية، على حد زعمهم.

فتأمن إسقاط الجامعة العربية بتحالف سعودي خليجي مصري أردني مغربي قطري وضعها على سكة المصالح الأميركية، وبالتالي الإسرائيلية، وجرى طرد سورية من مقعدها في الجامعة وهي من الدول القليلة المؤسسة لها.

هذا الإمساك السعودي القطري بجامعة الدول العربية نقلها من رتابتها اللفظية التي كانت تتجسّد بالابتعاد عن كل ما يسبب اختلافاً بين أعضائها والاتفاق على الامور السطحية، لكنها اصبحت مع السيطرة السعودية الأميركية أداة لإدانة إيران وحزب الله وكل السياسات المعارضة للأميركيين.

يكفي ان امينها العام ابو الغيط ينتمي الى الفريق الوزاري للرئيس المصري انور السادات في مرحلة تطبيق اتفاقية كامب دايفيد المصرية الإسرائيلية. ودوره هذا شجع المحور السعودي الأميركي على تسليمه الجامعة العربية، فأبلى بلاء مسعوراً في العداء لكل القوى المحاربة للأميركيين والإرهاب، حتى انه كان ينتقد هدنة 1701 في لبنان، معتبراً ان حزب الله خرج مهزوماً من حرب 2006 لأنه قبل بالابتعاد عن حدود لبنان مع فلسطين المحتلة 70 كيلومتراً، فهل انتبه أبو الغيط الآن الى أن حزب الله اطلق قذائفه على «افيفيم» من موقع عند الحدود مباشرة ما اضطره الى تبديل رأيه؟

الواقع أن جامعة الدول العربية هي أداة تعكس علاقات القوى العربية في ضوء علاقاتها بالتأثيرات الدولية، لذلك فإن سقوط الاتحاد السوفياتي في 1989 أضعف المحور العربي الموالي للأميركيين وجاء الغزو الأميركي للعراق وتالياً سورية ومحاصرة إيران ليمنح تفوقاً محورياً لهذا الفريق استطاع بموجبه إحداث تغيير جذري في السياسات الرتيبة والكئيبة للجامعة.

فتحوّلت فريقاً يطبق السياسات الأميركية من دون أي تعديل وبما يؤدي الى تأييد السياسات الإسرائيلية وتغطيتها للتقارب السعودي البحريني الإماراتي مع «إسرائيل» ومن دون أي حياء.

هناك جانب أساسي إضافي استعملته جامعة ابو الغيظ للاختباء وهي المعارك المفتوحة في سورية والعراق التي كان المحور السعودي الإماراتي الإسرائيلي يعوّل عليها للانتقال رسمياً الى المرحلة الإسرائيلية الجديدة في العالم العربي.

بيد ان الحسابات لم تتطابق مع نتائج ساحات المعارك، فتمكن محور سورية إيران روسيا وحزب الله من دحر الإرهاب الى مساحات ضيقة في سورية، كما ان الحشد الشعبي نجح في تكنيس الإرهاب من معظم العراق. وكذلك فإن انصار الله اليمنيين مستمرون في الصمود وقتال قوى دولية كبيرة تختبئ خلف الدور السعودي العسكري.

اما إيران فلا تزال صامدة منذ 1980 وتتصدى لأعنف حصار معروف منذ نصف قرن على الاقل كما أنها اثبتت انها قوة اقليمة لا يستهان بها ولا ترتجف لمجرد تهديدات من الأميركيين او حلفائهم.

هذه النجاحات ادت تسلسلياً الى تراجع أميركي وذعر خليجي وتقهقر إسرائيلي حاول ان يقصف الضاحية والعراق وسورية لترميم الوضع المتدهور والاحتفاظ بعلاقاته الحميمية مع الخليج.

لكن قذائف حزب الله على مدرعة افيفيم أكدت على استمرار الانتصار وزادت من معدل الذعر المتفشي وكأنها رسالة من محور إقليمي يشكل حزب الله رأس حربته، الأمر الذي يثبت أن عودة الجامعة الى لغتها التسووية هي نتاج لموازنات القوى الجديدة وقد يترتب عنها الابتعاد الظاهري عن «إسرائيل»، خصوصاً ان هناك رأياً يقول إن افيفيم هي بداية مرحلة جديدة من القتال داخل فلسطين المحتلة وليس ضمن أراض عربية محتلة، كما يحدث منذ 1948.

فهل تنكفئ السعودية عن قيادة الجامعة العربية؟ تراجعها اسلامياً واقليمياً وعربياً يشجع على انحسار دورها في الجامعة العربية انما من خلال المزيد من تعطيل الجامعة وحصر دورها بالمزيد من الحيادية المزعومة؟

الرياض تطلب الوساطة مع طهران

فؤاد إبراهيم

 الثلاثاء 20 آب 2019

الرياض تطلب الوساطة مع طهران
التصريحات الإيرانية بشأن إطلاق حوار إقليمي ليست جديدة وليست نتيجة متغيّرات في السياسة الأميركية (أ ف ب )

بكل الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية، حوار الرياض وطهران ضرورة مشتركة. لعبة التأجيل التي اعتمدتها السعودية في السنوات الفائتة كانت لأسباب غير منطقية، أكثرها داخلي وقليل منها خارجي. فكانت شيطنة إيران مادة التوجيه الرئيسة للرأي العام المحلي طوال عهد سلمان، كما عكسها الإعلام المحلي وتوابعه خارج الحدود، وكذلك طاقم وزارة الخارجية، بل حتى الملك ونجله ولي العهد. وهذا في حدّ ذاته يفسّر الصعوبة الشديدة لبدء المملكة حواراً علنياً من نقطة الخصومة حين بلوغها سويّة اللاعودة أو قريباً منها. لكن، في المعطيات، ودرءاً لأيّ مفاجآت غير سارة، حرّكت الرياض خطّ وساطات مستقلاً، لشق قناة حوارية سرية مع طهران. كانت بغداد لاعباً فاعلاً في هذا الخط.

الحقن المتواصل لقاعدة النظام السعودي بعداوة إيران، وتصوير الأخيرة على أنها الخصم التاريخي اللدود والوحيد (وليس الكيان الإسرائيلي الذي يرفل هذه الأيام بحفاوة غير مسبوقة وسط أنصار محمد بن سلمان)، بل والتهديد بنقل الحرب إلى داخلها (كما جاء في مقابلة تلفزيونية مع ابن سلمان على شاشة قناة السعودية الرسمية في 2 أيار 2017)، وإشباع الذاكرة الجمعية بصور ذات دلالة عن مواجهة افتراضية كبرى تمحى فيها طهران ومدن أخرى، وتطاح رؤوس كبيرة في الجمهورية الإسلامية، كل ذلك وأضعافه مثّل الإمكانية الراجحة لحرب كراهية شديدة الضراوة، ودمّر بشكل ممنهج فرص اللقاء والحوار بين البلدين.

المسارات بين واشنطن والرياض تفترق

في تآزر مع خط التوتر العالي بين طهران والرياض، كانت «إيرانوفوبيا» بمواصفاتها الأميركية والإسرائيلية المادة اللاصقة لتحالف استراتيجي، جرى تصميمه للتمهيد لحرب محاور فاصلة في المنطقة. محاولات جمّة عمل على إنضاجها سدنة الحروب في الإدارة الأميركية (جون بولتون، ومايك بومبيو، ومايك بنس)، إلى جانب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وولي عهد الرياض محمد بن سلمان، وأخذت وسم «ناتو عربي»، و«ناتو إقليمي»… وجميعها يلتقي عند نقطة الحرب على إيران. فشل المحاولات كان بنيوياً أكثر من أي شيء آخر. تموت المبادرات في مهدها، كما حصل في مؤتمر وارسو في شباط من هذا العام، الذي كان مصمّماً لحرب سياسية واقتصادية، ولاحقاً عسكرية ضد إيران. غابت روسيا والصين ودول وازنة في الاتحاد الأوروبي (فرنسا وألمانيا بدرجة أساسية)، وأفرغ الدبلوماسيون السعودي والبحريني ومعهما الإسرائيلي أقصى ما في جعبتهم من خصومة، إلى حدّ أن وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد، قالها صراحة: «التهديد الإيراني أهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، متناغماً مع تصريح نظيره الأميركي بومبيو بأنه «لا يمكن تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط من دون مواجهة إيران».

حرّكت الرياض خط وساطات مستقلاً لشق قناة حوارية سرّية مع طهران

وعلى قدر منسوب التصعيد في اللهجة العدائية لإيران في مؤتمر وراسو، فإن الفشل بدا حليفاً دائماً لمبادرات واشنطن والرياض وتل أبيب، بما يبطن نتيجة باتت يقينية مفادها أن الأسس التي بني عليها التحالف ليست فحسب غير متينة، بل تبعث إشارات عكسية بأن لا ثقة راسخة بين الأطراف الضالعين في تشكيل التحالف، وأن ثمة أجندات متضاربة تحول دون نجاحه. وهنا، تفترق المسارات بين واشنطن والرياض، فما تريده الأخيرة بات غير متوافر لدى شريكها الاستراتيجي، فلا هو على استعداد لخوص الحرب نيابة عنها، ولا هو قادر على حماية عرشها بتوفير شروط استدامته واستقراره. وتيرة خطابات التوهين للرئيس دونالد ترامب زادت نوعياً في الآونة الأخيرة إلى حد ملامسة أساس التحالف الاستراتيجي بين الدولتين (النفط مقابل الحماية) بحديثه عن تضاؤل حاجة واشنطن إلى نفط الخليج بعد أن أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم. وبالرغم من براعته حدّ الهبل في إنتاج الكذب، فإنه للمرة الأولى يحكي الحقيقة. فبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن إنتاج النفط لهذا العام قُدّر بـ 12.3 مليون برميل يومياً، ويتوقع وصوله إلى 13.3 مليون في العام 2020، وهو الأعلى عالمياً، فيما تقدر وكالة الطاقة الدولية بلوغه 17 مليون برميل يومياً في العام 2023.

في النتائج، ثمة متغيّر جيوستراتيجي مفصلي ينعكس تلقائياً على العلاقات التاريخية بين واشنطن والرياض، وهو ما عبّر عنه ترامب بخطابه الشعبوي، بأن بلاده لم تعد بحاجة إلى حماية مشيخات النفط في الخليج، لانتفاء السبب، وعلى الصين واليابان أن تحميا سفنهما، لأنهما المستفيد الأكبر من هذه المنطقة. ولكن ثمة ما هو أبعد من ذلك. صحيح أن ترامب حصد مئات المليارات من الدولارات من السعودية في هيئة صفقات عسكرية وتجارية غير مسبوقة، وأعيد تفعيل عنصر «الشخصنة» في العلاقة بين بيوتات الحكم في واشنطن والرياض، وهو ما يميل إليه الملوك السعوديون، إلا أن ذلك كله لم يحدث أدنى تغيير في قاعدة الثقة المتصدّعة منذ مطلع الألفية، وتحديداً منذ هجمات 11 أيلول، حين وُصفت السعودية بكونها «بؤرة الشر». كان عهد باراك أوباما كابوساً سعودياً، وإسرائيلياً أيضاً، بالرغم من أن كثيراً من الشرور على شعوب المنطقة تُنسب إلى هذا العهد بحق، ومن بينها: التدخل العسكري في البحرين، العدوان على اليمن، التخريب في سوريا، وليبيا، والعراق… وقد حصد أوباما من صفقات الأسلحة السعودية ما لم يحصده رئيس من قبله. نعم هو يختلف قليلاً في مقاربة ملف إيران، وهنا مربط الفرس.

سيناريو الحوار الإيراني الأميركي

الحوار الأميركي الإيراني في سلطنة عمان حول الملف النووي حصراً كان بالنسبة إلى الرياض طعنة في الظهر، وكان بمثابة متغيّر جديد في التفكير السياسي والاستراتيجي السعودي. الزلزلة العنيفة لقاعدة الثقة بين واشنطن والرياض على وقع خسارة رهانات الأخيرة في الحرب على سوريا في أيلول 2013 على خلفية سيناريو الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في آب من العام نفسه، مثّل اختباراً شديد القسوة للجانب السعودي. فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالرئاسة الأميركية في انتخابات 2016 لم يكن رغبة سعودية ابتداءً، ولكنه تحوّل حلماً في مرحلة لاحقة. وضعت الرياض كل ثقلها حتى يحقق ترامب ما عجز عنه أوباما لجهة تغيير قواعد اللعبة مع إيران. ولكن، لم يطل الوقت بالنسبة إلى الرياض كيما تكتشف أن ترامب تاجر أكثر منه سياسياً، وأن خصومته مع إيران ليست مبنية على اقتناعات أيديولوجية أو سياسية. فانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران في أيار 2018 لم يقصد به إغلاق باب الحوار، ولا إلغاء فكرة التفاوض معها، بل على العكس، وكما ظهر لاحقاً، كان لاستدراج مفاوضات جديدة تُتوّج باتفاق نووي ممهور بختمه، ويكون صالحاً للتوظيف الانتخابي في خريف العام 2020. السعودية، شأن دول خليجية أخرى، مكلومة على خلفية خديعة الحوار السرّي بين طهران وواشنطن في سلطنة عمان في عهد إدارة أوباما، ويسوؤها الوقوع تحت وطأة خديعة أخرى، وهذا ما لفت إليه، ضمنياً، وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في 9 حزيران الماضي، بقوله إن «أي اتفاق مستقبلي مع إيران يجب أن يشمل دول المنطقة، بحيث تكون طرفاً فيه». السعودية التي ترى الطوّافين بعروض ترامب لاستدراج مفاوضات مع طهران يضيرها أن تجد نفسها على هامش اتفاقيات تملى عليها، في وقت تتلقى فيه عبارات الإذلال وكشف الظهر، وأشدّها قساوة قول ترامب عنها إنها عاجزة عن الصمود لأسبوع واحد من دون حماية الولايات المتحدة. اعتادت الرياض العمل وفق حكمة: «الكذبة المكسوّة أفضل من الحقيقة العارية»، وفي لعبة موازين القوى كانت تتصرّف السعودية على خلاف وهنها البنيوي وانكساراتها في ملفات المواجهة مع محور المقاومة من لبنان مروراً بسوريا والعراق وصولاً إلى اليمن.

تبدو السعودية مذعورة من أي حوار مع إيران لا تأخذ واشنطن علماً مسبقاً به

الضغوط الاقتصادية المتصاعدة على إيران لم تكن محض أميركية، بل تأتي في سياق تحالف دولي تشارك فيه إلى جانب الولايات المتحدة، أوروبا، ودول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، باستخدام ورقتي النفط والتومان لتقويض الاستقرار الاقتصادي والمالي في إيران. كثافة الضغوط الاقتصادية على إيران هي من دون ريب غير مسبوقة، وقد تركت تأثيراتها على كل شيء، وحتى على المائدة اليومية للإيرانيين، ولكن ما فاجأ الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين والإقليميين هو قدرة إيران على «إدارة الأزمة». وفي نهاية المطاف، هذه الأزمة ليست معزولة عن تجربة حصار طويل الأمد عاشته إيران منذ انتصار ثورتها في العام 1979، فقد نجحت طهران في عزل الآثار السياسية للضغوط الاقتصادية، وهذا الذي دفع ترامب إلى نقل العقوبات المالية إلى الأشخاص بدلاً من المؤسسات، في رسالة واضحة إلى نجاح الفريق الدبلوماسي الإيراني الذي أدار الأزمة. فثمة ما يدعو إلى التندّر في فرض عقوبات مالية على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لرفضه لقاء ترامب!

الوفد العسكري الإماراتي الذي زار طهران لم يكن عزفاً منفرداً ومن دون تنسيق مسبق مع واشنطن والرياض

في حوار الرياض ــــ طهران، كانت الأخيرة أكثر وضوحاً وشفافية؛ فالشعب الإيراني لا يخضع تحت موجة تحريض على مدار الساعة ضد السعودية، ولا من أولويات طهران الخصومة حدّ الفجور مع الرياض، وإن شكّلت المنافس الإقليمي لها في أكثر من ملف. بمعنى آخر، تعبّر طهران بكل وضوح عن أن معركتها هي مع «الشيطان الأكبر»، القابع في البيت الأبيض، وأن استنزاف الجهود في معارك جانبية يعني خدمة له. التصريحات المتكرّرة والعلنية للمسؤولين الإيرانيين لإطلاق حوار إقليمي حول أمن الخليج أو على مستوى ثنائي مع السعودية وبقية دول الخليج ليست جديدة، وليست نتيجة متغيّرات في السياسة الأميركية مع وصول ترامب. فالدعوات إلى بناء نظام أمن إقليمي، تشارك فيه دول الخليج كافة، كانت من صميم السياسة الخارجية الإيرانية، مع استبعاد كل القوى الأجنبية، ولا سيما الأميركية. في المقابل، تتمسك السعودية ودول مجلس التعاون عموماً بخيار استبعاد إيران والعراق من أي ترتيبات خاصة بأمن الخليج تضعف دور أميركا خليجياً، ودور «الشقيقة الكبرى» في مجلس التعاون.

الدخان الأبيض يخرج من بغداد

في المعطيات، ودرءاً لأيّ مفاجآت غير سارة، حرّكت الرياض خط وساطات خاصاً بها لشق قناة حوارية سرّية مع طهران. كانت بغداد لاعباً فاعلاً في هذا الخط. عرضُ ظريف من بغداد في 26 أيار الماضي اتفاقية «عدم اعتداء» على دول الخليج لم يكن قفزة في الهواء. كان بداية إطلاق الدخان الأبيض لمبادرة حوارية سعودية ــــ إيرانية عملت بغداد على إنجاحها. وبقدر ما تخشى الرياض من جولة حوارية أميركية ــــ إيرانية خارج نطاق رادارها السياسي، فإنها في الوقت نفسه تبدو مذعورة من أي حوار مع طهران لا تأخذ واشنطن علماً مسبقاً به. وقد همس مسؤول سعودي رفيع ذات مرة في أذن أحد السياسيين المخضرمين العرب بأن ثمة من يوصل أخبارنا إلى واشنطن ولا نريد أن نغضبها.

السعودية التي ترى الطوّافين بعروض ترامب يضيرها أن تجد نفسها على هامش اتفاقيات تملى عليها

الوفد العسكري الإماراتي الذي زار طهران في 30 تموز الماضي للاتفاق على ترتيبات أمنية وملاحية في الظاهر، لم يكن عزفاً منفرداً، ومن دون تنسيق مسبق مع واشنطن والرياض. وكذلك الحال بالنسبة إلى التصريحات الهادئة والاستيعابية التي أطلقتها أبو ظبي حيال طهران، وبعضها لأسباب داخلية إماراتية، حيث تعاني الإمارات من أزمة ركود اقتصادي غير مسبوقة. مؤشرات متوالية تفيد بأن ثمة حركة مياه تحت الجسر، فالإمارات ليست وحدها التي تنسج علاقة خلف الكواليس، وأمامها أحياناً، فالسعودية تطلق إشارات حوارية وعروضاً أيضاً. تصريح محمد بن سلمان لصحيفة «الشرق الأوسط» في 16 حزيران الماضي بأن بلاده «لا تريد حرباً في المنطقة» هو، من وجه، رسالة تراجع عن خيار نقل الحرب إلى داخل إيران.

وبعد توصل الرياض وطهران إلى تفاهم في 3 آب الجاري يقضي بفتح مكتب رعاية مصالح إيران في السفارة السويسرية في الرياض، وهو الملف الذي بتّ فيه الطرفان في العام 2016، ثم تمّ الاتفاق في شأنه في تشرين الأول 2017 ولم يدخل حيز التنفيذ، مهّد لزيارة وفد سعودي إلى طهران قبل عيد الأضحى وما بعده. في حقيقة الأمر، كان التنسيق اللافت بين طهران والرياض في شؤون الحج بوابة نموذجية للدخول في مفاوضات أشمل. إشارة أخرى لافتة كشف عنها المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، في 18 تموز الماضي، عندما قال إن «هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة»، مطلع حزيران الماضي، من دون مزيد من التوضيح. في المعطيات، الاتصالات التي يتحدث عنها المعلمي هي ثمرة وساطة عراقية بطلب سعودي (نقله شخصياً ثامر السبهان)، كان فاتحة لاتصالات لاحقة. واصلت الرياض رسائلها إلى طهران، ومن بينها الإفراج عن ناقلة نفط إيرانية في 20 تموز الماضي بعد احتجازها منذ نيسان الفائت، بعدما اضطرت إلى الرسوّ في ميناء جدة بسبب عطل فني. وكانت الرياض ترفض الإفراج عن السفينة حتى بعد إصلاحها، في سياق الحرب الاقتصادية على إيران.

ماذا تريد السعودية؟

لئن اتفقنا على أن قناة الاتصال بين طهران والرياض باتت تعمل بلا انقطاع، يبقى سؤال: ماذا تريد السعودية من الحوار مع إيران؟ بإمكان المرء أن يعثر بسهولة على مضمون التفكير الرغبوي لدى الكتّاب السعوديين في ما تريده دولتهم من الجانب الإيراني. على سبيل المثال: هم يريدون انسحاباً إيرانياً من لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وفلسطين، ومن المنطقة عموماً. ويريدون من إيران تغيير خطابها السياسي المناهض لأميركا، والكيان الإسرائيلي، والاعتراف للسعودية بأنها الدولة الرائدة في المنطقة. وفي ضوء ذلك، نفترض في البدء والخاتمة أن السعودية في الموقع الذي يملي، لأنها خرجت منتصرة في كل هذه الساحات. فهل بالفعل هي كذلك؟ قرار القيادة السعودية إبقاء الفجوة بينها وبين الكتّاب الأقرب إلى تفكيرها من دون ردم يحيل جمهور السلطة إلى ما يسميه والتر ليبمان «القطيع الحائر». في كواليس الحوار بين طهران والرياض لا تتم مقاربة الملفات الخلافية على طريقة «أطلب وتمنى»، فثمة موازين قوى حاكمة على الحوار، وهذا ما أدركته الرياض متأخراً، ولو كانت في موقع الذي يملي لأبقت عنادها فيصلاً في حركتها الدبلوماسية.

Sanaa Says Saudi Coalition Committed Massacre in Hajjah, Lashes out at International Silence

Yemen strike

August 11, 2019

Source: Al-Massirah (translated by Al-Manar English Website)

Yemeni Health Ministry said the Saudi-led coalition had committed massacre in the province of Hajjah, lashing out at international silence over crimes committed against Yemeni people.

The ministry said the Saudi-led coalition carried out strike in Hajjah, killing nine people, including five children and two women.

The strike also injured 18 other civilians including four children, the ministry said, noting that most of the injured were in critical condition, Yemen’s Beirut-based Al-Massirah TV channel reported.

The ministry slammed the international community over its silence, noting that such behavior gives green light to the Saudi-led coalition to go ahead with crimes against Yemeni people.

Yemen has been since March 2015 under brutal aggression by Saudi-led Coalition, in a bid to restore control to fugitive Hadi who is Riyadh’s ally.

Hundreds of thousands of Yemenis have been killed or injured in the strikes launched by the coalition, with the vast majority of them are civilians.

The coalition, which includes in addition to Saudi Arabia and UAE: Bahrain, Egypt, Morocco, Jordan, Sudan and Kuwait, has been also imposing a harsh blockade against Yemenis.

Related Videos

Related News

إبن سلمان يطيح بالسعودية حتى في الخليج

يوليو 29, 2019

د. وفيق إبراهيم

الدور الخارجي السعودي يواصل رحلة انحداره الجنونية في سورية والعراق واليمن وقطر وإيران وتركيا مسجلاَ أزمات قريبة من الانفجار مع الكويت وعمان والإمارات. فلم يعد لديه من أصدقاء سوى البحرين بالاستتباع ومصر بالتأييد الخطابي الفارغ، أما الأميركيون فهم أصدقاء وهميون لا يفعلون إلا مصالحهم مع العودة الدورية لابتزاز مملكة آل سعود وسط سخرية عالمية يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل مرة ينتزع من الملك سلمان أو ولي عهد محمد أموالاً بالمليارات.

فأين هي المشكلة؟

لا ينتمي النظام السعودي إلى دائرة النظم المتعارف عليها عالمياً. فالوطنية بالنسبة إليه تعني دمج الناس فولكلورياً في عشيرة آل سعود إنّما من دون حقهم الاستحصال على سيطرتها الاقتصادية والسياسية.

كما أنه لا ينتسب إلى دائرة دول جزيرة العرب أو الخليج، فلا يقبل إلا باستلحاقها لبيعة آل سعود كزعامة خليجية وعربية وإسلامية، وإلا فإنه ينصب لها الفِخاخ والمكائد ومشاريع الحروب كما يحدث مع اليمن وقطر حالياً والكويت سابقاً وإيران منذ أربعين عاماً.

ولا ينتسب أيضاً إلى معادلة الدول القومية، ألم يسبق له الاحتراب مع أنظمة البعث في العراق وسورية وليبيا القذافي، مقاتلاً مشروع عبد الناصر بشراسة نادرة وفرت لـ»إسرائيل» فرصة الانقضاض على قواته في 1967.

كما أنه ليس نظاماً إسلامياً، لأنه يستخدم الدين لتقوية نظام آل سعود في ما تعمل الدول الدينية على تدعيم نظامها بتحشيد الناس حوله.

هذا هو النظام السعودي الذي يرفض الأدوار الوطنية والخليجية والعربية والإسلامية والأممية، ما يدل على أنه نظام العائلة الواحدة التي تستبيح لأفرادها السياسة والنفط والمال والدين والمواقع والمناصب.

بهذه المعادلة خرجت السياسة السعودية إلى الجوار العربي والإقليمي والدولي، لكن ما ستر عليها هما النفط والدين في حرميه الشريفين وموسم الحج. هذا إلى جانب الرعاية الأميركية، التي استعملت بدورها الدور السعودي لسببين الاقتصاد ومقارعة الاتحاد السوفياتي في مرحلة ما قبل 1990. هذا ما وفّر للسعودية دوراً وازناً في العالمين العربي والإسلامي، قام على أساس قدرتها على شراء الولاءات بنثر أموال النفط في كل اتجاه يريده أولياء الأمور الأميركيون.

إن ما تسبّب تبديل هذه الوضعية السعودية المريحة هي مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 لأن الأميركيين وضعوا مشروعاً لتفتيت المنطقة العربية، وذلك للمزيد من الإمساك بها وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والتأسيس التدريجي البطيء لعصر الاعتماد على الغاز.

فوضع آل سعود كامل إمكاناتهم الاقتصادية والدينية وعلاقاتهم مع تنظيمات الإرهاب المتقاطعة مع حركتهم الوهابية في خدمة تدمير المنطقة العربية والشرق أوسطية داعمين فيها حصراً الملكية في البحرين لإبادة تيارات معارضة ديمقراطية فيها، وذلك بتثبيت قواعد أميركية وبريطانية وفرنسية وسعودية وأخرى لمجلس التعاون الخليجي ودرك أردني وأدوار استشارية إسرائيلية وقوات آل خليفة.. كل هذا الانتشار موجود على مساحة 500 كلم مربع من أصل 700 كيلومتر هي مساحة البحرين، وبعديد سكان لا يتجاوز 50 ألف نسمة.

ماذا كانت النتيجة؟

أدرك المشروع الأميركي درجة عالية من التراجع والانسداد في سورية والعراق، وانكمش معه الدور السعودي ـ الخليجي الذي خسر كل أدواته، مُخلياً الساح لتقدّم الدور التركي بديلاً منه، أما العنصر الآخر فهو نجاح الصمود الإيراني في مجابهة أقوى مشروع أميركي ـ سعودي ـ إسرائيلي مع الإشارة إلى نجاح اليمنيين في ردع الهجوم السعودي ـ الإماراتي على بلادهم وانتقالهم من الدفاع المتواصل حتى الآن في جبهات متعددة إلى الهجوم داخل الأراضي السعودية بقوات برية وطائرات مسيّرة وصواريخ وصلت إلى مشارف الإمارات.

لقد شكّل هذا التراجع تقلصاً «بنيوياً» في الدور الإسلامي والعربي للسعودية فلم يتبق لها إلا البحرين ومصر، مع الكثير من الخطابات غير المجدية لرؤساء من دول إسلامية في آسيا الوسطى وأفريقيا، معبأة بمديح عاجز عن وقف انهيار دورها.

حتى أن الرئيس المصري السيسي اعتاد على القول إن الخليج جزء من الأمنين القومي المصري والعربي، مضيفاً بأن السعودية هي رأس هذا الأمن، أما عملياً فلا يسمع أحد صوت السيسي في أزمات الخليج حتى أنه يختبئ في قصره ملتزماً صمتاً عميقاً.

هذا ما يدفع بآل سعود لتكثيف دورهم في آخر ما تبقى لهم من زوايا وهي البحرين المطلة على ساحلهم الشرقي، حيث يتعاونون مع ملكها على إيقاع أكبر كمية أحكام بإعدام عشرات المعارضين لأسباب تتعلق بتهم حول نقل أسلحة وتنظيم جمعيات إرهابية، وهي تهم حتى ولو كانت صحيحة لا تستأهل أكثر من بضعة أشهر سجن، لكنه الذعر الذي يدفع السعوديين وآل خليفة إلى إنهاء حياة كل من لا يواليهم، وعلى السمع والطاعة المعمول بها في أراضي الحرمين الشريفين.

من جهة أخرى، أدى هذا الضمور السعودي في الدور إلى انتفاضة دول الخليج على هذه المملكة التي تمسك بهم منذ سبعينيات القرن الماضي، فشعروا أنها فرصة نادرة للخروج من العباءة السعودية وكانت عُمان البادئة، فاستقلت عن الموقف الحربي السعودي والتزمت سياسة حياد بين الأطراف المتعادية، ويتطور موقفها إلى حدود أداء دور وساطة فعلية بين إيران وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وترفض أي تنسيق مع السعودية.

كذلك الكويت المعتصمة بحياد وازن، والمنفتحة على العراق، أما قطر فتمكنت بدفع أموال للوالي الأميركي من النجاة من خطر الخنق السعودي ـ الإماراتي.

أما الإمارات، فما أن استشعرت اليأس من السيطرة على اليمن وصمود إيران في وجه الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين حتى بدأت تحزم حقائب قواتها من اليمن إلى الإمارات، بشكل تدريجي وتحايلي وسط غضب سعودي منها.

وهكذا يتضح أن تراجع الدور السعودي لا يقتصر على البلاد العربية والإسلامية، لأنه أدرك مهد السعودية في جزيرة العرب ومداها الخليجي المباشر، ما يضعها أمام احتمالين: أما التخلي عن مساندتها للإرهاب الأميركي واكتفائها بإدارة المملكة حصرياً أو استرسالها ببناء علاقات عميقة مع الإسرائيليين وحكام البحرين، على قاعدة الانصياع للأميركيين والاستمرار في الضغط النفطي على روسيا وشراء بضائع صينية لا تحتاجها، وصفقات مع أوروبا لا تجيد استعمالها، يبدو أن رحلة الانتحار السعودي متواصلة لاعتقاد حكامها بأن انسحابهم من تأييد الأميركيين والإسرائيليين لا يبقي لهم أحداً في العالم فيخسرون الحكم والدنيا والدين، وأراضٍ في شبه الجزيرة العربية يحتلونها منذ مطلع القرن الفائت، ويستعبدون سكاناً، قابلين للتمرّد عليهم عند توافر الظروف المناسبة، وهي لم تعد بعيدة.