الاربعاء 18 أيار 2022
ناصر قنديل
–
يسارع البعض إلى محاولة اختصار نتيجة الانتخابات النيابية بالقول، «خسر حزب الله وحلفاؤه الأغلبية النيابية»، متجاهلاً أولاً أن الحزب والحلفاء لم يقولوا يوماً إنهم يريدون انتخابات مبكرة او في موعدها لأن لديهم وصفة سحريّة لحل الأزمات تحتاج هذه الأغلبية، بل سواهم مَن قال ذلك وخرج من الحياة السياسية لسنتين وهو يقول ننتظر الانتخابات، وثانياً أن الحزب وحلفاءه الذين كانت معهم الأغلبية كانوا يرددون دائماً أن لا مجال للحكم وفقاً لمنطق أغلبية وأقلية في لبنان بسبب تركيبته الطائفية، وأن قدر اللبنانيين حكومات الشراكة الوطنية، وحتى عندما اضطروا لتشكيل حكومة ضرورة عبر الأغلبية لم يقدموا لها ما يجب من دعم لتنجح بل تعاملوا معها كمحطة انتظار تمنع الفراغ حتى تلوح فرصة العودة لحكومة شراكة في الأفق فقاموا بإطاحتها بأيديهم، وثالثاً أن الأغلبية التي لم يكن يجمع مكوناتها سوى تفاهمها حول المقاومة، بينما تقسمها التباينات في أغلب قضايا الحكم، هي أغلبية قائمة من هذه الزاوية، فعدد النواب الذين يطرحون الأولوية لنزع سلاح المقاومة هو أقل من ثلث أعضاء مجلس النواب، والنواب الباقين الذين ليسوا جزءاً من كتل المقاومة وحلفائها، يشاركون المقاومة باعتبار الأولوية للأزمة الاقتصادية والمالية، واعتبار الخلاف حول دور سلاح المقاومة موضوعاً للحوار لا للمواجهة، بمن في ذلك الكثير من نواب التغيير الذين دخلوا حديثاً إلى مجلس النواب.
–
النتيجة الأولى للانتخابات هي فشل محاولة إنتاج أغلبية تضع نزع سلاح المقاومة كأولويّة، وتتمكن من تشكيل حكومة مواجهة مع المقاومة، فعدد النواب الذين ينتمون إلى هذا المعسكر هم ربع مجلس النواب فقط، إذا أضفنا نواب القوات اللبنانية والكتائب إلى بعض النواب المستقيلين وبعض نواب المجتمع المدني، وهذا الفشل ترافق مع معادلات ولدت من سياق رفعه كأولوية للانتخابات، أبرزها حجم الالتفاف الشعبيّ الذي أظهرته البيئة المباشرة للمقاومة حولها، سواء في مهرجانات الدعم الحاشدة وغير المسبوقة عشية الانتخابات، أو في حجم التصويت الذي نالته لوائحها، أو من خلال إفراز نتيجة قوامها إغلاق التمثيل الشيعي لصالح مؤيدي خيار المقاومة، بما يشكّل خط دفاع ميثاقيّ غير قابل للخرق بوجه أية محاولة لاستخدام آلة الدولة ومؤسساتها بوجه المقاومة، حيث لا رئاسات ولا حكومات بلا شراكة هؤلاء النواب، بغياب وجود أي نواب من طائفتهم يمكن مشاركتهم.
–
بحصيلة الانتخابات كما تقول النتائج، نالت لوائح دعاة أولويّة نزع السلاح ومرشحيها على لوائح مشتركة مع آخرين، بمن فيهم مرشحو القوات والكتائب ونواب سابقون مثل مصطفى علوش وحاليون مثل أشرف ريفي وميشال معوض وفؤاد مخزومي ونعمة فرام ولوائح المجتمع المدني ومرشحيه الذين يشتركون بهذا الشعار، ما مجموعه 478000 صوتاً، مقابل نيل اللوائح والمرشحين الواقفين في منتصف الطريق بدرجات مختلفة كالحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من نواب التغيير الذين يدعون للحوار حول السلاح، ونواب مستقلين مثل النائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري مجموعاً شبيهاً بـ 47500 صوت، بينما نالت لوائح ومرشحي القوى المؤيدة للمقاومة 880000 صوت، منهم 550000 صوت للثنائي المكوّن من تحالف حركة أمل وحزب الله وحدهما، بحيث يكون مجموع مؤيدي المقاومة ومؤيدي ربط مستقبل السلاح بالحوار الوطني 1355000 صوت، يعادلون ثلاث مرات عدد الذين يعتبرون حسم مستقبل السلاح أولويتهم.
–
اذا اخذنا بالاعتبار عدد الأصوات، التي كان يفترض ان تنال القوى المؤيدة للمقاومة الأغلبية، لو أنها تخلّت عن الثقة المبالغ بها بالنفس، التي تسببت بارتكاب جملة من الأخطاء، أولها التهاون مع إجراء الانتخاب الاغترابي رغم انعدام تكافؤ الفرص بين اللوائح المتنافسة، خصوصاً في الدول التي تصنف المقاومة إرهاباً، وتمنع مؤيديها من تنظيم حملاتهم الانتخابية واستخدام وسائل الإعلام وتسمية مندوبين ودعوة المرشحين لجولات على الناخبين لديها، ومعلوم أن هذا العيب الدستوري عامل كافٍ للطعن بنتائج الانتخابات في الاغتراب من جهة، ورسالة كافية للناخبين لتفادي المساءلة والملاحقة أحياناً إن منحوا أصواتهم بعكس المناخ السائد في الدول التي يحصلون رزقهم فيها، وثاني هذه الأخطاء الناجمة عن المبالغة بالثقة ما شهده سوء إدارة اللوائح الانتخابية بين الحلفاء ما أدى الى خسارة مدوية في جزين، ويكفي النظر الى أن مجموع ما ناله مرشحو اللوائح المختلفة للحلفاء حازت ما كان يكفي للفوز بمقعدين على الأقل، لمعرفة نتائج الأسلوب العبثيّ الذي تسبب بخسائر سياسية كبيرة في خلافات لا نتيجة لها سوى تفكيك البيئة الشعبية الواحدة المستهدفة كفريق واحد من الخصوم الداخليين والخارجيين ذاتهم.
–
كما أسقطت الانتخابات مقولة تأجيل كل شيء حتى الانتخابات، وأثبتت أن ذلك لم يكن الا هدراً للوقت، فليس بعد الانتخابات إلا ما كان قبلها، حتمية التعاون لبلورة حلول للأزمات التي يكتوي كل اللبنانيين بنارها، والتي لا حل لها ولا خلاص منها إلا عبر مؤسسات الدولة، برلماناً وحكومة ورئاسات، كذلك أسقطت فرضية قدرة فريق سياسي او طائفي على ادعاء القدرة على التصدّي لهذه المشكلات أو صياغة الأولويات أو تشكيل المؤسسات، كذلك أسقطت الصورة النمطية التي رافقت ظاهرة المجموعات الوليدة من ساحات 17 تشرين، فمثلما يوجد بين هؤلاء من يوضح خطابه الغربة عن الواقع والسعي لتلبية متطلبات مشغل خارجي، فإن بينهم وجوهاً جديدة واعدة تملك وجهات نظر ومواقف وطنيّة جديرة بالاحترام، ويمكن أن تمثل ظواهر لافتة في تركيبة المجلس النيابي الجديد، وبين قرابة الـ 20 نائباً مستقلاً ونائباً منضوياً في قوى التغيير، ستتاح فرصة تبلور مجموعة من عشرة نواب على الأقل، يملكون شجاعة الإقدام على وضع الأولويات الإصلاحية على الطاولة، صادقين في مكافحة الفساد، وفي مواجهة المنظومة المصرفيّة، وفي تصحيح الوضع المالي، ويملكون رؤى ومقاربات جديدة تضيف نكهة علمية شبابية يفتقدها العمل السياسي، كما بين هؤلاء وجوه نسائيّة لم ترث موقعها ولا نالته في ظروف ملتبسة، يشوبها فساد العلاقات السياسية بالداخل والخارج، بل انتزعته بجدارة علميّة وعمليّة، ستشكل سقوفاً لسواها وتشجيعاً على تسريع السير بالكوتا النسائيّة، وبينهم شباب ومناضلون خرجوا من جروح الناس ولغتهم وبلاغتهم، سيشكلون وضوحاً وتحدياً للغة المجاملات والصفقات، ويضعون تخفيض سن الاقتراع على الطاولة.
–
هناك خسارات في هذه الانتخابات تسبب بها من أطلق الرصاص على قدميه فخرج من المعركة، وخسارات أخرى برصاص طائش، وخسارات ثالثة برصاصات صديقة، لكن كما أن الانتخابات ليست نهاية السياسة لجهة كونها المحطة المفصلية التي توهم البعض أنها تحسم مصير القضايا التي لا يحسمها إلا التوافق، كذلك ليست الانتخابات نهاية السياسة لجهة كونها المحطة المفصلية التي تحدد مصير الأحزاب والشخصيات، بل هي محطة لأخذ العبر والدروس.
الحلّ بالانتخابات… ها هي قد جرت
منذ 17 تشرين 2019 قرّر فريق كبير في البلد تجميد السياسة تحت شعار أن الأولويّة هي للانتخابات النيابيّة، مبكرة إن أمكن وفي موعدها إذا تعذّرت المبكرة، وتشارك في ذلك بصورة رئيسيّة حزبا القوات اللبنانية والكتائب والنواب المستقيلون وجمعيات المجتمع المدني وقوى التغيير، وقالوا للبنانيين إن حلّ الأزمة يبدأ بإجراء الانتخابات، وقد نجح هؤلاء في إقناع كتلة واسعة من اللبنانيين بأن الانتخابات هي الحل، وإن لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات.
الآن وقد جرت الانتخابات، ماذا سيفعل هؤلاء، هو السؤال الذي يجب أن يوجّه إليهم، وليس لمن كان يقول ويردد إن الإنتخابات مهمة لتجديد دوري في موعد دستوري للتمثيل السياسي، لكن في بلد كلبنان فإن الانتخابات النيابية لا تشكل طريقاً لحل الأزمات، لأنه في نظام مبنيّ على التمثيل الطائفي، لا تستطيع أغلبية نيابية أن تحكم، وأن قدر اللبنانيين التعاون والحكم معاً، كما كان يردد دائماً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في زمن وجود الأغلبية في صف حزب الله وحلفائه، وكان يردد إن أي اغلبية لا تستطيع تغيير ما يعتقده اللبنانيون قضايا كبرى، حتى لو كان منصوصاً عليها في الدستور، مثل تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، أو منع تخصيص وظائف الدولة العليا لطوائف بعينها، أو الذهاب نحو تطبيق المادة 22 من الدستور لانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفيّ وإنشاء مجلس الشيوخ، فكيف عندما يتعلق الأمر بقضايا أشد حساسية مثل سلاح المقاومة، التي قال دعاة الأولوية للانتخابات إنها ستكون موضع حسم بنيل الأغلبية.
واقعياً فشلت حملة نيل الأغلبية المعادية للمقاومة وسلاحها، والمقصود ليس النواب الذين يمتلكون رأياً مخالفاً للمقاومة، بل النواب الذي يرون قضية مصير سلاح المقاومة وصولاً لنزعه، أولوية تتقدم على كل شيء الى درجة اعتباره هدفاً أول يجب البدء بمواجهته، وهؤلاء هم أقل من ثلث مجلس النواب الجديد، وإذا اضفنا الى كتلة القوات اللبنانية نواب الكتائب والأحرار وعدداً من النواب المستقيلين لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، واثنين أو ثلاثة من الفائزين تحت مسمّيات المجتمع المدني، سنصل الى عدد 33 نائباً فقط، وإذا أخذنا بالاعتبار المسافات الجنبلاطيّة الخاصة، وموقع النواب الآتين من تيار المستقبل، وما قاله العديد من نواب التغيير حول هذا العنوان، لجهة اعتباره ملفاً للحوار لا للمواجهة، بالإضافة لنواب يعتبرون الأولوية لمواجهة ما يسمّونه بالمنظومة، وبالتالي يصير السؤال لأصحاب أولوية عنوان سلاح المقاومة، ودعاة الأولوية للانتخابات الآن، ماذا ستفعلون الآن وقد تمّت الانتخابات، وماذا ستخترعون كأولوية بديلة؟
يقول هؤلاء إنهم لن يشاركوا في حكومة وحدة وطنية تضمّهم مع حزب الله والتيار الوطني الحر، على الأقل، ولكنهم عاجزون بالمقابل عن تشكيل أغلبيّة تسمح لهم بتشكيل حكومة، ومن حسن حظ حزب الله وحلفائه أنهم لم ينالوا أغلبية المجلس النيابي، بما يلزمهم بالقيام بمسؤوليّة تشكيل حكومة، كما حدث مع حكومة الرئيس حسان دياب، ما يبقي الكرة في ملعب دعاة الانتخابات هي الحل.
قولوا لنا كيف ستكون الانتخابات هي الحل، وكيف ستكون الانتخابات مدخلاً لتغيير واقع اللبنانيين، وما هي وصفتكم لخروجهم من الأزمة؟
بقي أمامكم إحدى وصفتين إذا بقي شعاركم أن لا حل بوجود سلاح المقاومة، الأول هو الحرب الأهلية، والثاني هو التقسيم، فأي الانتحارين ستختارون، وتجعلون الفراغ السياسي والدستوري والحكومي طريقاً نحوه؟
السؤال الثاني للنواب الجدد التغييريين، وهو ماذا سيقول دعاة التغيير عن مشروع التقسيم ومشروع الحرب الأهليّة، تحت شعار حملة لا يشبهوننا، ما دام هؤلاء التغييريون يقولون إنهم يؤمنون بالسلم الأهلي ووحدة لبنان، وإذا كان مفهوماً أن تكون دعوة هؤلاء سابقا للانتخابات تعبيراً عن رغبتهم بالمساهمة في الحياة السياسية من موقع القرار، فهم اليوم وقد باتوا نواباً يعلمون أن كلامهم عن طبقة سياسية صار يشملهم، وبعد شهور سيُقال لهم ماذا فعلتم وقد انتخبناكم نواباً، ويجب أن يتذكروا أنهم تنمروا كثيراً على سواهم عندما قال ما خلونا؟
خريطة الطريق نحو الحل تبدأ بحكومة، لها توصيفها وبرنامجها وصيغتها الواقعية لـ إبصار النور، فهل يملك نواب التغيير وصفتهم لإخراج البلد من خطر الفراغ، عبر حكومة جديدة، وهل سيشاركون فيها عبر السعي لتشكيل أغلبية جديدة، ومع مَن مِن الكتل النيابية، ووفقاً لأي نوع من التفاهمات من جهة، وربط النزاع من جهة أخرى، وأمامهم اليوم خياران لا ثالث لهما خيار حكومة تشكلها أغلبية تشكل القوات اللبنانية نواتها الصلبة وأولويتها سلاح المقاومة وتصعيد الانقسام السياسي، تربط النزاع حول الخلافات على الرؤية الاقتصاديّة وحل الأزمة المالية حتى لو تواصل الانهيار، أو أغلبية عنوانها الأولوية لمواجهة الانهيار وربط النزاع حول سائر القضايا الخلافية، ونقلها الى طاولة حوار جامع، يشكل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم أركاناً فيها، وينضم إليها حكما الآخرون باستثناء الـ 33 أصولياً من المحافظين الجدد؟
سؤال أخير للتغييريين، وهل يمكن أن يوصف لنا من يقصدون بالمنظومة التي يريدون إسقاطها، وكيف، واذا كانوا يتحدثون عن تدريب اللبنانيين والسياسيين خصوصاً، والنواب بالأخص، على الممارسة الديمقراطية، فهل سينجحون بالتصرف كما تفعل القوى النيابية الديمقراطية في برلمانات العالم، ويملكون شجاعة صياغة تفاهمات تمنحهم فرصة نيل رئاسة لجنة الإدارة والعدل، المطبخ القانوني البرلماني، مقابل التفاهم على رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس النواب؟
السؤال نفسه للطرفين المعنيين بتسمية الرئيس ونائب الرئيس، أي حركة أمل والتيار الوطني الحر، هل سيواصلان تبادل الكيديات، وقد تسببت بخسارة ثلاثة مقاعد أو مقعدين على الأقل في جزين، بينما كان أمامهما فرصة لتثبيت المواقع النيابية بتفاهمات مشرّفة لكليهما، وأمامهما اليوم فرصة أهم لما هو أهم أيضاً؟
فيديوات متعلقة
مقالات متعلقة
- إسقاط الدولة لإسقاط المواجهة
- الانتخابات النيابية اللبنانية: تفاهم مار مخايل الأكثر شعبية والأقوى سيادياً ووطنياً…
- برلمان 2022…53 نائباً جديداً – الاتحاد الأوروبي جاهز للتعاون مع المجلس الجديد والأمم المتحدة تتطلع إلى تشكيل سريع للحكومة
- حزب الله وحركة أمل يخرجان بنصر كامل… والتيار ينتصر على الاغتيال… وأضرار تطال الحلفاء / التصويت الاغترابيّ والتدخل السعوديّ والإدارة الانتخابية والصوت التفضيليّ… عناصر خلل / بري لخارطة طريق مجلسيّة… ونيابة الرئاسة تفتح لرئاسته فرصة الـ 70 صوتاً /
- أرض النشامى
Filed under: Lebanon, Lebanon Islamic Resistance - Hezbollah | Tagged: Amal-Hezbollah duo, Disarming Hezbollah, Free Patriotic Movement FPM, Hezbollah allies, Hezbollah’s opponents, Leb-elections, Lebanon Corrupt sectarian system, Lebanon's Zionists, LF-Christian Daesh, NGOs, Phalange party | Comments Off on كشف حساب انتخابيّ مشفر