كشف حساب انتخابيّ مشفر

 الاربعاء 18 أيار 2022

 ناصر قنديل

يسارع البعض إلى محاولة اختصار نتيجة الانتخابات النيابية بالقول، «خسر حزب الله وحلفاؤه الأغلبية النيابية»، متجاهلاً أولاً أن الحزب والحلفاء لم يقولوا يوماً إنهم يريدون انتخابات مبكرة او في موعدها لأن لديهم وصفة سحريّة لحل الأزمات تحتاج هذه الأغلبية، بل سواهم مَن قال ذلك وخرج من الحياة السياسية لسنتين وهو يقول ننتظر الانتخابات، وثانياً أن الحزب وحلفاءه الذين كانت معهم الأغلبية كانوا يرددون دائماً أن لا مجال للحكم وفقاً لمنطق أغلبية وأقلية في لبنان بسبب تركيبته الطائفية، وأن قدر اللبنانيين حكومات الشراكة الوطنية، وحتى عندما اضطروا لتشكيل حكومة ضرورة عبر الأغلبية لم يقدموا لها ما يجب من دعم لتنجح بل تعاملوا معها كمحطة انتظار تمنع الفراغ حتى تلوح فرصة العودة لحكومة شراكة في الأفق فقاموا بإطاحتها بأيديهم، وثالثاً أن الأغلبية التي لم يكن يجمع مكوناتها سوى تفاهمها حول المقاومة، بينما تقسمها التباينات في أغلب قضايا الحكم، هي أغلبية قائمة من هذه الزاوية، فعدد النواب الذين يطرحون الأولوية لنزع سلاح المقاومة هو أقل من ثلث أعضاء مجلس النواب، والنواب الباقين الذين ليسوا جزءاً من كتل المقاومة وحلفائها، يشاركون المقاومة باعتبار الأولوية للأزمة الاقتصادية والمالية، واعتبار الخلاف حول دور سلاح المقاومة موضوعاً للحوار لا للمواجهة، بمن في ذلك الكثير من نواب التغيير الذين دخلوا حديثاً إلى مجلس النواب.

النتيجة الأولى للانتخابات هي فشل محاولة إنتاج أغلبية تضع نزع سلاح المقاومة كأولويّة، وتتمكن من تشكيل حكومة مواجهة مع المقاومة، فعدد النواب الذين ينتمون إلى هذا المعسكر هم ربع مجلس النواب فقط، إذا أضفنا نواب القوات اللبنانية والكتائب إلى بعض النواب المستقيلين وبعض نواب المجتمع المدني، وهذا الفشل ترافق مع معادلات ولدت من سياق رفعه كأولوية للانتخابات، أبرزها حجم الالتفاف الشعبيّ الذي أظهرته البيئة المباشرة للمقاومة حولها، سواء في مهرجانات الدعم الحاشدة وغير المسبوقة عشية الانتخابات، أو في حجم التصويت الذي نالته لوائحها، أو من خلال إفراز نتيجة قوامها إغلاق التمثيل الشيعي لصالح مؤيدي خيار المقاومة، بما يشكّل خط دفاع ميثاقيّ غير قابل للخرق بوجه أية محاولة لاستخدام آلة الدولة ومؤسساتها بوجه المقاومة، حيث لا رئاسات ولا حكومات بلا شراكة هؤلاء النواب، بغياب وجود أي نواب من طائفتهم يمكن مشاركتهم.

بحصيلة الانتخابات كما تقول النتائج، نالت لوائح دعاة أولويّة نزع السلاح ومرشحيها على لوائح مشتركة مع آخرين، بمن فيهم مرشحو القوات والكتائب ونواب سابقون مثل مصطفى علوش وحاليون مثل أشرف ريفي وميشال معوض وفؤاد مخزومي ونعمة فرام ولوائح المجتمع المدني ومرشحيه الذين يشتركون بهذا الشعار، ما مجموعه 478000 صوتاً، مقابل نيل اللوائح والمرشحين الواقفين في منتصف الطريق بدرجات مختلفة كالحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من نواب التغيير الذين يدعون للحوار حول السلاح، ونواب مستقلين مثل النائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري مجموعاً شبيهاً بـ 47500 صوت، بينما نالت لوائح ومرشحي القوى المؤيدة للمقاومة 880000 صوت، منهم 550000 صوت للثنائي المكوّن من تحالف حركة أمل وحزب الله وحدهما، بحيث يكون مجموع مؤيدي المقاومة ومؤيدي ربط مستقبل السلاح بالحوار الوطني 1355000 صوت، يعادلون ثلاث مرات عدد الذين يعتبرون حسم مستقبل السلاح أولويتهم.

اذا اخذنا بالاعتبار عدد الأصوات، التي كان يفترض ان تنال القوى المؤيدة للمقاومة الأغلبية، لو أنها تخلّت عن الثقة المبالغ بها بالنفس، التي تسببت بارتكاب جملة من الأخطاء، أولها التهاون مع إجراء الانتخاب الاغترابي رغم انعدام تكافؤ الفرص بين اللوائح المتنافسة، خصوصاً في الدول التي تصنف المقاومة إرهاباً، وتمنع مؤيديها من تنظيم حملاتهم الانتخابية واستخدام وسائل الإعلام وتسمية مندوبين ودعوة المرشحين لجولات على الناخبين لديها، ومعلوم أن هذا العيب الدستوري عامل كافٍ للطعن بنتائج الانتخابات في الاغتراب من جهة، ورسالة كافية للناخبين لتفادي المساءلة والملاحقة أحياناً إن منحوا أصواتهم بعكس المناخ السائد في الدول التي يحصلون رزقهم فيها، وثاني هذه الأخطاء الناجمة عن المبالغة بالثقة ما شهده سوء إدارة اللوائح الانتخابية بين الحلفاء ما أدى الى خسارة مدوية في جزين، ويكفي النظر الى أن مجموع ما ناله مرشحو اللوائح المختلفة للحلفاء حازت ما كان يكفي للفوز بمقعدين على الأقل، لمعرفة نتائج الأسلوب العبثيّ الذي تسبب بخسائر سياسية كبيرة في خلافات لا نتيجة لها سوى تفكيك البيئة الشعبية الواحدة المستهدفة كفريق واحد من الخصوم الداخليين والخارجيين ذاتهم.

كما أسقطت الانتخابات مقولة تأجيل كل شيء حتى الانتخابات، وأثبتت أن ذلك لم يكن الا هدراً للوقت، فليس بعد الانتخابات إلا ما كان قبلها، حتمية التعاون لبلورة حلول للأزمات التي يكتوي كل اللبنانيين بنارها، والتي لا حل لها ولا خلاص منها إلا عبر مؤسسات الدولة، برلماناً وحكومة ورئاسات، كذلك أسقطت فرضية قدرة فريق سياسي او طائفي على ادعاء القدرة على التصدّي لهذه المشكلات أو صياغة الأولويات أو تشكيل المؤسسات، كذلك أسقطت الصورة النمطية التي رافقت ظاهرة المجموعات الوليدة من ساحات 17 تشرين، فمثلما يوجد بين هؤلاء من يوضح خطابه الغربة عن الواقع والسعي لتلبية متطلبات مشغل خارجي، فإن بينهم وجوهاً جديدة واعدة تملك وجهات نظر ومواقف وطنيّة جديرة بالاحترام، ويمكن أن تمثل ظواهر لافتة في تركيبة المجلس النيابي الجديد، وبين قرابة الـ 20 نائباً مستقلاً ونائباً منضوياً في قوى التغيير، ستتاح فرصة تبلور مجموعة من عشرة نواب على الأقل، يملكون شجاعة الإقدام على وضع الأولويات الإصلاحية على الطاولة، صادقين في مكافحة الفساد، وفي مواجهة المنظومة المصرفيّة، وفي تصحيح الوضع المالي، ويملكون رؤى ومقاربات جديدة تضيف نكهة علمية شبابية يفتقدها العمل السياسي، كما بين هؤلاء وجوه نسائيّة لم ترث موقعها ولا نالته في ظروف ملتبسة، يشوبها فساد العلاقات السياسية بالداخل والخارج، بل انتزعته بجدارة علميّة وعمليّة، ستشكل سقوفاً لسواها وتشجيعاً على تسريع السير بالكوتا النسائيّة، وبينهم شباب ومناضلون خرجوا من جروح الناس ولغتهم وبلاغتهم، سيشكلون وضوحاً وتحدياً للغة المجاملات والصفقات، ويضعون تخفيض سن الاقتراع على الطاولة.

هناك خسارات في هذه الانتخابات تسبب بها من أطلق الرصاص على قدميه فخرج من المعركة، وخسارات أخرى برصاص طائش، وخسارات ثالثة برصاصات صديقة، لكن كما أن الانتخابات ليست نهاية السياسة لجهة كونها المحطة المفصلية التي توهم البعض أنها تحسم مصير القضايا التي لا يحسمها إلا التوافق، كذلك ليست الانتخابات نهاية السياسة لجهة كونها المحطة المفصلية التي تحدد مصير الأحزاب والشخصيات، بل هي محطة لأخذ العبر والدروس.

الحلّ بالانتخابات… ها هي قد جرت

منذ 17 تشرين 2019 قرّر فريق كبير في البلد تجميد السياسة تحت شعار أن الأولويّة هي للانتخابات النيابيّة، مبكرة إن أمكن وفي موعدها إذا تعذّرت المبكرة، وتشارك في ذلك بصورة رئيسيّة حزبا القوات اللبنانية والكتائب والنواب المستقيلون وجمعيات المجتمع المدني وقوى التغيير، وقالوا للبنانيين إن حلّ الأزمة يبدأ بإجراء الانتخابات، وقد نجح هؤلاء في إقناع كتلة واسعة من اللبنانيين بأن الانتخابات هي الحل، وإن لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات.

الآن وقد جرت الانتخابات، ماذا سيفعل هؤلاء، هو السؤال الذي يجب أن يوجّه إليهم، وليس لمن كان يقول ويردد إن الإنتخابات مهمة لتجديد دوري في موعد دستوري للتمثيل السياسي، لكن في بلد كلبنان فإن الانتخابات النيابية لا تشكل طريقاً لحل الأزمات، لأنه في نظام مبنيّ على التمثيل الطائفي، لا تستطيع أغلبية نيابية أن تحكم، وأن قدر اللبنانيين التعاون والحكم معاً، كما كان يردد دائماً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في زمن وجود الأغلبية في صف حزب الله وحلفائه، وكان يردد إن أي اغلبية لا تستطيع تغيير ما يعتقده اللبنانيون قضايا كبرى، حتى لو كان منصوصاً عليها في الدستور، مثل تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، أو منع تخصيص وظائف الدولة العليا لطوائف بعينها، أو الذهاب نحو تطبيق المادة 22 من الدستور لانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفيّ وإنشاء مجلس الشيوخ، فكيف عندما يتعلق الأمر بقضايا أشد حساسية مثل سلاح المقاومة، التي قال دعاة الأولوية للانتخابات إنها ستكون موضع حسم بنيل الأغلبية.

واقعياً فشلت حملة نيل الأغلبية المعادية للمقاومة وسلاحها، والمقصود ليس النواب الذين يمتلكون رأياً مخالفاً للمقاومة، بل النواب الذي يرون قضية مصير سلاح المقاومة وصولاً لنزعه، أولوية تتقدم على كل شيء الى درجة اعتباره هدفاً أول يجب البدء بمواجهته، وهؤلاء هم أقل من ثلث مجلس النواب الجديد، وإذا اضفنا الى كتلة القوات اللبنانية نواب الكتائب والأحرار وعدداً من النواب المستقيلين لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، واثنين أو ثلاثة من الفائزين تحت مسمّيات المجتمع المدني، سنصل الى عدد 33 نائباً فقط، وإذا أخذنا بالاعتبار المسافات الجنبلاطيّة الخاصة، وموقع النواب الآتين من تيار المستقبل، وما قاله العديد من نواب التغيير حول هذا العنوان، لجهة اعتباره ملفاً للحوار لا للمواجهة، بالإضافة لنواب يعتبرون الأولوية لمواجهة ما يسمّونه بالمنظومة، وبالتالي يصير السؤال لأصحاب أولوية عنوان سلاح المقاومة، ودعاة الأولوية للانتخابات الآن، ماذا ستفعلون الآن وقد تمّت الانتخابات، وماذا ستخترعون كأولوية بديلة؟

يقول هؤلاء إنهم لن يشاركوا في حكومة وحدة وطنية تضمّهم مع حزب الله والتيار الوطني الحر، على الأقل، ولكنهم عاجزون بالمقابل عن تشكيل أغلبيّة تسمح لهم بتشكيل حكومة، ومن حسن حظ حزب الله وحلفائه أنهم لم ينالوا أغلبية المجلس النيابي، بما يلزمهم بالقيام بمسؤوليّة تشكيل حكومة، كما حدث مع حكومة الرئيس حسان دياب، ما يبقي الكرة في ملعب دعاة الانتخابات هي الحل.

قولوا لنا كيف ستكون الانتخابات هي الحل، وكيف ستكون الانتخابات مدخلاً لتغيير واقع اللبنانيين، وما هي وصفتكم لخروجهم من الأزمة؟

بقي أمامكم إحدى وصفتين إذا بقي شعاركم أن لا حل بوجود سلاح المقاومة، الأول هو الحرب الأهلية، والثاني هو التقسيم، فأي الانتحارين ستختارون، وتجعلون الفراغ السياسي والدستوري والحكومي طريقاً نحوه؟

السؤال الثاني للنواب الجدد التغييريين، وهو ماذا سيقول دعاة التغيير عن مشروع التقسيم ومشروع الحرب الأهليّة، تحت شعار حملة لا يشبهوننا، ما دام هؤلاء التغييريون يقولون إنهم يؤمنون بالسلم الأهلي ووحدة لبنان، وإذا كان مفهوماً أن تكون دعوة هؤلاء سابقا للانتخابات تعبيراً عن رغبتهم بالمساهمة في الحياة السياسية من موقع القرار، فهم اليوم وقد باتوا نواباً يعلمون أن كلامهم عن طبقة سياسية صار يشملهم، وبعد شهور سيُقال لهم ماذا فعلتم وقد انتخبناكم نواباً، ويجب أن يتذكروا أنهم تنمروا كثيراً على سواهم عندما قال ما خلونا؟

خريطة الطريق نحو الحل تبدأ بحكومة، لها توصيفها وبرنامجها وصيغتها الواقعية لـ إبصار النور، فهل يملك نواب التغيير وصفتهم لإخراج البلد من خطر الفراغ، عبر حكومة جديدة، وهل سيشاركون فيها عبر السعي لتشكيل أغلبية جديدة، ومع مَن مِن الكتل النيابية، ووفقاً لأي نوع من التفاهمات من جهة، وربط النزاع من جهة أخرى، وأمامهم اليوم خياران لا ثالث لهما خيار حكومة تشكلها أغلبية تشكل القوات اللبنانية نواتها الصلبة وأولويتها سلاح المقاومة وتصعيد الانقسام السياسي، تربط النزاع حول الخلافات على الرؤية الاقتصاديّة وحل الأزمة المالية حتى لو تواصل الانهيار، أو أغلبية عنوانها الأولوية لمواجهة الانهيار وربط النزاع حول سائر القضايا الخلافية، ونقلها الى طاولة حوار جامع، يشكل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم أركاناً فيها، وينضم إليها حكما الآخرون باستثناء الـ 33 أصولياً من المحافظين الجدد؟

سؤال أخير للتغييريين، وهل يمكن أن يوصف لنا من يقصدون بالمنظومة التي يريدون إسقاطها، وكيف، واذا كانوا يتحدثون عن تدريب اللبنانيين والسياسيين خصوصاً، والنواب بالأخص، على الممارسة الديمقراطية، فهل سينجحون بالتصرف كما تفعل القوى النيابية الديمقراطية في برلمانات العالم، ويملكون شجاعة صياغة تفاهمات تمنحهم فرصة نيل رئاسة لجنة الإدارة والعدل، المطبخ القانوني البرلماني، مقابل التفاهم على رئيس مجلس النواب ونائب رئيس مجلس النواب؟

السؤال نفسه للطرفين المعنيين بتسمية الرئيس ونائب الرئيس، أي حركة أمل والتيار الوطني الحر، هل سيواصلان تبادل الكيديات، وقد تسببت بخسارة ثلاثة مقاعد أو مقعدين على الأقل في جزين، بينما كان أمامهما فرصة لتثبيت المواقع النيابية بتفاهمات مشرّفة لكليهما، وأمامهما اليوم فرصة أهم لما هو أهم أيضاً؟

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

حبيب الشرتوني: أتوقّع أداءً مختلفاً من القيادة الجديدة للحزب أقرب إلى فكر المؤسّس

الأخبار 

الثلاثاء 10 أيار 2022

رغم غيابه عن الساحة الإعلامية، يبقى اسم حبيب الشرتوني حاضراً على ألسنة اللبنانيين، عند كلّ مناسبة واستحقاق حيث تحضر النقاشات التقليدية حول موقع لبنان من الصراع ومستقبله والنظرة إلى العدو والصديق. في المقابلة التالية، يعلّق الشرتوني على التطورات السياسية في لبنان قبيل استحقاق الانتخابات النيابية ومطامع العدو الإسرائيلي بلبنان ودور المقاومة المسلّحة في حماية لبنان وموارده، من دون أن يفوّت الإضاءة على الحزب السوري القومي الاجتماعي

 ملفّك هو الوحيد الذي بقي عالقاً في القضاء منذ أيام الحرب الأهلية.
ملفي عالق لأسباب لوجستية أكثر مما هي قانونية أو ثأرية. الجهة الأكثر تأثيراً في القرارات السياسية والقضائية والإجرائية في لبنان معروفة، ويخشى قسطٌ حليفٌ أو صديقٌ لها من المنظومة الحاكمة تأثيري على شريحة لا بأس بها من المجتمع، ما قد يحدث تغييراً لا يخدمُ فسادَه وخططه القائمة على امتيازات طائفية، والمرتبطة بتمويلٍ خارجي، وخصوصاً أن إطلالاتي في الإعلام وعلى وسائل التواصل ــــ ولو كانت نادرة ــــ أثّرت عبر السنوات في جزءٍ وازن من الرأي العام لم يعد بسواده الأعظم يعتبرني ــــ كما في البداية ــــ مرتكباً لجرمٍ سياسي وفارّاً من وجه العدالة، بل بطلاً وطنياً منفذاً لحكم الشعب وفق الدستور، والأمثلة على ذلك باتت منتشرة من خلال الشعارات المحبّذة للمقاومة والمُدينة للعمالة.

ولا حاجة، بالتالي، إلى التذكير بوضع الحزب القومي طوال ثلاثين عاماً كمؤسسة سياسية لا كأفراد. إذ لم يعد خافياً كيف أُدير هذا الحزب وكيف أدّت سياساتُه وتحالفاته إلى التخلّي فعلياً لا شكلياً عني. كان من الممكن طيّ هذا الملف في فترة زمنية مؤاتية خلال وجود الجيش السوري وإعادة بناء الدولة على أسسٍ وطنية. وقد تولّينا مع بعض المحامين والقانونيين وضع دراستَين معمّقتَين لتفنيد المسألة في ضوء القوانين اللبنانية، لكن المخرج لم يكن يوماً في القانون بل في السياسة. لا أعني بكلامي هذا القيادة الحالية للحزب التي تشكَّلت منذ سنة ونيِّف، إذ نتوقَّعُ منها أداءً مختلفاً أقرب إلى منطلق الفكر القومي وغاية مؤسّسه. وقد بدا فعلاً هذا النوع من الأداء على المواقف التي سجَّلتها، رغم الصعوبات التنظيمية الموروثة والضغوط السياسية المفروضة عليها من القوى المتحكّمة بزمام الأمور.

 كيف تقرأ المرحلة الراهنة وما رأيك بالواقع السياسي والاقتصادي والأمني؟
من الواضح أن الشعب اختار سلطته ونوابه وحكامه بعدما وضع الانتدابُ له شكلَ النظام، وهو لم يحزِمْ أمورَه بعد لتغيير هذا النظام المتخلّف، ولا يزال يلجأ إلى الاستفادة مما تقدِّمه له الأحزاب الطائفية التي فرضتها تركيبةُ النظام ولو من موارد البلد، ولا يزالُ يؤيّد علانيةً زعماءها الذين أشعلوا الحروب المحلية وساهموا في الصفقات والتهريب عبر تغطية الفاسدين والسارقين والمهربين، وأداروا بعد انتهائها دفّة الفساد والرشى والمحاصصات وسوء الإدارة، ما أفلسَ الدولة. ومن الواضح أيضاً أن عدداً من المعارضين لهم والمنضوين في منظمات غير حكومية، تربطهم علاقات، مكشوفة أو مستورة، بالسياسيين أو بالسفارات الأجنبية والعربية مما لا يبشِّرُ بالسعي لتحقيق المصلحة العامة بتجرّد. وقد يكمنُ السبب في حاجتهم إلى المال ككل الأحزاب والمنظمات.

هؤلاء قد لا يوقعون الضرر بالقدْر الذي أوقعه الساسة وفي مقدمهم أمراء الحرب، لكن عدم اتحادهم في أشكال تنظيمية وائتلافية وعدم اتفاقهم على آلية التغيير وعلى لوائح انتخابية مكتملة وفاعلة في كل الدوائر، مردُّه تغليب المصالح الفردية لبعض وجوههم البارزة، ما يشيرُ أيضاً إلى بعدهم نسبياً عن العمل بمفهوم الوطن والمواطنة. ولا أرى في ظل أجواءٍ كهذه إمكانيةً للتغيير أو للإصلاح، رغم وجود أمل بالمستقبل طالما أن هناك بداية وعي شعبي ولو بطيء.
أما الوضع الأمني المرتبط بمصالح الجهات السياسية وقادتها وبمصالح التمويل الخارجي، فالثابت هو أنّ مؤتمر الطائف عُقِد لغايةٍ واحدة هي وقف الحرب الأهلية، فيما لم يكن الوضع العام ملائماً لتطبيق سائر بنوده التي بقيت نظرية، ما دفع مع حلول الألفية الجديدة إلى أزمةٍ كادت أن تشعل حرباً أهليةً ثانية، وساهم في إطلاق عدوان تموز لضرب قدرات المقاومة العسكرية وإضعافها في الداخل، وأدّى بعد فشل العدوان إلى اتفاق الدوحة. وقد تخلل هذا المسار اختراق أمني للتنظيمات التكفيرية بموازاة تحركاتها الإرهابية حول العالم، ما أدى إلى اغتيال بعض الشخصيات البارزة وأهمها رفيق الحريري، وبالتالي إلى انسحاب الجيش السوري في ظل المناخ السياسي الداخلي والخارجي.

ما موقعك الحالي بالنسبة إلى الحزب القومي؟

أطلقت موقعاً خاصاً لبيع بعض مؤلفاتِك افتراضياً بسبب منعِك من طباعتها وتوزيعها، لكنه لم يلقَ بعد رواجاً كموقعك السابق الذي نشرتَ فيه مقالات وصوراً للمرة الأولى تثبتُ تعاملَ بشير الجميّل مع إسرائيل.

أطلقتُ الموقع السابق عندما اعتُقل لفترةٍ وجيزة بعض الأصدقاء والرفقاء بسبب مؤتمر صحافي في بيروت عام 2005، وطلبتُ تطويره عام 2011 حتى لا يبقى جامداً بموادِّه وبتُّ أديره وأدرجُ مقالاتي فيه بالتوازي مع حسابي على وسائل التواصل ومع بعض الحوارات الصحافية، وقد سجَّل دخول 700 ألف زائر من أرجاء العالم، قبل أن أضطرّ لظروفٍ قاهرة إلى إغلاقه بعد عام 2012. أخيراً، وبعدما أيقنتُ أن لا مجال لإصدار أيّ كتاب الآن أو لاحقاً، أطلقت موقعاً خاصاً ببيع الكتب من دون أن أتمكن لأسباب ظرفية من إدارته أو الترويج له. بعدما أطلقتُ على الموقع الأول historylaw.com سمّيت الثاني history-law.com بحكم أن شركة قانونية يابانية أعجبها الاسم الأول فسرقتْهُ. وقد ضمَّت المؤلفات المدرجة في الموقع كتابَ شعرٍ كان الوحيد الذي طُبع في بيروت عام 2011، وكتاباً آخر جمعتُ فيه المقالات والمدوّنات التي نشرتُها في الموقع السابق، وكتاباً أرشفَ مجمل ما قيل حول مقتل بشير الجميّل، إضافةً إلى مؤلفات غير سياسية غير صادرة بعد.

في 24 نيسان بلغت الرابعة والستين وأنت تعيشُ حياةً في الظل. كيف تمضي أوقاتك؟
لست من النوع الذي يخشى شيئاً أو يختبئ كما يشيعُ البعض. لا ينهي حياتك البائسة إلا الذي منحك إياها، وليس الموت عقوبةً بحد ذاته كسَجنِ الجسدٍ وتعذيبه، بل بدايةً لحياةٍ أُخرى قد تكون أهمّ بكثير من التي نحياها هنا. أما عيشي حياةً شبه عادية كسائر الناس، لكن في الظل، فأمرٌ بديهي بالنسبةِ إلى شخصٍ لا محل له من الإعراب إلا معنوياً.

كيف ترى مستقبل لبنان والمنطقة؟
لا شكّ أن وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة يعيدُ دائماً خلطَ الأوراق بسبب التدخُّل العدائي في شؤوننا لتأمين مصالح هذا الكيان المركَّب والغريب وأمنه، ولا شكّ أيضاً أن الأطماع لدى بعض دول الجوار والمصالح الخاصة للدول الكُبرى تؤدي دوراً أساسياً في ما نمرّ به. فهم الذين يكتبون تاريخنا، ومن يجرؤ على كتابة أيّ فقرة من هذا التاريخ يدفعُ ثمنَ فعلتِه شخصياً ولا يتعرَّف عليه أحدٌ من بيئته. المستقبل يحمل دائماً الأمل، لكن التفاؤل من دون توفُّر المعطيات الإيجابية عبارة عن أملٍ فارغٍ من أي مضمون. لذلك، أستنتجُ من حيوية شعبنا في لبنان ومحيطه الطبيعي، رغم كل الأخطاء والتخلّف عن اللحاق بقطار البشرية السريع، مؤشراً إيجابياً يوحي بالسير إلى الأمام. ويدعم هذا التفاؤل وجود ثروات طبيعية إلى جانب الثروة البشرية ولو لم تستخرج بعد، ربما حتى لا تُسرق أو تُهدر. لقد شاهدنا عبور دولٍ عدة بأزماتٍ مشابهة تمكنت من تخطّيها. أما في مجال الدفاع عن النفس ومقاومة العدوان، فنشهَد لبسالة الفلسطينيين وما يقدمونه من تضحيات حتى أرسوا مدرسةً تلقّن شعوب العالم كيفية الصمود في وجه الاحتلال والحصار والاعتقال والتنكيل. ولا ريب أن للجيش السوري أيضاً، إلى جانب الجيش العراقي مع كل القوى المشاركة، فضلاً كبيراً في ضرب التنظيمات الإرهابية والتكفيرية وتحجيمها. أما الواجب القومي المتمثِّل بوضع حدّ لخطر التمدُّد التركي شمالاً فلا بدّ من الاستمرار في بذلِه من دون توقّف.

تحدّثتَ عن فكر أنطون سعادة في ما مرّت البشرية بتجارب فكرية عديدة.

صحيحٌ أن دولاً عدة خاضت تجارب سياسية مبنية على عقائد وأفكار دينية ودنيوية، ولكن لا يمكن وضع دستور ونظام على أساسٍ ديني فقط، بما أن الدِّين يخاطبُ الماوراء ولا يولي الاهتمام الأساس للدنيا، وهذا لا يتيحُ المجال لإيجاد صيغةٍ بنيوية تقومُ على أساسها الدولة، ما يحتّم اللجوء إلى التشريع الإنساني لوضع الدساتير والقوانين والنظُم الملائمة للمجتمعات. لكنّ بعض الدول ذات الصبغة الدينية، نجحت نسبياً، كإيران مثلاً التي وجدت ضالّتها بعد حكم الشاه في الخط الديني الملائم والموحّد لمجتمعها وقوميتها ومصالحها، فيما انقرضت الممالك والإمارات والسلطنات القائمة على أسس دينية عبر التاريخ، ولم تتمكّن الحركات الوهابية والسلفية والتكفيرية من إعادة إحيائها. وهذا المشروع الذي يخدمُ في عصرنا وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية، كان يمكن أن ينجح ويُعمّم في المنطقة على دويلات سابحة في فلك الأقوى من بينها، أي إسرائيل، لو نجح في إقامة دولة في لبنان كالتي طمحت إليها فئة من اللبنانيين واعتبرتها حلماً مجسَّداً بشخصٍ لم يتوانَ عن ارتكاب الفظائع المبررة للغاية. وإلّا عن أي حلمٍ يتحدثون حتى يومنا هذا، فيما خرج هذا الشخص من جلدِ المنظومة التقليدية الحاكمة والفاسدة ولم يُحرم من أيّ امتيازات سخّرت البلد من أجله.
أما بالنسبة إلى الأيديولوجيا الماركسية ــــ اللينينية، أو الشيوعية، فلقد فشلت في تجربة الاتحاد السوفياتي لثلاثة أسباب رئيسة، وهي محاربة الكنيسة وقمع رجال الدين كما جرى منذ عهود الوثنية، وحرمان المواطن من الملكية الخاصة مما لا يشعره بالانتماء إلى وطنه، وعدم منافسة الغرب على الصناعات المتنوعة، بل التركيز على العسكرية منها، فيما نجحت الشيوعية نسبياً في تجربة الصين وكوبا وكوريا الشمالية وفيتنام لأسباب قومية وحّدت شعوبها حول قضايا محقّة وجرّاء اتباع سياسات إدارية وتنموية ودفاعية ملائمة لبيئاتها.

ونجدُ في المقابل تطوُّر النظام الغربي الرأسمالي في الأصل بشكلٍ عام، ليغدو أكثر اجتماعيةً واشتراكيةً من خلال الضمانات كالشيخوخة والتقاعد ومن خلال توفير الطبابة والعلم المجانيَّين أو الرواتب اللائقة. وفيما تقاتل المنتمون إلى أحزاب عالمنا العربي بسبب الاختلاف العقائدي، أدركوا أخيراً أن المعيار الأساس يكمنُ في مدى نجاحهم في تطبيق مفاهيمهم العقائدية على أرض الواقع، وأن الفرز ليس بين الأفكار والعقائد بل بين الوطنيين الراغبين في تحسين أوضاع بلادهم وبين العابثين بمصيرها وبمستقبل أجيالها.

في مقال لك عشيّة محاكمتك حسمتَ بحتمية صدور حكم الإعدام. كيف عرفت سلفاً بماهيّة الحكم، وما رأيك بالعهد الذي حاكمك وبالأحزاب اللبنانية؟
بعد بلوغ دولة لبنان عمر المئة، يمكن أن نستنتج مدى نجاح التجربة أو فشلها، بحسب الخلفية الفكرية والوطنية التي نعتمدُها في التحليل. وبما أن للبنانيين رأياً في مختلف المسائل، لا أعتقد أن هامش إعادة النظر بآرائهم وانتماءاتهم واسع بحكم الواقع الطائفي والسياسي والعام. فهم يعيشون قدراً لا يختارونه بالكامل، فيما تتقدَّم عادةً القوى الطليعية على عامة الناس في استشراف الآتي وفي تدارك المخاطر والدعوة للمعالجة والتغيير. فإن أعطيتُ رأياً غير إيجابي بأداء أحد الزعماء الطائفيين أو الأحزاب لا يعني ذلك تأييدي لزعيمٍ أو حزبٍ في الجهة المقابلة. الثابت هو تأييدي مع كل الوطنيين في بلادنا للمقاومة مهما تلوَّنت لافتاتُها حتى تقوم الدولة القادرة والعادلة والجامعة، وليست المقاومة حرفةً أو هواية أزلية وخصوصاً بالنسبة إلى المجتمعات والأوطان المظلومة والمحتاجة للدفاع عن نفسِها. لا ريبَ أن قسطاً وافياً من الآراء لا يزالُ يأخذ في الاعتبار سلوك الأحزاب خلال الحرب الأهلية. لكن إذا أردنا تقييم نجاح أيّ حزب أو فشله، نفعلُ ذلك بناءً على برنامجه وقوة حجته وصدقيّته والتزامه بقضايا الناس. ومن الأمثلة البارزة الممكن إعطاؤها: نجاح التيار الوطني الحر فترة تراجع، لا بل إفلاس، قرنة شهوان وعودة ميشال عون، ونجاح حزب الله فترة صموده وإعماره لما تهدَّم خلال حربه مع العدو التي أخذت اتجاهاً بطولياً ومحترفاً. وإذا لمّحنا إلى ممارسات الأحزاب تاريخياً، لن يكون من الصعب تقييم تلك الممارسات وما جلبته على الشعب من خيرات أو ويلات، أحياناً لأسباب مزاجية وشخصية وليس فقط لأسباب طائفية وميليشيوية. وحتى لا أقول ما لا لزوم له، أختصر جوابي بإشارة مازحة إلى شعار التيار العوني بمسدسٍ قاطعٍ للطريق بإصبعين وإلى شعار القوات بيدين ترمزان إلى العضو النسائي، من دون أن يكلِّف مسؤولو هذين الحزبين أنفسهم معرفة مصدر هذين الشعارين.

تتهمك تصريحات لمسؤولين كتائبيين وقواتيين بأنك عميلٌ مزدوج لسوريا وإسرائيل؟
أجبتُ في إحدى المقابلات بأني لم أكن، قبل حصول العملية، أعرف شخصياً أحداً من السوريين أو الفلسطينيين الذين اتهمتُ أيضاً بالانتماء إلى منظمتهم، ولو كنت على علاقة تنظيمية واستخباراتية بالسوريين كالعديد من السياسيين في لبنان، لربما ساعدوني باستصدار عفو فترة وجودهم في لبنان أو امتنعوا عن إزعاجي واستدراجي لمشاكل وحوادث جانبية في فترات معيّنة. أما بالنسبة لإسرائيل، فعندما لم يستطيعوا إقناعها باغتيالي بعدما فوجئوا بخروجي من المعتقل روّجوا بدعة عمالتي للعدو. ناهيك عن عدم عثورهم على ذريعة مخجلة ومعيبة حيال قيامي بما قمت به، ما لا يساعدهم على تبرير عمالتهم وخيانتهم للوطن والمجتمع للأسباب الطائفية المبررة بنظرهم.

ما رأيك بالجدل القائم حول ترسيم الحدود البحرية وربما البرية؟
لم يكن لبنان مهتماً في السنوات الماضية بترسيم حدوده البحرية ولم يكن الموضوع مطروحاً بإلحاح قبل اكتشاف ثروات طبيعية في حقول الغاز الواقعة على الحدود الجنوبية مع فلسطين. وبعد أن بدأ الإسرائيليون بالتحضير لاستخراج الغاز الذي قُدّر بكميات كبيرة، طرحوا موضوع الترسيم من خلال الأميركيين على بساط البحث، ومن البديهي أن تنحاز الإدارة الأميركية حتى لا يحصل لبنان على حقوقه كاملةً ما يخفّض الإنتاج الإسرائيلي لصالح الشركات التي ستتولى استخراج الغاز بالاتفاق مع الدولة اللبنانية، ونظراً لمعرفتها بأولويات حلفائها في لبنان.

لست من النوع الذي يخشى شيئاً أو يختبئ كما يشيعُ البعض. لا ينهي حياتك البائسة إلا الذي منحك إياها


وبما أن المسألة تتعلّق بالأمن القومي والاقتصادي وبما أن لبنان بات محاصراً وخاضعاً لشروطٍ مذلة حيال أزمة الشرق الأوسط، ومفتقداً لعوامل الازدهار والاستقرار، ويتعرّض لعملية إفقار تضع مجتمعه على حافة الانفجار، لا أجد شخصياً أي مخرج للأزمة غير منع الطرف الإسرائيلي من استخراج هذا الغاز قبل الاعتراف بحقوق لبنان البحرية المتمثّلة بالخط 29 وفق المسار القانوني والاتفاقيات الموقعة والوثائق المقدَّمة، ويتلخَّص هذا المنع في ضرب المقاومة لأي منشآت في حال تشييد إسرائيل لها، ولن تكون الخسائر التي سنتكبّدُها إن لم نحصل على حصتنا من هذه الثروة أقل من تلك التي سندفعها في تلك المواجهة العسكرية بل أكثر. وقد أعلن أخيراً رئيس كتلة نواب حزب الله عن موقفهم المشرّف من هذه المسألة، بعد أن تنازل أركان السلطة عن الخط، لأسباب مبهمة أو ربما من باب المناورة.

 هل يسعى حزبا القوات والكتائب للنيل منك وكيف تواجه ذلك؟

ليس سراً رصد حزب القوات ميزانية غير متواضعة لتحقيق هذا الغرض، كما لم يكن سراً أداء عائلة الجميل ومتابعتهم لهذه القضية منذ البداية، وفي المقابل لا نجد جهة رسمية تتولى حمايتي أو الدفاع عني وعن ذويّ كما يظن البعض، فكان بالتالي لزاماً عليّ الدفاع عن نفسي حتى لا يحصل معي ما حصل ويحصل مع كل الاستشهاديين أو المضحّين في سبيل هذه الأمة، وقد وفّقتُ حتى الآن في ذلك.

كيف تقيّم الأداء عشية الانتخابات النيابية؟
من المؤسف ألا نرى مرشحين إصلاحيين حقيقيين ومستقلين بأعداد كافية لتغيير النظام الطائفي والفاسد. ومن المؤسف أيضاً أن نرى هذا الكم من التهافت والتشنج والكذب والافتراء، واستثماراً لكل عملٍ اجتماعي في السياسة، بينما اكتفى اللبنانيون من الساسة ووعودهم ويحتاجون اليوم إلى تفعيل العمل الاجتماعي أكثر من أي عمل آخر. أعتقد أن اللبنانيين يعرفون تاريخ وحاضر مرشحيهم ولا يجهلون انتماءاتهم وولاءاتهم. وبعدما حُسمت معالم التحالفات والكتل والخيارات، لا أجدُ حاجةً لعملية تقييم شاملة، إنما أكتفي بالتعليق على ما يُسمى بفريق 14 آذار أو ما بقي منه من خلال حملة القوات الانتخابية. إن الذين يؤيدون القوات لأسباب طائفية يتجاهلون تاريخها منذ نشأتها كوحدات عسكرية تجاوزت بدمويتِها كل أحزاب تلك المرحلة. ويحاول حزب القوات منذ أعوام تبييض صفحته في العمل السياسي والإداري بعد أن نقل البندقية من الكتف الإسرائيلي في زمن الحرب إلى الكتف السعودي في زمن السلم. والجميع يعلم الجهة التي مولت اجتياحات لبنان ومولت الأطراف الموالية لسياسة أميركا المؤيدة لإسرائيل في المنطقة والمخاصمة للمصلحة الوطنية، ورغم ذلك يصطفُ فريقٌ إسلامي آخر في هذا الخندق متجاهلاً بدوره ما جرى ويجري حتى بحقِّه. وهنا بدأوا بتبرير موقفهم بانحياز الطرف الآخر إلى إيران إلى حد رفع شعار الاحتلال الإيراني. ومع أنني لا أؤيدُ نفوذَ طائفةٍ أو حزب على المجتمع، فإن امتلاك حزبٍ ذي انتماء ديني قدرات عسكرية استُعملت لحماية البلاد وليس ضدّ أهلها، لا يعني أبداً أننا نعيشُ تحت انتداب إيراني أو كأن اللبنانيين سيغضّون الطرف عن إيران لو سلكت مسار معاداة لبنان. ليس من عاقل يقبلُ بكلامٍ كهذا.

امتلاك حزبٍ ذي انتماء ديني قدرات عسكرية استُعملت لحماية البلاد لا يعني أبداً أننا نعيشُ تحت انتداب إيراني

وقد تمنيتُ من جهة ثانية، منذ أشهر، على أحد مسؤولي الحزب القومي أن يعلنوا عن موقفٍ حيال صدور حكم الإعدام كي لا يخسروا نسبةً مرتفعة من أصوات ناخبيهم في حال تحالفهم مع التيار الوطني الحر، وأن لا يتنازلوا عن دور الحزب وحقوقه، كما حصل مع القيادة السابقة لقاء الحفاظ على مواقع شخصية، أو أن يعزفوا عن المشاركة في الانتخابات إذا فُرض عليهم ما يشبه الرشوة الانتخابية، كي يعلنوا جهاراً انتصار فكر سعادة في تشخيصه لطبيعة النظام في لبنان وكي يتحولوا للعمل الاجتماعي. وفيما استمهلني هذا المسؤول وقتاً حتى يتمّ الاتفاق بحجة أن لا شيء محسوماً بعد، قدّرت أن الموقف لن يتعدّى الشكليات ولو تمّ الاتفاق، بحكم أنه لم يعد بإمكانهم فعل شيء في الملف الذي جرى تجاهله في الفترة السابقة التي كان من الممكن فعل شيء خلالها، وبعد أن بات الحزب في موقفٍ أضعف، خصوصاً أن كل ملفات الحرب أغلقت باستثناء هذا الملف. وقد شاهدنا بأُم العين ما توقَّعتهُ من تدهور حال العهد بعد إصدار الحكم لكسب أصوات مسيحية لم يكسبها بل انقلبت عليه، في وقت تطمح القيادة الحزبية الحالية لاستعادة كتلة نيابية فقدتها، علّها تحقق نجاحاً ولو محدوداً وتساهم في إحداث تغييرٍ ما، أو علّها تجري إحصاءً لأصواتها في مختلف الدوائر لتُحتسَب مع الحلفاء الافتراضيين في أية انتخابات مقبلة، نظراً إلى أن بعضَهم يهمّشُ دورَها، في الوقت الذي لم يؤسس الحزب عبر السنوات بنية تحتية للعمل الاجتماعي.


 منذ 4 آب 2020 كثُرَ الحديث عن انفجار مرفأ بيروت وتداعياته.
لستُ خبير متفجرات ولا قاضياً، ولا ملفات أو معطيات بين يديّ، ولكن لديّ نظرة عموماً بمختلف الأمور. وعندما لاحظتُ عدم معرفة معظم القضاة والسياسيين بنيترات الأمونيوم وكيفية عملها، بحثتُ وراسلتُ واستفسرت عن هذه المواد. المسؤول الأول عن إدخال هذه المتفجرات هي الأمم المتحدة المسؤولة عملياً عن دخول أي مواد حربية منذ عام 2006 وفق القرار 1701. وليس سراً أن هذا القرار هدفَ لمنع حزب الله من إدخال الأسلحة ومواد مستخدمة في صناعة الصواريخ. أما إضاعة التحقيق بإلقاء اللوم على وزراء مدنيين وموظفي المرفأ، فغايته عدم إلزام الأمم المتحدة بالتعويض على المتضررين وبناء المرفأ من جديد، وليس خفياً من هي الجهة النافذة في لبنان التي تقرر وتُملي على معظم السياسيين والمسؤولين والعسكريين ما تريدُه، ولا قدرة لهم على معارضتها خشية العقوبات. إذا كان الهدف مقتصراً على عبور النيترات نحو موزمبيق، كما أُشير في الوثائق والبوالص، لماذا سمحت الأمم المتحدة بإدخالها إلى المرفأ، ولم تتابعها طيلة سبع سنوات؟ أشير هنا إلى عدم فائدة اتهام المستورد لأنه غير مسؤول عن القرار القضائي الذي سمحَ بإنزال واحتجاز 2750 طناً من النيترات طيلة 7 سنوات. والغريب في مسار التحقيق أنه لم يُكشف حتى الآن عن حيثيات ملفتة للنظر وكامنة في الفارق الزمني بين انتهاء عملية التلحيم واشتعال المفرقعات والمواد الحارقة، ولا كُشف عن لغز تخزين مواد تشكّل خطورة إلى جانب النيترات في العنبر 12 ذاته. وأسمح لنفسي بطرح سؤال مقتصر على الثغرة غير المفهومة الكامنة في الفارق الزمني بين عملية التلحيم التي حصلت قرابة الثالثة بعد الظهر واشتعال المفرقعات بعد انتهاء التلحيم بأكثر من ساعتين، ولوقتٍ طويل نسبياً قُدّر بـ30 إلى 45 دقيقة ريثما وصلت فرق الإطفاء والدفاع المدني، قبل اشتعال المواد الحارقة في العنبر وحدوث الانفجار، مما يثيرُ الريبة ويشير إلى عملٍ تخريبي وليس إلى إهمال كما يريد التحقيق إثباته للحصول على تعويض شركات التأمين التي لا تعوّض في حالات العمل الحربي أو التخريبي.

كيف ترى الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
قرر الغرب منذ زمن محاصرة روسيا والمعسكر الشرقي السابق، وكتبتُ قليلاً عن ذلك سابقاً على مواقع التواصل. اليوم أرادوا محاصرة بوتين لأسباب استراتيجية ولانتزاع أوراق تعزز حربهم ذات الطابع الاقتصادي حتى الآن ضدّ الصين التي لا تُخفي حقَّها باستعادة جزيرة تايوان. من هنا دعمت الصين بشكلٍ غير مُعلن خطوة بوتين. وتذكّرني خطوته بسيناريو الاجتياح الإسرائيلي للبنان بحجة تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، فيما سعوا مع حلفائهم اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية مطلق الصلاحيات وترك وديعة متمثلة في نظامٍ موالٍ لهم، لأن لا غطاء شرعياً لإسرائيل في لبنان، بهدف العبور في الخطوة التالية إلى دمشق وتحقيق سلامهم الخالي من أية حقوق. وعندما فشل مشروعهم بسبب مقتل بشير، ولد مؤتمر أوسلو الذي وصفه الرئيس الأسد بأنه ولِد ميتاً.
لقد استبق بوتين الهجمة عليه وأيّد إعلان الجمهوريتين الروسيتين في أوكرانيا ثم دخل إلى كييف من أقرب نقطة جغرافية لها ليس لمجرد احتلالها، بل لترك نظام فيها لا يعادي مصالح بلاده ولا يهدد أمنها القومي، مراهناً بذلك على انطلاق عملية تغيير النظام العالمي المفروض بعد سقوط الاتحاد السوفياتي نحو نظامٍ جديد، ما يقتضي وقتاً ومواجهةً متعددة الوجوه وطويلة الأمد. وفيما لم يفعل ذلك السوريون واللبنانيون، ما أدّى للاجتياح واغتيال بشير، أكملوا بنفس الطريقة، أي لم يستفيدوا من مرحلة ما بعد الاجتياح لتفرضَ الأحزاب أو الحركة الوطنية مع الجيشين السوري واللبناني السيطرة العسكرية الكاملة على الأراضي اللبنانية، مما أطالَ سنوات الحرب.

لن أدخل الآن في تحليل الأسباب والخلفيات، إنما أرى أن خطوة بوتين التي كشفت عن مدى عنصرية الغرب وحرفيتَه في إدراج ثقافات ومصالح شعوب العالم ضمن قوالب جاهزة يفهمُها، والتي ستنعكس تصعيدياً على موقف دول عدة ممانعة أو رافضة للنظام العالمي المفروض من الولايات المتحدة وأتباعِها، ستعزز في النهاية وصول المفاوضات النووية مع إيران إلى خواتيمها.

نقاط انسحاب الحريريّ يختتم ثلاثة عقود… نحو التصفير على الحروف

الثلاثاء 25 كانون ثاني 2022

ناصر قنديل

قبل ثلاثة عقود تماماً كان الدخول الأول للرئيس رفيق الحريري الى السراي الحكومي رئيساً للحكومة، دون أن يكون لديه تيار سياسي أو كتلة نيابية، مفتتحاً مساراً جديداً في الحياة السياسية والاقتصادية، في ظل تفاهم سوري سعودي على تمكينه من تشكيل الركن الثالث في الترويكا التي شكلت إطار النظام المنبثق من اتفاق الطائف، في ظل معادلة كان الخلل فيها قد أصاب شرعية الانتخابات النيابية بعد المقاطعة المسيحية. وكانت القيادات المسيحية الوازنة، مَن اشترك في دعم الطائف ومَن عارضه، قد بدأت الاصطفاف على الوقوف خارج النظام الجديد. وكانت السعودية غير راضية عن تمثيل الطائفة السنية السياسي بزعامات تمثل بيوتاً تاريخية في كل من بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع تجمعها بسورية علاقات مميّزة. وصار نهوض الترويكا يعادل حصر التمثيل السني بالرئيس الحريري، وتصفير الساحة السياسية لطائفته، ومركزتها حوله، مقابل تقاسم ثنائي حركة أمل وحزب الله لتمثيل الساحة الشيعية، وإبقاء التمثيل المسيحي مفتوحاً على البيوتات السياسية بدلاً من الأحزاب التاريخية، وحتى قبيل اغتياله ومن ثم عودة القيادات المسيحية الغائبة او المغيبة الى المسرح، حاول الرئيس رفيق الحريري تقديم الغطاء السني والمسيحي معاً، لنظام الطائف.

تزامن رحيل الرئيس رفيق الحريري ودخول الرئيس سعد الحريري الى المسرح مع سقوط تدريجيّ ثم شامل، للمعادلة السورية السعودية، وصولاً لانخراط السعودية في الحرب على سورية، وتموضع الرئيس سعد الحريري في هذه الحرب. وتزامن ذلك أيضاً مع هجوم سياسي على المقاومة ترجم عسكرياً في حرب تموز 2006، وتبديلاً لأولويات السياسة في لبنان على الضفة الدولية التي نجحت واشنطن باحتكارها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، من الانخراط في التسويات مع خيار الممانعة، نحو محاصرة المقاومة. وجاءت حرب العراق وسلسلة الحروب التي تبعتها على لبنان وغزة وصولاً لحرب إسقاط سورية ترجمة لهذا التبدل. وتموضعت السعودية ومعها الرئيس سعد الحريري في هذا الخيار، ووضعت القيادات المسيحية العائدة للانخراط في المسرح السياسي بين خياري التحالف مع المقاومة، كما فعل التيار الوطني الحر، أو الوقوف على ضفة العداء لها كما فعلت القوات اللبنانية وفعل حزب الكتائب، ونتج عن الفشل في هذه الحروب على المقاومة، وآخرها حرب الإسقاط المالي للبنان بعد حرب الإسقاط العسكري لسورية، بدء توزيع الخسائر في صفوف حلف الحرب، وكما حمّلت أميركا حلفاءها السعوديّ والإسرائيليّ والتركيّ والقطريّ مسؤولية الفشل، فرحل بنيامين نتنياهو، وأغلقت الأبواب في واشنطن بوجه محمد بن سلمان، وتم ترحيل أمير قطر (الأب) ورئيس وزرائه، وفرضت العقوبات على أردوغان ونظامه، قامت السعودية بقيادة ولي عهدها بتحميل الحريري مسؤولية الفشل، ووضعت عليه الحرم السياسي، من احتجازه عام 2017 وصولاً لفرض إعلان انسحابه أمس.

رغم إصرار الحريري على تبني الخطاب السياسي العدائي تجاه المقاومة يسجل له أنه يُعاقب على عدم انخراطه في اللعبة الدمويّة التي طلبها منه السعوديون وارتضاها سواه. وهو بذلك كان يقيم حسابات المصلحة، كما كان يسمّيها والده، عندما رفض السير بما طلبه منه الأميركيون والفرنسيون لجهة المضي في الوقوف بوجه التمديد للرئيس أميل لحود لفتح الباب لإسقاط سورية في لبنان كسياق لترجمة القرار 1559 الذي تذكره الخليج اليوم بقيادة السعودية كعنوان لمبادرتهم نحو لبنان، فصارت دماء الرئيس رفيق الحريري وقوداً أفضل من بقائه لتطبيق بند الانسحاب السوري من لبنان الذي نص عليه القرار، وإطلاق الرهان على حرب تموز 2006 لتطبيق البند الخاص بسلاح المقاومة، وهو البند الذي رافق مسار الرئيس سعد الحريري، كطلب أميركي سعودي ضاغط في أولويات السياسة، فوجد الانسحاب من المسرح السياسي أمس، أقلّ الأثمان المتاحة، تاركاً لهم الفرصة لترجمة خيار العودة لتصفير الساحة السياسية لما قبل مجيء والده وحضوره الى المسرح، بعدما قرر الأميركيون والسعوديون السير بهذا التصفير، منذ 17 تشرين أول 2019، سعياً لتحويل لبنان الى مستنقع من الفراغ والفوضى تغرق فيه المقاومة. والمقصود من التصفير، العودة بلبنان الى ما قبل اتفاق الطائف في ظل الانهيار المالي يوم كان سعر الدولار قد ارتفع أكثر من مئة ضعف، والتفتت السياسي، والتشظي الطائفي، والفلتان الأمني، وهامشية الدولة ومؤسساتها، وفتح الباب لولادة تجمّعات صغيرة تملأ المشهد بالضجيج والصراخ، دون أن تملك حضوراً شعبياً يخولها دخول المسرح السياسي التمثيلي بقوة، على طريقة السودان والصومال، حيث يلعب المجتمع المدني دوراً، جماعة الحرية والتغيير في السودان التي تستنجد بـ «إسرائيل» لطلب وساطة أميركية وإنتاج حل سياسي في السودان، يقابلها نموذج حركات متطرفة تشبه حركة الشباب في الصومال، التي تتحالف مع تنظيم القاعدة.

الذي يغيب عن حسابات جماعة مشروع التصفير، هو أن لبنان والمقاومة فيه قد بلغا مرحلة من المنعة والقوة، رغم كل نقاط الضعف، ما يجعل توازن نقاط الضعف بالمقارنة مع كل حلفاء واشنطن في المنطقة، مشابهاً لتوازن نقاط القوة، لصالح المقاومة، وخصوصاً مع «إسرائيل» والسعودية، لتصير هي الأقدر على رسم معادلة الخروج بسلام من مشروع التصفير. وفي واشنطن حيث ثمة من لا يريد للانسحاب من أفغانستان أن يتحول الى نهج واستراتيجية ويصرّ على تقديمها كسانحة عابرة لها خصوصيتها، أملاً باسترداد مهابة تفاوضية أقوى مع روسيا والصين وإيران، هناك من يقرأ تجارب كازاخستان وأوكرانيا كتأكيدات تجعل أفغانستان سياقاً سيتكرر حكماً في العراق وسورية، وفي واشنطن حيث من لا يريد لاستثناء لبنان من عقوبات قانون قيصر في استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سورية، أن يتحول الى سياسة، ويسعى لإنعاش سياسة الضغوط والابتزاز وتشجيع الحلفاء على المزيد من الضغوط، وهو ما تحاول اختباره الورقة الخليجية. هناك من يقرأ في مخاطر التردد في ترسيم الحدود البحرية للبنان، فرصة قد تكرّر تجربة سفن كسر الحصار التي فرضت الاستثناء من العقوبات، بصيغة سفن للتنقيب عن النفط والغاز تقلب الطاولة، وترسم مشهداً جديداً، لا يريده الذين يرددون اليوم أن الاتفاق النووي مع إيران أحلى الأمرين، وأن التسليم بالفشل في الحرب على اليمن يشبه مرارة التسليم بالفشل في الحرب على أفغانستان، لكن ليس أمام السعودية والإمارات بدائل أفضل مما كان متاحاً لواشنطن.

مخاض التصفير، تحدّ وفرصة!

فيديوات مرتبطة

مقالات مرتبطة

تحريف كلام السيّد جريمة توازي ارتكاب مجزرة الطيونة…!

23.10.21

حسن حردان

من أخطر ما يُرتكب بحق اللبنانيين من فظاعات تهدّد أمنهم واستقرارهم وسلمهم الأهلي، مواصلة بعض من يعتبرون أنفسهم النخبة في تزوير الحقائق والإمعان في تضليل عامة المواطنين بشأن ما يحصل هذه الأيام من محاولات مستميتة لتبرير الجريمة ـ المجزرة التي ارتكبتها مجموعات مسلحة من حزب القوات بحق متظاهرين سلميين معترضين على سلوك وأداء المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت… ومن ثم العمل على تحريف كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي تحدث، بالأدلة والشواهد، عن الدور الخطير الذي شكله ولا يزال رئيس حزب القوات، على أمن المسيحيين، من خلال مغامراته ومقامراته في الحرب الأهلية وصولًا إلى ارتكابه مجزرة الطيونة، تحت زعم دفاعه عن المسيحيين… فيما قدّم السيد بالوقائع الدامغة كيف حمى حزب الله، قولًا وفعلًا، المسيحيّين في سورية ولبنان في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وفي مقدّمهم تنظيم داعش، فيما كان جعجع يدعم داعش وأخواتها تحت عنوان أنهم «ثوار» من أجل الحرية، في وقت كانوا فيه يدمّرون الكنائس في العراق وسورية، ويقتلون المسيحيّين ويهجرونهم ويتخذون من نسائهم سبايا..

في هذا السياق استوقفني ما كتبه الوزير السابق سجعان قزي في جريدة «النهار» تحت عنوان «ماية ألف لبنان»، وهو مقال تضمّن مغالطات خطيرة ولا بدّ إزاء ذلك من تسجيل الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى، انّ الكاتب سجعان قزي رأى أنّ السيد نصرالله يهدّد المسيحيين في لبنان كما يهدّد «إسرائيل»، في حين أنّ كلّ من استمع إلى كلمة السيد من أوّلها إلى آخرها، لا بدّ أنه لاحظ أنّ السيد كان يقول العكس تماماً… أنّ حزب الله لم يكن يوماً الا حامياً للسلم الأهلي وضمانة لأمن المسيحيين، وممارساته في أيام تحرير الشريط الحدودي في جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني عام 2000، ومن ثم توقيعه وثيقة التفاهم مع التيار الوطني الحر عام 2006، والتصدّي لخطر إرهابيّي داعش والنصرة في السلسلة الشرقية… كلّ ذلك يؤكد أنّ حزب الله كان ولا يزال حاسماً لا يتهاون في مقاومة الاحتلال الصهيوني والإهاربيين، أعداء لبنان واللبنانيين، بينما في سياسته الداخلية كان دائماً يجنح نحو التواضع والحرص على السلم الأهلي ورفض الانجرار إلى الفتنة والحرب الأهلية، والعضّ على الجراح في كلّ الحوادث التي تعرّض فيها عناصره وأنصاره إلى كمائن، وسقط الشهداء والجرحى منهم، واحتكم للأجهزة العسكرية والأمنية والقضاء… لم يستخدم قوته في الداخل إلا مرة وحيدة في 7 أيار عام 2008 ولأجل وأد الفتنة وحماية سلاح الإشارة للمقاومة الذي استُهدف في ذلك الوقت، فحمى بذلك السلم الأهلي وأحبط مخطط الفتنة…

الملاحظة الثانية، انّ قول الكاتب قزي إنّ السيد حسن نصرالله.. «يَتوعَّدُ إسرائيل بمئةِ ألفِ صاروخٍ، والمسيحيّين بمئةِ ألفِ مقاتل».. فإنه إنما يحاول تزوير الحقيقة وتقويل السيد ما لم يقله… فالسيد حرص في كلّ ما قاله وهدف إليه إلى طمأنة المسيحيين، لكنه حذرهم ونبّههم من مغامرات جعجع الذي عاد مجدّداً إلى التحضير للحرب الأهلية.. وفي هذا السياق حذر السيد، سمير جعجع، من العودة إلى هذا الرهان، وقال، إنّ لدى حزب الله ماية الف مقاتل، ايّ أنّ حزب الله ليس ضعيفاً كما يعتقد جعجع، وانّ الحزب يملك من القوة الرادعة ما يلجم ويمنع حصول حرب أهلية، وانّ قوته تشكل ضمانة حماية لبنان من الاعتداءات والأطماع «الإسرائيلية».. وفي نفس الوقت تحمي السلم الأهلي وتمنع انزلاق لبنان إلى الحرب الأهلية…

الملاحظة الثالثة، انّ الكاتب قزي، ما كان عليه أن ينسب إلى سماحة السيد كلاماً لم يقله، ليبني عليه استنتاجاته المغلوطة، كي يضلل الرأي العام اللبناني، وبالأخص المسيحي، لا سيما أنّ السيد تحدث على الهواء مباشرة وسمعه اللبنانيون كافة، فكيف بكاتب ووزير سابق، يلجأ إلى مثل هذا التزوير الفاضح لكلام السيد وان يدّعي أنّ سماحته هدّد المسيحيين.. أليس في ذلك جريمة لا تقلّ خطورة عن ارتكاب مجزرة الطيونة، وسعياً مكشوفاً إلى تبريرها؟ وألا يسهم ذلك في خدمة من يعمل على تهيئة المناخ لإعادة إنتاج فتنة طائفية تؤدّي إلى حرب أهلية جديدة؟

انّ من يقرع طبول الحرب الأهلية، ويعمل على إعادة استحضار شعاراتها السيئة الصيت، إنما هو من يعيد تخويف المسيحيين من أوهام غير موجودة سوى في مخيّلة بعض الكتاب الذين يعرفون جيداً أنّ ما يسوقونه من اتهامات لسماحة السيد لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، ويحاولون عن سابق إصرار وتصميم إقناع الرأي العام بكلام لم يقله السيد المعروف، لدى الأعداء كما الأصدقاء، بصدقه ودقة كلامه، وانه منزّه عن كلّ ما قد يلحق الضرر بالشعب اللبناني.. لأنه مؤتمن على قيادة مقاومة نبيلة قدّمت آلاف الشهداء على طريق تحرير لبنان من الاحتلال.. ودرء خطر الإرهاب عن اللبنانيين جميعاً، وإحباط مخططات الأعداء لإشعال الفتن في الداخل.. ولهذا فإنّ كلّ من يعمل على محاولة إيقاد الفتن، وشيطنة المقاومة، التي هزمت الاحتلال وحرّرت الأرض وحمت لبنان ولا تزال تحميه، إنما يخدم العدو الصهيوني ومخططاته.. ويشكل أداة، بوعي او بغير وعي، من أدوات السياسة الأميركية التي تقف وراء حياكة المؤامرات ضدّ لبنان ومقاومته في سبيل شيطنتها وإضعافها، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، يوم كانت قوة لبنان في ضعفه، وليس قوته في مقاومته ومعادلته الماسية، جيش وشعب ومقاومة.. التي حرّرت الأرض وحققت الكرامة للبنانيين، وحمت وتحمي لبنان من العدوانية «الإسرائيلية»، لكن يبدو أنّ هناك من يرفض العيش بعزة وكرامة وبلده محرراً من كلّ أشكال الهيمنة والسيطرة الأميركية و»الإسرائيلية».

فيديوات متعلقة

فيديوات متعلقة

The Lebanese Forces: A Long Bloody History

17 Oct, 2021

Source: Al Mayadeen

By Ali Jezzini

The LF started as a military wing of the Lebanese Front and committed horrible atrocities during the Lebanese Civil War. However, this did not prevent it, openly and discreetly, from attempting to stir up a second one.

Visual search query image
Thousands of Lebanese and Palestinian nationals lost their lives in the Sabra and Shatila, and Karantina massacres.

On Thursday, hundreds of citizens were marching towards the Palace of Justice in Beirut. Protesters desired to object to the politicization of what was supposed to be a uniquely juridical process regarding the Beirut Port explosion that rocked the city almost a year and a half ago. 

The demonstration was supposed to be a peaceful act but the reaction the protesters received was not – some did not make it back home to their families. According to security reports cited by various Lebanese media outlets, it is almost certain that at some point in the march, the latter came under fire from snipers belonging to the Lebanese Forces Party (LF). The ambush left 7 people dead including Maryam, a mother of 5, who was deliberately sniped while attempting to get her children to safety after hearing gunfire.

Some hours after the ambush, the Lebanese army issued a statement saying that the rooftops that the snipers were firing from were clear and that arrests were made, without disclosing details about the conducted operation. Amal Movement and Hezbollah issued a statement regarding the armed attack on the peaceful demonstration that took place today in Tayouneh. Both parties blamed the incident on the LF party.

According to a Hezbollah official, Hashim Safi Al-Din, both parties never made the call to the streets and that the organization did not oppose the protests since the Lebanese security forces had it under control. “What was unforeseen was for a certain party to decide to commit murder using military tactics,” Safi Al-Din added. 

How peaceful protesters were shot brought back dark days to the residents of the area – days where innocent people were shot across what was called the Green Line separating Beirut, east and west. Many residents could recall the story of a friend or a relative who was shot by Lebanese Forces snipers during the 1975 Civil War that devastated the country for 15 years: Civilians could be buying groceries, taking kids to school, taking a shower, or just making a living like Ali Ibrahim, a motorbike delivery worker that was killed by the same snipers on Thursday.

A history of massacres

The Lebanese Forces were the armed wing of what was called the Lebanese Front that was formed in 1976 during the eve of the Lebanese Civil War. The armed militia is infamously known for numerous notorious mass murder events against Palestinian and Lebanese Civilians. The Karantina Massacre was not the first one committed by the LF, but the scale was horrendous. One of the poorest areas in Beirut, inhabited by Palestinian, Lebanese, and Syrian nationals was invaded and its inhabitants were massacred mercilessly. Reports indicate that about 1500 people lost their lives, while the survivors were forcefully evicted from their homes.

Visual search query image
Karantina Massacre, 1976 (Françoise Demulder)

The Sabra and Shatila refugees camp that was inhabited by Palestinian refugees alongside their Lebanese neighbors experienced tragedy on a larger scale. The crimes took another toll, as they were perpetrated with the help and assistance of the Israeli Invasion forces in 1982. Numbers are still contested to this day, but the toll of the victims surely surpasses a thousand and could amount to 3500. Women and children were not spared, as bone-chilling images and testimonies still conjure the horror of the massacre.

Visual search query image
Sabra and Shatila Massacre, 1982 (Institute for Palestine Studies)

Although the Lebanese Forces (1976), as a military wing of the Lebanese Front, and the Lebanese Forces Party (1990) are not the same thing theoretically, however, they bond on the same ideological grounds. The latter is derived from the former, demonstrating the long rift between factions of what was called the Lebanese Front, which was mainly comprised of Phalengists.

Samir Geagea, the head of the current LF party, has a long history of massacres as well. As a demonstration of the formerly mentioned rift, in 1978, Geagea headed an assassination squad that broke into Tony Frangieh’s premises, the head of a rival faction named Al-Marda, and assassinated Frangie with his family, including his wife and his 3-year-old child.

Nahr al-Mawt massacre in 1990 was the last episode of a long series of massacres. In that incident, the LF shot at protesters just before the war ended. The shooting took the lives of 23 unarmed civilians after they marched to an LF checkpoint demanding the removal of barricades that were blocking the Nahr al-Kalb tunnel. Geagea was convicted later on in 1994 for killing former PM Rashid Karami in 1988, in addition to the bombing of Sayidat al-Najat church in Jounieh killing 10 people and wounding 54.

Post-2005 release

Following Geagea’s release from his incarceration amid political turmoil following the assassination of PM Rafik Hariri, it would seem that he and his party would choose to drop arms and wear neckties, but that was never an option. Geagea claimed that he meditated and reviewed his actions during the Civil War, not to repent, but only to conclude that what he did was right.

Without getting into the details of the public Lebanese political debate, what Geagea and his party tell in private suggests more solid evidence of their intentions in continuously destabilizing the country to serve his sectarian goals.

A WikiLeaks document dating back to May 2008 reveals that Geagea was keen to inform the US embassy in Lebanon of his possession of about 7,000 to 10,000 combatants that are ready to fight Hezbollah. In said document, he urged the embassy to send arms and munition. Geagea never changed his stance; al-Akhbar, a Lebanese newspaper, reported in October 2020 that the LF leader urged Walid Jumblatt, a Lebanese PM, to resign with his parliamentary group, and promised to follow suit. He told Jumblatt that he is ready to fight Hezbollah, raising his combatants’ number to 15,000. Jumblatt responded by describing any attempt to open a military conflict as madness.

In another leak, this time from the Saudi Ministry of Foreign Affairs archive, the Saudi ambassador to Lebanon sent a cable back home asking the Kingdom to support the LF since Geagea “is the closest to the Kingdom among the Christian leaders and has a firm stance against the Syrian regime; on top of that, he is willing to do what the Kingdom demands of him.” In a second leak, Geagea proceeds to ask for Saudi funding – the ambassador comments in the cable, describing the LF as “the real force that he relies on to deter Hezbollah and those behind it in Lebanon.”

A warlord pushing for a civil war

In an interview with SBI on Friday, Geagea reiterated his ‘no regrets’ stance regarding the ambush and killings of unarmed protesters, blaming the incident on the victims, despite all reports indicating that the perpetrators were LF members. With LF being the weaker faction in this cauldron, it is difficult to find a logical reason as to why they would add more massacres to their long list. It might be that Geagea hopes to start a civil war, as he already hinted on various occasions mentioned before.

The ‘ex-warlord’ probably bets on entangling foreign powers into a hypothetical civil war, namely the US and “Israel”, against his number one rival in Lebanon – Hezbollah. This has been also sustained by Safi Al-Din in his friday’s speech during the victims’ funeral. Safi Al-Din blamed the United States for being behind the incident, saying they are pushing LF to spark a civil war in Lebanon. He also accused the Lebanese Forces of executing US orders in exchange for a payroll.

Two things seem to be certain. The first is, despite the horrors that could face Lebanese society, particularly the LF society, with a second episode of a civil war, Geagea doesn’t seem to hold any regard for that. The second is that the Lebanese faction that desires civil war is incapable of starting one – while the capable tries to avoid it at any cost. For that, another civil war may be far-fetched for the time being. 

Sabra and Shatila Massacre Anniversary September 1982 – Never Forget

ARABI SOURI 

Sabra and Shatila Massacre - Lebanon September 1982

Sabra and Shatila massacre is the most horrific, most heinous, ugliest war crime deliberately committed by armed forces against innocent civilians, rather refugees in their houses in the camp they were sieged in, what makes it more heinous is the criminals are known and they are not prosecuted, they are celebrated as heroes by their supporters.

We are commemorating the 39th anniversary of this disgusting massacre that not even ISIS committed similar to it in the same place despite the number of beyond horrific massacres this US-sponsored anti-Islamic terrorist organization has committed.

The video is available here and on BitChute.

Video report transcript:

The massacre is one of the most horrific things written in the history of the entire world, it is the massacre of Sabra and Shatila, which was committed by the Israeli occupation forces in Beirut on this day, 39 years ago, which claimed the lives of thousands of innocent Palestinian people.

The massacre was pre-planned by the Israeli occupation forces, which set out in the dark on the night of September 16, 1982, to commit murders that lasted for 48 hours in collusion with groups of the Lebanese Forces militia and the so-called South Lebanon Army, the proxy agent at the time, against the Palestinians and Lebanese residing in Shatila camp and the neighboring Sabra neighborhood.

The Israeli occupation vehicles sealed the escape exits of the camp and did not allow entry until after the massacre ended on September 18, when the world woke up to one of the most heinous massacres in history and to find thousands of dead bodies of women, children and the elderly who were killed in a way that shames humanity.

Despite the ugliness of the massacre that the world woke up to, the ‘international community’ did not bring the perpetrators and try them by any court, and none of them were punished for what they have committed. The matter was limited to investigation committees that reached results that were not followed by legal follow-up.

The number of martyrs who fell as victims of this massacre is not clear, as estimates indicate the death of about seven thousand martyrs, and the pictures of children who did not exceed the age of three and four while they were in their pajamas and their blankets stained with their blood, and the families killed by the Israeli occupation forces while they slept, remain a living witness that will not go away and evidence of the ugliness of the crime.

End of the Report.

Samir Geagea, the head of the Lebanese Forces militia was sentenced to prison for life in Lebanon for a number of other crimes including the bombing of a church while holding a mass, the slaughtering of the whole family of his political opponent, the assassination of former Lebanese Prime Minister Rachid Karami and a Lebanese army officer with him, and he was pardoned by the US and Saudi proxy Lebanese politicians, he didn’t spend the rest of his days repenting and asking for forgiveness, he’s the head of a block in the Lebanese parliament and a staunch opponent of the majority of the Lebanese people working publicly for the Saudi regime.

None of the Israeli officials is prosecuted or tried at a court of justice, some of them were left to commit series of other war crimes in Lebanon and in Palestine, including against Gaza, and around the world bombing, assassinating, and instigating strife, all in the guise of ‘fighting terrorism’ following the steps of their main patron, the United States of America post-September 11. the USA invaded two countries and slaughtered over a million people in Iraq alone, displaced millions of others avenging the killing of around 3000 of its people in the 2001 attacks, how should the relatives of the 7000 victims of the Sabra and Shatila massacre avenge the massacre? And we’re not talking about the Iraqis, Syrians, Libyans, Palestinians, Somalians, Yemenis, Serbians, to count a few.

The next time the US or European officials ever mention the need to prosecute war criminals around the world ask them about the accountability for Sabra and Shatila massacre victims, then ask them about the other war crimes they’ve committed and ask them to at least shut up.

If you want us to remain online, please consider a small donation, or see how you can help at no cost.
Follow us on Telegram: https://t.me/syupdates link will open the Telegram app.

A Brief History of Israeli Interventionism in Lebanon

Source

in World — by Yanis Iqbal — April 30, 2021

Israel has a long-standing interest in Lebanon. These interests have periodically manifested themselves in bloody attacks against the small Arab state. Two important sources on the Zionist plans for Lebanon are the diary of Moshe Sharett, who was the Prime Minster of Israel in 1954-1955 and who was considered a “soft Zionist”, and Livia Rokach’s “Israel’s Sacred Terrorism: A study based on Moshe Sharett’s Personal Diary, and other documents”. In the latter we find some very important information, and it is worth quoting at length:

“Then he [Ben Gurion] passed on to another issue. This is the time, he said, to push Lebanon, that is, the Maronites in that country, to proclaim a Christian State. I said that this was nonsense. The Maronites are divided. The partisans of Christian separatism are weak and will dare do nothing. A Christian Lebanon would mean their giving up Tyre, Tripoli, and the Beka’a. There is no force that could bring Lebanon back to its pre-World War I dimensions, and all the more so because in that case it would lose its economic raison-d’etre. Ben Gurion reacted furiously. He began to enumerate the historical justification for a restricted Christian Lebanon. If such a development were to take place, the Christian Powers would not dare oppose it. I claimed that there was no factor ready to create such a situation, and that if we were to push and encourage it on our own we would get ourselves into an adventure that will place shame on us. Here came a wave of insults regarding my lack of daring and my narrow-mindedness. We ought to send envoys and spend money. I said there was no money. The answer was that there is no such thing. The money must be found, if not in the Treasury then at the Jewish Agency! For such a project it is worthwhile throwing away one hundred thousand, half a million, a million dollars. When this happens a decisive change will take place in the Middle East, a new era will start. I got tired of struggling against a whirlwind.”

The next day Gurion sent Sharett a letter which contained the following argument:

“It is clear that Lebanon is the weakest link in the Arab League. The other minorities in the Arab States are all Muslim, except for the Copts. But Egypt is the most compact and solid of the Arab States and the majority there consists of one solid block, of one race, religion and language, and the Christian minority does not seriously affect their political and national unity. Not so the Christians in Lebanon. They are a majority in the historical Lebanon and this majority has a tradition and a culture different from those of the other components of the League. Also within the wider borders (this was the worst mistake made by France when it extended the borders of Lebanon), the Muslims are not free to do as they wish, even if they are a majority there (and I don’t know if they are, indeed, a majority) for fear of the Christians. The creation of a Christian State is therefore a natural act; it has historical roots and it will find support in wide circles in the Christian world, both Catholic and Protestant”.

Sharett responded a few weeks later:

“As far as I know, in Lebanon today exists no movement aiming at transforming the country into a Christian State governed by the Maronite community…This is not surprising. The transformation of Lebanon into a Christian State as a result of an outside initiative is unfeasible today… I don’t exclude the possibility of accomplishing this goal in the wake of a wave of shocks that will sweep the Middle East… will destroy the present constellations and will form others. But in the present Lebanon, with its present territorial and demographic dimensions and its international relations, no serious initiative of the kind is imaginable.

 [I should add that] I would not have objected, and on the contrary I would have certainly been favorable to the idea, of actively aiding any manifestation of agitation in the Maronite community tending to strengthen its isolationist tendencies, even if there were no real chances of achieving the goals; I would have considered positive the very existence of such an agitation and the destabilization it could bring about, the trouble it would have caused the League, the diversion of attention from the Arab-Israeli complications that it would have caused, and the very kindling of a fire made up of impulses toward Christian independence. But what can I do when such an agitation is nonexistent?…In the present condition, I am afraid that any attempt on our part would be considered as lightheartedness and superficiality or worse-as an adventurous speculation upon the well being and existence of others and a readiness to sacrifice their basic good for the benefit of a temporary tactical advantage for Israel…Moreover, if this plan is not kept a secret but becomes known a danger which cannot be underestimated in the Middle Eastern circumstances-the damage which we shall suffer… would not be compensated even by an eventual success of the operation itself”.

Civil War

The opportune moment for Israeli machinations arrived when a civil war broke out in Lebanon, involving a sectarian battle between Christians, who had monopolized politico-economic power, and Muslims, who lived in poverty and deprivation. These internal imbalances were exacerbated by the large presence of Palestinian refugees who – fearing a repeat of the September 1970 massacre in Jordan at the hands of Christians – were compelled to ally with the Muslims and their allies, namely Baathists, Communists, Nasserites and others. On April 9, 1976, the Syrian military intervened to fight against the National Movement (NM) and Palestinians. Kamal Jumblatt – the leader of the NM – was too radical for the liking of Damascus. With his anti-Zionist leanings, he could easily provoke Israel into invading Lebanon – increasing the strategic vulnerability of Syria. Thus, Hafez al-Assad proceeded to thwart any possibility of a leftist regime coming to power in Beirut.

Israel interposed itself in this cauldron of conflicts in early 1976 to begin a policy of open borders with some of the small Maronite villages in the far south that wished to have contact with the few Maronites still living along the border in northern Israel. Israel also armed and trained Christian militias who were driving their Muslim (mostly Palestinian) opponents from the towns along a strip between Tyre and Marjayoun. The Syrians, while issuing a statement refusing to bow to Israeli pressure, withdrew their troops from the posts they held furthest south, including those they held near the Greek Orthodox center of Marjayoun. These Israeli initiatives were just one step in a strategy of supporting those dissidents in south Lebanon who would eventually cooperate with the Israelis in the creation of a buffer jurisdiction. Major Sa’ad Haddad (followed by Colonel Antoine Lahoud) established the South Lebanese Army (SLA), allying himself with Israel.

Even before Menachem Begin became Prime Minister in May 1977, the Israelis had begun transporting Maronite militiamen from Junieh harbor to Haifa for training so that they could fight with Haddad’s forces in the southern enclave. After Begin-headed Likud government came to power in 1977, Israel’s troops provided sustained and overt assistance to the SLA, often crossing over into Lebanese territory to conduct their own operations. A massacre of 37 Israelis by a Fatah armed group that crossed into Israel for the purpose set the stage for the first large-scale Israeli Defense Forces (IDF) entry into Lebanon. The Litani Operation of 1978 was launched on March 14 and saw IDF forces advancing across southern Lebanon to the Litani River, occupying this area for a week-long period.

The operation involved 25,000 troops. It was intended to dislodge the Palestinian Liberation Organization (PLO) from the border area, destroy the PLO bases in southern Lebanon from where the attacks on northern Israel were emanating, and to extend the area of territory under the control of Haddad’s militia. In the course of the operation, the PLO was pushed back north of the Litani River, and a number of refugees headed for the north. 22,000 shells killed 2000, destroyed hundreds of homes and forced 250,000 to flee their homes. Israeli forces withdrew after the passing of United Nations Security Council Resolution (UNSC) 425. The resolution called for immediate withdrawal of Israeli forces from southern Lebanon and established a UN military presence in southern Lebanon. IDF forces departed southern Lebanon in the following weeks, handing over positions to the SLA of Major Haddad. The entry of United Nations Interim Force in Lebanon (UNIFIL) did not usher in a period of quiet.

Operation Peace for Galilee

Barely ten months later, on June 6, 1982, Israel launched a massive land, sea and air invasion of Lebanon code-named “Operation Peace for Galilee”. It was given covert consent by the US. In a speech given before the Chicago Council on Foreign Relations on May 28, 1982, then Secretary of State Alexander M. Haig Jr. said: “Lebanon today is a focal point of danger…and the stability of the region hangs in the balance…The Arab deterrent force [instituted in 1976 to end Syrian killings of Palestinians and Muslim forces], now consisting entirely of Syrian troops, with its mission to protect the integrity of Lebanon, has not stabilized the situation…The time has come to take concerted action in support of both Lebanon’s territorial integrity within its internationally recognized borders and a strong central government capable of promoting a free, open, democratic and traditionally pluralistic society.” With the ostensible goal of destroying Palestinian infrastructure, Israel invaded Lebanon with 60,000 troops, 800 tanks, attack helicopters, bombers and fighter planes, supported by missile boats, and spread pure terror in Muslim-inhabited areas. Over 15,000 Lebanese perished in the invasion, mostly civilians. Israel claimed portions of Lebanese territory and placed militias within Lebanon.

Upon reaching Beirut, the IDF began a nine-week siege, including saturation bombing and intermittent blockades of food, fuel, and water. On June 26, the US vetoed a UNSC resolution for an end to hostilities (saying it was “a transparent attempt to preserve the PLO as a viable political force.”) But sensing the siege’s impact on public opinion, former US President Ronald Reagan had Philip Habib begin talks for a cease-fire. Habib demanded that the PLO leave Lebanon. Even after this was agreed to, the IDF continued bombing, killing 300 on August 12, 1982. Reagan then told Begin to halt the “unfathomable and senseless” raids. Even the Israeli Cabinet was taken aback and stripped Sharon of the right to activate forces without higher approval.

Importantly, Israel used the invasion to place its own stooge Bashir Jumayil – a major leader of pro-Zionist Christian forces – at the presidential palace. Jumayil’s elevation was accomplished in the Fiyadiya barracks, just outside Beirut, where Phalangist militiamen formed an inner cordon, with Israeli soldiers just behind them. It had not been an entirely foregone conclusion; Ariel Sharon and his company had been obliged to exert themselves on his behalf with pressure, threats, cash – and even the helicoptering of one elderly parliamentarian from an isolated village in the Beqa’a before the Syrians could get at him. With its foremost ally elected to the highest office in Lebanon, Israel was basking in the glory of its military muscles. However, this period of grandeur proved to be fleeting. On September 14, 1982, he and 26 others died when a remote-controlled bomb went off in the Phalange party headquarters. This event precipitated an extremely murderous bloodbath of innocent Lebanese civilians.

On September 16, 1982, the day after Israeli forces had taken up positions overlooking the Palestinian camps, Phalangists entered the Sabra and Shatila refugee camps and carried out a revenge massacre. This pogrom was carried out by members of Bashir’s own militia, reportedly led by Elie Hobeika and joined by members of Haddad’s SLA militia. Although the IDF officials seemed to have taken responsibility for security in the area, they did nothing to stop the slaughter. Entire families were indiscriminately slaughtered. People were killed with grenades hung around their necks, others raped and disemboweled. Infants were trampled with spiked shoes. Throughout, high-ranking Israeli officers listened on radios to Phalangists discussing the carnage. After 3 days of butchery, the news began to leak out. Nearly 2,000-3,000 people were killed, mostly women, children, and the elderly.  The massacre created fractures in the intra-Israeli consensus over the war, leading to a rally of 400,000. Sharon’s only punishment, however, was to be shuffled to another cabinet post.

Increasing Resistance

With its main Maronite ally dead, Israel attempted to work with Bashar’s brother Amin Jumayil and to move forward toward a peace agreement under US mediation. Amin proved not strong enough to play the role envisioned for him according to this idea. Instead, Israel became increasingly concerned with protecting the lives of its own soldiers amid angry calls for the withdrawal of IDF forces. In August 1983, the slow process of withdrawal began, with Israel removing its forces unilaterally from the area of the Shuf mountains where it had been seeking to mediate between the Phalange and Druze forces loyal to Walid Jumblatt. Jumblatt at the time was allied to Syria and his forces were the clearest threat to Amin’s attempt to consolidate control over the country. When Souk al-Grarb – a town commanding the road from the mountains to the Presidential Palace, Defense Ministry and East Beirut – was nearly captured by Jumblatt’s militia, Amin appealed to the US for help, which had to withdraw in late 1983 due to growing resistance from Lebanese Muslims.

Meanwhile, an anti-Jumayil, anti-Israel and anti-American alignment was now emerging as the key political force in Lebanon. Among the various elements involved in this alignment, little noticed at first, were pro-Iranian Shia militants who had organized under the auspices of the Iranian Revolutionary Guards (IRG) in the Biqa. Israel’s withdrawal to the Awali river line removed the IDF from Beirut. But it left Israel entrenched as an occupying force in the Shia-dominated south of Lebanon. The result was that in the next period, Israel found itself the unexpected target of Shia attacks. A number of incidents deriving from Israel’s mistreatment of Shia Muslims contributed to the deterioration of the situation. The Shia violence against the Israeli forces was carried out by two organizations – the Amal militia, which had constituted the main political force among the Lebanese Shia since its establishment in the 1970s, and the smaller, pro-Iranian Hezbollah that would eventually eclipse Amal.

The IDF remained deployed along these lines for the next two years, in the course of which Hezbollah grew in popularity as a force combining opposition to Israeli occupation with a wider Shia Islamist ideology totally opposed to Israel’s existence and to the West. Israel’s peace treaty with Lebanon – signed in May 1983 – was abrogated in 1984. Israeli forces remained deployed along the Awali river line, under increasing attack from Hezbollah and Amal. In June 1985, the IDF again redeployed further south – leaving all of Lebanon save a 12-milewide “security zone” close to the Israeli border, which was maintained in cooperation with the SLA. In 1993, and again in 1996, the IDF undertook major operations beyond the security zone and deeper into southern Lebanon. Both operations – Accountability in 1993 and Grapes of Wrath in 1996 – were undertaken in order to weaken Hezbollah.

The maintenance of the security zone exacted a cost from IDF personnel. Israeli public discontent with the seemingly endless conflict in southern Lebanon began to increase after a helicopter accident claimed the lives of 73 soldiers in the security zone in 1997. An incident on September 5, 1997, in which 12 members of the IDF’s naval commando unit were killed, further helped to erode the Israeli public’s willingness to see the IDF stay in southern Lebanon. Ehud Barak was elected prime minister in 1999 with a clear promise to withdraw Israeli forces to the international border. Israel’s unilateral withdrawal from the security zone began on May 22, 2000. In its final phase, it turned into a humiliating rush for the border as the SLA collapsed. A considerable amount of military equipment, including armored vehicles, was left behind and fell into Hezbollah hands. Some of this equipment may still be seen in southern Lebanon, where Hezbollah has converted it into monuments for its victory. At the entrance to Bint Jbayl, for example, an ancient SLA tank may be seen, with a cardboard statue of Ayatollah Khomeini standing on it. By 2000, Hezbollah had claimed its first victory as Israel withdrew from Lebanon, although it insisted on occupying two areas, the Seven Villages and the Shebaa Farms.

Hezbollah’s victory solidified its legitimacy among a sizeable section of the Lebanese populace who had suffered greatly under the Israeli occupation. Prior to the Israeli withdrawal, Lebanese prisoners continued to be detained outside any legal framework in the Khiam detention centre where conditions were cruel, inhuman and degrading, and torture was systematic. After the Israeli withdrawal, the residents of Khiam village stormed the detention centre and released all the remaining 144 detainees. The horrendous treatment of these detainees is evident, for example in the case of Suleiman Ramadan who was arrested in September 1985. One of his legs was amputated as a result of lack of medical care after his arrest. During his interrogation he was beaten and given electric shocks. He was detained without charge or trial until his release in May 2000.

2006 Attack

In 2006, Israel launched another attack on Lebanon; the central goal of the onslaught was to destroy Hezbollah. The campaign aimed at cutting Hezbollah’s road of supplies, destroying much of its military infrastructure (stocks of rockets, rocket launchers, etc.), eliminating a large number of its fighters, and decapitating it by assassinating Hassan Nasrallah and other key party leaders. The Israeli generals opted for an offensive that was intended to be both rapid and powerful. Their idea was to sweep away all that they found in their path, clean up any remaining pockets of resistance and then pull back. To facilitate the ground offensive they subjected Lebanon to an air and sea blockade, while aircraft bombarded bridges and roads to isolate the enemy, sowing death and destruction in the towns and villages of South Lebanon, and devastating the southern suburbs of the Capital.

The aerial campaign massacred hundreds of Lebanese civilians. But it did not seriously reduce the operational capacity of the Hezbollah fighters. Not only did they continue to fire rockets into Israel, but the rocket campaign increased in intensity up to the final day. At the same time, the land incursions of Israeli units met with a resistance of ferocity and efficiency not expected by the Israeli commanders, incurring unusually heavy losses among the Israeli troops. Israel was not able to secure a significant part of Lebanese territory, even within the narrow strip of territory separating the Litani River from the Israeli-Lebanese border. Shaken by their lack of success, the military chiefs and the Israeli government hesitated between prolonging the phase of the aerial campaign and limited incursions, with the risk of further losses for little gain, and the option of staging a large scale ground offensive. A large scale offensive would mean moving into the Beka’a Valley – where the resistance of Hezbollah would be even more stronger than in the frontier zone – and then on to Beirut. The “grand” offensive was finally ordered. It turned out to be a face-saving operation. Its scope and duration were very limited. The attack did not reach any further than various points along the Litani River and its launch coincided with the declaration of a cease-fire within 48 hours. In the final analysis, while the Israeli attack caused heavy destruction – the death of more than 1,100 people, the displacement of over a quarter of the population, and an estimated $2.8 billion in direct costs with more than 60% of the damage affecting the housing sector – it failed to make a political impact upon Lebanon. Hezbollah shattered the invincibility of Israel and put an end to its interventionism in Lebanon.

Yanis Iqbal is an independent researcher and freelance writer based in Aligarh, India and can be contacted at yanisiqbal@gmail.com.

اجتماع السرايا يؤمّن التوافق على تعديل الحدود الجنوبيّة: نسف المفاوضات مع العدوّ؟ Saraya meeting that secures consensus on amending the southern torpedoing

Lebanon may present two new options in border talks | News , Lebanon News |  THE DAILY STAR
Lebanon may present two new options in border talks

اجتماع السرايا يؤمّن التوافق على تعديل الحدود الجنوبيّة: نسف المفاوضات مع العدوّ؟

الأخبار

ميسم رزق

الجمعة 9 نيسان 2021

وزير الأشغال اللبناني ينفي استقالة الحكومة: "لا مانع لدينا م | مصراوى
حسان دياب

بعد أشهر من النقاش والجدال، وافق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء المعنيون على توقيع تعديل الحدود البحرية الجنوبية. تطوّر كبير قد ينسف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، ويثبّت حق لبنان بمساحة 1430 كيلومتراً مربعاً، ويمنع «إسرائيل» من سرقة ثروة لبنان النفطيةقُضيَ الأمر. أخيراً، استدركَت الحكومة النتائج الكارثية التي كانَت ستنجُم عن تأخير تعديل المرسوم 6433 (الصادر عام 2011، والذي يحدد حدود المناطق البحرية الاقتصادية الخالصة للبنان)، وقررت إضافة مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إلى المنطقة «المتنازَع عليها» عند الحدود الجنوبية. بعدَ انقسام سياسي دامَ أشهراً، ونقاشات بينَ القوى السياسية ومراسلات مع الجهات المعنية، وجدَ رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء المعنيون بالتوقيع أنفسهم أمام خيارين: إما التوقيع وتثبيت حقّ لبنان في هذه المساحة وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك، أو تركها ملاذاً لشركات التنقيب التي تعمَل مع الحكومة الإسرائيلية لتسرح وتمرَح فيها، وتُصبِح الحدود «السايبة» هي البوابة التي يستغلها العدو الإسرائيلي لشفط ثروة لبنان النفطية، وخاصة أن التنقيب في هذه المنطقة تحديداً (حقلي «كاريش» و«72») سيبدأ في حزيران المقبل. وفي حال سلوك تعديل المرسوم الطريق المتوقع له، ستمتنع شركات التنقيب عن العمل في المنطقة التي ستُصبح «متنازعاً عليها».

السنيورة يناشد «السيّد الرئيس»: وا أوباماه، وا أوباماه - أرشيف موقع قناة  المنار
فؤاد السنيورة

قرار التوقيع على تعديل المرسوم، اتّخذ مساءَ أمس في اجتماع وزاري ضمّ دياب ووزيرة الدفاع زينة عكر، ووزير الأشغال والنقل ميشال نجار، ووزير الخارجية شربل وهبة، والوفد العسكري المفاوض في الناقورة: العميد بسام ياسين والعقيد البحري مازن بصبوص. اقتراح التعديل كان قد ورد من قيادة الجيش، بعد سنوات على إنجاز دراسات مراسلات تجاهلتها الحكومات المتعاقبة. كان الجيش، منذ نحو 10 سنوات، يحاول تصحيح «الخطأ» الذي ارتكبته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، وحوّل مساحة 860 كيلومتراً مربعاً من المياه الجنوبية اللبنانية إلى منطقة «متنازع عليها». وبموازاة المفاوضات التي كانت تجرى بوساطة أميركية، تبيّن لفريق من التقنيين العسكريين والمدنيين أن حق لبنان يتجاوز تلك المنطقة «المتنازَع عليها»، ليصل إلى 2290 كيلومتراً مربعاً لا 860 كيلومتراً مربعاً فقط.

قرار التوقيع على التعديل لم يكُن سهلاً، فقد «استمر النقاش بين الوزراء لأكثر من ساعة ونصف ساعة حول من يُفترض به أن يوقّع أولاً». في البداية، «جرت محاولات من قبل وزراء لكي لا يكونوا أوّل الموقّعين»، لكن «رئيس الحكومة، ولأول مرة، كان متحمساً للحسم، فقال: إننا اجتمعنا اليوم لاتخاذ قرار، وعلينا توقيع المرسوم. وعندما يوقّع الوزراء سأقوم أنا فوراً بالتوقيع».

تعرفوا على وزير الاشغال الجديد
ميشال نجار حزب الكتائب

وبحسب المعلومات، دافع وزير الخارجية عن ضرورة تعديل المرسوم، وأكدت وزيرة الدفاع أنها ستوقّع وهي تتبنّى توجهات قيادة الجيش، بينما طلب وزير الأشغال مهلة ثلاثة أو أربعة أيام للتوقيع، لأنه يريد العودة إلى مديرية النقل البري والبحري في الوزارة، للاستيضاح حول عدد من النقاط. وخلال الاجتماع، «عرض الوفد العسكري على وزير الأشغال أن يحضر إلى الوزارة ويقدّم له عرضاً بكل المعلومات والإحداثيات الجديدة، لكن نجار أصرّ على العودة إلى المديرية كونها هي التي أعدّت المرسوم قبل إصداره عام 2011».

وزير الأشغال طلب مهلة ثلاثة أيام للعودة إلى مديريّة النقل البرّي والبحري


بعد الاجتماع، صدر بيان من الأمانة العامة لمجلس الوزراء أشار إلى أن «الرئيس دياب أكد خلال الاجتماع ضرورة الإسراع في بتّ هذا الملف. وبعدما قدم وفد الجيش شرحاً مفصلاً حول الملف، أكدت وزيرة الدفاع الوطني تبنّيها مشروع المرسوم المرفوع من قبلها. واستمهل وزير الأشغال العامة والنقل لدراسة هذا المشروع بالسرعة القصوى بالتنسيق مع قيادة الجيش تمهيداً لاستكمال الملف وتوقيعه من قبل وزيرَي الدفاع والأشغال ليصار بالنتيجة إلى عرضه على الرئيس دياب لتوقيعه وإحالته إلى رئاسة الجمهورية لإصدار الموافقة الاستثنائية المطلوبة».

اتخاذ قرار توقيع التعديل وتصحيح الخطأ السابِق، يُعدّ تطوراً كبيراً في ملف الترسيم البحري، جنوباً. فهو الأمر الذي سعى العدو الإسرائيلي جاهداً من أجل منعه، وكلّف الوسيط الأميركي بالضغط على الدولة اللبنانية من أجل التراجع عن الخط (29) الذي طرحه الوفد اللبناني المفاوض في الناقورة، بناءً على دراسات وخرائط وإحداثيات تؤكد حق لبنان بمساحة 2290 كيلومتراً في البحر، بدلا من الـ 860 كيلومتراً مربعاً «المتنازع عليها». وهو الأمر الذي دفعَ بالجانِب الإسرائيلي أيضاً، إلى تعليق عملية التفاوض غير المباشر وشنّ حملة في وسائله الإعلامية تتهم لبنان بنسف المفاوضات.

قد يؤدي تعديل المرسوم 6433 الى وقف المفاوضات فعلاً، وتعنّت العدو الإسرائيلي ورفضه العودة الى طاولة الناقورة. لكن الأكيد أن هذا التعديل سيكون ورقة قوية في يد الوفد اللبناني المفاوض، والأهم أنه سيُثبت حق لبنان حتى الخط (29)، ويحوّل مساحة 2290 كيلومتراً الممتدة إلى نصف حقل «كاريش» إلى منطقة متنازع عليها، الأمر الذي يمنَع شركة «إنرجين» اليونانية، أو أي شركة أخرى، من البدء بعملية التنقيب في هذا الحقل، لأنه يشكّل اعتداء على المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.

في الاجتماع نفسه، ناقش رئيس الحكومة والوزراء والوفد المفاوض، موضوع ترسيم الحدود البحرية مع سوريا. وجرى تكليف وزير الخارجية شربل وهبة بمهمة التواصل مع الجانب السوري. وعلمت «الأخبار» أن وهبة وجّه دعوة إلى السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، حيث سيلتقيه في الوزارة يوم الثلاثاء المقبل، لإبلاغه باستعداد لبنان للتفاوض والبحث معه في الآليات المناسبة للبدء بالمحادثات، في انتظار وصول الكتاب الذي أعدّته قيادة الجيش ورأي المجلس الوطني للبحوث العلمية، ورسالة السفير اللبناني في دمشق سعد زخيا. وأكدت مصادر مطّلعة أن «الوفد العسكري ــــ التقني الذي يتولّى مهمة المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، هو نفسه من ستُوكَل إليه مهمة التفاوض المباشر مع الجانب السوري».



Saraya meeting that secures consensus on amending the southern torpedoing

Al , Akhbar

Maysam Rizk

Friday, April 9, 2021

وزير الأشغال اللبناني ينفي استقالة الحكومة: "لا مانع لدينا م | مصراوى

After months of debate, political division, discussions between political forces, Caretaker Prime Minister Hassan Diab and the ministers concerned agreed to sign the Southern Maritime Border Amendment. A major development that could torpedo indirect negotiations with the Israeli enemy, prove Lebanon’s 1,430-square-kilometer right, and prevent Israel from stealing Lebanon’s oil wealth. Finally, the government realized the disastrous consequences of delaying the amendment of Decree 6433 (issued in 2011, which sets the boundaries of Lebanon’s exclusive economic maritime zones) and decided to add an area of 1,430 square kilometers to the “disputed” area at the southern border.

Caretaker Prime Minister Hassan Diab and the ministers concerned ministers found themselves facing two options: either sign the Amendment and establish Lebanon’s right to this space and inform the United Nations, Or leave the “loose” borders as a haven for exploration companies working with the enemy entity a gateway to steal Lebanon’s oil wealth, especially since exploration in this particular area (Karish and 72 fields) will begin next June. After signing the amendment of the decree, exploration companies will refrain from working in the area, which will become “disputed”.

The decision to sign the amendment of the decree was taken yesterday evening at a ministerial meeting that included Diab, Defense Minister Zeina Aker, Minister of Works and Transport Michel Najjar, Foreign Minister Charbel Wahba, and the military negotiating delegation in Naqura: Brigadier General Bassam Yassin and Marine Colonel Mazen Basbous.

السنيورة يناشد «السيّد الرئيس»: وا أوباماه، وا أوباماه - أرشيف موقع قناة  المنار
Siniora

The amendment proposal was received from the army command, years after the completion of correspondence studies ignored by successive governments. For nearly 10 years, the army has been trying to correct the “mistake” made by President Fouad Siniora’s first government, turning an area of 860 square kilometers of Lebanese southern waters into a “disputed” area.

In parallel with the U.S.-brokered negotiations, a team of military and civilian technicians found that Lebanon’s right exceeded that “disputed” area, reaching 2,290 square kilometers, not just 860 square kilometers.

The decision to sign the amendment was not easy. “The discussion between ministers continued for more than an hour and a half on who should sign first.” In the beginning, “attempts were made by ministers not to be the first to sign,” but “the prime minister, for the first time, was enthusiastic about making a decision, so he said:

We met today to make a decision, and we have to sign the decree.” When the ministers sign, I will immediately sign. ”

تعرفوا على وزير الاشغال الجديد
Michel Najjar, the Phalange Party

According to the information, the Foreign Minister defended the need to amend the decree, and the Minister of Defense confirmed that she will sign while adopting the directions of the army leadership, while the Minister of Works asked for three or four days to sign, because he wants to return to the directorate of land and sea transport in the ministry, to clarify a number of points. During the meeting, “the military delegation offered the Minister of Works to come to the ministry and present him with all the new information and coordinates, but Najjar insisted on returning to the directorate because it was the one who prepared the decree before it was issued in 2011.”

The Minister of Works requested a three-day deadline to return to the Directorate of Land and Maritime Transport

After the meeting, a statement issued by the General Secretariat of the Council of Ministers indicated that «President Diab stressed during the meeting the need to speed up the bit of this file. After the army delegation provided a detailed explanation of the file, the Minister of National Defense confirmed that she had adopted the draft decree submitted by her. The Minister of Public Works and Transport has begun to study this project as soon as possible in coordination with the army command in preparation for the completion of the file.

It was signed by the Ministers of Defense and Works to be presented to President Diab for signature and referred to the Presidency of the Republic to issue the required exceptional approval.”

The decision to sign the amendment and correct the previous error is a major development in the maritime demarcation file, south. This is what the Israeli enemy sought to prevent, and the U.S. mediator was tasked with pressuring the Lebanese state to reverse the line (29) put forward by the Lebanese negotiating delegation in Naqoura, based on studies, maps and coordinates confirming Lebanon’s right to 2,290 kilometers at sea, instead of the “disputed” 860 square kilometers. This has also prompted the Israeli side to suspend the indirect negotiation process and launch a campaign in its media accusing Lebanon of torpedoing the negotiations.

The amendment to Decree 6433 could effectively halt the negotiations, intransigence of the Israeli enemy and its refusal to return to the Naqoura table. But surely this amendment will be a strong paper in the hands of the Lebanese negotiating delegation, and most importantly it will prove Lebanon’s right to the line (29), and turn the area of 2,290 kilometers extending to half of the Karish field into a disputed area, which prevents the Greek company Energin, or any other company, from starting the exploration process in this field, because it constitutes an attack on Lebanon’s exclusive economic zone.

At the same meeting, the prime minister, ministers and the negotiating delegation discussed the demarcation of the maritime border with Syria. Foreign Minister Charbel Wahba was tasked with communicating with the Syrian side. Al-Akhbar learned that Wahba invited Syrian Ambassador to Lebanon Ali Abdel Karim Ali, where he will meet with him at the ministry next Tuesday, to inform him of Lebanon’s readiness to negotiate and discuss with him the appropriate mechanisms to start the talks, pending the arrival of the book prepared by the army leadership and the opinion of the National Council for Scientific Research, and the letter of the Lebanese ambassador in Damascus Saad Zakhia. Informed sources confirmed that “the technical military delegation that is in charge of indirect negotiations with the Israeli enemy, is the same one who will be entrusted with the task of direct negotiation with the Syrian side.”

الكاردينال وقائد الجيش للزوم إحياء مستحيل للبنان 1920

د.وفيق إبراهيم

تنحصر الحركة الشعبية اللبنانية حالياً في جمهور ينتمي بغالبيته الى مناطق ذات غالبية مارونية. وهذه الحركة تُصرّ يومياً على تأييد قائد الجيش بذريعة أنه يحمي لبنان كما تذهب ناحية التأييد المطلق والكبير للكاردينال الراعي لأنه يحمي لبنان، على حد قولهم.

هذان القياديان يحظيان حالياً بهذا التأييد الأعمى على الرغم من أنهما لم يشاركا في تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي المجمع على عداوته للبنان، لذلك يتسجّل هذا التأييد في خانة الصراعات الطوائفية في لبنان، كما يصل هذه المرة حاملاً معه إحساساً مارونياً بإمكانية خسارة الصيغة القديمة بكاملها التي قام عليها لبنان في العشرينيات بدعم فرنسي كامل.

لا بدّ أولاً من التأكيد على أن صيغة 1920 أصيبت بعطب شديد كاد أن يطيح بها كاملاً نتيجة لاتفاق الطائف.

هذا الاتفاق التهم الأحادية المارونية في السلطة وأدخل السنة الحريرية شريكاً عليها من دون منازع وكادت صيغة 1920 أن تسقط كاملة ولمصلحة ثلاثيّة مع الشيعة والدروز لولا تدخلات دوليّة وإقليميّة خليجيّة.

لكن هذا الأمر لم يظهر الى العلن، لكنه أصبح حقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها بسبب التفوق النوعي لحزب الله وحلفائه في الأحزاب الوطنية، ولولا هذه التدخلات الخارجية والخليجية لكانت الصيغة الحاكمة في لبنان مشكلة من هذه القوى الشديدة الفاعليّة في هذه المرحلة بالتحديد.

هذه التطورات أنتجت إقراراً مارونياً ضمنياً بالثلاثية السياسية للسلطة في لبنان، لكنها اصطدمت بمحاولات للمحافظة على صيغة 1920 من بعض القوى الداخلية عند الموارنة الذين يعتقدون بإمكانية استمرارها في السلطة.

هؤلاء اختاروا الشارع وسيلة لمحاولة التمسك بآخر ما تبقى من صيغة 1920 معطوفة على الطائف في إطار الاتفاق الإضافي غير المكتوب مع الشيعة بما يؤدي الى تشكيل ثلاثية تحفظ ثلث لبنان للموارنة لأمد طويل.

هذا ما يفعله الموارنة اليوم في الشارع حاملين فيه لواء الكاردينال وعصمة قيادة الجيش معتقدين أن هذين الحرمين يمنعان الضرر عن بقية الصيغة اللبنانية.

لذلك انتقل الصراع بين الأجنحة السياسية المارونية على قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية حيث تشهد الشوارع التحاقاً بقيادة الجيش وتصويره وكأنه منقذ لبنان، مع الالتصاق الشديد بالكاردينال الذي «أعطي له مجد لبنان»، كما تقول العامة.

تشهد شوارع لبنان إذاً محاولة مارونية لصون الجزء الثلاثيّ من السلطة الخاصة بالموارنة، لكنها تصطدم بصراعات مارونية داخلية تعمل على الوصول الى رئاسة الجمهورية او بالاستحواذ بالشارع الماروني.

فقسم كبير من المتحرّكين في الشارع هم من جماعة حزب القوات اللبنانية والكتائب مقابل التزام مؤيدي التيار الوطني الحر بمنازلهم تحضّراً لأيام جسام تبدو واضحة في الأفق.

جرى الانتقال اذاً من الصراع الماروني السني وصولاً إلى الصراع مع الشيعة في اتفاق الطائف وصولاً الى الصراع الماروني في الوقت الحاضر بين القوات والكتائب والتيار؟ إلا أن قوات جعجع حاولت أن تنفي مشاركتها في قطع الطرق فيما واصل سامي الجميل رعاية المتحركين باحثاً عن مكانة فقدها حزبه الكتائب منذ صعود الحريرية السياسية التي دعمت القوات وفضلتها على غيرها من القوى المسيحية لأسباب غربية صرفة وأخرى خليجية.

لذلك فإن ما يجري اليوم هو صراع بين قوى مسيحية تحاول الاستحواذ على تأييد الخليج والغرب، وقد يبحث بعضها عن تأييد ضمني إسرائيلي.

فهل ينجح جعجع وسامي الجميل في السيطرة على كتلة كبيرة في الشارع المسيحيّ؟

هناك تأكيد ان القوات والكتائب تتصلان بشكل شبه يومي بألمانيا ومصر والأردن في محاولة لكسب أدوار تمنحها عدداً معيناً من وزارة يشكلها قريباً سعد الحريري.

وألمانيا ومصر والأردن ذاهبون لعقد مؤتمر دولي لبحث أزمات الشرق الاوسط من فلسطين الى لبنان.

أما القوات فيكاد قائدها لا يعبر يوم واحد إلا ويختلي فيه بدبلوماسيين من هذه الدول. ماذا اذاً عن طلب المتظاهرين باستقالة رئيس الجمهورية؟ هذه تندرج في إطار الصراع الماروني الماروني وبما أنها على هذا النحو فلا قيمة فعلية لها، لأنه تمكّن فريقاً صغيراً من الموارنة من إقالة الرئيس اللبناني بفتح المجال واسعاً للبدء بتغيير أي صيغة تحكم لبنان. وهذا يؤدي بدوره إلى الجزم بأن الكاردينال الراعي لا يقبل بهذا الأمر حرصاً على مارونية الرئاسة، كما أن الجمهور اللبناني الكبير الموالي لعون ليس بهذا الوارد، ومستعدّ للمقاتلة، بالإضافة الى ان جمهور حزب الله والأحزاب الوطنية لا يسمح بهذه الترهات التي تعني إلغاء النظام التاريخي اللبناني.

يتبين بالاستنتاج استحالة إحياء صيغة 1920 وإمكانية إلغاء حتى اتفاق الطائف اذا ما انضبطت الطوائف في كهوفها وانطلقت لقرن جديد يبدأ من 2020 ويجب أن يستمر حتى القرن المقبل بلبنان الطائفيّ الهش.

Escape from reform towards hostile foreign alliances فرار من الإصلاح نحو الأحلاف الخارجيّة المعادية

**English Machine translation Please scroll down for the Arabic original version **

Escape from reform towards hostile foreign alliances

This image has an empty alt attribute; its file name is Untitled-67.png

Dr. Wafiq Ibrahim

For more than five decades, religious bodies of all sects have been silently held to support the forces of the Lebanese regime, which bankrupted and robbed the state.

These forces drained the state and people’s funds and throw the homeland on the edge of the abyss, as if they are required to maintain the western direction of Lebanon. It did, and allowed poverty to devour the country, and sectarian powers to swallow everyone.

This scene contrasts with the scene of the popular gathering that the Maronite Patriarch led yesterday in Bkerke, canceling the historical role of Bkerke, turning it into a site that wants to divide the homeland and obstruct the role of the main forces trying to defend it.

It seems that the Patriarch Al-Rahi was terrified by the great national role that Hezbollah and its allies are playing in defending the country against “Israel” and the Western project. The Patriarch believed that the era of internal change had begun to take shape, so he invested the humble crowd to reject any real internal change, intersecting with Western attempts to break Hezbollah’s internal efforts to confront Israel.

What is clear here is that Hezbollah and its allies did not deliberately focus on the issue of internal reform, in order to avoid internal clashes until reaching a historical understandings that provoke communities in depth.

However, His Eminence the Cardinal with his Western sponsors was not convinced of these justifications. To block any internal change he jumped to Bkerke’s festival to serve the Western project against Hezbollah and its allies by supporting the America, Israeli and Gulf supporters.

This is Bkerke’s festival organized by his Majesty yesterday at the Maronite Monastic Headquarters in o block any internal change.

The festival attracted a limited number, such future movement, Lebanese Force and Rifi supporters

In terms of content, the aim is attaching Hezbollah and its allies, without any project to defend Lebanon in the face of Israel’s plans, insisting on preventing any internal change, and full accession to the American project and the intimate relationship with the France, as built since the 19th century, which the Cardinal wants to renew combining a French-Lebanese Alliance – unfortunately gulf-Israeli because it is the only force capable of fighting in the Syrian Lebanese theater.

The Bkerke project is not just an internal offer of an alliance between Bkerke, the Americans and the Gulf, but rather a joining of the American project that seeks to strike at the Iranian-Syrian alliance. In addition, the Al-Rai project is aimed at rebuilding a Lebanese system that excludes the alliance between Hezbollah and the national parties from any approach to the Lebanese regime, even in the slightest rapprochement endeavors. This system was born by the West and, in the view of its Maronite coverage, must remain the same, is this possible?

The Cardinal should realize that the balance of power no longer allows excluding the role of the national parties, which have become an essential part of the Lebanese political interactions with Hezbollah, whether directly or by circumvention.

The comparison here between the nationalist, communist and Nasserist parties shows that their weights have become more prevalent over those sponsored by churches and mosques that receive Gulf billions of dollars.

The Cardinal’s project is therefore very dangerous, because it may lure forces from other sects that may not like his project and see in it a new infiltration of Maronites to seize power in the manner of the twenties of the last century. This is what Walid Jumblatt realizes well in his Progressive Socialist Party and Saad Hariri in his Future Party and his group, Likewise, Geagea, who only thinks about using Bkerke to eliminate the Free Patriotic Movement, without forgetting Sami Gemayel, who is eager to restore the glories of the Phalanges in an impossible time.

Does the Free Patriotic Movement find itself in a difficult position in the project of conflict between Bkerke and Hizbullah?

This does not seem to be the case for several reasons: Because Hezbollah is strong in its sectarian incubator environment first, and with allied parties secondly, and it has non-vibrating regional allies, namely Syria and Iran, to the Russians who coordinate with it in various stages. It also has Yemeni-Iraqi alliances that make it an unbreakable regional force.

Contrary to the Cardinal’s statement that Lebanon is a neutral country, but against whom? Lebanon does not attack “Israel” or America and the West as much as it reflects absolute neutrality. What Hezbollah and its allied parties have done is that they repelled the Israeli invasion, supported by the West and the Gulf. Does the cardinal reject the liberation of the south, or does he believe that this occupation facilitates the Maronite Gulf Control of the state?

Therefore, the Cardinal’s steps appear to be narrow because Hezbollah will not fight it by popular or military methods and may wait a certain period to re-establish an alliance with capable Christian parties such as the Free Patriotic Movement and other national parties to rebuild a Lebanese political current that does not work only in order to control the authority and its regime, but tries to work to establish an actual homeland for all its children.

Is there a possibility for external support that the Cardinal will receive from the Americans, Europeans, and Gulf with an “Israel” cover? Yes, this is possible, but it is not viable because the Syrian-Lebanese-Iranian-Palestinian alliance is very well established and this makes the situation greater than the Cardinal capabilities and the weights of his allies in other sects.

So things are not heading towards popular explosions that Geagea, Hariri and Sheikh Sami Gemayel are working on. This is because the Hezbollah and its allies are blocked for any uncalculated impulses that lead to unfortunate consequences.

Finally, it becomes clear that the Cardinal’s project is nothing more than a heresy in a broken cup of coffee, and things are returning to what they were with attempts to improve it towards deepening deepening the Lebanese-Israeli conflict on the basis of the good defense of Lebanon, On the domestic level, His Excellency may, in this wretched time, bargain to adherence to the Maronite supremacy in power, and this is something Hezbollah does not object to as much as Hariri and his group of dreamers lookin for Gulf-American to support their project to advance in the Lebanese power.

فرار من الإصلاح نحو الأحلاف الخارجيّة المعادي

د. وفيق إبراهيم

أكثر من خمسة عقود تتمسّك الهيئات الدينية من كل الطوائف بصمت وضعها في خانة كبار متعهّدي تأييد قوى النظام اللبناني التي أفلست الدولة وسرقتها.

لم يرفّ لهذه القوى جفنٌ او ارتجف هدب، تستنزف أموال الدولة والناس وترمي بالوطن في حافة الهاوية، كأن المطلوب منها ان تحافظ على الاتجاه الغربيّ للبنان. ففعلت وأتاحت للفقر التهام البلاد ولقوى الطوائف ابتلاع الجميع.

يتناقض هذا المنظر مع مشهد التجمّع الشعبي الذي أحياه البطريرك الماروني يوم امس في صرحه في بكركي، لاغياً الدور التاريخي لهذا الموقع الوطني الهام. وذلك بتحوّله من موقع أساسي يجسّد صورة قسم أساسي في لبنان الى مشهد يريد تقسيم الوطن وعرقلة دور القوى الأساسية التي تحاول الدفاع عنه.

يبدو ان البطريرك الراعي أصيب بذعر من الدور الوطني الكبير الذي يؤدّيه حزب الله وحلفاؤه في الدفاع عن البلاد في وجه «إسرائيل» والمشروع الغربي واعتقد أن عصر التغيير الداخلي بدأت ملامحه بالتشكل، فاحتاط لها بالدعوة الى حشد بكركي المتواضع ليضع البلاد أمام مشروع رفض أي تغيير داخلي فعلي، متقاطعاً مع محاولات غربية لكسر المساعي الداخلية لحزب الله بمجابهة «إسرائيل».

ما هو واضح هنا، أن حزب الله وحلفاءه في الأحزاب الوطنية لم يركزوا من عمد على مسألة الإصلاح الداخلي وذلك إرجاء للصدامات الداخلية او محاولة للزحف بها لاحقاً نحو التفاهمات التاريخيّة التي تستثير الطوائف في العمق.

لكن نيافة الكاردينال لم يقتنع بهذه المبرّرات بتفاهمات مع رعاته الغربيين قافزاً نحو مهرجان في بكركي أراد فيه ومنه خدمة المشروع الغربي المناهض لحزب الله وأحلافه عبر تأييد الحركة الأميركية المناهضة وأعوانها الإسرائيليين والخليجيين. والهدف بالطبع إعاقة أي تغيير داخلي عبر الهرولة وراء المشروع الخارجي – الخليجي وتستفيد منه «إسرائيل» بالطبع.

هذا هو الحشد الذي نظّمه غبطته أمس في مقر الرهبنة المارونية في بكركي.

أما مميزاته، فهي أنه اقتصر على عدد محدود من الحشود جاذباً أحزاب القوات والمستقبل وريفي وتجمّعات شعبية لها أثر محدود جداً.

لجهة المضمون، كان جلياً أنه استهدف الرمي على حزب الله وحلفائه مصرّاً على منع أي تغيير داخلي، ومتشبثاً بلبنان نموذج الطائف او ما يعادله ومتوارياً عن اي مشروع للدفاع عن لبنان في وجه مخططات «اسرائيل»، أما ما هو واضح فإن حشد بكركي مصرٌ على عدم التغيير الداخلي والالتحاق الكامل بالمشروع الأميركي والعلاقة الحميمة مع الفرنسيين المبنية منذ القرن 19 والذي يريد الراعي إعادة تجديدها بلبوس جديد يجمع بين حلف أميركي – فرنسي – خليجي وبكل أسف إسرائيلي لأنها القوة الشرق أوسطية الوحيدة القادرة على النزال في المسرح السوري اللبناني.

مشروع بكركي اذاً ليس مجرد عرض داخلي لحلف بين بكركي والأميركيين والخليج بقدر ما يعبر عن التحاق بالمشروع الأميركي الذي يريد ضرب الحلف الإيراني – السوري. كما أن مشروع الراعي يتوغّل نحو إعادة بناء نظام لبنانيّ يُقصي التحالف بين حزب الله والأحزاب الوطنية عن أي اقتراب من النظام اللبناني حتى في أدنى مساعي التقارب.

فهذا النظام استولده الغرب غربياً ويجب برأي تغطياته المارونية أن يبقى على النحو نفسه، فهل هذا ممكن؟

موازنات القوى الداخلية لم تعُد تسمح بذلك، وهذا ما يجب أن يدركه الراعي وصرحه، كما ان هذه الموازنات ما عاد بوسعها حجب دور الأحزاب الوطنية التي أصبحت تشكل جزءاً اساسياً من التفاعلات السياسية اللبنانية مع حزب الله بالمباشر او بالالتفاف.

المقارنة هنا بين أحزاب القومي والشيوعي والناصري يتضح أن أوزانها أصبح راجحاً على أوزان تتلقى مليارات الدولارات من الخليج وترعاها الكنائس والمساجد وبركات الغيب والحاضر.

مشروع الراعي إذاً خطير جداً، لأنه قد يستدرج تأليباً لقوى من طوائف أخرى قد لا يروق لها مشروعه وترى فيه تسللاً مارونياً جديداً للإمساك المنفرد بالسلطة على طريقة عشرينيات القرن الماضي، هذا ما يدركه جيداً وليد جنبلاط في حزبه التقدمي الاشتراكي وسعد الحريري في حزبه المستقبل ولفيفه، وكذلك جعجع الذي لا يفكر إلا باستغلال بكركي للقضاء على التيار الوطني الحر من دون نسيان سامي الجميل اللاهث وراء استعادة أمجاد الكتائب في زمن مستحيل.

فهل يجد التيار الوطني الحر نفسه في وضع صعب في مشروع الصراع بين الراعي وحزب الله؟

لا يبدو الأمر على هذا النحو لأسباب عدة: لأن حزب الله قويّ بعصبيته الحزبية – المذهبية اولاً وتحالفاته مع الأحزاب الحليفة ثانياً، وله امتدادات من الحلفاء الإقليميين غير قابلة للاهتزاز وهي سورية وإيران وصولاً الى الروس الذين ينسقون معه في مختلف المراحل.

كما أن له تحالفات يمنيّة – عراقيّة تجعل منه قوة إقليمية وازنة غير قابلة للكسر.

يكفي أنه مناقض لما اورده الكاردينال من ان لبنان بلد محايد، إنما ضد مَن؟ فلبنان لا يعتدي على «اسرائيل» او اميركا والغرب بقدر ما يعكس حيادية مطلقة، مما قام به حزب الله والأحزاب الحليفة أنهم صدوا الغزو الاسرائيلي المدعوم غربياً وخليجياً. فهل يرفض الكاردينال تحرير الجنوب أم أنه يرى أن هذا الاحتلال يسهّل السيطرة المارونية الخليجية على الدولة؟

لذلك تبدو خطوات الكاردينال ضيقة تندرج في أدنى المستوى، لأن الطرف المناهض لها لن يكافحها بأساليب شعبية او عسكرية وقد ينتظر مدة معينة لإعادة تأسيس حلف مع أحزاب مسيحية قادرة كالتيار الوطني الحر والأحزاب الوطنية لإعادة بناء تيار سياسي لبناني لا يعمل فقط من أجل السيطرة على السلطة ونظامها بل يحاول العمل على تأسيس وطن فعليّ لمجمل أبنائه.

فهل هناك إمكانية لدعم خارجي يتلقاه الراعي من الأميركيين والأوروبيين والخليجيين بتغطية «إسرائيل»، نعم هذه ممكنة، لكنها غير قابلة للنجاح لأن الحلف السوري اللبناني الإيراني الفلسطيني شديد المراس ويتمكن من مناطقه وشعبيته وهذا يجعل الأوضاع أكبر من إمكانات الراعي وأوزان أحلافه في الطوائف الأخرى.

الأمور إذاً لا تتجه الى انفجارات شعبية يعمل عليها جعجع والحريري والشيخ المقدام سامي وهذا سببه لجم الحزب وحلفائه لأية اندفاعات غير محسوبة تؤدي الى ما لا تحمد عقباه.

يتضح أخيراً أن مشروع الراعي ليس أكثر من هرطقة في فنجان قهوة مثقوب والأمور عائدة الى ما كانت عليه مع محاولات لتحسينها نحو تعميق الصراع اللبناني – الإسرائيلي على اساس الدفاع الحميد عن لبنان، أما التعبير الداخلي فمرجأ بدوره وقد يكون النقطة الوحيدة التي بإمكان غبطته المساومة عليها في هذا الزمن الرديء على أساس التمسك بالتفوق الماروني في السلطة، وهذا أمر لا يعترض عليه حزب الله بقدر ما يضايق الحريري وزبانيته الحالمين بدعم خليجي – أميركي لمشروع تقدمهم في السلطة اللبنانية.

فيديوات متعلقة

مقالات متعلقة

السيرة الذاتيّة لأمين الجميّل: عندما يصبح الارتهان للخارج «مقاومة» [١]

الأخبار

 أسعد أبو خليل السبت 9 كانون الثاني 2021

السيرة الذاتيّة لأمين الجميّل: عندما يصبح الارتهان للخارج «مقاومة»  [١]
(هيثم الموسوي)

يبدو أنّ السيرة الذاتية باتت موضة متّبعة عند الكثير من سياسيّي لبنان، والبعض يستعين بكتّاب – لكن من دون تسميتهم على الغلاف أو في مقدمة الكتاب (يُسمّونهم هنا “الكتّاب الأشباح”، لكنهم يحظون بتنويه في الكتاب، على الغلاف، أو في المقدمة، وذلك اعترافاً بجهودهم). لا ندري إذا كان أمين الجميّل قد كتبَ الكتاب (أمين الجميّل، “الرئاسة المقاوِمة، مذكرات”) بنفسه، أم انه كتبه بالفرنسيّة واستعان بمترجم، لأنّ الكتاب يبدو أنه مُوجّه للقارئ الغربي أكثر من العربي (هو يشرح لنا مثلاً أنّ رفيق الحريري كان رئيساً لحكومة لبنان أو أنّ “ياسر عرفات المعروف بـ”أبو عمّار”، ص، ٣٠). لكن إذا كان الجميّل يظنّ أنّ كتابه سيلقى صدًى في دول الغرب، فهذا يعني أنّ أمين الجميّل لم يتعلّم بعد من دروس تجربته الرئاسيّة الفاشلة والكارثيّة، والتي كلّفت شعب لبنان الآلاف من الضحايا، وفي زمن لم يعد هناك من مجال لتحميل الشعب الفلسطيني ومقاومته المسؤوليّة عن الحرب الأهليّة. إذا كان الجميّل يظنّ أنه سيكون لكتابه تأثير في الغرب، فهذا يعني أنه لم يفقْ بعد من سكرة تنصيبه رئيساً من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي (لا تعنيني موافقة نواب الرشوة، باستثناء نجاح واكيم وزاهر الخطيب). وأمين الجميّل مملٌّ جداً كمتحدّث، ومملّ أيضاً ككاتب. وهو ينقل أحياناً في سيرته مقاطع من مدوّنته الخاصة، والمقاطع كفيلة بعلاج مرض الأرق. كان عناء القراءة سيقلّ لو أنه لم يستشهد من مدوّناته (المكتوبة بالفرنسيّة).

الكتاب لم يعدّه مؤلّفه وناشره للقراءة. هذا كتاب علاقات عامّة. لا يمكن للمؤلّف الذي وافق على هذا الحجم الكبير للكتاب ووزنه (وهو يُصنَّف هنا بأنه «كتاب طاولة القهوة»، أي الكتب التي يعرضها الناس على طاولة كبيرة في الصالون بغرض الزهو وتكون عادة عن تاريخ الفنون أو الهندسة المعمارية) أن يتوقّع قراءة الكتاب. ووجدتني أجد صعوبة وأنا أحمل الكتاب مستلقياً على الأريكة، لأنّ وزن وحجم الكتاب كانا مزعجيْن جداً، وتقليب الصفحات لم يكن مريحاً البتّة. أراده الجميّل كتاباً يوزّعه على الأمراء والشيوخ والسفراء الذين يزهو بمعرفتهم في متن الكتاب.

المشكلة في الكتاب أننا نتعامل مع كاتب له تاريخ طويل في العمل السياسي وله سمعة غير عطرة في الحقل العام. ومن الصفات التي ارتبطت بالجميّل صفة انعدام المصداقيّة والتحايل والكذب. وبناءً عليه، فإنّ الكثير ممّا جاء في الكتاب يسهل دحضه وتكذيبه وتفنيده. أعطي مثالاً شخصيّاً: يستفيض المؤلّف في كتابه بالاستعانة بشفيق الوزّان للتدليل على أنّ قراراته لم تكن فرديّة أو صادرة فقط عن رئيس الجمهوريّة، كأنّ رئيس الجمهوريّة قبل «الطائف» لم يكن حاكماً مستبدّاً يفعل ما يشاء ولم يكن رئيس الوزراء – خصوصاً في حالة شفيق الوزان – إلا ديكوراً فقط. قابلتُ أمين الجميّل عندما كان رئيساً، في منتصف الثمانينيات، بمبادرة من والدي الذي كان على معرفة به (المحرّر: والد الزميل أسعد هو إحسان أبو خليل الذي شغل منصب الأمين العام لمجلس النواب سابقاً). وكنتُ أجري مقابلات مع سياسيّين في معرض كتابة الأطروحة، واقترح والدي أن أقابل شخصاً اعتبره عدوّاً، واصطحبني إلى قصر بعبدا لهذا الغرض. والذي علّقَ بذهني من مقابلته والحوار الذي جرى (واحتدّ) أنه كان يشيدُ بشفيق الوزان ويزعم أنه يُشركه في كلّ قراراته. وبعد اللقاء، قابلت الوزّان كي أسأله عن ذلك، فما كان من الأخير إلّا أن نفى ذلك بانكسار، وأذكر لهجته الحزينة وهو يقول لي: لم أكن أعلم بما يُدار ولم يتم إشراكي بأيّ من القرارات. طبعاً، الوزان لم يكن رجلاً نزيهاً أو بريئاً، لأنّ فريق الجميّل استماله بطرق لا تختلف عن طرق استمالة رفيق الحريري لأفراد الطبقة الحاكمة في لبنان. كما أذكر من هذا اللقاء لهجة الجميّل عن خصومه عندما قال لي: لا نبيه برّي ولا وليد جنبلاط «يغبّر على صباطي». وعندما تجادلتُ معه كان يقول لوالدي متبرّماً إنني متأثّر بالدعاية الأميركيّة ضدّه.

الكتاب يعتمد على محاضر ووثائق يصنّفها المؤلّف بـ«المحفوظات الشخصيّة»، وبعض هذه هي «مدوّنات خاصّة في سجل اليوميّات». لكنّ هذا التوثيق لا يكفي أو لا يُعوَّل عليه – خصوصاً في حالة الجميّل – إلا إذا فتح الجميّل أرشيفه أمام الباحثين وجعل هذه المحفوظات الشخصيّة متاحة للعموم كي يتسنّى لنا مقارنة الأصل (مثل محاضر اجتماعات) بالفرع، الذي يرد في الكتاب والذي يخضع حكماً لتفسيرات الجميّل المؤاتية له. وهذا ضروري في حالة الجميّل، لأنّه شخص يفتقر إلى الحدّ الأدنى من «التأمّل الداخلي» كي لا نقول إلى نقد الذات الذي هو أبعد ما يكون عنه. هذا رجل عمل في السياسة، أو ورثها مع منزل العائلة في بكفيا، من دون أن يعترف بخطأ واحد له، أو حتى هفوة. هذا رجل مُصاب بعقدة لوم العالم كلّه على أخطائه والكوارث التي تسبّبَ بها. لم يكن يمكن أن يرتكب رئيس جمهوريّة وأن يتسبّب بإراقة دماء كما ارتكب وتسبّب أمين الجميّل (الاستثناء الوحيد قد يكون أخاه بشير لو تسنّى له الحكم). العالم كلّه خذله، في الغرب والشرق، وكلّ الأطراف في لبنان خذلته، في المقلبَيْن، وهو وحده المحق. خذوا شعاره المُضحك: «أعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم» (والشعار وُضع بالإنكليزيّة – هناك تكملة للشعار وهي «مرّة أخرى»، أي أنّ لبنان أدهش العالم من قبل. والشعار هو ببساطة طلب الجميّل من دول الغرب أن تسلّم له لبنان على طبق من فضّة (أو ذهب إذ أنه يفضّل الأنفس)).

يبدأ نسج الأساطير في الكتاب مبكراً، فتصبح هجرة العائلة من لبنان إلى مصر مجرّد طلب للحريّة (المضرّجة، على قول أحمد شوقي). هذه كما يحب الأميركيّون أن يردّدوا مقولة إنّ الهجرة إلى أميركا هي دائماً طلبٌ للحريّة. أي أنّ الفقراء اللبنانيّين الذين توافدوا، قبل وبعد المجاعة، إلى «العالم الجديد» كانوا ينشدون الحريّة. تقرأ ذلك وتظنّ أنّ كلّ مهاجر لبناني وأفراد عائلة الجميّل، هم أمثال هادي العلوي أو غسان كنفاني أو جورج حجّار، كتّاب راديكاليون ثوريّون لا تتّسع البلدان لهم بسبب ثوريّتهم ومجاهرتهم بطلب التغيير الجذري. الهجرة اللبنانية هي بهدف تحسين الوضع المادي وطلب الرزق. يقول إنّ هجرة جدّه كانت بسبب مطالبته بالاستقلال، لكن ليس هناك من مصدر أو دليل على أنّ هجرة جدّ أمين وشقيق جدّه كانت بسبب نشاطات نضاليّة لهما (ص. ١٩). ثم إنّ سبب مطاردة السلطات العثمانيّة لبعض اللبنانيّين كانت أحياناً لأنّ هؤلاء كانوا من دعاة الاستعمار الأوروبي وليسوا من دعاة الحرّية والاستقلال الناجز.

يبدأ نسج الأساطير في الكتاب مبكراً فتصبح هجرة العائلة من لبنان إلى مصر مجرّد طلب للحريّة


ويبلغ الطموح بأمين حدّاً يجعله يحاول أن يُقنع القارئ أنّه أديب ومفكّر. لكن، يا أمين: أنتَ في العمل السياسي منذ السبعينيّات، والناس يعرفونك ويسمعونك وقد خبِروك عن كثب في النيابة وفي قصر بعبدا. فيقول لنا إنّه تأثّر بشيشرون قبل أن ينتقل إلى جبران وتيار دو شاردان (استشهاد كمال جنبلاط بالأخير جعله مُحبَّذاً من من متصنّعي الثقافة في لبنان). ويزيد أمين أنّه تأثّر بالأدب العربي من ابن الرومي إلى الجاحظ إلى وليّ الدين يكن. لكنّ الجميّل يسمّي الأخير – الذي أحبَّ فيه تمرّده وشجاعته – «نور الدين يكن» (ص. ٢٠). هذا كأن يقول المرء إنّه تأثّر بكتابات جبران سمير جبران. ويحشو الكاتب في نصّه استشهادات لمفكّرين بمناسبة وغير مناسبة: واضح أنّ المؤلّف اقتنى مجلّداً من مجلّدات «كتاب الاستشهادات»، وهو الكتاب الذي يستعمله رجال أعمال وسياسيون من أجل حشو خطبهم باستشهادات لمشاهير الكتاب والمفكّرين، لإضفاء طابعٍ عميق على أنفسهم. ثمّ، إذا كان أمين قد تأثّر بالأدب العربي وبالفلاسفة، فلماذا ليس هناك من أثر لذلك، لا في خطبه ولا في أحاديثه، وحتماً ليس في هذا الكتاب.
وفي روايته عن علاقة رياض الصلح بوالده، تخال أنّ المثياق الوطني – على شناعته كتركيبة نفاق وطني – لم يكن بين الصلح وبشارة الخوري، بقدر ما كان بين الصلح وبيار الجميّل، وهذا يتناقض مع المعروف عن الظروف التي أحاطت بالميثاق (راجع كتاب باسم الجسر عن الميثاق، مثلاً). يدخل تعظيم شأن بيار الجميّل في نطاق المبالغات التي يتّصف بها الكتاب. ويشيد بكميل وزلفا شمعون، لأنّهما «كأنهما ينتميان إلى طبقة النبلاء، وأنّهما خير من يمثّل بلدنا» ويعتزّ بـ«المظهر البريطاني» الذي ورثته زلفا عن جدّتها (ص. ٢٣). هذه معايير أمين. ويزعم في روايته الموجزة عن حرب ١٩٥٨ الأهليّة في لبنان، أنّ عبد الناصر كان يريد إلحاق لبنان بالجمهوريّة العربيّة المتحدة (ص. ٢٣). الحقيقة أنّه كان هناك قطاع كبير في لبنان يريد الوحدة مع الجمهورية الواعدة، لكنّ عبد الناصر رفض حتى مناقشة الموضوع وكان دائماً يصدّ الوحدويّين اللبنانيّين بالقول إنّ للبنان «وضعه الخاص». وهو يعترف في ما بعد في الكتاب بأنّ عبد الناصر رأى أنّه من ««الحكمة» إبعاد لبنان عن النزاع المسلّح» (ص. ٣٠)، وفي الحقيقة أنّ عبد الناصر كان يعلم أنّ نصف لبنان على الأقل (كما اليوم) أقرب إلى إسرائيل منه إلى أعداء إسرائيل، وكان يخشى أن تؤدّي مشاركة لبنان إلى تفجيره.

أطرف ما يمكن أن يمرّ على القارئ في هذا الكتاب هو هذا المقطع: «تضاعفت اتصالاتي ولا سيّما مع جامعة هارفرد التي أصبحت «مربط خيلي»، وما زلتُ أحتفظ معها بعلاقات ودّية» (ص. ٢٥). دعني أوضّح للقارئ: طبعاً، يحقّ للقارئ أن يتساءل عن سبب إقامة جامعة هارفرد علاقة مع أمين الجميّل، غير المعروف بالعلم والمعرفة والفكر. هناك في جامعة هارفرد، كما في بعض الجامعات، أقسام غير أكاديميّة: مثل «كليّة كنيدي» للسياسة أو «مركز العلاقات الدوليّة». و«كليّة كنيدي» مثلاً، تمنح وريقات (سيرتفيكيت) وليس شهادات أكاديميّة يُعتدّ بها، ويستطيع الذي يريد أن يدفع أقساطاً باهظة مقابل شهر أو فترة دراسيّة صيفيّة (كما فعل نجيب ميقاتي أو سامي الجميّل) أن يحصل على هذه الورقة كي يضعها على سيرته الذاتيّة ويوهم الناس أنه يحمل شهادة أكاديميّة من جامعة هارفرد وهذا تزوير طبعاً. أما «مركز العلاقات الدولية» الذي تحدّث عنه أمين هنا، فهو يستضيف دوريّاً مجرمي حرب وزعماء ميليشيات وحكّاماً بصفة «مسؤولين رفيعين» من العالم. وأذكر أنني في عام ١٩٨٩، عندما كنتُ أعمل في التدريس في مدينة بوسطن كنتَ أرى مجرم الحرب الإسرائيلي، أميرام ميتزنا (وكان الحاكم العسكري في الضفة زمن الانتفاضة الأولى) في مترو محطة جامعة هارفرد، وقد يكون أمين تزامن معه هناك. أما أن يقول إنّ جامعة هارفرد هي «مربط خيله»، فهذا يعطيكم فكرة عن عقليّة هذا الرجل. لا، ويزهو أنه تعرّف إلى الأكاديمي العنصري، صامويل هانتغتون، والذي أصبح اسمه منبوذاً في الأكاديميا الأميركيّة والعالميّة. لكن أمين صافحه، كما صافح ألان ديلون وخوليو إيغليسياس عندما زارا لبنان أثناء رئاسته عندما بشّرنا بنهاية الحرب الأهليّة.

سرديّة أمين عن الحرب الأهليّة هي النمط الكلاسيكي للرواية الانعزاليّة بحذافيرها. يُقال لنا إنّ الشعب اللبناني كان يعيش بوئام ومحبّة مع الشعب الفلسطيني، قبل أن تنطلق ثورته (ص. ٣٠). طبعاً، الحقيقة هي مغايرة لما يقوله آل الجميل عن تاريخ لبنان (المعاصر أو السحيق، لا فرق). التاريخ عند هؤلاء هو أسطورة لا تمتّ بصلة للعلم، كما أنّ إيمانهم بالسيادة لا يتعارض عندهم مع التحالف مع إسرائيل. الشعب الفلسطيني كان يعيش سجيناً في مخيّمات تحت وطأة النعل العكسري لـ«المكتب الثاني» الذي لم يمانع في تطبيق عقيدة فؤاد شهاب، والتي كان مفادها أن يتآمر لبنان سرّاً مع إسرائيل ضدّ عبد الناصر وضدّ المقاومة الفلسطينيّة في ما بعد. والشعب اللبناني لم يكن يكنّ التعاطف مع الشعب الفلسطيني لأنّ السخرية من المعاناة الفلسطينيّة والتشكيك في وجع النكبة كانا سائديْن (كانت البرامج الكوميدية التلفزيونيّة تسخر من البرنامج الإذاعي الذي كان يتبادل فيه أبناء الشعب الفلسطيني في مخيّمات لبنان مع الأقارب تحت الاحتلال التحيّات والتطمينات) وبين كلّ الدول العربيّة، كان لبنان هو الأقسى من دون استثناء في تعاطيه مع اللاجئين الفلسطينيّين (يمكن مراجعة كتاب لوري برند «الفلسطينيّون في العالم العربي»). بوقاحة شديدة، يقول عضو الحزب الذي كان منذ الخمسينيّات (على الأقل) يتلقّى الدفوعات من إسرائيل لتمويل حملاته الانتخابيّة إنّ الشعب اللبناني كان يشاطر الفلسطينيّين «أحلامهم باستعادة وطنهم السليب». هل كان الجميّل وصحبه يشاطرون شعب فلسطين هذه الأحلام وهم يتلقّون التمويل من العدوّ؟

ويستشهد أمين الجميّل بمقاله لجدّه أمين الجميّل في مجلّة «البشير»، في عام ١٩٣٠، كأنّ ذلك يشفع للتحالف الذي عقده حزب «الكتائب» مع العدو بعد سنوات. وفي غياب النص الكامل للمقالة لا يمكن إلّا التعليق على الاستشهاد الذي نشره أمين في الكتاب، وفيه يظهر حرصٌ على المستوطنين اليهود إذ يقول أمين (الجد) إنّ وعد بلفور يمكن أن يكون عثرة أمام «راحة اليهود وهناء جيرانهم العرب»، ويضيف: «لم نكتم اليهود خوفنا على مستقبلهم» (ص. ٣١). لكن يجب تعليق الحكم بانتظار قراءة النص الكامل. ويقول أمين (المؤلّف): «عندما بدأت المخيّمات الفلسطينيّة بالغليان، اعترانا الذهول والحيرة» (ص. ٣١). لماذا؟ لم يكن غليان المخيّمات متوقّعاً، على ضوء القمع الذي كان يتعرّض له شعب فلسطين والاعتداءات على نسوة المخيّمات من قبل زعران المكتب الثاني، أو التنكيل والاعتقال والتعذيب التي كان يتعرّض لها الشعب الفلسطيني عندما يتظاهر دعماً لحقوقه؟ ولا يخفي أمين نزعة الاستعلاء الطبقي على أهالي المخيّمات فيعبّر عن استفظاعه قائلاً: «إذا بمستخدم أو عامل فلسطيني عادي كنا نعرفه منذ فترة طويلة يتحوّل فجأة تحت أنظارنا إلى مغوار متغطرس يتقلّد رشاش كلاشينكوف» (ص. ٣١). كان يريد من الشعب الفلسطيني في المخيّمات أن يبقى عاملاً وأن تبقى النسوة عاملات في المنازل وأن يقبل اللاجئون بتواطؤ السلطة اللبنانية مع عدوّهم.

وتبلغ الوقاحة بالجميّل في تزويره لتاريخ الحرب الأهليّة حدّ اتهام ضحايا اعتداءات «الكتائب» بما كان أوغاده يقومون به على «كوع الكحّالة». ومن المعروف أنّ ميليشيا «الكتائب» كانت ظاهرة الوجود في الكحّالة ولها مآثر طويلة في التجاوزات والجرائم ضدّ المارّين في الطريق الذي لا مفرّ منه بين لبنان وسوريا. وتعرّضت قوافل وسيّارات فلسطينيّة إلى اعتداءات دوريّة كما تعرّضت شاحنة تحمل نسخاً من القرآن إلى الحرق. كان الكوع هو المنبر الذي أراد حزب «الكتائب» أن يُعلن فيه خروج ميليشياه السرّية إلى العلن. والحزب تخصّص في تاريخه في تجنّب مواجهة الفدائيّين وجهاً لوجه، وفي التركيز على الكمائن وعلى المجازر ضدّ المخيّمات الفلسطينيّة. لا، يزعم الجميّل في كذبة صفيقة بأنّ الفدائيّين كانوا يتوجّهون إلى الكحّالة – التي هي معقل أوغاد «الكتائب» – وذلك فقط من أجل استفزازهم (ص. ٣٤). هل يُعقل أن يصدِّق المرء ذلك؟ قد تسري هذه الكذبة على القارئ الفرنسي الفاشي من أصدقاء الجميّل عندما يقرأ الكتاب بنسخته الفرنسية، لكن أيّ قارئ عربي يمكن أن يصدّقه؟ هذه الكذبة لا تختلف عن الكذبة الانعزاليّة المألوفة التي يكرّرها الجميّل عن أن مخيّم تل الزعتر المُحاصر (من كلّ الجهات من قبل مناطق ذات نفوذ كتائبي وشمعوني) كان يقوم باستفزاز محيطه، لا العكس. والأكيد أنّ هذه الصيغة من البروباغندا كان العدوّ الإسرائيلي يزوّد «الكتائب» بها كي يستعين بها للتحضير للمجازر التي توالت ضدّ المخيّمات الفلسطينيّة – وكانت هذه المجازر تتزامن مع مجازر لسلاح الطيران الإسرائيلي الذي أحرق في مطلع الحرب الأهليّة مخيّم النبطيّة عن بكرة أبيه – لم يعد لهذا المخيم من وجود اليوم.

وعندما يتطرّق الجميّل إلى الحملة الوحشيّة التي شنّها الجيش اللبناني ضدّ المخيّمات الفلسطينيّة في أيّار / مايو ١٩٧٣ (وكان ذلك بالتأكيد بالتنسيق مع سلطات العدو وكانت رئاسة الجمهوريّة تنسّق مع العدو في حينه، كما اكتشفنا من وثائق أميركيّة أُفرجَ عنها – ثم إنّ الحملة أتت بعد أسابيع فقط من إنزال قوات العدو في قلب الرملة البيضاء والتوجّه نحو فردان من أجل اغتيال قادة في المقاومة، ثم المغادرة عن طريق البحر ومن دون إطلاق رصاصة واحدة من قبل الجيش اللبناني الذي كان يقوده إسكندر غانم، الذي كان قائد منطقة بيروت في عام ١٩٦٨ عندما أحرق العدو طائرات لبنانية مدنيّة بالرغم من ورود تحذيرات إلى لبنان حول هذا العدوان قبل حدوثه). وتلك الحملة (في عام ١٩٧٣) كانت محاولة لتكرار أيلول الأسود في لبنان، لكن الذي منع ذلك – بالإضافة إلى الكفاءة القتاليّة للمقاومة – هو الانشطار الطائفي اللبناني بالإضافة إلى تأييد واسع للمقاومة من قبل قطاعات كبيرة للشعب اللبناني (وليس المسلمون فقط كما توحي دعاية الفرق الانعزاليّة). ويهتم الجميّل في هذا الصدد بإيراد عدد «ضحايا» الجيش اللبناني (كيف يكون الجيش ضحيّة وهو كان المعتدي؟) من دون إيراد عدد ضحايا، ليس فقط المقاومة الفلسطينيّة، بل أيضاً المدنيّين العزّل في المخيّمات (ص. ٣٩). ويؤيّد الجميّل خيار الاستعانة بطيران الجيش اللبناني الذي لم يُستعمل يوماً ضدّ العدو الإسرائيلي. ويحرص (على عادة الفكر الطائفي للحزب الذي يمثّله) على ذكر اسم عزيز الأحدب في تلك الحملة ضدّ المخيّمات، فقط لأنّه سنّي وهو يريد أن يقول إنّ هذا المسلم السنّي كان مشاركاً. طبعاً، لم يكن الأحدب (ذو الفكر الانعزالي الفينيقي) يصنع القرار في ذلك الحين، ولكنّه كان حليفاً لليمين الانعزالي، لكن ذلك لم يمنعه في عام ١٩٧٦ من التعاون مع حركة «فتح» عندما أعلن انقلابه (التلفزيوني) الشهير.
(يتبع)

* كاتب عربي (حسابه على «تويتر» asadabukhalil@)

خالد علوان حقيقة ماضٍ وحاضر ومستقبل

Khaled Alwan Tumblr posts - Tumbral.com

ناصر قنديل

في مثل هذا اليوم قبل قرابة أربعة عقود، كانت بيروت عاصمة الكلمة الحرة والفكرة الجديدة، عاصمة الشعر والموسيقى والمعارض والمسارح، عاصمة الخير والجمال بين عواصم العرب، تسقط مضرَّجة بدمائها تحت جنازير دبابات الاحتلال، وسط تصفيق وترحيب الكثير من العرب واللبنانيين، الذين ركب بعضهم متن الدبابات، وركب بعضهم موج البيانات، وبدا أن عاصمة عربية ثانية بعد القدس تدخل العصر الإسرائيلي، لحقبة ستفتح الباب لسقوط آخر وعاصمة أخرى. ولم يكن في بيروت إجماع على المقاومة، ولا حتى أغلبية، ولا كان سلاح شرعته الدولة، وسلاح الدولة الشرعي يومها كان يتم ترويضه وإخضاعه من بوابة اغتصاب الشرعية الدستورية في قصر بعبدا لصالح مشروع الاحتلال الرئاسي، ولم يكن الأمر بحاجة لسن قانون أو صدور مرسوم، ولا لأشهر وأسابيع وأيام، فخلال ساعات امتشق خالد علوان ابن بيروت، جسده ومشى نحو شارع الحمراء حيث يعرف خطواته كنبض قلبه، واطلق دمه رصاصات تكفلت بحسم الموقف، بيروت لن ترفع الراية البيضاء، وعلى جيش الاحتلال أن يغادر. وبدأ جيش الاحتلال يلملم شظايا وأشلاء مشروعه الذي بدأ العد التنازلي لمصيره منذ تلك الرصاصات.

تحية من النبطية لبطل عملية الويمبي الشهيرة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي الشهيد  خالد علوان :: شبكة أخبار النبطية
الويمبي traola Twitterren

في ذكرى اغتيال المفكّر والفيلسوف وزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون  سعاده . موقع إضاءات الإخباري

خالد علوان الذي ترجم روح ونص عقيدة حزبه، الحزب السوري القومي الاجتماعي، ونبض زعيمه الذي اختصر الحياة بوقفة العز، ليس شيئاً من الماضي ولا مجرد ذكرى، بل هو حقيقة حاضرة ومستقبلية، بمقدار ما هو الحقيقة التي كتبت تاريخنا، وجوهر هذه الحقيقة، أن المقاومة خيار وقرار، لا يحتاج الكثرة ولا الإجماع ولا الأغلبية، ولا ينتظر الإذن ولا الإقرار بالشرعية والمشروعية، وأن المقاومة لا ترتبط بحساب ربح وخسارة وضمان فوز بالمعركة، وتحقق من توازن القوى، وأن المقاومة ليست إضراباً نقابياً يرتبط إشهاره بمنسوب وعي عام، وتدرّج في المطالب ورفع السقوف، فالمقاومة خلافاً لكل ذلك فعل إرادة فردية تنطلق من اليقين بأنها صرخة التاريخ بوجه العدوان لتسجل باسم رمزية الأمة، رفض الرضوخ والاستسلام، والمقاومة بناء للكثرة واتجاه نحو الإجماع بقوة خلق الوقائع المؤدية الى النصر، والمقاومة تشكل للوعي من فوهة حقائق كتبت بالدم تصعب مجادلتها ولا التنكر لإشعاع نورها، والمقاومة صناعة لموازين القوى لا مجرد انتظار بارد لتغيرها، فالتوازن بين قدرة النار وروح الاستشهاد معادلة المقاومة الحاسمة، حتى تتسع بقعة النور بحجم أعداد الشهداء، وتتغيّر الموازين تحت إيقاع حقائق المقاومة الجديدة، تضرب يدها على الطاولة، وتعلن سيادة عصرها.

مَن يستطع الإنكار أن الاحتلال الذي دخل بيروت رحل عنها خلال أيام، خلافاً لما كان يرغب؟ ومن يستطع الإنكار أن سقوط راية الإحتلال حصل بفعل هذه الإرادة العظيمة التي بشرت بها رصاصات خالد علوان وشكلت إيذاناً بولادتها، وأنه مع هذا التحول التاريخي الذي تأسس في بيروت، ولدت شرعية جديدة، وأغلبية جديدة، وإجماع جديد، وميزان قوى جديد، ووعي جديد؟ وأن هذا التشكل الذي جرى في اللحظات الفاصلة بين ضغط أصابع خالد علوان على زناد مسدسه واستقرار رصاصاته في صدور المحتلين، هو اللوحة التشكيلية الجديدة التي قدمتها بيروت في معرض التاريخ، وهو الفكرة الجديدة التي أضافتها بيروت للفلسفة والسياسة ومفهوم الشرعية والمشروعية، وهو القصيدة الجديدة التي كتبتها بيروت، بفائض الحرية الذي فاض به دم السوري القومي الاجتماعي خالد علوان.

من يستطيع الإنكار أنه بقوة هذا التحول التاريخي، انطلق موج هادر في جسد الوطن وجسد الأمة، ونهضت مقاومة تحمل ألوان الطيف الفكري والثقافي والعقائدي لأحرار الوطن والأمة، وخلال شهور وسنوات تراكمت الحقائق، حتى تحقق الإنجاز تلو الإنجاز، تحريراً يلي تحريراً، وصولاً للإنجاز الكبير في أيار عام 2000. وهذا معنى أن الشهداء لا يموتون، لأنهم يجسّدون بشهاداتهم حقائق خالدة غير قابلة للتغيير ولا التعديل، ففي كل لحظة يطلب أحد للمقاومة أغلبية أو إجماعاً يبررانها، أو قانوناً أو مرسوماً يشرّعانها، أو نضوج وعي جامع وتكامل موازين قوة، تؤكد نصرها كشرط لانطلاقها، سنقول لهم ردّنا عليكم هو دم خالد علوان، الذي حرّرنا وحرّركم، ولو التزم بما تطلبون، لما كانت لنا ولا كانت لكم هذه الحرية، وما كان صحيحاً في ذلك الأمس بدم خالد، هو صحيح لليوم، وسيبقى صحيحاً كل يوم، بدماء تحمل بذرة التحول الى الف خالد وخالد، من دون اذن أحد، ومن دون شرعية من أحد، الا شرعية الحق واذن الدم بملاقاة الشهادة.

مقالات متعلقة

مأزق خطاب جعجع وجماعة شينكر

ناصر قنديل

خلال أسبوع واحد كانت اللقاءات التي عقدها معاون وزير الخارجية الأميركيّة ديفيد شينكر مع النواب المستقيلين، وعدد من الجمعيات التي تقدم نفسها كقيادة للحراك الشعبي الذي انطلق ضد الفساد في 17 تشرين من العام الماضي، وخطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تحاول إقامة توازن سياسي وإعلامي مع المناخ الذي خلقته حركة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، التي شكل حدثها الأبرز الانفتاح على العلاقة بالمقاومة، والتخلي عن رهانات العزل والحصار، وبات معلوماً أن حركة ماكرون تحظى بدعم أميركي يشبه التكليف أكثر من الدعم، وقد حاولت هذه الأطراف الإيحاء بالتلاقي مع أهدافها والتشكيك بجدواها في آن واحد، على خلفية خطاب تلاقت هذه الجماعات على مضمونه، وعبر عنه بوضوح رئيس القوات سمير جعجع في كلمته أمس.

الخطاب الموازن في الشكل يحمل الكثير من المزاعم والمبالغات، سواء لجهة الحجم أو لجهة الدور والموقف، فمدعاة للسخرية أن يصير هؤلاء آباء ثورة تشرين ويملك كل منهم منفرداً حق التصرف بأبوتها لينسبها كل منهم إلى من يشاء، وأن يحاضروا بعفة سياسية ومالية، وقد كان بعضهم شريكاً حتى نخاعه الشوكي في النظام قبل الطائف وخلاله وبعده، وبعضهم الآخر يمثل ميليشيات قام تاريخها على اغتصاب حقوق الدولة، ويروي لنا الرئيس السابق أمين الجميل في كتاب مذكراته فضيحة الاسترداد المنقوص للحوض الخامس لمرفأ بيروت إلى عهدة الدولة في عهده، بعد مفاوضات شاقة مع القوات انتهت لتخصيص مبلغ مقطوع من المالية العامة للدولة لصندوق القوات، بصفتها خوة نظامية مشرعنة بالجملة بدلاً من خوات تفرض على المواطنين بالمفرق، أما بعضها الثالث فجمعيات تعتاش على التمويل الخارجي بداعي العمل الإنساني أو التبشير بالإصلاح، لكن التحقيقات الأممية في كيفية تعاملها مع أموال مخصصة لدعم النازحين السوريين تكشف ما يندى له الجبين من لصوصية وسرقات، والحكايات المتداولة حول ما يرافق المساعدات المخصّصة لمتضرّري تفجير مرفأ بيروت لا تبدو مختلفة.

افتقاد الخطاب وأصحابه إلى الصدق والمصداقية لا تعوّضه النبرة العالية، ولا يُخفيه الصراخ، ولا لغة التحدي الميليشياوي من جهة، أو إنكار التاريخ من جهة موازية، لكن الأهم هو مأزق الخطاب الموحّد من حيث المضمون، وبعيداً عن التوابل التي يقوم برشها على صحن المائدة كل فريق ليضفي نكهته على الصحن الموحّد، يتكون هذا الصحن من عنصرين، على طريق «ملوخية» سامي الجميل، وهما برغل ولحم لصناعة «كبة نية» سيكتشف من يتذوّقها أنها رغم كل أنواع الكمون والبهارات وزيت الزيتون، تسبّب عسر الهضم ويصعب ابتلاعها، والعنصران هما، «برغل» مسؤولية السلاح و«لحمة» الانتخابات المبكرة، وسرعان ما يكتشف المتذوق أنهما عنصران غير قابلين لتكوين جبلة واحدة، فمقدّمة الخطاب الصادر عن جميع أصحاب الصحن الموحّد لطبق شينكر، ترتكز على فكرة مكررة يتم تلخيصها وتوسيعها وشرحها ومقاربتها من باب «مار مخايل» أو من باب «مرفأ بيروت» أو من باب خسارة الدعم الدولي والعربي، وتقول الفكرة إن سلاح المقاومة هو علة العلل وهو اصل المشاكل، والفكرة الثانية التي تشكل جوهر الحل وفق الخطاب الموحّد، تقول بكل اللغات واللهجات تقوم على الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة تعيد تشكيل السلطة السياسية، وينتظر منها تغيير التوازنات، مرّة تحت عنوان تغيير وجهة الأغلبية النيابية وفقاً لخطاب جعجع، ومرة تحت شعار إسقاط «الطبقة السياسيّة الفاسدة» والمجيء بممثلين مدنيين للشعب من صفوف «الثوار».

المشكلة ليست بنصفَيْ صحن شينكر الموحّد، كل على حدة، بل بجمعهما معاً، ففي النصف الأول، لا شرعية للانتخابات في ظل السلاح، وفي النصف الثاني نزع شرعية السلاح تتم عبر الانتخابات، ولا تشبه هذه الثنائية الملفقة إلا ثنائية الحياد والتوافق، فلا توافق إلا على الحياد، ولا حياد بدون توافق، وعلى أصحاب دعوتي إنهاء عهد السلاح والحياد أن يخبرونا، هل لديهم خطة لتحقيق الهدفين عبر الحوار مع حلفاء السلاح وأصحابه وجمهوره أم بكسرهم وكيف، وهل يرون الانتخابات طريقة مناسبة للكسر، وهل يعتبرونها شرعية رغم وجود السلاح وقبل كسر التحالف السياسي المؤمن بدور السلاح و المتمسك ببقائه، وإذا كانت هذه خريطة طريقهم فهذا يعني أنهم يثقون بأن السلاح ديمقراطي، ولا يتدخل في شؤون تكوين السلطة، ولا يسبب علة للطعن بنتائج الانتخابات وشرعيتها؟ وهذا يعني أن هذا السلاح لا يقلقهم، وأن أصحاب السلاح صادقون بأنه لا يستخدم إلا لوجهة واحدة هي من يجب أن يشعر نحوه بالقلق، وهو لا يشكل مصدراً للقلق إلا لعدو يحتل أرضاً ويتربّص شراً بالبلد، فلماذا يقيمون قيامتهم عليه إذن ويعتبرونه علة العلل، فيشاركون هذا العدو حملته للتخلص من هذا السلاح ليطمئن هو ويرتاح، ويقلق لبنان على أمنه وسيادته، بينما هم بكل عنفوان ونبرة عالية واثقون من الانتصار على ما يسمونه بحلف السلاح في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة رغم وجود هذا السلاح؟

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل [2]: عن تجربة خالية من المراجعة والمحاسبة الذاتية

الشيخ ماهر حمود

الثلاثاء 1 أيلول 2020

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل [2]: عن تجربة خالية من المراجعة والمحاسبة الذاتية
(هيثم الموسوي)

سادساً: صلاحيات رئيس الجمهورية

أما عن صلاحيات رئيس الجمهورية، فقد كان من حقّك في لحظة تاريخية، سواء كان الاتفاق الثلاثي أو غيره، ألّا تسجل على نفسك أنك قرّرت طواعية تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة والتي كانت أشبه بصلاحيات رئيس في نظام رئاسي، ولكننا نظام برلماني يفوز فيه الرئيس بفارق صوت واحد، ومع ذلك يتمتع بصلاحيات الملك. ولكن الواقع يقول إن واحداً فقط قبل «الطائف» كان يستحق هذه الصلاحيات، هو بالتأكيد الرئيس فؤاد شهاب، وواحد فقط بعد «الطائف» يستحق هذه الصلاحيات هو الرئيس إميل لحود، عدا ذلك لقد أساء جميع الرؤساء هذه الأمانة وأعطوا صورة بشعة عن الرئيس الماروني، بمن فيهم بطل الاستقلال بشارة الخوري، فكان لا بدّ من هذا التغيير. حصل هذا التغيير بعد التدمير الذاتي الذي مارسته أكبر قوتين مسيحيتين (بين التحرير والإلغاء ثم دمرت الأخرى بظرف تاريخي يستحيل أن يتكرر)، والله أعلم، ولكن كان لا بد من هذا الأمر. صحيح أنّ الوضع، الآن، ليس أفضل وأصبح كل وزير وكأنه رئيس، كما أننا لا نأمن أن تكون سطوة رئيس الوزراء فوقية، فيمرر ما يشاء بالمال أو بالتخويف أو بأي سلطة أخرى، ولكن بعيداً من كل القوانين يبقى الأصل هو الإنسان: هل نضمن أن يتسلّم المقاليد الإنسان المستقيم؟ عندما نضمن أن المسؤول مستقيم نسلمه كل الصلاحيات. ولكن تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية كان خطوة ضرورية للإصلاح، بعد التجارب الأليمة التي مر بها لبنان، وتبقى خطوة ناقصة إذا لم تدعّم بإجراءات معينة ترفع مستوى المصلحة الوطنية على كل المصالح الفئوية والطائفية والمذهبية.

سابعاً: الاتفاق الثلاثي

بالتأكيد، لم يكن الاتفاق الثلاثي مؤهّلاً لأن يحلّ المشكلة البنانية، ولم يكن الوضع ناضجاً أصلاً، وهو لم ينضج إلا بعد «التحرير» و«الإلغاء»، كما ذكرنا، ولكن كانت فرصة اهتبلها عبد الحليم خدام عندما رأى أن قائد ميليشيا متطرفاً يوافق على الورقة التي وصلته من إيلي حبيقة، بعد اتصالات غير مباشرة اطلع عليها نبيه بري ووليد جنبلاط… من دون توقيع، فقال: هل تدريان من أين هذه الورقة، قالا: من أحد القادة «الوطنيين»، قال: بل من فلان، فتفاجآ، وهكذا بدأ الموضوع… من حقه وحق القيادة السورية أن يحاولا اغتنام هذه الفرصة النادرة، وكانت محاولة من المحاولات التي تذكر بمسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، حيث صوّروا لنا أنّ الطبيب المعالج يتّصل من الخارج ويصف علاجاً فيفشل ثم يجرب غيره… أصبح اللبنانيون حقل تجارب، والحقيقة أنني التقيته أيضاً بعد سقوط الاتفاق الثلاثي مباشرة، فكان محبَطاً يسأل عن الأحاديث النبوية التي يظنّ أنها تصف الفتنة في جبل لبنان، فقال له من معي: مدّة الحرب اللبنانية حسب قناعتي (وكان من معي يؤمن كثيراً بهذا الجانب من الأحاديث النبوية)، اثنا عشر عاماً، فتفاءل بهذا، باعتبار أن الحرب قد مرّ عليها أحد عشر عاماً… عندما يعتمد سياسي كبير على ما يشبه «التنجيم»، فهذا يدلّ على مدى المغامرة التي كان يخوضها، ولكن السؤال: هل كان هناك أي احتمال لأي حلّ آخر؟ في النهاية، كانت محاولة جريئة أضيفت إليها حوارات ولقاءات وتجارب كثيرة حتى كان اتفاق «الطائف».

ثامناً: مرسوم التجنيس

أما عن مرسوم التجنيس، فلا وألف لا يا فخامة الرئيس، لقد تضمّن أخطاء لا شك ولا ريب، ولكن هناك أصحاب حق باليقين والدليل والبرهان ــــــ أهالي وادي خالد ــــــ أبناء القرى السبع كثير من مكتومي القيد بغير سبب، ولا يجوز أبداً أن نرى الأخطاء من دون أن نرى أصحاب الحقوق، ولا يزال يدوّي في ذهني ذلك العنوان في جريدة متواضعة كنّا نساهم في إصدارها في أوائل السبعينات «في وادي خالد: الدولة تجنّس البقر ولا تعترف بالبشر». نعم لقد جاء موظفو وزارة الزراعة، عام 1974، إلى وادي خالد لإحصاء الثروة الحيوانية اللبنانية، وأهالي الوادي لا يملكون إلا جنسية قيد الدرس. وهنا، أذكر ما يشبه النكتة من مقرّرات «سيدة البير»، أوائل الحرب اللبنانية: عتب على المسلمين لماذا يكثرون النسل، هذا مخالف للتطوّر البشري وما إلى ذلك، (أنقل ذلك من الذاكرة وليس من الوثائق). وعلى كل حال، العامل الديموغرافي فعل فعله، والهرم السكاني اختلف كثيراً عن عام 1943، فهل يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعالم يتغيّر؟ هل نغيّر عقول الناس أو نقطع ألسنتهم خوفاً على الخصوصية المارونية؟ ألا يكفي أنّ كلّ القوى التي تمثّل المسلمين على تنوّعها مقرّة ومصرّة على المناصفة؟ العالم يتغيّر، ألم يصبح الزعيم المسلم القوي في فترة من الفترات، أقرب إلى الأم الحنون من كلّ المسيحيين؟ والحديث يطول! ولكن قانون التجنيس في الغالبية العظمى حقّ راسخ لا مراء فيه ولا يجوز أن يكون موضع مزايدة.

تاسعاً: مسؤولية الفلسطينيين!

لا ينبغي تحميل الفلسطينيين مسؤولية أكبر بكثير ممّا يتحملون. نعم لهم أخطاؤهم الكثيرة الناتجة عن أوضاعهم المعقّدة، ولكن اختصار أسباب الحرب اللبنانية تقريباً بالمقاومة الفلسطينية تزوير حقيقي للتاريخ، ألم تذكر قول بن غوريون عام 1954: إننا نحتاج إلى ضابط لبناني لنقيم دولة مسيحية في الجنوب بحسب تعبيره؟ يعني المخطّط الإسرائيلي موجود قبل المقاومة الفلسطينية بوقت طويل، وهنا سؤال أتمنى أن يكون الجواب عليه للجميع وليس لي فقط، ذكر ألان مينارغ، الكاتب الفرنسي المميّز، في كتابه «أسرار حرب لبنان»، أنّ الشيخ بيار الجميل المؤسّس، طلب من إسرائيل مبلغ عشرة آلاف دولار لدعمه في حملته الانتخابية عام 1951، فأرسلت له إسرائيل ثلاثة آلاف. إن كان هذا صحيحاً، ومينارغ يوثّق كتاباته بالأدلّة الدامغة، فمعنى ذلك أنّ الانحراف المتمثل بالعلاقة مع إسرائيل بدأ مبكراً، حيث لم يكن هنالك وقتها خوف من القومية العربية، ولا من شعارات عبد الناصر، ولا من الوحدة العربية، ولم يكن هنالك مقاومة فلسطينية، ولم تكن فكرة الوطن البديل والتوطين موجودة. فكيف نحصر أسباب الحرب اللبنانية بالفلسطينيين وهناك من لا يرى إسرائيل عدواً، والمعلومات نفسها ذكرها الكاتب الإسرائيلي المعروف رؤوفين آرليخ، في كتابه «المتاهة اللبنانية» مع تغيّر في الأرقام، ومع تفاصيل أكثر بكثير.

كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط؟


هذا فضلاً عن الكثير ممّا ذكره الكاتبان المذكوران، وغيرهما، بأدلة ووثائق، عن علاقة «الكتائب» ولقاءاتها المتعدّدة مع الإسرائيليين، ابتداءً من عام 1947 وصولاً إلى الحرب اللبنانية مع محطّات متعدّدة، فضلاً عن علاقة الكنيسة المارونية مع الصهيونية… ومنها، أن الدبلوماسي الصهيوني إلياهو إيلات، قام بزيارة البطريرك عريضة بعد تنصيبه (ونسج معه علاقات وطيدة).
كما ذكر أنه في 30 أيار 1946 بعد النكبة مباشرة، تمّ توقيع اتفاق بين الوكالة اليهودية والكنيسة المارونية للاعتراف بمطالب «الشعب» اليهودي في فلسطين، مقابل دعم إقامة دولة مسيحية في لبنان، إلخ، والكتاب مليء بالوثائق والأدلّة والتفاصيل المفجعة. كذلك، هالني على سبيل المثال لا الحصر، يوم السبت 25 تموز 2020، على شاشة الـ«إم تي في» مع دنيز رحمة، قول وزير «الكتائب» السابق سجعان قزي: «بدأنا بالمقاومة عام 1975 وقالوا لنا تصمدون أشهراً، فصمدنا سنوات وانتصرنا عام 1982». من الذي انتصر؟ الاجتياح والدماء والقتل الصهيوني انتصار لـ«الكتائب» وللمقاومة اللبنانية كما تسمّونها؟ هل هذه فلتة لسان تكشف مكنونات النفس (كما يقول علم النفس) أم خطيئة ينبغي تصحيحها؟ أفِدنا يا فخامة الرئيس.

عاشراً: وثيقة مار مخايل

كيف يمكن إغفال حدث تاريخي بحجم الوثيقة التي وقّعها العماد ميشال عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006، وهي من أهم التحوّلات في التاريخ اللبناني الحديث، بل في تاريخ المنطقة حيث أصبحت أكبر قوة مسيحية مارونية في لبنان، الداعم الرئيسي للمقاومة الإسلامية التي تواجه إسرائيل بالنيابة عن العالم الإسلامي كلّه، بل عن الأحرار في العالم كلّه. لقد جعلتَ كلمة رئيس ليتوانيا لاند سبيرجس، عنواناً في الكتاب «العالم يتغيّر كل يوم»، عنواناً لطيفاً لنصيحة مميّزة أسداك إياها الرئيس المغمور في البلد المغمور. نعم العالم يتغيّر، لقد كانت هذه الوثيقة علامة فارقة رعت المقاومة على الأقل عشر سنوات من توقيعها، إلى انتخاب الرئيس عون في 31 تشرين الأول 2016 بعد التسوية الرئاسية. أقول من خلال هذه السنوات العشر، وليس بعد ذلك، لأن الأمور تغيّرت نسبياً بالممارسات المنسوبة إلى جبران باسيل، والتي غطّاها الرئيس عون بشكل كامل للأسف الشديد، أما قبل ذلك فقد كانت هذه الوثيقة داعماً لأهم انتصارات لبنان، إثر عدوان تموز 2006، فكانت تحمي السلم الأهلي وتفتح آفاقاً للمستقبل، ولا تزال بالتأكيد مع بعض الفوارق. ولقد كتبتُ مرة في «النهار» على ما أذكر، أنّ تاريخ 6 شباط 2006، قد يكون للبنان من التواريخ المشهورة منذ 1860 إلى 1920 إلى 1943 إلى 1975 إلى 1982. كان تاريخاً مميّزاً وحدثاً مشرّفاً، كيف يمكن أن تغفل مذكراتك مثل هذا الحدث التاريخي؟ وما هو رأيك في الموضوع؟ لقد استمعنا إلى ملاحظاتك عن العماد عون في محطّات عدّة، وهذا من حقّك ولكن كيف لا يُذكر مثل هذا الحدث الذي أثّر على لبنان إيجابياً في مرحلة دقيقة وحرجة. وقد تزداد قيمة هذه الوثيقة، عندما نقرأ تاريخ العماد عون، وعلاقته ببشير الجميل، والثقة العميقة التي كان يتمتّع بها من الأطراف المسيحية كافة وعلى مساحة المراحل كافة.

أما ما نتج من هذا الاتفاق من تعطيل وجمود سياسي لفترة طويلة، فهو مؤذٍ من دون شك، ولكن الأشد منه أذى هو ما كان سيحصل من دون هذا الاتفاق ومفاعيله. ولا يجوز أن ننسى بأي حال، أنّ هذا الاتفاق كان يهدف إلى ما كان يطلبه المسيحيون جميعاً: أن يكون رئيس الجمهورية هو الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، كما يفترض ذلك في رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة! فلا ينبغي أن يتم القفز عن هذه الفكرة الرئيسية.

أحد عشر: عين الرمانة

أعترف لفخامتك أن الاعتداء على المصلّين في عين الرمانة، قبل حادثة إطلاق الرصاص على الباص، لم يكن في ذهني ولا أذكره، وبالتالي كأنّك تبرِّر للذين أطلقوا النار على الباص بأنّهم قاموا بذلك كردّة فعل. لم يصل الأمر إلى حدّ التبرير الكامل، ولكن قارب ذلك، وهكذا كلّ شيء تقريباً، فقبل مجزرة الدامور 1976، المستنكَرة والبشعة والمؤلمة، كان هناك من يقطع طريق صيدا بيروت ويقتل على الهوية. حصل هذا تكراراً، وكان ما حصل في الدامور ردّة فعل (غير مبرّرة على الإطلاق)، والأفضل أن نضع في أذهاننا دائماً أنّ الاختراق الصهيوني موجود عند الجميع، وقد ثبت ذلك بالدليل والبرهان ولا أستبعد أبداً أن يكون الذين أشعلوا الفتائل هنا وهناك كانوا جميعاً من العملاء الصهاينة، الذين عملوا بدقة واحتراف لإيصالنا إلى ما نحن عليه. وهنا يُطرح سؤال: وكأنّك تعلم تماماً مَن الذين أطلقوا النار على الباص؟ ألم يحن الوقت للكشف عن أسمائهم، أو عن الجهة التي أمرتهم بذلك؟ لأنّك أشعرتنا بالحرج بسبب اتهام الكتائب (البريئة) من هذا العمل الشنيع. أليس من تمام الأمر إعطاء الصورة الكاملة خاصة وما ترمز إليه حادثة الباص كمنطلق للحرب اللبنانية؟ وبعد مرور هذا الوقت الطويل؟

ثاني عشر: العلاقة مع القادة الفلسطينيين

المقاومة الفلسطينية أخطأت كثيراً، ولكن في الوقت نفسه تحمل قضيّة مقدّسة. ويظهر تناقض واضح بين تحميلك الفلسطينيين مسؤولية خراب البلد، فيما هم كانوا في تل الزعتر حيث شاركت كما كتبت صاحب الفخامة. كانوا مستضعفين محاصَرين مظلومين، وكذلك في محطات أخرى، والسؤال: كيف ينسجم تحميلك الفلسطينيين هذه المسؤولية الكبرى، في الوقت الذي تفخر فيه بعلاقتك بالشهيد ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو إياد وغيرهما؟ وهل العناصر والجنود مسؤولون عن الدمار والقادة مبرّؤون من المسؤولية؟ أم أنّ في الموضوع أموراً أخرى؟

ثالث عشر: الاستعراض

لقد كنتُ دائماً كمراقب، أتّهم شخصك الكريم بالاستعراض، يعني كأنّك تهتم بالصورة والشكل أكثر بكثير من اهتمامك بالمضمون، ولا بدّ أن نعترف أنك كنت في أكثر الأحيان توفّق بالشكل، ولكن يكون المضمون هباء، وهذا ينطبق على خطابك في ثكنة هنري شهاب في عيد الاستقلال، وعلى خطابك في الملعب البلدي في الطريق الجديدة، وعلى أكثر لقاءاتك وزياراتك، خاصّة المفاجئة منها واللطيفة، وعلى الاهتمام بالصغيرة ريميه بندلي وأغنيتها الجميلة «اعطونا الطفولة»، أو ذهابك وأنت تقود السيارة الشخصية لحضور الفيلم العالمي «غاندي»، أو توزيعك «سبحات» جميلة وثمينة على المسؤولين المسلمين كهدية، واللائحة تطول. وأظنّ أنّ الاهتمام بالشكل كان على حساب المضمون، لذلك والله أعلم فاتت فرص كثيرة كان يمكن الاستفادة منها. هذا أمر في تركيبة الشخص، ولكن يمكن تلافي الأمر بقرار حاسم يُلزم الإنسان نفسه ويغيّر حتّى من شخصه.
ولا بدّ من ملاحظات سريعة:

1

ــ تصوير المسلمين وسائر أنصار المقاومة الفلسطينية، على أنهم يناصرونها خوفاً فقط، افتئات على الحقيقة. كذلك، تصوير السياسيين اللبنانيين المسلمين الموالين للسياسة السورية، بأنّهم يفعلون ذلك خوفاً فقط، فيه مبالغة كبيرة، فإن كثيراً منهم اقتنعوا بالسياسة السورية فساروا بها طوعاً لا خوفاً، وأرجو ألا أُفهم خطأً عندما أذكر بيت الشعر للمتنبي: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتريه من توهم

1

ــ اتهام الجيش اللبناني باغتيال معروف سعد، لا ينبغي أن يكون مجرّد اتهام. إنّ الذي أطلق الرصاص جندي في الجيش اللبناني اسمه معروف، والسؤال: هل كان بأمر من قيادته أم لا؟ هنا المعضلة التي لم تُكشف: أخبرني هنا الرئيس ميشال عون في منزله في الرابية، عام 2007، أنه كان وقتها قائداً للجيش في الجنوب، وكان منزله في بيوت الضبّاط في صيدا، وأنّه تعاون مع التحقيق وأرسل كلّ من طُلب إلى التحقيق، ولا نعلم بقية التفاصيل التي ذهبت أدراج الرياح، وكانت جزءاً من المخطّطات التي أشعلت الحرب اللبنانية.

2

ــ صورة فخامتك مع رشيد الصلح، وأنت تمسكه من الخلف وتجرّه بحجّة أنه يجب أن يسمع تعليق «الكتائب»، لم تكن أمراً موفَّقاً ولا يمكن أن تضعه في سجل حسناتك وإنجازاتك. كان يمكن إسماعه رد «الكتائب» من دون هذه الوقفة الاستعراضية المؤذية للمشهد السياسي.

3

ــ أيضاً إغفال مجزرة إهدن أمر ليس مقبولاً.

4

ــ لم يكن الدخول السوري إلى لبنان بطلب من «الكتائب» ولا من فرنجية، كيف؟ ما هي الحقيقة وما هي الوثائق؟
5

ــ سررت بذكرك لوظيفتك المتواضعة في مجلس المشاريع الكبرى التي كانت السبب في تعرّفك إلى مناطق لا تعرفها من لبنان.

6

ــ عندما تكثر الحديث عن تجاوز الإرادة اللبنانية: قرارات تؤخذ من دون استشارة اللبنانيين كاتّفاق «مورفي ــــــ الأسد»، أو الدخول السوري إلى بيروت في شباط 1987، أو غير ذلك، أليس في ذلك مبالغة؟ يجب الاعتراف بأنّ السبب هو الخلافات اللبنانية الحادّة، بل الانقسامات، وأنّ فخامتك في تلك الفترة، كنت لا تمثل أحداً في لبنان تقريباً، المسيحيون رفضوا دورك وقراراتك، والمسلمون كذلك على حدّ سواء، ومؤسّسات الدولة منهارة، من يُستشار وكيف ولأيّ سبب. كانت تلك المرحلة كأنّها مرحلة انعدام الوزن، والسبب الرئيس هو التردّد في شخصيّتكم الكريمة وعدم الوضوح، والتناقض بين ما يقال في الاجتماعات وما يمارَس في الواقع، كما يقول كلّ من تعامل معك من السياسيين، سواء كانوا مؤيّدين أو معارضين.

7

ــ حذّرت كثيراً من غدر الأميركيين وتخلّيهم عن أصدقائهم، واستشهدت بفرح ديبا ونيكسون وغيرهما، ولكن ذلك لم يظهر في سياستك وقراراتك، فظللت تعتمد عليهم وتثق بهم في الظاهر على الأقل. ولقد ذهبت مباشرة بعد خروجك من بيروت إلى هارفرد وغيرها من جامعات أميركا… وكأنك تقول مع الشاعر: «وداوني بالتي كانت هي الداء». ولن يلخِّص السياسة الأميركية في لبنان تجاه المسيحيين أفضل من هنري كيسنجر، حين قال للرئيس سليمان فرنجية: «هذه البواخر تنتظركم، تذهبون جميعاً إلى أميركا وتعيشون هناك أفضل حياة»، هكذا بكل بساطة.

8

ــ سررت بذكرك تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، التي برّأتك من تهمة الحصول على عمولة من صفقة طائرات «البوما»، والحق أنّ هذا الأمر ليس مشهوراً، وكان ينبغي أن يكون إعلانه أكثر شهرة. هذا مع العلم أنّ مثل هذه «البراءة»، يمكن أن تكون جزءاً من صفقة أو تسوية سياسية، فأنت تعلم تماماً أن الجمهور فقد الثقة بكل ما هو رسمي تقريباً، حتى لو كان الذي أعلن هذه البراءة، صاحب الوجه البشوش والصيت الحسن الرئيس إيلي الفرزلي حفظه المولى.
وللأسف أقول، تحتاج فخامتك إلى جهد أكبر لإقناع الرأي العام أنّك مبرّأ من كل التهم المالية المنسوبة إليك، من المشاركة الإجبارية لبعض المشاريع في المتن، إلى كثير من الاتهامات التي لا تعتبر «البوما» أهمّها. نتمنى أن يحصل ذلك للتاريخ.


9

ــ سؤال يطرحه الجميع: لقد نُفّذت أحكام إعدام متعدّدة في عهدك، أذكر منها إبراهيم طراف الذي قطّع ضحيّتَيه إرباً، ورماهما في حديقة الصنائع، وغيره، لماذا لم يتم إعدام حبيب الشرتوني، طالما أنّ التهمة قد ثبتت عليه؟ هل كان هناك ضغوط؟ هل كنتم تنتظرون أن يكشف عن معلومات أكثر؟ حقيقة يجب أن تُعلن، ولا يجوز فقط أن تذكر فخامتك على سبيل الإدانة، أنّ قوة من الجيش السوري ذهبت إلى رومية وأطلقت سراحه بعد 13 تشرين 1990 (هذا طبعاً بغض النظر عن رأينا بالموضوع، والذي لا شكّ يختلف تماماً؛ إنما هو تساؤل كبير ينتظر التوضيح من فخامتك).

10

ــ أبرزت فخامتك دورك في مقاطعة انتخابات 1992 كدور بطولي. هل كانت هذه المقاطعة فعلاً بطولة، أم كانت خطأ كبيراً تمّ تلافيه في انتخابات 1996؟

11

ــ ذكرتَ أنّ تبوُّء الرئيس ميشال عون منصب رئيس مؤقت للحكومة كان باختيارك، المشهور بالإعلام، والله أعلم، أنّ جعجع قام بإرغامك على هذه الخطوة التي كنت ترفضها، وكانت صورة وجهك تنبئ بمثل هذا، أين الحقيقة؟

12

ــ صدّرت الكتاب بكلمتك المشهورة: أعطونا سلاماً، وخذوا ما يدهش العالم، لقد رأيتك على الشاشة تستمع إلى كلام يوجّهه إليك جوزيف جريصاتي، فيذكر هذه الجملة امتداحاً لفخامتك، فعلقت مازحاً: «أنت الذي قلتها وليس أنا»، باعتباره كان يكتب الخطب لفخامتك. برأيي المتواضع لا بأس من ذكر هذه الملاحظة مثلاً: كلمتي هذه التي صاغها فلان وتبنيتها فأصبحت شعاراً للعهد، ولهذا الكتاب… من باب العرفان لمن كتبها ثم لمن أطلقها شعاراً؟

13

ــ لا شك أنني في هذه الصفحات لم أذكر كلّ شيء، ولم أعلّق على كل شيء، الجعبة مليئة بالذكريات والتعليقات والتفاصيل التي عشناها يوماً بيوم، وساعة بساعة، ولكن ما كتبناه قد يكون عنواناً للذي لم نستطِع كتابته خوفاً من الإطالة، أو من أمور أخرى… ولا بد أن ياتي يوم نؤرّخ فيه لهذا الوطن بلغة واحدة، إن شاء الله، على صعوبة هذا التمنّي، ولكن الله على كلّ شيء قدير.

خاتمة

أخشى فخامة الرئيس أن تكون النتيجة التي يخرج بها القارئ من هذه المذكّرات، هي اليأس من بناء لبنان من جديد، طالما أنّ فريقاً من اللبنانيين ينظر إلى إسرائيل كحليف دائم أو محتمل، وليس كعدو تاريخي وجودي كما ينظر الآخرون. ولا يبدو أنّ التجارب تدفع الفرقاء والذين أوغلوا في الأخطاء، إلى مراجعة حساباتهم وإجراء محاسبة ذاتية ومواجهة الجمهور اللبناني بنتيجة هذه المراجعات. ولكنّ اليأس لن يدخل إلى قلوب المخلصين، نستطيع مثلاً أن ننتقي من المشاهد المتناقضة، ما يدفعنا إلى الأمام كمن يرى النصف المليء من الكوب، فمثلاً بالنسبة إلى فخامتك: صورتان متناقضتان إحداهما تدعو إلى اليأس: كلامك الجازم على قناة «الجزيرة» أنّ إسرائيل هي الوحيدة التي كانت تدعم «صمود» المسيحيين في وجه الآخرين خلال الحرب اللبنانية… صورة مؤلمة. والصورة التي تدعو إلى التفاؤل، أي ردّة فعل فخامتك عند اغتيال ولدك البكر والوزير المميّز الواعد بيار الجميل، حيث دعوت إلى أن تكون تلك الليلة ليلة صلاة ودعاء بعيداً عن الانتقام والدماء. ثم ما لبثت أن قمت بزيارة لسماحة السيد حسن نصر الله، في تلك الفترة التي كان فيها الانقسام عامودياً حاداً.
سنبقى نبحث عن الأمل حتى يفرِّج الله تعالى عن هذا الوطن، وعلى هذا الأساس سيكون جوابنا على العنوان: نعم ستنفع الكتابة بإذن الله.

* الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة

 [1]

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل: حوار لا بدّ منه على طريق إعادة بناء الوطن [1]

الشيخ ماهر حمود

السبت 29 آب 2020

قراءة في مذكّرات الرئيس أمين الجميل: حوار لا بدّ منه على طريق إعادة بناء الوطن    [1]

أتوجّه إلى الرئيس الجميل بعد قراءة مذكّراته المعنونة «الرئاسة المقاومة»، بالسؤال: هل تنفع الكتابة؟ بمعنى إن كانت التجربة التي تؤرّخ لها، فخامتك، والتي تمتدّ لأكثر من أربعين عاماً مليئة بالأحداث، مضمخة بالدماء، مثقلة بالعناء وكيد الأعداء وخيانة الأصدقاء وغدر الحلفاء، إن كانت كلّ هذه السنوات بكلّ ما فيها من دروس وعبر لم تدفعك إلى قول الحقيقة كاملة، ولم تجعلْك تنطق بالموعظة التي نطقت بها هذه الأحداث، فهل ستنفع كتابتي المتواضعة؟

لا أظنُّها ستنفع، ولكن لا بدّ من تسجيل رأيٍ حازم نؤكّد فيه باليقين، أنّ ما عشته وعشناه يدفعك إلى استنتاجات واضحة ما كان ينبغي فيها التردّد، ولا ينفع فيها بالتأكيد نصف الرأي وبالتأكيد تدعمها آلاف الحقائق الدامغة، وعلى الأقل كما قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
إنّ ما ينبغي أن يُستنتج يلخّص بما يلي:

أولاً: إسرائيل العدو الرئيسي للبنان وخاصة للمسيحيين، وعلى الأخص للموارنة الذين استعملتهم غطاء وتبريراً لعنصريتها وعدوانها.

ثانياً: مهما بلغت أخطاء سوريا وخطاياها والتي قد نضيف إلى ما قلته عنها أضعافاً مضاعفة، ولكنّها تبقى هي التي حافظت على وحدة لبنان ووحدة جيشه ومؤسّساته ومنعته من الانزلاق إلى الذوبان من خلال التبعية للعدو الصهيوني ومخطّطاته الجهنّمية. وقد ثبت أنّ أخطاء سوريا وخطاياها تبقى ضمن التكتيك أو السياسات الصغرى، أما الاستراتيجيات أو السياسات الكبرى فقد أثبتت أنها أذكى من الجميع، وأقدر من الجميع على المحافظة على المبادئ الكبرى، والدليل أنها لم توقّع اتفاقاً مع إسرائيل ولم تخضع للسياسات الأميركية ولم تسلّم قيادتها لأحد، ولكن لأي إنسان مخلص أن يسأل: هل الخطايا المشار إليها لا تجرح الاستراتيجية الكبرى؟ أترك الجواب للتاريخ.

ثالثاً: المسلمون شركاؤك في الوطن شئت أم أبيت، كما هم لا كما تحب وترغب، بأخطائهم وتدينهم أو علمانيّتهم، لن يقوم لبنان إلّا بجناحيه بغض النظر عن الأقلية والأكثرية.

رابعاً: لبنان جزء من العالم العربي بالتأكيد، ولأنّه يتمتّع بالحرية والتنوع فإنّه مؤهّل لإصلاح الأوضاع العربية إذا انحرف العرب نحو الخطيئة الكبرى ـــــ الاستسلام للمشروع الصهيوني، ولا يجوز أن نتنصّل من العروبة ونحاربها عندما تكون عروبة المقاومة والوحدة ونتزلّف إليها عندما تصبح عروبة التطبيع والذل والعار والانتفاع المالي والاقتصادي.

خامساً: لن تكون أميركا والغرب كلّه أحرص من شركائك في الوطن على مصلحتك وأمنك ومستقبلك، والغدر الأميركي، أو بالحد الأدنى عدم الاكتراث والإهمال للأزمة اللبنانية لا يجوز أن يكون مفاجئاً لأحد، طالما أنّ اللوبي الصهيوني هو المؤثّر الرئيسي في القرار الأميركي.

سادساً: وكذلك فرنسا لن تبقى الأم الحنون ولعلّ كلمة وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة تعبّر بشكل كافٍ: ساعدوا أنفسكم لنساعدكم.

سابعاً: نرضى بالوجه العربي للبنان كحدّ أدنى وفق تعبير الميثاق الوطني عام 1943، ونفخر بالثقافة اللبنانية المتميّزة التي تستفيد من الثقافات الغربية المتعدّدة، ولكنّ الثقافة الغربية التي أفلحت في التكنولوجيا وفي كثير من القوانين والتشريعات المعاصرة، لم تفلح في العلاقات الإنسانية والحفاظ على العائلة، وتبقى الثقافة الشرقيّة متفوّقة في مجالات متعدّدة، فلا تبعية في الثقافة ولكن استفادة بوعي وحذر.

ثامناً: ما كنت أتمنّى أن تكون مذكّراتك كمذكّرات شاعر أو كاتب حالم، وإن كان هذا الجانب العاطفي والشاعري في شخصية فخامتك موضع احترام وتقدير، ولكن لن يكون وداع شجرة الميموزا مثلاً في قصر بعبدا أهم من بعض التفاصيل التي تمّ إغفالها. مذكّرات رئيس يجب أن تكون مليئة بالعبَر والمواعظ ليُبنى من خلالها وطن جديد، وليس فقط لنبكي على الأطلال وكأننا فقدنا حبيباً أو تركنا منزلاً في صحراء.

تاسعاً: لن يصبح «التعامل» مع إسرائيل بأيّ شكل من الأشكال، ولا بأيّ مقياس من المقاييس، مساوياً لـ«التعامل» مع الفلسطينيين أو السوريين أو الإيرانيين، أو غيرهم من العرب والمسلمين. لا يصحّ أن يستوي هذا مع ذاك، لا في النية ولا في الهدف ولا في الأضرار ولا في أي احتمال من الاحتمالات، ولا بأس أن نحكّم في ذلك الكتاب المقدّس والتاريخ والجغرافيا والأنتروبولوجيا، والتجربة القديمة والحديثة، وكلّ المقدّسات والقيم التي يعتمد عليها البشر.

عاشراً: ليست هذه الأوراق مخصّصة لمناقشة فكرة ولاية الفقيه والتي لا يمكن أن تسمى تبعية على الإطلاق. وعلى كل حال ليس ثمة من هو مبرّأ من الأخطاء، وهذا الموضوع يحتاج إلى حوار مطوّل في مكان آخر.

بعد هذه المقدمة، أقول:

قرأت مذكّرات الرئيس أمين الجميّل باهتمام بالغ، وذلك بعد نصيحة من الصديق الصحافي قاسم قصير، الذي أرسل لي مقطعاً قصيراً مصوّراً عن تعليقه على هذا الكتاب، خلال حفل التوقيع في بكفيا. سررت لدعوته إلى بكفيا ولكلامه هناك، وسألته فقال: «الكتاب فيه وثائق مهمّة وباعتبارك عشت هذه التجربة عن كثب فإنه سيكون من المفيد أن تقرأه وأن تعلّق عليه». وهكذا كان… والواقع أنني وأنا في التاسعة والعشرين من العمر تقريباً، أي عند انتخاب الرئيس أمين الجميّل رئيساً، بدأت أشعر كأنّ الرئيس أمين الجميّل خصمي الشخصي، ليس فقط خصم المجتمع الذي أنتمي إليه، فيما كنت أشعر كما الكثيرين بأن بشير الجميّل كان عدوي الشخصي، وليس مجرد خصم، فهو الذي قتلني على الهوية، وهو الذي أتى بالاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي أراد أن يبني لبنان على أنقاض كلّ ما هو شريف وثمين في هذا الوطن. أمّا أمين الجميّل فكما رحّب العرب به بعد اغتيال بشير، كان مرحَّباً به، وارتدى صورة رجل الانفتاح والحوار، ومن أجل ذلك حاز 77 صوتاً بكلّ سهولة، ومن أجل ذلك خفتت أصواتنا كمعارضين، لفترة قصيرة نسبياً، فيما كانت مرتفعة مدوية لدى انتخاب بشير (مدوية في حدود مجتمع مدينة صيدا وما حولها وقتها). ولكن للأسف، إنّ أداءه سبّب خيبات كبيرة، وكان يمكنه أن يتلافاها لو كان يتمتّع بالحزم والشجاعة الواجبة في اللحظات التاريخية التي عاشها وعشناها معه، ولا بدّ من ملاحظات رئيسية:

أولاً: أهم ما في الكتاب

إنّ أهم ما في الكتاب بالتأكيد، هو الحوار الذي دار بين الجنرال الإسرائيلي (إينان) عضو الوفد الإسرائيلي للمفاوضات، وقد طفح كيله (حسب تعبير فخامتك)، فصاح: سوف أعلّم أولادي فنّ التفاوض كي يحلّوا مكاني، كناية عن الوقت الطويل الذي استغرقته هذه المفاوضات فضلاً عن صعوبتها، فردّ عليه نظيره اللبناني العميد (عباس حمدان): وأنا سأعلّم أولادي فنّ المقاومة وسنرى من سينتصر. ثم عقبت بكلام واضح: أثبتت الأحداث أنّ حمدان على حق (ص123). كلمات مدوية، تستحقّ أن تكون عنواناً للكتاب، تستحق أن تضعها مثلاً في صفحة خاصة في أول الكتاب وبالخط العريض، ولكنّها مرّت هكذا بثلاثة أسطر ضمن الكتاب يكاد لا ينتبه لها القارئ، لماذا يا فخامة الرئيس؟ لماذا الواحد منّا عدو نفسه وأهله ووطنه عندما يحكِّم الغريزة أو التعصب الطائفي أو الحزبي؟ لماذا تُغفل الحقائق وتُطمس الوقائع؟ أقول هذا لأنك في آخر الكتاب، وبكل استخفاف في الصفحة (393)، قلت: «انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد احتلال دام 22 عاماً، فسادَ البلاد بأسرها جوّ من الأمل فقدت مقاومة حزب الله مبرر وجودها وسلاحها»، الله أكبر، هذا الذي تستحقّه منك المقاومة فقط؟ ثلاثة أسطر على لسان عباس حمدان، وسطر ونصف عن فقدان المبرّر للمقاومة. 22 عاماً من المقاومة الباسلة، آلاف الشهداء، جهود لا يمكن إحصاؤها، إشاعات، أكاذيب ومؤامرات داخلية وخارجية لم تخفّف من اندفاعها، العالم كله يمتدحها ويتعلّم منها، الأمين العام للأمم المتحدة يزور الأمين العام لحزب الله في الضاحية الجنوبية مهنّئاً ومعتذراً، فلقد كان العالم كلّه يتمنّى أن تقع مجازر في القرى المارونية، في قرية سعد حداد مثلاً القليعة، علما الشعب، في إبل وعين إبل ودبل وغيرها، ضربة كف لم تحصل، منزل سعد حدّاد لم يمسّه أحد، لم يتعرّض أحد لعائلات العملاء الذين هتكوا الأعراض وسفكوا الدماء وخانوا العهود والمواثيق… إلخ. كلّ ذلك لا يستحق منك كلمة تقدير واحدة؟ فقدت المقاومة مبرّر وجودها؟ الله أكبر، نعم الله أكبر، لأنّه لا منجى من هذا التزوير وهذا الإنكار، إلا الالتجاء إلى الله الذي يعلم السرائر ويعامل الناس بأعمالهم ــــــ إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين ـــــــ القرآن الكريم، نعم يا فخامة الرئيس لقد كانت صدمة لي هذه المفارقة بين هذه الأسطر القليلة، ولكن كما قال الشاعر:
وليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم

ثانياً: اتفاق 17 أيار

وصلت إليك الرسالة الجانبية من الإسرائيليين قبيل توقيع اتفاق 17 أيار المشؤوم، والتي استنتجت من خلالها أنّهم لا يريدون هذا الاتفاق، وأخبرك من أخبرك أن الإسرائيليين أوصلوا الاتفاق إلى هذه النقطة ليس عن قناعة، بل ليتلافوا العقوبات الأميركية، بسبب أنّ شارون قد تجاوز الاتفاق ووصل إلى بيروت، متجاوزاً نهر الأوَلي كما كان متفقاً عليه. وبالتالي، لم يكونوا يريدون هذا الاتفاق، فماذا لو أنّك في لحظتها أعلنت إلغاء الاتفاق وواجهت جمهورك
بهذه الحقيقة، بل الحقائق التي بين يديك، كم كنت وفّرت على الوطن وأهله؟ ستقول فخامتك، بل كان سيكون هذا ذريعة لبقاء الاحتلال، وهل توقيع الاتفاق ليس احتلالاً وذُلّاً؟ أو أنّ الذي حصل كان أفضل؟ لو أنّك فعلت هذا، كنت ستكون بطلاً في كلّ المقاييس والمعايير.

تسعة أشهر من القصف والقتل والدمار، من 17 أيار 1983 حتى 6 شباط 1984، الموعد الحقيقي لسقوط هذا الاتفاق، وما تخلّل ذلك من معارك في بيروت الغربية والشحار الغربي وبحمدون وقرى الجبل، وشقّ طريق الكرامة وقصف الضاحية قصف الدمار بما يشبه الإبادة، وإعادة خطوط التماس وتبادل القصف… بالتأكيد، إنّ الوضع كان سيكون أفضل بكثير لو أنّك أعلنت إلغاء هذا الاتفاق من جانب واحد بخطوة بطولية جريئة، ونحن هنا لا نتحدّث عن موجبات البدء بهذه المفاوضات، نتحدث انطلاقاً ممّا ذكرته في كتابك، وليس من موقعنا الرافض أصلاً للمفاوضات.

ثالثاً: بيروت الكبرى

بيروت الكبرى التي اعتبرتَ أنها إنجاز، كيف؟ وقد مهّدت لها بالدماء والقمع، بالخطف باختفاء بعض الفلسطينيين في منطقة صبرا وشاتيلا، من دون أن نعلم لهم مصير بعد ذلك. وماذا عن الاغتيالات؟ من قتل الشيخ حليم تقي الدين؟ من وضع المتفجّرة لوليد جنبلاط في القنطاري؟ من وزّع السيارات المفخّخة في بيروت الغربية؟ من حاول اغتيال الشيخ عبد الحفيظ قاسم من خلال متفجّرة (كراج حبوب)؟ هذا غيض من فيض ممّا رافق أو كان نتيجة مشروع بيروت الكبرى، ثمّ هل يحقّ لمؤرّخ برتبة رئيس جمهورية مدعماً بالوثائق المؤرشفة، أن يتجاوز الحديث عن صلاة العيد في الملعب البلدي بتاريخ 11/07/1983 بإمامة الشهيد الشيخ حسن خالد، حيث كانت الجملة الأهم: «لا نريد أن تكبر بيروت ليصغر لبنان». هذه الجملة كانت شعار هذه الصلاة الجامعة، التي ضمّت خمسين ألف مصلٍّ في الطريق الجديدة بحسب جريدة «السفير». أمّا جريدة «النهار» والتي كانت إلى جانبك وقتها، فأتت بالخبر في الصفحات الداخلية وبأسطر معدودة، بينما كان الخبر في جريدة «السفير» على عرض الصفحة الأولى تحت عنوان «خمسون ألفاً كبّروا لخطبة المفتي». هذه الجملة الأهم في هذا الحشد التاريخي، كانت من اقتراح الرئيس سليم الحص شفاه الله وعافاه، وكانت الكلمة المفتاح التي كبر لها الجميع. كيف يمكن إغفال هذا الموقف الشعبي (السنّي) العارم ضد إجراءاتك البوليسية القاسية التي كانت تهدف إلى بيروت الكبرى على حساب الوطن، وعلى حساب كلّ المبادئ المحترمة وأين سيمون قسيس من كل هذا؟ وهنا، لي بعض المشاعر الشخصية بعد هذه الصلاة التاريخية: إذ إنني خرجت على رأس تظاهرة من الملعب البلدي إلى مقابر مجزرة صبرا وشاتيلا، وكان العيد الأول الذي يمرّ على هؤلاء الشهداء الأبرياء ــــــ عنوان التكامل بين الصهيونية وبعض المتصهينين المسيحيين، ولا نتّهم كلّ المسيحيين بالتأكيد ولا كل الموارنة حتماً ــــــ هناك ألقيت كلمة نارية، وأنا على الأكتاف أو على منبر حجر من الأرض، وكانت سيارة جيب عسكرية (ويليس) تقف على بعد أمتار قليلة علناً وليست مستترة، وأحد الجنود ينقل خطابي كلمة كلمة لرؤسائه. خُيّل إليّ أني أخاطبك مباشرة، وأنّ الجندي ينقل كلامي وهو يقول الزبون يقول كذا… الزبون يقول كذا… خُيّل إليّ أنّه ينقل الكلام إليك شخصياً في القصر الجمهوري المطل على المكان الذي نحن فيه، ولا يتكلّم مع وزارة الدفاع، ذلك لاهتمامك بالتفاصيل في بعض الأحيان، هناك شعرت أنك خصمي المباشر، من دون أن يكون ثمة لقاء أو مواجهة مباشرة مع فخامتك.

إذن، إسمح لنا فخامة الرئيس، لا يحقّ لك أن تفخر بمشروع بيروت الكبرى وهو لم يكن يوماً إلّا جزءاً من المشاريع الفاشلة المضرّجة بالدماء المثقلة بالظلم التي ارتبط اسمك باسمها، وللأسف الشديد.

ولا بدّ من تتمّة لما حصل في الفترة التي كانت تمهّد لمشروع بيروت الكبرى: ذلك أنّ بوّاب بناية اسمه أحمد فهدا من بلدة مركبا الجنوبية، كان يعمل لدى الوزير الراحل ميشال إده في منطقة القنطاري، شاهد على ما يبدو الذين حضّروا للانفجار الذي استهدف وليد جنبلاط وقتها، في 02/12/1982، لم يُصَب في الانفجار، ولكنّه اختفى تماماً بعد الانفجار ولم يُعلم عنه شيء حتى الآن… بعد مرور هذا الوقت، ليس هنالك من يخبر أبناءه وأحفاده ما الذي جرى له وكيف اختفى ولماذا؟

ما كنت أتمنّى أن تكون مذكّراتك كمذكّرات شاعر أو كاتب حالم وإن كان هذا الجانب العاطفي موضع احترام وتقدير


وطالما أنّ الحديث عن الشهيد المفتي حسن خالد رحمه الله، فلا بدّ أن نذكر أننا كنّا عنده في بيته المؤقت في الروشة، في ظلام دامس في المنطقة، وانقطاع للاتصالات وأجواء من التوتر… وكان قد سكن هذا المنزل مؤقتاً، حتى لا يضطر إلى اجتياز الحاجز الإسرائيلي خلال ذهابه وإيابه إلى دارته في عرمون. خلال وجودنا، جاء درّاج من القصر الجمهوري (باعتبار انقطاع الاتصالات)، وسلم سماحته رسالة صغيرة من فخامتك: اقتراح قمة روحية لبنانية لاستنكار «مجزرة بمريم»، فاستشارنا، وكان جوابنا جميعاً: «لماذا قمة من أجل «مجزرة بمريم»، (2 أيلول 1983)؟ ألم تحصل هنالك مجازر أخرى، ماذا عن صبرا وشاتيلا (وفيهم لبنانيون كثر)، ماذا عن تلّ الزعتر، وعن ضحايا القصف العشوائي…؟ فكان جوابه: «هذه حديثة، وتلك قد مرّ عليها وقت طويل»، وأمسك القلم ووقّع الموافقة، ثم قال بعد توجيه انتقادنا لفخامتك: هذا أفضل رئيس جمهورية حتى الآن… واضح، كأن ذلك في الفترة التي تبنّت فيها سوريا هذا الشعار.

رابعاً: تحرير صيدا

لقد كانت زيارتك إلى صيدا، يوم الأحد 17 شباط 1985، إثر الانسحاب الإسرائيلي مباشرة، ونحن لا نزال في بيروت، سبقتنا إلى مدينتنا، باعتبار أنّ الصهاينة أعلنوا يومي السبت والأحد منع تجول. لقد كانت زيارتك إلى صيدا عنواناً لشخصيتك الملتبسة، حيث هبطتَ بالمروحية في ثكنة صيدا وانتقلتَ مع الوفد المرافق إلى سرايا صيدا القريبة، بسيارات مدنية تم إيقافها عند طرَفي الطريق بتدبير أمني مميّز لتتم الاستفادة من عنصر المفاجأة. كانت الفعاليات قد جُمعت لك في السرايا، وبينهم المطران أغناطيوس رعد، مطران الروم الكاثوليك، الذي كان قد تعامل علناً مع العدو الإسرائيلي، فثار لذلك مفتي صيدا والجنوب الشيخ سليم جلال الدين رحمه الله، في وقفة تاريخية، رافضاً أن يشارك في الاجتماع ـــــ عميل ـــــ ولو أنه كان يحمل لقباً دينياً، فوقف غاضباً، وقلّما كان يغضب، مردّداً بيت أحمد شوقي المشهور:
وللحرية الحمراء باب
بكلّ يد مضرجة يدق
فتمّ إخراج المطران، ولكن مَن الذي دعاه ومن المسؤول عن هذا الخطأ الجسيم؟ وليس هذا هو الأهم، إنك بكلمتك المقتضبة زوّرتَ التاريخ، واستخففت بعقول الناس، فقلت إنّ هذه الأرض حرّرتها المقاومة اللِبنانية، هكذا بكسر اللام، وهذا التعبير كان يعني وقتها «القوات» اللبنانية، ولم يكن يعني المقاومة التي واجهت إسرائيل وانتصرت. كان فقط المطلوب منك أن تضمّ حرف اللام على الأقل، أو أن تقول المقاومة الوطنية اللبنانية، إن كان يصعب عليك أن تقول المقاومة الإسلامية. وكنت تستطيع أن تقول إنها مقاومة أهلنا وشعبنا أو أهل الجنوب، أو أي كلمة أخرى، ولكن كان تعبيرك صدمة قاسية للمقاومة والمقاومين ولأهلنا في صيدا الذين قدموا شهداء كثراً.

هذه الزيارة، وهذه الكلمة، ستبقى عنواناً لشخصيّتك التي فاقمت الأزمات اللبنانية في عهدك. لا تظن يا صاحب الفخامة أنّك بكلمة أو بزيارة أو بلفتة دبلوماسية أو بهدية رمزية، تستطيع أن تغيّر وقائع دامغة، وهذا جزء رئيسي ممّا فعلت خلال السنوات الست القاسية، التي كنت فيها رئيساً.

وحتى تكتمل الصورة، نقول إنّ البعض برّروا للمطران رعد «عمالته»، بأنها كانت ردة فعل على مجزرة كفرنبرخ ــــــ الشوف، التي ذهب ضحيّتها كثيرٌ من أقاربه… وليس هذا تبريراً مقبولاً بالتأكيد، ولكن الواقع يقول إنّه استقال بعد ذلك من منصبه وهاجر إلى كندا ومات هناك. ولعلّ الكنيسة قد طلبت منه الاستقالة على الأرجح، لأنّ دوره كان محرجاً لها، ولا ينسجم أبداً مع دوره كمطران وكرجل دين.

خامساً: سمير جعجع؟

نسأل مرّة أخرى، هل يحقّ لرئيس جمهورية ورئيس حزب أن تكون مقاربته للأمور شخصية أو ذاتية؟
لقد كان انتقادك لـ«القوات» اللبنانية، ولسمير جعجع، انتقاداً خجولاً ضعيفاً في مراحل الكتاب كافة، ثم أصبح قاسياً قوياً لدى تعرّضه لشخصك الكريم ولعائلتك، وصولاً إلى إخراجك من لبنان، هل كانت هذه أهم جرائمه؟ هل المقياس هو ما سبّبه لك من إزعاج ولعائلتك، أم ما أقدم عليه من تدمير وإتلاف لوثائق بيت المستقبل؟ على أهمية هذه الجريمة! أم أنّ ثمة ما هو أكبر من ذلك بكثير؟ ماذا وقع في شرقي صيدا مثلاً؟ بل في صيدا نفسها، بعد الانسحاب الإسرائيلي الذي تم بيسر وسهولة، وتسلّمت الأمن قوةٌ منتقاة من الجيش اللبناني ساهم في تشكيلها الشهيد رفيق الحريري، وكانت أهم أعماله وقتها، وكان كلّ شيء على ما يرام ولم يكن هناك من خطر أو خوف على أهلنا المسيحيين في شرق صيدا، أو حتى كان ذلك الهجوم المجرم ظهر يوم 18 آذار حيث قسّمت «القوات» اللبنانية صيدا إلى شطرين، وجعلت من حي القياعة خط تماس مع الهلالية والبرامية وعبرا وماهو بعدها… وبدأ القصف من شرقها على غربها، وحبست عائلات بأسرها بين الشطرَين… أصبحت القياعة التي هي حي صيداوي داخلي خط تماس مع القوات اللبنانية. لقد كان الهجوم الذي استمرّ حتى 26 نيسان خدمة كاملة للعدو الصهيوني، لم يكن هناك أي احتمال لأية مصلحة محتمَلة للبنان أو للمسيحيين على الإطلاق، ولو بنسبة واحد بالألف، ولكن كان تنفيذاً للخطة الإسرائيلية التي كانت تنصّ على أنّ المناطق التي تنسحب منها إسرائيل يجب أن تتقاتل وأن تُدمّر حتى يقول الإسرائيلي للرأي العام العالمي الغبي، إنّ وجود إسرائيل كان حاجة لأمن اللبنانيين، وإنّ اللبنانيين أعجز من أن يحكموا بلدهم.
عند الانسحاب، وبعد المخاوف التي بثّها العدو الإسرائيلي عن مصير المناطق التي سينسحب منها، وبعد فشل محاولة اغتيال مصطفى سعد رحمه الله في 25 كانون الثاني 1985 ــــــ أي قبل الانسحاب الإسرائيلي بحوالى 22 يوماً فقط ــــــ في أن تُحدث فتنة داخلية كما صرّح بذلك العملاء إثر الانفجار مباشرة، قام جعجع بتقديم هذه الخدمة المأجورة إلى العدو الصهيوني، ولم يكن في وارد أن يتعلّم من أخطاء عام 1983 عندما انسحبت إسرائيل من الجبل من دون تنسيق مع الجيش اللبناني، ولا مع حلفائها «القوات» اللبنانية، وزوّدت الدروز كما «القوات» بالسلاح اللازم للتدمير الذاتي، فكانت المجازر وكان الدمار، وكانت الكارثة، ولا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولكنّه ليس بمؤمن كما هو واضح.

ها هي إسرائيل تنسحب من شرقي صيدا وصولاً إلى أطراف جزين، وتجد «القوات» اللبنانية نفسها ملزمة بالانسحاب، ليصعد المسلّحون من صيدا وتحلّ الكارثة. لقد كان تعليق محافظ الجنوب وقتها (حليم فياض) في غاية الدقة، فقد قال يوم 18 شباط: خوّفونا ممّا بعد الانسحاب، وها نحن نعيش في أمان بعد الانسحاب الإسرائيلي، وضرب مثلاً على ذلك شخصية «راجح»، العدو الوهمي في فيلم «بيّاع الخواتم» للرحابنة والسيدة فيروز.
كان تشبيهاً بليغاً، ولكنّ عمالة جعجع فوّتت علينا فرصة الفرح بهذا الانسحاب التاريخي. هل يمكن أن يُغفل ذكر هذه الحقبة المهمة والمميزة من تاريخنا المعاصر؟ وهل يمكن أن تُقوَّم «القوات» اللبنانية، فقط من خلال أخطائها في الساحة المسيحية؟

إنّ إخفاء أو إغفال نصف الحقيقة قد يكون معادلاً لأسوأ أنواع الكذب، خاصة عند كتابة التاريخ والإدلاء بالشهادة لله وللوطن وللعائلة أيضاً، وإن مثل هذه العمالة ظهرت في أكثر من محطة خلال الحرب اللبنانية.

* الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة

موت المتصرفية وموت الطائف

سياسة 

ابراهيم الأمين الثلاثاء 11 آب 2020

إبراهيم الأمين مرة أخرى: العنف ولو أدى إلى الفوضى هو الحل | مناطق

لن يتوقف الفجور أبداً، والكذب ملح الفاجرين. لا يهمهم شيء غير الصورة التي يعتقدون أن القوة تبقي عليها حية. هكذا هي حال سياسيين واعلاميين ورجال مال وأعمال عندنا. أما الناس العاديون، فعليهم تحمل تبعات أفعالهم. وكما يدفعون، منذ عقود، ثمن مبايعة هذه القيادات، عليهم تحمل تبعة مبايعة هذا الجنس من المعارضين. لا مبرر لغاضب أو متعب أو جائع عندما لا يجيد التمييز بين النصّابين، وعندما لا يريد لعقله أن يعمل للحظة واحدة. وكل كلام آخر، هو مساهمة في حفلة الدجل القائمة التي لا مؤشرات على أنها ستقف عند حدّ.

سامي الجميّل يستقيل، وكذلك ابن عمه نديم، وقبلهما مروان حمادة، وبعدهما ميشال معوض، وآخرون من بقايا الفولكلور الديموقراطي. هل لنا أن نسأل عمّا فعله هؤلاء وعائلاتهم منذ ولدنا جميعاً؟ هل من استقالوا من المجلس النيابي قرروا أنهم غير مناسبين للعمل العام أم ماذا؟ هل سيترشحون في أي انتخابات مقبلة؟ هل تعني استقالاتهم أنهم فشلوا في مهمتهم وعليهم المغادرة، أم أنهم يقولون لنا إن السلطة لم تناسبهم فقرروا استخدام تفويض الشعب، ولكن في الشارع.

هل فكّر أبناء عائلة الجميّل مرة في حجم الاموال العامة التي ينفقها اللبنانيون عليهم: رواتب رؤساء ووزراء ونواب حاليين ومتقاعدين؟ مصاريف خاصة معلنة وسرية؟ مشاريع ومزاريب وتوظيفات وإقطاع بشع؟ وبين كل هذه الأجيال، تجارب ومدارس في الدونية أمام أي خارج يحمي مصالحهم، من ياسر عرفات الى حافظ الاسد وصدام حسين وأمراء الخليج… الى كل جوقة الغرب القريب أو البعيد. وبعدها، يخرج من بينهم من يحدّثنا عن ثورة وتغيير!
ميشال معوض: هل تعتقد أن تجربتك في غينيا منحتك الخبرة لتجرب الانقلاب في لبنان أيضاً؟ أم ان تجربة جمع التبرعات عام 2006 منحتك الإلهام لجمع مزيد من التبرعات، لكن بأرقام أكبر، لأن انفجار المرفأ «حصل في مناطقنا»… كيف تشرح لنا سبب انضمامك الى تحالف جبران باسيل يوم التصويت وسبب تخليك عن هذا التحالف اليوم؟ وهل يمكن لك أن تتجاوز زوايا زغرتا قليلاً أم أصابك أيضاً وباء الرئاسة الذي يصيب كثيرين اليوم، من بينهم ناصيف حتي ودميانوس قطار وغيرهما؟ هل همس لكم أحد بأن أوان الانتخابات الرئاسية قد حان، وأن فرصتكم تكبر إن انتقلتم الى مواقع أخرى؟ وهل تعتقدون، فعلاً، أنكم صرتم في موقع الناس المقهورين، أم أن بعض التصفيق يعمي أبصاركم؟

ميشال المر الصغير قرر قيادة ثورة المقهورين والجياع. تخيّلوا أن من يرفع هذا الشعار هو الرجل الذي لم يتخلّ يوماً عن عنصريته وكراهيته لكل آخر. الرجل الذي يعتقد أن بمقدوره بناء كوكب مستقل قرب صنين، ويحق له سرقة المال العام من إنترنت، ومن قروض مصرف تملكه الدولة (بنك التمويل) ولا يسدده، قبل أن يخرج رياض سلامة، الملاك الرحيم، لإعادة تنظيم الأمور، فتنتهي المحطة مملوكة فعلياً لسلامة وجوقة المصارف، فيما أنت موظف صغير فيها، تكتفي ببعض المزايا مثل مراقبة الصبايا العاملات في المحطة… أما قرار منع السياسيين من الظهور على شاشتك، فهو حازم وصارم الى حدّ أن أحداً لن يجبرك على أي استثناء، لكن ما الذي تفعله، يا مسكين، إن قرر جهاز الإرسال، لوحده، أن يخالف قرارك عندما التقطت عدسة الكاميرا صورة الحكيم المنقذ في ساحة ساسين!
الحفل لا يكتمل من دون بقايا مرتزقة السعودية، التي لم تتحمل مجلة «نيوزويك» قدرتها على التضليل، فاضطرت الى كشف أن الذباب الإلكتروني للدب الداشر يقود معركة توجيه غضب الناس ضد حزب الله. وهو ما يفعله رائد التقدم في المنطقة العربية، محمد بن زايد، الذي لم يكتف بسرقة أموال شقيقه الأكبر، رئيس الدولة، كما يسرق نفط جنوب اليمن وغازه، بل سارع الى إنفاقها حيث يعتقد أن بمقدوره قيادة العرب الى العصر الحديث، عصر السجون السرية والقتل العشوائي والصمت الكامل. لكن الناس عندنا يحبونه، هكذا تقول 14 آذار وناشطو المجتمع المدني الذين ينبهرون، يوماً بعد يوم، برواد الحرية والازدهار في الإمارات العربية المسلوبة من عائلة قراصنة وقطاع طرق.
وماذا نفعل، أيضاً، مع ديناصور من وزن وليد جنبلاط. يطالب عبر قناة «الحرة» الأميركية بـ«تعليق المشانق لوزراء الحكومة الحالية». يا الله، كيف لهذا الرجل أن يتحدث بعد؟ وأي وزارة صحة يمكن أن تعلن خطره على السلامة العامة؟ كيف لنا أن نحل لغز هذا الرجل الذي يريد أن يضمن حكم أحفاد نجله الى ما بعد مئة عام؟ كيف لنا ذلك، ونحن لا نعرف كيف يصحو وكيف ينام ومن يعاشر وماذا يقرأ وأي علاج ينفع في إقناعه بأن المكابرة داء يمكن التخلص منه، وأن فرك العينين قليلاً، سيتيح له رؤية المشهد على حقيقته: حيث لا متصرفية جبل لبنان بقيت، وحيث اتفاق الطائف يترنح بقوة. والأهم، أن طبيعة النموذج الاقتصادي الذي كان يموّل هذه السلطات المتعاقبة ضمن نظام طائفي بنسختي الميثاق والوثيقة قد سقط أيضاً. من يمكنه إقناع جنبلاط بأن أفضل ما يمكن أن يقوم به، اليوم، هو إعفاء الدروز من معمودية نار جديدة مع أولاده، وأن يوزع على فقراء الجبل أملاكه، ويترك لهم تدبر أمورهم ضمن انخراط في إطار مدني عام… وكفى الله المؤمنين شر القتال!

الوهم والحديث عن التقسيم والفدرالية والكونفدرالية عادا ليسيطرا على قيادات فعّالة في الوسط المسيحي


وفي زاوية أخرى من المشهد، أشد قساوة، تكمن الخطورة الكبرى. حيث الوهم عاد ليسيطر على قيادات فعالة في الوسط المسيحي. وحيث الحديث عن التقسيم والفدرالية والكونفدرالية كبير، وحيث هناك محاولة جدية لتعميمه على الناس البسطاء على قاعدة «ما لنا لنا وما لهم لهم… لسنا مثلهم لنعيش معهم». هذا كلام حقيقي يقال اليوم، وكل محاولة لنفيه أو الإلقاء به على هامش النقاش كلام غير حقيقي. وزير مثّل «القوات اللبنانية» في الحكومة السابقة قال أمام سفير أوروبي: ينقصنا المطار والسهل الزراعي، وإلا لكنا استقلّينا وانتهى الأمر. هذا كلام يتردّد بين مطارنة وفي أديرة ومجالس بلدية وأهلية، ويتسرب على شكل تعليقات ونكات على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو يُردّد أمام غربيين يسألون عن الحل الأفضل. لكنه لا يعبّر عن وهم فقط، بل عن جنوح نحو عزلة غير مسبوقة، تقود الى انتحار جماعي لا أقل ولا أكثر. وهي نزعة ليست من اختراع الخارج، ولا نتيجة تحريض هذه الدولة أو تلك. هي نزعة موجودة في عقول قيادات لم تتعلم من التاريخ شيئاً، ولم تستفد من كل التجارب، وتفكر بطريقة لا ينفع معها كل تنبيه. كاد مانويل ماكرون يبح صوته وهو يقول لبعض هؤلاء: «أنا رئيس فرنسا، ولا تتحدثوا معي كأنني مالك السحر.. افهموا أنه يجب أن تتحاوروا مع الآخرين وتجدوا الصيغة للعيش معاً». لكن ماكرون الذي تملك بلاده معرفة واسعة بهؤلاء، يتصرف اليوم على أنه الوصي عليهم، وهو سيتصرف هكذا في ظل قراءة بلاده لتطورات تحدث انهياراً سياسياً واسعاً في الشارع المسيحي، وخشية من «تولّي مسيحيين أصوليين ومتطرفين الأمر»، على حدّ تعبير نافذين في إدارته.

المتظاهرون الغاضبون في الشارع يعبّرون عن سياق يخص كتلة سياسية فئوية في لبنان. ومع الأسف، وإن كان البعض سيفسر هذا الكلام بخلفيات مقيتة، إلا أن أمانة التوصيف تشير الى أن أفكار الجبهة اللبنانية البائدة هي المسيطرة على عقل غالبية من يدير الشارع. والمتوهمون من «المجتمع المدني» ليسوا سوى أدوات وبيادق لا قدرة لها على إدارة صنع القرار. وها نحن نقترب من لحظة الفراغ القاتلة، وأكثر ما يمكن للعالم أن يفعله، هو تكليف فرنسا بإدارة حوار لبناني – لبناني، في بيروت أو في باريس. حوار لا يستهدف تغيير السلطة، بل تغيير النظام… وما دونه فوضى ستجبّ كل ما قبلها!

مقالات متعلقة

Secretary General of Kataeb Party killed in Beirut Port explosion

By News Desk -2020-08-04

The Secretary General of the Kataeb Party, Nizar Najarian.

BEIRUT, LEBANON (9:20 P.M.) – The Secretary General of the Kataeb Party, Nizar Najarian, was reported dead after suffering a severe injury at the party’s headquarters during the massive blast at the Port of Beirut on Tuesday.

According to LBCI, the party’s secretary general died as a result of a severe head injury at the party’s headquarters, Beit Al-Wassit (Central House), in Beirut.

Several politicians have mourned his death, including the President of the Kataeb Party of Lebanon, Samy Gemayel.

The Lebanese Health Ministry has reported that as many as ten people have been killed as a result of the explosion at the Port of Beirut.

Civil defense units are now combing through several areas around the explosion’s epicenter to help civilians and put out fires.

«الجعجعة» متأجّجةٌ في زمن وطنيّ صعب

د. وفيق إبراهيم



هذه معادلة فاضحة تكشف بين فئة تدافع عن لبنان، وجهات داخلية تواصل رهن وطنها منذ ستة عقود وأكثر لمصلحة النفوذ الأجنبي الأوروبي حيناً والأميركي في معظم الأحيان مع تأييد للعدوانية الإسرائيلية بالصمت او بمهاجمة حزب الله الذي يجابهها، وكلا الأمرين أكثر من فضيحة تستأهل اتهام العاملين بها “بالعِمالة” الكامل كحد أدنى.

هذا ما يستدعي سؤال هذه الفئات المجعجعة عن هوية مشروعها السياسي، ألا تنتمي الى الآلية السياسية التي تحكم لبنان منذ تأسيسه في 1943 وصولاً الى وصول بشير الجميل الى الرئاسة على متن علاقاته المرسخة بصوره مع قادة العدو الإسرائيلي في أكثر من زمان ومكان.

فهل ينسى أحد المقابلة التلفزيونيّة التي أجراها وريثه وشقيقه أمين الجميل مع محطة الجزيرة إثر تسلّمه رئاسة البلاد. وقال صراحة إن حزبه يتلقى المساعدات والسلاح من “اسرائيل” متباهياً بأنه لم يتلقّ حتى كباية ماء من اي دولة عربية… اليس هؤلاء هم من بنى “الكتائب” و”القوات” التي يترأسها حالياً سمير جعجع المشارك في القيادة قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982.

نحن إذاً الآن وسط صراع داخلي بين لبنانيين متمسكين بفكرة لبنان المستقبل وبين لبنان آخر يعمل في خدمة النفوذ الأميركي – الإسرائيلي.

لكن انكشاف التحالف الخليجي مع “اسرائيل” انعكس على اوضاع حلفائها اللبنانيين، فلم يعودوا بحاجة للتستر على تأييدهم للكيان المحتل، بل أصبحوا أكثر تطرفاً من تيار الكتائب والقوات ويضيفون عليهم مدداً في هذا الموضوع.

ما يستدعي سؤال هؤلاء عن مشروعهم السياسي، هل هو محايد ومستقلّ أم أنه جزء من المشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي؟ وماذا يعني مشروع على هذا النمط في بلد يحتوي على سبع عشرة طائفة ومذهباً لكل منها ارتباطاتها الإقليميّة ومشروعها السياسي، الامر الذي يؤكد أن المشروع القواتيّ الحريريّ يطمح إلى بناء دولة متصدّعة بطوائفيّاتها ومرتبطة جيوبوليتيكياً بالأميركيين وعمليانياً بـ”إسرائيل” وتمويلياً بالخليج.

لمزيد من التوضيح فإن سمير جعجع وفؤاد السنيورة وفارس سعيد قيادات دستورية وسياسية لا تزال حاضرة، وأطلقت منذ يومين فقط هجمات حادة جداً على التحالف بين الرئيس ميشال عون وحزب الله، وأصرت على تجريد حزب الله من سلاحه لأنه يدمّر لبنان.

هذه اتهامات قيلت بالتزامن مع قصف إسرائيلي أصاب قرى جنوبية لبنانية وتهديدات من الكيان المحتل نفسه بفتح حرب كبيرة تشمل الداخل اللبناني، وسرعان ما تلقف هذا النمط من القيادات، هذا النهج الإسرائيلي معتبرين أنها فرصتهم للعودة الى السلطة كعادتهم أي على متن ما يعادل حجمهم وهي دراجة هوائية إسرائيلية بديلاً من الدبابة الإسرائيلية التي امتطاها في الثمانينيات من القرن الماضي، بشير وأمين.

ماذا يريد جعجع؟ أعلن ان حلف عون – حزب الله دمّر لبنان السياسي والاقتصادي بما يؤكد ان “السمير” لا يريد ضرب حزب الله فقط، بل إطاحة كل من ينافسه في الساحة المسيحية، بذلك يستطيع الإمساك بالحصة المسيحية من الحكومة ورئاسة الجمهورية. وهذا ليس بجهود من صناعته بل من خلال العدوانية الإسرائيلية الأميركية الخليجية.

بدوره فؤاد السنيورة الذي ينتحل صفة “عروبي” يعتبر أن سلاح الحزب هو الكارثة الكبرى، التي يجب اقتلاعها بما يكشف ان سياسات السنيورة أكثر إقليمية من سياسات حليفه جعجع، لأن فؤاد يعرف ان وصوله الى السرايا الحكومية رهن بأمرين متلازمين: استئصال سلاح الحزب من الداخل ووضعه في خدمة السياسات الإقليمية السعودية التي لا تزال تشكل الطريق الاساسية للوصول الى رئاسة الحكومة في لبنان.

هذا يشير الى ان كل واحد من هؤلاء إنما يضرب على الجهة التي تفتح الدرب له لتحقيق طموحاته ومن خلال تلبية المشاريع الخارجية في لبنان.

اما على مستوى فارس سعيد النائب السابق فلا يزال يصرّ على تذكير اللبنانيين بمرحلة كانتون حداد في الجنوب، اي يريد تحويل لبنان بكامله الى مستعمرة إسرائيلية تحمي المشروع الطائفي في لبنان.

وهذا التصعيد من قبل سعيد عائد الى عدم امتلاكه لحزب في الميدان المسيحي وحاجته الى التصعيد لتحقيق أكبر تحشيد ممكن يتيح له العودة الى المجلس النيابي وربما أكثر، فيصبح ضرورة إلزامية حتى للأحزاب المسيحية الكبرى التي لن يعود بوسعها تجاهله كما فعلت في الدورات الانتخابية الماضية.

ما يؤسف له هنا، ان يصبح الطموح السياسي الشخصي أكثر أهمية من مصالح الوطن، وهذا يبرر للثلاثي جعجع السنيورة وسعيد بيع البلاد “بالجملة” للكسب بالمفرق وعلى قياسهم.

لذلك يحق للبناني العادي أن يسألهم كيف يهاجمون حزب الله في وقت تعتدي فيه “اسرائيل” على لبنان وتكشف الدوائر الأوروبية والأميركية علناً ان الانهيار الاقتصادي في لبنان ناتج من تراكمات سياسات اقتصادية بدأت قبل ثلاثة عقود، اي متزامنة مع مرحلة الشهيد رفيق الحريري صديقهم وممولهم.

يتبين أن هذا النمط من السياسيين يجري لاهثاً وراء أي مشروع خارجي يعاود دفعهم الى السلطة او يجعلهم يحتكرونها.

وهذا نوع من البساطة السياسية لأن السلطة وليدة توازنات قوى أمسك بها التيار الكتائبي – القواتي بعد انهيار توازن القوى كنتيجة للاجتياح الإسرائيلي للبنان.

أما التوازن الإقليمي واللبناني الحالي فهو لمصلحة حزب الله الذي أصبح أكبر قوة إقليمية جاهزة وله في لبنان دور سياسي في المؤسسات الدستورية، ارادة ان يبقى دون حجمه الفعلي، لكنه يؤدي له دور الحارس على المؤسسات الدستورية وعلاقتها به.

ان الإجابة الواضحة على هذا الثلاثي تنحصر في تأكيد كامل التحليلات السياسية على تناقض مصادرها بأن الحلف العوني مع حزب الله هو الذي انتج استقراراً لبنانياً وطنياً منذ عقد ونصف العقد، واي كلام آخر لا يندرج إلا في إطار الجعجعة في زمن وطني صعب.

لبنان قويّ بقوّته وحقّه ومقاومته وليس بـ «ضعفه وحياده»

د. جمال شهاب المحسن

جمال شهاب المحسن - Home | Facebook

قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي خلال استقباله وفداً من الكوادر الكتائبية من المناطق القريبة من الديمان وبكركي: «عندما تداخلنا مع أحلاف وأحزاب وأعمال عسكرية أصبحنا بعزلة تامة عن العرب وعن الغرب وأصبحنا لوحدنا كما السفينة في البحر الهائج… وإن الحياد هو لصالح كلّ اللبنانيين…»

هذا الكلام أكثر من واضح فهو يقصد فيه مشاركة حزب الله في ما يسمّيه «أعمال عسكرية» في سورية، وغيّب عن سابق تصوّر وتصميم الواقع الفعلي لهذه المشاركة النبيلة والأصيلة التي هي دفاع عن سورية ولبنان معاً في مواجهة الحرب الإرهابية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية المتحالفة مع الكيان الصهيوني ضدّ سورية وقيادتها وجيشها وشعبها ودورها العربي المحوري والريادي في سبيل قضايانا الكبرى المحقّة والعادلة… وفاته أيضاً أنّ سورية هي سيف العروبة وترسها وقلبها النابض وأمها وأبوها، وأنّ الأعراب الذين تآمروا عليها في سياق المشروع الصهيوني الأميركي الإرهابي قد خرجوا من شرف الأمة وقيَمها منذ زمن طويل …

إنّ البطريرك الراعي في حملته «الحيادية» يتحدث أمام كوادر حزب الكتائب الذي كان يرفع شعار «قوة لبنان في ضعفه» والذي لم يكن حيادياً على الإطلاق في محطات مفصلية من تاريخ لبنان وأبرزها أنه كان إلى جانب الاجتياح الاسرائيلي المدعوم أميركياً للبنان عام 1982، حيث كان من جملة أهداف هذا الاجتياح وصول هذا الحزب الى السلطة وترجمة كلّ الأعمال العسكرية والأعمال الشنيعة الصهيونية والأميركية في أخذ لبنان من ضفة الى ضفة مناقضة… ولكنّ المقاومين اللبنانيين الأبطال حافظوا على هوية لبنان وعلى وحدته أرضاً وشعباً ومؤسّسات .

هل تحرك زيارة الراعي قضية المبعدين اللبنانيين إلى اسرائيل؟
هل تحرك زيارة الراعي قضية المبعدين اللبنانيين إلى اسرائيل؟

ولمن ينسى أو يتناسى أو يصدّق من يتصدّر اليوم حركة «الحياد» من موقعه الديني مع أنّ في الأديان السماوية الإلهية لا حياد بين الحق والباطل، نذكّره بما أطلقه الشخص نفسه في زيارته لفلسطين المحتلة عام 2014 خارجاً عن أصول «الزيارة الرعوية» إلى موقف سياسي صدم كلّ الوطنيين وأصحاب الضمائر الحيّة بتعاطفه العلني مع العملاء والخونة الذين اندحروا مع الاحتلال «الإسرائيلي» عام 2000.

وأين؟ في فلسطين المحتلة

فالراعي، ومن بلدة عسفيا على قمة جبال الكرمل في فلسطين المحتلة، تطرّق إلى مسألة اللبنانيين الذين وصفهم بـ «المبعدين»، وأبدى «رفضه التعامل معهم كمجرمين»، معتبراً أنّهم «لبنانيون أكثر من البعض الموجود في لبنان»، وقال: «لم أجد لبنانياً متعاملاً ضدّ لبنان، والجماعة التي خرجت من لبنان هل حاربت ضدّ لبنان أو حاربت الدولة أو المؤسّسات، وعطلت الرئاسة وهجّرت اللبنانيين وفقّرتهم، وخلقت أزمة في لبنان؟» ومضيفاً: «أريد أن أفهم ما هي جريمتهم، في وقت نرى هدم المؤسّسات وإقفال القصر الجمهوري؟

وشدّد الراعي على أنه «سيعمل بكلّ قوته من أجل حلّ هذه المشكلة»، وبالتالي «عودة هؤلاء إلى لبنان».

وردّاً على البطريرك الراعي وبوضوح فإنّ هؤلاء الخونة الذين اكتسب بعضهم كجزّار معتقل الخيام العميل الإسرائيلي عامر الياس الفاخوري الجنسية الإسرائيلية هم فارّون من وجه العدالة وليسوا مبعدين لتطلق الدعوات إلى عودتهم دون محاكمة عادلة ودون عقاب… وبعبارة واحدة إنهم عاونوا وآزروا العدو الصهيوني الإرهابي المجرم على ارتكاب الكثير الكثير من الجرائم والمجازر بحق اللبنانيين… والتاريخ سجل عليهم خيانتهم العظمى للوطن.

وفي هذه الأيام وبوتيرة متصاعدة يتحدث البطريرك الراعي عن «الحياد» كما تحدث ميشال سليمان وآل الجميّل وبقايا 14 آذار عن «الحياد» و»النأي بالنفس» عفواً «اللّعي بالنفس»، وكلّ ذلك لتطويق مقاومتنا البطلة التي نعيش أجواء ذكرى انتصاراتها في تموز – آب عام 2006 والتي رفعت هاماتنا عاليةً في مواجهة كافة التحديات…

إنّ «حديث الحياد» يأتي في سياق التشويش على الحقائق الساطعة وأهمّها أنّ لبنان قويّ بقوّته وحقّه ومقاومته وليس بـ «ضعفه وحياده»…

ولمنْ يراهن على معادلاتٍ جديدةٍ وغير ذلك في الآتي من الأيام فهو واهم واهم وملتبس…

*إعلامي وباحث في علم الاجتماع السياسي

مقالات متعلقة

الحالمون بلبنان «نموذج 1920» مهلوسون

د. وفيق إبراهيم

تتشابه أحداث التاريخ لناحية الشكل فقط، لكنها تختلف بالنتائج لتنوّع المشاريع والأدوات والعناصر والتوازنات.

هذه من الأحكام التي يتعلمها الإنسان، إلا أن نفراً من اللبنانيين يتجاهلها مكرراً الأخطاء نفسها التي سبق للخط السياسي الذي ينتمي إليه، أن اقترفها منذ قرن من الزمن.هذا يقودُ إلى حزب القوات اللبنانية وريث حزب الكتائب والحامل لفكر انعزالي معادِ تاريخياً للمنطقة العربية بدءاً من سورية حتى أعالي اليمن والقائم على تقليد الغرب، كيفما اتجه واستدار.لا بأس في البداية من الإشارة إلى أن لبنان الحالي هو من تأسيس الانتداب الفرنسي الذي تضامن مع مساعٍ للكنيسة المارونية وفئات الإقطاع في عملية تصنيع كيان لبناني جرى تشكيله بمعادلة طوائفية إنما بهيمنة مارونية كاملة. فنشأ سياسياً خطان لبنانيان، أحدهما يميل إلى الغرب الذي كان فرنسياً وأصبح أميركياً وآخر يجنح نحو المنطقة العربية من بوابة سورية.

أتباع الخط الغربي كانوا الأكثر قوة على مستوى التنظيم الطائفي والاقتصادي والتحشيدي لأنهم يربطون بين استمرارية الكيان السياسي اللبناني والغرب الداعم له، معتقدين أن مناصرين الخط الآخر يعملون على استتباع لبنان للمنطقة.لذلك أمسك لبنانيّو الغرب بالإدارة والمصارف والتجارة والعسكر على مستويي الجيش والأمن الداخلي، وكانوا يميلون إلى كل اعتداء غربي على المنطقة مع علاقات سريّة للمتطرفين منهم مع «إسرائيل».

والدليل أنهم في أحداث 1958 أيّدوا الاعتداءات الأميركية على المنطقة والإنزال الأميركي على سواحل لبنان وساندوا احتلالاً أميركياً أوروبياً للبنان في 1982، مواكبين آنذاك اجتياحاً إسرائيلياً وصل إلى بيروت وداعمين «استحداث كانتون» لسعد حداد ووريثه لحد في جنوب لبنان بتغطية إسرائيلية ومنظّمين حرباً أهلية في 1975 لتنفيس صعود القوى الوطنية اللبنانية في الدولة وارتباطاتها بالفلسطينية.هناك تغييرات عميقة تشكلت بعد ذلك الوقت في العلاقات السياسية الداخلية، استناداً لسلسلة انتصارات سجلها حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية في وجه «إسرائيل» من جهة والقيود التي كانت مفروضة عليهم من قبل النظام اللبناني.هذه التحالفات بين الحزب والقوى الوطنية لها ميزات متعددة، أولها أن مشروعه وطني غير طائفي وبالإمكان اعتباره عابراً للمحدودية اللبنانية لأنه جابه في آن معاً الكيان الإسرائيلي المحتل وطائفية النظام اللبناني، والدليل أنه لم يربط إنجازاته الكبيرة بأي مطالب داخلية.أما الإنجاز الثاني فيتعلق بتقليص أحجام القوى الطائفية المتنوعة في النظام اللبناني حتى أصبح هناك نظام طوائفي في السلطة، ومشروع نظام وطني في المجتمع، لكن المشروع الوطني لا يزال يصعد مقابل التراجع المستمر للنظام الطائفي.هذا ما استوعبته أحزاب القوات والمستقبل والاشتراكي ونفر غير قليل من القوى الشيعيّة، هؤلاء يحاولون استغلال جنون أميركي يحارب تراجع نفوذ بلاده بسلسلة آليات اقتصادية وعسكرية تضرب اليمن بقصف جوي غير مسبوق وتخنق إيران بكل ما يملك الأميركيون من إمكانات اقتصادية داخلية وخارجية، مثيراً مزيداً من الاضطرابات الدافعة نحو تفتيت العراق، معاوداً دفع الأمور إلى صدامات كبرى في شرق الفرات السوري وإدلب.كما اختزن للبنان خنقاً اقتصادياً بحصاره بحركتي الاستيراد والتصدير، ما أدى إلى جفاف مصارفه وفرار رساميلها وسرقة الودائع، واحتجبت الكهرباء وأقفلت التفاعلات الاقتصادية وغابت السياحة ما أدى إلى انتشار فقر صاعد غير مسبوق يهدّد بانفجار اقتصادي وسياسي.. وكياني أيضاً.

هذه الموجة هي التي يحاول الفريق الأميركي في لبنان ركوبها لضرب خطوة التوازنات في الداخل، فيعتقد جعجع ببساطة أن هذا الضغط الأميركي هو السبيل الوحيد لضرب الأدوار الداخلية والإقليمية لحزب الله، وخنق التيار الوطني الحر، وإبعاد نبيه بري عن رئاسة المجلس النيابي وتدمير الأحزاب الوطنية اللبنانية وإقفال الحدود مع سورية تمهيداً لفتح معبر آخر يربط لبنان بالخليج من خلال الكيان المحتل فالأردن والسعودية مباشرةً من دون الحاجة لاستعمال الحدود السورية والخدمات الاقتصادية للعراق.

بذلك يتماهى حلف جعجع – الحريري – جنبلاط مع المشروع الخليجي بالتحالف مع «إسرائيل» فينتمون إليه بما يجمع بين سياساتهم الموالية للأميركي السعودي الإسرائيلي وحاجتهم إلى المعونات الاقتصادية.

لكن المهم بالنسبة لهذا الفريق أن تنعكس ولاءاتهم الخارجية على مستوى تسليمهم السلطة في لبنان، وهذا يتطلب نصراً على حزب الله والقوى الوطنية وحركة أمل والتيار الوطني الحر وقوات المردة وبعض الأرمن والسنة المستقلين والدروز عند أرسلان ووهاب.

إن التدقيق بهذه الكتل، يكشف أنها تشكل أكثرية سياسية واجتماعية لبنانية بمعدلات كبيرة، وقد يحتاج إلحاق هزيمة بنيوية بها لحروب المئة عام.بما يعني أن الفريق الجعجعي ذاهب نحو طلب قوات أميركية وإسرائيلية مباشرة لغزو لبنان وضرب القوى المعادية للنفوذ الغربي الاستعماري وتسليم السلطة لـ»الحكيم».أليس هذا من باب فقدان الرزانة السياسية ولا يندرج إلا في إطار الثقة ووضع لبنان في مصير سوداوي؟

ما يجب تأكيده أن لبنان نموذج 2020 هو غير لبنان القديم الفرنسي، فالحالي منتصر على إسرائيل والإرهاب والقوات المتعددة، وقواه في حزب الله والقوى الوطنية وحركة أمل جاهزة للتعامل مع كل أنواع المخاطر، بما فيها الاحتلال الإسرائيلي الذي فرَّ مذعوراً في 2000 و2006، والأميركيون المتراجعون في معظم الشرق الأوسط، وفي القريب العاجل.. من لبنان.